تنافس أجهزة النظام بين الموالين لطهران وموسكو: "جيش إيران" داخل سوريا
=========================
2017-8-24 |
خدمة العصر
نشر الكاتب السوري، مدير صحيفة "الحياة" اللندنية سابقا في دمشق والذي انتقل مؤخرا للعمل في صحيفة "الشرق الأوسط"، إبراهيم حميدي، تقريرا مفصلا عن ميلشيات إيران في سوريا، اقتبسنا منه أهم ما ورد فيه:
- تنتشر في سوريا ميليشيات محلية وأجنبية تابعة لإيران يزيد عددها على 50 مجموعة ويتجاوز عدد مسلحيها 60 ألفاً يعملون تحت قادة خبراء عسكريين إيرانيين على تنفيذ استراتيجية طهران.
- كان أول من شارك في الأزمة السورية من تلك الميليشيات "فيلق القدس" بقيادة قاسم سليماني، التابع لحرس الثورة الإيراني، و"حزب الله" اللبناني، وبعض العراقيين المقيمين في منطقة السيدة زينب بريف دمشق الجنوبي. كان ذلك في مايو 2011؛ أي بعد اندلاع الثورة السورية بنحو الشهر والنصف. بعدها، توالت فصول الإستراتيجية الإيرانية في سوريا، بطريقة مشابهة لما جرى في لبنان إبان ثمانينات القرن الماضي، والعراق بعد حرب 2003.
- يعد مطار دمشق الدولي "قلب" الوجود الإيراني والميليشيات متعددة الجنسيات التي يقودها "فيلق القدس" في سوريا. ومما يشبه القاعدة المبنية بجوار المطار، يوجه الخبراء الإيرانيون المسلحين الوافدين سواء من إيران أو العراق. ولضمان أمن المطار، تجاهد إيران للسيطرة الكاملة على منطقتي جنوب دمشق والغوطة الشرقية. من هنا يمكن فهم غضبها حيال الإعلان الروسي عن منطقة "خفض التصعيد" في الغوطة الشرقية بوساطة مصرية.
- تحظى مدينة السيدة زينب بمكانة خاصة في الإستراتيجية الإيرانية المتمركزة حول مطار دمشق، إذ تشكل المدينة نقطة ارتكاز للميليشيات متعددة الجنسيات التي تقودها إيران حول دمشق، تمكنها من مراقبة الريف الجنوبي والشرقي للعاصمة السورية.
-إ ذا كانت حميميم هي قلب الوجود العسكري الروسي، فإن المنطقة المحيطة بمطار دمشق هي "القلب النابض" للوجود الإيراني متعدد الجنسيات في سوريا. ويدير قادة الحرس الثوري الإيراني أنشطتهم في سوريا من مبنى قريب من مطار دمشق الدولي، وفقا لما أوردته تقارير.
وللقلب الإيراني نظير آخر خاص بـ"حزب الله" هو مدينة القصير بريف حمص الغربي. يحتل مقاتلو الحزب المنطقة المحيطة بالمدينة، ويمنع الأهالي من العودة إلى قراهم وزراعة أراضيهم الخصبة. ومن هناك تمدد مسلحو الحزب إلى بقية المناطق السورية حلب، وحماة، وإدلب، دير الزور، وأخيراً، البادية الشامية.
- وإذا كان مطار دمشق يُنظر إليه على أنه قلب الوجود الإيراني،
فإن محافظة حمص هي العمود الفقري لهذا الانتشار الايراني ، هناك تتلاقى الميليشيات المدعومة إيرانياً الوافدة إلى سوريا، سواء من العراق، أو لبنان، أو إيران، أو أفغانستان، أو باكستان، ومنها تتفرع الأجنحة والميليشيات المدعومة من إيران إلى المحافظات الساحلية اللاذقية، وطرطوس، والشرقية دير الزور تحديداً، والشمالية حلب، وإدلب وحماة.
- في معسكرات تابعة لجيش النظام يتولى خبراء إيرانيون وعراقيون، تدريب جنود احتياط وخدمة إلزامية لمن مُسك به في الحواجز الأمنية والعسكرية المنتشرة في البلاد، وغالية هؤلاء المجندين من السنة.
- دخلت إيران بكامل قوتها في الحرب السورية منذ أواسط عام 2011. كان ذلك عبر مستشارين وخبراء، ومع تعاظم خسائر النظام وتراجعها منتصف عام 2012، أطلقت إيران برنامجها الشامل لرفد قوة النظام وإعادة التوازن له.
- في البداية، اقتصر الدور الإيراني على جهود تشكيل قوات شعبية سورية من المتحمسين من الأقليات، وخصوصا المسيحية والعلوية، بالترافق مع تجنيد العراقيين والأفغان الموجودين في سوريا وإيران للدفاع عن النظام، والتعاون مع "حزب الله" لمساندة النظام، خصوصاً في الزبداني وحمص. ليتضخم البرنامج لاحقا ويتوسع حتى اقترب من بناء "جيش شيعي عابر للجنسيات"، يحتل مناطق واسعة من لبنان، والعراق، وسوريا، عماد قوته الأساس من الميليشيات العراقية.
