دول الخليج تسجل نقاطا هامة في مرمى الخصم الإيراني
اللجوء إلى رفع الإنتاج النفطي لدول الخليج جاء بعد أن وضعت واشنطن بيضها كله في سلة الإيراني.
العرب
[نُشر في 21/12/2014، العدد: 9775، ص(3)]
الولايات المتحدة الأميركية لم تسلم من العاصفة النفطية
لندن – تقود المملكة العربية السعودية مواجهة شرسة مع إيران، ونجحت فيها إلى حد الآن باستخدام سلاح "الذهب الأسود"، الذي كبّد طهران خسائر فادحة في ظل اقتصادها المترنح بطبعه منذ سنوات، هذا السلاح الذي لم يسلم من لظاه الجانب الروسي وحتى الأميركي.
وتتوالى التحذيرات التي يسوّقها عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين من تداعيات استمرار تراجع أسعار النفط الخام على دول الخليج.
ووصل بعضهم حد التنبؤ بأن دول مجلس التعاون الخليجي الست، وهي السعودية والإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين، على أعتاب مرحلة صعبة، جراء هذا التراجع في الأسعار التي خسرت نصف قيمتها منذ يونيو وهي اليوم بحدود ستين دولارا للبرميل.
هذه التحذيرات تنطوي على جزء من الحقيقة، خاصة وأن دول الخليج التي تضخ 17.5 مليون برميل يوميا يمكن أن تخسر نصف عائداتها النفطية مع الأسعار الحالية، أي حوالي 350 مليار دولار سنويا، وهي دون شك ستتأثر بذلك.
إلا أن هذا لا يمنع من القول، وفق العديد من المحللين، بأن مثل هذه التحذيرات تستبطن الكثير من المبالغة، لافتين إلى أن دول الخليج العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، تجد نفسها مضطرة إلى خوض غمار هذه "الحرب النفطية" من خلال ترفيعها في الإنتاج، لأن البديل عن ذلك سيكون كارثيا.
فالمنطقة العربية ومنها دول الخليج تجد نفسها اليوم في مواجهة توجه إيراني واضح يسعى إلى النيل من استقرارها، في ظل تراخي الحليف الأميركي الذي تشهد علاقاته مع طهران تحسنا مطّردا منذ غزوه العراق في 2003 وصولا إلى أنباء عن قرب الوصول إلى اتفاق نهائي مع الجانب الإيراني حول الملف النووي الذي يثير مخاوف المنطقة.
هذه التحديات دفعت بدول الخليج وفي مقدمتها السعودية إلى اتخاذ إجراء الترفيع في الإنتاج النفطي، لتخوض بذلك المواجهة بنفسها، بعد أن بدا وضحا أن الولايات المتحدة الأميركية باتت قاب قوسين أو أدنى من وضع بيضها كله في سلة الإيراني.
ويبدو أن هذه المواجهة أعطت ثمارها لحد الآن، فإيران التي تعتمد على مخزونها النفطي بنسبة الـ70 بالمئة تواجه أزمة اقتصادية حادة، في ظل عدم احتكامها على احتياطي نقدي يؤهلها للوقوف في وجه العاصفة النفطية.
والميزانية العامة الإيرانية المبنية على أساس 134 دولارا كسعر للبرميل أصبحت تعاني عجزا كبيرا، الأمر الذي جعلها تواجه صعوبة كبيرة في تمويل أدواتها وأذرعها في المنطقة ونعني هنا كلا من حزب الله والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن.
وقد كشفت أنباء عن أن هذه الأذرع اضطرت، في الفترة الأخيرة نتيجة تقليص الدعم الإيراني إلى التخفيض في نفقاتها، وخاصة في رواتب عناصرها الأمر الذي أدى إلى تململ الأخيرة، وخير مثال على ذلك رفض عناصر من حزب الله مواصلة القتال في سوريا وعودتهم إلى لبنان، وفق ما ذكره نشطاء في القلمون. وقد أعرب الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، الأربعاء الماضي، عن قلقه من تأثيرات تراجع أسعار النفط.
واعتبر روحاني أن "هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمیة مؤامرة ومخطط سیاسي دبرته بعض الدول (في إشارة إلى دول الخليج) حیث أن انخفاض سعر النفط لیس موضوعا اقتصادیا فقط".
وتابع قائلا: "إن هذا المخطط یعتبر مؤامرة ضد شعوب المنطقة والمستفید الوحید منها هو بعض الدول"، في إشارة إلى واشنطن التي لم تسلم بدورها من هذا التسونامي في ظل تواتر الأنباء عن إفلاس أبرز شركاتها المتخصصة في التنقيب عن الغاز الصخري، بالنظر إلى أن سعر هذا الغاز أصبح دون مستوى تكلفة استخراجه.
أما روسيا، خصم الولايات المتحدة، فالوضع فيها نتيجة هذه المواجهة الخليجية يستحق أن يوصف بالكارثي، وفق المتابعين، ويظهر ذلك جليا من خلال التراجع الكبير الذي سجلته عملتها الروبل.
ورغم محاولة البنك المركزي الروسي الترفيع في سعر الفائدة إلى 17 بالمئة إلا أن سعر الروبل ضل يتراجع، الأمر الذي يهدد بدخول الاقتصاد الروسي في أزمة مزمنة.
وكانت وكالة" فيتش" للتصنيف الائتماني قد أكدت، الجمعة، من أن المخاطر التي تحدق بالاقتصاد الروسي في عام 2015 زادت بسبب التقلب الشديد في قيمة الروبل والارتفاع الحاد في أسعار الفائدة.
هذا النفق المخيف الذي وجدت فيه كل من روسيا وإيران وحتى الولايات المتحدة الأميركية نفسها فيه، يترجم مدى تأثير دول الخليج دوليا وقدرتها على المواجهة.
وأما عن إمكانية اكتوائها بنيران انخفاض أسعار النفط، فإن فيه كثيرا من المبالغة، باعتبار أن دول الخليج وفي مقدمتها السعودية تعلم جيدا حينما خطت هذه الخطوة أنها قادرة في النهاية على الخروج منها "سالمة".
والمملكة تعتمد في ذلك على احتياطاتها النقدية الهائلة التي ظهر تأثيرها واضحا في الميزانية العامة الجديدة لعام 2015، التي زادت عن ميزانية عام 2014 وسيمول العجز فيها من الاحتياطي العام.
مع الإشارة إلى أن مصروفات دول الخليج تكاد تنحصر في الشأن الداخلي، لذا يمكن التحكم بها بكل سهولة، من خلال عملية شد الأحزمة "المؤقت"، لأن أسعار النفط لن تستمر في التراجع طويلا، مثلما أكد وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي.