ماتوزوف: الوضع في أوكرانيا انتقام الولايات المتحدة من روسيا لسوريا ومصر
يجوز النظر إلى التغيرات السياسية الجارية في أوكرانيا على أنها نصر جيوسياسي كبير للغرب إذ أن الخبراء الأمريكان يستشفون حدوث صعوبات ملموسة فيها ولاسيما في مجال بعث اقتصاد هذا البلد وأوضاعه المالية.. " لا تعتبر أوكرانيا من أولويات واشنطن الرئيسية. فتهمها أكثر سوريا وعملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية وحل مشكلة إيران النووية". هذا ما صرح به وين ميري كبير الموظفين العلميين العاملين في المجلس الأمريكي لشئون السياسة الخارجية. أما خبير في أحد مراكز التحليل غير الحكومية المسموعة الكلمة فأكد يقول إنه تعالج الآن مسألة الأعباء المالية التي ستلقى على كاهل الاتحاد الأوروبي وكم منها سيثقل كاهل دافعي الضرائب الأمريكان. وأضاف أن وضع أوكرانيا الاقتصادي أفزع المؤسسات المقرضة والاستثمارية الدولية. وهيهات أن تعجب الولايات المتحدة نية المعارضة الأوكرانية التي استلمت زمام الحكم حل مشاكل البلد المتفاقمة على حساب اقتراض مليارات الدولارات. وتبدو رغبة كييف في الحصول من واشنطن وبروكسل على 35 مليار دولار خلال أسبوعين مستحيلة التنفيذ عمليا.
طلب مندوب إذاعة صوت روسيا من المستشرق الروسي المعروف فياتشصلاف ماتوزوف تعليقا على الوضع الناشئ في أوكرانيا. وهو يرى أوجه شبه كثيرة بين الأزمة الأوكرانية والأزمات في بعض بلدان الشرق الأوسط كما أنه يرى فوارق محسوسة بينها. فقال:
تحميل مواد صوتية
نص الحوار:
أنظار العالم الآن تتجه نحو أوكرانيا، وبعد التطورات على الساحة العربية وانتشار التمرد وموجة الانقلابات في العالم العربي، الآن وصل الدور إلى إحدى دول أوروبا الشرقية وهي أوكرانيا على حدود روسيا الاتحدادية، وأنا كنت بكل اهتمام كنت أقرأ مقال جورج فريدمان في مجلة "ستارت فور" الأمريكية وهو معروف كشخص مقرب جدا للاستخبارات المركزية الأمريكية وهو كان يكتب عن الدور الأمريكي في أوكرانيا، وهو ليس الوحيد الذي يركز على الدور التخريبي والدور المهم الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية في الوضع الداخلي لأوكرانيا، وهذه المسألة كانت مركز اهتمامي، فإلى أين وصلت أوكرانيا نتيجة هذا التدخل الأمريكي واعتماد بعض القوى المتشددة في أوكرانيا على الولايات المتحدة الأمريكية. وصلت الدولة إلى الانهيار الاقتصادي، ووصلت الدولة إلى وشك الانقسام الإداري وكل هذا نتيجة السير في إطار السياسة الخارجية الأمريكية.
والاستنتاجات يمكن أن تكون واضحة، وهي أن الدور الأمريكي واضح، ولماذا هذا الدور في أوكرانيا؟
هل لأن أمريكا لا تهتم بعلاقاتها مع روسيا الفدرالية؟ هل لا تحترم القوانين الدولية حتى تتجنب أي نوع من التدخلات في دول مستقلة؟ والجواب على هذا السؤال نجده في مقال جورج فريدمان إذ قال بكل صراحة إن أمريكا لا تهتم بأوكرانيا كدولة، بل تهتم بأن توجه رسالة ما إلى روسيا الاتحادية كعقاب لروسيا على دورها وموقفها من أحداث الشرق الأوسط، وقبل كل شيء الأحداث الدموية في سوريا حيث أن روسيا اوقفت الهجوم الأمريكي ضد سوريا، وأنا شخصيا لا أستثني أن فريدمان كذلك كان يعني الدور الروسي في الدعم السياسي والدبلوماسي للحكومة الانتقالية في مصر كدولة أساسية في المنطقة والتي لا توافق على التصرفات الأمريكية في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط وتعاونها الوثيق مع المملكة العربية السعودية الذي هو مهم للساحة المصرية، وروسيا أيدت هذا التعاون المصري السعودي وعلى هذا الأساس تغيرت كل الصورة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، ونتيجة لهذا الموقف الروسي فقد نظمت وشجعت أمريكا القوى المتطرفة في أوكرانيا.
