الصحراء المغربية
بين واقع الانتماء
وبين صراعات التوظيف السياسي
الصحراء المغربيةأرضاً وشعباً وانتماء
إذا أردت أن تضيّع الحقيقة فاجعلها موضوع صراع بين دولتين من دول العالم النامي … هذا يتضح لمن يتصدى للبحث في قضية الصحراء المغربية ـ الساقية ووادي الذهب ـ وصراع المغرب والجزائر وموريطانيا حولها .
ذلك أن البدهيات التاريخية والجغرافية والطوبوغرافية والاجتماعية والسياسية كلها تلوى لها أعناقها وتحرف ويعاد تشكيلها لمصلحة هذه الدولة أو تلك . والشيء الواحد يأخذ لوناً معيناً هنا ، ولوناً آخر هناك . والمواقف تتغير في مواجهة كل حالة بين اللحظة والأخرى .
والباحث يقف حائراً متردداً ، لا يدري ما يقدم وما يؤخر ، ولا يميز بين الألوان الحقيقية والألوان المزيفة المنتحلة . هذا حالي عندما عقدت العزم على الكتابة في موضوع الصحراء المغربية لاستجلاء جوهره وتحديد أبعاده ومؤشراته ، ودفع شبهات المغرضين حوله .
ذلك أن هذه القضية لها من الخصوصية ما يجعلها من أطرف القضايا التي لم تتخذ إزاءها أي دولة لها صلة بها ، موقفاً واحداً ثابتاً .
وكذلك الأحزاب الوطنية في المغرب والجزائر وفرنسا وإسبانيا والمنظمات الدولية والإقليمية (هيئة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية) . مما يجعل الاستنتاجات المستخلصة من أدبيات هذه الدول والأحزاب والمنظمات ـ كتباً ومنشورات وبيانات …الخ - غير ثابتة ، ويجعل الأحكام المستقرأة منها غير دقيقة … .
والحقيقة المطلقة الكامنة وراء هذا الصراع ضائعة خلف التصريحات اليومية المفعمة بتعابير الوحدة ، والمصير المشترك ، وحقوق الإنسان والتعاون والتفاهم والعدل والسلام … مما يجعل أدوات البحث التي يمكن أن يعتمدها الباحث مجرد أقنعة سميكة تغطي عداء عنيفاً ، وتطرفاً شديداً وتوظيفاً انتهازياً مغرضاً لكل مظاهر الحقيقة ، من أجل اغتيال جوهرها وتصفيتها .
لذلك كان على الباحث أن يسلك منهجاً يطارد فيه الحقيقة ، ويمزق به الأقنعة المتعددة التي كستها إيّاها مطامع الدول المورطة في هذا الصراع وأهدافها وأغراضها .
وهذا يقتضي العودة إلى الجذور …جذور الجغرافية والتاريخ والإنسان ، والمواقف والصراعات والمعتقدات … كي نستطيع أن نقف على ربوة نستشرف منها جوهر الحقيقة بوضوح وشفافية وموضوعية ، حقيقة انتساب الصحراء إلى مغربها أرضاً ، وشعباً ، وانتماءً .
اسـمهــا ورسـمهــــا
اسمها ورسمها سواء … دائما التغير والتبدل والتلون … تماماً كما هو حال مواقف الدول والحكومات والمنظمات والأحزاب المرتبطة بعلاقة مّا معها … .
وكما تجدها أحياناً معشوشبة خضراء ، وأحيانا قاحلة جرداء . تعلوها الصخور السوداء الصماء ، وأحياناً كثباناً رملية متشابهة تسفيها الرياح ، وتعيث فيها العقارب والثعابين والأفاعي … .