- على رأس هذه الميليشيات تلك العراقية، وأبرزها "كتائب الإمام علي"، المنضوية تحت راية "الحشد الشعبي" في العراق، وقاتلون في البادية الشامية. ومثلها "كتائب حزب الله النجباء" و"كتائب سيد الشهداء" و"حركة الأبدال"، وينشطون بشكل خاص في البادية. وتتركز مقرات الميليشيات العراقية في السيدة زينب، وبلدة العيس جنوب حلب، وكذلك في مقرات الفرقة الثامنة عشرة بريف حمص الشرقي.
- يُعدَ "أبو مهدي المهندس" القوة المحركة وراء ميليشيات "الحشد الشيعي" في العراق وسوريا، رغم أن الرئيس الفعلي لهيئة "الحشد" هو مستشار الأمن الوطني فالح فياض. ساهم "حزب الله العراقي"، الذي أسسه "المهندس"، مع "عصائب أهل الحق العراقية"، في تأسيس "لواء أبو الفضل العباس"، الذي يتخذ من السيدة زينب مقراً له. نشأ اللواء من العراقيين الشيعة الموجودين في سوريا، قبل الحرب، خصوصاً أن البلاد ضمت أكثر من مليون لاجئ عراقي تمركزوا في مدن السيدة زينب وجرمانا والتل بريف دمشق.
ومن هؤلاء تكونت النواة الأساسية لـ"لواء أبو الفضل العباس"، الذي لم يكن في البداية سوى مجرد فرع محلي لميليشيات "قوات الدفاع الوطني"، انحصرت مهامه في التعامل مع المتظاهرين، ثم لاحقاً مع الثوار في مناطق حجيرة وعقربا والسيدة زينب. منذ تأسيسه، تضخم اللواء ليغدو شبكة تسيطر على مقرات ومواقع متناثرة في السيدة زينب وقرب مقام السيدة رقية وحي الجورة الشيعي بقلب دمشق القديمة.
- وبعد قرار المرشد الإيراني علي خامنئي في عام 2015، الذي أتاح للإيرانيين التطوع للقتال في سوريا، تأسست "سرايا طلائع الخراساني"، المختلطة من مسلحين عراقيين وإيرانيين تنحصر مهامها في تأمين مطار دمشق الدولي.
- كما قاتلت في سوريا قبل سيطرة "داعش" على الموصل، ميليشيات تتبع الجيش العراقي، مثل "لواء الإمام الحسن المجتبى" الذي ارتكب مجازر في محيط السيدة زينب، ووصل عدد مقاتليه إلى ألف مقاتل، وكذلك "لواء أسد الله"، الذي يرتدي مقاتلوه ملابس تحمل شارات قوات التدخل السريع العراقية (سوات).
- ينقل مشاركون في التدريبات من جنود جيش النظام أن الميليشيات العراقية لها مشروع خاص في سوريا، منفصل حتى عن المشروع الإيراني،
ويقولون إن المقاتلين العراقيين أتوا إلى سوريا كي "يستوطنوها".
- إضافة إلى هؤلاء، يوجد لواءان؛ أحدهما وفد إلى سوريا من أفغانستان هو "الفاطميون" والآخر من باكستان، هو "الزينبيون"، الأول منهما أكثر شهرة من الثاني، ويقدر عدد مسلحيه بنحو ألف مقاتل، قاتلوا في درعا وتدمر وحلب. ويشكل هؤلاء وقودا للحرب والمعارك وقربانا من أجل خدمة المصالح الإيرانية في سوريا، من دون أن تدفع إيران ثمنا باهظا في الأرواح.
- تتبع القوات الإيرانية الجيش الإيراني والحرس الثوري (الباسدران) وكذلك قوات التعبئة (الباسيج). وأرسلت إيران في شتاء عام 2016 الماضي "لواء 66" المحمول جواً إلى سوريا لإحباط الاتفاق الروسي الأميركي على الهدنة في فبراير، وفقا لتقديرات دبلوماسيين. وكان للواء إسهام كبير في عملية السيطرة على حلب، ووفر دعما ناريا قويا لمجموعات "الحرس الثوري"، والميليشيات العراقية، والسورية، واللبنانية، والروسية المشاركة في العملية.
- هناك عشرات من الميليشيات المحلية التي تقاتل بقيادة إيرانية. وتأسست في الساحل السوري خلال عامي 2015 و2016 ميليشيات شيعية مشابهة لـ"حزب الله"، كما تأسست ميليشيات في كل المناطق الشيعية بسوريا مثل بصرى الشام بدرعا، ونبل والزهراء بريف حلب الشمالي الغربي، والفوعة وكفريا بإدلب، والسيدة زينب والسيدة رقية وحي الجورة بدمشق وريفها، وأخيراً في الشومرية ومناطقها بريف حمص الغربي.
- وحتى وصول القوات الروسية، كانت إيران من بين أكبر الداعمين للعقيد سهيل حسن، الذي يقود ميليشيات تعرف باسم "قوات النمر" التابعة للمخابرات الجوية في شمال البلاد، وتتشكل من نحو 10 آلاف مقاتل علوي، يضاف إليهم القليل من القبائل العربية في محافظة حماة.
- وتعد مجموعة "صقور الصحراء" التي يدعمها رجلا الأعمال العلويان محمد وأيمن جابر من أكثر التنظيمات قرباً إلى إيران في سوريا، حتى إن متزعميها لا يخفيان مظاهر تشيعهما. يتلقى أفراد هذا التشكيل التدريب على يد مدربين عراقيين، ويقاتلون في أرياف حمص وحلب. وهناك أيضاً "فوج مغاوير البحر" وهو تشكيل علوي ينتشر في اللاذقية وحمص ويبلغ تعداد مقاتليه ألفاً. ويبدو أن النفوذ الإيراني قوي بين "قوات درع القلمون" و"قوات درع الأمن العسكري". ويعمل وكلاء من هاتين المجموعتين على استقطاب الجنود الفارين من جيش النظام لمصلحة ميليشيات إيرانية وعراقية.
- عملت إيران على دعم النظام في تشكيل ميليشيات فلسطينية من أبناء الفلسطينيين في المخيمات، بينها "لواء القدس" الذي تأسس في شهر أكتوبر من عام 2013 من فلسطينيي مخيمي النيرب وحندرات (حلب). وبالإضافة إلى "لواء القدس"، هناك "قوات الجليل - حركة شباب العودة الفلسطينية"، وتلقى مسلحو هذه الميليشيات تدريبات على يد ضباط إيرانيين ومقاتلين من "حزب الله"، وبدأ نشاطها بالظهور في عام 2014 خلال معارك القلمون، ولاحقاً تم نقل قسم من عناصرها إلى دير الزور، كما شارك مسلحوها في معارك تدمر وريف حماة الشمالي.
- حاول بشار الأسد حل ميليشيات "قوات الدفاع الوطني" السورية في العام 2014، خوفاً من لجوء إيران إلى استخدامها لفرض تسوية تهدد نفوذه. ويُعدّ رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك القوة المحركة وراء قرار الأسد، وتولى بنفسه تفكيك ميليشيات "الدفاع"، حتى إنه أسس تشكيلات تابعة للجهاز الذي يشرف عليه، تحت اسم "قوات الأمن الوطني".
واعتُبر رئيس شعبة الأمن السياسي السابق اللواء رستم غزالي (توفي بطريقة غامضة قبل سنتين) أحد أركان النفوذ الإيراني في سوريا، وتولى بنفسه أو أفراد من عشيرته البالغين 166 نفرا، عملية شراء منازل في دمشق القديمة لمصلحة الإيرانيين. لكن، مشروع مملوك طوي بعد سقوط إدلب ربيع عام 2015، حيث اضطر النظام وإيران للاستنجاد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
- خلال عام 2015، بدأت تظهر من أنقاض "الدفاع الوطني" تشكيلات بعضها مقرب من الإيرانيين وحلفائهم العراقيين واللبنانيين، وبعضها محسوب على أجهزة الأمن السورية المختلفة والمتنافسة دائماً، وبعضها مقرب من الروس.
- ومع تدفق القوات الروسية إلى سوريا، انتعش مشروع مملوك الرافض للإيرانيين والقريب من الروس. وتمكن اللواء في نهاية عام 2016 من جلب مدير شعبة الأمن الجوي اللواء جميل حسن إلى صفه، بعدما ضمن ولاء مدير إدارة أمن الدولة (المخابرات العامة) اللواء ديب زيتون.
- هكذا، انحصر النفوذ الإيراني وسط المقاتلين الشيعة الذين دربتهم وسلحتهم طويلاً. مع ارتفاع حدة المخاوف لدى الأسد والإيرانيين من تقارب روسي أميركي عقب انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، اتخذ الأول قراراً بالموافقة على تسوية أوضاع الجنود النظاميين الذين يلجأون إلى "الأصدقاء الإيرانيين" في قرار كان القصد منه الخلط ما بين الميليشيات الإيرانية والعراقية في سوريا مع جيش النظام.
- واللافت أن الطريقة التي شكلت بها إيران هذه الميليشيات تمثل المفتاح لضبطها، لكن مفتاح السيطرة سيظل بيد طهران وجنرالات الحرس الثوري. هكذا، لا يرتبط مستقبل وجود الميليشيات العراقية بالتسوية فحسب، بل بموقف إيران، وأيضاً بالصراع على السلطة في بغداد.