استراتيجية مقاومة: المقاومة الشيشانية.. والفلسطينية : ما الفرق؟نوع التحليل:استراتيجيات المقاومةالمؤلف:طلعت رميح
القاهرة في 4 اكتوبر 2007
في المقارنة بين المقاومتين الشيشانية والفلسطينية، فان أوجه الشبه كثيرة وحاسمة، كما أوجه الاختلاف كثيرة وحاسمة أيضا، وفي ذلك تبدو أهمية المقارنة لأوجه الشبه والاختلاف باعتبارها تثير كثرة من التساؤلات التي تنير صورة الأسس الموضوعية لرسم الاستراتيجيات.
وبصفة محددة فان المقاومة الشيشانية تطرح جانباً مهماً في رؤية الوضع الدولي وحدود الخلافات بين الدول الكبرى، قد لا يكون واضحاً على نفس المستوى الذي تظهره تجربة المقاومة الفلسطينية بل هو بالدقة يظهر تناقضا في الرؤية بين المقاومتين حول دور ومواقف واستراتيجية روسيا، التي هي العدو الأول للمقاومة الشياشنية، بينما هي لدى المقاومة الفلسطينية طرف يسعى إلى كسب موقفه لصالحها، استغلالاً للتناقض في مواقفه أو مصالحه مع الولايات المتحده، العدو للمقاومة الفلسطينية. كما المقاومة الشيشانية تطرح تجربتها حالة الوضع الرسمي الاسلامي، والدور الجديد للتنظيمات الجهادية الإسلامية الناشطة وفق نمط وفهم واستراتيجية الأمة الإسلامية، بقدر أعلى مما تظهره تجربة المقاومة الفلسطينية..إلخ.
فالمقاومة الشيشانية لا سند لها بحكم الأوضاع الجيواستراتيجية، الا المواقف الإسلامية، أو مواقف الأمة الإسلامية، وفي ذلك هي تختلف عن حالة المقاومة الفلسطينية التي تجعل أوضاعها الجيواستراتيجية، من العالم العربي "حاضنه" لها، وداعما مباشراً لها من الناحية النظرية. ولذا نجد أن المقاومة الشيشانية قد جلبت اهتمام الجماعات الإسلامية الحديثة، التي زودتها بالرجال والعتاد، وهو ما لم يحدث من "الحركات الوطنية والعربية" بل إن الحركات الإسلامية الحديثة لم تقم بنفس الدور مع المقاومة الإسلامية في فلسطين الا متأخراً، لظروف حالة الحصار التي تعيشها المقاومة الإسلامية في فلسطين داخل أسوار الحدود العربية المحيطه بالكيان الصهيوني، وفي ذلك يلحظ في المرحلة الأخيرة أن التنظيمات الإسلامية "الحديثة"، قد بدأت تدخل على خط الصراع الفلسطيني – الصهيوني، كما حدث مؤخرا في لبنان وفق ظاهرة فتح الاسلام – وفي ذلك يعزى غياب دعم الحركات الإسلامية منذ البداية إلى ظروف عملية محددة، فإذ كانت "الطرق" الى الشيشان أقرب من أفغانستان التي انطلق منها المجاهدون إلى الشيشان عبر المناطق الإسلامية هناك، فإن ذلك يتيسر بالنسبة لفلسطين إلا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. وفي المقاومتين يمكن القول، بأن النظام الرسمي العربي والاسلامي، قد وقف متفرجاً وفق أفضل التوصيفات، فيما يجري لكلا المقاومتين، بل كان دوره سلبيا في الحالة الشيشانية.