كذلك تجد اسمها الذي يطلق عليها عبر التاريخ ـ مع ما حولها من بلاد شمال أفريقيا - ، اسمها الذي كان يوماً مّا : بلاد البربر ، (( The Coast Of Barbaric أو( La Berbric - Barbary) ، ويوماً مّا كان عند الجغرافيين العرب "بلاد المغرب" ، و "جزيرة المغرب" ، وقبل ذلك كان الاسم : ليبيا ـ أفريقيا الصغرى ـ السلسلة الأطلنطية ـ بلاد الليبو "Lebu" ، والمشوشيين "Mashuasha" ، وتماحو "Tamahu" ، وتحنو "Tehnu" ، وكهاكا "Kahaka " ، وظهرت كثير من هذه الأسماء في النقوش الفرعونية التي ترجع إلى ما بين 1700 ق .م ، 1300 ق .م .
كما أطلق الرومان على أهلها اسم : الجيتوليين ، والنوميديين ، والموريين ، أي : المغاربة ولعل هناك صلة بين كلمة "مور" "MAURI" - المغاربة - التي أطلقها عليهم الرومان في العصر الكلاسيكي وبين الكلمة العبرية "MAHUR"- بمعنى الغرب التي عممت على جميع قبائل ومناطق شمال أفريقيا . ومنها اشتق اسم "موريطانيا" ـ أي : بلاد المغاربة ـ في عهد الملك البربري "يوغورطا" في حروبه مع الرومان (110 ق .م ـ 106 ق .م) .
ومن هذه الكلمة اشتق العرب الفاتحون اسم " المغرب " الذي كان يشمل : - ليبيا ، تونس ، الجزائر ، مراكش . ثم صار مغرباً أدنى : "تونس " ومغرباً أوسط "الجزائر" ، ومغرباً أقصى ـ أي أبعد ـ هو مراكش … ثم خصص اسم المغرب لمراكش بعد أن برز تعبير القطر الجزائري ، والقطر التونسي .
ويضم المغرب بهذا المدلول : المغرب الأقصى ، أي : المناطق التي كانت أول جزء ينشق عن الخلافة العباسية ، ويؤسس دولة مستقلة على رأسها المولى إدريس الأول ويحتفظ باستقلاله طيلة التاريخ الإسلامي عن سلطة الخلافة الإسلامية بما فيها الدولة العثمانية . ويشمل المناطق الشاسعة ما بين الأبيض المتوسط ونهر السنغال جنوباً ، وما بين المحيط الأطلسي غرباً ، وحدود الخلافة التركية ـ غرب الجزائر ـ شرقاً .
ولئن كان مصطلح ـ الصحراء الغربية ـ يناسب الموقع الجغرافي للمنطقة ، ويناسب التعبير الدبلوماسي الذي يبحث عن الحيادية والموضوعية . فإنه تاريخياً كان أصلح منه الآن … لأنه أطلق اعتباراً لموقع المنطقة من مركز السلطة العالمية التي كانت مهيمنة حينئذ . أي الإمبراطورية الرومانية ، ثم الإمبراطورية الإسلامية ، وهذه الصحراء في غربها .
أما بعد أن انتقلت السلطة العالمية إلى أوربا الغربية في القرنين التاسع عشر والعشرين فإن الصحراء صارت بالنسبة لها جنوبية . وبعد حرب الخليج ونهاية الحرب الباردة ، وتفرد الولايات المتحدة بقيادة النظام العالمي الجديد فإنها بالنسبة لواشنطن تعد"الصحراء الشرقية" .
وعموماً فإن موقعها على الطبيعة يبتدئ عندما تغادر مدينة أكادير وتتجه جنوباً بمحاذاة المحيط الأطلسي : هناك تدخل الصحراء ، والمنطقة الأولى منها يطلق عليها "طرفاية" وعاصمتها "طانطان" ومساحتها 25600 كلم2 . والمنطقة التي تليها معروفة باسم الساقية الحمراء التي تمتد إلى الجنوب من وادي درعة ، ومساحتها 82000 كلم2 ، ثم تليها على امتداد الساحل منطقة وادي الذهب التي يعتبر جزؤها الشرقي امتداداً لمنطقة "تيرس" الموريطانية ، ومساحتها 19000 كلم2 .
