اكيد لا ..

وجود حماس ضعيف في الضفة الغربية واغلبهم في سجون السلطة الفلسطينية وإسرائيل
عزتي لهم والله الشعب المغلوب على امره ولا كلاب الحكومة وكلاب حماس ماعليهم حسافه
 
‏غزة | ١٩٩٣
من الانتفاضة الأولى

بعدسة المصور الفرنسي-اللبناني باتريك باز

٢٠٢١٠٩٠٥_١٦١٣٤٠.jpg
 
اليوم أشعلت أربع حرائق في غلاف غزة من البالونات الحارقة

كالعادة غارات الان ردا على الحرائق

 
غارة على خان يونس

 
نساء فلسطينيات يجمعن الشجيرات للحصول على الوقود بين 1898-1920. أعشق هذه الصورة حقًا لأنها تبدو حقًا مثل الأشجار من مسافة بعيدة وهي رمز مثالي لحياتهم وموروثاتهم في فلسطين.

 
نهر أبي فطرس .. أبدع مناظر فلسطين

1.jpg


كثيرون يعرفونه باسم "العوجا" أو "اليركون" أما اسم "ابي فطرس" فيكاد يكون اسمًا مجهولًا لأكثرنا اليوم، وهي تسميّة تعكس جهلنا بفلسطين وبهذا النهر البديع في قلب البلاد، والذي لا يتميزّ بطوله فهو لا يبلغ إلا 27.5 كم مع كُل تعرجّاته، بيد أنه يحمل في جُعبته الكثير من الحكايا والجمال، فعلى ضفافه بنى هيرودوس مدينة عظيمة، وإليه لجأ الأمويون في محنتهم مع العباسيين، وعنده بنى الصهاينة أولى مستوطناتهم "بيتاح تكفا" ثم "تل أبيب" على أراضي قرى فلسطينية كثيرة تم تدميرها وتهجير أهلها، تمامًا كما تسبب هذا الاستيطان باستنزاف النهر وتلويثه بعد أن كانت ضفافه وحدائقه "من أبدع مناظر فلسطين".

التسميّة

سواء كُنا نتحدث عن نهر العوجاء أو "العوجا" وكذلك "فطرس" أو "أبي فطرس" وحتى "اليركون" فإن كُل هذه التسميّات تعود لهذا النهر الذي يُعتبر ثاني أنهار فلسطين من حيث كميّة المياه المُتدفقة فيه، وفي المصادر العربيّة القديمة فإن تسميّة "أبي فطرس" أكثر التسميات شيوعيًا من غيرها، فمعظم الكُتب التي تحدثت عن مجزرة الأمويين في فلسطين ذكرت بأنها وقعت عند "نهر ابي فطرس"، وأبي فطرس ليست تسميّة عربيّة بحتة وهي تحريفًا لكلمة "أنتيباتريس" وهي اسم المدينة الرومانيّة التي أقامها هيرودوس عند منبع النهر والتي تعرف اليوم بـ"رأس العين".

هذه التسميّة لم تعد شائعة اليوم، فتسمية "العوجا" أكثر شيوعًا وهي تدلنا على أكثر ما يميّز النهر وهي أنه "أعوج"، تمامًا كتسمية "يركون" العبريّة، بحيث أن كلمة "ياروك" تعني "أخضر" وكلمة "يركون" تُشير إلى لون مياه النهر المائلة للخُضرة.

أعوج، أخضر وبديع .. !

قُد تكون "خُضرة" المياه مؤشّرًا لتلوّث النهر، ولكن في نهر "أبي فُطرس" حتى المياه النقيّة "الممتازة" تبدو خضراء، بالأخص في القسم العلوي من النهر والقريب من المنبع عند "رأس العين"، حيث تُرى زهور "النيوفلر الأصفر" البديعة، وتنمو على الضفاف فاكهة توت العليق البري اللذيذة، كما الشلالات الصغيرة التي يستمتع البعض بالاستحمام عندها في تجوالهم عند النهر.

وللتجوال عند هذا النهر خاصيّة مميزة، فمجرى النهر ليس مستقيمًا ولا منحنيًا ككثيرٍ من أنهار فلسطين، فلو تأملنا مجرى النهر لوجدنا تعرّجات كثيرة على شكل حرف "اوميغا" اليوناني، وهذه الظاهرة تصنف في علم الأنهار باسم Meander وهناك أنهار كثيرة حول العالم تتميز بهذا الشكل وتبدو فيها هذه الظاهرة أوضح.

