المجد- خاص
لقد أصبح معروفا لدى كثير من الفلسطينيين أنّ هناك مصيدة في التحقيق تسمّى العصافير أو غرف العصافير, ويدل هذا الاسم الخيالي على العملاء الذين يعملون مع الشاباك في زنازين التحقيق أو هو يدل على عملاء يمثلون دور أسرى يستقبلون الأسرى الجدد في مكان يشبه السجن الحقيقي.
ويحاولون أخذ المعلومات منه على أنّهم تنظيم السجن, ولكنّ هذه التسمية الرمزية خطيرة من الناحية النفسية لأنّ التحذير منها بهذا الاسم "عصافير" لا يوحي بحقيقتها فالأسير عندما يدخل إلى ذلك السجن الوهمي أو يلتقي في الزنازين بذلك الأسير الوهمي فلن يقول له أحد إنهم عصافير ولا يوجد أي علاقة بين هذا الاسم الرمزي, وبين حقيقة هذه الخدعة الكبرى.
وربّما يكون استخدام هذا الاسم في تحذير الأسرى من تلك المصيدة, هو أحد أسباب الوقوع فيها, وعدم جدوى التحذير منها والأوْلى هو استخدام اسم قريب من حقيقة المصيدة وهذا الاسم هو السجن الوهمي .
عليك أخي المجاهد ألّا تستغرب من هذا التركيز على الاسم فمن غير المستبعد أن يكون مصدر تلك التسمية الخيالية "عصافير" هو جهاز الشاباك نفسه, فضباط التحقيق يعتمدون كثيرا على علم النفس وكثير منهم حاصل على شهادات عليا في هذا المجال ومن الواضح أن هذا الاسم له علاقة بنفسية الإنسان التي لا تستطيع إسقاط الاسم الخيالي على الواقع بشكل تلقائي, وهناك قصة فكاهيّة مشهورة تؤكّد ذلك وهي قصة فلّاح بسيط كان يسمع عن الباشا منذ صغره فلما رأى الباشا لم يعرفه ولمّا أكّدوا له أن هذا هو الباشا أنكر ذلك, وقال: "ده راجل مش الباشا".
وقد أكّدت قصص الأسرى الذين مرّوا بتجربة السجن الوهمي, أن لا جدوى من تحذير الأسرى من العصافير سواء كان ذلك قبل الاعتقال أو في الزنازين, أو في السجن الوهمي نفسه, لدرجة أن هؤلاء العصافير أنفسهم يقومون بتحذير الأسير من العصافير, وأحيانا يسمح الشاباك للأسير بمقابلة المحامي قبل إرساله إلى السجن الوهمي "عصافير".
ورغم علم الشاباك أن المحامي يقوم عادة بتحذير الأسير من العصافير, وقد ذكر أحد الأسرى أنه عندما اكتشف أنه في السجن الوهمي أراد أن يحذّر أحد الأسرى الآخرين الذي شعر أنّه ليس جزءا من هذه المصيدة, وتوقّع أنّه أسير حقيقي, وكان شعوره صحيحا واقترب منه أثناء المشي في الساحة الفورة وقال له احذر نحن عند العصافير لكن هذا الأسير لم يستفد من التحذير رغم أنّ لديه معلومات مسبقة عن العصافير.
وبلغ به الأمر أن توجّه إلى الموجّه الأمني, وقال له فلان يقول لي أننا عند العصافير فضحك ذلك الخبيث وقال هذا كلا فارغ ويبدو أنّ صاحبك مهووس وسوف نعمل على نقله إلى سجن آخر, وبذلك تمّ إخراج ذلك الشاب الذي كشف أمرهم وأعادوه إلى التحقيق ولكنهم أخبروا الباقين أنّه انتقل إلى قسم آخر لذلك علينا أن نقتنع بضرورة تغيير هذا المصطلح, والعمل على نشر مصطلح السجن الوهمي.
ثمّ بعد ذلك علينا أن نفهم الأسباب التي تؤدي إلى نجاح الشاباك باستخدام هذه الوسيلة الخطيرة, وما هي أسباب فشل كل التحذيرات والدراسات القديمة والحديثة للوصول إلى وعي أمني حقيقي عند المجاهدين يمكّنهم تجاوز هذه المصيدة في حال اعتقالهم.
وقد أثبت الواقع أن أكثر من 90% من الاعترافات التي يدلي بها المجاهدون في التحقيق هي نتيجة مصيدة السجن الوهمي ولا يجري الحديث عن عدد قليل من الأسرى, بل إنها أعداد كبيرة من الذين وقعوا منذ ابتكار هذه الحيلة الماكرة في السبعينات من القرن الماضي.
وقد خسرت المقاومة الكثير من الرجال والسلاح, والمعلومات الخطيرة نتيجة هذه الخدعة الخبيثة ولقد اعتادت التنظيمات الفلسطينية على تحذير أبنائها بالمقولة المشهورة " لا تخبر أحدا في زنازين التحقيق عن أسرارك ولو كان والدك أو مسؤولك في التنظيم" إلا أن أغلب الذين وقعوا في مصيدة السجن الوهمي كانوا يحفظون هذه القاعدة جيدا وكثير منهم قالوا إنّهم كانوا يحسبون أنّ هذه القاعدة للزنازين فقط.
وقالوا أيضا إنّ العصافير في السجن الوهمي أقنعوهم أن عليهم إخبار تنظيم السجن بكل المعلومات التي يطلبها حتى يمنحهم النقاء الأمني أي لكي يثقوا بهم, ويتمكّنوا من كشف أسباب اعتقالهم, وقد خدعوهم أيضا بالادعاء أنّ التنظيم في السجن يتعاون مع التنظيم في الخارج عبر وسائل سريّة, وآمنة وبالإضافة إلى أوهام كثيرة.
للأسف تبدو هذه الادعاءات منطقية بالنسبة للأسير الجديد الذي يغلب أن التنظيم في السجون عند أغلب التنظيمات الفلسطينية هو مكوّن أساسي من مكونات التنظيمات وهذا الاعتقاد صحيح من الناحية المعنوية, والسياسية والفكريّة, أمّا من ناحية الإجراءات الأمنية فهذا وَهْمٌ كبير حيث إنّه من المستحيل أن يُصدّق عاقل أنه من الممكن نقل معلومة أمنيّة بين تنظيم السجون وتنظيم الخارج دون أن يكون هناك خطر وقوعها في أيدي الشاباك, حتى لو كانت هناك شيفرة سريّة أو أي وسائل أخرى بل هي السذاجة بعينها التي تجعلك تصدّق أنّ الأسرى الحقيقيين يمكن أن يسألوا الأسير الجديد أو القديم عن معلوماته الأمنية مهما كانت الأسباب.
ولا توجد لهذه القاعدة استثناءات ولا حالات خاصة, ولو أوهموك أن لمعلوماتك وأسرارك علاقة بإنقاذ حياة الآخرين في الخارج, وهنا نقول إنّ على جميع التنظيمات في خارج السجون أن تعمّم على كلّ أبنائها أنه لا شأن للتنظيم في السجن بأي معلومات تخص العمل في الخارج مهما كانت الأسباب والظروف.
ويجب على أبناء شعبنا أن يعلموا أن التنظيمات في الخارج لم ولن يطلبوا في يوم من الأيام من تنظيم السجن أن يسأل أو يحقق في أي قضية مع أي أسير أمّا ما كان يسمع عن تحقيقات السجون والزوايا في السابق, فهي اجتهادات قديمة من تنظيمات السجون نفسها دون الطلب من الخارج, وكانت تخصّ المشبوهين الذين يقومون بالتعامل مع إدارة السجن أمام أعين الأسرى ويكون تعاملهم واضحا, وتقوم عليه الشهود.
واعلم أن كلّ الاجتهادات والتحقيقات والعمل الأمني داخل السجن محصور فقط في الأمور التي اعترف عليها الأسير عند المحققين إن كان لديه اعترافات, وهم مُلزمون في السجن الحقيقي إن سألوك عن شيء أن يخبروك أنّ الوضع غير آمن في السجن ولن يكون آمنا في يوم من الأيام لأنه في طبيعة الحال مستباح من إدارة السجن ومن الشاباك وغيره من أجهزة الأمن في الكيان.
واعلم أن أي تطمين تسمعه من أحد داخل السجن بأن معلوماتك التي تدلي بها هي في أمان فهو كذب لذلك تذكّر هذا الفرق الأساسي بين السجن الوهمي والسجن الحقيقي وهو أن الأسرى في السجن الحقيقي ومهما كانت الظروف لا يسمحون لأنفسهم أن يسألوا أي أسير عن أي معلومة تخص عمله في الخارج وهم يعتبرون ذلك من المحرّمات القطعية حتى لو مضى على اعتقال ذلك الأسير سنة أو سنتان أو عشر سنوات, لأنهم يعلمون أن السجن غير آمن ولا يمكن المحافظة على أي معلومة بأي طريقة كانت.
وقد تكون هناك أجهزة تنصت في كل مكان وقد تسقط الأوراق التي تكتب فيها معلومات في أيدي إدارة السجن أثناء التفتيشات المتكررة, أو ربما يكون هناك اختراق داخل التنظيم, أو لجنته الأمنية أما في السجن الوهمي فإن العصافير يحاولون إيهامك بأن لديهم تنظيما قويا أو عندهم لجنة أمنية مكونة من أسرى ثقات لهم خبرة عميقة في دراسة الضربات.
ويدّعون أنّ عملهم مشفّر بشفرات سريّة, ولا يمكن لكل أجهزة المخابرات في العالم أن تصل إلى المعلومات التي عندهم, وهم أيضا يحاولون الظهور أمام الأسير الجديد بصورة الأساتذة في الأمن, وهم يستخدمون في ذلك أساليب متنوعة وغير مباشرة لإيهام الأسير المستهدف أنه يعيش في قلعة من قلاع التنظيم الآمنة.
وحتى لو قال لهم الأسير إن الوضع عندكم غير ما كنت أعرف عن السجن فإنهم سيقنعونه أنّ الوضع تغيّر وهناك أساليب كثيرة للخداع مثلا يقولون لك إنّ معلوماتك قديمة وأن كل الدراسات والكتب في الخارج قديمة ولا يوجد اهتمام لإصدار كتب جديدة عن السجون والتحقيقات, وقد يقومون بعقد جلسات للتعبئة الأمنية ويبالغون في تحذيرك من الحديث عن أي معلومة لم تخبرها في التحقيق, وذلك لكي تثق بهم بعد ذلك وتشعر أنّهم حريصون عليك جدا, فتعطيهم المعلومات دون تردّد أو خوف وربما يحاولون التشكيك في عمل التنظيم في الخارج, والقول إن فيه اختراقات أو القول إن هناك تحقيقات مع أفراد في تنظيم منطقتك أو القول إنّهم في السجن هم الذين يكشفون أسباب الضربات والاغتيالات أوهام كثيرة يضعونها في قوالب جميلة ومنطقية بالنسبة لنفسية الأسير الذي قاموا بدراسة نفسيته جيدا, من خلال عملاء الزنازين " العصافير", أو عن طريق نقله إلى عدّة سجون وهميّة.
وخلاصة القول إن على كل مجاهد أن يعلم أنه كان في السجن الحقيقي أو الوهمي فإنه لا يجوز له ذكر أي سر من أسرار العمل أو أي معلومة قد تضرّه أو تضرّ إخوانه إذا وصلت إلى الشاباك, وحتى السجن الحقيقي فإنه لا يخلو من اختراقات أو عملاء أو أجهزة تنصّت.
إذا أي معلومة تخرج من صدرك فهي ستصل إلى الشاباك غالبا, ولا يوجد أي ضمانة لعدم وصولها, وفي ختام الحديث عن هذه المصيدة تجدر الإشارة أن الوسيلة التي يستخدمها الشاباك مع الأسير الحذر والواعي الذي قرأ عن هذه المصيدة, أنهم يرسلون له أسيرا "عصفور" يتظاهر بالسذاجة فما يكون من صاحبنا إلا أن يحذّره من العصافير فيتظاهر هذا الخبيث أنه لا يعرف شيئا عن العصافير ويطلب من صاحبنا التوضيح والتفصيل فيشرح له صاحبنا بحسن نية كل ما يعرف عن العصافير فيصل هذا التصوّر للشاباك فيقومون بإعداد مكان مشابه للذي شرحه صاحبنا ثم يرسلونه إلى هذا المكان.
ويطلب منه العصافير أن يخبرهم عن تنظيمه, وعن نضاله وعن عمله في الخارج وغير ذلك من الأسرار فسرعان ما يكتشف صاحبنا أن هذه هي مصيدة العصافير التي يعرفها فيقومون بإعادته إلى التحقيق ثم الشرطة ليشعر أنه فعلا تجاوز العصافير المشهورة ثمّ يقومون بنقله إلى مصيدة السجن الوهمي المعد إعداداً جيداً ثم يشعر صاحبنا أنه فعلا في السجن الحقيقي وأن مصيدة العصافير الذي كان يحذر منها أصبحت وراء ظهره.