أما امتداد الصحراء الغربية شرقاً فمنطقة تندوف والساورة وتوات إلى حدود مالي جنوباً ، وهي المناطق التي اقتطعتها فرنسا من المغرب وضمتها إلى الجزائر ، وما زالت موضوع نزاع هادئ بين الجارتين " المغرب والجزائر " .
فإن واصلنا الاتجاه جنوباً بلغنا حدود موريطانيا التي كانت في يوم ما جزءاً من الصحراء ، وامتداداً طبيعيا لبلاد موريطانيا الغربية ، أو الطنجية في عهد الرومان ، أو المغرب الأقصى في العهد الإسلامي .
وعلى هذا فالحدود الطبيعية لهذه المنطقة التي شغلت الأمم المتحدة ، ومنظمة الوحدة الأفريقية ودول شمال أفريقيا ، والدول الأوربية ذات العلاقة الاستعمارية بأفريقيا هي من الشمال : المغرب الشمالي ، ومن الجنوب رأس كانسادور ـ لكويرة ـ ومن الغرب المحيط الأطلنطي ، ومن الشرق صحراء تندوف في القطر الجزائري . أما مساحتها فحسب المسح الإسباني 272000 كلم2 ، داخل منطقة عرضها 460 كلم وطولها 1200 كلم .
وبالنسبة للموقع الجغرافي الدولي ، يمكن تحديد المنطقة بخطي الطول 8 و 20 وبخطي العرض 28 و20 ، ويمر خط الطول 16 على مدينة الداخلة ، في حين يشكل خط الطول 12 الجزء الأوسط من حدود الصحراء مع موريطانيا .
أما عن التسمية ، فإن إطلاق "الساقية الحمراء" سببه نهر كان في المنطقة يمتد على طول 450 كلم ، وتتلون مياهه بالأتربة الحمراء التي تحملها من المرتفعات ، كما أن اسم وادي الذهب )_ORORIO DE(أطلقه البرتغاليون عندما احتلوا المنطقة في منتصف القرن الخامس عشر بسبب ما كان مزعوما من وجود معدن الذهب في تربته ، وهو زعم لم يثبت لحد الآن .
وعموماً فإن المغاربة كانوا يعتبرون المنطقة حدود العمران ويطلقون عليها" الساقية الحمراء " ويعدونها جزءاً من بلاد سوس (الاستقصاء 3/58) .
أما المظهر الخارجي و الشكل الصحراوي ، وما احتوى عليه من تشكيلات صخرية مشاهدة في الوقت الراهن فهو نتيجة ما عرفته القشرة الأرضية في العصر الجيولوجي الثالث . أي في الوقت الذي تحولت فيه منطقة شمال أفريقيا من بحار إلى جبال .
وقد كانت درجة الحرارة في المنطقة أكبر بكثير مما هو عليه الحال في الوقت الحاضر ، حيث الطقس رطب بالقرب من الشاطئ ، بسبب الرياح المعتدلة التي تأتي من المحيط الأطلسي .
أما الأمطار فقليلة : 40 مم في الكويرة ـ 43 مم في العيون . والمياه الجوفية كبيرة وقريبة من سطح الأرض يسهل استثمارها ، بل إن من الطوبوغرافيين من يذهب إلى أن الصحراء المغربية تسبح فوق بحيرة من الماء .
وتمثل الصحراء المغربية موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية ، فهي تعتبر نقطة دفاع طبيعي ، ومراقبة دقيقة لجزر الكناري والطرق البحرية في المحيط ، كما تشكل المعبر الرئيسي براً وبحراً وجواً ـ ما بين أوربا وأفريقيا ، وجزءاً مهماً من الجناح الغربي للعالم الإسلامي والوطن العربي يجب حمايته وصيانته والدفاع عنه .
السكـــان
انطلاقاً من خاصية التحول والتغير التي تطبع القضية الصحراوية فإننا نتيه في غمرة البحث عن هوية سكان المنطقة وأصولهم وعددهم .