هناك ملامح أخرى التي تدل على الأساليب الأمريكية في العالم العربي وفي أوروبا الشرقية، وهذه الملامح هي استعمال القوى المتطرفة الإرهابية والتخريبية المنطقة الأوروبية والعربية، ففي ليبيا نحن نشاهد انتشار نفوذ القاعدة والمؤسسات المرتبطة مع القوى الإرهابية والإرهاب الدولي الذي وجدت من خلاله هي القوى فرصة للتدخل في هذه الدول نتيجة التدخل الأمريكي العسكري، حيث أن التدخل الأمريكي العسكري فتح الباب للعناصر المخربة والمنظمات الإرهابية والذين وصلوا إلى ليبيا من كل أنحاء العالم، وايضا نشاهد نفس الصورة في مصر حيث أن أمريكا شجعت وأوصلت حركة الاخوان المسلمين إلى السلطة والمعروفة بموقفها المتطرف مما اضطر روسيا أن تسجل هذه المنظمة في قائمة المنظمات الإرهابيه، وفي سوريا نجد الاخوان المسلمين الذين كانوا المحور الأساسي في المعارضة السورية التي ترتكز عليها كل الدبلوماسية والسياسة الأمريكية والتي شنت حربا دموية ضد سوريا وهي مستمرة منذ ثلاث سنوات راح ضحيتها 100 ألف نسمة من الشعب السوري، وبالإضافة للمعاناة الاقتصادية والسياسية الضخمة لسوريا جراء هذه الحرب.
وعلى أي قوى تعتمد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في أوكرانيا؟ كما يبدو اليوم تستعجل أمريكا للاعتراف بالحكومة المؤقتة التي شكلتها المعارضة الأوكرانية، وعندما نحن نتمعن باهتمام إلى تأليف هذه المعارضة فإننا نجد أن العنصر الأساسي في المعارضة الأوكرانية هي المنظمات النازية التي كانت متركزة في المناطق الغربية لأوكرانيا والتي تتميز بميولها النازبة والتي كانت حتى في الحرب الثانيةتتعاون مع جيش هتلر ومع منظمات نازية معروفة لدى روسيا والتي لا تزال بقايا منها متواجدة على الأراضي الأوكرانية، وهذه العناصر المعارضة ذات النزعة النازية أتوا من غرب أوكرانيا إلى كييف واستولوا على المباني الحكومية ومباني الدولة ومباني بلدية كييف وكل ذلك كا بترحيب كبير من قبل السياسيين والدبلوماسيين الغربيين وقبل كل شيء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا دليل اعتماد الأمريكي أكثر القوى المتطرفة إن كان في العالم العربي أو أوربا وهذا دليل واضح حيث أن هذه القوى التي اصطدمت اليوم مع الشعب الأوكراني.
وأنا لا أشك أن روسيا الفدرالية لن تعترف بالحكومة الأوكرانية المؤلفة من المتطرفين، وفد رفضت روسيا بالاعتراف بهذه الحكومة، وأيدت السلطة الأوكرانية الشرعية الذي يمثلها الرئيس يانوكوفيتش وهذا الموضوع أصبح محور التناقض بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول في أوروبا، وبدون شك أن التبعية الأوربية للسياسة الخارجية الأمريكية أوصلت دولا أوربيا إلى مأزق سياسي ودبلوماسي، وهذا كان واضحا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تحترم الموقف الأوروبي ولا القيمة الأوروبية في السياسة الخارجية الأمريكية.
أمريكا تعتبر أنها صاحبة القرار ولا حق للأوروبيين أن بؤثروا على هذا القرار.
إن الأحداث في أوكرانيا فتحت كل هذه الأسرار الدبلوماسية في العلاقات بين أمريكا وأوروبا.
لا شك أن أمريكا لا تستطيع أن تفرض قرارها على أوكرانيا ولا حتى روسيا ولا أوروبا أيضا، فالشعب الأوكراني فقط هو صاحب القرار مثلما هو الشعب العربي صاحب القرار في منطقة الشرق الأوسط. وبكلمات أخرى أمريكا لا تستطيع أن تمارس سياستها السابقة انطلاقا من أنها اصطدمت ليس فقط بالموقف الروسي بل اصطدمت مع الشعوب، فقد اصطدمت مع موقف الشعوب العربية في الشرق الأوسط ومع موقف الشعب الأوكراني في أوكرانيا في القارة الأوروبية.
أنا لا أشك ولا للحظة واحدة أن تلك الحكومة الانتقالية التي تشكلت بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتميز بميولها المتطرف والنازية ستفشل في أقرب وقت، لأنهم يأتون الآن إلى روسيا يطلبون المساعدات المادية، وقد تركت أمريكا الحكومة التي ألفتها بدون أي مساعدات مادية، والآن الإفلاس المادي للحكومة التي ألفتها الولايات المتحدة الأمريكية في أوكرانيا واضح تماما، وأوروبا والولايات المتحدة ليسوا على استعداد لتقديم المساعدات الضرورية للشعب الأوكراني. وواضح أن إرادة الشعب الأوكراني هي التي ستفوز على أي مخططات أمريكية أوغربية تتبع السياسة الأمريكية في أوروبا الشرقية.
روسيا صامدة وروسيا قوية بإرادتها السياسية، وليس السلاح هو الذي يقرر بل الذي يقرر العقل وتقرر السياسة الحكيمة وليس السلاح هو صاحب القرار في القرن الواحد والعشرين.