خصوصيات التجربة الشيشانية
إندلعت المقاومة الشيشانية في طورها الراهن في مرحلة عمت فيها حالات الخروج من تحت عباءة الاتحاد السوفيتي لمختلف التكوينات الحضارية والدول، سواء ما كان منها "بلاداً مستقلة" كما كان الحال في دول المنظومة الاشتراكية (أوكرانيا – بلولندا- المجر – يوغسلافيا..إلخ)، أو ما كان منها داخل بناء الاتحاد السوفيتي نفسه (تركمانستان –أذربيجان – أوزبكستان وغيرها). لكنها كانت الحالة الوحيدة التي انطلقت من داخل "الاتحاد الروسي" أو من داخل "روسيا" وصارت تقود جهاداً مسلحاً طلبا للاستقلال الحضاري الكامل. واذا كانت الدول الأخرى بنوعيها (ماتحت العباءة – وما كان ضمن الاتحاد السوفيتي ذاته) قد خرجت وسط دعم دولي لها، ودون إبراز للطابع الاسلامي لها في النظم الجديدة التي تشكلت بعد الانفصال، فان المقاومة الشيشانية كانت هي التي لم تحظ بأي غطاء دولي، وربما كان ذلك يحكم أنها تجربة مقاومة نشأت اسلامية منذ البداية، وصارت تعزز أوضاعها حين حصلت على "نمط من الاستقبلال في داخل روسيا خلال حالة انفراط الاتحاد السوفيتي، أو بحكم أن قرار الغرب (أوروبا والولايات المتحدة ) كان يقضي بضرورة الحفاظ على روسيا دون تفكك، والاكتفاء بحالات من "التنغيص الداخلي" فقط، خوف من النتائج الخطرة على المصالح الغربية اذا انفرطت روسيا "النووية" كليا.
وفي ذلك حكمت الأوضاع الجيواستراتيجية أوضاع المقاومة الشيشانية، حيث الشيشان تحاط بدول وأن جمعت بينها الرابطه الإسلامية إلا أنها جميعا دول خرجت من تحت عباءة الاتحاد السوفيتي، لتصبح أقرب للارتماء في أحضان الولايات المتحدة، التي ركزت جهدها إلى جانب حكومات تلك الدول (العلمانية) على مواجهة الحركات الإسلامية في داخلها وجوارها، كما حكم أوضاع المقاومة الشيشانية وجود مقاطعات أخرى داخل روسيا الاتحادية بها مجموعات واسعة من السكان المسلمين صاروا سندا لها بما وسع نشاطها داخل روسيا دون سند من دول اسلامية خارج روسيا إلخ، وهو بالاجمال ما جعل تلك المقاومة تعيش حالة حصار عميق الأغوار.
وقد زاد من تلك العزلة ليس فقط بعد الشيشان عن "المنطقة العربية"، بل كذا أن الدول العربية وكثير من حركات المقاومة _وبعضها اسلامية_ كانت تعتبر روسيا بلداً تحرص على صداقته، بحكم تناقض مصالحه مع الولايات المتحدة، وهو ما انتبهت إلى أهميته روسيا وصارت تعمل عليه لعزل المقاومة الشيشانية عن حاضنها الطبيعي كليا، وهو ما وصل حد طلبها الانضمام إلى منظمة المؤتمر الاسلامي.
التشابة الكبير
بين المقاومتين تشابه كبير، أثر ويؤثر على استراتيجياتها وعلى نحو كبير وان لم ندركه.
المقاومة الشيشانية هي مقاومة نشطت في مواجهة استعمار استيطاني، حيث الشيشان وهي البلد الاسلامي قد تعرضت إلى غزو استيطاني روسي، ولم تكن قضيتها فقط هي قضية احتلال، وهنا هي تقترب من الحالة الفلسطينية التي تواجه استعماراً استيطانيا.
والمقاومة الشيشانية هي مقاومة "مزمنة"، حيث الشيشان تتواتر عليها حالات المقاومة منذ الاحتلال الاستيطاني الروسي لها ما بعد الثورة الشيوعية في عام 1917، ومنذ هذا التاريخ وحتى الآن وعبر مراحل من الصعود والهبوط ما تزال المقاومة الشيشانية تمارس دورها وتسعى إلى تحقيق أهدافها، وهي في ذلك تكاد تكون في نفس حالة المقاومة الفلسطينية التي نشأت ونشطت عقب الاحتلال البريطاني لها خلال مرحلة الحرب العالمية الأولى أيضا.
والمقاومة الشيشانية دفعت في مقاومتها، أو دفع الشعب الشيشاني في مقاومته ملايين الأفراد، وإلى درجة أنه فقد خلال مرحلة واحدة نسبة 25% من السكان. كما تعرض الملايين إلى الهجرة واللجوء والتشرد في مناطق الجوار. وهي في ذلك تتشابه مع المقاومة الفلسطينية، أو في مقاومة الشعب الفلسطيني، الذي أصبح يعيش منه على الأرض الفسطينية الجاري حولها الصراع أقل من الذين باتوا في المهاجر واللجوء، اضافة إلى الملايين التي هجرت داخل الوطن، والتي قتلت في المذابح الدائمة كما المقاومة الشيشانية تتشابه مع المقاومة الفلسطينية في نمط احكام الحصار حولها داخل الاراض المحتلة، حيث كلا الشعبين الشيشاني والفلسطيني يعيشون خلف أسوار مع دول المحيط، تتحكم فيها القوة المحتلة للأرض.
العوامل الموضوعية والاستراتيجية
في المبادئ العقدية والنظرية العامة، فان الاستراتيجيات تشكل ترجمة للابعاد الحضارية في الصراعات (التي تحكم المسار العام لها ) لكن الاستراتيجيات في ذات الوقت تمثل ترجمة للأبعاد والعوامل والمكونات الموضوعية في الصراعات على الأرض. لقد شاهدنا كيف أن الاختلاف بين طبيعة العدو المباشر في الحالتين العراقية والصومالية، قد أثر في تحديد أبعاد الصراع واستراتيجياته (العدو المباشر في الحالة العراقية هو الولايات المتحدة وفي الحالة الصومالية – اثيوبيا)، وكيف أن تحركات ودور دول الجوار كان حاسما في تحديد طبيعة الأعداء وقدراتهم، وأولويات ترتيبهم في استراتيجيات الصراع (في العراق الولايات المتحدة وإيران – وفي الصومال أثيوبيا ثم الولايات المتحدة).
وفي الحالة الشيشانية، فان الظروف والعوامل الموضوعية كان لها تأثيرها في تحديد استراتيجيات الصراع، وربما يمكن القول أيضا، أن الأخطاء في التقدير العام للظروف والعوامل الموضوعية الخاصة قد أدي إلى انتكاسات ذات طابع استراتيجي. لقد بدأت تجربة المقاومة الشيشانية في مرحلتها الراهنة ما بعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي، ووفق تقدير عام بحدوث ضعف استراتيجي للدولة الروسية وهو أمر صحيح، غير أن الظروف الموضوعية كانت تتطلب أيضا، إدراك أن الوضع الدولي لن يسمح بتفكك روسيا وأنه حتى إذا سمح بذلك فإنه لن يقدم عليه إلا بعد "اضعاف" المقاومة الإسلامية الشيشانية أولاً باعتبارها خصم استراتيجي للغرب، وكذا كان يجب إدراك أن الدولة الروسية وان كانت لم تعد قادرة في تلك المرحلة على الحفاظ على "الاتحاد السوفيتي" تحت عباءتها، فان تلك الدولة ستكون أول ملامح عودة قوتها موجهة إلى الشيشان حتى لا تتفكك الدولة الروسية، وان الطريق سيكون مفتوحا لها بلا عائق من دول الجوار أو من الدول الكبرى الآخرى في هذا السعي هدف من تفكيك دول الجوار أو وصول الاسلاميين للسلطة فيها. وفي ذلك كان يجب ادراك ضرورة الحفاظ على المكاسب المرحلية التي تحققت عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وعدم تطوير الاوضاع نحو الانفصال الكامل مباشرة. ويمكن القول، بأن المقاومة الفلسطينية كانت بحاجه أيضا إلى ادراك الظروف الموضوعية في تحولاتها وتغيراتها على صعيد المحيط والوضع الدولي أيضا. لد تمكنت المقاومة الفلسطينية من "الافلات" من الهجوم الأمريكي الشامل على المنطقة ما بعد أحداث سبتمبر 2001، وكذا هي تحملت ظروف الانشغال العربي والاسلامي عن متابعتها ودعمها خلال العدوان على افغانستان والعراق، لكنها على ما يبدو رأت أن بالامكان تخفيف الضغظ عليها والتقدم في ذات الوقت خطوة للأمام من خلال المشاركة في الانتخابات الفلسطينية والدخول في أطر السلطة الفلسطينية. هنا على ما يبدو كان الخطأ في تصور امكانية النفاذ من داخل أطر الاتفاقات الموقعه في أوسلوا وما تلاها، وفق تصور وامكانية الحصول على مساحة من الوقت لالتقاط الأنفاس خلال تلك المرحلة، دون تقديم تنازلات "للوضع الدولي المهيمن عليه أمريكيا". التجربة أثبتت أن الهيمنه الأمريكية على الوضع الرسمي العربي والدولي هي أبعد عن امكانية الاختراق الا وفق تطورات وتغييرات تتعلق بتحولات في قوة القاومة في الأمة بصفة شامله، لقد حولت الولايات المتحدة هذا الاختراق إلى عامل حصار لحركة حماس في داخل السلطة، مخيرة إياهاا بين الولاء للسلطة واتفاقاتها، أو للمقاومة وتحرير فلسطين، فكان المأزق الراهن الذين تصمد فيه الحركة الإسلامية، محتسبة صابرة مقاتلة.
القاهرة في 4 اكتوبر 2007
وبصفة محددة فان المقاومة الشيشانية تطرح جانباً مهماً في رؤية الوضع الدولي وحدود الخلافات بين الدول الكبرى، قد لا يكون واضحاً على نفس المستوى الذي تظهره تجربة المقاومة الفلسطينية بل هو بالدقة يظهر تناقضا في الرؤية بين المقاومتين حول دور ومواقف واستراتيجية روسيا، التي هي العدو الأول للمقاومة الشياشنية، بينما هي لدى المقاومة الفلسطينية طرف يسعى إلى كسب موقفه لصالحها، استغلالاً للتناقض في مواقفه أو مصالحه مع الولايات المتحده، العدو للمقاومة الفلسطينية. كما المقاومة الشيشانية تطرح تجربتها حالة الوضع الرسمي الاسلامي، والدور الجديد للتنظيمات الجهادية الإسلامية الناشطة وفق نمط وفهم واستراتيجية الأمة الإسلامية، بقدر أعلى مما تظهره تجربة المقاومة الفلسطينية..إلخ.
فالمقاومة الشيشانية لا سند لها بحكم الأوضاع الجيواستراتيجية، الا المواقف الإسلامية، أو مواقف الأمة الإسلامية، وفي ذلك هي تختلف عن حالة المقاومة الفلسطينية التي تجعل أوضاعها الجيواستراتيجية، من العالم العربي "حاضنه" لها، وداعما مباشراً لها من الناحية النظرية. ولذا نجد أن المقاومة الشيشانية قد جلبت اهتمام الجماعات الإسلامية الحديثة، التي زودتها بالرجال والعتاد، وهو ما لم يحدث من "الحركات الوطنية والعربية" بل إن الحركات الإسلامية الحديثة لم تقم بنفس الدور مع المقاومة الإسلامية في فلسطين الا متأخراً، لظروف حالة الحصار التي تعيشها المقاومة الإسلامية في فلسطين داخل أسوار الحدود العربية المحيطه بالكيان الصهيوني، وفي ذلك يلحظ في المرحلة الأخيرة أن التنظيمات الإسلامية "الحديثة"، قد بدأت تدخل على خط الصراع الفلسطيني – الصهيوني، كما حدث مؤخرا في لبنان وفق ظاهرة فتح الاسلام – وفي ذلك يعزى غياب دعم الحركات الإسلامية منذ البداية إلى ظروف عملية محددة، فإذ كانت "الطرق" الى الشيشان أقرب من أفغانستان التي انطلق منها المجاهدون إلى الشيشان عبر المناطق الإسلامية هناك، فإن ذلك يتيسر بالنسبة لفلسطين إلا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. وفي المقاومتين يمكن القول، بأن النظام الرسمي العربي والاسلامي، قد وقف متفرجاً وفق أفضل التوصيفات، فيما يجري لكلا المقاومتين، بل كان دوره سلبيا في الحالة الشيشانية.
خصوصيات التجربة الشيشانية
إندلعت المقاومة الشيشانية في طورها الراهن في مرحلة عمت فيها حالات الخروج من تحت عباءة الاتحاد السوفيتي لمختلف التكوينات الحضارية والدول، سواء ما كان منها "بلاداً مستقلة" كما كان الحال في دول المنظومة الاشتراكية (أوكرانيا – بلولندا- المجر – يوغسلافيا..إلخ)، أو ما كان منها داخل بناء الاتحاد السوفيتي نفسه (تركمانستان –أذربيجان – أوزبكستان وغيرها). لكنها كانت الحالة الوحيدة التي انطلقت من داخل "الاتحاد الروسي" أو من داخل "روسيا" وصارت تقود جهاداً مسلحاً طلبا للاستقلال الحضاري الكامل. واذا كانت الدول الأخرى بنوعيها (ماتحت العباءة – وما كان ضمن الاتحاد السوفيتي ذاته) قد خرجت وسط دعم دولي لها، ودون إبراز للطابع الاسلامي لها في النظم الجديدة التي تشكلت بعد الانفصال، فان المقاومة الشيشانية كانت هي التي لم تحظ بأي غطاء دولي، وربما كان ذلك يحكم أنها تجربة مقاومة نشأت اسلامية منذ البداية، وصارت تعزز أوضاعها حين حصلت على "نمط من الاستقبلال في داخل روسيا خلال حالة انفراط الاتحاد السوفيتي، أو بحكم أن قرار الغرب (أوروبا والولايات المتحدة ) كان يقضي بضرورة الحفاظ على روسيا دون تفكك، والاكتفاء بحالات من "التنغيص الداخلي" فقط، خوف من النتائج الخطرة على المصالح الغربية اذا انفرطت روسيا "النووية" كليا.