لذلك نفضل حل الإشكالية بطريقة عكسية استقرائية تبتدئ بالتعداد الحالي ، ثم نتبع الجذور .
وإذا ما بدأنا بتقديرات أطراف النـزاع نجد أن الإحصاء المغربي الرسمي المعلن في 20 مارس 1966 كالتالي :- .
طرفاية : 27976 من المهاجرين .
الساقية ووادي الذهب : 48000 من المقيمين .
موريطانيا : 9000 من المهاجرين .
تيندوف : 1200 .
أما حزب التقدم والاشتراكية في كتابه : الصحراء العربية المغربية ص 66 : فعنده أن عدد السكان كان قبل الاحتلال الإسباني يبلغ 200000 والآن لا يتجاوز 60000 .
واليسار المتطرف في مجلة أنفاس ، (مقال : فلسطين جديدة بالصحراء) قدروهم بـ 250000 .
وبالنسبة للبوليزاريو عددهم 375 ألف عدا ما في المغرب وموريطانيا والجزائر والدول المجاورة .
ثم في مرحلة متأخرة من النـزاع نفاجأ بأن الطرفين قد قبلا الاحتكام إلى الإحصاء الإسباني الذي أقرته الأمم المتحدة ، ونشر سنة 1974 ، وحدد العدد بـ (73497) .
ثم فاجأ المغرب المجتمع الدولي عندما ألقى في الساحة السياسية بمطلبه بضرورة إشراك الصحراويين المقيمين بالمغرب في الاستفتاء . وعددهم 120000 ، وهو عين ما أشار إليه المرحوم علال الفاسي في ندوة الشبيبة الاستقلالية (العلم 15 ، مارس 1972) .
وتقبل الأمم المتحدة طلب المغرب وتؤجل الاستفتاء وتتردد بولزاريو بين الرفض والقبول ، ثم يتم الاتفاق على أن يجتمع زعماء قبائل الصحراء يوم 15 يوليو 1993 للنظر في قوائم الذين يسمح لهم بالمشاركة في الاستفتاء طبقاً لإحصاء إسبانيا , وقوائم المغرب الجديدة … .
أما عن أصول السكان فإن الاختلاف في ذلك أكبر من أن يحد ، فمن قائل بأنهم من الجنس الآري ، ومن قائل بأنهم من الغاليين والرومان والوندال النازحين من الشمال ومن قائل بأنهم نزحوا عقب انفجار سد مأرب في اليمن وعقب هزيمة الكنعانيين في معركة طالوت وجالوت بفلسطين .
إلا أن مارمول كربجال في كتاب أفريقيا ”L’Afrique” De Marmol يقول مؤكداً : (لكن أشهر المؤلفين الأفريقيين يؤكدون أن أول سكان بلاد البربر ونوميديا كانوا خمس جاليات أو قبائل من السبئيين جاءوا مع مالك الأفريقي ـ أفريقش ـ ملك اليمن ، وما زالوا يحملون أسماءهم ويسمون : صنهاجة ، ومصمودة وزناته وغمارة ، وهوارة ومنهم خرجت ستمائة سلالة من البرابرة) .
وهذا الرأي موافق لما ذكره ليون الأفريقي في كتابه (وصف أفريقيا) حيث يقول (1/36) : ينقسم الأفارقة البيض إلى خمسة شعوب : صنهاجة ومصمودة ، وزناتة ، وهوارة ، وغمارة .
وابتداء من القرن الثالث الميلادي استولت زناتة وصنهاجة على الصحراء الغربية إلى تخوم السنغال والسودان ، وفي زحفهم هذا أخذوا يشيدون بعض المراكز الحضارية . وقبل ذلك في القرن الثاني بعد الميلاد ارتحل عدد كبير من الصنهاجيين باتجاه الجنوب بحثاً عن مستقر آمن وانتهى حالهم بعودة قسم منهم ، واستقرار القسم الباقي الذي سوف يكون لاحقاً الذرية التي سينحدر منها مؤسسو الامبراطورية المرابطية .
