بانتهاء الحرب العالمية الأولى، أصبح العالم العربي كله، تقريباً، باستثناء المملكة العربية السعودية واليمن، تحت الاحتلال، أو الحماية الأجنبية. طبعاً كان جزء كبير من العالم العربي محتلاً فعلاً، قبل تلك الحرب، وهو: الجزائر، وتونس، والمغرب وتحتلها فرنسا؛ موريتانيا وسبتة ومليلة، وتحتلها أسبانيا؛ وليبيا وتحتلها إيطاليا؛ ومصر والسودان وعدن تحتلها بريطانيا. وما حدث في الحرب العالمية الأولى هو أن بقية العالم العربي في المشرق، والذي ظل، إلى عام 1918، جزءاً من الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، وقع بدوره في براثن الاحتلال الغربي: الإنجليزي والفرنسي.
1. الحصاد المر
وكان ما حدث، خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، درساً، أو صفعة مدوية، للقوميين العرب. فقد ألقوا بثقلهم إلى جانب الحلفاء ضد السلطنة ـ الخلافة العثمانية، وانتصر الجانب الذي تحالفوا معه. وانتظر العرب المشارقة ثمار النصر ولكن خاب رجاؤهم، ووجدوا أنفسهم تحت وصاية، أو استعمار شركاء، أو حلفاء الأمس. لقد سميت بلادهم في وثائق الحلفاء فجأة، لا "العالم العربي" أو "البلاد العربية"، وإنما "أراضي الأعداء المحتلة" (Occupied Enemy Territories. OET)! إن ما حدث خلال، وبعد الحرب، هو كما أطلق عليه أحد الكتاب الإنجليز المنصفين: "الخدعة الكبرى" (The Great Deception) والمفارقة المأسوية هي أن تركيا التي هُزمت، في الحرب الأولى، خرجت وهي أحسن حظاً من العرب، الذين كانوا في كفة الحلفاء المنتصرين.
على أي الأحوال، باستكمال الهيمنة الغربية على شؤون المشرق، تدهورت أحلام القوميين العرب من الوحدة العربية، والاستقلال، والدستور، للأمة العربية بأسرها، إلى أحلام، ونضالات قطرية من أجل "التحرير الوطني"، أي استقلال كل قطر من نير الاحتلال الغربي الجديد الذي ابتلى به. وتحرياً للدقة، أدت ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الأولى إلى "بلقنة" وتجزئة المشرق العربي، فأصبح هناك خمسة أقطار جديدة، هي: سورية، ولبنان، وفلسطين، وشرق الأردن، والعراق. هذا إلى جانب شبه الجزيرة العربية واليمن، والمشيخيات العربية على ساحلي بحر العرب، والخليج العربي ـ الفارسي. وكانت جميعاً تحت الهيمنة البريطانية الصريحة أو الضمنية.
وقد حاولت بريطانيا أن تعوض أبناء الشريف حسين شيئاً، عن نكسها لوعودها، فعملت على تعيين أحد أبنائه وهو فيصل، ملكاً على سورية، فلما رفضت فرنسا، عينته ملكاً على العراق. واقتطعت بريطانيا أجزاء من شرق فلسطين، وجنوب سورية، وشمال شبه الجزيرة العربية، وخلقت منها كياناً سياسياً جديداً، أسمته "شرق الأردن"، وعينت أحد أبناء الشريف حسين الآخرين، وهو عبدالله، أميراً على هذا الكيان الجديد. وأصبح كل من العراق والأردن يحكمها اسمياً أسرة مالكة عربية، تحت الانتداب البريطاني. أما فلسطين، فقد وضعت مباشرة تحت الانتداب البريطاني. وعينت بريطانيا لذلك الغرض أحد اليهود البريطانيين، وهو السير هربرت صامويل، ليكون أول مندوب سامي لها في فلسطين؛ وكانت مهمته الأولى هي تنفيذ وعد بلفور، أي تسهيل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين؛ على الرغم من أنهم، طبقاً لإحصاء سلطات الانتداب نفسها عام 1920، لم يتجاوز عددهم مائة ألف، من إجمالي السكان، البالغ عددهم ثمانمائة ألف نسمة.
أمّا فرنسا، التي كانت تهيمن على أقصى الجناح الغربي، للوطن العربي، منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى، فقد أصبحت، بعد تلك الحرب، تهيمن على الجناح الشرقي لهذا الوطن، ممثلاً بسورية الكبرى. وكان من أول ما فعلته الحليفتان الاستعماريتان هو الاتفاق على فصل الجزء، الذي وعدت به بريطانيا الحركة الصهيونية والهاشميين، وهو جنوب سورية الكبرى؛ وهو الذي أصبح فيما بعد فلسطين وشرق الأردن، ولكن ما تبقى من سورية الكبرى، جزأته فرنسا، مرة أخرى، إلى أربعة كيانات، وهي لبنان، وسورية، وجبل الدروز، وجبل العلويين. وباستثناء الكيان اللبناني، فقد رفضت الكيانات الثلاثة الأخرى أن تكون بلداناً، أو أقطاراً مستقلة عن بعضها البعض. حتى الكيان اللبناني، كما حددته فرنسا، كان يضم أغلبية مسيحية، قبلت هذا الترتيب على أمل أن يكون لها الهيمنة السياسية؛ ولم تقبله الأقلية المسلمة في لبنان، عقوداً عدة؛ كما لم يقبله السوريون، إلى الوقت الحاضر (1998).
باختصار، في عشرينيات القرن التاسع عشر، كانت أقطار الوطن العربي إما مستقلة (المغرب، وشبه الجزيرة العربية، واليمن)، أو هي جميعاً أجزاء من إمبراطورية إسلامية واحدة هي الدولة العثمانية. في غضون القرن التالي، ومع عشرينيات القرن العشرين أصبحت كل بلدان الوطن العربي محتلة، وتحت هيمنة أربع دول إمبراطورية، بدلاً من واحدة. لقد تم استبدال الإمبراطورية العثمانية بكل من الإمبراطوريات البريطانية، والفرنسية، والأسبانية، والإيطالية.
وقد أخذ النضال، ضد الاستعمار الغربي، من أجل الاستقلال القطري، أو الوطني، صوراً مختلفة؛ وتحقق الاستقلال في نقاط زمنية مختلفة. فالوطن العربي يضم، في أواخر تسعينيات القرن العشرين، 22 دولة، تتمتع بالعضوية في كل من الجامعة العربية، والأمم المتحدة. اثنتان من هذه الدول لم تستعمره أبداً قوى غربية، وهما المملكة العربية السعودية، واليمن. أما البقية فقد استغرقت مسيرة الاستقلال فيها أكثر من سبعين عاماً. فبينما حصلت مصر على هذا الاستقلال، ولو اسمياً، في عام 1922، حصلت عليه جيبوتي عام 1977، وجزر القمر عام 1992؛ وما زالت فلسطين تناضل من أجل دولتها المستقلة إلى الآن.
وقد حاولت بريطانيا أن تعوض أبناء الشريف حسين شيئاً، عن نكسها لوعودها، فعملت على تعيين أحد أبنائه وهو فيصل، ملكاً على سورية، فلما رفضت فرنسا، عينته ملكاً على العراق. واقتطعت بريطانيا أجزاء من شرق فلسطين، وجنوب سورية، وشمال شبه الجزيرة العربية، وخلقت منها كياناً سياسياً جديداً، أسمته "شرق الأردن"، وعينت أحد أبناء الشريف حسين الآخرين، وهو عبدالله، أميراً على هذا الكيان الجديد. وأصبح كل من العراق والأردن يحكمها اسمياً أسرة مالكة عربية، تحت الانتداب البريطاني. أما فلسطين، فقد وضعت مباشرة تحت الانتداب البريطاني. وعينت بريطانيا لذلك الغرض أحد اليهود البريطانيين، وهو السير هربرت صامويل، ليكون أول مندوب سامي لها في فلسطين؛ وكانت مهمته الأولى هي تنفيذ وعد بلفور، أي تسهيل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين؛ على الرغم من أنهم، طبقاً لإحصاء سلطات الانتداب نفسها عام 1920، لم يتجاوز عددهم مائة ألف، من إجمالي السكان، البالغ عددهم ثمانمائة ألف نسمة.
أمّا فرنسا، التي كانت تهيمن على أقصى الجناح الغربي، للوطن العربي، منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى، فقد أصبحت، بعد تلك الحرب، تهيمن على الجناح الشرقي لهذا الوطن، ممثلاً بسورية الكبرى. وكان من أول ما فعلته الحليفتان الاستعماريتان هو الاتفاق على فصل الجزء، الذي وعدت به بريطانيا الحركة الصهيونية والهاشميين، وهو جنوب سورية الكبرى؛ وهو الذي أصبح فيما بعد فلسطين وشرق الأردن، ولكن ما تبقى من سورية الكبرى، جزأته فرنسا، مرة أخرى، إلى أربعة كيانات، وهي لبنان، وسورية، وجبل الدروز، وجبل العلويين. وباستثناء الكيان اللبناني، فقد رفضت الكيانات الثلاثة الأخرى أن تكون بلداناً، أو أقطاراً مستقلة عن بعضها البعض. حتى الكيان اللبناني، كما حددته فرنسا، كان يضم أغلبية مسيحية، قبلت هذا الترتيب على أمل أن يكون لها الهيمنة السياسية؛ ولم تقبله الأقلية المسلمة في لبنان، عقوداً عدة؛ كما لم يقبله السوريون، إلى الوقت الحاضر (1998).
باختصار، في عشرينيات القرن التاسع عشر، كانت أقطار الوطن العربي إما مستقلة (المغرب، وشبه الجزيرة العربية، واليمن)، أو هي جميعاً أجزاء من إمبراطورية إسلامية واحدة هي الدولة العثمانية. في غضون القرن التالي، ومع عشرينيات القرن العشرين أصبحت كل بلدان الوطن العربي محتلة، وتحت هيمنة أربع دول إمبراطورية، بدلاً من واحدة. لقد تم استبدال الإمبراطورية العثمانية بكل من الإمبراطوريات البريطانية، والفرنسية، والأسبانية، والإيطالية.
وقد أخذ النضال، ضد الاستعمار الغربي، من أجل الاستقلال القطري، أو الوطني، صوراً مختلفة؛ وتحقق الاستقلال في نقاط زمنية مختلفة. فالوطن العربي يضم، في أواخر تسعينيات القرن العشرين، 22 دولة، تتمتع بالعضوية في كل من الجامعة العربية، والأمم المتحدة. اثنتان من هذه الدول لم تستعمره أبداً قوى غربية، وهما المملكة العربية السعودية، واليمن. أما البقية فقد استغرقت مسيرة الاستقلال فيها أكثر من سبعين عاماً. فبينما حصلت مصر على هذا الاستقلال، ولو اسمياً، في عام 1922، حصلت عليه جيبوتي عام 1977، وجزر القمر عام 1992؛ وما زالت فلسطين تناضل من أجل دولتها المستقلة إلى الآن.