حدائق الايمان فى حرب رمضان

رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

ولكن لماذا تم اعتبار الثغرة معركة تليفزيونية مظهرية فى نظر الخبراء العسكريين ,
رغم أن الثغرة ـ كخطة ـ تعتبر إحدى الخطط البارعة التي كان بإمكانها لو نجحت أن تغير موازين القتال
إجابة هذا السؤال هى المدخل لفهم موضوع الثغرة من خلال فهم طبيعة التفكير الإسرائيلي الذى خبرته مصر بعد أن عركتها التجربة وأدركت أبعاده ولهذا لم تفلح معها إسرائيل فى هذه المرة ,
فالإستراتيجية الإسرائيلية تعتمد اعتمادا مطلقا فى تأمين نفسها على عناصر معينة لا يمكن أن تغيرها ,
أولها : الإعتماد على الحرب الخاطفة التى لا تكلف جهدا أو ضحايا بطريقة الصدمة المربكة للخصم
ثانيها : استخدام الإعلام استخداما أسطوريا كسلاح فى حرب نفسية تحقق لها من الأهداف ما تعجز عنه القوة العسكرية بحيث يجنح للإستسلام ولا يكلف الجيش الإسرائيلي عائقا بالمقاومة

وقد طبقت هذا الأمر بنجاح فى حرب يونيو عندما نفذت ضربة الطيران فأفقدت القيادات المهتزة اتزانها وصدر قرار الإنسحاب الغريب الذى فتح سيناء بكل سهولة أمام العدو وبلا معارك ,
وعندما فوجئ العدو بحرب أكتوبر اعتمد نفس الإستراتيجية كحل أخير ينقذ الوضع ويرد مصر عن كل مكاسبها وهو حل توجيه ضربة إعلامية فى المقام الأول تسبب إرتباكا وقلقا وحيرة يدفع مصر للتخلى طواعية عن مكاسبها ,
وكانت الفكرة من تجهيز وإعداد الجنرال إريل شارون وتتلخص فى أن تقوم قوة إسرائيلية بعبور الضفة الغربية لقناة السويس بحيث تقبع فى مؤخرة الجيوش الميدانية حيث لا توجد قوات مقاتلة بالطبع ,
وتقوم القوة الإسرائيلية ـ حسب إمكانياتها ـ باحتلال السويس أو الإسماعيلية أو المدينتين معا نظرا لشهرتهما العالمية الواسعة بسبب قناة السويس التى ارتبط اسمها بالسويس المدينة , والإسماعيلية باعتبار أنها مقر شركة قناة السويس وكلتا المدينتين معروفتين للعالم أجمع منذ حرب العدوان الثلاثي المعروفة باسم ( حرب السويس )
فإذا سقطت السويس والإسماعيلية بما لهما من الشهرة الواسعة سيكون لهذا النصر دوى فى العالم يمحو بعضا من العار الإسرائيلي , لا سيما إن تم التخطيط له بإتقان بحيث يتم فرض وقف إطلاق النار بعده مباشرة قبل أن تأتى الفرصة لمصر لترد الهجوم ,
وبالتالى عندما يجلس الإسرائيليون للمفاوضات فى فض الإشتباك بعد وقف إطلاق النار سيكون التفاوض من موقف قوة حيث يقبع الإسرائيليون باحتلال أهم مدينتين فى القناة
هذا فضلا على تهديد مؤخرات الجيوش الميدانية والتسبب فى إرتباكها , فتكون القوات المصرية مضطرة إلى أن تقبل بهذا الوضع دون مقاومة ـ لعدم وجود احتياطى فى الخلف ـ أو أنها تقوم بسحب قواتها من الشرق للغرب بهدف مقاومة الإختراق وهذا يحقق للإسرائيليين ما يتمنونه وهو تخلى مصر عن مكاسبها على الأرض قبل وقف إطلاق النار

وألح شارون فى عرض خطته منذ الثامن من أكتوبر ,
واجتمع مجلس الأركان لدراسة الموقف ودراسة نقاط الإختراق واختاروا بين الثلاث نقاط المرشحة منطقة الدفرسوار بالذات لكونها المفصل بين قوات الجيش الثانى والجيش الثالث ,
ولكى نعرف ما هو مفهوم الثغرة عسكريا ,
نتعرف أولا إلى تقسيم الجيوش فى المفاهيم العسكرية , بشكل مبسط
فالقوات المسلحة تتكون من وحدات صغري تكبر شيئا فشيئا إلى أن تكّون جيشا أو جيشين أو ثلاث حسب إمكانية الدولة
ومفهوم كلمة جيش فى العلم العسكري ليس معناها كما هى عند العامة حيث يعتبر هذا المفهوم مقصودا به القوات المسلحة فى مجموعها , فجيش الدولة هو قواتها المسلحة
أما كلمة الجيش فى العلم العسكري فهى أكبر التصنيفات التى تتكون منها القوات المسلحة لأى دولة , أى أن مفهوم القوات المسلحة مفهوم عام يضم تحته مفهوم الجيش
فتقسيم القوات يبدأ وينتهى كالتالى :
الفصيلة : وهى مجموعة صغيرة من الأفراد يقودهم ضابط صغير الرتبة كالملازم والملازم أول وهما أول سلم الرتب العسكرية
السرية : وهى مجموعة أكبر وحدتها الفصيلة فالسرية تتكون من مجموعة فصائل وقوادها بين رتبة النقيب والرائد
الكتيبة : وهى الوحدة الأعلى حيث تتكون من مجموعة كتائب ويكون قائدها غالبا فى رتبة المقدم
اللواء : وهو أول التقسيمات الكبري حيث يتكون من مجموعة كتائب وقائد اللواء غالبا يكون فى رتبة العقيد , والألوية هى الوحدات التى تعتبر صراعاتها مع العدو معركة من معارك الحرب
فالحرب فى العلم العسكري مجموعة معارك , والمعركة الواحدة يتم إطلاقها على الصراع الذى يتقاتل فيه من الجانبين مجموعة تكون على الأقل بحجم لواء فما أعلى , فأى اشتباك يتم بين لواءين أو أكثر هو معركة كاملة من معارك الحرب
الفرقة : وتتكون من مجموعة ألوية وقائدها يكون فى رتبة العميد
الجيش : ويتكون من فرقتين أو أكثر حيث تكوّن الفرق فى الميدان جيوشا ميدانية يتولى قيادتها من هم فى رتبة اللواء فأعلى وهى واحدة من الرتب القيادية الكبري فى الجيوش ,
ولا يعلوها إلا ثلاث رتب وهى الفريق والفريق أول ثم أخيرا رتبة المشير ( الماريشال ) وهى أعلى درجات السلم العسكري ولا يجوز منحها إلا لمن تقدم بإضافة جديدة غير مسبوقة في العلوم العسكرية أو التطبيقات الميدانية
وليس متصورا أن يكون في القوات المسلحة لأى دولة أكثر من شخص واحد في تلك الرتبة الحساسة وقد لا يوجد أصلا من يحملها حيث يكون الفريق أول رتبة من رتب وزارة الدفاع لأى دولة عادية ,
أما في الدول العظمى فالأمر يختلف قليلا نظرا لحجم الجيوش فيجوز أن يتوافر في رتبة الماريشال أكثر من شخص وقد كان في الإتحاد السوفياتى السابق بعد الحرب العالمية الثانية 12 ماريشالا حازوا هذه الرتبة بعد نصرهم في أكثر من ثلاث معارك ميدانية كبري في ميدان القتال
وأشهر من حمل رتبة الماريشال عالميا هو الماريشال أدوين روميل قائد الفيلق الألمانى والماريشال مونتجمرى قائد القوات البريطانية الذى تمكن من رد هجوم قوات روميل قبل استيلائها على العلمين
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

أما في الدول العادية لا سيما بمنطقة الشرق الأوسط فهذه الرتب تكون غالبا رتبا سياسية وهى أحد أوجه السلب الكبري في الواقع , فالمشير عبد الحكيم عامر عندما تولى قيادة القوات المسلحة تمت ترقيته من رتبة الرائد إلى رتبة اللواء دفعة واحدة ثم تمت ترقيته لرتبة المشير دون أن يضيف لثقافته العسكرية شيئا يذكر عن معارفه في رتبة الرائد !!
واختلف الأمر في حرب أكتوبر بالطبع حيث تمت إعادة تنظيم الجيش المصري وأصبحت قيادته عسكرية محترفة على أعلى المستويات العلمية ,

وكان المشير أحمد إسماعيل هو أول ضابط مصري يحمل هذه الرتبة عن استحقاق وجدارة بعد معارك حرب أكتوبر التي لم تكتف بالإضافة إلى العلوم العسكرية بل غيرت مفاهيم العلوم العسكرية أصلا وألغت نظريات عريقة في قتال المدرعات سادت وانتشرت بعد الحرب العالمية الثانية

وبالإضافة إلى التقسيمات النوعية السابقة للقوات المسلحة توجد فى القوات المسلحة مجموعات مستقلة ,
وهى المجموعات التى يتم تشكليها بحيث لا تتبع فرقة معينة , مثل اللواءات المستقلة والفرق المستقلة فى بعض الدول
وهذه اللواءات لا تتبع قيادة أى جيش ميدانى بل تتبع القيادة العامة وهى التى تخصص لها المهام
والدولة من الممكن أن يكون لها جيش واحد فقط أى فرقتان أو ثلاث , حسب إمكانياتها , ومن الممكن أن يرتفع عدد الجيوش حسب قدرة الدولة ,
ولهذا فالدول العظمى لها ست جيوش أو أكثر تصاحبها مجموعة من الأساطيل التى تعجز الدول الصغري عن مضاهاتها ,
وأرقام الجيوش الميدانية تبدأ من رقم 2 , ولا يوجد جيش رقم 1 لأن الجيش الأول له اصطلاح آخر وهو المنطقة المركزية التى تضم قوات احتياط القيادة العامة ومركزها العاصمة

أيضا هناك ملاحظة هامة ,
وهى أن الجيوش المكونة من فرق إنما تنطبق على قوات المشاة والمدرعات فقط أى القوات البرية التى تسمى سادة المعارك , أما الأسلحة الأخرى فتقع خارج نطاق قيادة الجيوش الميدانية ويكون لها قيادات مستقلة تتبع القيادة العامة وهيئة الأركان فى القوات المسلحة ,
وهذه الأسلحة هى القوات الجوية والبحرية وقوات الصاعقة والمظلات وسلاح المخابرات الحربية والإستطلاع وسلاح حرس الحدود والمدفعية والدفاع الجوى
فهذه الأسلحة تعمل كجيوش مستقلة تتلقي أوامرها من القيادة العامة للقيام بمهام منفصلة عن مهمة الجيوش الميدانية أو تتدخل لمعاونة الجيوش بناء على طلب قادتها من القيادة العامة

وبالنسبة للجيش المصري أثناء حرب أكتوبر
فيتكون من المنطقة المركزية فى القاهرة بقيادة اللواء عبد المنعم خليل وجيشين ميدانيين هما الجيش الثانى الميدانى ومقره السويس والجيش الثالث ومقره الإسماعيلية ,
وكان الجيشان فى حرب أكتوبر تحت قيادة اللواء عبد المنعم واصل واللواء سعد مأمون وقوامهما خمس فرق مشاة بتعداد حوالى مائة ألف جندى وفرقتان مشاة ميكانيكية وفرقتان مدرعتان احتياطى للقيادة العامة بالإضافة إلى ألوية الحرس الجمهورى التي عملت أيضا كاحتياطى وتم التخطيط لتدخلها في الثغرة
وقد عبرت هذه القوات للضفة الشرقية أثناء الحرب , بينما عبرت الفرقتان الإحتياطى أثناء تطوير الهجوم ,
وباقي تشكيل القوات المسلحة فى حرب أكتوبر كان يتكون من وزير الدفاع أحمد إسماعيل ورئيس الأركان سعد الدين الشاذلى ورئيس هيئة العمليات محمد عبد الغنى الجمسي وقائد القوات الجوية حسنى مبارك وقائد البحرية فؤاد أبو ذكرى وقائد الدفاع الجوى محمد على فهمى وقائد المخابرات الحربية فؤاد نصار ومدير سلاح المدفعية اللواء محمد سعيد الماحى والعميد نبيل شكرى قائد قوات الصاعقة والعميد محمود عبد الله قائد المظلات واللواء كمال حسن على مدير سلاح المدفعية

ومن مبادئ العلم العسكري أن أضعف النقاط التى من الممكن أن يخترقها العدو أثناء القتال فى أى معركة هى نقاط الفصل بين الوحدات المختلفة ,
فكل وحدة من وحدات الجيوش تجاورها وحدة مماثلة , وتتوزع مسئولية المناطق بينهما , ومن هنا فإن أضعف نقطة ليس عليها التركيز هى النقطة التى تفصل بين لواء ولواء آخر أو بين فرقة وأخرى أو بين جيش وآخر ,
وكانت نقطة الفصل بين الجيشين المصريين تقع فى منطقة الدفرسوار وهى منطقة ضيقة لا تقع تحت مسئولية أى جيش من الجيشين بل هى فراغ جزئي طبيعى بين قوات الجيشين ,
ومن عوامل التفوق فى أى قيادة عسكرية أن تسد ثغرات الإختراق المتوقعة للعدو أثناء الإشتباك لكونها نقاط تفوق يستطيع العدو من خلالها النفاذ والقيام بحركة إلتفاف وتطويق قوات الخصم من الخلف حيث تقع أضعف المراكز وهى الخطوط الخلفية التى لا تقاتل وتقع بها الوحدات الإدارية والطبية ومراكز القيادة


 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وكان من عوامل تفوق التخطيط المصري فى حرب أكتوبر أنه توقع خطط العدو للقيام بهذا الإختراق ,
ولم يكتف بتوقع الفعل وإنما قامت هيئة العمليات بدراسة مواقع الإختراق المتوقعة وتخير نقطة الدفرسوار تحديدا كنقطة وحيدة للنجاح ,
ولا شك أن الخبرة التى وقفت خلف هذا الإختيار تستحق الإشادة فى ظل ضعف الإمكانيات التى كانت تعمل بها القوات المسلحة ,
واتخذت القيادة المصرية التدابير لمنع العدو من هذه المحاولة وكانت التدابير حاسمة تمثلت فى وضع فرقتين مدرعتين كاملتين هما الفرقة 2 المدرعة والفرقة 21 المدرعة خلف الجيشين ,
ولا شك أن وضع فرقتين مدرعتين بحجمهما الهائل وتسليحهما الهائل ( الفرقة المدرعة تختلف عن فرقة المشاة لأن تسليحها الرئيسي هو الدبابات ) كان يقضي على أدنى أمل فى تنفيذ محاولة الإختراق , ولهذا فقد قوبل اقتراح شارون بالرفض القاطع نظرا لعدم خلو موضع الثغرة وصعوبة النجاح فى النقاط المقترحة الأخرى ,
ولكن تخلت القيادة المصرية عن حرصها عندما اتخذت قرار تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر ,
ونظرا لأن التطوير سيتم فى ظل تفوق جوى للعدو وبلا غطاء من حائط الصواريخ فقد استلزم الأمر معاونة ضرورية من المدرعات وتمثلت هذه المعاونة فى دفع الفرقتين 2 , 21 المدرعتين إلى الشرق وتخليهما عن مكانهما لمشاركة قوات الهجوم ,


والتقطت الأقمار الصناعية الأمريكية تحرك الفرقتين ,
وفورا بلغ النبأ للقيادة الإسرائيلية لتعود خطة شارون إلى المائدة مرة أخرى ويتم اتخاذ التدابير لاستثمار هذه الفرصة التى فتحت الطريق أمام المحاولة ,
وهى أول مرة تتخلى فيها القيادة المصرية عن حصافتها وبراعتها , وعن هدوئها الذى استفز العدو استفزازا مميتا كونها قابلت الهجمات المضادة بأعصاب هادئة وتنفيذ تكتيكى لا مزيد عليه , فإذا بها تستجيب لضغط قرار التطوير الذى طلبته القيادة السورية , تحت الضرورة الملحة وفى عجلة لم تكن على مستوى التخطيط المبدئي الفذ
ولم يكن متوقعا من التطوير أن يحقق أهدافه إلا فى جذب الجهد الجوى الذى كلف القوات المصرية خسائرها فى الدبابات فضلا على انفراد الجبهة المصرية بمواجهة الأسلحة الأمريكية الجديدة والتى لم تحتاجها إسرائيل فى الجبهة السورية بعد أن استغل الطيران الإسرائيلي اندفاع القوات السورية خارج مظلتها الدفاعية ليتمكن من استخدام الطيران المتفوق ضد المدرعات بشكل بالغ التأثير , رغم أنه تكبد خسائر فادحة في مواجهة البطولات السورية الخارقة
ولكن قَـبـِل العدو التضحيات بالطائرات والمدرعات في سبيل رد الهجوم السورى لخطورته على المستوطنات حيث تشرف الجولان على مستوطنات العدو مما جعل الجيش السورى يهدد العمق السكانى للعدو مباشرة ,
لهذا ركز العدو في هجماته المضادة باستخدام الطيران والمدرعات وأصبحت المعركة سجالا بينه وبين القوات السورية وتكبد الطرفان خسائر مروعة في عدد من أعنف معارك القرن العشرين , وكان نجاح القوات الإسرائيلية الجزئي على جبهة الجولان في هجماتها المضادة معتمدا باستمرار على التفوق الجوى وخروج السوريين من نطاق حائط الصواريخ
وهو الأمر الذى لم يتكرر مع الجبهة المصرية إلى الحد الذى دفع ديفيد إليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي إلى التعبير عن ذلك بقوله :
( قد اتضح لنا أن مصر برغم القتال الشرس والضاري والشديد تسير فى هدوء عجيب فى تنفيذ خطتها ... فعلى الرغم من الكثافة الكبيرة لمعداتها وأسلحتها الثقيلة وعلى الرغم من وجود 60000 جندي عبروا إلى الضفة الشرقية للقناة فإنها لا تحرك قواتها شبرا واحدا .. إلا بعد أن تحقق قواتها تمركز مضمون أو ما نسميه نحن فى العسكرية تمركز جزري أي أنها قبل أن تحرك أسلحتها الثقيلة شبرا واحدا تضمن لها أيضا تغطية جوية وحماية كبيرة .
إذا ما معني كل هذا ؟ إن له معني واحدا أن مصر لاتتحرك عشوائيا كما كان الحال فى الحروب السابقة ...
ولا تتقدم لمجرد أن الطريق أمامها مفتوح للتقدم !!! إنها أولا تقدم صواريخ ارض جو لضمان الحماية الجوية .... ثم تزيد من تعميق وتحصين رؤوس الكباري ثم تقدم بقية الأسلحة الأخري ..) انتهى كلام إليعازر
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

بداية الثغرة وتطورها :[1]
بعد المعارضة الشديدة التي كانت تلقاها خطة الثغرة من القيادات الإسرائيلية مثل ديان نفسه ونائب رئيس الأركان إسرائيل تال اتخذ مجلس الوزراء الإسرائيلي قراره بالتنفيذ على تردد ,
وكانت الخطة المعدة للتنفيذ كالتالى ,
* فرقة الجنرال شارون والتى يطلق عليها اسم المجموعة 139 المدرعة وتتكون من ثلاثة ألوية مدرعة ومهمتها إنشاء رأس كوبري في منطقة الدفرسوار ليلة 15 /16 أكتوبر وجسرين للعبور أحدهما من الكباري السابقة التجهيز والآخر يتكون من المعديات المتلاحمة على أن يكون أحدهما على الأقل جاهزا للإستخدام صباح 16 أكتوبر ,
والمهمة الثانية هى تأمين قوات العبور من الجانب الأيمن حيث أن الجانب الأيسر مؤمن بمياه البحيرات المرة أما مهمة التأمين غرب القناة فقد تم إسنادها إلى لواء مظلات معزز بكتيبة دبابات
* فرقة الجنرال إبراهام أدان وهى المجموعة رقم 162 المدرعة ومهمتها تدمير القوات المصرية بين ترعة الإسماعيلية وقناة السوس شرقا وتدمير كتائب الصواريخ المصرية لإتاحة الفرصة أمام الطيران الإسرائيلي للتدخل بحرية في العمليات ثم حصار وعزل الجيش الثالث المصري من الخلف وتدميره وإبادته
* فرقة الجنرال كلمان ماجن وهى مجموعة العمليات رقم 252 وكانت مهمتها التعضيد والحماية للفرقتين السابقتين ,

وبمجرد نجاح العمليات الأولى يتم اختراق مدينتى الإسماعيلية والسويس واحتلالهما والسيطرة على مؤخرة الجيش الثالث وإبادته وبهذا يتمكن الإسرائيليون من قلب المعركة لصالحهم في الأيام الأخيرة ,

غير أن التخطيط على الورق لم يكن بنفس السهولة واليسر الذى توقعه الإسرائيليون فقد تعثرت مراحل تنفيذ الخطة من البداية واختلت التوقيتات المحددة لكل فرقة وبدلا من أن تواجه مقاومة ضعيفة ـ كما كانوا يتصورون ـ واجهوا مقاومة شرسة عنيدة وخسائر كبيرة دعتهم للتفكير في مساء 16 أكتوبر لإلغاء العملية برمتها وإصدار الأوامر لقوات المظلات التي عبرت للضفة الغربية أن تخلى مواقعها وتنسحب لشرق القناة مرة أخرى
فقد انعزلت هذه القوة كجيب محاصر حتى مساء 16 أكتوبر ولم تقم فرقة شارون بمهمتها في إنشاء رأس الكوبري وإنشاء الجسور في صباح ذلك اليوم كما كان مخططا ولا حتى بعد مرور 24 ساعة من الموعد مما جعل قوات المظلات الإسرائيلية رهن الكشف في أية لحظة ,
وما يهمنا في تلك النقطة أن نلفت النظر إلى نظرة القيادة الإسرائيلية لعملية الثغرة على أنها باب للدعاية والتأثير النفسي , فقد كانت الفرق الإسرائيلية الثلاث يوم 16 أكتوبر لم تنجح في إبرار أية قوة مدرعة شرق القناة كما كان مخططا ولم تفلح أيضا في إقامة أى جسر للعبور فضلا على أن لواء المظلات الإسرائيلي العابر كان مختبئا بين الأشجار والمزروعات لحين إتمام عملية العبور المتوقعة ,
ورغم ذلك فإن جولدا مائير في خطابها مساء يوم 16 أكتوبر أعلنت أن لها قوات تقاتل بشجاعة على الضفة الغربية للقناة ! وهذا في محاولة منها لإبطال تأثير خطاب الرئيس السادات التي أذيع في نفس اليوم سابقا على خطاب جولدا مائير ولم يكن هناك أثر واقعى لما أعلنته أو تاجرت به , في أول ظهور إعلامى لها منذ بدء الحرب
بل ساهم خطابها في انتباه القيادة المصرية بشكل نسبي إلى محاولة الإختراق وإن لم تستوعب القيادة المصرية أبعاد العملية برمتها وأنها عملية إختراق واسعة النطاق وظنت أنها عملية تخريب تقوم بها مجموعة صغيرة , وهو ما تسبب في تأخير تصرفها بشأنها إلى يوم 18 أكتوبر حيث أدركت أبعادها كاملة

أما ظروف عبور لواء المظلات الإسرائيلي المعاون بكتيبة دبابات فقد خرج بقيادة دانى مات التابع لفرقة شارون لاختيار الموقع الأول للعبور في منطقة تم انتخابها على اعتبار خلوها من القوات المصرية ,
وأرسل قائد اللواء سرية دبابات لتكون بمثابة حاجز أمام أى تدخل للقوات المصرية من الشمال والشرق , ولكن هذه القوة دخلت في فخ محكم أعدته قوة تابعة للواء المصري 16 مشاة وتم إبادتها بالكامل ,
ووصل بقية اللواء المدرع الإسرائيلي إلى منطقتى الإنزال المنتخبتين وفوجئ اللواء بأن إحدى النقاط طينية لزجة مما أعاق استخدامها فاقتصر العبور على نقطة واحدة فقط ,
وقبل عملية الإنزال مباشرة أمر قائد اللواء بفتح المدفعية على المنطقة المنتخبة في الضفة الغربية لتطهيرها من أى قوة مصرية قد توجد بها , وصبت المدفعية الإسرائيلية 70 طنا من المتفجرات والقنابل كلها ذهبت هباء لخلو الموقع من أى قوة مصرية !
ووصل اللواء أخيرا إلى الضفة الغربية في منطقة خالية من القوات المصرية وعلى الفور بدأت وحدات اللواء في تنظيف المنطقة وتعرض بعض أفراد القوات المصرية المتحركين على أبعاد مختلفة لنيران غير متوقعة لهم من هذا اللواء نظرا لأن العبور الإسرائيلي كان حتى هذه اللحظة غير معلوم بالنسبة للقيادة المصرية ,
وبدأ الإعداد صباح 16 أكتوبر للعبور المنتظر للمدرعات ووصلت معدات العبور للمنطقة ,
وأصبح للإسرائيليين قوة لواء مظلات على الضفة الغربية مدعم بقوة 30 دبابة ولكن بدون أى اتصال بينها وبينها قيادتها في الشرق ولم يتم حتى تلك اللحظة تأمين رأس الكوبري على الضفة الشرقية أو إنشاء أى جسر مما جعل قوة المظلات معزولة عن قيادتها ومعرضة للكشف المبكر وهنا كادت عملية العبور تفشل نظرا لتأخر معدات العبور وتجاوز المدة الزمنية المقررة لعبور فرق المدرعات ,

وكانت المنطقة المختارة للإنزال غرب القناة هى منطقة حصن مستميد الذى كان أحد النقط الحصينة لخط بارليف ووقع في يد القوات المصرية ,
وكان هذا الموقع خاليا بعد تطهيره ولم تضع فيه القوات المصرية أى نوع من الحماية وتركته خاليا مما جعله نقطة اختيار مثلي للتحرك الإسرائيلي ,
ولكى تصرف القيادة الإسرائيلية أنظار المصريين عما يجرى غرب القناة قامت القوات الإسرائيلية بهجوم مركز عن طريق الغارات الجوية المكثفة على رءوس كباري الجيش الثانى الميدانى بالإضافة للهجوم المدرع على الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 مدرعة
حتى يعتقد المصريون أن الهدف الرئيسي للهجوم الإسرائيلي هو طى جناح الجيش الثانى المصري ,
ونجحت خطة الخداع لمدة 24 ساعة وتمكن الإسرائيليون من السيطرة على نقطة الإنزال في حصن مستميد السابق ذكره وكذلك حصن تل سلام وكلاهما كان قد سقط في يد الجيش المصري في بداية الحرب وغفلت القيادة المصرية عن وضع مراقبة في هذه الحصون أو حتى القيام بتدميرها ,
وعلى إثر النجاح الإسرائيلي في الإستيلاء على الحصنين سادت بعض أجواء التفاؤل في القيادة الإسرائيلية كما كان لتقدم أحد الألوية المدرعة بقيادة آمنون دون مواجهة مقاومة تذكر أثر في زيادة مساحة هذا التفاؤل ,
وتقدم لواء آمنون أكثر وأرسل كتيبتى دبابات في طلائعه لكنها واجهت مقاومة عنيفة ونيران مكثفة عند منطقة تقاطع الطرق التي دارت فيها معركة مدرعة عرفت بنفس الإسم ( تقاطع الطرق ) عندما فتحت قوات اللواء 16 مشاة نيرانها على الكتيبتين فتم تدمير 27 دبابة إسرائيلية في أول فاتحة خسائر للمدرعات الإسرائيلية ,
فاضطر لواء آمنون إلى محاولة الفرار من الإشتباك مع لواء 16 مشاة واندفع نحو الشمال وهناك وجد آمنون نفسه بمحض الصدفة في قلب الوحدات الإدارية الخلفية التابعة للجيش الثانى ,


الهوامش :
[1]ـ المعارك على الجبهة المصرية ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وكانت مواضع الوحدات الإدارية الخلفية موضوعة في هذا المكان على اعتبار أمانها الكامل من قوات العدو وكانت بها الوحدات الإدارية بالإضافة إلى اللوريات والمركبات ومنصات الإطلاق لصواريخ الدفاع الجوى ,
ورغم الفرصة التي سنحت للواء المدرع الإسرائيلي باعتبار أن نقطة هجومه كانت في أضعف المناطق الدفاعية بالنسبة للجيش الثانى بالإضافة إلى أن هجومها كان سيستهدف المناطق الحساسة إلا أن النيران التي فتحتها كتيبتى المدرعات التابعتان للفرقة 21 المدرعة على اللواء الإسرائيلي نجحت في رد القوات الإسرائيلية إلى الجنوب بعد تكبدها خسائر فادحة ,

ولكن كل هذه الخسائر الإسرائيلية في المعركتين السابقتين كانت أقل كثيرا من المعركة الكبري التي جرت بعد ارتداد اللواء المدرع الإسرائيلي أمام دفاعات كتائب الفرقة 21 وهى المعركة المعروفة باسم ( معركة المزرعة الصينية ) وقد أوضح المؤرخ العسكري جماد حماد في كتابه ( المعارك الحربية على الجبهة المصرية ) أن مسمى المزرعة الصينية هو المسمى للإسرائيلي لمنطقة قرية الجلاء ,
ونظرا لأن المعركة تعتبر من عيون الإنتصارات المصرية فقد نقل المؤرخ جماد حماد وصف المعركة من المراجع الإسرائيلية والذي ننقله بدورنا هنا منعا لأى تحيز أو مبالغة ,
فعقب فشل لواء آمنون المدرع في مهمته وهى تأمين نقطة العبور بالإستيلاء على النقطة الحيوية ( تقاطع طريق طرطور مع الطريق العرضي رقم 1 )
صدر الأمر إلى الماجور ناثان قائد كتيبة مشاة ميكانيكى مدعمة بسرية دبابات لمهاجمة نقطة تقاطع الطرق ,
وتقدمت سرية الدبابات في المقدمة كمفرزة أمامية وتبعتها العربات المدرعة , ولم تلبث العربات أن فوجئت بأن سرية الدبابات تم تدميرها عن آخرها وحطامها تملأ الطريق ,
وقبل أن يفيق رتل العربات المدرعة من المفاجأة انهالت عليه النيران من حيث لا يدرى مما أرغمها على التوقف وأفاد قائدها هاليفي أنه لا يستطيع التحرك وأنه أصيب بخسائر جسيمة ,
وعندما تقدمت باقي العربات المدرعة لنجدة هاليفي تعرضت لنفس التدمير بعد أن باتت المنطقة مركزا لضربات النيران المصرية شديدة التأثير ,
وهكذا سقطت كتيبة المشاة الميكانيكى المدعمة بسرية دبابات في فخ محكم في قطاع اللواء 16 مشاة واضطر الجنود إلى الفرار من عرباتهم تاركينها لمصيرها وهرب قائد الكتيبة بنفسه وتم إنقاذه بأعجوبة

وبعد هذه النتيجة المخزية فكر آمنون قائد اللواء المدرع في وسيلة لإنقاذ العربات المدرعة المتورطة في الأمام وهكذا خصص سرية دبابات أخرى اندفعت تجاه العربات المدرعة المتورطة عند قرية الجلاء ولم تكد الدبابات الإسرائيلية تتقدم إلىالمنطقة حتى انهالت عليها قذائف البازوكا والآر بي جى 7 مما أرغمها على الإنسحاب دون أن تنجح في إنقاذ أحد , رغم أن ناثان قائد الكتيبة المشاة الميكانيكية أخذ يناشد قائده آمنون التدخل لإنقاذ باقي كتيبته ,
ولم يكن ناثان يدرك أن قائده آمنون نفسه قد تورط في فخ آخر وأنه يصارع الموت مع بقية وحدات لوائه الذى مُنى بخسائر فادحة ,
وعندما شعر قائد الكتيبة باليأس قرر حمل جرحاه والفرار بنفسه بعيدا عن المعركة وعندما أخذ في التحرك البطيئ وراء خطوطهم فوجئ بقوة من الفرقة 21 المدرعة أمامهم ولم تلبث تلك القوة أن أبادتهم جميعا عن آخرهم ,
ورغم الخسائر العنيفة التي حاقت بالقوات الإسرائيلية
فإن آمنون حاول مجددا الإستيلاء على موقع تقاطع الطرق وأمر أحد ضباطه بأن يقوم بتكرار الهجوم باستخدام كتيبة دبابات من ناحية الغرب لعله يفلت من المقاومة المصرية العنيفة ,
ولكن قائد الكتيبة الجديدة نفسه الماجور بروم قتل على مسافة 30 مترا من المواقع المصرية ومنيت دباباته بخسائر جسيمة فقام آمنون بإرسال سرية دبابات أخرى بقيادة الماجور إيتان للهجوم من ناحية الجنوب فلم تلبث أن لحقت هذه السرية بمن سبقها
وفشل الهجوم للمرة الثالثة
هذا الوصف السابق كله لمعركة المزرعة الصينية هو وصف إسرائيلي صرف لأحداث المعركة وهو يكفي فخرا لوحدات الفرقة 21 المدرعة واللواء 16 مشاة ,

وهكذا فشل شارون الذى يتبعه اللواء المدرع بقيادة آمنون في مهمته الرئيسية لتأمين معبر الدفرسوار ,
وكان ثمن الفشل باهظا بكل المقاييس حتى أن آمنون نفسه قائد اللواء عندما صعد إلى تبة مرتفعة تطل على أرض المعركة أفزعه منظر الأرض وهى مغطاة بأشلاء الدبابات والعربات المدرعة وجثث القتلى من جنوده ,
وعندما وصلت الأنباء للقيادة الإسرائيلية كادت تلغي العملية كلها للمرة الثانية واقترح موشي ديان أن يسحبوا لواء المظلات العابر قبل أن يذبحه المصريون إذا اكتشفوا موقعه غير أن جونين وإليعازر ـ رغم الخسائر ـ أصروا على الإستمرار ,
ولما كان الإستمرار لا يعنى شيئا دون الإستيلاء على موقع تقاطر الطرق فقد أصدر شارون أوامره لآمنون بتكرار الهجوم بطريقة جديدة على نفس المنطقة بعد أن قام بدعمه بكتيبتى دبابات عقب الخسائر التي دمرت لواء آمنون ولم يتبق له إلا 27 دبابة بعد القتال البطولى الذى قامت به الوحدات المصرية المتمركزة في منطقة تقاطع الطرق ,
وآثر آمنون ألا يتقدم للهجوم مباشرة كما في المرات الثلاث السابقة والتى خسر فيها معظم دباباته والنسبة الأكبر من ضباطه وجنوده ولهذا لجأ إلى معركة استنزاف عن طريق الضرب المباشر من بعيد مستغلا التعب الذى حاق بالقوة المصرية المدافعة ونقص الذخيرة الفادح بها ,
فانسحبت القوة المصرية من أماكنها بعد وصول تعزيزات آمنون للمعركة غير المتكافئة وبعد أن نجحت في الليلة السابقة في إبطال هدف آمنون بفتح طريق طرطور , ولم ينجح آمنون في الإستيلاء على موقع تقاطع الطرق ـ رغم إخلاء القوات المصرية ودخول آمنون إليه ـ فلم يلبث أن انسحب أيضا منه بعد أن اضطر لذلك نظرا لحاجته الشديدة لإعادة تنظيم اللواء عقب الخسائر الكارثية التي حلت به , وعدم كفاية التعزيزات ..
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