2.jpg


في نهر العوجاء يصل طول النهر كما ذكرنا إلى 27.5 كم علمًا بأن المسافة الجويّة من المنبع إلى المصب 14 كم فقط، وهي مسافة قصيرة نسبيًا يُمكن عبورها مشيًا خلال 3 ساعات فقط، بيد أن التجوال على ضفاف النهر على طوله تستغرق مسافة يوم مشيًا وهي "8 ساعات تقريبًا"، وهناك "مسار" خاص بهذه المنطقة وهو جُزء من مسار طويل جدًا يبلغ طوله 950 كم تقريبًا ويمتد من الحدود مع مصر إلى الحدود مع سوريا ولبنان عند جبل الشيخ شمال فلسطين.

في موسوعته "بلادنا فلسطين" أشار الباحث مصطفى الدبّاغ إلى جمال جنان نهر العوجاء قائلًا: "ومنظر ضفاف نهر العوجاء من أبدع مناظر فلسطين، بما فيه من خضرة وجنان زاهرة"، وفي جريدة فلسطين الصادرة يوم الجمعة 11 أيار 1945، أي قبل النكبة بثلاثة أعوام، نجد إعلانًا لـ«متنزه العلمين» على ضفاف نهر العوجاء، قرب قرية "الشيخ مونس" باعتباره "من أفخم المطاعم والمقاهي في البلاد .. وفي بقعة تشرف على مناظر طبيعيّة خلابة" وبحسب الإعلان فإن على كُل من أراد الترفيه عن نفسه... اللجوء إلى الريف الهادئ الجميل على شاطئ نهر العوجاء.

أثر الاحتلال على النهر

بعد احتلال فلسطين وتزايد أعداد المستوطنين بشكل غير طبيعي، بدأت عمليّة استنزاف لمياه النهر بشكل أدى إلى تجفيف هائل للنهر، وبالأخص في الخمسينيات حين بدأ بن غوريون بتشجيع الاستيطان في النقب وبلاد بئر السبع فأنشأ مشروعاً لجر قسم كبير من المياه إلى المستوطنات الجديدة، واستمر الاستنزاف حتى بدأت تظهر آثاره الوخيمة وبالأخص بعد تزايد الشركات والمنشآت الصناعية على الضفاف.

3.jpg


في عام 2008 اندلع حريق هائل في مصانع شركة سانو "الإسرائيلية"، وقامت الشركة بضخ كميّات هائلة من مواد التنظيف إلى النهر وهو ما أدى لتلوث خطير للمياه، حتى أصبحت رائحة المياه كرائحة الكلور وكانت النتيجة كارثيّة، حيث تسبب هذا التلوث بموت 100 طن من الأسماك.

ليست هذه الحادثة بالنادرة، فقدت أكدت تقارير بيئية بأن مصانع "تاعس" التابعة لجيش الاحتلال الاسرائيلي تسببت بتلويث المياه الجوفيّة في منطقة "رمات هشارن" المُقامة على أراضي عرب أبو كشك، الأمر الذي اضطر السلطات البيئية لإيقاف سحب المياه من بعض الآبار.

القرى الفلسطينية المُهجّرة

لم تنحصر الأضرار على ضفاف النهر على المياه أو النباتات والحيوان، بل طالت العديد من القرى الفلسطينية التي كانت في هذه المنطقة من فلسطين حيث تم تهجير كُل القرى في محيط النهر، وكانت أكبر هذه القرى "عرب أبو كشك" حيث امتدت أراضي أهلها على مساحات شاسعة جدًا تصل إلى البحر الأبيض، وأشهرها قرية "الشيخ مونس" التي أقيمت على أراضيها جامعة تل أبيب، كما كانت هناك قرى صغيرة جدًا لا تزال بعض آثارها قائمة مثل "المحمودية" و"المر" و"جريشة" وهذه أفضل حالًا من القرى التي لم يبقَ منها أي أثر مثل "الجماسين" و"عرب السوالمة".

