رد: تغطية : الحج 1432 2011
المفتي للحجاج: كونوا يدا واحدة ضد كل مفسد يحاول المساس بأمن الحج
أكد أن العالم الإسلامي يعاني تنازع أبنائه وهجوم أعدائه وتدخلهم السافر في شؤونه
يغادر نحو 3 ملايين حاج صباح اليوم المشعر الحرام "مزدلفة" عائدين إلى مشعر منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، ومن ثم طواف الإفاضة بالبيت العتيق، وسط منظومة متكاملة من الخدمات الطبية والأمنية والخدمية؛ بتوجيهات مستمرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبمتابعة مباشرة من ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، وبإشراف ميداني من قبل أمير منطقة مكة المكرمة، رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز.
وبدأت منذ مساء أمس استعدادات وخطط جميع القطاعات الأمنية والصحية والخدمية لاستقبال حشود الحجيج في مشعر منى بعد أن شهد فراغاً كاملاً من الحجاج أمس. وتأتي هذه الاستعدادات بعد أن أنهى ضيوف الرحمن حجهم الأكبر بالوقوف على صعيد عرفات الطاهر، ملبين خاشعين يلهجون بالدعاء تضرعاً إلى المولى عز وجل بأن يتقبل حجهم ويعيدهم سالمين إلى أوطانهم.
التصعيد إلى عرفات
وشهدت الحركة المرورية لتصعيد ضيوف الرحمن إلى عرفات انسيابية تامة بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل ما هيأته حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من إمكانات ضخمة وترتيبات متميزة، أبرزها قطار المشاعر الذي خفف عن كثير من الحجاج مشقة المشي سيراً على الأقدام من وإلى عرفات.
وبدأ الحجاج دخول مسجد نمرة منذ وقت مبكر من صباح أمس، وأدوا صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً، واستمعوا لخطبة عرفة التي ألقاها مفتى عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ.
ودعا آل الشيخ في خطبة عرفة المسلمين إلى تقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والنجوى، وامتثالهم لما بعث الله من أجله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وللخروج من طغيان العقل والهوى إلى ضفاف الشرع ووحي السماء، ومن التعلق بالدنيا الفانية إلى التعلق بالدار الباقية في النعيم بالدرجات العلى.
وبين أن الله عز وجل شرع دين الإسلام ليكون منهج حياة للبشرية يسير وفق أحكامه وتعليماته، فلا شأن من شؤون الدنيا إلا وللإسلام فيه حكم وبيان، ليحقق الغاية التي من أجلها خلقوا، ولتستقيم حياتهم كلها عقيدة وعبادة وسلوكاً وأحوالاً شخصية ومعاملات وأخلاقاً وسيادة وتعليماً ، مؤضحاً أن الإسلام رسم هذا المنهج بأعظم بيان وأقوم أدلة وأوضح معالم، قال الله تعالى "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون"، بين لهم عقائدهم في الإيمان بالله وإخلاص التوحيد له وفرض كل العبادة له جل وعلا .
المؤمنون إخوة
وأبرز الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ما أوضحه الإسلام للمجتمع من فوائد العلاقة الاجتماعية, وأنه أقامها على الإيمان والأخوة الإيمانية , وقال مخاطباً المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان بحاجة أخيه ، كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة في الدنيا ، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
وأضاف: أرشدنا ديننا الإسلامي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، وإلى محاسن الأخلاق في الصدق والإخلاص والبر والإحسان والعدل والصبر والحلم والكرم والجود، وحرم عليهم الخصال الذميمة من الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء وقذف المسلمين، وحرم عليهم الفواحش صغيرها وكبيرها ، وحرم الزنا وما يقرب إليه من خلوة بلا محرم أو سفر بلا محرم أو علاقة تخالف الشرع، كما حرم عليهم السرقة والقتل والعدوان والظلم على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
انتهاك الحدود
وبين المفتي في خطبته أن الله عز وجل شرع لنا عقوبات شرعية لمن سلك طريق الإجرام وانتهاك الحدود والمحرمات لتكون رادعة ولتكون عقوبة لمن وقع فيها وعظة لمن لم يقع فيها، وشرع الله سبحانه وتعالى الحرابة في القتل والعدوان ، مشيراً إلى أن الدين الإسلامي بين لهم أن الولاية بين المسلمين قائمة على الحقوق الإسلامية، لا على الوطنية والقبيلة والجنس، وبين لهم حقوق الحاكم على رعيته بوجوب طاعة ولي الأمر فيما أمر ، وفيما نهى ، ما لم يأمر بمعصية أو ينهي عن خير، وحثهم على عدم منازعة الحاكم ، وأرشدهم إلى الوقوف معه في كل الشدائد والتعاون معه فيما يحفظ الأمة ومكاسبها ، وحث الحاكم على العدل في رعيته وتحقيق الحياة الكريمة لهم والإحسان والعدل بينهم وعدم ظلمهم وعدم المحاباة بينهم ، كما حث مجتمع المسلمين على التعاون والتآلف ، قال الله عز وجل " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" .
