"أوبزرفر": موسكو غارقة في سوريا… ومقامرة بوتين قد تكون نهايتها كارثية
====================
بدأ الكاتب في الصحيفة الأسبوعية البريطانية "أوبزرفر"، مارتن شولوف، مقاله بالحديث إلى أحد سكان الغوطة الشرقية، عارف عثمان، الذي يراقب من مكانه المدمر الوجه الجديد من الحرب السورية الوحشية، وهو يدرك أنهم كلما صمدوا ضد حكم بشار الأسد وحلفائه، فإن ما ينتظرهم هو الأسوأ، وخاصة على أيدي الروس. وقال: "كان من المفترض أننا استسلمنا الآن"، بعد أسبوع من القصف الشديد لم تر سوريا مثله منذ ثلاثة سنوات، ويستدرك: "عندما لم نرضخ، قُصفنا بقنابل أكبر وطائرات أكثر انتظاما، وكلها قدمت من موسكو، والإصابات كما لو أننا لم نر مثلها قط".
وقال الكاتب إن الغارات الجوية التي تقودها روسيا كانت تحمل الخوف لسكان الغوطة الشرقية وعددهم يصل إلى 400ألف نسمة ولا سبيل لهم للهروب، حيث حاصرهم طيران فلاديمير بوتين والقوات التابعة للنظام والميليشيات الإيرانية التي احتشدت على منطقة تعتبر من أكبر وأهم مناطق المعارضة جنوب محافظة إدلب. وبالنسبة لبوتين والأسد، فالسيطرة على الغوطة مهم للسيطرة على العاصمة وبالتالي الانتصار في الحرب. إلا أن الناس في الخارج، الأعداء والأصدقاء منهم، يعتقدون أن الرجلين قد أساءا التقدير. فبعد 18 شهراً على التدخل الروسي لمنع هزيمة الأسد على يد المعارضة التي كانت تتقدم في قلب مناطق الأسد في اللاذقية وطرطوس، ليس من الواضح كيف ستستعيد موسكو استثمارها في الصراع الأكثر تعقيدا واستعصاء في العالم.
فمع أن الأسد ما عاد يواجه خطر السقوط اليوم، إلا أن سوريا التي تخرج من دمار الحرب لم يبق منها ما يشبه ما كانت عليه قبل الحرب. ويجد اللاعبون أنفسهم في مستنقع لا يرون نهاية له. ويقول شولوف إن بوتين تحديداً يتعلم الآن أن سوريا في شكلها الحالي غير قابلة للحكم. فإعلانه النصر في ديسمبر انطلاقا من قاعدة عسكرية روسية في سوريا تبعته سلسلة مذهلة من الأحداث دفعت روسيا أكثر إلى مستنقع الحرب، كشفت اعتماد نظام الأسد شبه الكامل على الدعم بالوكالة، ناهيك عن ضمان المزيد من المكاسب.
وأصبح من الصعب توقع التحالفات التي تتغير وتنكسر وتتسم بالغموض. فرقعة شطرنج التي كان يسهل على اللاعب قراءة حركتها تبدو معقدة حتى على أحسن الخبراء في الجغرافية السياسية العالمية، فمن الغوطة الشرقية وحتى الحدود التركية، ومن حماة في الغرب إلى دير الزور في شرقي سوريا، حيث قتل حوالي 200 مرتزق روسي في 7 فبراير بضربات أمريكية أثناء تقدمهم نحو حقل نفطي تسيطر عليه قوات تدعمها الولايات المتحدة، يجري الآن صراع مرير لإقامة نظام إقليمي جديد.
وينقل الكاتب عن أيمن ثائر، المتطوع في مركز إغاثة بالغوطة التي قتل فيها حوالي 500 خلال الأسبوع الماضي، قوله: "سنُسحق مثل الفئران تحت أقدام الجواميس". ويرى بسام باربندي، الدبلوماسي السابق الذي انشق عن النظام منتصف عام 2013، أن "الفائز الوحيد حتى الآن هو إيران، مضيفا: "لقد حققت ما تريد من دون الكثير من الضوضاء..وتتمتع بمراقبة الصراع الأمريكي – الروسي، لأن ذلك يجعل روسيا أكثر اعتماداً عليها للنجاة".
وبالإضافة إلى التنافس الأمريكي- الروسي على شرق سوريا، فإن إيران التي ساعدت موسكو على هزيمة معارضي الأسد لديها اهتماماتها بالمنطقة. وكشف الكاتب أن مسؤولين روس اشتكوا لنظرائهم الأتراك أن أهداف الإيرانيين تختلف، وبشكل متزايد، مع أهدافهم. ونقل عن دبلوماسي تركي كبير قوله إن موسكو تشعر بـأنها مُهدَدة بتصميم إيران على بناء قوات أمن دولة في دمشق على شكل الحرس الثوري، الذي يعد المؤسسة الأقوى في إيران خلال الأربعين عاما الماضية، و"لكن كيف يمكن وقفهم؟" يتساءل الدبلوماسي، مضيفاً أن "بوتين لن يحقق ما يريد هنا، ولهذا نراهم (الروس) منزعجين".
ومنذ منتصف عام 2016 بدأ بوتين بجلب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى تحالف مع إيران يرمي إلى إنهاء الحرب لمصلحة نظام الأسد. وكان التحالف بمثابة ناقوس الموت للمعارضة التي دعمتها تركيا في الشمال. وظهر التحالف الثلاثي في قمة سوتشي التي عُقدت في شهر نوفمبر، وكان من المفترض أن يُعلن فيها عن نصر دبلوماسي فشل فيه الآخرون وهمش عملية الأمم المتحدة المحتضرة. وكانت قمة فاشلة ومحرجة انهارت بعدها الدبلوماسية وفتحت الطريق أمام العنف الذي وصل درجاته القصوى في إدلب والغوطة الشرقية.
وقد أعادت تركيا رسم خريطة مشاركتها في الحرب بعيداً عن مطلب رحيل الأسد. وتركز الآن على انتزاع السيطرة على حدودها مع سوريا من الأكراد. وفي الشهر الماضي أرسلت ميليشيات موالية لها للسيطرة على بلدة عفرين. وسمح الأكراد للقوات الموالية للأسد بدخولها لمواجه تركيا. ولم يتضح الموقف الروسي من هذه التطورات بعد. ويقول باربندي: "قالت روسيا دائما إنها لا تمارس نفوذا على الأسد كما يعتقد العالم، وهذا صحيح"، مضيفاً أن "إيران لديها تأثير أكبر على الأسد، وبعبارات بسيطة، جاءت إيران لتبقى في سوريا ولمواجهة الولايات المتحدة عبر تهديد إسرائيل. وستكون سوريا مسرح المعركة المقبلة بين حزب الله وإيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى".
ويرى الدبلوماسي السوري المنشق أن "إيران سعيدة بأن تتولى روسيا زمام الأمور في سوريا في وقت تقوم فيه هي بتقوية الجماعات الموالية لها من دون تشويش عليها. ولا توجد ثقة بين الأطراف المتحالفة المؤثرة في الصراع، وما نراه هو تفاهمات مؤقتة قد تتغير في أي وقت وما يجمع بينها هي الرغبة في إخراج الولايات المتحدة من سوريا". وفي الوقت نفسه، تأمل روسيا في أن تكون سوريا مركز انطلاق لها وبناء قوتها الجديدة في المنطقة وتأمين الأسد ودور مهم في تشكيل نظام المنطقة.