عند وصول جمال باشا إلى دمشق لقيادة حملة الجيوش العثمانية ضد الانكليز في مصر، استقبله أهل المدينة (دمشق) وعلماؤها باعتباره مبعوث الخليفة للقيام على جهاد الانكليز.
وسأل جمال باشا والي دمشق عن العلماء الموجودون فقال له ان اغلب العلماء هنا باستثناء بعض السادة العلماء منهم الشيخ محمود
أبو الشامات شيخ الطريقة الشاذلية بدمشق وهو من أعيان علمائها. عندها عزم جمال باشا على زيارة الشيخ ليعرف سبب غيابه عن استقبال مبعوث الخليفة. (ووقتها كانت الخلافة قد سقطت فعلياً وانتقلت السلطة الى الاتحاديين).
دخل جمال باشا الى الزاوية الشاذلية في دمشق حيث يعتكف الشيخ محمود ودخل الى غرفة الشيخ. كان الشيخ يجلس في الغرفة يذكر الله على حصير له، والغرفة خالية من اي متاع باستثناء كرسي صغير قرب الباب.
كان الشيخ ابو
الشامات ذو هيبة ووقار ولما رآه جمال باشا اكتفى بالسلام فرد عليه الشيخ وبقي على جلسته دون ان يقوم لاستقباله، بل لم يأذن له بالجلوس فبقي جمال باشا واقفاً. مرت الدقائق وكل منهما لم يتكلم بكلمة حتى انتهى الشيخ من ورده فقال لجمال باشا تفضل اجلس فجلس.
سيطر الصمت على المجلس، فبادر الشيخ بسؤاله: “ما الذي أتى بك؟” فرد جمال باشا : “عندي سؤال”،
فقال الشيخ “ما هو؟”
فقال جمال باشا : “كيف نفهم قول الله تعالى : “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل” في حالنا. فنحن نعد العدة بكل قوتنا واستطاعتنا ولكن لا ننتصر. ما هو الجواب؟”.
فقال الشيخ كلمة مدوية عامة تنطبق على زماننا اليوم بل على حال الأمة من يومها الى الان :
“من أهان سلطان الله أهان الله سلطانه”
هذه الكلمة العظيمة زلزلت جمال باشا، فقال للشيخ جزعاً : “أنا كنت ممن دخلوا على السلطان عبد الحميد وكنت أحمل مسدسي بيدي فما حكمي عند الله؟” فرد عليه الشيخ : “أنت ونيتك”.
فخرج جمال من عند الشيخ وهو يطلب بركاته ودعواته، في حال معاكس لحاله الأول.
—————
هكذا كان حال رجال المجد لا يخافون السلاطين ولا يخشون في الله لومة لائم. فالله تكفل بحفظهم من كل من اراد بهم سوءاً بسبب وقوفهم على الحق.
وهذه الكلمة التي خرجت من فم هذا العالم الصالح تسطر لنا قاعدة عامة فاصولها معروفة في الشرع، فكلمة سلطان الله هنا تأخذ الكثير من المعاني : كلما تركنا شرع الله أهاننا الله، وكلما تفرقنا اهاننا الله، وكلما خذلنا اخواننا المسلمين زادنا الله ذلاً وخذلاناً…
———————–
القصة رواها عدد من مشايخ دمشق لشيخ والدي، الذي رواها لوالدي بدوره ومنه إليّ، والمشايخ كلهم ثقات ان شاء الله. والرواية منقولة بالمعنى.