اليوم، يُمكن للمتجوّل على ضفاف النهر أن يزور القلعة العُثمانية التي لا تزال قائمة عند مدينة "ابي فطرس" التاريخية عند منبع النهر، كما يُمكنه أن يشاهد بعض بيوت قرية "عرب المويلح" وعدد من الطواحين التي كانت تعمل بواسطة القوّة المائية "الهيدروليكيّة" عند قرية "المر" وأخرى تُسمى "طواحين أبو رباح" لا تزال قائمة وتُعرف بهذا الاسم حتى اليوم وتقع عند مستوطنة "بيتاح تكفا" التي كانت تسمى "ملبّس"، وعند قرية "جريشة" الصغيرة توجد بقايا من مطحنة القرية التي تقع ضمن ما يُسمى "بارك جاني يهوشع". وفي قرية الشيخ مونس لم يبق إلا منزل واحد يُعرف بالبيت الأخضر وتستغله جامعة تل أبيب للاحتفالات.

4.jpg


ختامًا، فإن نهر العوجاء ومع اختلاف تسمياته يحمل الكثير من حكايا أرض فلسطين منذ معركة أفيق قبل ألف عام من الميلاد مرورًا بنكبة عام 48 وحتى يومنا هذا، كما أنه من أجمل أنهار فلسطين حتى لو كانت مياهه تميل إلى الخضرة أو الصفرة أحيانًا، إلا أن مشاهد أشجار الكينا والنيوفلر الأصفر على الضفاف بديعة جدًا ولا تتكرر كثيرًا في فلسطين المحتلة ولهذا علينا أن نعيد استكشافه والإصغاء إليه جيدًا!

 

"الرقابة الشّاملة".. كيف عملت "إسرائيل" على ضبط فلسطينيّي الـ48؟​

الرقابة الشّاملة.. كيف عملت إسرائيل على ضبط فلسطينيّي الـ48؟




عندما بدأت العصاباتُ الصهيونيّة بتنفيذ مجازرها بحقّ الفلسطينيّين إبّان النكبة، كان مشروعُ إقامة دولةٍ يهوديّةٍ على أرض فلسطين يخطّ طريقَه عبر قتل الفلسطينيّين وتهجيرهم والاستيلاء على أراضيهم. وبعد إعلان قيام دولة الاحتلال، وتبيّن عدم إمكانية تهجير كافّة الفلسطينيّين الباقين، تحوّلت السياسة تجاههم من الطرد بأدوات القوّة الخشنة إلى الهيمنة والضبط والرقابة بوسائل "ناعمة".
عن سياسات الضبط والرقابة يتحدث كتاب "الرقابة الشاملة" لأستاذ علم الاجتماع السياسيّ الفلسطينيّ أحمد سعدي. فمن خلال دراسة أرشيفٍ صهيونيّ يُكشف للمرة الأولى، يوضّح الكتاب أدوات الضبط والرقابة التي مارستها "إسرائيل" على السكان الفلسطينيين بعد نشوئها حتى انتهاء فترة الحكم العسكري نهاية عام 1966. صدر الكتاب بالإنجليزية عام 2013 عن جامعة مانشستر، وتُرجم حديثاً إلى العربيّة عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ويقع في 376 صفحة، موزّعةً على سبعة فصول ومقدمة طويلة وخاتمة.
يأتي الكتاب في سياق نقض أطروحتين مركزيتين في العلوم الاجتماعيّة عن "إسرائيل". الأولى تلك التي تدعي غياب سياسةٍ إسرائيليّة واضحة تجاه المجتمع الفلسطينيّ في أراضي الـ48، والثانية التي ترى أن المواقف الشخصيّة لدى السياسيين والمستعربين الإسرائيليين هي التي ساهمت في صوغ المواقف الرسميّة تجاه الفلسطينيين. في المقابل، تكشف الوثائق الأرشيفيّة التي درسها الكاتبُ أنّ التفاهم كان عميقاً بين مختلف أجهزة دولة الاحتلال فيما يتعلق بأهدافها إزاء الفلسطينيين الباقين، ولم ينبع السلوك الإسرائيلي من نزواتٍ شخصيّة.

بقاء الفلسطينيين "مرحلة انتقالية"

في مطلع الكتاب يستعرض سعدي النقاشات التي دارت بين قادة الكيان الإسرائيلي عقب إعلان دولتهم، ومراحل تطوّر رؤيتهم لعلاقة "الدولة" بالفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
في البداية، وتحديداً في الأعوام الثلاثة التي أعقبت النكبة (1949-1952)، عُقدت العديد من الاجتماعات المركزيّة شارك فيها كبار السياسيين والمستعربين (في حينه اعتبروا خبراء لشؤون العرب)، وخلُصَت إلى أنّ وجود الفلسطينيين في "إسرائيل" هو مجرد مرحلة انتقاليّة يجب أن تنتهي بتهجيرهم نهائيّاً.
وضمنها قدّم جوشوا بالمون، مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربيّة آنذاك، خلال اجتماع عقد عام 1950 تحليلاً سوسيولوجيّاً للفلسطينيين ومدى معقولية تصور هجرتهم. فقسّم الفلسطينيين إلى ثلاث فئات طبقيّة: الأولى تتشكّل من كبار التجار والملّاك وكبار الموظفين وتمثل 15% من السكان، والثانية مؤلفة من المهنيين وصغار مالكي الأراضي وتمثّل 20% من السكان، والفئة الأخيرة تضمُّ 65% من الفلسطينيين وتشمل العمالَ والفلاحين من غير ملّاك الأراضي.
توقع بالمون أن تجد المجموعةُ الأولى صعوبةً في مواصلة العيش في ظلّ الواقع الجديد الصعب بعدما عاشت في "نعيمٍ" خلال الانتداب، وأن غالب أفرادها يرغبون بالرحيل. وتوّقع بالمون أن يعاني أفراد المجموعة الثانية مشكلاتٍ في التكيّف النفسيّ بسبب خسارتهم الحريّة والرخاء معاً، ويميلوا إلى الرحيل أيضاً. أما المجموعة الثالثة، فلن يرحل أفرادها حتى وإن اضطُهدوا، وذلك بسبب تدني مستويات معيشتهم أساساً. لكنهم، على حد تعبيره، سيغادرون في غضون فترة تمتد من ثلاثة إلى خمسة أعوام.


من الطرد إلى الضبط

لكن تلك الرؤية لم تدم طويلاً. أدّى انشغال "إسرائيل" بمحاولة إضفاء الشرعيّة الدوليّة على كيانها المقام حديثاً إلى تحوّل الموقف من الفلسطينيين داخل أراضي الـ 48 من السعي إلى طردهم قسراً إلى محاولة السّيطرة عليهم. حرصت "إسرائيل" على عدم إظهار التناقض بين خطابها كدولة ديمقراطيّة وبين ممارساتها الاستعماريّة العنصرية، ولذلك لم تكن تستطيع تنفيذ عمليات تهجير واسعة النطاق، كما حصل عام 1948، إلا في خضّم حروب عارمة، وهو ما لم يكن متوقعاً في المدى المنظور.

دفعت هذه الظروف آباء "إسرائيل" إلى إعادة النظر في خطابهم وسياساتهم، لا سيّما بعد اضطرار "إسرائيل" إلى منح الفلسطينيين الناجين الجنسية الإسرائيلية، ما جعل من مهمّة الترحيل أكثر صعوبةً. وهكذا، بعد أربعة أعوام من قيام دولة الاحتلال، أدرك هؤلاء السياسيون أنّ الفترة الانتقاليّة التي سيُمضيها الفلسطينيّون داخل أراضي الـ48 يمكن أن تكون أطول بكثير مما يأملون، وبالتالي ظهرت الحاجة إلى إعادة التفكير بمقاربتهم تجاه الفلسطينيين. في اجتماعٍ عُقد في أغسطس/آب 1952، أقرّ شاريت أنّ توقعاته الخاصّة بالفترة الانتقاليّة لم تكن صائبة.

في هذا الاجتماع طرح يوسف إفراتي (نائب وزير الزراعة) أطروحة إسحاق بن تسفي القاضية بشرذمة الفلسطينيّين، وأضاف لها أساليبَ أخرى تمثلت بإنشاء مستوطناتٍ يهوديّة بين القرى الفلسطينيّة الباقية، وخصّ بالذكر مدينة الناصرة، وهي المدينة العربيّة الوحيدة الناجية من التدمير والتهجير، بهدف دفع السكان لهجرتها.

