في ظلال الهجرة النبوية الشريفة/عن مقالة لمحمد يوسف عدس

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,779
التفاعل
17,897 114 0
في ظلال الهجرة النبوية الشريفة

مقتطعة بتصرف من مقالة بعنوان كيف ودّعنا العام الهجري

محمد يوسف عدس

لم تكن الهجرة من مكة إلى المدينة.. فرارا من جحيم الاضطهاد والمؤامرات على الدين الغض الوليد إلى حياة الدعة والسلامة.. أو الاستسلام، وإنما كانت الهجرة لمواصلة المقاومة والجهاد من موقع أكثر صلابة وأكثر فاعلية.. وفى إطار ظروف مواتية.. باكتساب أنصار جدد لتدعيم الدعوة.. ولخلق ظروف تفرضها المجموعة المؤمنة المهاجرة ولا تُفرض عليها.. من جانب الأعداء..

كانت الهجرة النبوة العظيمة اختبارا للفئة المؤمنة التى خرجت من مكة مخلّفة وراءها كل ماتملك من أموال وديار وأهل.. ضحّت بكل شيء..
وكان اختبارا لإخوانهم من الأنصار فى المدينة الذين استقبلوهم مرحبين ونزلوا لهم عن ممتلكاتهم وأموالهم وهى عزيزة عليهم .. حتى وصفهم القرآن بأنهم: يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. هذه التضحيات الكبيرة وهذا التجرد لله ولرسالة الإسلام كان هو البوتقة التى محّص الله فيها عباده المؤمنين .. واختبر صلاحيتهم للمهة الخطيرة التى وضعها على عاتقهم : إنقاذ البشرية التى وصلت فى عهدهم إلى حضيض الجهل والتخبط والضلال.. والظلم الذى ساد بلاد العالم من حولهم..

دعنا نتأمل فى هذه الواقعة التاريخية الفريدة، مع المفكر الإسلاميّ العظيم على عزت بيجوفيتش، الذى نجد له دائما إسهامات فى كلّ موقف إسلامي.. إسهامات تتسم بالإبداع والإخلاص وقوة المنطق ونفاذ البصيرة .. يقول مفسرا هذه الواقعة التاريخية الهامة:
"عندما نتأمل ابتلاء ومحن الجيل المسلم الأول ، و كانت الهجرة واحدة من تلك المحن ، ونسأل : ما السر في ابتلاء الله لهذه العصبة من المؤمنين ..؟؟ وقد تحملوا قبلها صنوفاً من الأذى والبلاء .. خُتمت بثلاث سنوات كاملة من الحصار والمقاطعة والجوع فى وطنهم مكة ، ثم أُجبروا أخيراً علي ترك ديارهم وأموالهم ..!

إن الله ، عز وجل ، وهو العزيز القادر ، كان يستطيع بكلمة واحدة أن يهلك المشركين ويدمّرهم .. أو يزيل جميع العوائق من طريق هذه العصبة المؤمنة، التي كانت تسبّح باسمه وتقدّسه بكل هذا الإخلاص والحب العظيمين ..!؟ ولكن الله لم يشأ أن يقضي بذلك ، بل ابتلي هذه الجماعة الصغيرة بكل هذه المحن القاسية .. لماذا..؟

يقول يجوفيتش ردّا على سؤاله: " يبدو أنّنا لا نملك إلا تفسيراً واحداً وهو أن الله ، وهو رحيم وقادر ، أراد التمييز بين الصادقين وغيرهم ، بين المخلصين والمنافقين ، بين الثابتين والمتذبذبين .. وذلك لأن الوضع العالمي العام كان يتطلب تطهير العالم وتغييره وإعادة تنظيمه علي أسس جديدة . لقد وصلت الإنسانية وحضارتها فى ذلك الوقت إلي أقصي نقطة من الانحراف والتّردّى ، وكان لابد من مرور المحراث الحديدي ليطهّر كل هذا العفن ويزيل المستنقعات وينظّف التربة لتنبت بذور حضارة جديدة في أرض صالحة ... فمن كان يقدر علي حمل عبْء هذه الرسالة ..؟ لم يكن ذلك في مقدور أي جيل عادي، بل كان لابد من جيل يستحق شرف هذه الرسالة .. وقد اختار الله لذلك الشرف جيل الهجرة دون سواهم .. إنهم أكدوا استحقاق ذلك الشرف التاريخي الفريد بإخلاصهم لدينهم واستعدادهم للتضحية.. ولا يتسع المجال هنا لذكر كل التحولات العظيمة التي حدثت بعد ذلك علي مسرح التاريخ في العالم وقتئئذ : فقد انهارت إلى الأبد أكبر دولتين عُظمتين فى العالم ، ونشأت مدن جديدة ، واجتاحت العالم نهضة أخلاقية هائلة ، واكتشف الإنسان مجالات جديدة في العلم والمعرفة والحرية الإنسانية.. وبإيجاز شديد نشأت حضارة جديدة .. وأشرقت على الدنيا شمس جديدة .. حضارة الإسلام وشمس الإسلام ..."

وما أشبه اليوم من كل وجه بذلك الأمس البعيد...


عن موقع التاريخ
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى