كان قَدَر المجتمع الفلسطيني، على بساطته وقلّة تعداده، أن يستيقظ في صبيحةٍ تاريخية غائمة ليجد نفسه –بالجبر لا بالاختيار- خصماً لأقوى دول العالَم ولبعضٍ من أعتى رموز الدنيا. وعلى مأساوية هذا القدَر فهو يأتي مع شفاعة يتيمة: أنه يشدّ المرء صوب حوافّ قدرته، ويستنهضُ فيه وثبةً غريزية –وبقائية- لردم الفارق، وأنه يجذب نوعاً خاصّاً من البشر لصفّك لأن فارق القوة مُغرٍ بالتحدي لمن لا يَعرفون لأنفسهم قيمةً إلا بالمعارك المستحيلة.

 
حدث على حدود جنوب القطاع

القوة القوة لا بارك الله بالضعف

 
التعديل الأخير:
‏مسؤول أمني إسرائيلي للقناة 12 العبرية: "دفعنا بقوات كبيرة للبحث عن الأسرى الستة لاستعادة شرف "إسرائيل" وكرامتها، بعد أن تحولنا لأضحوكة أمام العالم".

 
مبلغ هائل في ماذا تذهب كل ذي الفلوس

كل اجهزة إسرائيل استنفرت
حراس السجن والحدود وقوات اليمام والشاباك ووحدة مارعول والجيش والشرطة الإسرائيلية التي سيرت دوريات للبحث في كل مكان

تم اقامة مئات الحواجز وتحليق لعشرات من طائرات الهيلوكابتر والدرونز

كل هذا البحث استمر أسبوع تقريبا

وفي النهاية أمسكوا ٤ من أصل ٦
 
‏رواية الأسير محمود العارضة أكدت أن اعتقاله وزميله كان صدفة عند مرور دورية شرطة ولم يبلغ عنهما أحد من أهل ‎الناصرة.

الرواية الإسرائيلية ليست ملفقة فحسب وإنما هدفها زرع الفتنة في قضية وحدت الشعب الفلسطيني.

٢٠٢١٠٩١٧_١٣٥٨٥٦.jpg
 
‏كتب روبرت فيسك في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا عام ٢٠١٢ إنه يشتم رائحة الظلم في كل زيارة يتوجه فيها إلى المكان الذي قتل فيه 1700 فلسطيني.. وأن رؤساء دول وحكومات يصطفون لتأبين ضحايا 11 سبتمبر، في حين لم يتجرأ زعيم عربي على زيارة القبور الجماعية لضحايا صبرا وشاتيلا.

 
أدركت الحركة الصهيونية مبكرًا الخطر الوجودي الذي يشكّله التفاف الامتداد القومي العربي للشعب الفلسطيني حوله، ورأت باستنزاف هذا الامتداد على عدّة جبهات وسيلةً لتفكيكه، وذلك عبر استقطاب الأقليات العربية غير المسلمة وإقناعها بأن هذا الاستنفار ضد الصهيونية، ما هو إلا تغوّل إسلامي متطرّف، لا تتّسع رؤيته لأتباع المسيحية العربية المشرقية التي ساهمت في صناعة التاريخ العربي الإسلامي وتناغمت معه.

وكانت أولى الأقليات التي نجحت الحركة باستقطابها هي الطائفة المارونية في لبنان، بعد أن لاقت هذه السردية قبولًا واسعًا في صفوف رجالاتها، وهو ما توقّعه رئيس وزراء “إسرائيل” الأسبق، ديفيد بن غوريون، حين قال أن لبنان هو الحلقة الأضعف في التحالف العربي، ويمكن تجريدهم منه مقابل اعتراف يهودي بمسيحية لبنان، وآخر لبناني بيهودية فلسطين، يؤمِّن “الحدود الإسرائيلية الشمالية”، مقابل دعم مسيحي لبنان ضد مسلمي سوريا وفلسطين المحيطين بهم من كل صوب.

ووقّع ممثّل البطريرك الماروني الأبرز أنطون عريضة، نجيب صفير، اتفاقية تعاون بين “الأقليتين المارونية واليهودية”، مع ممثل المنظمة الصهيونية، يهوشع هانكين، ثم تلتها مناقشات سياسية، واقتصادية، وثقافية انبثقت عنها بعثات دراسية لمستشرقين يهود في جامعات لبنان وسوريا، برعاية كبير الأساقفة.



ودعت قيادة “الفينقيين الشباب” المارونية، وعلى رأسها ألفريد نقّاش، لهجرة يهودية باتجاه بلاده، لتحقيق توازن ديموغرافي يردع المسلمين الآخذين بالتزايد، ثم رافق نقّاش البطريرك عريضة لمقابلة قائد الحركة الصهيونية العالمية، حاييم وايزمن، في باريس عام ١٩٣٦، لبحث سبل التصدي للخطر الإسلامي نجم المحدق، لكن وعلى الرغم من ترأُس نقّاش للبنان من عام ١٩٤١ حتى عام ١٩٤٣، بقيت هذه الاتفاقيات مجرد خطابات نوايا، لضآلة قبولها الشعبي من الجانين، ولا سيّما الشعب اللبناني الذي رأى أن هذه الانعزالية صنيعة الاستعمار الفرنسي.

وألقت هذه العلاقات بين الصهيونية ورجال دين مَرجعيين من الطائفة المارونية، بظلالها على بعض الموارنة في فلسطين كما في لبنان، إلا أن الغالبية لم تجد مسوّغًا دينيًا ولا حتى مصلحيًا لهذه العلاقة، وذلك باعتبارها جزءًا أصيلًا من المجتمع الفلسطيني، تهدّده أكثر من أي شيء آخر ممارسات الهيمنة الصهيونية التي تستهدف كل أملاك العرب في فلسطين بصرف النظر عن دياناتهم، أو بتعريفٍ أدقّ: أملاك كل من هم ليسوا يهودًا.

وهذا ما أثبتته العصابات الصهيونية في النكبة، إذ طهّرت عرقيًا في عمليّة “حيرام” معظم التجمعات المسيحية في شمال فلسطين، ضاربةً بعرض الحائط كل عهودها مع المارونية السياسية في لبنان والمتأثرين بها في فلسطين، كما حدث في قرية كفربرعم التابعة لقضاء صفد على وجه الخصوص، والتي هُجّرت بعد ٧ أشهر من قيام دولة اليهود على أنقاض فلسطين، بقرارٍ من وزير “الأقليات غير اليهودية” بيخور شالوم شطريت.



ارتكبت العصابات الصهيونية قبل هذا القرار بشهر، سلسلةً من المجازر والإبادات الجماعية المروّعة في المناطق المحيطة بكفربرعم، كالصفصاف والجش وصلحة وسعسع وعيلبون ومجد الكروم، وانخفض إثرها تعداد سكان المنطقة من ٦٠ ألف نسمة إلى نحو ١٥ ألف فقط، وتوقّع سكان كفربرعم الذين شهدوا على أكثر فصول النكبة دمويّةً، أن يلقوا المصير ذاته، لكنهم اطمأنّوا قليلًا بعد قيام دائرة الأقليات غير اليهودية بإحصائهم، ورفع السلطات الصهيونية حظر التجول.

إلا أن الضابط فريدمان عاد وسلّمهم قرارًا من شطريت يمهلهم ٤٨ ساعة لإخلاء القرية والمضيّ ٥ كيلومترات شمالًا باتجاه لبنان، رفض سكان القرية قرار شطريت، مما دفع القيادة الصهيونية لأمر سلاح الجو الصهيوني بقصف كل مباني القرية باستثناء الكنيسة والمدرسة ومعبد روماني ادّعوا أنه كنيس يهودي بالرغم من نفي الخبراء الصهاينة هذا الادعاء لعدم وجود مذبح يتّجه إلى “أورشليم”.

وتجمّع السكان الذين استطاعوا الفرار على تلة “مبكى البراعمة”، ليراقبوا الطيران وهو يسوّي قريتهم بالأرض، ثم احتمى جزء منهم في بيوت المهجّرين في قرية الجش القريبة، فيما نزح الباقون للبنان واستطاع قسم منهم الفرار بمارونيته من مخالب العنصرية اللبنانية ضد اللاجئين الفلسطينيين، متوجِّها إلى دول أميركا اللاتينية كالبرازيل والأرجنتين.



ويتركّز معظم الناجين البرعميين اليوم في المهجر في مخيم ضبيّة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، فيما يتركّز الذين استطاعوا البقاء في الداخل المحتل في الجش التي اتخذوا من بيوت مهجّريها مسكنًا مؤقتًا حتى انتزاعهم حقّ العودة، على حد قول ابنة كفربرعم الفلسطينية، وعد غنطوس، التي جوّلتني قبل أيام في قريتها المهجّرة ضمن المخيّم التطوعي الذي يعقده سكّانها سنويًا لترميم قريتهم.

وقالت وعد أن هناك قطيعةٌ بين أهل القرية الذين ينضمّ معظمهم للمخيم السنوي برفقة أبناءهم، وبين الآخرين الذين يعوّلون على المارونية السياسية للعودة لكفربرعم، لأنهم لا يرون ما حلّ بهم إلا في سياق نكبة الشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني، على عكس هذا التيار الذي بات يروّج بدعمٍ حكومي إسرائيلية لنظرية أن الموارنة آراميون وسريان وليسوا عربًا، وأن انضمامهم لسلك الشرطة والجيش سيفكّ عقدة المحاكم الصهيونية تجاههم ويؤول إلى عودتهم لكفربرعم.

وتساءلت وعد ضاحكةً “ما الذي جنوه من هذا؟ هل أعادهم الاحتلال لكفربرعم بعد كل هذا الانسحاق؟”، مضيفةً أن نظريتهم لا ترتكز على شعورهم بالدونية أمام المحتل وسعيهم لفصل مطالباتهم عن مطالبات الشعب الفلسطيني فحسب، بل يرتكز أيضًا على شعورٍ بالاستعلاء على الأغلبية الفلسطينية غير المسيحية، التي يعتقدون أنها أدنى من أن يكونوا وإياها شعبًا واحدًا، مؤكدةً أن هذا السلوك لا يزال مستهجنًا وخيانيًّا لدى الأغلبية.



وتضمّنت جولتي مع وعد زيارةً لبيت جدّها، أو ما تبقّى منه بعد القصف، والذي استشهد بالقرب منه عمّ والدها برصاص العصابات في فترة الحكم العسكري الذي عايشته الأقلية الفلسطينية في الداخل المحتل بعد قيام الدولة، ورحبت بي الحفيدة على باب المنزل وكأنها ترعرت فيه، مُشيرةً إلى أنها اقترحت على البقيّة إزالة الركام من داخله عسى أن تجد تحته تذكارًا لجدّها.

وأضافت أن جدّتها التي ربّت والدها وأعمامها في أحد منازل الجش التي هُجّر أصحابها إلى لبنان واحتموا به هم، ظلّت تردد حتى يومها الأخير أن منزلها الوحيد في كفربرعم، وهذا ما تلقّاه والدها الذي قرّر قبل سنتين العيش برفقة أبناءه وزوجته في خيمة شيّدها بالقرب من كنيسة السيدة مريم في كفربرعم، وعاشت الأسرة في هذه الخيمة سنتين، حتى طردتهم إدارة الحديقة القومية الإسرائيلية التي شُيّدت على أنقاض القرية، بشكل عنيف للغاية، إلا أن هذا لم يغيّر في وعد شعورها بأنها كوالدها وأجدادها لم تجد معنى المنزل سوى في كفربرعم.

والجدير بالذكر، هو أن كل فرد من الأهالي -ولا سيما الأحفاد- يعرف جيدًا أي المنازل هو منزل جدّه، كما يعرف كل منهم أصحاب المنازل الأخرى على الرغم مما لحقها من ضرر، ولا يخلوا المشهد من الأسى عندما يجتمعون كل أسبوع هناك، في القُدّاس الذي يقام في كنيسة القرية المهجّرة تعبيرًا عن تمسّكهم بها، ثم يغادرون ليشاهدوا مستوطنات “برعام” و”دوڤيف” التي التهمت أراضيهم الزراعية، وأشجار السرو الأوروبي التي حلّت محلّ أشجار التوت والتفاح والتين والبلّوط التي كانوا يشتهرون بها.



ثم يزور بعضهم مقبرة القرية، التي يصرّون بعد ٧٢ عام على النكبة، ألا يدفنوا موتاهم إلا فيها، بالرغم من مضايقات الاحتلال الذي يمنعهم من توسعتها لإجبارهم على التوقف عن الدفن فيها، إلا أنهم باتوا يدفنون أحبّتهم في أضرحة الواحد منها فوق الآخر، في تحدٍّ واضح لما يُعرف بالصندوق القومي اليهودي (ككال)، وفي رسالةٍ واضحةٍ أيضًا، قالتها لي وعد على بوابة المقبرة وهي تقاوم دموعها بابتسامة “سنعود إلى كل فلسطين يومًا ما، وإلى كفربرعم كما ترين فنحن عائدون حتمًا، إذا لم يكن مع حقيبة أمتعة، سيكون في نعش”.

وكان الأهالي في المخيّم منغمسون في التنظيف، وتشذيب الأعشاب الضارّة، وتشييد الخيام التي سيبيتون فيها الليلة بالقرب من مدرسة القرية، إلا أن استراحة تحضير الطعام لم تخلُ من الحديث بشيءٍ من الفخر الممزوج بالقلق على الأسرى الستّة الذين هربوا من سجن جلبوع المحصّن عبر نفق، التي تمتاز بهندسة عربية وأقواس واسعة، وختمت وعد حديثها بأنها “تشعر بعد توحُّد كل أطياف الشعب الفلسطيني في الهبّة الأخيرة، أن عودتها إلى كفربرعم باتت أقرب من أيّ وقتٍ مضى، وأن عودتها تلك لن تكتمل إلا بعد انتزاع كل اللاجئين الفلسطينيين لحقهم في العودة”.



الرواية الإسرائيلية عن النكبة

تُحمِّل الرواية الصهيونية سكّان فلسطين الأصليين، مسؤولية النكبة التي حلّت بهم عام ١٩٤٨، وتعتبر تطهير البلاد عرقيًا من العرب آلية دفاعٍ مشروعة استردّ عبرها “أصحاب الأرض اليهود” حقّهم من الذين سطوا عليه لآلاف السنين بعد إظهارهم سوء النية.

وترتكز هذه الرواية كغيرها على عددٍ لا بأس به من الأكاذيب، أوّلها علاقتهم ببني إسرائيل الذين “أهداهم الله الأرض” وأمرهم بالتوجه إليها بقيادة النبي موسى، وهو ما دحضه المؤرخ والباحث الصهيوني “شلومو زاند” في كتبه “اختراع الشعب اليهودي”، و”اختراع أرض إسرائيل”، و”كيف لم أعد يهوديًا”.

وثانيها أن المشروع الصهيوني لم ينصّ مُسبقًا على تهجير السكان المحليين بصرف النظر عن مدى تقبّلهم، كما ورد في مواثيق الحركة المتأثرة بطبيعة الحال بالسياق الأوروبي الذي ظهرت فيه، والذي طغى عليه في القرن التاسع فكرٌ دمويّ يرتكز على القوميّة، ويخوض الحروب من أجلها، مكرّسًا بعد ذلك “الدولة الوطنية” التي لا تتّسع لشعبين لا يتشاركان شيئًا.

وثالثها أن كل السكان الذين تم هُجّروا شكّلوا خطرًا وجوديًا، وهو ما تنفيه معطيات شحّ السلاح التي رافقت الرواية الفلسطينية منذ انكشاف المخطط الصهيوني وما عقبه من مقاومة داخليّة، وصولًا للحروب الإقليمية التي أخذ أوّلها طابع الإنقاذ و”الفزعة”، وهو ما يؤكّده المؤرخون الذين وثّقوا تهجير عددٍ لا بأس به من القرى التي لم تنخرط في العمل المسلّح، كفربرعم أنموذجًا.

 
عودة
أعلى