حادثة الأحساء
سلفية أم وطنية ؟
قبل أيام أطلق (مجهولون) النار فقتلوا في الأحساء بضعة آحاد من الشيعة. وفي تقديري أن ما حدث لم يكن بعيداً عن إيران؛ فالدور القادم – كما يبدو – على إحدى دول الخليج، والمملكة العربية السعودية مرشحة لذلك. وأنا أعلم أن إيران في طور الإعداد لقدح زناد الإيقاد. ولمن هو نائم إلى الآن أذكر له أن إحدى وسائل المكر الفارسي هو (الهولوكوست الشيعي). والذي لا يعرف ما أعنيه بذلك يتحمل مشكلة نفسه في عدم الفهم؛ فالشاعر يقول:
عليَّ نحتُ المعاني من معادنها وليسَ عليَّ إذا لم يفهمِ ( البشرُ )
[عذراً للشاعر إذ استبدلت بكلمة (البقر) كلمة (البشر)؛ فأنا لا أريد أن أجرح شعور أحد من الـ(بشر)]!
حادث.. يحصل مثله في العراق كل ساعة مرات ومنذ أحدى عشر سنة دأباً، يبدو أن سُنّة العراق كانوا في حاجة ماسة إليها كي يصحوا من إغفاءتهم. ولا أدري كم يحتاجون من سنة بعدُ حتى ينهضوا! لكن السؤال الذي يلح عليّ – منذ فترة ليست قصيرة – كم يحتاج السعوديون من سنة للنهوض بعد الصحو؟ أم ستسبق نهضتهم صحوتهم؟ فالمفترض أن الفكر السلفي، الذي هو نتاج العقيدة السلفية، قطع مسافة الصحوة من قبل. غير أن سؤالين آخرين يطرحان نفسيهما: إذا كان الأمر كذلك فالصحوة ماذا تعني؟ والنهضة المتولدة عنها على أي شكل ستكون؟
سلفيون أم وطنيون ؟
ما قرأته من تعليقات وردود أفعال على الحادث، خصوصاً من قطاع كبير من شيوخ الدين السعوديين، فضلاً عن العلمانيين وعلى رأسهم الليبراليون، يبعث القلق، ويراود غريزة الضحك، ويثير السخرية في الوقت نفسه! خذ مثلاً ما كتبه د. سلمان العودة: "كفى تمزقاً في نسيج الأمة الواحدة التي تعايشت قروناً طويلة رغم خلافاتها. الأمة متحدة ضد الفتنة". والدكتور عوض القرني: "الإحساء متحدة ضد الفتنة. لقد كانت الإحساء عبر تاريخها نموذجاً جميلاً للتعايش والوحدة في المشتركات الوطنية ولن يهدم هذا مجرم أهوج من أي طائفة كان". ثم محمد آل الشيخ: "هل سيدرك مشايخنا بعد حادثة الإحساء أن ثقافة ابن تيمية لتحريض السنة على الشيعة، بتودينا في داهية، ستذهب بوطننا ولحمة شعبه إلى المآل العراقي؟". وما نقلته قطرة من (بحرة)!
مع ابتسامة من أرض الرافدين التي اشتهرت بـ(اللحمة الوطنية، ونسيجها الذي دونه في المتانة نسيج سجاد كاشان، عبر تاريخها الطويل المحلى بالتعايش "الرائع")، ومع احترامي للأشخاص أقول:
ما يقولونه يعبر عن جهل بالتاريخ أو إرادة تقويله ما لم يقل.
وهذا الواقع إما يجهله القائل - ولا عذر - وإما أن قائله في حاجة إلى نظارات نفسية كي لا يقرأه مرة أَخرى بالمقلوب! لكن الأهم من هذا كله: هل هذا الذي يقوله هؤلاء يتفق مع ما ورد عن السلف من أقوال ومنهج يمثل لباب السنة؟ أم هو خليط من كلام بعثيين على ليبراليين على إسلاميين؟ أثبتت الوقائع الصارخة تخلفه وعجزه، بل أثبتت أنه ضرر محض لا نفع فيه؛ فالمواطنة تصدق أساساً للتعايش مع كل الطوائف والملل إلا الشيعة وأمثالهم ممن حددوا علاقتهم بالآخر على أساس (العدم أو الوجود)، لا على أساس العيش المشترك.
لقد تعايش السنة طوال حكمهم للعراق مع الشيعة رغم كل ما بدر منهم من حقد وكيد وأذى وقتل وغوغائية ثمانين سنة ونيفاً، حتى إذا أمسك الشيعة بالحكم عادوا عليهم بالاجتثاث من الجذور والقتل والمحو (على الهوية)! فهل يريد السعوديون أن تعاد التجربة عليهم ليصحوا من أوهامهم (الوطنية)؟ فسوط القدر جاهز لتصحية من لا ينتفع بنور الوحي. فكيف وشبيه بما نقلت تكلم به مفتي المملكة نفسه؟!
إلى متى يجهل هؤلاء - أو يتجاهلوا - أن التشيع عقدة نفسية لا عقيدة دينية؟ وأن العقدة لا تعالج بمداراتها والاستجابة لإفرازاتها؛ فإن ذلك لا يزيدها إلا استشراء؟ وأن من نتاج هذه العقدة اعتبار كل بادرة تقرب وتسامح علامة ضعف لدى الآخر؟ وأن العراق ذهب إلى الهاوية على يد الفكر (الوطني) وعينه وأذنه، لا الفكر التيمي أو السني؟ فهل يراد للسعودية أن تلتحق بالركب الوطني الخائب الذي مر بلبنان من قبل، وقبلها الأحواز، ثم العراق إلى اليمن مروراً بسوريا؟
الفكر السني لا الوطني
قد يتحجج هؤلاء قائلين: فما الحل؟ ونجيبهم: إذا كنتم عاجزين عن الحل فهلا سألتم عنه خبيراً؟ ألا تعلمون أن العراق هو (مطبخ التشيع)؟ وأن المتصدين فيه للخطر الشيعي هم أعلم بوسائل علاجه من غيرهم؟ وليس في هذا غرابة ولا فضل أكثر من كونهم أقدم ابتلاء وخبرة وممارسة. وإلى ذلك أقول: إن زمن ثالوث الفكر القومي والليبرالي والإسلامي في المشرق العربي قد عفا عليه الزمن، وهذا أوان ومكان (الفكر الرابع). ألا وهو (الفكر السني). وهو الفكر الرباني الذي ولد وترعرع في العراق، ومنه انطلق إلى الأصقاع. ولن يتوقف بإذن الله تعالى حتى يسود المنطقة ما وجد له حملة؛ فالأحداث المزلزلة ستوقظ كل نائم، وتقلق كل مترف متثاءب كسلان يعالج الخطر المحدق بالتكذيب والنكران.
قبل عشرين عاماً قلت: "ليس في العراق سنة؛ فسنة العراق شيعة، وشيعته زنادقة. والزنادقة كفار. أما السنة بمعنى السنة ففي السعودية تكون". واليوم أعترف أن هذا القول قد اهتز كثيراً. وأسأل الله تعالى أن لا تزيده الحوادث اهتزازاً على ما هو عليه فتجتثه من الجذور.
7/11/2014
المصدر
http://www.alqadisiyya3.com/
الدكتور طه الدليمي