رد: الحرب في مالي
الوزير الأسبق و الديبلوماسي عبد العزيز رحابي في حوار حصري لـ " الجمهورية " :
لو كنت مسؤولا في الحكومة لفتحت الأجواء أمام المقاتلات الفرنسية لضرب القاعدة في مالي
* التدخل العسكري في باماكو شرعي و ينطبق مع قرارات الأمم المتحدة
* اعتداء تيڤنتورين الهدف منه إضعاف الجزائر سياسيا , اقتصاديا و دوليا
صرح الوزير الأسبق و الديبلوماسي الجزائري المعروف عبد العزيز رحابي أنه لو كان مسؤولا في الحكومة الجزائرية لرخّص للمقاتلات الفرنسية بعبور الأجواء الجزائرية و ضرب الإرهابيين في شمال مالي , وأضاف رحابي في الحوار الحصري الذي خص به جريدة " الجمهورية " أن السلطات العليا في البلاد لم تقم إلا بواجبها حيث أنها استندت إلى لوائح مجلس الأمن التي اعتبرت الحملة العسكرية الفرنسية في مالي شرعية و أن الهدف منها هو القضاء على هذه التنظيمات الدموية المهددة للسلم و الأمن في القارة السمراء , كما أوضح نفس المتحدث بأن اعتداء تيقثنتورين الأخير جاء في سياق محاولة هذه الجماعات الإرهابية المسلحة لإضعاف الجزائر سياسيا , اقتصاديا و دوليا :
الجمهورية : ما هو تعليقكم معالي الوزير على العملية الأخيرة التي قام بها مسلحو " الموقعون بالدماء " في تيقنتورين بإن إمناس ؟
عبد العزيز رحابي : قام بها إرهابيون و ليس كتيبة " الموقعون بالدماء " كما جاء في سؤالكم ... لا يجب على الرأي العام أن ينخدع بتسمياتهم المزيفة , فهذه الجماعات الدموية تحاول من خلال هذه الأوصاف التي تطلقها على نفسها على غرار " القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي " ," جماعة الجهاد و التوحيد " وحتى " الموقعون بالدماء " أن تضلل الرأي العام العالمي بأنها على علاقة وطيدة بتاريخ الإسلام و معاركه التاريخية الكبرى , فهذه الجماعة المسلحة التي قامت بعملية تيقنتورين " إرهابية " و لا تمت بأي صلة لديننا الحنيف , كما أنها من جنسيات متعددة و تتغذى فكريا من أفكار متعصبة و متطرفة , ودعني أقول لك مسألة غاية في الأهمية , و هو أن الفقر لا يفجر الإرهاب فلو كان هذا الأمر كذلك , لعاشت الهند و باكستان و بنغلاديش و مالي هذه الظاهرة الخطيرة منذ 100 سنة , لهذا فإن هذه العملية التي قامت بها هذه الجماعة الدموية في منشأة الغاز بتيقنتورين ليس لها أي ارتباط بمفهوم الجهاد و محاربة الكفر و غير ذلك من المعتقدات الزائفة التي يؤمنون بها .