ونظرا لفشل شارون في مهمته لتأمين معبر الدفرسوار ودبت الخلافات بين القادة وبين شارون الذى كان يري عدم انتظار جسور العبور والتأمين والإنطلاق للعبور مباشرة على المعديات والأطواف بحجة أن لواء المظلات الذى عبر منطقة الدفرسوار لم يواجه أى قوات مصرية في نقطة الإنزال ومن ثم فإن مهمة التأمين التي فشل فيها وكلفته لواءه المدرع ليس لها داع ,
وعبر الجنرال جونين عن شعوره تجاه شارون بقوله :
( لقد خيب آمالنا جميعا , أنا لست أدرى ماذا أصابه في هذه الحرب ؟! )
وفى منتصف نهار 16 أكتوبر تم إجراء تعديلات جوهرية في الخطة بعد النتائج التي منيت بها قوات شارون وصدرت الأوامر لفرقة إبراهام آدان بمهمة التطهير والتأمين بينما تتولى فرقة شارون منطقة المزرعة الصينية بعد منحه الفرصة لتجديد الكفاءة القتالية لفرقته عقب الخسائر الجسيمة التي تكبدتها قواته في ليلة أمس وزادت عن 70 دبابة و300 قتيل بخلاف المصابين

وتقدمت فرقة إبراهام آدان المدرعة والتى تم تزويدها بلواء مظلات كامل لتصبح قوة جبارة , إلى أداء المهمة التي فشل فيها شارون , وكان لواء المظلات بقيادة الكولونيل عوزى الذى وضع نفسه تحت قيادة الجنرال آدان والذي كلفه بمهمة التقدم على محورين لتطهير محورى أكافيش وأبو طرطور على أن تصحب المظليين قوة كتيبة مدرعة للإضافة ,
وبنفس السيناريو السابق تقريبا ما إن تقدمت كتيبة الدبابات كطليعة لقوة المظلات حتى تعرضت لنيران كتيبة اليسار في قطاع اللواء 16 مشاة وخرجت رسميا من المعركة ,
وخلفها هذه القوة نحو المزرعة الصينية الذين تقدموا إلى المنطقة وفوجئوا بعشرة رشاشات ( جرينوف ) تطلق رصاصاتها بغزارة شديدة لتحيل المنطقة إلى جحيم ,
وتناثرت حطام كتيبة الدبابات وإلى جوارها عشرات من جثث المظليين على طول خط الدفاعات المصرية بعد أن تمكن المصريون من اصطيادهم وهم من مواقع حصينة ,
وحاول باقي المظليين الإنسحاب من طريق طرطور إلى طريق أكافيش لكنهم فشلوا حتى في مجرد رفع رءوسهم من وضع الإنبطاح بعد أن تكفلت الرشاشات المصرية بحصارهم من كافة الإتجاهات
وأصيب إبراهام آدان بالإحباط وهو يري نفسه عاجزا في نفس موقف شارون السابق ,
فضلا على أنه في ضوء هذا الموقف كان سيفقد يوما آخر كاملا دون أن يتم إنشاء أى جسر للعبور فيه مما كان يعرض القوة التي عبرت القناة من المظلات إلى خطر الإبادة بعد أن انعزلت تماما ليومين كاملين ,

ولكنه تلقي برقية مشجعة من قائد سرية الإستطلاع التي دفعها من فرقته بإتجاه محور أكافيش واكتشفت سرية الإستطلاع خلال عبورها إلى معبر الدفرسوار أن الطريق خال تماما ,
واكتشف برن أن قوة المظلات التي تتعرض للإبادة في طريق طرطور كانت قد شغلت المقاومة المصرية تماما عن الطريق الآخر وبالتالى أصبح طريق أكافيش مفتوحا ولكن على جثث المظليين الذين تم إبادتهم إلا قليلا وتدمير سائر معداتهم
وتمكنت فرقة إبراهام آدان من إقامة أول جسر للعبور صباح يوم 17 أكتوبر
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

رد الفعل المصري على عملية الثغرة :
جرت كل المعارك السابق شرحها في إطار ظن القوات المصرية أن العدو يقوم بمحاولة لتدمير رءوس كباري الجيش الثانى ولم تنم إلى معلومات القيادة حقيقة الخطة التي أعدها العدو بغرض عبور القناة إلى الجانب الغربي بقوة ثلاث فرق كاملة ,
ولهذا فقد ظلت القيادة في معزل عن هذه الأنباء طيلة يوم 16 أكتوبر وهو اليوم الذى عبرت فيه قوة المظلات المدعمة بسرية دبابات ,
وعندما تم اكتشاف بوادر وجود هذه القوة ظل الظن أنها قوة صغيرة للعدو لا تزيد عن سبعة دبابات وهدفها هو التخريب وإشاعة الفوضي في الخطوط الخلفية ,
ولهذا قام قائد الجيش الثانى بالنيابة اللواء تيسير العقاد والذي تولى القيادة خلفا للواء سعد مأمون بإصدار أوامره لكتيبة دبابات بتدمير هذه القوة التي ظنها قوة صغيرة مما تسبب في عجز الكتيبة عن أداء مهمتها ,
ولا شك أن تغيير قيادة الجيش الثانى الميدانى في هذا التوقيت ساهمت في أن تكون بيانات قيادة الجيش الثانى عن مدى قوة العدو في الضفة الغربية بيانات غير دقيقة ,
وعزا الخبراء هذا الخلل في المعلومات إلى تقصير في مهمات المخابرات الحربية والإستطلاع التي عجزت عن استطلاع القوة الحقيقية للعدو في الوقت المناسب , فضلا على خطأ التصور من القيادة وعجزها خلال يومى 16 و17 أكتوبر من إدراك الهدف الحقيقي للعملية وأنها عملية عبور كبيرة ,
ولهذا ظلت القيادة المصرية مطمئنة إلى الأنباء التي وصلتها باعتبار القوة العابرة قوة هينة لم تلبث أن تتعرض للإبادة ,
وهو ما ثبت خطؤه فيما بعد ولم يتم استغلال انعزال قوة المظلات المدعمة بالدبابات عن قيادتها ليومين كاملين , ولو وصلت معلومات صحيحة عنها إلى القيادة في الوقت المناسب لتحققت مخاوف الإسرائيليين من إبادة لواء المظلات العابر بالكامل مع دباباته بنفس الطريقة التي واجهت بها قوات اللواء 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة قوات فرقة شارون شرق القناة وقوات إبراهام آدان التي حاولت تأمين منطقة العبور ,

وفى تلك الظروف أيضا تم تعيين اللواء عبد المنعم خليل والذي كان قائدا للمنطقة المركزية قائدا للجيش الثانى الميدانى بدلا من اللواء تيسير العقاد ريس أركان حرب الجيش !
ولا شك أن هذا القرار خدم العملية الإسرائيلية من حيث لا يتوقعون حيث أن اللواء عبد المنعم خليل كان بعيدا عن الجبهة ولم يحتك بأحوال الجيش الثانى وعندما طلب القائد الجديد المعلومات التفصيلية عن أحوال المعارك أحاله الفريق الشاذلى إلى اللواء محمد غنيم نائب رئيس هيئة العمليات والذي أحاطه علما بالأوضاع وفق ما وصلت للقيادة من معلومات مغلوطة ,
فلم يعلم القائد الجديد عبد المنعم خليل شيئا عن عمق الإختراق وتلقي المعلومات على أساس أنها قوة صغيرة لا تزيد عن سبع دبابات لا أكثر !
وكان قرار تغيير القيادة بعبد المنعم خليل قرارا غير موفق نظرا لأن اللواء تيسير العقاد كان رئيسا لأركان الجيش وهو الأكثر احتكاكا بأحواله والأقدر من غيره في تلك الظروف , وهذا دون الإقلال من قيمة وكفاءة كليهما , لا سيما وأن الأسباب التي دعت القيادة لهذا الإختيار أن اللواء عبد المنعم خليل كان قائدا سابقا للجيش الثانى لمدة ثلاث سنوات قبل الحرب ,
ولكن القيادة السابقة لا تعنى بالضرورة لزوم القيادة أثناء المعارك والعمليات لا سيما في ظل ظرف كالإختراق الحادث , وهذه هى وجهة نظر اللواء جمال حماد وكثير من المحللين وهى وجهة نظر صحيحة , إذ أن القيادة في الجبهة وأثناء العمليات أقدر من غيرها ـ حتى لو فاقتها كفاءة ـ في حسن إدارة المواقف الطارئة

وقد وصل اللواء عبد المنعم خليل لمركز قيادته مساء 16 أكتوبر وهو الموعد الذى علم فيه المشير أحمد إسماعيل والرئيس السادات بأمر القوات الإسرائيلية في الغرب من خلال خطاب جولدا مائير في مساء نفس اليوم ,
وعندما طلبا المعلومات حول هذا الخصوص جاءتهما المعلومات المنقوصة بأن القوات العابرة قوة صغيرة فقط , وعليه أكد المشير إسماعيل للواء عبد المنعم خليل أن يقوم بتدمير هذه القوة عقب انتهائه من دراسة موقف جيشه في العمليات ,
وللأسف استمرت وجهة نظر القيادة المصرية في الإستهانة بأمر القوة الإسرائيلية العابرة للغرب
وكان داعى الإستهانة هو قوة الهجوم الإسرائيلي المكثف على الفرقة 16 مشاة والذي كانت تهدف منه القيادة الإسرائيلية إلى شغل القوات المصرية عن نيتها الأصلية وهى فتح الفرصة أمام الفرق الثلاث المعدة للعبور للغرب
ولهذا ظلت القيادة المصرية تعتقد أن مهمة القوة الإسرائيلية التي عبرت كطليعة لبقية الفرق ما هى إلا مهمة نفسية وتخريبية هدفها إشاعة الفوضي في خلفية الجيش الثانى وإحداث أثر نفسي يمكنها من نجاح الهجوم في الشرق ,
ولهذا ركزت قيادة الجيش الثانى على ضرب الهجوم الإسرائيلي في الشرق وتمكنت من إلحاق الخسائر الفادحة المتوالية بالقوات الإسرائيلية والتى تعجب المصريون من تكرار هجومها رغم الخسائر ,
ولكن كان رهان القوات الإسرائيلية قائما على أن تتم عملية العبور إلى الغرب في غفلة من القوات المصرية عن هدفها الرئيسي وفى سبيل ذلك الهدف ضحت القوات الإسرائيلية بهذه الخسائر على أمل تحقيق النجاح المطلوب ,

 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وكانت النقطة الخطرة التي وقعت فيها القيادة المصرية هى ضآلة معلومات الإستطلاع وظروف تغيير القيادات التي جاءت بمصادفة قدرية لكى تمنح الخطة الإسرائيلية دماء الحياة بعد أن كانت محاولتها تُمنى بفشل ذريع يتمثل في خسارتها لجميع قواتها المشاركة في العملية شرق وغرب القناة ,
فمن شرق القناة كانت الفرقة 16 مشاة قد تكفلت بكل القوات الإسرائيلية المهاجمة وفى غرب القناة في يوم 16 لو كانت المعلومات التي وصلت عن القوة الإسرائيلية صحيحة لتم القضاء عليها قضاء مبرما عن طريق القوة المناسبة ,

وقد استمر غياب المعلومات الدقيقة قائما حتى بعد يوم 17 أكتوبر وعليه كانت معالجة ثغرة الإختراق من وجهة نظر المصرية لا زالت تتركز على المعالجة من شرق القناة لا غربها ,
ونظرا لأن المعلومات كانت تشير لمحدودية القوة العابرة فقد صدرت الأوامر بالقضاء على ثغرة الإختراق عن طريق تكليف اللواء 25 المدرع المستقل بهذه المهمة , على أن تتم في مواجهة ثغرة الإختراق من الشرق لا الغرب وكان اللواء 25 المدرع المستقل قد عبر من الغرب إلى الشرق ليكون ملحقا بالفرقة 7 مشاة أثناء تطوير الهجوم ,
وتم تعويض الفرقة 7مشاة بكتيبة دبابات من الفرقة 4 المدرعة ,
وكانت الخطة التي أعدتها القيادة سليمة نظريا ـ على حد تعبير اللواء جمال حماد ـ ولكنها كانت مخالفة للواقع حيث أن قوة الإختراق في الشرق عند معبر الدفرسوار كانت بقوة ثلاثة ألوية مدرعة أى ثلاثة أمثال قوة اللواء 25 المدرع بينما القوات الإسرائيلية في الغرب كانت لا تتعدى كتيبة دبابات ملحقة بلواء مظلات ,
ولو تم دفع اللواء 25 المستقل إلى غرب القناة بدلا من شرقها لتمكن من القضاء على الثغرة بسهولة عن طريق تدميرها من الغرب , وهو ما عارضه الرئيس السادات وأصر على عدم سحب هذا اللواء وأن يقوم بمهاجمة قوات الثغرة وتدميرها في شرق القناة , متأثرا بمعلومات صغر القوة الإسرائيلية في الغرب
وكان اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى قد استقرأ الأحداث وعارض المهمة التي تم تكليف اللواء 25 المدرع مستقل بها وحاول تعطيلها بكل السبل إلا أوامر القيادة فى المركز رقم 10 كانت صارمة بوجوب تنفيذها وثبت أن اللوا واصل كان على حق تماما في توقعاته من أن اللواء 25 المدرع سيواجه خطر التدمير نظرا لفارق القوة بينه وبين فرقة المدرعات الإسرائيلية التي تواجهه بقيادة إبراهام أدان عند معبر الدفرسوار
واندفع اللواء إلى مهمته الإنتحارية لمواجهة فرقة إبراهام المتأهبة والتى تزيد على ثلاثة أمثاله في القوة وهو يواجهها منفردا فضلا على تسلح فرقة إبراهام بعدد كثيف من صواريخ تاو المضادة للدبابات والتى وصلت مع الجسر الجوى الأمريكى ,
واشتبك اللواء 25 المدرع مع الفرقة دون أى معاونة متوقعة من الفرقة 21 المدرعة والتى كان من المفروض أن تعاون اللواء في مهمته غير أن خسائرها في حروبها السابقة ضد قوات العدو منعتها من المعاونة المطلوبة ,
وهكذا تم تدمير ثلثي دبابات قوة اللواء 25 المدرع المستقل في هذه المواجهة مع فرقة إبراهام أدان نظرا لقصور المعلومات الشديد وعدم إدراك اللواء لحقيقة حجم قوات العدو عند معبر الدفرسوار ,
وتم سحب باقي الدبابات وارتداد اللواء إلى الخلف عقب خسائره الكبيرة واتخاذ الأمر بإعادة تأهيله وتنظيمه وتجديده ,

وكان هذا الخطأ ـ خطأ دفع اللواء 25 المدرع المستقل منفردا ـ لهذه المهمة هو الخطأ السياسي الثانى الذى ترتكبه القيادة المصرية بعد عملية قرار تطوير الهجوم للشرق بالمخالفة لرأى رئيس الأركان وقادة الجيوش ,
وأثبتت التجربة أن إهمال آراء قادة الميدان والقيادة العسكرية المحترفة أمر بالغ الخطورة وأثبت التاريخ عدة حوادث لها شأن في هذا المجال لا سيما في ظل معركة يونيو 67 والتى ساهمت القيادة السياسية فيها بقرارات لم يكن للقيادة العسكرية القدرة على تحمل نتائجها , وأهمها فتح حرب في جبهتين فضلا على صدور الأوامر بتلقي الضربة الأولى ,
وكان السادات عقب توليه الرياسة حريصا على ألا يتدخل في سير المعركة عسكريا , وطبق ذلك بنجاح حتى يوم 13 أكتوبر الذى أصدر فيه الأوامر بتطوير الهجوم بالمخالفة لرأى القادة الميدانيين وأيضا بمخالفة رأى عبد المنعم واصل في دفع اللواء 25 المدرع لخوض مهمة انتحارية دون تزويده بالمعلومات الضرورية عن حجم قوة العدو المتوقع مواجهتها والتى نجم عنها مواجهة غير متكافئة بين اللواء 25 المدرع وفرقة كاملة من القوة الإسرائيلية ,
وقد عبر اللواء عبد المنعم واصل في مذكراته عن أسفه الشديد لقرار القيادة المخالفة لوجهة نظره وهو يصف معركة هذا اللواء وكانت هذه هى المحاولة الأولى للقضاء على الثغرة ولكن دون الإستناد لمعلومات حقيقية مما تسبب في فشلها ,


 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وعقب تدارك القيادة المصرية لخطأ معركة اللواء 25 المدرع تمكنت القوات المصرية في يوم 17 أكتوبر في إفشال معظم الهجمات التي شنتها فرقة إبراهام أدان بمعاونة فرقة شارون لكى تتمكن من توسيع ثغرة الإختراق في معبر الدفرسوار وخطرت للقيادة فكرة إغراق منطقة شمال قرية الجلاء بالمياه ليستحيل على العدو العبور بدباباته فيها ,
ولكن الخطة لم تتم نظرا لعيوب فنية أصابت محركات الضخ مما جعل الفكرة غير ممكنة رغم أنها كانت كافية لإفشال العبور الإسرائيلي المدرع غرب القناة ,
واشتبك العدو من جديد مع القوات المصرية وكانت الإشتباكات سجالا تحمل فيها الإسرائيليون خسائرهم في سبيل توسيع الثغرة ليتمكنوا من العبور ولكن المقاومة المصرية العنيفة ثبتت الدبابات الإسرائيلية بقرية الجلاء طيلة هذه الفترة بفضل الفرقة 16 مشاة واللواء 16 مشاة الذى أدى دورا بطوليا في قتال مستمر مما عرضه للخسائر الفادحة في وحداته فصدرت الأوامر إليه بالإخلاء لإعادة تجميعه وتنظيمه ,
واستغل العدو هذا الإخلاء ليسيطر على موقعى أكافيش وطرطور بعد أن دفع ثمنا باهظا في كليهما ,


وقامت وحدات المهندسين العسكريين بأول محاولة لإقامة جسر للعبور في مساء 17 أكتوبر
وتمكنت المدفعية المصرية وغارات الطيران المصري بطائرات الميج التي اشتكبت مع الطائرات الإسرائيلية في معارك عنيفة من تعطيل إقامة الجسر عدة مرات وتعطلت معدات العبور نتيجة القصف المكثف وكثر الضحايا من وحدات المهندسين ,
ورغم الخسائر تم إخلاء الضحايا بقوة وسرعة وإحلال المعديات والأجزاء المحطمة بأخرى سليمة لإقامة الجسر الأول وأتيح لطيران العدو لأول مرة منذ بدء العمليات أن يتدخل بفاعلية بعد أن تدمير بعض بطاريات سام التابعة للقوات المصرية وذلك بهدف حماية عملية إقامة الجسر الذى أخذ يتعرض للتدمير مرة تلو الأخرى بعد أن استمرت المدفعية المصرية في تكثيف ضرباتها
ولم تتوقف منذ يوم 17 أكتوبر وحتى نهاية الحرب مما رفع معدل الخسائر الإسرائيلية إلى حد مفزع ,
وتحت هذا الجو من المعارك المشتعلة وصل طابور مدرعات الجنرال إبراهام أدان إلى أول جسر المعديات الذى تمت إقامته بعد فشل الإسرائيليين في جسر دائم متصل وذلك في الساعة العاشرة مساء 17 أكتوبر ,
وعبرت أول الدبابات الإسرائيلية التابعة لفرقة إبراهام وقابلته كتيبة الدبابات التي عبرت من قبل برفقة لواء المظلات بالترحاب مع قائدها الكولونيل حاييم ,
لكن فرحة إبراهام أدان لم تكتمل إذ تسببت المدفعية المصرية في إصابة منتصف الجسر الإسرائيلي وأحدثت به فجوة كبيرة تسببت في إعاقة عبور دبابات إبراهام مما تسبب في حالة ذعر بين القوات الإسرائيلية نظرا لتكدس الدبابات على الكوبري الذى لم يكمل عمره ساعة واحدة بعد ,
وأصدر إبراهام أدان أوامره عبور الدبابات على المعديات للخلاص من الموقف وتسبب هذا في تعقيد موقف الدبابات الخلفية التي كانت تنتظر دورها في العبور بعد دبابات المقدمة مما أدى إلى تعطل معظمها على الطريق مع المركبات المحملة بالذخيرة والعتاد وبقية معدات الجسور الإحتياطية الكافية لإصلاح الجسر ,
وأثناء إتمام عملية العبور على المعديات ريثما يتم إصلاح الجسر أصابت قذائف المدفعية المصرية إحدى مركبات العبور بكل ما تحمله من دبابات وأفراد فتركها الإسرائيليون للغرق وهربوا للنجاة بأنفسهم في مياه القناة وغرقوا جميعا عدا ثلاثة أفراد !
( ولنا هنا أن نتوقف عند ملحوظة شديدة الأهمية عندما نتأمل فشل الإسرائيليين الذريع في إقامة جسر واحد مؤمن تعبر عليه مدرعاتهم خلال هذه الفترة التي تزيد عن 48 ساعة رغم كمية التضحيات الهائلة التي تكبدتها هذه القوات , ونقارنها بحجم الإنجاز المصري في إقامة كافة كباري العبور مع بداية الحرب وفى زمن قياسي وبعدد لا يذكر من الضحايا )


وتحت هذه الظروف العصيبة كادت أعصاب الجنرال إبراهام أدان تفلت وهو يري محاولة العبور تتعثر للمرة الألف حتى تفتق ذهن أحد ضباطه عن فكرة ذكية لإصلاح الجسر سريعا دون انتظار للمعدات الإحتياطية القابعة في الخلف وسط الزحام ,
وهى أن تعبر دبابة من الفرقة إلى موضع الفجوة وتمد الجسر المتحرك المتصل بها ليصل للجانب الآخر , وتمكنت القوات الإسرائيلية من إتمام تنفيذ الفكرة في الرابعة فجر 18 أكتوبر ,
وهكذا عبرت بقية فرقة إبراهام أدان ولحقها بقية فرقة شارون في صباح اليوم نفسه ليصبح للعدو غرب القناة فرقتان مدرعتان مع لواء المظلات الذى عبر قبل يومين ,
يتبع ..
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وبعد أن تمت هذه المهمة ونظرا لأن القوات الإسرائيلية لم تنشئ إلا جسر المعديات فقط ,
فقد دعت الحاجة إلى ضرورة التصرف لإنشاء الجسر الثانى وهو الجسر الثابت السابق التركيب والذي تعطل وصوله مع المعارك في الأيام السابقة ,
وفى صباح 18 أكتوبر أصدر شارون أوامره باستقدام الجسر عبر المنطقة التي سيطرت عليها قوات إبراهام أدان , وتم استقدام الجسر عن طريق طرطور وتجره 12 دبابة إسرائيلية بطوله البالغ 18 مترا , وتعطلت عملية استقدام الجسر عدة مرات نظرا لتهتك الحبال التي تجر معداته فضلا على القصف المدفعى المستمر من القوات المصرية مما كبد القوات الإسرائيلية مزيدا من الخسائر في الأفراد والمعدات ,
وهكذا استمرت عملية نقل الجسر طوال اليوم تقريبا واستهلكت النهار ,
وعند قرب معدات الجسر من منطقة العبور تعرضت القافلة لغارة جوية عنيفة من الطيران المصري تكبد فيها الإسرائيليون مزيدا من الخسائر إلا أن الخسارة الفادحة التي قصمت ظهر العملية كانت في مقتل كبير المهندسين العسكريين الماجور جونى تان , الذى كان واحدا من أكبر خبراء إقامة الجسور فضلا على درايته التامة في مجال دراسة التربة التي يتحرك فوقها الجسر فيحدد المناطق الصالحة للسير وتلك التي لا تصلح
وكان مقتله يهدد عملية إنشاء الجسر كلها بالفشل لأن العملية لن تحتمل أى خطأ ناجم عن انعدام الخبرة في هذا المجال الحساس لا سيما مع انفراد المهندس القتيل في مجاله وعدم وجود من يسد مكانه
واضطر قائد المجموعة الكولونيل جاكى إلى استكشاف التربة بنفسه معتمدا على الحظ وحده مغامرا بغرس الجسر الثقيل في أى لحظة أثناء عملية النقل ,
ونجح قائد المجموعة أخيرا في الوصول إلى نقطة الإنزال وتمت إقامة الجسر على بعد 200متر من جسر المعديات وأقام الإسرائيليون الجسر وأضافوا جسرا ثالثا من المعديات
وبدأت عملية إخلاء المنطقة من المصابين والجرحى من أثر القصف المصري وتمت أيضا عملية حصر لقوات الكولونيل جاكى الذى خسر نحو 41 ضابطا وجنديا خلال ليلة واحدة فقط !
بينما خسرت إسرائيل في عملية العبور قبل تمامها 100 قتيل من الضباط والجنود بخلاف عدة مئات من الجرحى والمصابين وفقا للإحصائيات الرسمية الإسرائيلية ,

وكانت المعلومات قد توفرت في نفس اليوم 18 أكتوبر عن مدى اتساع ثغرة الإختراق وأهداف العملية الأصلية للقيادة المصرية عقب تجربة اللواء 25 المدرع المستقل
وفى نفس اليوم وضعت القيادة أول خطة لتصفية ثغرة الإختراق في شرق القناة وغربها وتقتضي بقيام اللواء 23 المدرع بهجوم مضاد على رأس الكوبري الإسرائيلي في منطقة الدفرسوار غرب القناة بمعاونة من اللواء 116 ميكانيكى , على أن تقوم في نفس الوقت وحدات من الفرقتين 16 مشاة و21 المدرعة بعملية مهاجمة النقطة القوية للعدو شرق القناة وإغلاق الطريق المؤدى إلى نقطة العبور واستعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه ,

وتحددت ساعة الصفر لتنفيذ الهجوم في الثانية عشرة من ظهر 18 أكتوبر قبل تمكن الإسرائيليين من تنفيذ إقامة الجسر الثانى غير أن ساعة الصفر تأخرت بسبب قيام العدو بقصف عنيف للطيران فوق رأس الكوبري الموحد للجيش الثانى مما أربك تحضيرات الهجوم وأصيب فيه قائد الفرقة 16 مشاة العميد عبد رب النبي حافظ ,
وبالطبع استغل العدو تفوقه الجوى بعد أن تمكن من تدمير بعض بطاريات الدفاع الجوى المصري في منطقة العبور وتسبب هذا التفوق الجوى أيضا في تعطيل مهمة كتيبة المشاة الميكانيكى المكلفة بالهجوم على منطقة قرية الجلاء مما أدى إلى ارتدادها والإنضمام إلى بقية القوات المصرية في الخط الدفاعى شمال القرية ,
في نفس الوقت الذى واجه فيه اللواء الأول المدرع اشتباكا جانبيا أثناء تقدمه لأداء مهمته وتمكن من تدمير 13 دبابة إسرائيلية رغم تعرضه للهجوم من ثلاثة جوانب وقيام بعض دبابات العدو غرب القناة بتهديد جانبه الأيمن ,
ونظرا لكثافة الهجوم ارتد اللواء للخلف بخسائر كبيرة في دباباته رغم أدائه البطولى ,
وركز العدو هجماته على رأس الكوبري الموحد من الطريق الأيمن نظرا لقلة عدد الدبابات فيه مما استدعى قائد الجيش الثانى بإصدار أوامره إلى اللواء 24 المدرع بأن يتقدم إلى منطقة شمال غرب الطالية لتعزيز رأس الكوبري الموحد
غير أن اللواء تعرض للقصف الجوى والمدفعى المكثف وعجز عن الإنضمام لا سيما مع سحب بعض كتائبه للمشاركة في الهجوم المضاد
ونظرا لهذه الهجمات التي أتت في توقيت تحضير الهجوم المضاد على الثغرة شرق وغرب القناة تعطلت المهمة التي كانت مكلفة بها هذه القوات واضطرت إلى العمل على صد الهجوم الواقع على رأس الكوبري الموحد ونجحت القوات المصرية في رد الهجوم فضلا على نجاح الفرقة 21 المدرعة التي تحملت أكبر المهام في ردع هجمات العدو طيلة الأيام السابقة في تحقيق إنجاز آخر عندما أظهرت الصور الجوية التي التقطت لمنطقة الدفرسوار أن قوات الفرقة تمكنت من تدمير عدد قياسي من دبابات العدو في منطقة شرق وجنوب الدفرسوار حيث تتركز المدرعات الإسرائيلية ,
ونتيجة لهذا فقد أعد اللواء عبد المنعم خليل خطته على تنفيذ الهجوم في اليوم التالى 19 أكتوبر مع إسناد قيادة رأس الكوبري الموحد للعميد إبراهيم العرابي قائد الفرقة 21 المدرعة ,
وفى نفس الوقت طلب قائد الجيش الثانى استمرار ضرب المدفعية على رأس الكوبري الإسرائيلي وهو القصف الذى تواصل منذ بداية معارك الثغرة , وطلب قائد الجيش الثانى إمداده بعدد من قواذف الصواريخ المضادة للدبابات للحاجة الشديدة إليها لتكوين أطقم اقتناص للدبابات في مواجهة مدافع تاو الأمريكية التي تكثف القوات الإسرائيلية استخدامها ,
وفى نفس اليوم مساء وصل الفريق سعد الدين الشاذلى إلى مقر قيادة الجيش الثانى الميدانى قادما من مركز القيادة رقم 10 بناء على تكليف من الرئيس السادات لمعالجة موضوع الثغرة , وقضي في مقر قيادة الجيش الثانى نحو أربعين ساعة قائما بأعمال القيادة مع اللواء عبد المنعم خليل ومشرفا على العمليات خلال تلك الفترة ,

وقبيل وصول الفريق الشاذلى تم البدء في عمليات مقاومة الإختراق عن طريق الإعداد للهجوم المضاد المدرع صباح يوم 19 وتم أيضا إبرار مجموعات الصاعقة والمظلات لمهاجمة لواء المظلات الذى عبر في بداية الأحداث غرب القناة وقضي الفترة البينية دون أى اشتباك مع القوات المصرية ,
وقام لواء مظلات مصري ومجموعة من الصاعقة بمهاجمة القوات الإسرائيلية بغرض منع العدو من توسيع ثغرة الإختراق وتطهير المنطقة من قواته , والإستعداد لتكوين مجموعات اقتناص للدبابات والسيطرة على المنطقة ما بين الإسماعيلية حتى مطار الدفرسوار شرقا ,
وتمكنت قوات المظليين من تكبيد العدو خسائر فادحة بعدد من العمليات البطولية التي أشادت بها القيادة العامة والفريق الشاذلى كما خسرت في العمليات 11 ضابطا و74 من الجنود والأفراد ,
ولأن قوات الصاعقة في مهماتها الأصلية عبارة عن قوات مجهزة لعمل الإغارات والكمائن وليست مجهزة لاحتلال المواقع والسيطرة على المناطق باعتبار أن طبيعة عمل الصاعقة تعتمد على الحركة , لذا فقد أدت مجموعات الصاعقة والمظلات مهمتها وانسحبت تحت ستر الظلام يوم 19 أكتوبر إلى منطقة سرابيوم وأبو سلطان بأمر قائد المجموعة ,
وصباح يوم 19 دخلت القوات المدرعة المعدة لمواجهة الثغرة في معركة مع قوات الجنرال إبراهام أدان وخاض اللواء 23 المدرع معركة ناجحة ضد تفوق واضح لقوات العدو ونجح في تشتيت قوة العدو وإن لم ينجح بالطبع في مهمة تصفية وجود العدو بعد أن استقر بقوات كبيرة في منطقة العمليات ,
وتم سحب اللواء وإعادة تجميعه وتعويض خسائره ,

وهكذا كان الوضع يوم 19 أكتوبر ناجحا في زعزعة مركز العدو وتكبيده خسائر كبيرة في الأفراد والمعدات ولم تنجح مهمة التصفية النهائية لقوات العدو لأنها كانت فوق طاقة القوات المهاجمة , ولهذا تعدلت المهمة بناء على أوامر القيادة العامة إلى ثلاثة أهداف جديدة وهى ,
الأول : التمسك برأس الكوبري شرق القناة ومنع تآكل الجانب الأيمن من الجيش الثانى ,
الثانى : منع العدو من الوصول إلى مدينة الإسماعيلية والإستيلاء عليها
الثالث : منع العدو من السيطرة على طريق الإسماعيلية ـ مصر الصحراوى وكذلك منعه من تحقيق أى أهداف في مدينة السويس سواء بالإحتلال أو السيطرة
وكانت هذه الأهداف التي وضعتها القيادة العامة في تلك المرحلة كفيلة بضرب عملية الثغرة من خلال ضرب أهدافها في مقتل ثم التفرغ لحصار العدو غرب القناة بحجم قواته تمهيدا لإبادتها ,
وكانت أهداف العدو من عبور الفرقتين المدرعتين واللتين لحقت بهما فرقة ثالثة هى محاولة الإستيلاء على الإسماعيلية والسويس والسيطرة على طريق القاهرة وقطعه , بالإضافة إلى تطويق الجيش الثالث والتهميد لإبادته لتوجيه ضربة قاصمة للقوات المصرية ,
وهى الأهداف التي عجز العدو عن تحقيقها حتى بعد اختراقه لوقف إطلاق النار وتوقف القتال يوم 28 أكتوبر
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

المرحلة الثانية من معارك الثغرة

في تلك المرحلة اكتمل للعدو سبعة ألوية مدرعة غرب القناة ( 3 ألوية من فرقة إبراهام و2 من فرقة شارون و2 فرقة كلمان ماجن ) وذلك بعد حصر خسائر الفرق الثلاث خلال معارك المرحلة الأولى من معارك الثغرة ,
ولم يكن للقوات المصرية سوى لواءين مدرعين من الفرقة الرابعة المدرعة بخلاف الإحتياطى الإستراتيجى التابع للقيادة العامة
وفى شرق القناة عجزت قوات العدو عن إنجاح أى هجوم مضاد أو تهديد رأس كوبري الجيش الثانى المصري تهديدا فعليا يؤدى إلى سقوطه بعد أن نجحت القوات المصرية في رد جميع الهجمات والإحتفاظ برأس الكوبري وفق تعليمات القيادة العامة كأول أهداف معارك تلك المرحلة ,
وهكذا تحول معظم نشاط العدو إلى غرب القناة وركزت القوات الموجودة بقوة ثلاث فرق في محاولة إنجاز أهداف القيادة الإسرائيلية في عملية تطويق أحد الجيشين وتهديد مدن القناة ,
وتمثلت خطة العدو في تنفيذ المهمات على النحو التالى ,
فرقة شارون : وتختص بالمحور الشمالى محور الإسماعيلية وكان هدفه الإستيلاء على مدينة الإسماعيلية بعد عبور ترعة الإسماعيلية وكانت القوات المصرية التي تواجه قوات شارون المدرعة هى اللواء 182 مظلات بقيادة إسماعيل عزمى وكتيبتين من الصاعقة دون أى قوات مدرعة ,
فرقتى كلمان ماجن وإبراهام أدان : وتعمل على المحور الجنوبي محور السويس وهدفها هو أحد أهداف العملية الرئيسية وهو إسقاط مدينة السويس والتى كان منتظرا أن يحدث سقوطها دويا هائلا , بالإضافة إلى استكمال حلقة حصار الجيش الثالث تمهيدا بإبادته ,

