الأسلحة "الفرط صوتية" تكشف تخلف أمريكا في سباق التسلح الاستراتيجي
إبراهيم نوار
في 18 مارس الحالي، استخدمت روسيا للمرة الأولى في التاريخ صاروخا فرط صوتي لضرب هدف تحت الأرض في أوكرانيا، وهو ما يعد انقلابا في موازين سباق التسلح وحسابات الحروب النووية، لثلاثة أسباب، الأول أن قدرة تلك الصواريخ على الطيران بسرعة تفوق خمسة أمثال سرعة الصوت، مع قدرتها في الوقت نفسه على المناورة اللامحدودة، وتغيير اتجاهها والطيران في مسار غير منتظم يعني صعوبة رصدها وتتبعها واعتراضها وتدميرها بنسبة 90 في المئة تقريبا حسب تقدير الأكاديمية العسكرية في الصين. الثاني أن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو لم تطور حتى الآن تكنولوجيا هذه الأسلحة إلى مرحلة الاستخدام الميداني، بينما روسيا والصين تملكانها منذ عام 2019 على الأقل، متاحة للاستخدام في مسرح العمليات، كما أن الولايات المتحدة لم تطور أي أسلحة مضادة لها. الثالث أن هذه الأسلحة لا تخضع حتى الآن لاتفاقات الحد من التسلح التي تنظم أعداد وتسليح الصواريخ المتوسطة المدى أو العابرة للقارات، وهو ما يعني أن كلا من روسيا والصين تستطيع أن تتوسع في كميات ونوعية تسليح هذه الصواريخ برؤوس متفجرة تقليدية أو نووية بدون حدود، وإضافة أنواع جديدة منها، مثل مشروع إنتاج طائرات تعمل بمحركات فرط صوتية، تقوم الصين بتطويره حاليا. ببساطة نقول أن استخدام الأسلحة الفرط صوتية يعيد الاعتبار إلى الأسلحة غير النووية، ويخلق توازنا جديدا للقوى في العالم، يختلف جوهريا عن التوازن الذي نشأ بعد الحرب الباردة.
ويواجه تطوير تكنولوجيا الأسلحة ذات السرعة الفرط صوتية 3 تحديات رئيسية تتضمن كيفية التعامل مع الحرارة الشديدة الناتجة عن احتكاك جسم السلاح مع الغلاف الجوي أثناء طيرانه بأضعاف سرعة الصوت، وضمان دقة مسار الصاروخ إلى الهدف، وزيادة كفاءة القدرة على المناورة والإفلات من الصواريخ الأخرى. ومن التحديات الأساسية أيضا أنه لم يتم حتى الآن إنتاج أسلحة مضادة لها. كما يواجه تطوير تلك التكنولوجيا صعوبات لوجيستية تتعلق بنقص المواقع المجهزة الملائمة لإجراء الاختبارات، مثل "الأنفاق الهوائية" التي يمكن استخدامها كممرات للإطلاق في مراحل الاختبارات النهائية.
وينقسم سباق الأسلحة الفرط صوتية إلى مسارين: السريع وهو رباعي الأطراف يضم روسيا والصين والولايات المتحدة وكوريا الشمالية، التي إما أنها أدخلت تلك الصواريخ إلى حيز الخدمة مثل الصين وروسيا، أو أنها على وشك أن تفعل مثل الولايات المتحدة، أو لم يتم تدقيق بياناتها بخصوص امتلاك تلك الصواريخ مثل كوريا الشمالية. المسار الثاني هو المسار البطيء الذي يضم دولا مثل فرنسا واستراليا واليابان والهند وكوريا الجنوبية، وهي دول ما تزال حتى الآن في مرحلة التطوير التكنولوجي والاختبارات غير الميدانية.
