الجواب يتمثل فى ثروات أصحاب الحظوة من أمثال أحمد عز التى تجاوز رصيده أربعين مليار جنيه !
وعلى نفس الشاكلة هشام مصطفي ومحمد أبو العينين , وغيرهم من فراعنة الإقتصاد , هؤلاء الذين نهبوا البنوك والأصول والمعونات الخارجية , ودفعوا المقابل رشاوى هائلة بالملايين لكبار المسئولين , وفضائحهم فى هذا المجال معلنة وأكثر من أن تحصي ,
ويكفي حكم القضاء ببطلان عقد أرض ( مدينتى ) والتى اشتراها هشام مصطفي من الدولة بخمسين قرشا للمتر , ثم أسس المدينة السكنية بقروض البنوك وباع المتر بمئات الآلاف من الجنيهات
أى أن هشام مصطفي ـ وغيره بالعشرات ـ استثمروا أموال الدولة على أرض الدولة وخرجوا بالمليارات ليصرفوها على ملذاتهم , ولعل قضية هشام مصطفي كشفت عن الملايين التى بذلها لسوزان تميم كى يخدمها إعلاميا ,
هذا بخلاف المليارات التى يصرفها تليفزيون الدولة الرسمى على المسلسلات بأموال الشعب الذى لا يجد لقمة العيش , فإذا بخسائر التليفزيون العام الماضي فقط تبلغ 11 مليار جنيه بسبب إنتاجه لما يزيد عن ثمانين مسلسلا فى العام الماضي , معظمها فى رمضان , وكلها عبارة عن مهازل حقيقية ,
مسلسلات يتم إنتاجها من دم الشعب , ليصرفها أهل الملذات , وهى لا تخرج عن كونها مسلسلات تعرض حياة رجال الأعمال , أو مسلسلات تحكى قصص الممثلين أصحاب المسلسلات !!
ومن الفكاهيات حقيقة أن عادل إمام الذى قام بتمثيل دور البطل المصري أحمد الهوان فى مسلسل جمعة الشوان , هو واحد من أصحاب المليارات , وتقاضي أربعة ملايين دولار مؤخرا على إعلانه لشركة فودافون , أى عشرين مليون جنيه مصري على إعلان اشترط فيه عدم ذكر اسم الشركة , والحديث بعبارة واحدة فقط ,
وهذا فى مقابل عشرين مليون جنيه مصري ..
وهذا ما لم يحصل عليه بشري فى التاريخ نظير جملة واحدة يقولها بصوته فقط دون صورته ,
فيا ترى ,
هل يمكن لمحمد نصير رئيس شركة فودافون أن يدفع مثل هذا المبلغ الهائل لعادل إمام مقابل إعلان صوتى , لو أن هذا المال جاء من ربح منطقى أو حلال !
والله إن تجار المخدرات ليصعب عليهم التضحية بهذا المبلغ للإعلان عن صنف جديد من الحشيش !!
فى نفس الوقت الذى تقدم فيه أحمد الهوان ( البطل الأصلي ) بطلب للحصول على معاش دائم من الدولة , وعلاج مجانى وفشل فى ذلك , وهو الذى أعطى من التضحيات أحد عشر عاما من عمره , وهتك فيها المخابرات الإسرائيلية بما لا يستطيع جيش أن يفعله ,
وقس على هذا أبطال حرب أكتوبر , ورموز الأمة فى كافة المجالات , بعضهم يعمل فى وظائف وضيعة , وينتقل من سيئ إلى أسوأ وبعضهم انتقل إلى رحمة الله !
هذا بخلاف النهب الرسمى وعلى أوراق الدولة , من الوزراء والمسئولين الذين تصدر لهم قرارات علاج على نفقة الدولة بالملايين وكأنهم فى حاجة لهذا العلاج ؟!