ثم أثناء الفتح العربي في القرن التاسع الميلادي وصلت القبائل العربية الحسانية إلى الصحراء في مهمة أسلمة المنطقة بعد أن ارتد أهلها الذين أسلموا على يد عقبة بن نافع … .
وعلى كل حال فإننا لا ننكر أن المنطقة وفد إليها كثير من الأجناس الزنجية من الجنوب ، والأوربية من الشمال ، وإن كانوا قلة بالنسبة إلى السكان الأصليين زناتة وصنهاجة ومن هاجر من اليمن وفلسطين ، ومن جاء فاتحاً في العهد الإسلامي … .
وامتزاج هذه الشعوب هو ما يكون البنية الأساسية للإنسان الصحراوي الحالي خاصة والإنسان المغربي عامة … غير مغفلين أن التعريف الموضوعي يفرض أن نحكم بعروبتهم ، نظراً لتعاظم الإرث البيولوجي العربي فيهم ولهيمنة التراث العربي الإسلامي وتقاليده وطقوسه ونظمه عليهم … وهذا يحتم علينا أن نركز على واقع الإنسان الصحراوي الحالي وتقسيماته القبلية والجغرافية…
لذلك نستهل هذا التصنيف بما ذكره الأستاذ محمد بنعزوز حكيم في كتابه : - السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية ، ص 26 ـ إذ يسجل أنها خمس وعشرون قبيلة هي : تكنة _ آيت موسى وعلي ـ آيت لحسن _ آيت جمل ـ أزرقيين ـ أولاد تدرارين ـ العروسيين أولاد دليم ـ الركيبات ـ أولاد بوسبع ـ زمور ـ البويهات ـ أهل الشيخ ماء العينين ـ المويسات ـ فيلالة ـ يكوت ـ توبالت ـ كميار ـ مجاط ـ الفويكات ـ الكراع ـ المناصير ـ أولاد موسى _ أولاد علي ـ شتوكة … .
هذه هي القبائل التي أوردها الأستاذ محمد بن عزوز حكيم ، لكننا إذا ما رجعنا إلى كتاب الصحراء الغربية للدكتور علي الشامي (ص 78-79) نجده يضيف أسماء قبائل أخرى مثل أولاد عبد الواحد أهل عبد الحي ـ برابيش ـ سكاما ـ تجالانت ـ تارقا ، ويهمل ذكر قبائل أخرى ذكرها بنعزوز حكيم مثل المويسات ـ يكوت ـ زمور … الخ .
ثم يقسم القبائل الصحراوية إلى ثلاث مجموعات حسب مميزاتها الاجتماعية ونشاطها :
فهناك مجموعات مقاتلة : (أولاد دليم ـ أولاد بوسبع ـ رقيبات الساحل ـ رقيبات القواسم ـ تكنة ـ العروسيين ـ برابيش ـ سكاما) .
وهناك قبائل مرابطية أصحاب زوايا دينية : (أهل الشيخ ماء العينينـ بارك الله ـ أهل عبد الحي ـ فيلالة ـ توبالت ـ تجالانت ـ تارقا) . والقسم الثالث لم يصنف مهمته ولا ميزته وهم حسب رأيه : أولاد عبد الواحد تيدرارين ـ ميارا ـ ايمرغوين ـ فويكات ـ المناصير .
وهذا الخلط في تسمية القبائل وتصنيفها الذي نجده عند هذين الكاتبين مرده إلى عدم الدقة في التمييز بين كل قبيلة وفروعها (أفخادها ـ شعبها) . وإلى عدم التمييز بين أسماء بعض الأماكن وأسماء القبيلة المنتسبة لها ، فمثلاً : الركيبات تنقسم إلى قسمين كبيرين : ركيبات الساحل وتضم فروعاً هي : أولاد موسى ـ السواعد ـ أولاد داود ـ المؤذنين ـ أولاد الشيخ ـ أولاد طالب .
وركيبات الشرق أو القواسم ، وتضم البيهات _ أهل إبراهيم وداود ـ الفقرة .
وقبيلة التكنة تضم اثني عشر فرعاً منهم أزرقيين ـ آيت حسن ـ أولاد تيدرارين ـ العروسيون .
أما أولاد دليم : فمن فروعها : الشتاكلة ـ وأيموراغن ـ المناصير .
أما زمور التي اعتبرها الأستاذ بنعزوز حكيم قبيلة فهي ليست إلا أرضاً تسمى " تيرس زمور " أو كلتة زمور . ويعتمد بوليزاريو للاستدلال على الشخصية السياسية للصحراء الغربية على اعتبار القبائل المذكورة ذات تركز تاريخي قديم بالمنطقة ونشاط تجاري ورعوي وسياسي وانفصال طبيعي عن قبائل الشمال ، إشارة منهم إلى أن المرابطين انطلقوا من الصحراء الغربية إلى الشمال .
كما ينطلق المغرب في محاولة استرجاعه للصحراء من اعتبار قبائلها امتداداً لقبائل مغربية موجودة في الشمال أو مهاجرة منه إلى الجنوب … .
فالركيبات مثلاً ينتسبون إلى الأدارسة في الشمال وجدهم الأول الذي انتقل من ضواحي تطوان ـ جبل العلم ـ إلى الصحراء هو أحمد الركيبي .
وأولاد تيدرارين جدهم أحمد بن غنبور هاجر إلى الصحراء من وزان بالشمال .
والعروسيون كذلك أدارسة هاجروا من جبل العلم قرب تطوان إلى الصحراء … إلى آخر القائمة .
إلا أن الشيء المؤكد هو أن الاعتماد لإثبات الهوية الصحراوية السياسية أو الإلحاق المغربي للصحراء على أصول القبائل غير موضوعي ولا يؤيد وجهة أي من الطرفين لأن الامتداد القبلي لسكان الصحراء ليس قاصراً على المغرب فقط بل هو موزع بين أطراف المنطقة العربية كلها .
فأولاد دليم مثلا فرع منهم في العراق ـ وفرع في فزان في ليبيا وفرع في المغرب قرب سيدي قاسم .
والركيبات : يوجدون في تندوف ويوجدون في ترهونة بليبيا ، كما توجد قبيلة أولاد موسى الركيبات ، في موريطانيا (أطَّار والزويرات) .
وآيت لحسن : في موريطانيا باسم (إد ولحسن) وفي ليبيا باسم (الحساونة) .
والكراع : في موريطانيا ، وفي تشاد باسم الكرعان .
أولاد بو سبع : في مالي من الطوارق ـ في غرب ليبيا الجبل الغربي ـ وفي مصر ـ وفي سيدي المختار (شيشاوة ـ بعيداً عن مراكش بـ 70 كلم) .
والعروسيون : في ناحية سطات بالمغرب ـ وفي موريطانيا . وفي ليبيا .
ازرقيين : في تونس قرب منطقة تطاوين باسم الزرقان ، وفي يفرن بليبيا .
وهكذا نجد أن القبائل الصحراوية كلها تقريباً ذات امتدادات عربية يصعب معها اتخاذها دليلاً على صحراوية الصحراء أو مغربيتها … .
ويزداد أمر الاعتماد على أنساب القبائل للاحتجاج للمغرب أو البوليزاريو تعقيداً إذا ما علمنا أن العائلة المالكة نفسها من جزيرة العرب ـ ينبع ـ وأن قبيلة صحراوية كلها "فيلالة" تعتبر امتداداً لقبائل تافيلالت التي تنتسب إليها الأسرة العلوية . بل إن الصحراويين أخوال للملوك العلويين كما ذكر الناصري عن زواج الشريف بن علي بفتاة صحراوية عندما كان معتقلاً عند أبي حسون السملالي فانجب منها ولدين ، (الاستقصاء ج 7 ص 14) وبالتالي يتعذر ـ اعتماداً على الأنساب ـ التمييز بين مدلول أن المغرب صحراوي ، أو أن الصحراء مغربية .
التعديل الأخير: