شكرا للاخ العبد الضعيف والاخوة الذي اسهبو في شرح التأثير الاقتصادي في هذا النزاع .. ولكن سؤال اخر .. وهنا انا اتكلم عن فهمي الشخصي الذي يمكن ان يكون خاطئ ... وبعيدا عن الاقتصاد ... الامريكيون والاوروبيون وصلوا من غير حرب الى حدود روسيا الغربية وها هم يضعون اجزاء درعهم الصاروخية في بولندا وتشيكيا ورومانيا .. وها هم انتزعوا الحليف القديم والاخ الشقيق لروسيا ( اوكرانيا ) مستغلين الكره التاريخي بين الطرفين نتيجة على ما افهم ( الظلم الروسي ) ... وفعليا نجح الغرب في التوغل شرقا بدرجة كبيرة ودون قتال ... واصبح الغرب يمسك برقبة روسيا .. ولكن في نفس الوقت تملك روسيا قوات عسكرية كبيرة وقادرة على اجتياح مساحات شاسعة من اوروبا الشرقية على الاقل ... من الناحية الاستراتيجية يبدو لي الوضع في غاية التعقيد رغم النجاح الغربي ... السؤال هنا ... اذا ما اشتعلت الشرارة هل سيدع الغرب روسيا تتوغل غربا ثم التصدي لها في الخط الدفاعي المشكل من دول الطوق الثاني ام ان الغرب سيندفع للقتال على الخطوط الامامية الواقعة بالقرب من الحدود الروسية وتهديد موسكو من البداية .... انا هنا اتحدث عن فرضية نشوب نزاع مسلح
الأخ الكريم ...
النزاع الحالي لا يزال مفتوحا على كل الاحتمالات ... ورسيا الآن أشبه بالنمر الجريح أو كما يقال أن أشد ضربات الثور تكون قبل موته مباشرة.
فروسيا الجريحة قد خسرتا بالفعل خسائر لن يمكن تعويضها إلى الآبد في أوكرانيا نفسها ... حتى لو ضمت روسيا أوكرانيا بالكامل لها فستكون خسارتها أكثر فداحة فالأمور معقدة لدرجة غير مسبوقة آبدا في تاريخ البشرية بحق.
هذا التعقيد ليس ناتج عن تعدد الأطراف فحسب ولكنه ناتج عن طبيعة العلاقات المتقاطعة أو المتناقضة بين كل تلك الأطراف.
خسائر روسيا لا يمكن تصورها لأن هذه الخسائر تتعلق بمفهوم التعريف المستقبلي لكلمة "روسيا" نفسها... خسائر روسيا ليست مجرد جغرافية أو سكانية أو عسكرية أو سياسية ... فخسارة روسيا حدثت على مستويات كثيرة للغاية ومهما كانت الإجراءات الروسية لتعويض تلك الخسائر ستظل التجربة المريرة نفسها كصفعة ساخنة غربية على صفحة الوجه الروسي الناعم.
كل ذلك إلى جوار أن الغرب ليسوا أغبياء ويعلمون جيدا جدا الأثر الرهيب الجيوسياسي العالمي الذي حدث في تداعيات متلاحقة لم تستغرق حتى عدة ساعات في الأزمة الحالية .. كما أن الغرب يعلم تماما إنه لا يمكن العودة بالزمن للوراء ... لذلك الغرب يعلم أن الأزمة الحالية لا يمكن تجاوزها بالطرق التقليدية التي كانوا معتادون عليها مع الروس.
لذلك الغرب مجبر على الاستمرار في حشد قواته على الخطوط الثلاثة المذكورة سابقا ولو حتى على سبيل بقاء الخيارات السياسية مفتوحة أمامهم ... والروس في المقابل في حيرة من أمرهم لأن الأحداث بالفعل تحدث على جغرافيا روسيا المباشرة مما يعني أن قيمة أي تحركات عسكرية روسية تكاد تكون شكلية للغاية لأن هذه القوات بالفعل تتحرك فعليا في داخل الجغرافيا الروسية نفسها إلا بعض التحركات الروسية في شبه جزيرة القرم.
وكل الحسابات متداخلة للغاية ومن الصعب جدا حساب الاحتمالات بدرجة يقين مناسبة عند أي طرف من الأطراف ... فالتفاعلات تكاد تكون لحظية وكل طرف يحاول التصرف بنوع من البرجماتية.
لذلك ليس من الحكمة عند أي طرف في اللحظات الحالية أن يستبعد أي سيناريو من حساباته مهما كان هذا السيناريو غريبا أو غير منطقي لدى البعض.
كما أن التحركات المحيطة بروسيا تخنقها وتزيد معها في كل لحظة تقلص الوجود الروسي على كل المستويات لدرجة مخيفة جدا ... فنحن نشاهد عملية تطويق قاري واسعة جدا تتم على الروس لتطويقهم سياسيا ...
والأدهى أن الروس يتصرفون بعجرفة وعنجهية شديدة الغباء ... فالروس بدلا من إصلاح مفاهيم وتوسيع إدراكهم السياسي والمستقبلي يزدادون تعنتا ويستعدون عليهم في ساعة طرف أخر جديد.
الآفق السياسي المغلق للروس سيسهم في زيادة سرعة حصارهم وتطويقهم سياسيا وعسكريا..
وكذلك فالغرب يعلم إن الروس أعينهم الآن مركزة جدا على أوروبا الشرقية وينظرون لها نظرة خاصة مفادها أن أوروبا الشرقية تصلح لتكون نقطة إعادة تدوير الأوضاع مجددا وإعادة كفة التوازن لتميل لصالح الروس.. وهذا يجعل الغرب في حالة استنفار شبه دائم لأن الخطر الروسي هذه المرة سيكون إندفاعي وعنيف وإنتقامي .
المسائل كلها شديدة التعقيد وكل دقيقة تمر على العالم تزيد معها الأوضاع تعقيدا لدرجات غير معهودة وسيستمر هذا السلم التصاعدي في تعقيد الأوضاع على كل المستويات.
والخلاصة هنا هي :
أي طرف يستبعد أي احتمال سيكون طرف أحمق .. لأن الأوضاع نفسها بلغت من التعقيد مستوى غير مسبوق وسيستمر هذا التعقيد في الزيادة والتصاعد.
لذلك فالحكمة والإدراك القيادي عند أي طرف من الأطراف سيجعلان من الغباء استبعاد أي احتمالات مهما بدت غير منطقية لمن سينظر للأمور بنظرة تقليدية سطحية.