وقبل شهرين , رفض أحمد نظيف رئيس الوزراء علاج الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق وعالم الحديث النبوى الشريف , وقال ( لماذا نعالجه بالخارج وهل لا يوجد علاج فى مصر ؟! )
بينما قبل هذه الواقعة بأيام كان يوافق رسميا على قرار علاج الممثل طلعت زكريا الذى قام بدور البطولة فى فيلم ( طباخ الرئيس ) لمجرد أن هذا الممثل حظى بمقابلة الرئيس مبارك
وبالطبع قامت هذه الفئة المنحرفة من الممثلين بخدمة النظام فى أزمته , فقام طلعت زكريا بالظهور مدافعا عن الرئيس , وكذلك حسن يوسف الذى صدعنا سابقا بإعلان توبته ثم جاء فى رمضان الماضي ليشارك الممثلة المنحرفة غادة عبد الرازق صاحبة أدوار الإغراء فى بطولة مسلسلها الجديد , ثم يخرج هكذا بلا حياء ليتهم المتظاهرين بأنهم ينفذون أجندات خارجية !
وكأن هؤلاء المتظاهرين هم الذين نفذوا خطط الغرب كاملة ووضعوا أنفسهم فى خدمة طواغيت الولايات المتحدة !
وقس على ذلك العديد من عواهر هذا المجال , والذين لن يجدوا لهم مكانا فى المجتمع ولا مكانا للنهب والسرقة لو سقط النظام , فالمسلسلات والأفلام التى يتم صرف ميزانية الإعلام عليها بخسائر مليارية , إنما يصرفها النظام عليهم ليكونوا فى خدمته وقت الحاجة
فنوعية هؤلاء الممثلين هى التى تحظى برعاية قادة الدولة , أما كبار العلماء ولو كانوا من أركان نظام الحكم نفسه , فهم فى غيابات الجب !!
هذا بخلاف الملايين المعدة لإعادة هدم وبناء محطات المترو , وإعادة بناء الأرصفة , وتجديد أسوار قصر القبة وغيره من المبانى , فى نفس الوقت الذين يسكن فيه أربعة ملايين مواطن فى المقابر وفى العشوائيات التى تتكون من علب صفيح تعيش فيها عائلات يتراوح عددها من خمسة إلى خمسة عشر فردا !
أما ثروات الدولة فى الداخل فهذه قصة أخرى , لا يمكن حصرها
فالغاز الذى يتدفق فى أرض مصر , وتصدره لإسرائيل وأسبانيا بسعر أقل من السعر العالمى بأضعاف مضاعفة
,ويعانى المصريون من زيادة أسعاره فى أنابيب البوتاجاز وتراجعت الحكومة مؤخرا عن قرارها برفع ثمن أسطوانة البوتاجاز من خمسة إلى خمسين جنيها !
وكل هذه المصائب , أمور معلنة , وأعلنتها المصادر الحكومية نفسها , فلنا أن نتخيل ما خفي من الكوارث ,
وبعد هذا يستنكر نظيف ( أبو مخ نضيف ) هذه المظاهرات ويتحدث الشريف عن انجازات الحكومة !!
والبرادعى الذى رشحه البعض كبديل مقبول جاء الآن لاستثمار ثورة الشباب التى لم يشارك فيها ولم يحضرها , ولولا تألقها ما فكر فى العودة السريعة إلى مصر ,
هذا فضلا على غيابه التام والكامل عن الأحداث منذ إعلانه كوجه مقبول جديد , ودائم السفر وعقد المؤتمرات فى الخارج , ويبدو أنه لا زال على ثقافة جيله المعروفة ,
وهى أن الرئيس فى مصر يجب أن يحظى بمباركة البيت الأبيض , ويخطئ البرادعى لو سار على هذا النهج , لأن الثورة القائمة لن تكون وقتية كثورة يوليو تسمح بمجئ نظام جديد يستبد كيفما شاء , بل سيظل النظام الجديد تحت عيون الشباب دائما , والدليل أن مظاهرات تونس لم تنفض بالرغم من رحيل بن على , ورغم محاولات الحكومة المؤقتة الإستجابة الكاملة للمطالب إلا أن الثورة مستمرة حتى التغيير الفورى الشامل
وقد تعرض البرادعى لانتقادات واسعة من شباب حملته أنفسهم لدرجة أن الآلاف انسحبوا من موقعه على الفيس بوك بعد قرار مشرف الموقع تجميد عضوية من ينتقده !
فتركوه بالطبع , لأنهم أصبحوا كالمستجير من الرمضاء بالنار , فهذا الذى يسمح لمشرف موقعه أن يحذف عضويات المخالفين له فى الرأى , لا شك أن سيعتقلهم حال تسلمه الرياسة !
والإخوان ,
كانوا فى البداية كالأحزاب الرسمية , ورفضوا الإنضمام للمظاهرات , وعندما تألقت المظاهرات بأيدى الشباب المستقل وجهدهم وأفزعوا النظام فعلا , لم يجدوا بدا من المشاركة والدعوة لانتفاضة الغضب من جديد !
لا سيما أن النظام المصري لم يجد حلا إلا اتهام الإخوان بأنهم وراء المظاهرات الغير مسبوقة , لكى يتسنى له مواجهة الضغوط الأمريكية
وقادة الإخوان كعادتهم ـ رغم مميزاتهم ـ يفتقرون للصدق مع أنفسهم , ولا يتفهمون رغبات شبابهم أيضا , ويجبنون كثيرا فى كل المواجهات عن الإستمرار للدرجة التى أدت بهم إلى تقبل فكرة تنكيل النظام بهم منذ عام 1952 وحتى اليوم دون حركة حقيقية لمواجهة هذا القمع والذل !.
ولو كانوا مناضلين بحق , لقاموا على الأقل باستثمار تضحيات شبابهم وشيوخهم فى المعتقلات واستمروا فى الإنتفاضة تلو الأخرى , خاصة وأنهم فقدوا المئات على مر الخمسين عاما الماضية
وسمحوا للنظام أن يستغلهم كحجة يهدد الأمريكيين بها , ودخلوا فى توازنات سياسية وصفقات متعددة , وهذه هى طبيعة الفصائل السياسية التى تهدف فى الأصل لمصلحتها , ثم لا بأس أن تفكر فى الشعب بعد ذلك
فهم يريدون استنساخ تجربة ثورة يوليو عندما تحالفوا مع عبد الناصر باتفاق أن يتولوا هم الحكم بعد أن يمهد الجيش لهم الطريق , فوقعوا فى شر أعمالهم بعد أن فتك بهم عبد الناصر عقب استخدامه لهم لتحقيق أهدافه , فمطلبهم هو السلطة كبند أول , ثم الإصلاح بعد ذلك
وهو ما نرفضه نحن جيل اليوم ,
فنحن فضلا على كوننا مستقلين عن كل هذه التيارات , فعلى قادة الإخوان أن يدركوا أننا لا ننادى بالتغيير ليأتى إلينا فرعون جديد فى زى جديد !
ولو لم يعلم الإخوان أن عليهم المشاركة كبقية الشعب دون محاولة اتخاذ المكاسب لأنفسهم , فلن يتبعهم أحد , ولابد لهم أن يسقطوا نظرية الإصلاح الإخوانى الذى يبدأ وينتهى بمكتب الإرشاد
وأحد نواب الإخوان السابقين بمجلس الشعب قام فى المظاهرات الحالية داعيا الشباب للهدوء كى يتسنى له مخاطبتهم , فقامت جموع الشباب بإنزاله واستمروا فى هتافاتهم
وهى الحقيقة التى لم يدركها محمد بديع بعد , وتسببت فى ثورة شباب الإخوان أنفسهم على مكتب الإرشاد , مما اضطرهم لمواكبة الأحداث , وبدلا من أن يستمروا فى الإعلان عن عدم مشاركتهم الرسمية فى المظاهرات , أعلنوا أنهم مع الشعب بعد أحداث 25 يناير
ولابد لهم أن يدركوا المعادلة الجديدة وهى ( المسلمون إخوان ) وليس ( الإخوان المسلمين )
فالشعب المصري بقادته الشباب لن يتبع حزبا أو تنظيما بعد ذلك , بل سيحمل اسم الشعب وفقط
والعلمانيون وكتبة النظام فى الصحف القومية وغيرها ,
لا زالوا يغنون على نفس الوتر منذ ثلاثين عاما , وهو وتر محاربة الإسلام فى كافة صوره وحصره فى مفهوم الإرهاب , وهو ما يحقق لهم بالطبع البدلات والإمتيازات كلما رفعوا ألسنتهم بالتطاول على الإسلام وتراثه ,
وبالطبع حرضتهم الأنظمة على المزيد بزعم محاربة العنف , ولسنا ندرى أين هى علاقة العنف بالإسلام , وهؤلاء الذين تستروا بالإسلام للترويع , إن هم إلا عملاء أمثالكم
وهل ترويجكم لنفس أفكار الغرب يا ترى هو من قبيل الصدفة !
لقد كشفت الوثائق والأحداث الأخيرة كيف الرئيس التونسي زين العابدين بن علىّ قد نفذ توصيات فرنسا والولايات المتحدة حرفيا , فأغلق المساجد ووضع عليها بوابات تنظم الدخول والخروج ! , ومنع الحجاب للنساء رسميا واعتقل النساء المخالفات ! ومنع تعدد الزوجات وأباح المحرمات , وكل هذا بشكل علنى مفضوح ثم تستر تحت زعم محاربة التطرف الدينى !
وهذا ما حدث فى مصر ولكن بدرجة أقل نظرا لأن النظام لم يجرؤ على الحرب العلنية فى هذا المجال , وإن كان فعلها فى التعليم بشكل مستتر , والإعلام بشكل تدريجى
وبسبب مسلسلات وأفلام الداعرين من محترفي التمثيل أصبحت كل لحية عنوانا للإرهاب , وكل من يصلي متطرفا , وأصبح كتاب الله والسنة مصادر للثقافة ـ كما تقول الكتب المدرسية ـ وليست مصادر للتشريع , ووضع النظام على رأس وزارة الثقافة شخصا مختلا منذ عشرين عاما فتح أجهزة وزارته للقبح والدعارة بأقبح صورها للتعدى على كل الثوابت تحت زعم الفكر والتنوير
وهؤلاء يظنون أن لهم شعبية , وأثبت الشباب أنهم مسلمون وفقط , ينتمون للإسلام قلبا وقالبا ويتفهمون أن فى أوطانهم شركاء من المسيحية بمفهوم بسيط بعيدا عن الفتن التى خلقتها أقلام تجار الصحف وليس الشعوب ,
وقد شاهد الملايين على الفضائيات كيف اصطف آلاف المتظاهرين الشباب فى صفوف طويلة يؤدون الصلاة ويعلو هتافهم بالتكبير ,
والذين يقومون بحراستهم أثناء الصلاة شباب مسيحى , وكان الشباب المسلمون والمسيحيون هم من تولوا حراسة الكنائس عندما حدثت حالة الفراغ الأمنى من يوم جمعة الغضب ,
ولم يحدث أى اعتداء على أى كنيسة طيلة فترة الإنفلات الأمنى المدبر , وهو ما يدفعنا لمعرفة من هى الجهة الحقيقية التى تريد بث الفتنة بين المسلمين والمسيحيين , ومن هى الجهة التى تكتسب الغرب إلى صفها عندما تزعم حماية المسيحيين !
ولا شك أن مناظر الجموع التى تؤدى الصلاة فى جماعة فى الأوقات المختلفة أصاب النظام والغرب حتما بضغط الدم ,
فبعد أكثر من خمسين عاما من الحرب على الإسلام , عسكريا وسياسيا واقتصاديا وإعلاميا , ورغم التضييق المذهل على الدين , ورغم فتح أبواب الفساد أمام الشباب بأعتى الصور, فوجئت الأنظمة بعكس المتوقع , وإذا بلا إله إلا الله قابعة فى القلوب
ولا زال رموز العلمانية مثل عادل حمودة وعماد الدين أديب , بمارسون نفس الدور القميئ فى محاربة الإخوان المسلمين , ولهذا غنوا على نفس الوتر باتهام الإخوان بأنهم وراء المظاهرات ,
دون أن يجيبوا على سؤال منطقي واحد ..
وهو كيف يسكت الإخوان فلا يستغلون هذه القدرة طيلة السنوات السابقة وهم يتعرضون لأبشع أنواع التنكيل , ولو كان الإخوان يملكون تحريك هذه الملايين لما عجزوا عن ذلك فى الإنتخابات السابقة !
وسبب اتجاه العلمانيين لمحاربة الثورة معروف , وهو غيظهم الشديد من المشاهد التى نقلتها وسائل الإعلام لمئات الألوف من المتظاهرين وهم يصطفون لأداء الصلاة فى الميادين فى كل وقت !