الذوبان في المدن أو الانغماس في الصحراء:
خيارات "تنظيم الدولة" بعد تراجع سيطرته
========================
2017-9-2 |
وائل عصام
تعتبر الخسارة السريعة لتنظيم "الدولة" في تلعفر العراقية والقلمون السورية مؤشرا جديدا على تراجع قوته وترابط أفرعه بالقيادة المركزية. إذ يبدو أن الاعتبارات المحلية لعبت الدور الأكبر في تنفيذ الانسحاب بالنسبة لتركمان تلعفر، ومبادرة التفاوض بين حزب الله ومقاتلي القلمون الذين انضموا للتنظيم قادمين من فصائل القصير للجيش الحر، وهي حالات تحدث للمرة الأولى لدى التنظيم الذي طالما رفض أي تسويات علنية تفضي لانسحابه من مواقع خاضعة لسيطرته.
وبانتظار فصول المواجهة الأخيرة التي يُتوقع أن تحتدم مع قوات النظام السوري نهاية هذا العام في دير الزور وريفها الشرقي، فإن كل مواقع التنظيم الأخرى في الحويجة وغرب الأنبار العراقية، وكذلك في ريف درعا الغربي حيث جيش خالد الموالي للتنظيم، ستسقط تباعا، لتتحول دير الزور إلى الملاذ الأخير لمقاتلي التنظيم، كما تحولت ادلب بالنسبة لمقاتلي النصرة.
ويدور الحديث عن مستقبل عناصر وقيادات التنظيم ما بعد خسارته لهذه المعاقل، إذ إن الجماعات الجهادية عرفت بقدرتها على الانكفاء والتكيف، حيث تمكن تنظيم "الدولة" من الكمون لثلاث سنوات في عدة مساحات صحراوية في العراق، قبل أن يعيد نشاطه في الساحة السورية بعد الثورة مباشرة بفرعه الذي انشق عنه لاحقا النصرة، ولكن الهجمة المنظمة التي تقودها القوات الحكومية وحلفاؤها الدوليين في العراق وسوريا ضد التنظيم، تشير إلى أن مساحات الصحاري التي كانت متاحة سابقا للاختفاء بالعراق قد تتقلص بشكل كبير.
أما في سوريا، فإن النظام قد أكمل تقريبا السيطرة على معظم البادية السورية وسلاسل الجبال التدمرية التي كانت من أهم معاقل التنظيم التي مكنته من شن هجمات منظمة على السلمية وتدمر، وشكلت خط صد متقدم لمركزه دير الزور.
ومع تضاؤل فرص التنظيم في الاختباء في مساحات الصحراء بالعراق وانعدامها في سوريا، فإن مقاتليه قد يلجأون إلى خيارات أخرى بعد إبعادهم عن معاقلهم، أهمها الذوبان في المدن والقرى التي يشتركون فيها بالانتماءات العشائرية والعائلية، ولن يكون هذا الخيار ممكنا للقيادات أو الأفراد المعروفين في بلداتهم الأصلية، إذ قد تجري حملات اعتقال وانتقام من قبل بعض الأهالي المتضررين من مقاتلي التنظيم، وخصوصا الأمنيين، وستأخذ هذه القضية أبعادا أخطر في المناطق العشائرية كريف دير الزور، التي قد تمتد فيها حالات الثأر لتشمل عشائر أيدت التنظيم ضد جيرانها.
وفي المقابل، فإن الكثير من مقاتلي تنظيم "الدولة" غير المتورطين في أعمال أمنية أو دموية ضد السكان المحليين، قد يحظون بحماية أقاربهم في تسويات ذات طابع قبلي كثيرا ما تحدث في هذه المناطق الريفية والعشائرية، إضافة إلى خيار النزوح لبلدان الجوار كتركيا وكردستان ولبنان، حيث لن يكون من السهل على الأجهزة الأمنية التعرف على الهويات الحقيقية للكثير من أفراد التنظيم، الذين لا يوجد ما يثبت انتماءهم في ولاياتهم المحلية سوى شهادات السكان المحليين.
ولكن القيادات الأساسية لن تتمكن بالطبع من البقاء والذوبان في تلك القرى المحلية بسوريا والعراق، إلا بالاختباء والتخفي في مجتمعات لا تربطهم بها علاقة سابقة، بحيث لا يمكن التعرف على هويتهم، أما القيادات الأكثر أهمية فستلجأ على الأغلب إلى مناطق نائية بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية، كما في جبال مكحول وصحراء الجزيرة قرب سامراء ومناطق غرب الأنبار، وهي مناطق ستخضع غالبا لحملة مداهمات مشددة أملا في تقليص مساحات الاختباء للتنظيم، لكن وعورتها وشدة بعدها عن مراكز المدن والقرى ستجــــعل من الصعوبة بمكان اتمام تمشيطها بالكامل.
وغني عن القول أن ما سبق الحديث عنه يتعلق بخيارات التخفي بالنسبة للعناصر التي لن تكون مكلفة بمهام عسكرية مباشرة، لأن الهجمات الخاطفة على ثكنات ومواقع القوات الحكومية في العراق وسوريا، وخصوصا في المناطق التي تحد المساحات الصحراوية، ستكون من ملامح المرحلة المقبلة التي سينتقل تركيز التنظيم فيها من هدف السيطرة والتمكين في المدن إلى الهجمات الخاطفة السريعة ثم معاودة التخفي بعيدا عن المدن.
وتبقى العوامل الأخطر لدفع التنظيم للظهور مجددا، هي مسار النزاع في العراق وسوريا بالنسبة للسنة، إذ سيعود بعض السنة لدعم هذه التنظيمات المسلحة السنية إذا تواصلت حملة الاقصاء الممنهجة من قبل الميلشيات الشيعة وحلفائها في دمشق وبغداد، خصوصا وأن مكونا آخر بات يشكل تهديدا ديموغرافيا لمناطق العرب السنة شمال العراق وسوريا وهم القوميون الأكراد في مشروعهم الآخذ في التمدد حتى وصل إلى احدى أكبر المدن العشائرية العربية، الرقة.