المونيتور: تصاعد حدة التوتر بين السعوديين والروس
نشر في : الجمعة 20 فبراير 2015 - 04:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 20 فبراير 2015 - 04:15 ص
المونيتور – التقرير
بينما تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي المنافس الرئيس لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، فإن المملكة العربية السعودية قد تتبوأ المركز الثاني. فغالبًا ما اعتبر المسؤولون والمحللون الروس أن للسعودية يدًا في المشاكل التي تحدث في البلدان المجاورة لروسيا وحتى داخل روسيا نفسها، وبالتالي يبدو أنه من غير المحتمل أن تقل التوترات بين روسيا والسعودية في المستقبل القريب.
تنبع بعض التوترات في العلاقات بين روسيا والمملكة العربية السعودية من دور المملكة الطويل؛ كواحدة من أقرب وأقوى حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط.
ورغم أن انحياز المملكة العربية السعودية لواشنطن كان يزعج روسيا، إلا أنه حتى الخلافات بين الرياض والولايات المتحدة -مثل الخلاف على تقديم المساعدات للمسلحين السوريين الذي لا تقبله لا واشنطن ولا موسكو-؛ يخلق مشاكل مع الآخرين.
ويعتبر تعاون المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة، في دعم المجاهدين في أفغانستان ضد الغزو السوفييتي، عام 1979؛ هو الأساس لحالة عدم الثقة لدى روسيا في المملكة العربية السعودية. وهو ما لا يعتبر مجرد مظلمة تاريخية، بل مشكلة استمرت على المدى الطويل بالنسبة لروسيا؛ حيث إنه ساهم في نهاية المطاف في نشوب الحرب الأهلية في طاجيكستان ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتصدير أفغانستان للتطرف، وانتشار الإرهابيين والمخدرات عبر أوراسيا، والتواجد طويل المدى للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في آسيا الوسطى بعد هجمات 11 سبتمبر.
كان الأسوأ من ذلك كله من المنظور الروسي هو امتداد التوتر من أفغانستان إلى مناطق القوقاز في شمال روسيا، وخاصة الشيشان، وكذلك داغستان وإنغوشيا. ويقول مسؤولون روس، منذ فترة طويلة، إن إرهابيي القاعدة في أفغانستان لم يعملوا فقط في هذه المناطق؛ ولكنهم ساعدوا أيضًا في هجمات داخل موسكو ومدن أخرى في جميع أنحاء روسيا.
كما امتدت الشكوك الروسية أيضًا إلى المنظمات غير الحكومية السعودية العاملة في روسيا. ففي حين ركزت وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية بشكل حصري تقريبًا على المخاوف الروسية من الجماعات المؤيدة للديمقراطية الممولة من الغرب العاملة في البلاد؛ إلا أن مدير جهاز الأمن الفيدرالي السابق والأمين الحالي لمجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، اتهم في الماضي الهلال الأحمر السعودي تحديدًا (وحفنة من المنظمات غير الحكومية الغربية)، في تصريحات علنية، بأنه يشارك في “عمليات التجسس” بهدف “محاولة إضعاف النفوذ الروسي في مناطق الاتحاد السوفيتي السابق وعلى الساحة الدولية ككل“. كما أشار باتروشيف إلى أن تلك المنظمات كانت وراء الاضطرابات في جورجيا وأوكرانيا وقرغيزستان بين عامي 2003-2005.
ويخلق السعودي الإيراني مشاكل إضافية بالنسبة لروسيا. يكاد يكون أقربها هو الحرب الأهلية في سوريا، والتي تدعم فيها الرياض بالطبع القوات التي تسعى للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، الذي تعمل روسيا وإيران على مساعدته في البقاء في السلطة. ونظرًا لضيق مجال ما كانت الولايات المتحدة على استعداد لتقديمه للائتلاف المناهض للأسد في سوريا؛ فقد كان للمملكة العربية السعودية دور أساسي في منع هزيمتها، وفي خلق الظروف المسبقة اللازمة لإنشاء ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، من وجهة نظر موسكو. حيث صرح أليكسي بوشكوف، رئيس لجنة مجلس الدوما للشؤون الدولية مؤخرًا، أن: “الممالك الإسلامية أو الوهابية في الخليج، مثل المملكة العربية السعودية وقطر، والبحرين؛ تسعى إلى تشكيل النظام السوري على النموذج الخاص بهم“، وأن: “المعارضة المسلحة هي من نفس نوعية من يقومون بتفجير الجنود الأمريكيين في أفغانستان والعراق، وقتل قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان“.
وفي الوقت نفسه، تبحث الرياض عن حلفاء لها ضد إيران داخل الفضاء السوفياتي السابق، وخاصة في أذربيجان، التي تقع على الحدود مع إيران.
كما يمكن بالطبع أيضًا تفسير الدور السعودي في أفغانستان بأنه محاولة لتطويق إيران، وضمان أن يصبح على قادة طهران أن ينظروا إلى الشرق وليس إلى الغرب فحسب.
وأخيرًا، وهو الأمر الأكثر إضرارًا في الوقت الحاضر، فإن الكثيرين في موسكو يشكون في أن المملكة العربية السعودية تتعمد خفض أسعار النفط لتدمير الاقتصاد الروسي، إما من تلقاء نفسها أو بالتعاون مع الولايات المتحدة. فقد نشر المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، الذي يعتبره البعض مرتبطًا بأجهزة الاستخبارات الروسية، مؤخرًا؛ دراسة حول هذه القضية. كما اتهم متحدث باسم شركة النفط المملوكة للدولة، روسنفت، المملكة العربية السعودية بـ “التلاعب السياسي” بسعر النفط. في حين عزا باتروشيف علنًا انهيار الاتحاد السوفييتي لمؤامرة مماثلة.
وعلى الرغم من المخاوف الروسية العميقة تجاه السلوك السعودي؛ فإن موسكو تنظر إلى المملكة بوضوح كلاعب كبير. فمع اقتصادها الذي يبلغ فقط ثلث حجم اقتصاد روسيا، وسكانها الذين يبلغون نحو خمس عدد سكان روسيا؛ فإن المملكة العربية السعودية لديها ميزانية عسكرية سنوية تأتي في المرتبة التالية مباشرة لروسيا (فموسكو لديها ثالث أكبر ميزانية تسليح في العالم، والمملكة العربية السعودية لديها رابع أكبر ميزانية) وبقارق أقل من 8 مليارات دولار. وفي نفس الوقت، فقد تفوق اقتصاد المملكة المعتمد على النفط على روسيا معظم العقد الماضي، بما في ذلك عندما حدث انهيار في أسعار النفط في عام 2009 واليوم.
ومن دلائل ذلك؛ حضور رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف جنازة الملك عبد الله في شهر يناير 2015. كما وصفت وكالة الإعلام الروسية الحكومية العاهل الراحل، “الملك عبد الله، بأن واحد من أكثر الأشخاص نفوذًا في العالم“. ولا يعتبر ذلك من قبيل الصدفة. فقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه: “كان الملك الراحل معروفًا بأنه رجل دولة وسياسي حكيم ومتسق، وقائد حاز على حب واحترام شعبه، وكان له سلطة استحقها على الساحة الدولية“.
ربما كان الأكثر إثارة للاهتمام هو إلى أي مدى قد امتنع كبار المسؤولين الروس عن انتقاد المملكة العربية السعودية وقادتها؟ فهم لا يخجلون جدًا من التعبير عن وجهات نظرهم تجاه العديد من حلفاء الولايات المتحدة الآخرين. فحرص بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف يوحي أنه على الرغم من المواقف السلبية واسعة النطاق تجاه السياسة الخارجية للمملكة؛ فإن موسكو ليست حريصة على استفزاز المملكة العربية السعودية أكثر. ومن وجهة نظر معينة، قد يكون ذلك أعلى شكل من أشكال الاحترام الذي يمكن أن تقدمه الحكومة الروسية.