الراعي والرعية
وأكد المفتي أن من خصائص الشريعة الإسلامية الالتحام بين الراعي والرعية. وقال: الراعي يسعى لتفقد رعيته وحل مشاكلهم , والرعية بمحبة راعيهم والدعاء له ، وهكذا يريد الإسلام من المجتمع المسلم، مشيراً إلى تكاتف المجتمع المسلم بجميع مؤسساته كاملة الشرعية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقضائية والأمنية، فالجميع في حمى الدين والحفاظ على هويته ومنعه من التميع والتغريب.
وشدد على أن الدين الإسلامي يختص بأنه مجتمع رباني, كون الإسلام ينظم شؤونه العامة، وحياة المجتمع مرتبطة بالدين لا بأهواء الناس، مفيداً أن القيم والأخلاق المعنوية مقدمة على المصالح المادية, فالمصالح المادية لابد أن توافق قواعد الشريعة .
فوضى وبلاء
وأشار المفتي إلى ما يمر به العالم الإسلامي اليوم من مراحل هي أخطر ما يكون في حياته؛ حيث يواجهه ظروفاً وتحديات صعبة ويعاني من انقسام بين أبنائه ونزاع بينهم وهجوم شرس من أعدائه وتدخل سافر في شؤونه .
وقال: ما يحزن المسلم هو ما يشاهده من هذه الفوضى والبلاء الذي أدى إلى انعدام الأمن واختلاف النظام والحياة اليومية ومصالح الأمة ، وما حصل من تبديد الأموال ونهب للممتلكات وسفك للدماء البريئة ، حتى ترك بعض المسلمين ديارهم فراراً من تلك الفتن والمصائب ، إن ما يقض مضاجع العبد المسلم الذي يحمل شفقة على أمته ورحمة هذه الدماء التي تسفك بغير حق ، ولنا في هذه الأحداث الأليمة المحزنة وقفات لنتذكر ما حصل للخروج من هذه الأزمات والتحديات
وأشار إلى أن الإسلام يرفض التخريب والإرهاب والغلو والإخلال بالأمن وسفك الدماء ويغرس الانتماء ، مؤكدا أن الدين الإسلامي هو دين الحق، وحاجات الأمة وتحديد مطالب أبنائها في وجود مجتمع تسوده العدالة وتتكاثر ظروف الحياة الكريمة بتحقيق العدالة وحفظ الحقوق .
ودعا المسلمين جميعا أن يتقوا الله في أنفسهم ويسعوا في حل مشكلاتهم من غير تدخل من أعدائهم، وحذرهم من ميل الطائفية.
وأهاب بقادة الشعوب الإسلامية أن يعملوا على إقامة العدل ويحاربوا الفساد وقال : أيها المسلمون ، على قادة الشعوب الإسلامية أن يعملوا على إقامة العدل ومحاربة الفساد ، وجعل أولوياتهم مصالح الشعوب ، وعلى الرعية أن يلتفوا حول قادتهم ويسعوا إلى حل المشكلات بالطرق السلمية بعيداً عن الفوضى وسفك الدماء.
ولاة الأمر
وأضاف " إن من واقع هذا البلد الطيب المبارك ما نرى من اهتمام ولاة أمره بالشعب في سبيل راحتهم وسلامتهم ، وتجنيبهم الفتن ، وقال : دليل ذلك ما نشاهده من التحام الرعية مع رعيتهم والعلاقة الأخوية بين الراعي والرعية ، وأثر ذلك من أمن واستقرار البلاد ، لنعلم أن هذا هو نموذج الحق ، ويجب أن تتجه إليه الدول التي تعاني من الفوضى .
وقال مخاطبا المسلمين: الواجب على المسلمين أن يحافظوا على هويتهم المسلمة والثبات على مبادئهم ومسلماتهم عقيدة وشريعة وأخلاقاً مما أنزل في الكتاب والسنة عليه فهو يتعلق بالعقيد أو بالعبادة أو بالشريعة أو بالحلال والحرام أو شأن المرأة أو بالأخلاق والقيم ، يجب أن نحافظ على هذه محافظة عظيمة وأن لا نتنازل عنها تحت أي ظرف من الظروف.
رسائل دولية
وخاطب مفتي المملكة صناع القرار في المسائل الدولية قائلاً: لا يخفى عليكم أن خلاص المسلمين في تمسكهم بدينهم وثباتهم عليه واعتزازهم به فكونوا على حذر أن نصل بأي سبيل في أي قانون يخالف شرع الله ؛ ألا يكون مؤذياً للأمة وأن لا يمارس عليها ضغوطاً لأجل قبول هذه الآراء التي تخالف دينها وعقيدتها ، ففي هذا أمور وفوائد ، أولاً احترام الأصول الإسلامية في الثبات على دينها ليتحقق السلم والأمان العالمي ، وثانياً اكتساب هذه الدول ثقة المسلمين والنظر إليها إيجابياً والتعامل معها فيما يسعد الأمة مع التحفظ على ما يخالف شرع الله .
وحث حجاج بيت الله الحرام على أداء الشعيرة بصدق وإخلاص واتباع كتاب الله وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم , مبرزاً ما منَّ الله به على المملكة من أمن واستقرار واتفاق بين الراعي والرعية , منوها بما قدمته حكومة خادم الحرمين الشريفين من خدمات وتسهيلات كتوسعة للحرمين والمشاعر.
وقال:" إن هناك من بين الأمة من يريدون إفسادها , يريدون إفساد الحج والشغب والبلاء فكونوا عينا ساهرة ويدا واحدة وكونوا سداً منيعاً أمام المفسدين".
أهل الإحسان
وأضاف :" أشكروا الله على هذه النعمة وادعو لولاة هذا البلد بالتوفيق والسداد ، فكم بذلوا من إحسان وبذلوا من جهود وأمنوا السبل وبذلوا كل الخدمات في سبيل راحة حجاج بيت الله الحرام ، أنتم في يوم من أفضل الأيام - يوم عرفة - هذا اليوم العظيم الذى أكمل الله فيه الدين وأتم فيه النعمة ورضي الإسلام لنا دينا.
وفي ختام خطبته دعا الله سبحانه وتعالى بأن يعز دين الإسلام والمسلمين, وأن يقبل من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات , وأن يصلح قادة المسلمين ويجمع بينهم وبين رعيتهم على خير حال , سائلا الله أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للخير وأن يمده بالصحة والسلامة والعافية , وأن يرحم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ويغفر له ويجازيه عن الإسلام والمسلمين خيرا , وأن يوفق ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز لما يحبه ويرضاه، وأن يعينه وينصره ويوفقه للصواب، وأن يعين ويوفق أمير منطقة مكة المكرمة، رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز.
تأهب ليوم النحر
إلى ذلك، تأهبت الجهات الأمنية والصحية بمنشآت الجمرات في مشعر منى لاستقبال حجاج بيت الله الحرام لرمي الجمار بتفويج منظم وضعت له الخطط ومشروعات مرافق وتهوية وتكييف وصيانة وخدمات مرافق لمزيد من الراحة والتيسير على الحجيج في أداء المناسك.
وأنهت وزارة الشؤون البلدية تركيب المظلات العلوية التي زودت بمراوح التكييف المصاحب للرذاذ لتقليل درجة الحرارة كما تم إعداد السلالم المتحركة ومباني الخدمات وتخطيط المسارات الجديدة ونشر كاميرات المتابعة لتعزيز آليات التحكم في تدفقات حركة الحجيج، إلى جانب اللوحات والمنشآت الإرشادية والتوعوية والخدمات الإعلامية في إطار المرحلة الرابعة والأخيرة من مشروع المنشأة الحديثة للجمرات والأعمال المتعلقة بها.
وفي إطار مشروع الجمرات الضخم، تم الانتهاء من مشروع التسمية والترقيم الحديث لعدد من المواقع والأماكن في المشاعر التي تؤدي مهام الإرشاد والتوجيه للحجاج وتوزعت اللوحات المضاءة بعدة لغات.
وتعددت مواقع السلالم الثابتة والمتحركة في أنحاء منطقة الجمرات لتسيهل وصول الحجيج.