بحسب سعدي، فإنّ هذه المداولات لم تكن تجري على هامش مراكز صناعة القرار والدوائر الأمنية الإسرائيلية، بل شاركَ فيها أبرز السياسيين وصنّاع القرار مثل بن غوريون وشاريت وديّان وغيرهم، وهم أشخاصٌ كان لهم تأثيرٌ مباشرٌ في السياساتِ الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

وتتمثّل حجّة سعدي في أن تلك "المناقشات كانت مؤسسة لخطابٍ إسرائيليٍ بشأن الفلسطينيين...حيث تُوّلد السُّلطةُ أنماطاً معينة من التفكير اكتسبت مكانة المسلمات أو الحقائق الرسمية، حتى أصبح بعض تلك الخطابات "شعوراً عاماً" حسبما دعاه غرامشي". وبحسبه فإنّ الآراء والمواقف التي كان يجري التعبير عنها في المناقشات سوف يتردد صداها، وتُكَرر، ويجري تداولها، في المستقبل ضمن صيغٍ مختلفة من قَبيل القوانين والسياسات والتصريحات العامّة.

ويُضيف الكاتب: "بينما ظلّ الطرد خياراً مُفضّلاً، صار الخطابُ السائدُ يُركِّز على ما يُتوقع لمختلف العمليات والتغيرات من آثار في مسألة ضبط الفلسطينيّين، واشتمل ذلك على أثر التعليم في وعيهم وهويتهم، وكذلك على الدور المتوقع للنخبة الكومبرادورية [البرجوازية المتحالفة مع "إسرائيل"] وتأثيرها، وعلى العوامل التي يمكن أن تدفع الفلسطينيين إلى هجرة طوعيّة". ومجمل الأمر كله أن الخطابَ الإسرائيليّ انتقل تدريجيّاً إلى الضبط بعد أن كان يُرَكّز على الطرد.

المعلومات في خدمة التقسيم

إنّ الضبط والتفتيت للكيانات الاجتماعيّة دون استخدام العنف المباشر بحاجة إلى معرفة وجهاز الدولة الحديثة، القوّة الأقدر على تفكيك الكيانات/البُنى الاجتماعيّة التي تقع تحت سيطرتها.

من أجل ذلك، اعتمدت سلطات الاحتلال على المعلومات الاستخباريّة وملفات القرى التي بُدِئ بجمعها من الثلاثينيات. شملت تلك المعلومات التي طالت أكثر من ألف قرية فلسطينية "تفصيلات دقيقة... عن الموقع الطبوغرافي لكل قرية، والطرق المُوصلة إليها، وطبيعة أرضها، وينابيع المياه فيها، ومصادر دخلها الرئيسة، وتركيبتها الاجتماعية والسياسية، وانتماءاتها الدينية، وأسماء مخاتيرها، وعلاقتها بالقرى الأخرى، وأعمار رجالها (من السادسة عشرة حتى الخمسين) وتفصيلات أخرى كثيرة. وكان ثمة متغير مهم أيضاً، وهو مؤشر العداء للصهيونيّة، وأُضيف إلى كل ملف صورة جوية للقرية أيضاً. ثم جرى تحديث هذه الملفات مرات كثيرة".1

جرى جمع تلك المعلومات عِبر ثلاث طرق. أولها المُخبِرون والعملاء المتخفون التابعون للمخابرات، وعادةً هم أشخاص على تماس مع الفلسطينيين مثل التجار والمزارعين والرعاة، وقد خضعوا لدورات تدريبيّة خاصّة لتمكينهم من الانخراط في المجتمع الفلسطينيّ. والثانية استخدام اليهوديات العاملات في أماكن عمل مختلطة. وأخيراً إقامة "لجان علاقات الجيران" بين المستوطنات اليهودية والقرى المجاورة متسترةً بهدف تنظيم العلاقات مع القرى المجاورة.


فرّق تسد: التفتيت المستمر

استفاد الكيان من استعادة هذا الكم المعلوماتيّ لإثارة الانقسامات الداخليّة في بنية المجتمع الفلسطينيّ لتسهيل عملية الرقابة والضبط. يستعرض سعدي مراحل التفتيت ابتداءً من قسمة "عربي/يهودي" بدلاً من تعداد مجرد "إسرائيليين"، ترافق ذلك مع تسجيل معلومات حول قرية الأصل، بالإضافة إلى قوانين منع العودة وتقييد الحركة للفلسطينيين. على سبيل المثال، أُصدرت لوحاتُ تسجيل معدنيّة للمركبات التي يملكها فلسطينيون، وصدرت أوامر للشرطة بتتبع هذه السيارات وتحديد أماكن وقوفها.

