رد: الحرب في مالي
اندريه باران سفير فرنسا في الجزائر يكتب لـ''الخبر''
عملية ''سرفال'' تعني للماليين ''نهاية احتلال مقيت''
الخميس 07 فيفري 2013
مواصلة جهودنا المشتركة في سبيل حل الأزمة المالية
طوال العام ,2012 خضعت منطقة شمال مالي لسيطرة الجماعات الإرهابية. فكانت مناطق بأكملها ومدن عديدة مثل غاو وتمبكتو وكيدال وتيساليت وميناكا وأخرى كثيرة، خاضعة لنير هذه الجماعات والمهربين وتجار المخدرات. لقد دُمّرت معالم أثرية إسلامية ضاربة في القدم، وأُحرِقت مخطوطات كثيرة وسُلّطت على السكان الماليين أبشع ألوان العقوبات، دون احترام لأبسط حقوقهم.
طيلة أشهر عديدة، عملت فرنسا بجهد دؤوب، مدعومة من قبل حلفائها، جنباً إلى جنب مع الجزائر وبلدان أخرى من المنطقة، لإيجاد حل يضمن الاستقرار لهذا الجزء الهام من منطقة الساحل. لقد كانت المباحثات مستمرة بين بلدينا حول هذه المسألة، وتمت بيننا العديد من لقاءات التشاور على كل المستويات. فلم تكن أهدافنا متباعدة في أي وقت من الأوقات، في ما يتعلق بمكافحة الجماعات الإرهابية ووحدة الأراضي المالية واتباع مقاربة شاملة تجمع بين الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية والتنموية.
وتدريجياً، تبلور توافق دولي لإيجاد حل يمكّننا من احتواء الخطر الإرهابي واستعادة وحدة الأراضي المالية. ولقد صادق مجلس الأمن بالإجماع، ثلاث مرات متتالية، على قرارات كفيلة بإرساء دعائم الحل الشامل للأزمة المالية.
في غضون ذلك، حاولت هذه الجماعات، تلك نفسها التي دفعت الجزائر الثمن غاليا في مكافحة أعمالها الإرهابية، وآخرها كان في عين أميناس، أن تتحدى المجتمع الدولي، ظانة أنه بإمكانها أن تأخذ الجميع على حين غرة، فقامت بشنّ هجوم ضد باماكو في 9 جانفي الماضي.
وفي هذا السياق، طلبت السلطات الشرعية في مالي بإلحاح من فرنسا، أن تساعدها على وقف تقدم هذه الجماعات على وجه السرعة. فأطلقت فرنسا عملية ''سرفال'' في 11 جانفي الماضي، معتبرة أن من واجبها التدخل لمنع انهيار مالي، هذا البلد الصديق، والحيلولة دون قيام دولة إرهابية في قلب منطقة الساحل. وسرعان ما تلقت فرنسا دعماً يشبه الإجماع من قبل المجتمع الدولي. وكما أثبتت علامات الترحيب التي لا تعد ولا تحصى وحفاوة الاستقبال الذي لقيه الرئيس فرنسوا هولاند في تمبكتو وباماكو في الثاني من فيفري، فإن عملية ''سرفال'' قوبلت أيضاً بالترحاب من قبل كل مكوّنات المجتمع المالي الذي تنفس الصعداء، لأن هذه العملية تعني بالنسبة إليه نهاية احتلال مقيت.
واليوم، ها هي القوات المالية والفرنسية تحقق تقدما على الميدان، فقد نجحت في تخليص المدن الرئيسية في شمال مالي من قبضة الجماعات الإرهابية التي كانت تضطهدها. لكن لايزال هناك الكثير الذي يتعيّن القيام به، لتمكين مالي من استعادة بسط سيطرتها على كامل أراضيها وإقامة مؤسسات ديمقراطية ومستقرة وتمكين جميع المواطنين من العيش بسلام وأمن وخلق الظروف الملائمة لتنمية متوازنة في كل أنحاء البلاد.