وفي ذلك حكمت الأوضاع الجيواستراتيجية أوضاع المقاومة الشيشانية، حيث الشيشان تحاط بدول وأن جمعت بينها الرابطه الإسلامية إلا أنها جميعا دول خرجت من تحت عباءة الاتحاد السوفيتي، لتصبح أقرب للارتماء في أحضان الولايات المتحدة، التي ركزت جهدها إلى جانب حكومات تلك الدول (العلمانية) على مواجهة الحركات الإسلامية في داخلها وجوارها، كما حكم أوضاع المقاومة الشيشانية وجود مقاطعات أخرى داخل روسيا الاتحادية بها مجموعات واسعة من السكان المسلمين صاروا سندا لها بما وسع نشاطها داخل روسيا دون سند من دول اسلامية خارج روسيا إلخ، وهو بالاجمال ما جعل تلك المقاومة تعيش حالة حصار عميق الأغوار.
وقد زاد من تلك العزلة ليس فقط بعد الشيشان عن "المنطقة العربية"، بل كذا أن الدول العربية وكثير من حركات المقاومة _وبعضها اسلامية_ كانت تعتبر روسيا بلداً تحرص على صداقته، بحكم تناقض مصالحه مع الولايات المتحدة، وهو ما انتبهت إلى أهميته روسيا وصارت تعمل عليه لعزل المقاومة الشيشانية عن حاضنها الطبيعي كليا، وهو ما وصل حد طلبها الانضمام إلى منظمة المؤتمر الاسلامي.
التشابة الكبير
بين المقاومتين تشابه كبير، أثر ويؤثر على استراتيجياتها وعلى نحو كبير وان لم ندركه.
المقاومة الشيشانية هي مقاومة نشطت في مواجهة استعمار استيطاني، حيث الشيشان وهي البلد الاسلامي قد تعرضت إلى غزو استيطاني روسي، ولم تكن قضيتها فقط هي قضية احتلال، وهنا هي تقترب من الحالة الفلسطينية التي تواجه استعماراً استيطانيا.
والمقاومة الشيشانية هي مقاومة "مزمنة"، حيث الشيشان تتواتر عليها حالات المقاومة منذ الاحتلال الاستيطاني الروسي لها ما بعد الثورة الشيوعية في عام 1917، ومنذ هذا التاريخ وحتى الآن وعبر مراحل من الصعود والهبوط ما تزال المقاومة الشيشانية تمارس دورها وتسعى إلى تحقيق أهدافها، وهي في ذلك تكاد تكون في نفس حالة المقاومة الفلسطينية التي نشأت ونشطت عقب الاحتلال البريطاني لها خلال مرحلة الحرب العالمية الأولى أيضا.
والمقاومة الشيشانية دفعت في مقاومتها، أو دفع الشعب الشيشاني في مقاومته ملايين الأفراد، وإلى درجة أنه فقد خلال مرحلة واحدة نسبة 25% من السكان. كما تعرض الملايين إلى الهجرة واللجوء والتشرد في مناطق الجوار. وهي في ذلك تتشابه مع المقاومة الفلسطينية، أو في مقاومة الشعب الفلسطيني، الذي أصبح يعيش منه على الأرض الفسطينية الجاري حولها الصراع أقل من الذين باتوا في المهاجر واللجوء، اضافة إلى الملايين التي هجرت داخل الوطن، والتي قتلت في المذابح الدائمة كما المقاومة الشيشانية تتشابه مع المقاومة الفلسطينية في نمط احكام الحصار حولها داخل الاراض المحتلة، حيث كلا الشعبين الشيشاني والفلسطيني يعيشون خلف أسوار مع دول المحيط، تتحكم فيها القوة المحتلة للأرض.