مع الوضع في الإعتبار أن التحركات الدولية للقوتين العظميين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتى توافقتا على ضرورة وقف إطلاق النار بناء على قرار مجلس الأمن ,
وكانت الإتصالات والتحركات الدولية من القوتين العظميين وغيرهما تضاهى سخونة المعارك نظرا لامتداد تأثير الحرب في الشرق الأوسط على مجريات الأمور السياسية بعد العالم , وحسن استخدام العرب لسلاح البترول الذى تدخلت به دول الخليج العربي إلى جوار دول المواجهة ,
وكان الإتحاد السوفياتى والولايات المتحدة حاولا وقف إطلاق النار منذ اليوم الثانى الحرب ورفضت مصر وأخذت الأمور في شد وجذب حتى أعلن الرئيس السادات في خطابه أمام مجلس الشعب يوم 16 أكتوبر شروطه لوقف إطلاق النار ورؤاه حول التسوية ,
ثم تقدمت الإقتراحات لمجلس الأمن بضرورة فرض وقف إطلاق النار وتم عرض موعد يوم 22 أكتوبر لوقف إطلاق النار وقبلته الأطراف المعنية وإن تأخرت سوريا في قبوله بعض الوقت , وقبلته مصر
لكن إسرائيل أعلنت موافقتها وهى تضع بذهنها ضرورة استغلال وقف إطلاق النار للإسراع بتنفيذ أهدافها بتغطية من الولايات المتحدة أو بمعنى أصح بتغطية من هنرى كيسنجر الذى حرض إسرائيل رسميا على قبول وقف إطلاق النار وخرقه بعد ذلك كوسيلة مضمونة لتحقيق أهداف عملية الثغرة
وبالتالى كانت أمام الفرق الإسرائيلية الثلاث مدة كافية لوضع جدول زمنى سريع لانجاز المهام المطلوبة ,

و عليه تحركت قوة لواء تابعة إلى فرقة إبراهام بقيادة الكولونيل جابي في اتجاه مطار فايد وواجه خلال تقدمه مقاومة مصرية عنيفة فتم إمداده بكتيبة مشاة إضافية فضلا على كتيبة مهندسين ومع ذلك نجحت القوة المصرية الصغيرة التي تدافع عن منطقة فايد وعن المطار بقيادة العقيد حسين حسنى في وقف تقدم اللواء المدرع المدعم طيلة نهار يوم 19 أكتوبر واضطرت المقاومة المصرية التي كان معظمها مشكلا من الوحدات الإدارية الضعيفة وبعض مجموعات المخابرات الحربية إلى الإنسحاب صباح يوم 20 أكتوبر ,
وبسقوط مطار فايد في يد العدو تمكن من إنشاء جسر رأس كوبري جوى على الضفة الغربية للقناة تمتد منه الإمدادات من الضفة الشرقية
وخلال تلك الفترة تقدم لواءان مدرعان من فرقة إبراهام أيضا في اتجاه جبل جنيفة وتمكن اللواءان من الإستيلاء على تلك النقطة الحيوية في 21 أكتوبر رغم المقاومة المصرية من اللواء 113 ميكانيكى ولكنه لم ينجح لتأخره في الإستيلاء على تلك النقطة قبل قوات العدو مما تسبب في سقوطها
وقبيل فجر يوم 22 أكتوبر تلقي الجنرال إبراهام أدان برقية تفيد بالموعد المحدد لوقف إطلاق النار في الساعة السادسة مساء نفس اليوم ,
ولهذا وضع الجنرال إبراهام خطته على أساس تنفيذ الإستيلاء على مدينة السويس قبل وقف إطلاق النار حتى لو كانت أمامه فرصة لخرق وقف إطلاق النار فينبغي استخدام تلك الفرصة لتثبيت الوصول للهدف ,
واندفع الجنرال إبراهام بقوته الضاربة المكونة من ثلاثة ألوية مدرعة اندفاعا سريعا يهدف إلى تحقيق قدر من الفزع للقوات المصرية التي تواجهه فتترك أماكنها نتيجة لانعدام قدرتها أمام الدبابات والتفوق الجوى
وهو الأمر الذى نجح في معارك 67 لكنه فشل فشلا تاما في معارك أكتوبر في ظل استراتيجية القتال المصرية ( الرجل ضد الدبابة ) ولهذا انتفي عنصر الفزع من هجوم الدبابات ولم ينجح ,
وذلك بسبب التدريبات المذهلة التي تلقاها فرد المشاة المصري لتأهيله لاعتياد منظر انقضاض الدبابات الذى يثير الفزع في قلوب أعتى الرجال , لكنه مع رجال المشاة المصريين كان أمرا اعتادوه طيلة ست سنوات من التدريب كانت الدبابات تعبر فوق رءوسهم على الخنادق حتى أصبح هديرها المرعب أشبه بالموسيقا الكلاسيكية لا ينام فرد المشاة إلا على صوته !
فقام الجنرال إبراهام باستغلال تفوقه في التسليح باعتبار سلاحه الرئيسي هو الدبابات واندفع بسرعة وبتركيز ملتفا ومتفاديا للمقاومة التي كان يواجهها وهى مقاومة أفراد وبقية الوحدات الإدارية في الأساس ,
ورغم تيسر الأمر أمامه إلا أنه عجز عن الوصول إلى منطقة مجرى قناة السويس ومدينة السويس عندما حل موعد وقف
إطلاق النار في السادسة من مساء يوم 19 أكتوبر ,


أما فرقة الجنرال كلمان ماجن ,
فقد اندفعت ـ كما هو متفق عليه ـ لمعاونة فرقة إبراهام على احتلال السويس من يوم 20 أكتوبر في محاولة محمومة قبل وقف إطلاق النار ونجحت في الإستيلاء على بعض النقاط الحيوية مستغلة غياب المقاومة وخلو تلك المواقع من القوات المصرية , وكان حدها الأقصي عندما حل وقف إطلاق النار على بعد 5 كيلومتر من طريق القاهرة ـ السويس ,

وكان مجلس الأمن قد أصدر قراره المتفق عليه بين الأطراف المعنية وبرعاية الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتى على وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر وهو القرار رقم 338 مكونا من ثلاثة بنود ,
الأول : دعوة الأطراف المعنية لوقف إطلاق النار وإلى إنهاء النشاط العسكري في وقت لا يتعدى 12 ساعة من ساعة صدور القرار وهى السابعة من صباح يوم 22 أكتوبر
الثانى : دعوة الأطراف المعنية إلى البدء فورا بعد وقف إطلاق النار في تنفيذ القرار 242 بجميع أجزائه وهو القرار الذى صدر عن مجلس الأمن في مرحلة سابقة ويشجب ضم أراضي الغير بالقوة ,
الثالث : البدء في مفاوضات فورية بين الأطراف المعنية ,

 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وكان القرار محصلة الإتصالات السياسية التي تمت خلال أيام الحرب ,
والتى تكثفت بشكل كبير بعد دخول الحرب أسبوعها الثانى واشتعال المعارك السياسية في العالم أجمع من جراء الصراع في الشرق الأوسط
ولذا قام الإتحاد السوفياتى بدعوة هنرى كيسنجر لمفاوضات مباشرة في موسكو توفيرا لوقت كى يبحث الطرفان سبل إلزام أطراف القتال بقرار اقترحه الإتحاد السوفياتى وهو القرار 238 ,
وذهب هنرى كيسنجر إلى موسكو وأجرى اتصالات سياسية مع ليونيد بريجنيف زعيم الإتحاد السوفيتى وقتها وسكرتير عام الحزب الشيوعى وتم الإتفاق على أن التقدم بمشروع القرار وفق الموعد المتفق عليه وهو السادسة من مساء يوم 22 أكتوبر ,
وفى تل أبيب دعت جولدا مائير أعضاء حكومتها يوم 21 أكتوبر للنظر في الأمر وانتهت إلى قبول وقف إطلاق النار في الموعد المحدد وبالتالى وافق مجلس الأمن على القرار بالإجماع ,
ولكن جولدا مائير كانت قد أضمرت خرق وقف إطلاق النار حتى تنفذ خطتها التي تكبدت بسببها خسائر فادحة ,
ولهذا أرسلت لهنرى كيسنجر أن يمر على تل أبيب في طريق عودته من موسكو , [1]
ودارت بينهما مناقشات حول هذا الأمر وانتهت إلى نصيحة كيسنجر أن تمضي في تنفيذ خطتها كما هى وتمنح جنرالاتها الفرصة لخرق وقف إطلاق النار والسعى لإكمال حصار الجيش الثالث واحتلال مدينتى الإسماعيلية والسويس , ولكن في فترة أقصاها المدة التي تستغرقها طائرة هنرى كيسنجر للعودة إلى واشنطن ,
وأصرت جولدا مائير على أن تأخذ من هنرى كيسنجر ضمانا كاملا بمنحها الوقت الكاف حتى لو تجاوز ما حدده كيسنجر لأن أوضاع القوات الإسرائيلية الآن ليست في صالحها , وطلبت جولدا مائير مساندة كيسنجر لإيقاف ضغط الإتحاد السوفياتى حتى تتم القوات الإسرائيلية مهمتها
ومن الطائرة استخدم هنرى كيسنجر ألاعيبه السياسية وأرسل عددا من البرقيات إلى سفير الإتحاد السوفياتى في الولايات المتحدة ولم يكن الغرض من تلك البرقيات إلا تضييع الوقت والوعود بعقد مؤتمرات متابعة لقرار وقف إطلاق النار ,
وفى نفس الوقت مارس نفس اللعبة مع القاهرة من خلال برقيات تفتح موضوعات للمفاوضات مع الرئيس السادات كان هذا الأخير يتبادلها معه وكان الغرض أيضا هو تضييع الوقت ومنح إسرائيل الفرصة الكاملة لتعديل أوضاعها المزرية على الجبهة لا سيما بعد فشل الإسرائيليين في تحقيق أى هدف تكتيكى من عملية الثغرة , وأصبحت معرضة للحصار بدلا من أن تصبح القوة الإسرائيلية هى قوة الحصار للجيشين الثانى والثالث

وكان الفريق الشاذلى قد عاد من الجبهة يوم 20 أكتوبر بعد أربعين ساعة قضاها في مقر قيادة الجيش الثانى , وطلب الفريق الشاذلى حضور الرئيس السادات لمركز القيادة رقم 10 حتى يتم حسم الخلاف في الطريقة المثلي لمعالجة الثغرة بعد أن رفض الوزير اقتراح الشاذلى بسحب أربعة ألوية مدرعة من القوات المصرية في الشرق إلى الغرب حيث تعمل على مواجهة العدو هناك وتقوم بتصفيته أو تحجيمه ,
وكان هذا الخلاف هو أول خلاف عنيف يتم بين الرئيس السادات والفريق الشاذلى حيث جاء السادات لمقر القيادة واستمع لشرح الموقف من القادة ومن الوزير وعلم أيضا باقتراح الفريق الشاذلى وكان قراره الرفض القاطع لسحب أى جندى من الشرق إلى الغرب لسببين هامين :
الأول : أن سحب الألوية الأربعة لن يمكن من القضاء على الثغرة التي يوجد بها للعدو سبعة ألوية مدرعة كاملة واستقرار الأوضاع شرق القناة أمر لا مفر منه ولا يجوز التلاعب به وتهديده بسحب أى قوة منه
الثانى : أن الحاجة ليست ملحة لأن الوضع ليس من الخطورة الشديدة التي تستدعى التخلى عن مكاسب القوات شرق القناة والمغامرة بمنح الفرصة للعدو من تدمير أحد الكباري المصرية أو الإستيلاء عليها ,

وهذا حسبما أجاد في شرحه الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه ( السلاح والسياسة ) من أن أوضاع القوات الإسرائيلية غرب القناة في تلك الفترة لم تكن في موقف قوة بل كانت في موقف أضعف كثيرا من موقف القوات المصرية لعدة أسباب
الأول : أن جميع هذه القوات لم تنجح في الوصول إلى أهدافها ولم تمتلك ورقة تهديد حقيقية واحدة يمكنها الإستفادة منها فضلا على أن وضعها غرب القناة على أرض لم تعتدها وفى ظل حرب استنزاف مستمرة تقوم بها القوات الخاصة من المظلات والصاعقة كان يضعها جميعا تحت استمرار الخسارة دون تحقيق أى مكاسب
الثانى : أن أرتال الدبابات والمدرعات كانت تلاقي عنتا شديدا في الحركة وتصطدم بشتى أنواع المعوقات وفى ظل انهيار معنوى للقوات الإسرائيلية بعد حلول موعد وقف إطلاق النار وهم في هذا الحصار
الثالث : كان الوضع نفسه يمثل استنزافا شديدا للجيش الإسرائيلي كله دون أن تقوم بمصر بإجراء واحد , ذلك أن خطوط الجيش الإسرائيلي كانت قد طالت بأكثر مما يحتمله أكبر جيش في العالم حيث امتدت خطوط مواصلاته إلى أكثر من خمسمائة كيلومتر وبلا عمق يساند هذا الطول مما يجعله عرضة للقطع في أية لحظة ,
فضلا على أن حالة التعبئة العامة بدأت تأتى آثارها بعد أسبوعين من العمليات واستمرار الجيش الإسرائيلي في تلك الحالة غير محتمل بعكس القوات المصرية التي يمكنها احتمال التعبئة حتى ستة أشهر بالأوضاع الحالية ,
الرابع : كان استمرار الموقف كما هو عليه في صالح القوات المصرية على طول الخط ووقف إطلاق النار في صالح إسرائيل مهما كانت خسائرها , لأن عدم توقف العمليات في ظل بقاء السيطرة المصرية على باب المندب وفى ظل حظر البترول وفى ظل حالة التعبئة العامة كان يعنى الهزيمة الكاملة لإسرائيل
ولهذا السبب كان طلب جولدا مائير ملحا في أن يعاونها كيسنجر على خرق قرار وقف إطلاق النار لتضمن التزام القوات المصرية به بينما تمنح هى لجنرالاتها حرية العمل السريع لانجاز أى مكسب قبل وقف العمليات ,

ولهذا كان القادة في مركز العمليات يتصرفون بهدوء رغم توتر أجواء المركز رقم 10 بسبب التشاحن بين الفريق الشاذلى والرئيس السادات والوزير ,
وجدير بالذكر أن قرار الفريق الشاذلى واقتراحه سحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق لم يكن قرارا موفقا بدليل اتفاق المحللين العسكريين مثل اللواء جمال حماد وبقية قادة الأفرع الرئيسية في القوات المسلحة على صواب قرار السادات بعدم سحب أى قوة من الشرق للغرب ,


الهوامش :
[1]ـ أكتوبر 73 ـ السلاح والسياسة ـ محمد حسنين هيكل ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وقد خالف القادة الفريق الشاذلى في هذا الإقتراح كما عرض اللواء جماد ,
وتبادل مع الفريق الشاذلى ـ عبر الصحف ـ حوارا علميا ممتعا حول هذا القرار تم نشره في كتاب ( المعارك الحربية على الجبهة المصرية ) وأثبت فيه اللواء جمال حماد أن القرار لم يكن على الصواب من الناحية العسكرية ومن الناحية التكتيكية كما أثبت فيه أن الشاذلى انفرد بهذا الإقتراح بين بقية القادة الذين لم يشاركوه الحماسة لاقتراحه ,
و هذا الإقتراح لا يمس كفاءة الفريق الشاذلى العسكرية , بل يمكن تفهمه في ظل الأخطاء البشرية المعتادة ,
بالإضافة إلى أن الفريق الشاذلى تعرض لظلم فادح وافتراء بيّن من الرئيس السادات الذى استغل موقعه وانفراده بالإعلام وقام بتشويه صورة الفريق الشاذلى أمام المجتمع بادعاءات كاذبة , ومنها ,
أن الفريق الشاذلى ذهب للجبهة يوم 16 أكتوبر وعجز عن اتخاذ القرار المناسب لتصفية الإختراق وكانت قوات العدو صغيرة يسهل تدميرها في ذلك الوقت
وهذا كذب وافتراء لأن الشاذلى ذهب للجبهة يوم 18 أكتوبر وعاد يوم 20 وكانت الفرق المدرعة الثلاث للعدو قد أتمت عبورها لغرب القناة , وإنما لجأ السادات إلى تقديم موعد ذهاب الشاذلى قبل تفاقم الإختراق كى يحمله المسئولية وهو ما لم يستحقه الشاذلى ولا غيره من القادة ,
أيضا اتهم السادات الفريق الشاذلى بأنه سعى لإنشاء قيادة جديدة في الجبهة ينافس بها غريمه وعدوه وزير الدفاع المشير أحمد إسماعيل , وهذا أيضا غير صحيح لأن الفريق الشاذلى مارس عمله خلال تلك الفترة من مركز قيادة الجيش الثانى ولم ينشئ أى قيادات جديدة ,
وقد كان الفريق الشاذلى مختلفا بالفعل مع المشير أحمد إسماعيل إثر خلافات قديمة دبت بينهما في الستينيات عندما كانا معا ضمن القوات المصرية في الكونغو ونشأ بينهما سوء تفاهم متبادل
إلا أن الحق يقال أن الظروف عندما جمعت الرجلين في معركة مصير صعدا فوق هذه الخلافات وتعاونا معا تعاونا مثمرا لا يضيره أبدا خلافات وجهات النظر أثناء العمل المجيد الذى حققوه في حرب أكتوبر
والسادات بكلامه هذا كان يحاول تجديد الخلافات التي ساهم في إذكائها بنفسه , وهو أمر غريب من السادات أن يلجأ لاتهام الشاذلى بذلك مع العلم أن السادات هو المسئول الأول عن هذا باعتباره وضع رجلين متناقضين في قيادة معركة واحدة وهو يعلم ما بينهما من جفوة قديمة !