إن القوات الفرنسية لا تنوي البقاء بشكل دائم في مالي. فالسلطات المالية كانت قد دعتها للمجيء، وستبقى هذه القوات بناء على طلب السلطات المالية إلى غاية إنجاز المهمة الموكلة إليها. وفي الوقت نفسه، بدأت القوات الإفريقية بالانتشار في إطار بعثة الدعم الدولية في مالي بقيادة إفريقية، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم .2085 كما أن الاتحاد الأوروبي هو أيضاً على وشك نشر بعثة تدريب ضخمة، ستعمل لصالح الجيش المالي. ولقد سمح مؤتمر المانحين الذي عقد في أديس أبابا، في 29 جانفي، بتجسيد الدعم المالي من قبل المجتمع الدولي لهذه الجهود.
وبالموازاة مع ذلك، فإن السلطات المالية اعتمدت خارطة طريق سياسية. وفي هذا السياق، فإن الحوار مع المجموعات والقبائل في شمال مالي يبقى ضروريا، ويجب أن يجرى بأقصى سرعة، وعلى نطاق واسع، على أساس القواعد التي حددها قرار مجلس الأمن رقم ,2085 أي المحافظة على وحدة الأراضي المالية ورفض العنف المسلح.
إن بعض الشهادات تشير إلى حدوث جرائم أو انتهاكات تم ارتكابها منذ 11 جانفي ضد مدنيين في شمال مالي. موقف فرنسا حول هذا الموضوع واضح تمام الوضوح: لا شيء يمكنه أن يبرر مثل هذه الأفعال. فكما ورد على لسان الرئيس فرنسوا هولاند في الثاني من فيفري في باماكو، يتوجب محاكمة المجرمين والإرهابيين ''في كنف احترام حقوق الإنسان، تلك الحقوق نفسها التي داسها الإرهابيون''، مضيفاً ''إننا لا نزيل مظلمة بإنزال مظلمة أخرى''.
وقد تلقت قواتنا الموجودة في مالي تعليمات بتسجيل أي دليل إثبات، من شأنه أن يوثق حالات انتهاك لحقوق الإنسان. إذ تمنينا نحن تضمين قرار مجلس الأمن رقم 2085 أحكاماً متعلقة بحقوق الإنسان، وقانون النزاعات المسلحة ومكافحة الإفلات من العقاب، وبأن يتم نشر المراقبين المنصوص عليهم في هذا القرار بأسرع وقت. كما ستتضمن البعثة الأوروبية للتدريب جانباً مهما حول احترام حقوق الإنسان. وأخيراً، يجب إحالة كل الانتهاكات المرتكبة في مالي منذ جانفي 2012 على المحكمة الجنائية الدولية، مهما كان الفاعلون.
إن اعتماد البرلمان المالي بالإجماع لخارطة طريق بشأن المرحلة الانتقالية في 29 جانفي، والتي تنص على إجراء انتخابات والبدء بمفاوضات مع الشمال، يفتح مرحلة جديدة في استقرار مالي. هذا التقدم الذي يستجيب لطلب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قراره رقم ,2085 يشكّل خطوة حاسمة في العملية السياسية التي تمرّ عبر إجراء سريع للانتخابات المعلن عنها، وعبر المناقشات بين السلطات المالية من جهة وبين الممثلين الشرعيين لسكان الشمال والجماعات المسلحة غير الإرهابية التي تعترف بوحدة الأراضي المالية، من جهة أخرى.
ستواصل فرنسا العمل الدؤوب في إطار الأمم المتحدة، مع كل شركائها، وبالتشاور الوثيق مع السلطات الجزائرية، لكي تنجز هذه العملية على أكمل وجه. والرهان في ذلك هو عودة السلام والأمن في مالي ليس إلا، وهذا من مصلحة كل بلدان المنطقة.
http://www.elkhabar.com/ar/politique/321735.html