الجمهورية : كيف تقرأون كمحلل سياسي توقيت هذه العملية ؟ و لماذا هذه المنشأة لمعالجة الغاز بالذات ؟
عبد العزيز رحابي : أولا هذا الاعتداء الإرهابي الذي تمّ التخطيط له منذ شهرين أو ثلاثة أشهر , كان مبرمجا حتى قبل التدخل الفرنسي العسكري في مالي , ثانيا أن مرتكبي هذه العملية الإجرامية أرادوا من وراء فعلتهم الجبانة إضعاف الجزائر اقتصاديا , سياسيا و حتى إقليميا و دوليا ... ففيما يتعلق بالجانب الاقتصادي فإنك عندما تضرب هذه المنشأة الضخمة التي تنتج 18 % من الغاز و 15 %من البترول , فهذا معناه أن هذه الجماعة الإرهابية حاولت إضعاف بلادنا في مجال إنتاج المحروقات و الحد من قدراتها في تصدير هذه المواد الطاقوية إلى الخارج , و من ثمة ضرب و تهديد أمنها الغذائي الذي يمثل أحد أهدافها الإستيراتيجية ... أما فيما يخص الشق السياسي فإن هذا الاعتداء كان يهدف أساسا إلى تخويف الشعب الجزائري و تشويه سمعة بلده و تصويره على أنه مضطرب أمنيا , زيادة على ذلك فإن هؤلاء الدمويين حاولوا من خلال عملهم الشنيع إيصال رسالة للعالم مفادها أنهم مازالوا قادرين على ضرب الجزائر و زعزعة استقرارها الداخلي ومن ثمة تكذيب مقولة المسؤولين السياسيين عندنا بكونها أضحت بلدا محصنا وله مناعة ضد الإرهاب و الإرهابيين ... هذا دون أن ننسى أن الاعتداء الأخير , كان يهدف كذلك تكسير شوكة الجزائر إقليميا و دوليا باعتبار أنها باتت اليوم دولة محورية إفريقيا و عربيا , لاسيما و أن دول الساحل المحيطة بنا ضعيفة ولا تملك الإمكانيات اللوجيستية و المادية لمحاربة هذه الجماعات الإرهابية , ضف إلى ذلك أن ليبيا و تونس اللتين تعيشان هذه الأيام أوضاعا داخلية متأزمة لا يمكنهما إدراج ملف مكافحة الإرهاب ضمن أولوياتهما السياسية حاليا و هذا إلى حين الانتهاء من معالجة مشاكلهما الداخلية , لهذا فإن انهيار الجزائر و فشلها في دحر الإرهاب معناه انهيار المنطقة بأكملها ...
الجمهورية : ... أستسمحكم معالي الوزير على المقاطعة , هل هذا معناه أن عملية تيقنتورين كانت مدبرة و خطط لها بإحكام من قبل هذه الجماعات ؟
عبد العزيز رحابي : نعم ... نعم , هذا الاعتداء كان محضرا و التخطيط له كان دقيقا و محكما , حيث أن جماعة مختار بلمختار أرادت توظيف الوضع في مالي لصالحها , من خلال تسويق خطاب دعائي بأنها تخوض حربا ضد رؤوس الكفر و الاستكبار العالمي , و أنها تريد مطاوعة الصليبيين الغزاة الذين جاءوا لاحتلال الأوطان و استباحة دماء المسلمين , و دعني بالمناسبة أضيف مسألة مهمة ...
الجمهورية : ... تفضل
عبد العزيز رحابي : إن الحرب التي تدور رحاها حاليا في مالي , نيجيريا و في أي بقعة من العالم هي حرب ضد الإرهاب و ليست ضد الإسلام , كما تزعم هذه الجماعات المتطرفة , فالدعاية التي تحاول تمريرها مختلف التنظيمات الإرهابية على غرار " أنصار الدين " و القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي " و جماعة الجهاد و التوحيد " إلخ ... الهدف منها استعطاف الرأي العام الإسلامي و دغدغة مشاعره من خلال زعم قادتها على أنهم يدافعون عن ديننا الحنيف و يدّكون كل من يتطاول عليه على وجه البسيطة , لذلك تجدهم ينجحون في تجنيد الشباب و تنويمه بهذه الخرافات و الخزعبلات المكشوفة , فنحن مسلمون بالفطرة و لا يمكن لهؤلاء الجهلة المردة أن يعطونا دروسا في الإسلام و مصاديقه الثابتة .
الجمهورية : العديد من الفعاليات السياسية و الإعلامية عندنا عارضت و بشدة الحملة العسكرية الفرنسية في مالي بل و وصفتها بأنها تدخل سافر في شؤون الدول , و لكن في المقابل نجدكم تسبحون ضد التيار و لا تشاطرون الطبقة السياسية في بلادنا هذا الرأي , فما هو سبب مساندتكم هذه الحرب و ماهي مبرراتكم في ذلك ؟
عبد العزيز رحابي : لم أعارض و لن أعارض هذه الحملة حتى تتوّج في الأخير بالقضاء على الإرهاب , و قد أكدت هذا الأمر في العديد من المحاضرات سواء في الجزائر أو خارجها , و لو كنت مسؤولا في الجهاز الحكومي لأعلنت ذلك جهارا أمام الجميع , بل و الأكثر من ذلك فإني أقول لكم و من على صفحات جريدتكم , إنني أساند قرار الدولة الجزائرية بالسماح للطائرات الحربية الفرنسية بعبور أجوائها لقصف مواقع الجماعات الإرهابية ...
الجمهورية : ... معذرة معالي الوزير , و لكن ماهي المصاديق التي تستندون عليها لتبرير أطروحاتكم التي تفيد بجواز ترخيص الحكومة استعمال مجالها الجوي لضرب هذه التنظيمات الدموية ؟؟
عبد العزيز رحابي : أطروحاتي تستند على عدة معطيات تدخل في إطار و سياقات معينة , أهمها أن يرتكز أي قرار تتخذه دولة مع دولة أخرى على اتفاق ثنائي بينهما , أو على نصوص و مواد القانون الدولي المعروفة , بل و حتى على لائحة أممية صادرة عن مجلس الأمن , و الجزائر هنا لم تخرج عن هذه السياقات المذكورة , حيث ارتكزت على اللائحة الأممية رقم 2085 الصادرة في 20 ديسمبر من السنة الماضية و التي " تجيز بنشر قوة دولية خصوصا إفريقية لإستعادة شمال مالي من أيدي المتمردين المسلحين " , وهو ما يؤكد حصول فرنسا على الضوء الأخضر من مجلس الأمن من أجل مواصلة عملياتها العسكرية المسماة بـ " القط الوحشي " في شمال مالي , ومن ثمة فإن الحكومة الجزائرية لم تقم إلا بواجبها و المتمثل في احترام الشرعية الدولية , و من منطلق هذه اللائحة سمحت للطائرات الحربية الفرنسية بعبور أجوائها لضرب مواقع الإرهابيين في مالي .
الجمهورية : ألا تعتقدون بأن هذه الحرب ستكون مكلفة للجزائر , و ستزيد من الضغوط على جيشنا الوطني الشعبي المطالب بالمزيد من الجهد لمنع تسلل الإرهابيين الهاربين من جحيم المعارك الدائرة رحاها في مالي ؟
عبد العزيز رحابي : صحيح ... و هذا هو لب المشكل , فنحن لدينا مجموعات إرهابية بالقرب من حدودنا , مما سيزيد لامحالة من إمكانية تسلل هؤلاء المتطرفين من القصف الجوي الفرنسي و لجوئهم إلى ترابنا الوطني , فضلا عن احتمال تسريب المزيد من الأسلحة لاستعمالها في المعارك , فكل هذه الأمور ستنهك قواتنا المرابطة على الحدود الجزائرية المالية . بل وقد تخلق له المزيد من المتاعب بلجوء هذه التنظيمات إلى ما يعرف سياسيا و إعلاميا بـ "حرب الاستنزاف " , فضلا عن أن استمرار هذه المعارك لمدة طويلة قد يتسبب في ضياع العتاد العسكري الذي سيتأثر بحرارة الشمس اللافحة في الجنوب , حيث أنه من الصعب بمكان تأمين 6000 كلم من حدودنا مع مالي , و لكم في الولايات المتحدة الأمريكية خير دليل على ذلك حيث أنها لم تتمكن لحد اليوم من إحكام قبضتها على الحدود التي تربطها مع المكسيك و المقدرة بـ 3000 كلم , كما أن هذه الحرب ستترك جيشنا يعيش على الأعصاب و ستبقيه على درجة عالية من اليقظة لتأمين جنوبنا من تكرار تيقنتورين ثانية قد تهلك الحرث و النصر .