وبسبب الخلافات تحولت وجهات النظر إلى تراشق مؤسف بالإتهامات بين الأطراف ولم يكن هناك داع لهذا كله لأن الموقف على الجبهة لم يكن يستدعى إلا الفخار والإعتزاز ,
ولكن الخلافات الشخصية وتصفية الحسابات هى التي جعلت بعض الأطراف يحاول ضرب بعض منجزات أكتوبر وتضخيم المشكلات الطبيعية سعيا للدفاع عن وجهات نظر متعارضة وفى سبيل البرهنة على أن هذا الطرف أو ذاك تسبب فى مآزق للقوات المصرية ,
وهو أمر بالغ الغرابة عندما نتأمل أوضاع القوات المصرية يوم 29 أكتوبر وهى تسيطر على مواقعها سيطرة كاملة وبنجاح فاق التوقعات ليكون خير ختام لحرب أكتوبر

وعودة إلى سير المعارك ,
حيث قبل الرئيس السادات قرار وقف إطلاق النار ولكن بعد أمر قواته على الجبهة بإطلاق صاروخين سكود على قوات الثغرة قبل قرار وقف إطلاق النار ,
وهذه الصواريخ التكتيكية هى التي هدف السادات منها إلى إرسال رسالة إنذار لإسرائيل أنه جاد في قراره بتصفية القوات الإسرائيلية في هذا الجيب المحاصر غرب القناة , لا سيما وأن أوضاع القوات الإسرائيلية الأخيرة دفعتها لتجميع قواتها فتشمل سائر قوتها حتى يمكنها استخدام مدرعاتها بالقوة النافذة ,
ولكن هذا التجميع كان يسهل المهمة على القوات المصرية من جانب آخر حيث أن استخدام الصواريخ التكتيكية ذات القوة التدميرية العالية سكود وصواريخ سام المعدلة (أرض / أرض ) كان سينجم عنه تدمير تجمعات القوات الإسرائيلية تدميرا شاملا من خلال الخطة شامل وهى الخطة التي انتهت إليها القيادة في المركز رقم 10,
وكانت هذه الصواريخ تتكون من نوعين لهما قدرة تدميرية عالية الفتك ,
النوع الأول : صاروخ سكود r17e والذي ورد إلى مصر قبيل الحرب وكان في وقتها من أحدث الصواريخ في مجاله ,
النوع الثانى : وهو صاروخ سام 2 الذى تم تحويله إلى صاروخ ( أرض / أرض ) بتعديل مصري فذ من سلاح المهندسين وتم استغلال كميات منه للعمل في مجال الصواريخ الأرضية لقوته التدميرية العالية ,
وبناء على أوامر القيادة تم استقدام الصواريخ من مرابضها في إحدى ضواحى القاهرة ودفعها للجبهة وتجهيزها من خلال الخطة المعتمدة للفتك بالقوة الضاربة للجيش الإسرائيلي ,
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

اختراق إسرائيل لوقف إطلاق النار :

في كل المعارك الحربية التي خاضتها إسرائيل قامت بخرق وقف إطلاق النار بعد تعدها بالإلتزام ,
ولم تشذ عن هذا الأسلوب في أى معركة لما يحققه لها من مكاسب على الأرض إذا التزم الطرف المقابل لها بقرار الوقف أو الهدنة ,
ففي معركة 48 قامت بخرق الهدنة عقب قبولها , وفى حرب 56 أثناء العدوان الثلاثي , وحتى في حرب 67 رغم المكاسب التي حققتها فقد قامت بخرق وقف إطلاق النار واجتاحت هضبة الجولان السورية يوم 9 يونيو ,
وفى أثناء معارك حرب أكتوبر ورغم إعلانها الرسمى بقبول قرار وقف إطلاق النار كان النية مبيتة هذه المرة ومتفق عليها بين جولدا مائير وبين هنرى كيسنجر الذى تعهد تماما بتغطية خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار بعد هذا الإنهيار الذى كان يهدد موقف جيشها عقب فشله في استغلال الوقت لتحقيق أى هدف تكتيكى من عملية الإختراق ,


وقد أصيب الإسرائيليون بخيبة أمل شديدة عندما حل وقف إطلاق النار لأن الفرق الثلاث جميعا لم تنجح في مجرد الوصول إلى المناطق التي تم تكليفها باحتلالها ,
فضلا على أنها لم تكن تحكم قبضتها على الأراضي التي استولت عليها بمساحة عرضية 20 كيلومتر غرب القناة بسبب التسرع في الإنطلاق والإندفاع الذى كان يحكم القوات الإسرائيلية مما دعاها لتفادى المقاومة المصرية من خلال نقاط المرور وعدم الإصطدام بها ,
وهكذا كان الوضع خطيرا أمام القوات الإسرائيلية مساء يوم 22 أكتوبر حيث تداخلت خطوط مواصلات القوات الإسرائيلية مع الخطوط المصرية وأصبح كل منهما يهدد خطوط الآخر
إلا أن التهديد من الجانب المصري كان أفدح تأثيرا لأن الإرتباك كان يسود سائر خطوط العدو غرب القناة وهو الأمر الذى يسر شن حرب استنزاف ثانية ـ على حد تعبير المحللين العسكريين ـ ضد القوات الإسرائيلية غرب القناة ,


وكان هنرى كيسنجر لا يزال يعيش في أوهامه ,
ففي البداية كان يظن أن إسرائيل ستأخذ المبادأة بعد 48 ساعة من الحرب وستقوم خلال هجومها المضاد الأول بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل يوم السادس من أكتوبر ,
ولهذا أفرط في استخدام الجسر الجوى الذى مد إسرائيل بأسلحة متفوقة كما وكيفا ,
فلما فشلت جميع الهجمات المضادة الإسرائيلية ووصلت الخسائر الإسرائيلية إلى حد مفزع ,
أعطى كيسنجر أمله وطموحاته إلى موقف الثغرة باعتبار أن نجاح إسرائيل في تصفية القوة المصرية غرب القناة سيتيح لها تصفية الكباري في الشرق وبالتالى تحطيم الجيش المصري أو دفعه للإستسلام ,
لهذا كان هو البادئ باقتراح خرق وقف إطلاق النار قبل حتى أن تطلبه إسرائيل عندما أرسل لجولدا مائير برقية يخبرها فيها أن الولايات المتحدة ستتفهم الوضع إذا قامت إسرائيل بخرق إطلاق النار لعدة ساعات إضافية ,
ولكن كيسنجر فوجئ بأن إسرائيل لا تطلب بضع ساعات كما توقع بل تطلب أياما , وهو ما دفعه إلى محاولة تعطيل الإتحاد السوفياتى عن القيام بأى احتجاج أو التصرف في هذا الأمر وفى نفس الوقت استخدم مع الرئيس السادات أسلوب الحقن المخدرة حتى يستطيع أن يكسب لإسرائيل يومين إضافيين
ونجح هذا الأسلوب مؤقتا إلا أن يوم 24 أكتوبر كان يوما حافلا في السياسة العالمية حيث أن إسرائيل استمرت في محاولاتها لإكمال مهمتها غير عابئة بالموقف الدولى اعتمادا على كيسنجر
لكن كيسنجر تعرض لموقف صعب بعد أن أدرك السوفيات لعبة كيسنجر وعليه أرسلوا إليه بصور الأقمار الصناعية التي توضح اختراق القوات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار عمدا وأن القوات المصرية التزمت بالقرار بعكس ادعاء إسرائيل أن قوات الجيش الثالث كانت هى البادئة بالخرق !


وحاول كيسنجر تهدئة أعصاب برينجنيف إلا أن هذا الأخير كان قد أدرك أن كيسنجر يستمر في التلاعب به , وعليه أرسل ثلاث رسائل متوالية شديدة اللهجة إلى ريتشارد نيكسون الذى كان قد أعطى كيسنجر سائر الصلاحيات , وهدد بريجنيف في رسالته الأخيرة بالتصرف مفردا وبالقوة المسلحة لوقف تجاوزات إسرائيل
واستدعى كيسنجر السفير الإسرائيلي وحمله رسالة عاجلة لجولدا مائير بأن الموقف الدولى أصبح في وضع بالغ الخطورة وليس من مصلحة إسرائيل الإستمرار في تحدى القرار الدولى إلى هذا الحد ,
لا سيما وأن الرئيس السادات أيضا أرسل إليه يسحب جميع تعهداته السابقة ويهدد بتصفية الثغرة عسكريا ,
ورغم هذا كان رد فعل جولدا مائير يوضح مدى الإستخفاف الذى تتعامل به إسرائيل مع الأوضاع الدولية حتى لو أدت إلى مواجهة نووية بين القوتين العظميين في العالم ,
فقد ردت على كيسنجر بعد يومين كاملين من اختراق وقف إطلاق النار بأن جنرالاتها رجوها في بضع ساعات إضافية وأنها لم تستطع أن ترفض رجاءهم ,
وهكذا قرر كيسنجر أن يقبل التحدى السوفياتى ,
وكما استعدت الفرق الجوية السوفياتية المحمولة جوا للعمل بناء على قرار برينجنيف قبيل إرسال رسالته الأخيرة إلى نيكسون , قرر كيسنجر في اجتماع مجموعة العمل المصغرة أن يرفع درجة التأهب النووى في سائر القواعد الأمريكية في أنحاء العالم ورفع درجة استعداد القوات الأمريكية في تلك القواعد والاستعداد للعمل في منطقة الشرق الأوسط ضد مصر إذا أرسل السوفيات قواتهم إليها ,
ووقف العالم أجمع على شفا حرب نووية بين الدولتين بسبب معارك الشرق الأوسط
واستمر خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار حتى يوم 28 أكتوبر أى أنها استمرت في ذلك لمدة ستة أيام كاملة حتى تم فرض وقف إطلاق على خطوط جديدة مخالفة لخطوط 22 أكتوبر عن طريق استخدام قوات الأمم المتحدة في مراقبة وقف إطلاق النار بين الجانبين ,
ورغم كل هذه الإنتهاكات فقد انتهت المحاولات الإسرائيلية إلى الفشل الذريع بعد فشل خطة تصفية رءوس الكباري المصرية بالإضافة لفشل شارون في السويس وفشل إبراهام أدان وكلمان ماجن في الإسماعيلية رغم أنهم نجحوا في الحصار الجزئي للجيش الثالث الميدانى إلا أن القوات المصرية كانت تحاصر الجيب الإسرائيلي تماما ,
وقد رد كيسنجر على رسالة السادات التي هدده فيها بنسف الثغرة بما عليها ومن عليها بأنه لن يرضيه أن يدمر فيلقا إسرائيليا كاملا بكل ما يحمله من أسلحة أمريكية , وهدده تهديدا مبطنا ووعده بأن إسرائيل ستلتزم بالإنسحاب من مواقعها في الغرب عقب المحادثات التي تمت فيما بعد تحت اسم محادثات الكيلو 101 ,
وعلى إثرها انسحبت القوات الإسرائيلية دون أى مكسب من غرب القناة ونفذت الإنسحاب الكلى من سيناء على مراحل متفاوتة ,
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

المواجهات بعد وقف إطلاق النار :
بعد اختراق إسرائيل لوقف إطلاق النار وجهت قواتها إلى الإستيلاء على مدينتى السويس والإسماعيلية وهى المحاولات التي انتهت بالفشل وظهرت فيها عدة بطولات مصرية فردية قامت بها قوات الصاعقة والمظلات بالإضافة إلى مجموعات المقاومة الشعبية التي تمكنت من ضرب أروع الأمثلة على صلابتها ,
فقد اندفعت قوات فرقتى كلمان ماجن وإبراهام أدان في محاولة عزل مدينة السويس لمحاصرتها وفى أول أيام الإندفاع تكبدت الفرق الإسرائيلية 80 دبابة من المقاومة الفردية للوحدات المصرية رغم مفاجأة المصريين بخرق العدو لإطلاق النار
وهنا تحركت الفرقة الرابعة المدرعة التي تم تكليفها بمهمة تأمين النطاق التعبوى للجيشين الثانى والثالث , ومع مفاجأة اندفاع الإسرائيليين تمكن قائد الجيش الثالث اللواء عبد المنعم واصل من تغيير مركز القيادة المتقدم ومواصلة مهمته لتأمين طريق القاهرة ـ السويس , بعد أن اخترق الإسرائيليون موقع مركز قيادته الأول
وأكملت وحدات العدو تقدمها في اتجاه مدينة السويس بغرض الإستيلاء عليها , وتم تقسيم قواتها يوم 24 أكتوبر لتقوم الوحدات المدرعة بمهاجمة المدينة من ثلاث اتجاهات ,
وكانت هناك ثقة كاملة من العدو من سهولة تنفيذ المهمة نظرا لأن المدينة كانت خالية من شعبها تقريبا إلا القليل فضلا على أن المقاومة المصرية تفتقر إلى أى قوات مدرعة ,
ورغم أن السويس كانت خالية من الوحدات العسكرية وليس هناك توقع من استهداف العدو لها فلم يتم اتخاذ خطط لتأمينها ضد هجوم مدرع على هذا النحو ,


إلا أن انكشاف خطة الثغرة أمام القيادة المصرية وإدراكها بأهداف العدو كان هو السبب في تلاحم قوات الصاعقة والمظلات وبعض الجنود والإداريين مع أفراد المقاومة الشعبية لتغيير الموقف في السويس تغييرا كليا
حيث تم توزيع الأسلحة المضادة للدبابات والقنابل والمفرقعات اليدوية والأسلحة الخفيفة على قوات المقاومة وتم تجهيز مدينة السويس كفخ للقوات الإسرائيلية المدرعة ,
وبدأت الدبابات الإسرائيلية في التقدم وفق الخطة وتركها أفراد المقاومة تدخل للمدينة التي بدت لهم خالية تماما من سكانها ومن المقاومة ,
وعندما توغلت الدبابات الإسرائيلية انفتحت أبواب الجحيم على المدرعات الإسرائيلية وناقلات الجنود عبر نوافذ العمارات التي ظنها الإسرائيليون خالية
ومع المفاجأة وحسن توزيع النيران تكرر المشهد الخالد في بداية الحرب مرة أخرى وقفز الجنود الإسرائيليون من الدبابات تاركينها لمصيرها بعد الفزع الذى لاقوه من صيحة ( الله أكبر )
رغم أنه فزع غير مبرر من الناحية المنطقية فلم تكن في مواجهة الإسرائيليين المسلحين بالمدرعات إلا قوات شعبية في معظمها ومسلحة بالأسلحة الخفيفة ,
إلا أن هذا النصر الساحق كان ـ كما كررنا دائما ـ وعدا إلهيا في القرآن الكريم حيث يقول عز وجل :
[إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ] {الأنفال:12}
وهذا ما تحقق في ملحمة المقاومة الشعبية المطعمة بأفراد القوات المسلحة في السويس وتسببت في تدمير أرتال من دبابات العدو فضلا على خسائره العنيفة في الأفراد الذين وقعوا في يد الأهالى بين قتيل وجريح وأسير ,
وتراجعت بقية القوات المدرعة للفرقتين إلى خارج المدينة كما تمكنت المقاومة الشعبية من حصار قوة المظلات الإسرائيلية التي احتلت قسم الشرطة بعملية إنزال , لكن العملية فشلت بعد أن ضربت المقاومة الحصار حول القسم واقتحمته وحررته ,
وهكذا قبعت دبابات العدو وبقية قواته خارج مدينة السويس في نفس الوقت الذى نجحت فيه قوات الجيش الثالث في منع العدو من أى تهديد لطريق القاهرة ـ السويس


ولا شك أن ملحمة السويس في حرب أكتوبر كانت ملحمة بطولية تعرضت لها المراجع الإسرائيلية نفسها بشيئ كبير من الرهبة والندم على محاولة اقتحام المدينة ,
وبعد أن وصفت المراجع الإسرائيلية الفخ الذى وقعت فيه قوات الفرقتين المدرعتين خلصت إلى نتيجة أن محاولة اقتحم مدينة السويس كانت خطيئة مميتة دفعت إسرائيل ثمنها غاليا [1]


ولم يكن حظ قوات الجنرال شارون أفضل ,
حيث مضي في طريقه يحدوه أمل تحقيق مجد شخصي عن طريق احتلال مدينة الإسماعيلية , وهناك تجهزت قوات الصاعقة والمظلات المصرية من الكتيبة 89 مظلات والكتيبة 81 مظلات والكتيبة 85 مظلات للتصدى لألوية المدرعات والمظلات الإسرائيلية ,
وفشلت أولى محاولات لواء الماجور دانى مات للاستيلاء على موقع سرابيوم الحيوى وتراجعت قوته بخسائر كبيرة ولما حاول إعادة الهجوم جنوب سرابيوم تصدت له الكتيبة 81 مظلات مما أفشل الهجوم مرة ثانية وزاد من خسائره ,
وقام شارون بمد لواء دانى مات بكتيبة مدرعات التي اخترقت موقع سرابيوم فما كان من قوة الكتيبة 81 إلا أن نسفت الكوبري القائم على الترعة الحلوة والإرتداد شمالا ,
وأصدرت القيادة المصرية أوامرها إلى اللواء 118 مشاة باحتلال الخط الدفاعى بمحاذاة ترعة الإسماعيلية في نفس الوقت الذى تقوم به قوات اللواء 182 مظلات بالتمسك بموقع طوسون الدفاعى ,
ورغم نجاح العدو في تأمين ساحة العبور إلا أن هذا التأمين تهدد بعمليات الصاعقة التي تم إعدادها من القيادة لمواجهة العدو جنوب ترعة الإسماعيلية ,
وفى هذه الفترة استشهد العميد إبراهيم الرفاعى وهو يقاتل وحدات العدو المدرعة وكان رحمه الله أبرز أبطال حرب أكتوبر والرجل الذى دوى اسمه في إسرائيل مقرونا بعملياته الفدائية الرهيبة أثناء حرب الإستنزاف بسبب قيادته لمجموعة المخابرات التي عرفت باسم ( المجموعة 39 )
وقد استشهد بطلقة دبابة كاملة ومن الغريب أن وجدوا جسده وعلى وجهه إشراقة نورانية مصحوبة بابتسامة ليست مستغربة على من قدم حياته في هذا الجهاد ,


وقامت الصاعقة والمظلات بعمليات مكثفة هدفها تهديد أى استقرار للعدو في تلك المنطقة ومنع تقدمه فقامت بنسف الجسر الشرقي لترعة السويس وهى الترعة التي تغذى مدينة السويس بالمياه , وغرقت منطقة المزروعات مما جعل الدبابات الإسرائيلية التي تهاجم موقع الكتيبة 89 مظلات تغرق في الأرض الموحلة ويتوقف تقدمها تماما ,
في نفس الوقت التي قامت فيه مجموعات الصاعقة بتأمين واحتلال ثلاث قواعد للكمائن في طريق تقدم العدو نحو الإسماعيلية في مناطق جنوب غرب الكوبري العلوى وجنوب أبو صوير وجنوب المحسمة ,


الهوامش :
[1]ـ المعارك على الجبهة المصرية ـ جمال حماد ـ دار الشروق ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وكان شارون قد بدأ الإتجاه بأقصي سرعته نحو الشمال بعد حلول وقف إطلاق النار على أن يكون اقتحامه الإسماعيلية من خلال عبوره ترعة الإسماعيلية وقطع الإمدادات الرئيسية القادمة من القاهرة وشرق الدلتا إلى قوات الجيش الثانى الميدانى ,
ولكن أحلام شارون بالإستيلاء على الإسماعيلية والسيطرة على طريق الإمدادات لم تلبث أن تبخرت بسبب طبيعة الأرض الزراعية التي أعاقت تقدم قواته من ناحية ,

ومن ناحية أخرى وقوف المقاومة المصرية كحائط صد فولاذى أمام قوات شارون التي تحاول عبور الترعة , ومن ثم توقفت قوات شارون المدرعة جنوب الترعة دون أن تتمكن من العبور إلى الأرض الشمالية
وفى نفس الوقت قامت قوات الجيش الثانى الميدانى بالدفاع عن مدينة الإسماعيلية وشنت الهجمات المضادة على قوات شارون باستخدام عدة جبهات للهجوم ,
كان أولها استخدام مدفعية الجيش الثانى والتى كان يتولاها العميد عبد الحليم أبو غزالة ـ وزير الدفاع فيما بعد ـ وقامت المدفعية بجهود جبارة وموفقة في وقف العدو ومنعه من عبور ترعة الإسماعيلية بقوة نيران ضخمة تجاوزت 10 كتائب مدفعية
في نفس الوقت الذى تم تكليف اللواء 118 ميكانيكى بمهمة الدفاع أمام ترعة الإسماعيلية بالتنسيق مع مدفعية الجيش الثانى
كما أصدر اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثانى أوامره إلى اللواء 182 مظلات باحتلال موقع جبل مريم وكانت أوامر قائد الجيش الثانى لقائد قوة المظلات بالتمسك بموقع جبل مريم حتى آخر طلقة وآخر رجل
ونفذت قوة المظلات مهمتها بكفاءة ونجحت في الدفاع عن موقع جبل مريم الذى يعتبر مفتاح مدينة الإسماعيلية كما تم تلغيم طرق تقدم العدو ووضع الكمائن في طريق اقتراب العدو , إضافة إلى تكوين قوة احتياط تكون مهمتها استرداد موقع جبل مريم لو نجح العدو في اختراقه ,
كما قامت المجموعة (139) صاعقة بمهمة عمل الإغارات والكمائن واستنزاف قوة العدو وبعدها تم تكليفها بمهمة التمركز أيضا على طول خط المواجهة وعمل الكمائن في طريق جنوب ترعة الإسماعيلية ,

وقام شارون بالهجوم المتعدد الجوانب على كل الطرق التي فرشها أمامه الجيش الثانى بالفخاخ والكمائن واشتعلت معركة من أقوى المعارك على أبواب الإسماعيلية تكبدت فيها قوات شارون خسائر فادحة دعته إلى طلب النجدة السريعة من الجنرال حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي ,
ولكن بارليف رفض طلبه فقد كانت الليلة مظلمة تماما وعبور طائرات الهليكوبتر لإنقاذ الجرحى وإخلائهم أمر مستحيل فضلا على أن الطائرات ستقع في الكمائن المصرية ,
وأمر بارليف شارون بأن تتولى قواته إخلاء جرحاه وفق إمكانياته ,
ونفذ شارون الأمر طيلة أربع ساعات كاملة حتى طلوع النهار استهلكها في إخلاء جرحاه من ميدان المعركة حتى بزغ الفجر ووجد رجال المظلات الإسرائيليين القائمين بمهمة إخلاء الجرحى على بعد 20 مترا من مواقع قوات المظلات المصرية , فتراجعوا للخلف
وبهذا فشلت إلى الأبد مهمة شارون بالإستيلاء على الإسماعيلية أو تطويق طريق الإمدادات وتبخرت أحلام المجد التي راودته منذ بدء العمليات ,


 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

الخطة ( شامل ) المعدة لنسف الثغرة :

بعد جنوح العدو وإصراره على خرق وقف إطلاق النار وتفجر الخلافات بين الفريق الشاذلى والرئيس السادات حول الحل الأمثل في تصفية الثغرة ,
رفض السادات خطة الشاذلى وأمر بإعداد خطة سريعة لتصفية الجيب الإسرائيلي دون الحاجة لسحب أى قوة من الشرق ,
وعليه تم إعداد الخطة ( شامل ) لتصفية الموقع الإسرائيلي غرب القناة بعد إتمام حصاره ,
وكانت الخطة جاهزة للإعداد يوم 29 أكتوبر بعد أن امتثلت القوات الإسرائيلية بالفعل لوقف إطلاق النار وذلك بناء على الضغط الأمريكى الذى مارسه هنرى كيسنجر على جولدا مائير عقب وصول رسالة السادات إليه , والتى رد عليها بتهديد مبطن ولكنه عرض في نفس الوقت انسحاب القوات الإسرائيلية من مواقعها غرب القناة للحيلولة دون تدميرها , بعد التعهد بالتزام إسرائيل بإيقاف العمليات فورا
وكانت رسالة السادات الخفية بإطلاق صاروخين ( سكود ) قد أتت ثمارها دون شك , حيث عكست إصرار مصر على توقف النشاط الإسرائيلي والتعهد بسحب كافة القوات وفك الحصار عن الجيش الثالث ومدينة السويس وإما تصفية هذه القوات وإبادتها ,
وكانت أهداف تلك المرحلة هى اتخاذ الإجراءات اللازمة لو لم تستجب القوات الإسرائيلية للتهديد المصري وكان ترتكز على النقاط التالية :
أولا : إحداث أكبر خسائر ممكنة في قوات العدو وأسلحته ومعداته عن طريق عمليات الصاعقة والمظلات وهو ما تم تنفيذه بالفعل منذ بدء المواجهات حتى تم تسمية المعارك بحرب الإستنزاف الثانية
ثانيا : القيام بعمليات إزعاج مستمرة على أوسع نطاق حتى يصبح بقاء قوات العدو في غرب القناة جحيما لا يطاق
ثالثا : إرغام إسرائيل على الإستمرار في تعبئة قواتها الإحتياطية مما يهدد الحياة العامة فيها بالشلل الكامل وهو ما لا تحتمله إسرائيل بينما كان فى طاقة الجيش الثالث والسويس احتمال الحصار لعدة أشهر
رابعا : بعد إتمام هذه التمهيدات يتم تنفيذ الخطة شامل بقيادة اللواء سعد مأمون ـ والذى تعافي من إصابته ـ وتولى قيادة الجيش الذى تم إعداده من الإحتياطى المصري والحرس الجمهورى لتصفية الثغرة

وقد تم في تلك الفترة حوالى 1500 إشتباك بالنيران اشتمل على 439 عملية فقط هى ما تم الإعلان عنه من الجانب الإسرائيلي والباقي تم التعتيم عليه ,
ووفقا للبيانات الإسرائيلية تكلفت القوات الإسرائيلية الخسائر التالية [1] فى المرحلة الأخيرة فقط :
أولا : تدمير 11 طائرة و41 دبابة وعربة مدرعة وعشر رشاشات ثقيلة
ثانيا : تدمير 36 بلدوزر ومعدة هندسية ومعدة ركوب
ثالثا : إصابة ناقلة البترول الإسرائيلية ( سيرينا ) وتوقف خدمتها بأعطاب جسيمة
رابعا : إغراق قارب إنزال بحرى
خامسا : قتل 187 فردا من ضباط وجنود العدو بالإضافة لمئات الجرحى والأسري

وبهذا الشكل تمكنت القوات المصرية من تمهيد الطريق أمام تنفيذ الخطة ( شامل ) والتى تم إعداد قواتها وتكليف قيادتها للواء سعد مأمون وكانت تحتوى على فرقتين مدرعتين هما الفرقة 4 والفرقة 21 بالإضافة إلى ثلاث فرق مشاة ميكانيكى دفعة واحدة وهى الفرق الثالثة والسادسة والثالثة والعشرين ,
فضلا على مجموعات مختلفة من الصاعقة والمظلات جاهزة من قوات الإحتياطى العام ,
وقبل بدء مهمة هذا الجيش العرمرم كان موقف القوات الإسرائيلية غرب القناة كما يلي :
أولا : زال التهديد العسكري تماما غرب القناة سواء فى طريق القاهرة أو الدلتا بعد أن تم حشد القوات المصرية الإحتياطية غرب القناة وإعادة التوازن الإستراتيجى للقوات المصرية فى شرق القناة ليصبح الجيب الإسرائيلي بين المطرقة والسندان
ثانيا : تفوقت القوات المصرية غرب القناة على قوات العدو بمعدل 2 : 1 ونجحت عملية حصار قوات العدو فى غرب القناة بحيث لم يستطع أن يتجاوز الجيب المحصور بمتر واحد
ثالثا : تحصن الإسرائيليون داخل الجيب المحاصر عن طريق حفر الخنادق وبث الألغام على طول المواجهة مع القوات المصرية بعد أن نجحت قوات الصاعقة والمظلات المصرية فى تنفيذ 439 عملية عسكرية لاستنزاف قوات العدو المحاصرة مما كان له أبلغ الأثر فى انخفاض الروح المعنوية لهذه القوات ,
رابعا : فشل العدو فشلا ذريعا فى تحقيق أى هدف من أهداف عملية الثغرة رغم الخسائر الهائلة التى تعرض لها فلم تنجح المحاولات لاحتلال السويس أو الإسماعيلية ولم تنجح محاولة القضاء على الجيش الثالث أو تصفية رأس كوبري الجيش الثانى وبقيت رءوس كباري الجيش الثالث فى شرق القناة قوية كما هى منذ بدء العمليات رغم خضوع مؤخرة الجيش للحصار فى غرب القناة مما جعل الحصار الإسرائيلي معدوم الهدف ,
خامسا : ارتفعت الروح المعنوية للقوات المصرية فى تلك الفترة إلى عنان السماء بعكس ما أرادت القوات الإسرائيلية من عملية الثغرة وذلك بعد أن أدركت القوات المصرية حقيقة وضع العدو وهو محصور بين القوات المصرية التى تحاصر قواته غرب القناة من جهة وتحاصره قناة السويس من الجهة المقابلة وخلف القناة قوات الفرق المصرية الخمس شرق القناة
هذا فضلا على عجز قوات العدو غرب القناة من رد أى عملية هجوم على القوات المصرية بعد أن عادت شبكة الدفاع الجوى المصري إلى نفس كفاءتها السابقة وردع طيران العدو ـ وهو عامل تفوقه الوحيد ـ عن التدخل تماما
سادسا : اضطرت القوات الإسرائيلية إلى اتخاذ أوضاع دفاعية فى غرب القناة رغم أنها بصدد عملية هجومية وذلك بعد أن اضطرتها القوات المصرية إلى حفر خندق مضاد للدبابات قبعت خلفه القوات الإسرائيلية ترقبا للهجوم المصري عليها مما أفقدها أى ميزة للمبادأة وجعلتها فى حالة حصار بعكس ما كان متوقعا من مهمتها الأصلية
سابعا : أصبحت القوات الإسرائيلية فى غرب القناة رهينة فى قبضة الجيش المصري بعد أن تحقق المحظور الذى كانت تخشاه القيادة الإسرائيلية وهو انقطاع القوات الإسرائيلية فى الغرب عن القوات القابعة فى الشرق ما عدا طريق ضيق عرضه عشرة كيلومترات يسهل قطعه من القوات المصرية فور اتخاذها القرار بذلك

بنود الخطة شامل :

بعد حالة الحصار الكامل التى مهدتها القوات المصرية كانت بنود الخطة شامل كما يلي :
أولا : تقوم القوات المصرية شرق القناة من اتجاه رأس كوبري الفرقة 16 مشاة لإغلاق ثغرة الإختراق من المنبع فى الشرق وفصل القوات الإسرائيلية عن خطوط مواصلاتها فى الغرب وإحكام دائرة الغلق والحصار حولها ,
ثانيا : تقوم القوات المصرية بتوجيه ضربة أخرى فى اتجاه محور أبو سلطان باتجاه الدفرسوار غرب القناة
ثالثا : تقوم القوات المصرية بتوجيه ضربة ثالثة على محور طريق السويس فى اتجاه مدينة السويس للوصول بأقصي سرعة إلى المدينة وفك حصارها وفك الحصار عن الفرقتين 7 و19 مشاة التابعتين للجيش الثالث
وتكون الضربة الرابعة على محور طريق جنيفة فى اتجاه البحيرات المرة الصغري ,
والضربة الخامسة والأخيرة موازية لخليج السويس فى اتجاه ميناء الأدبية ,

ولم يتح القدر للخطة شامل أن يتم تنفيذها بعد أن تم تحقيق الفصل الفعلى بين القوات وفك حصار القوات الإسرائيلية غرب القناة يوم 17 يناير 1974 تحت إشراف الأمم المتحدة وبدأت إسرائيل فى سحب كافة قواتها غرب القناة وصدر القرار السياسي عند ذلك بتجميد الخطة شامل بعد إتمام القوات الإسرائيلية انسحابها ,
وذلك بعد أن ظلت القوات الإسرائيلية رهينة الحصار ورهينة الإبادة بالخطة شامل طيلة الفترة من 28 أكتوبر وحتى موعد فض الإشتباك في 17 يناير 1974 م
وبهذا انتهت عمليا آخر معارك حرب السادس من أكتوبر بفشل ذريع لعملية الغزالة أو عملية القلب الشجاع والذى حولها المصريون إلى عملية القلب المذعور ,

الهوامش:
[1]ـ المعارك على الجبهة المصرية ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

المعالجات الإعلامية لمعارك الثغرة ,

كما قلنا من البداية كانت عملية الثغرة عملية تليفزيونية الهدف الرئيسي منها إعلامى بنشر البلبلة وخفض الروح المعنوية للقوات المصرية , ومحاولة إدراك ما تبقي من سمعة الجيش الإسرائيلي فى العالم
والهدف الثانى تحقيق مكاسب على الأرض تجبر القوات المصرية على التخلى عن مكاسبها في الشرق ,
ولهذا شهدت تلك الفترة عمليات تزوير إعلامى واسعة النطاق قام بها الإعلام الإسرائيلي بمعاونة أبواقه في سائر أنحاء العالم في مواجهة غير متكافئة مع الإعلام العربي والمصري الذى يفتقر إلى إمكانيات المواجهة ,
هذا رغم أن عملية التزوير كان عمرها قصيرا جدا لم يتعد الأشهر حيث أن الصورة الحقيقية للأحداث لم يتم تزييفها طويلا لا سيما بعد وقف إطلاق النار الفعلى وبدء محادثات فض الإشتباك حيث فوجئ العالم أجمع بأن الطنطنة الإسرائيلية حول ما حققته قواتها غرب القناة ليس لها أثر فعلى على الأرض , وأن هذه القوات تم سحبها تدريجيا بعد فض الإشتباك دون أن تكسب إسرائيل من هذا الإجراء مترا واحدا في الشرق حيث قبعت القوات المصرية العابرة على خطوطها التي استولت عليها دون تغيير , ودون أن تستبقي تحت سيطرتها مترا واحدا فى الغرب !
أى أن العالم فوجئ بالنهاية الفعلية لمعارك حرب أكتوبر على نفس صورة التفوق العربي الذى ظلت قائمة منذ اجتياح القناة واحتلال القوات المصرية للمواقع التي كان يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي قبل 6 أكتوبر بعمق 20 كيلومترا ,
هذا فضلا على الإنسحاب الكامل غير المشروط لقوات غرب القناة مرة أخرى وبقاء قوات الجيش الثالث ورءوس الكباري الخاصة به كما هى دون أن يتم الإلتفاف حوله وتدميره أو حصاره وتصفية رءوس الكباري في الشرق !
بالإضافة إلى قبول إسرائيل الإنسحاب التدريجى بعد ذلك حتى خط المضايق عام 1975 م , ثم تتويج هذا كله بالإنسحاب من سيناء وإتمامه في عام 1982 م ,