العوامل الموضوعية والاستراتيجية
في المبادئ العقدية والنظرية العامة، فان الاستراتيجيات تشكل ترجمة للابعاد الحضارية في الصراعات (التي تحكم المسار العام لها ) لكن الاستراتيجيات في ذات الوقت تمثل ترجمة للأبعاد والعوامل والمكونات الموضوعية في الصراعات على الأرض. لقد شاهدنا كيف أن الاختلاف بين طبيعة العدو المباشر في الحالتين العراقية والصومالية، قد أثر في تحديد أبعاد الصراع واستراتيجياته (العدو المباشر في الحالة العراقية هو الولايات المتحدة وفي الحالة الصومالية – اثيوبيا)، وكيف أن تحركات ودور دول الجوار كان حاسما في تحديد طبيعة الأعداء وقدراتهم، وأولويات ترتيبهم في استراتيجيات الصراع (في العراق الولايات المتحدة وإيران – وفي الصومال أثيوبيا ثم الولايات المتحدة).
وفي الحالة الشيشانية، فان الظروف والعوامل الموضوعية كان لها تأثيرها في تحديد استراتيجيات الصراع، وربما يمكن القول أيضا، أن الأخطاء في التقدير العام للظروف والعوامل الموضوعية الخاصة قد أدي إلى انتكاسات ذات طابع استراتيجي. لقد بدأت تجربة المقاومة الشيشانية في مرحلتها الراهنة ما بعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي، ووفق تقدير عام بحدوث ضعف استراتيجي للدولة الروسية وهو أمر صحيح، غير أن الظروف الموضوعية كانت تتطلب أيضا، إدراك أن الوضع الدولي لن يسمح بتفكك روسيا وأنه حتى إذا سمح بذلك فإنه لن يقدم عليه إلا بعد "اضعاف" المقاومة الإسلامية الشيشانية أولاً باعتبارها خصم استراتيجي للغرب، وكذا كان يجب إدراك أن الدولة الروسية وان كانت لم تعد قادرة في تلك المرحلة على الحفاظ على "الاتحاد السوفيتي" تحت عباءتها، فان تلك الدولة ستكون أول ملامح عودة قوتها موجهة إلى الشيشان حتى لا تتفكك الدولة الروسية، وان الطريق سيكون مفتوحا لها بلا عائق من دول الجوار أو من الدول الكبرى الآخرى في هذا السعي هدف من تفكيك دول الجوار أو وصول الاسلاميين للسلطة فيها. وفي ذلك كان يجب ادراك ضرورة الحفاظ على المكاسب المرحلية التي تحققت عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وعدم تطوير الاوضاع نحو الانفصال الكامل مباشرة. ويمكن القول، بأن المقاومة الفلسطينية كانت بحاجه أيضا إلى ادراك الظروف الموضوعية في تحولاتها وتغيراتها على صعيد المحيط والوضع الدولي أيضا. لد تمكنت المقاومة الفلسطينية من "الافلات" من الهجوم الأمريكي الشامل على المنطقة ما بعد أحداث سبتمبر 2001، وكذا هي تحملت ظروف الانشغال العربي والاسلامي عن متابعتها ودعمها خلال العدوان على افغانستان والعراق، لكنها على ما يبدو رأت أن بالامكان تخفيف الضغظ عليها والتقدم في ذات الوقت خطوة للأمام من خلال المشاركة في الانتخابات الفلسطينية والدخول في أطر السلطة الفلسطينية. هنا على ما يبدو كان الخطأ في تصور امكانية النفاذ من داخل أطر الاتفاقات الموقعه في أوسلوا وما تلاها، وفق تصور وامكانية الحصول على مساحة من الوقت لالتقاط الأنفاس خلال تلك المرحلة، دون تقديم تنازلات "للوضع الدولي المهيمن عليه أمريكيا". التجربة أثبتت أن الهيمنه الأمريكية على الوضع الرسمي العربي والدولي هي أبعد عن امكانية الاختراق الا وفق تطورات وتغييرات تتعلق بتحولات في قوة القاومة في الأمة بصفة شامله، لقد حولت الولايات المتحدة هذا الاختراق إلى عامل حصار لحركة حماس في داخل السلطة، مخيرة إياهاا بين الولاء للسلطة واتفاقاتها، أو للمقاومة وتحرير فلسطين، فكان المأزق الراهن الذين تصمد فيه الحركة الإسلامية، محتسبة صابرة مقاتلة.