الجمهورية : هل تتوقعون معالي الوزير المزيد من العمليات الإرهابية على ترابنا الوطني , و ماهي الحلول التي ترونها مناسبة لتلافي مثل هذه التهديدات مستقبلا ؟
عبد العزيز رحابي : هذه الجماعات الإرهابية تعمل المستحيل لفرض وجودها أمام الرأي العام الدولي , ولكنها للأسف لم تعد تحظى اليوم بأي تأييد شعبي أو رسمي في العالم , بل أنها صارت منبوذة و غير معترف بها من قبل الجميع , و هذا لسبب بسيط سأوضحه لكم بالتفصيل ...
الجمهورية : تفضلوا ...
عبد العزيز رحابي : قادة هؤلاء الدمويين معظمهم من الجهلة و لا يملكون أي مستوى علمي و ديني يسمح لهم بالتحدث في شؤون العامة و الرعية , فتجد مثلا أن من يصدر الحكم بالإعدام شخص غير عادل و لا يفقه شيئا في تعاليم ديننا الحنيف , ضف إلى ذلك أن الكثير من زعماء هذه الجماعات المتطرفة يتعاملون مع أكبر بارونات الأسلحة و المخدرات ... فكفانا هراء و سخافات لأن هذه التنظيمات فقدت مبررات وجودها و لم تعد تملك اليوم أي شرعية من لدن المجتمع الدولي ...
الجمهورية : و ماذا عن الشطر الثاني من السؤال ؟
عبد العزيز رحابي : فيما يتعلق بالحلول التي أراها مناسبة لتجنب وقوع تهديدات إجرامية أخرى ببلادنا ... أعتقد أن مقترح الجزائر الداعي إلى اتباع الحلول السلمية في المنطقة سديد و حكيم , و لكنه يحتاج إلى وقت من أجل تحقيقه , حيث أن الأوضاع الحالية في مالي لا تقتضي منا الانتظار كثيرا , بل يجب علينا حسم المعركة العسكرية في أقرب الآجال , لتبدأ فيما بعد حكومة باماكو ببسط سلطتها على كامل التراب المالي , ثم تشرع لاحقا في تنفيذ جملة من الإصلاحات لمعالجة كافة الإختلالات المطروحة , وفي الأخير تقوم بفتح قنوات اتصال مع الأزواد , لمباشرة حوار وطني جاد و فعال يعيد الأمن و الاستقرار إلى ربوع هذه الدولة الجارة , هذا دون أن ننسى طبعا ضرورة تجند المجتمع الدولي من أجل إعادة إعمار مناطق الشمال المتخلفة و هو ما تجسد فعليا على أرض الواقع من خلال مؤتمر المانحين الذي عقده مؤخرا الإتحاد الإفريقي بأديس أبابا , حيث منحت اليابان مساعدة بـ 120 مليون دولا و الجزائر 50 مليون دولار ... إلخ
الجمهورية : استطاعت القوات المالية الفرنسية تحرير العديد من المدن المالية , و لكن هل تعتقدون أن هذه الحملة العسكرية قادرة على القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية الرابضة بشمال مالي ؟
عبد العزيز رحابي : ... ستنتهي هذه العملية و سيتم القضاء على هؤلاء الإرهابيين لسبب بسيط , و هو أن الماليين يرفضون هؤلاء المتطرفين و ينبذون العنف , فهم شعب مسالم ولم نسمع عنهم منذ استقلالهم أنهم كانوا وراء حرب أو اعتداء على أي دولة تجاورهم , كما أن النتائج الميدانية للحرب تؤكد أن النصر قادم و لم يبق سوى الشيئ القليل ...