٢٥ يوليو، الساعة ٢:٥٥ ص
البارحة أتممت بفضل من الله وكرمه مرحلة الماجستير في الهندسة الكهربائية والإلكترونية في جامعة غازي عنتاب - قسم النظم والدارات الإلكترونية، بتصميم وتنفيذ ربما أول رادار (سوري-بانياسي
) بنجاح.
لم تكن الرحلة شاقة في بدايتها، المواد كانت تقريبا بنفس السوية العلمية في جامعة دمشق، لكن الأمور أخذت منحى التحدي عندما وصلت لمرحلة اختيار عنوان البحث، حيث ترك لي البروفيسور المشرف حرية اختيار العنوان ولم يفرض على الرسالة أي قيد سوى أنه يريد أن يرى شيئا جديدا ملموسا (هاردوير) فيه عمل هندسي حقيقي، والحمد لله الهاردوير متل ما بيقولوا (أرضنا وملعبنا)..
اخترت التخصص في تكنولوجيا الرادار لعدة أسباب، أولها أن الأساس النظري متين ولله الحمد نتيجة للزخم الكبير وربما الهائل (نسبيا) في مواد جامعة دمشق، بالذات في مواد المايكروويف - الرادار والسونار - معالجة الإشارة الرقمية - الهوائيات وانتشار الأمواج، كثير من زملائي الأتراك حتى المتفوقون منهم لم يكن لديهم هذا النوع من التكديس في المعلومات ربما لاختلاف نظام التعليم هنا، السبب الآخر هو الخبرة الطويلة في التصميم الرقمي والنظم المضمنة والدارات المطبوعة، فكان لا بد من المغامرة بدخول عالم جديد كليا لعله يفتح أبوابا جديدة طالما أن عناصر النجاح متوفرة وتحتاج فقط لمجهود إضافي في ترتيبها في مشروع واحد متكامل، فقررت أن فكرة الرادار بما فيها من تعقيد ربما تكون التحدي المناسب.
وقع اختياري على رادارات الموجة المستمرة كونها لا تحتاج طاقة عالية ويمكن استخدامها في نطاقات قصيرة نسبيا، وبالطبع اخترت المجال الترددي 6GHz الذي تتوفر عناصره في السوق بشكل عام كونه أحد مجالات الشبكات اللاسلكية WiFi، رغم أنه لا يوجد أي رادار يعمل ضمن هذا التردد.
تم الانتهاء من التصميم خلال حوالي سنة تقريبا من الجهد المستمر، تبعها بضعة أشهر لنشر الورقة في المؤتمر (كونه إلزامي من قبل الجامعة)، ثم أصعب مرحلة وهي الحصول على نماذج الدارة المطبوعة والعناصر اللازمة للمنظومة، وهنا بدأت المشاكل؛ الدارة المطبوعة من 4 طبقات ولها مواصفات ممانعة خاصة كونها تعمل في مجال ترددي مرتفع، مع ضرورة الطلي بالذهب للحصول على تماسات نقية وبناقلية أعلى ما يمكن، ويجب إيجاد شركة تقبل بتصنيع نماذج قليلة من هذا النوع، والحمد لله وجدت في بلاد العم سام شركة لديها خدمة مناسبة مع بعض التنازلات في مواصفات المادة الأولية للدارة (كان الأفضل استخدام مادة تفلون PTFE مثل سلسلة روجرز لكن اضطررت لاختيار FR408 لعدم توفر أي مزود) وتحقق المطلوب بجودة أقل لكنها لا تؤثر كثيرا على الأداء.
المشكلة التالية كانت في توريد العناصر، تخيلوا شركة تريد شحن عناصر إلكترونية غاية في الحساسية إلى (تركيا - غازي عنتاب (قريب من الحدود السورية) - الزبون سوري) هل سيتم ذلك بسلاسة يا ترى؟ بعد دفع ثمن المواد أخبرتني الشركة الأمريكية أن اسما يشبه اسمي على (قوائم المنع)، وطلبت كل ما يمكنني تزويدهم به من وثائق للتحري عن الأمر، والحمد لله تجاوزت هذه المشكلة بفضل الورقة التي نشرتها في المؤتمر والتي تحتوي مواصفات معظم العناصر المطلوبة، وكانت منشورة في وقتها في موقع معهد مهندسي الكهرباء والالكترونيات الأمريكي IEEE، والتي تثبت أن الغرض من تلك العناصر أكاديمي بحت وأنها مطابقة لمحتوى الطلبية. لاحقا دخلت في معمعة التخليص الجمركي وإعادة إثبات كل شيء مرة أخرى في تركيا، مع مزيد من حرق الأعصاب وتضييع الوقت.
الحمد لله قمت بتركيب العناصر بنجاح تحت المجهر بصعوبة بالغة وفحص كافة نقاط اللحام أيضا تحت المجهر، ثم إجراء بعض الاختبارات الأساسية نظرا لعدم توفر المعدات الكافية لإجراء كافة الاختبارات في الجامعة، اضطررت لتجاوز هذه الاختبارات لعدم وجود خيارات، وكما يقول أصدقائي الحلبية (طجت لعبت)، الحمد لله طجت ولعبت ونجح الأمر بشكل ممتاز، ورغم أن بعض المزايا لم تكن جاهزة في موعد المناقشة، لكن ما تم إنجازه كان كافيا للحصول على الامتياز في المشروع، ومرتبة الشرف الأولى في الماجستير ككل.
ولا أنسى أن أوجه شكرا خاصا لزوجتي على تحملها افتتاح الورشة في البيت والفوضى والمواد الكيماوية والأبخرة الناتجة عن ذلك، وبنيتي الصغيرة آية على حضورها جلسة المناقشة..
وعقبال عند كل المحبين