عبد الباري عطوان
اسعار النفط تتهاوى.. والبورصات الخليجية تخسر 42 مليار دولار في يوم.. وفقراء المساهمين الخاسر الاكبر.. فهل القرار السعودي بتخفيض اسعار النفط انتقاما من روسيا وايران مصيبا؟
خسرت تسعة بورصات عربية اليوم (الاحد) حوالي 42 مليار دولار كانت البورصة السعودية الاكثر خسارة (حوالي 15.4 مليار دولار) قطر بحوالي 10.3 مليار دولار بسبب انهيار اسعار النفط، ونزولها بمقدار النصف منذ حزيران (يونيو) الماضي.
ومن المفارقة ان المملكة العربية السعودية التي كانت بورصتها، وبالتالي عوائدها المالية الاكثر تضررا هي المسؤول الاول عن هذا الانهيار في اسعار النفط لانها عارضت اي تخفيض للانتاج لتقليص فائض المليوني برميل في الاسواق العالمية في الوقت الراهن مما سيؤدي بطريقة آلية الى رفع الاسعار.
في حزيران (يونيو) الماضي كانت الاسعار في حدود 115 دولار للبرميل، وهو سعر ثبت عليه طوال السنوات الاربع الماضية، اليوم انخفض سعر البرميل الى حوالي 55 دولارا في الاسواق العالمية وهو مرشح لانخفاض اكبر في المستقبل.
السعودية التي وقفت موقفا صلبا في الاجتماع السنوي لوزراء النفط الاعضاء في منظمة اوبك الذي انعقد نهاية تشرين الثاني (نوفمير) في فيينا، وعارضت كل المطالب بتخفيض الانتاج، وهددت بضخ كميات اكبر من النفط لزيادة المعروض باعتبارها الاكبر انتاجا داخل المنظمة (تنتج 9.7 مليون برميل يوميا) الامر الذي دفع الدول الاخرى الى الرضوخ تجنبا لمزيد من الخسائر.
السلطات السعودية تقول انها اقدمت على هذه الخطوة التي ادت الى تخفيض الاسعار بمقدار النصف لمواجهة اخطار النفط الصخري، والحد من زياردة انتاجه، لان اسعار النفط العالية تجعل من انتاجه اقتصاديا وممكنا بسبب تكاليف استخراجه العالية، ويشير المسؤولون الامريكيون الى الولايات المتحدة التي تمكنت من حفر عشرين الف برميل وزيادة انتاجها الى 9 ملايين برميل يوميا، اي بمعدل الثلث مما جعلها تقترب من الاكتفاء الذاتي.
النظرية السعودية تقول "اتركوا الاسعار تنخفض واجعلوا الدول التي ترتفع نفقات استخراج نفطها تعاني الافلاس"، وفعلا نجحت هذه النظرية حيث انهارت اسعار اسهم العديد من الشركات المنتجة للنفط الصخري، وباتت هذه الشركات على حافة الافلاس بسبب الخسائر الضخمة.
واذا كانت شعوب العالم الثالث وبعض الدول الكبرى المستهلكة للنفط مثل اليابات والهند والصين وتركيا ودول اوروبا هي المستفيد الاكبر من انخفاض الاسعار فإن دول اعضاء في اوبك هي المتضرر الاكبر مثل الجزائر وفنزويلا وليبيا ودول خليجية اخرى مثل الكويت والامارات وقطر وسلطنة عمان وايران لان عوائد هذه الدول النفطية ستنخفض الى النصف.
المؤمنون بنظرية المؤامرة، وهذه الصحيفة "راي اليوم" من بينهم في هذه الحالة خصوصا، ويعتقدون ان القرار السعودي بعدم تخفيض الانتاج "سياسي" وليس اقتصاديا، ولا علاقة له بالنفط الصخري ومعدلات انتاجه التنافسية، ويقولون انه اذا كانت الولايات المتحدة وشركات النفط الصخري فيها هي المتضرر الاكبر من انخفاض اسعار النفط، فمن غير المنطقي ان تقدم حليفتها السعودية على هذه الخطوة، اي تخفيض اسعار النفط، والحاق ضرر بها وشركاتها.
السيد عبد الصمد العوضي الخبير النفطي العربي المعروف قال لـ "راي اليوم" انه لو كان الهدف هو تخفيض انتاج النفط الصخري وافلاس شركاته، فإنه يكفي ان تنخفض اسعار النفط الى حدود 70 دولارا وليس السماح بانخفاضها الى 55 دولارا.
الامر المؤكد ان المملكة العربية السعودية ارادت بخطوة الحفاظ على انتاج منظمة الاوبك في حدود 30 مليون برميل يوميا وعدم اجراء اي تخفيضات عليه رغم ضغوط الدول الاخرى المتضررة ارادت ان تشل اقتصاد غريمتها اي ايران وروسيا انتقاما لمواقفها في سورية، ومنع سقوط نظام الرئيس بشار الاسد بدعمهما الاقتصادي والسياسي والعسكري له، اي انها تريد دفعهما الى حافة الافلاس، ان لم يكن الافلاس بعينه وبتنسيق مع واشنطن.
الخطوة السعودية بدأت تحقق نجاحات كبيرة فأكثر من نصف الدخل الروسي يأتي من مبيعات النفط والغاز، وهذا الدخل انخفض الآن الى النصف، بينما تعتمد ايران بنسية تصل الى 70 بالمئة على عوائدها النفطية، وعملتها الرسمية انخفضت بأكثر من ثمانين في المئة في السنوات الاربع الماضية وارتفعت اسعار بعض السلع الضرورية بأكثر من مئة في المئة.
السؤال هو حول رد فعل كل من ايران وروسيا على هذه "المؤامرة" السعودية الامريكية حسب وصف مسؤول ايراني كبير في حديث مع "راي اليوم"؟
السعودية استخدمت السلاح نفسه عام 1988 لافلاس نظام صدام حسين الذي كان خارجا لتوه من حرب استمرت ثماني سنوات ضد ايران، وانخفضت اسعار النفط الى ستة دولارات من عليائها الذي وصل الى حوالي ثلاثين دولارا للبرميل، ورد صدام حسين بغزو الكويت صيف عام 1990 كرد انتقامي باعتبارها شريكة مع السعودية في اغراق الاسواق بملايين البراميل من النفط، وقال مقولته الشهيرة "قطع الارزاق من قطع الاعناق".
القيادة السعودية تقدم على مقامرة خطيرة ربما ترتد عليها سلبيا على الصعيدين الامني والسياسي، لان هذه المقامرة، اثارت غضب الكثيرين، ودفعت بدول مثل فنزويلا ونيجيريا والجزائر الى حافة الافلاس والعجز عن تسديد اقساط ديونها مثل فنزويلا ونيجيريا.
ويكفي الاشارة ان معظم المتضررين من انهيار البورصات المالية في العالم هي الدول الخليجية والمواطن الخليجي والفقراء من هذه الدول والمواطنين فيها على وجه التحديد.
النقطة الابرز في الميثاق لمنظمة الاوبك يؤكد ان دور هذه المنظمة العمل على استقرار اسعار النفط في الاسواق العالمية، ومن المؤكد ان انخفاض الاسعار بمقدار النصف يؤكد فشل المنظمة واعضائها في هذه المهمة واحترام ميثاقها.
منظممة الاوبك تمر باختبار وجودي، واستخدام النفط كسلاح سياسي خطوة محفوفة بالمخاطر.
"راي اليوم"