تأخر البرنامج الأمريكي
كانت الولايات المتحدة تحتل مكانة ريادية في تطوير تكنولوجيا الأسلحة الفرط صوتية، ونجحت فعلا في اختبار طائرة (X-15) تعمل بمحرك فرط صوتي عام 1967، لكنها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي توقفت بسبب تكرار الفشل في التجارب، وعلى اعتبار أن تطوير هذه التكنولوجيا المكلفة جدا لم يعد ضروريا. ومن ثم فقد تخلفت الولايات المتحدة في هذا السباق.
في الوقت الحالي تواجه الشركات المكلفة بتطوير البرنامج الأمريكي لإنتاج ونشر الصواريخ الفرط صوتية صعوبات أدت إلى تأجيل اتخاذ قرار بإنتاج 12 صاروخا في شهر يناير الماضي، إلى ما بعد انتهاء الاختبارات الفنية والعسكرية اللازمة. وطبقا لتقارير وزارة الدفاع الأمريكية فإن تكلفة تلك الاختبارات اللازمة تبلغ حوالي 1.4 مليار دولار. وتعتزم الولايات المتحدة استخدام طائرات "بي -52 إتش" في إطلاق هذه الصواريخ عندما تصبح جاهزة لنشرها ميدانيا.
وفي محاولة لتجاوز الأزمة التي تواجه برنامج الصواريخ الفرط صوتية عقد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أكثر من عشرة اجتماعات خلال الشهر الماضي (فبراير) مع قيادات صناعات الأسلحة الفرط صوتية لمناقشة سبل الإسراع بتنفيذ البرنامج، الذي تضعه وزارة الدفاع على رأس جدول أولوياتها، للمحافظة على مكانة أمريكا في سباق التسلح مع كل من روسيا والصين. وطبقا لبيان أصدره البنتاجون عن اجتماع عُقد في 3 فبراير، ضم قيادات شركات "رايثيون" و"لوكهيد مارتن" و "نورثروب" و" بوينغ" و"ال-3 هاريس" و"بريتش ايروسبيس" وغيرها، فإن أوستن أكد ضرورة الإسراع في إنتاج ونشر الصواريخ الفرط صوتية لتلبية احتياجات القدرات الدفاعية والهجومية للولايات المتحدة. لكن أوستن لم يجد حلا بعد مع الكونجرس لتوفير التمويل الكافي، حيث يعتبر البنتاجون أن ميزانية الدفاع للعامين الحالي والقادم غير كافية.
وكان البنتاجون قد أفاد في أوائل الشهر الحالي بإجراء تجربة على نموذج من صاروخ فرط صوتي، وقال أن الصاروخ وصل فعلا إلى قاعدة "إدواردز" الجوية في كاليفورنيا، وأن التجربة ستجري يوم 6 مارس، لكنه قرر قبل يوم واحد من إجراء التجربة تأجيلها، لمدة شهر، بدون الكشف عن مبررات القرار.
ويوجد ما يشبه الإجماع في البنتاغون بأن على الولايات المتحدة أن تبادر بإغلاق الفجوة التي تفصلها عن روسيا والصين. وقد حددت هايدي شايو وكيل وزارة الدفاع لشؤون التكنولوجيا (البحوث والهندسة) في مذكرة رسمية بتاريخ أول فبراير ثلاث مجموعات من سلاسل البحوث تشمل 14 مجالا من المجالات التكنولوجية التي يجب التركيز عليها في الاستراتيجية الجديدة للعلوم والتكنولوجيا، التي ستكون جزءا أساسيا من استراتيجية الدفاع القومي للولايات المتحدة للعام الحالي 2022 ، وهي استراتيجية لم تنشر بعد. وركزت شايو في مذكرتها على ضرورة الإسراع بنقل القدرات التكنولوجية الرئيسية من حيز البحوث والاختبارات وتحويلها إلى قدرات عسكرية عملياتية يتم نشرها في الميدان.
