السلطان عبد الحميد وفلسطين
الدكتور عثمان قدري مكانسي
الدكتور عثمان قدري مكانسي
حاول هرتزل زعيم المنظمة اليهودية في أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العشرين الحصول على وطن يهودي في فلسطين فطلب مساعدة روسيا التي وعدته بتهجير كثير من اليهود الموجودين فيها إلى فلسطين ، وعرض على بريطانيا إنشاء هذه الدولة لتساعدهم على الوصول إلى الهند إن تعذر ذلك عليهم وهم في مصر .
وعرض هرتزل على بعض رجالات العثمانيين ــ بعد أن اغراهم بالمال ــ أن يتوسطوا لدى السلطان عبد الحميد الثاني لمساعدته في إنشاء هذه الدولة فرفض السلطان ذلك ، وحاول هرتزل عن طريق الملك الألماني الذي زار استانبول سنة / 1315هـ ــ 1897 م / فصمم السلطان على الرفض (1) وقال : (انصحوا الدكتور هرتزل بأن لا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع ، فإني لاأستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين .. فهي ليست ملك يميني بل ملك الأمة الإسلامية .. لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه .. فليحتفظ اليهود بملايينهم وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن .. أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة ، وهذا أمر لايكون . إني لاأستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة . /ستانبول عام واحد وتسع مئة وألف م/)(2)
ثم طلبوا إليه تأجير منطقة القدس تسعاً وتسعين سنة وعرضوا على خزينة الدولة العثمانية خمسين مليون ليرة انجليزية ولحساب السلطان خمسة ملايين ليرة فطردهم شر طردة فعملوا على خلعه ، وكان اليهودي العثماني قرَصُوْه من الأربعة الذين أبلغوه قرار الخلع وكان ذلك سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة وألف هـ .
وفي ظلِّ جمعية الاتحاد والترقي عمل كمال أتاتورك (3) على هدم الخلافة العثمانية مع العديد من أصحابه يؤيدهم في ذلك ويخطط لهم الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا ، هذه الدول التي احتلت بعد الحرب العالمية الأولى استانبول وفرضت الوصاية على الدولة العثمانية أولاً ثم طمس معالمها الإسلامية وإنهائها من الساحة ثانياً وكان ذلك سنة ألف وثلاث مئة واثنين وأربعين هـ الموافق عام ألف وتسع مئة وأربعة وعشرين م / وبذلك طويت آخر خلافة إسلامية حتى الآن حفظت البلاد الإسلامية ومن ضمنها البلاد العربية زهاء أربعة قرون ، ولا ندّعي أنها كانت خلافة راشدة ، بل كان فيها كثير من الأخطاء والتجاوزات .. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان حين سأله عن الخير في آخر الزمان هل يكون ؟ فقال : ( نعم وفيه دَخَن )(4).
إضاءة :
حين هلك مصطفى كمال أتاتورك في رمضان عام ألف وثلاث مئة وسبعة وخمسين هـ الموافق تشرين الثاني عام ألف وتسع مئة وثمانية وثلاثين م بعد أن ظل رئيساً للجمهورية التركية خمسة عشر عاماً ، كانت البلاد العربية على الشكل التالي :
سوريا ولبنان والمغرب العربي : تحت الاحتلال الفرنسي .
الخليج العربي والعراق والأردن وفلسطين ومصر : تحت الاحتلال الإنجليزي .
الجزيرة العربية واليمن : تدينان للإنجليز دون أن يحتلوا أراضيهما .
ليبيا : تحت الاحتلال الإيطالي .
جزء من الساحل المغاربي : تحت الاحتلال الإسباني .
الهوامش
(1) التاريخ الإسلامي ( العهد العثماني ) ص / 201 /
(2) من فاتحة كتاب : صحوة الرجل المريض ، موفق بني المرجة .
(3) ولد مصطفى كمال في سلانيك سنة / 1298هـ / من سفاح تسمى بأمه زبيدة، ونسب إلى علي رضا أحد موظفي الدولة في سلانيك ، درس في الكلية الحربية وتخرج منها سنة / 1322 هـ / ، كان غير منضبط السلوك ، منصرفاً إلى الخمرة والنساء ، على كره شديد للإسلام وعلى صلة وثيقة بالإنجليز وهم الذين رفعوه مستميتاً على الزعامة ، أعلن إسقاط الخلافة العثمانية سنة / 1341 هـ ــ 1924 م / وأصبح أول رئيس للجمهورية التركية وعاصمتها أنقرة ، جعل الأحد العطلة الرسمية للبلاد بدل الجمعة ، واتخذ الحرف اللاتيني بديلاً للحرف العربي في الكتابة فخسرت الأمة كنوزها العلمية والأدبية ، وانقطع الحاضر عن الماضي ، وانقطعت تركيا عن أخواتها البلاد الإسلامية ، وأمر بالأذان باللغة التركية ، وأعلن القومية الطورانية ، وجعل الدستور علمانياً مستمداً من الدستور السويسري ، ومنع الحجاب و.. من كتاب ( العهد العثماني ص / 228 / ، وكتاب التاريخ المعاصر ــ تركيا ــ ص / 52 ــ55 /للكاتب محمود شاكر .
(4) رواه البخاري في باب الفتن ج8 ص 93 .