في المرحلة الثانية تم التعامل مع الفلسطينيين كأقلّيات، فقد جرى تقسيم الفلسطينيين إلى أربع هويات متمايزة، وهي: المسلمون والمسيحيون والدروز والبدو. وتم ذلك من خلال المعاملة التفضيلية، وترسيخ التصنيفات الفئوية اصطلاحاً في وعي السكان، والتعاون مع النخب، وغيرها من الأساليب.

ولكن سعدي يرى أن هذا التصنيف الفئوي والطائفي للفلسطينيين كان مجرد بداية لعملية تجزئة ممنهجة بشكلٍ أكبر. فجرى تقسيمُ الفلسطينيين وفقاً لمكان سكنهم؛ قرية/مدينة، وفي القرى المختلطة دينيّاً مثل قرى الجليل اعتمد التقسيم الطائفي، وأخيراً اعتمدت التقسيمات داخل البلدات والطوائف ذاتها على الحمولة/العشيرة/العائلة التي أوصى صاحب المخطط الأساسي توليدانو في عام 1968، بعد إنهاء الحكم العسكري، بضرورة إبقائها كبنية اجتماعيّة سائدة.

اقرؤوا المزيد: المنهاج الدرزيّ: الطريق إلى الجيش من الصّف الأول

وفوق ذلك، استخدمت أداة الانتخابات لتعزيز الشرذمة بين كافة المكوّنات المصطنعة في المجتمع الفلسطيني. تستخدم الانتخابات في المجتمعات التي تسعى السّلطةُ فيها إلى تفكيك بناها الاجتماعية كأداة لزيادة انقسام المجتمع على نفسه، وهذا ما انطبق على حالة المجتمع الفلسطيني في الداخل بعيد النكبة. في هذا السياق، يشير سعدي إلى مذكرة بالغة السريّة صدرت عام 1959، وعلّلت ضرورة إقامة المجالس المحليّة في البلدات الفلسطينية بقولها: "سعت... سياسة الحكومة...إلى تقسيم السكان العرب إلى أديان ومجتمعات محلية متنوعة... وأدى اكتساب القرى العربية صفة البلديات، وكذلك الروح التنافسية في الانتخابات المحلية، إلى تعميق الانقسامات داخل القرى".

كما أن للانتخابات "فوائد" أخرى، فبحسب الكاتب كانت نتائج التصويت نفسها عبارة عن مؤشّرات قدّرت من خلالها أجهزة الدولة المِزاج الفلسطينيّ العام، وراقبت توجهات ومواقف المجتمع الفلسطينيّ، ورصدت التوتراتِ والنزاعاتِ الداخليّة. وبذلك "أدى الضبط السياسي الشديد المفروض على الفلسطينيين إلى تحويل حقوقهم السياسية، على المستوى المحلي، إلى وسيلة لمنع تنظيمهم بدلاً من أن يؤدي إلى تمكينهم سياسياً".2

%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D8%A9.jpg


مظاهرة فلسطينيّة في الناصرة ضدّ الحكم العسكري، عام 1965. المصدر: موقع المتحف الفلسطينيّ.

سلطة العقل على العقل

يُعدُّ التعليمُ من أبرز المساحات التي استخدمتها "إسرائيل" وتدخّلت بها ضمن سياسات التحكم التي اتبعتها. يقول سعدي: "يُعتبر أسرُ المواطنين فكرياً الأسلوب المفضل من أجل السيطرة عليهم. وهو أسلوبٌ أكثر كفايةً وديمومةً ونجاعةً. ومن المستبعد أن يثير قدراً كبيراً من المقاومة".

ويشير في هذا السياق إلى تعبير آبا حوشي في عام 1964 عن ضرورة توظيف التعليم لتحقيق مآرب "إسرائيل"، فوصف عدم استثمار الأموال التي تضخّها "إسرائيل" في تعليم الفلسطينيين بتوجيه المناهج التعليمية "كمن يستثمر ماله في تربية الأفاعي". وكان من مظاهر هذا التوجيه التركيزُ على الهويات المذهبيّة ومحاولة ترسيخها من خلال المحتوى التعليميّ، وهو ما يتضح بالذات في فصل نظام التعليم الدرزيّ عن العربي.

وعلى جبهةِ التعليم، جرت تدخّلات عديدة في انتقاء المعلمين والسعي لفرض رقابة صارمة عليهم، إضافةً إلى تجنيد مخبرين من المعلمين أو مدراء المدارس وحتى التلاميذ داخل الصفوف من خلال الابتزاز. على سبيل المثال، في حالة المعلم أ. أ. ك. من قرية "ك" الذي كان يعاني من أحوال عمل صعبة، تم ابتزازه للعمل مخبراً مقابل الاستجابة لطلب نقله للعمل في قرية أقرب لمكان سكناه.


ولم يغب عن بال نظام الضبط والمراقبة التفكير بمسألة الخصوبة، إذ وجدوا أنّ تعليم المرأة ودفعها إلى سوق العمل، يؤدّي إلى انخفاض خصوبتها، ما يعنى انخفاض نسبة العرب في الداخل خلال المستقبل، فشجعوا على ذلك. يستنتج سعدي أن النظام التعليمي تحوّل إلى شيء يشبه نظام السجن المراقب دون وجود السجّان بشكلٍ مباشر، إذ يتخيل المرء وجود أعينٍ تنظر إليه وآذانٍ تستمع إلى ما يقول في كلّ مكان.

الرقابة والضبط خارج حدود الكيان

يوّفر كتاب سعدي للباحثين والقرّاء معلومات تفصيلية ومهمة عن فترة الحُكم العسكريّ، وهي الفترة التي لم تُبحث بما فيه الكفاية فلسطينيّاً وعربيّاً. ومن ناحيةٍ أخرى، فإنّ التعرف على تاريخ سياسات دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين الواقعين تحت سيطرتها يُساعدنا في قراءة واقعنا السياسيّ الفلسطينيّ اليوم.

ففي الوقت الذي أدركت به سلطاتُ الاحتلال مرةً أخرى عدم إمكانية طرد ما تبقى من الفلسطينيين في الضفة الغربيّة، بما فيها القدس المحتلة، وقطاع غزة المحاصر أكثر مما طردت منذ النكسة، توّجهت إلى سياسات الضبط والرقابة بطرقٍ عديدة منها ما يتقاطع مع ما تم استخدامه في أراضي الـ48.

ولا زالت دولةُ الاحتلال تُدير سياسات ضبط السكان هذه في كافة الأقاليم المحتلة انطلاقاً من ذات العقيدة والغايات، وإن تنوّعت أشكال السياسات المتبعة بشكلٍ طفيف من سياقٍ لآخر. ففي القطاع، تستخدم "إسرائيل" مقاربة الحصار كأداةٍ فاعلة لإعادة توجيه مواقفِ السكّان، ذلك أن فكرة الحصار بذاتها تخلق منظومة جديدة من القيم والتوجهات والرغبات والنقمات أيضاً، أي كما يتم إعادة ضبط السجين تماماً. وفي مدينة القدس يستخدم النظام التعليمي، والحوافز الاقتصادية والقمع السياسي والعزل عن الامتداد الفلسطيني في الضفة الغربية نهجاً للسيطرة.

أمّا في الضفة الغربيّة فلا تزال عمليات سرقة الأراضي وبناء المستوطنات بين القرى الفلسطينية جارية حتى الآن، سعياً لفسخ النسيج الاجتماعيّ بين القرى، وتسهيل مراقبتهم بتفتيتهم إلى وحدات أصغر، تماماً كما كانت الخطة في السيطرة والهيمنة على سكان الناصرة في الخمسينيات. وهنا يبرز واضحاً دقة استنتاج الباحثين في قضايا الديمغرافيا حلا نوفل ويوسف كرباج في كتابهما الفلسطينيون في العالم: "لئن لم يكن هناك ترحيلٌ معلن للفلسطينيين، فربما يكون هناك ترحيلٌ سلس من خلال جعل حياتهم مستحيلة".3

 
 
عودة
أعلى