وميدانيا قال الأدميرال تشارلز ريتشارد قائد القيادة الاستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة المسؤولة عن الدفاع الاستراتيجي، بما في ذلك الصواريخ والأسلحة النووية، في شهادة أمام لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ في 3 مارس الحالي أن الولايات المتحدة "لم تشهد في تاريخها وضعا مثل الذي تشهده الآن من حيث أن دولتين من أقرانها (يقصد الصين وروسيا) أصبحتا تملكان قدرات على شن هجمات في أي مكان في العالم، وفي أي وقت، باستخدام كافة وسائل القوة بما فيها الأسلحة النووية". وأبرز في شهادته أوجه التناقض بين ذلك وبين حقيقة أن الولايات المتحدة ما تزال تعتمد حتى الآن على أسلحة للدفاع الاستراتيجي تم إنتاجها منذ عقود مثل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات "مينيتمان-3" والقاذفات من طراز "ب-52 "التي بدأ انتاجها في الستينات، والصواريخ الباليستية طراز "أوهايو" التي تطلق من الغواصات المنتجة في الثمانينات من القرن الماضي. هذا التخلف الأمريكي من شأنه أن يغذي الشهية العدوانية لدى خصومها، ويزيد من احتمال انتشار النزاعات العسكرية، وتراجع مصداقية وفاعلية حلف الاطلنطي.
وكانت الحياة قد دبت من جديد في برنامج إنتاج الأسلحة الفرط صوتية عندما قررت وزارة الدفاع الأمريكية تطوير سلاح مضاد للصواريخ الفرط صوتية التي كشفت عنها روسيا أو الصين بين عامي 2018 (روسيا) و2019 (الصين). عقب ذلك تم تكليف "وكالة الدفاع الصاروخي- MDA" في صيف عام 2020 بتقييم الموقف، ثم قرر البنتاجون في 19 نوفمبر تكليف شركات "لوكهيد مارتن"، "نورثروب جرومان"، و "رايثيون للتكنولوجيا الصواريخ" بالبدء في تطوير سلاح مضاد في أسرع وقت يمكن استخدامه في الأغراض الدفاعية والهجومية.
تفوق روسيا والصين
أعلن فلاديمير بوتين للمرة الأولى أن روسيا تمتلك برنامجا للصواريخ الفرط صوتية في عام 2018، ووعد بأن تصل سرعة الصواريخ الروسية إلى 20 ماخ. وتشير بعض التقديرات حاليا إلى أن سرعة الصاروخ "أفينغارد" الفرط صوتي تصل إلى 27 ماخ. وتضم الترسانة الروسية حاليا كمية غير معروفة من أنواع تلك الصواريخ، منها صواريخ يتم إطلاقها من قواعد أرضية، تم اطلاقها فعلا من قاعدة في جبال الأورال، وأخرى يتم إطلاقها من الجو بواسطة طائرات ميج -31، وثالثة يتم إطلاقها من البحر، حيث اختبرت روسيا في 7 أكتوبر عام 2020 صاروخا فرط صوتي من على سطح إحدى الفرقاطات في البحر الأبيض الروسي. وقد تم استخدام بعض هذه الصواريخ خلال مناورات الشهر الماضي، ومنها صاروخ "كينجال" kh-47M2 الذي تبلغ سرعته 10 أمثال سرعة الصوت (10 ماخ أي ما يعادل 7600 ميل/ ساعة) وهو الصاروخ الذي استخدمته روسيا للمرة الأولي في حرب أوكرانيا يوم 18 مارس 2022، فكانت بذلك الدولة الأولى في العالم التي تستخدم صاروخا فرط صوتي في حرب فعلية.
ويعتبر بوتين أن القوة العسكرية لروسيا تمثل أهم المقومات المادية للمحافظة على مكانتها كقوة عالمية رئيسية، بالإضافة إلى قوتها السياسية والدبلوماسية المستمدة من عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وحق الفيتو الذي تتمتع به.
#IbrahimNawar