لذلك كان السؤال القائم في العالم كله ,
أين هى المكاسب الطبيعية التي حققتها إسرائيل من عملية الإختراق في الثغرة , وأين ما كانت تردده جولدا مائير من أن أوضاع قواتها في الحرب مطمئنة شرق وغرب القناة ولا تدفعها للعجلة في قبول وقف إطلاق النار ؟!
وبالطبع كان الخبراء العسكريون هم أقدر الناس على فهم الإشكالية واكتشاف الخداع الإعلامى الإسرائيلي بمنتهى البساطة لأن مبادئ الإختراق في العلم العسكري لها هدف واضح محدد وهى القيام بحركة التفاف حول القوات المعادية من الخلف وحصارها وخنقها واستخدام الحصار لتحقيق مكاسب إقليمية أو إبادة هذه القوات ,
وهذا ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه على المستويين وغادرت قواتها مواقعها كما لو كانت هى التي كانت في الحصار دون أى مكسب يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل يوم 6 أكتوبر
وبالتالى كان من السهل على الخبراء أمثال الجنرال بوفر أو المحلل العسكري ديبويه أو قادة الجيش المصري إدراك الفشل التام للقوات الإسرائيلية ,

ليس هذا فقط ..
بل ضاعت فرصة من أعظم الفرص أمام الجيش المصري لتدمير فيلق إسرائيلي كامل بكل ما يعنيه هذا الأمر من هزيمة ساحقة لوجود الدولة اليهودية وهو ما منعته الولايات المتحدة بالتدخل المباشر من هنرى كيسنجر
ومن أغرب الغرائب أن جولدا مائير خرجت بعد ذلك تقول أن الفرصة أفلتت من الجيش الإسرائيلي لتدمير القوات المصرية بسبب تدخل القوى الكبري وفرضها لإطلاق النار ,
وهو إدعاء لا يخدع طفلا بالطبع لأنه لا يصمد أمام عدة أسئلة بديهية منها :
أولا : قبلت إسرائيل علنا وطواعية قرار وقف إطلاق النار في يوم 22 أكتوبر وأعلنت للعالم هذا القبول دون أى ضغط أمريكى لأن الضغط الأمريكى جاء بعد ذلك بأيام بعد تفاقم الأزمة
وأنكرت إسرائيل أنها قامت بخرق وقف إطلاق النار وادعت أنها واصلت إطلاق النار بسبب خرق القوات المصرية لقرار الأمم المتحدة ,
والسؤال هنا :
لو كان كلام جولدا مائير منطقيا فهذا معناه أن قواتها في الغرب قامت بأداء مهمتها كاملة وإلا ما هو الداعى لإعلانها قبول وقف إطلاق النار طواعية دون ضغط في 22 أكتوبر ؟!
فهل نجحت إسرائيل في تحقيق أى هدف يوم 22 أكتوبر وحتى يوم 28 أكتوبر عندما استمرت في خرق وقف إطلاق النار متعمدة طمعا في تحقيق أى مكسب أو على حد اعترافها بنفسها في محادثتها لهنرى كيسنجر أن جنرالتها رجوها في ساعات إضافية لتحسين وضع هذه القوات !
وبالطبع كانت جولدا مائير تعتمد في تصريحاتها الرنانة على سرية هذه الإعترافات التي دارت بينها وبين هنرى كيسنجر وهى السرية التي رُفعت بعد ثلاثين عاما من الحرب

ثانيا : لو كانت القوات الإسرائيلية أوضاعها مطمئنة كما ادعت جولدا مائير فما هو الدافع الذى دعاها لقبول سحب قواتها جميعا في الغرب دون أن تفاوض على مكاسب أرضية في الشرق فتشترط انسحاب القوات المصرية عن شرق القناة وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 6 أكتوبر كمقابل للانسحاب الإسرائيلي من غرب القناة ؟!
وهو الأمر الذى لم يحدث ولم تتخل القوات المصرية عن أى أرض اكتسبتها خلال العمليات وظلت يدها على أرضها المحررة حتى تمام تحرير سيناء جميعها


ثالثا : ادعت جولدا مائير أن القوى العظمى منعتها من تحقيق أهدافها وهى تشير صراحة بهذا الكلام إلى أن كلامها السابق كله كان عبارة عن افتراء مكشوف لأنها وقعت في تناقض بادعائها أن قواتها حققت أهدافها تارة وتارة أخرى تدعى أن قواتها لم تسنح لها الفرصة لتحقيق مكاسبها في الغرب !
بالإضافة إلى حقيقة هامة يعلمها كل من له علاقة بالشئون السياسية والعسكرية في العالم وهى أن إسرائيل تفعل ما تشاء وقتما تشاء دون أن تلقي بالا للقوى العظمى , حتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ,
وهذا إذا سنحت لها فرصة تحقيق أى مكسب مهما بلغت ضآلته , فما بالنا بهدف رهيب كهذا الذى كانت تطمح إليه إسرائيل ألا وهو رد الهزيمة إلى القوات المصرية واستعادة سمعة الجيش الإسرائيلي والإحتفاظ بسيناء
والتاريخ خير دليل على أن إسرائيل عجزت عجزا كاملا عن تحقيق أى هدف من هذه الأهداف وأنها قبلت الإنسحاب لهذا السبب وليس بسبب الضغوط الأمريكية والسوفياتية
فبداية :
فمسألة عدم اكتراثها بالإتحاد السوفياتى أمر ثابت لا جدال فيه ثبت في معارك عام 1967 م عندما أقدمت على خرق وقف إطلاق النار بعد قبول جميع الأطراف له ـ بمن فيهم إسرائيل ـ يوم 9 يونيو واجتاحت الجولان السورية وأتمت إحتلالها دون أن تخشي وقف إطلاق النار أو تدخل الإتحاد السوفياتى ,
هذا فضلا على إقدام موشي ديان على احتلال بورفؤاد المصرية بعد قرار وقف إطلاق النار وهى المحاولة التي فشلت فيما بعد عندما نجحت وحدة خفيفة من الصاعقة المصرية لا تزيد عن ثلاثين رجلا في رد كتيبة المدرعات الإسرائيلية بخسائر فادحة في معركة رأس العش الشهيرة
وهددها الإتحاد السوفياتى في معارك حرب أكتوبر ولم تحفل للتهديد واعتمدت على الحماية الأمريكية وبالفعل لم يستطع الإتحاد السوفياتى أن يفعل شيئا ونفذت إسرائيل هدفها بخرق وقف إطلاق النار لمدة ستة أيام في تحد مبالغ فيه ,
وعندما هددت إسرائيل العاصمة السورية دمشق ولم يكن في نيتها احتلالها بطبيعة الحال خرجت التصريحات السوفياتية تشير إلى أن وقوع عاصمة عربية في يد إسرائيل هو خط أحمر لن يسكت عليه الإتحاد السوفياتى
ونحن نؤكد أن إسرائيل لو كان باستطاعتها أو من أهدافها تحقيق ذلك لما حفلت بالإتحاد السوفياتى لأنه سكت وغض الطرف عن سقوط عاصمة عربية أخرى بعد ذلك وهى بيروت في يد الإسرائيليين عام 1982 م ,
فأين هو خوف إسرائيل أو خشيتها أو تراجعها أمام الإتحاد السوفياتى ؟!

 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ورغم أنها الأم الرءوم لإسرائيل ,
فقد أثبت التاريخ أيضا أن أهداف إسرائيل التوسعية لا تملك الولايات المتحدة عليها سلطانا فيها بدليل أن موشي ديان في حرب يونيو 67 م اعتزم نقض اتفاقه مع الرئيس الأمريكى ليندون جونسون بعدم اجتياح الضفة الغربية والقدس , ولكن موشي ديان قام بدم بارد وأعصاب هادئة بضرب سفينة المراقبة ( ليبرتى ) في البحر المتوسط حتى لا تكشف أنه اجتاح الضفة الغربية دون أن يحاول الملك حسين التدخل ابتداء في المعارك ,
وحتى لا تكشف السفينة أن القوات الإسرائيلية دخلت الضفة الغربية من تلقاء نفسها دون مبادرة هجوم من الجيش الأردنى كان قرار ديان بإغراق السفينة الأمريكية بأوامر مباشرة منه ثم قدم اعتذارا لجونسون على اعتبار أنه خطأ عسكري[1]
وفى أثناء أزمة وقف إطلاق النار أنذر هنرى كيسنجر السفير الإسرائيلي سيمحا دونتز بأن الوضع لم يعد يحتمل والمواجهة السوفياتية الأمريكية على وشك الوقوع بسبب تحدى إسرائيل للإرادة الدولية وعدم التزامها بوقف إطلاق النار ,
قامت جولدا مائير بتجاهل تحذير كيسنجر وأبلغته بحاجتها لهذا الخرق الذى استمر أياما ولم تحفل بما قاله فما كان منه إلا أن عاد لمجموعة العمل في البيت الأبيض واتخذ قراره بتصعيد المواجهة مع الإتحاد السوفياتى ولم يستمر في الضغط على جولدا مائير حتى أعلنت جولدا مائير قبولها الفعلى للقرارين 239 و240 بالوقف الفعلى لإطلاق النار

فكيف يمكن أن نتصور إسرائيل تترك الفرصة تفلت من يدها إذا كانت تملك حقا تحقيق أى انتصار من عملية الثغرة يعيد لها بعضا من الخسائر الفادحة التي تكبدتها ؟!
وكيف يمكن أن نقتنع بأن جولدا مائير قبلت سحب قواتها من غرب القناة دون تحقيق أية مكاسب من العملية على الأرض لولا أنها كانت بالفعل قوات مهددة بالإبادة كما توعدها المصريون ؟!

رابعا : الإعترافات الإسرائيلية والأمريكية بفشل إسرائيل في عملية الثغرة تسربت من بين الإدعاءات بنجاحها , فى مزيج غريب يبين كم أن حبل الكذب قصير !
فمثلا هنرى كيسنجر الذى يذكر في مذكراته أنه تدخل لدى جولدا مائير كى يقنعها بألا تحقق إنتصارا ساحقا على العرب حتى يمكن لهم قبول المفاوضات من مركز مشرف !
كان هو نفسه القائل لموشي ديان أثناء مؤتمر السلام الدولى بجنيف عام 1974 م بألا يطمح فوق ما يتصور وذلك ردا على إدعاء ديان أنهم يملكون أوراق للتفاوض والضغط بوضع القوات الإسرائيلية في غرب القناة وأنه لولا كيسنجر لتمكنت القوات من تحقيق المكاسب المطلوبة ! وهو ما نفاه كيسنجر وسخر من ديان سخرية مبطنة وقال له ما معناه أن القوات كانت معرضة للإبادة لولا تدخله الشخصي[2]
مما يشي بوضوح بحقيقة اقتناع كيسنجر ومخالفته لما قال فى مذكراته حول النصر الإسرائيلي وهو الأمر الذى اتضح فى جلاء من ممارسات كيسنجر العملية سواء بتدخله لدى السادات لمنعه من تدمير قوات الثغرة أو تعهده الشخصي للسادات أنه يضمن له استجابة إسرائيل لشروطه كلها بعد أن استجاب له السادات ومنعه من تحقيق إنتصار كامل على إسرائيل ,
وتعبير تحقيق انتصار كامل على إسرائيل كان هو تعبير كيسنجر نفسه [3]
ويضاف إلى ذلك شهادة كيسنجر الصريحة أن إسرائيل هى من توسلت لوقف إطلاق النار بغرض استغلاله وخرقه فيما بعد لمحاولة تحقيق أى مكسب وهى الشهادة التي نقلناها من مذكرات كيسنجر في الفصول السابقة عندما تحدث عن زيارته لإسرائيل يوم 22 أكتوبر واكتشف حالة الإنهيار البادية على جولدا مائير نفسها ووزرائها بل وأفراد الشعب الذين صفقوا له في الطريق انتظارا لما سيبذله من جهد لتحقيق وقف إطلاق النار [4]
فمن نصدق يا ترى ؟!
حديث كيسنجر الأول الذى كان يوحى فيه بالنصر الإسرائيلي أم حديثه الفعلى عن زيارته يوم 22 أكتوبر أى في نفس الوقت الذى يدعى فيه أن إسرائيل كادت أن تحقق مكسبا ,
فضلا على أن أشار ـ عن غير قصد ـ لحالة الإنهيار التي كانت تعيشها جولدا مائير رغم أنها في نفس الوقت كانت تطلق تصريحاتها للإعلام حول نجاح قواتها في غرب القناة ؟!

فضلا على ذلك شهادة موشي ديان نفسه والذي انتابه الرعب طيلة مراحل تنفيذ عملية الثغرة وصرح للمجلس العسكري بإلغاء العملية حتى لا يذبح المصريون رجالهم على الشاطئ الآخر , وهو الأمر الذى رفضه دافيد إليعازر وأصر على الإستمرار رغم الخسائر ولم يتدخل ديان على عادته في تلك الحرب , تهربا من مسئولية الحساب السياسي
ثم عاد ديان ووضع شهادته على الصورة المرعبة التي رآها في آثار معركة المزرعة الصينية والتى سماها له أحد ضباطه بمزرعة الموت أو وادى الموت وقال فيها ديان :
( وأنا أتأمل الأشلاء والدماء والحطام أخذت أتحسس العلامات على المعدات والأفراد لعلى لا أجد علامة الجيش الإسرائيلي غير أنى وجدت الكثير منها , ورغم أنى شاهدت أبشع مناظر الحروب من قبل إلا أننى لم أقع على مثل هذا المنظر المرعب )
وفى حديث صحفي لموشي ديان بعد الحرب قال ما نصه بالحرف :
( في الواقع كانت الأمور على غير ما نتوقعه فلم نستطع بناء الجسور على القناة وكانت الخسائر بالنسبة لنا غير متوقعة )
وشهد المفكر العسكري الأمريكى ديبويه في كتابه ( النصر المراوغ ) أن إسرائيل أوقعت نفسها في مأزق عنيف بعملية الثغرة وأنها منحت المصريين فرصة تطويل الحرب على حسابها وخاضت إسرائيل معركة خاسرة بكل المقاييس واضطرت للإنسحاب بعد أن أنقذها تدخل الولايات المتحدة الأمريكية ,


الهوامش :
[1]ـ سر ليبرتى ـ جيمس أنس ـ المعهد الدولى للأبحاث
[2]ـ محاورات هنرى كيسنجر مع وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمى أثناء مؤتمر جنيف ـ كتاب المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ـ محمد حسنين هيكل ـ الجزء الثانى ـ دار الشروق
[3] ـ المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ـ الجزء الثانى ـ مصدر سابق
[4] ـ مذكرات هنرى كيسنجر ( سنوات الفوران ) ـ الجزء الثانى ـ الطبعة العربية
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

خامسا : كان من الغريب جدا أن تتزامن الدعاية الإسرائيلية والأمريكية حول عملية الثغرة مع المحاكمات التي جرت لجميع القادة العسكريين أمام لجنة الكنيست الإسرائيلي المعروفة باسم ( لجنة أجرانات ) والتى خرج تقريرها يدين جميع القادة العسكريين الإسرائيليين في حرب أكتوبر ابتداء من رئيس الأركان وحتى باقي قادة الأفرع الرئيسية دون أن يحتوى تقرير أجرانات على أى تنويه يوحى بأن هؤلاء القادة حققوا أدنى انتصار في أى معركة من معارك حرب أكتوبر !
بل خرج التقرير بالإدانة الكاملة لكافة هؤلاء القادة والتوصية بتقاعدهم جميعا !
فأين هو الأثر العملى للنصر الإفتراضي الذى حققوه في وسائل الإعلام وبرهنوا على عكسه بتصرفاتهم بعد الحرب
وحتى عندما خرج تقرير لجنة أجرانات يرفع المسئولية عن القادة السياسيين ويتهم العسكريين وحدهم كان هذا غريبا لأن قرار عملية الثغرة كان قرارا عسكريا محضا وعندما تدخلت القيادة السياسية ممثلة في وزير الدفاع موشي ديان رفض رئيس الأركان وباقي القادة الأخذ برأيه وأصروا على الإستمرار رغم الخسائر ,
فهذا معناه أن تقرير لجنة الكنيست يشهد بأن الفشل العسكري لهؤلاء القادة كان فشلا كاملا وإلا ما أوصي بتقاعدهم
وفى مذكراته برهن إيلي زاعيرا مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية ( أمان ) على أن التقصير والفشل كان سياسيا وعسكريا وأن خروج تقرير لجنة أجرانات بقصر المسئولية على القادة العسكريين تم بضغوط سياسية على اللجنة
ولهذا عندما خرج تقرير اللجنة بعدم إدانة جولدا مائير وموشي ديان قامت المظاهرات والإحتجاجات حتى اضطر كلاهما إلى الإستقالة والدعوة لانتخابات جديدة فاز فيها حزب العمل برياسة اسحق رابين ,
فلماذا استقالت جولدا مائير وموشي ديان وهما ـ طبقا للدعاية الإسرائيلية ـ قادا إحدى المعارك الناجحة في حرب أكتوبر وهى معركة الثغرة ؟!
ولماذا لم يضع صانع القرار الإسرائيلي هذا النصر في اعتباره يا ترى ؟!
وأين هو الواقع العملى للدعاية الإسرائيلية التي انتشرت في العالم أجمع وقالت بأن معركة الثغرة غيرت محور الحرب وغيرت نتيجتها في نهاية القتال ؟!
أليس من المفترض ـ طبقا للدعاية ـ أن يكون النصر الأخير لإسرائيل مغيرا وفاعلا في نتيجة المكاسب السياسية على الأرض بعد وقف القتال ؟!
فلماذا فر الإسرائيليون من مواقعهم وأخلوا الضفة الغربية وقبلوا الدخول في مفاوضات الكيلو 101 ثم مؤتمر جنيف والذي أفضي إلى انسحاب كافة القوات الإسرائيلية غرب القناة , ثم توالى الإنسحاب بعدم ذلك وأخذ الضمانات على الطرفين بعدم تجدد القتال
وكانت كل الضمانات المطلوبة تصب في الجانب المصري , فألح كيسنجر في اتخاذ السادات ضرورة منح إسرائيل ما يطمئنها إلى أن القوات المصرية لن تبادر بتجديد القتال مرة أخرى !!
وهل هذا الذعر والخوف من تجدد الإشتباكات يتناسب مع روح المنتصر التي ادعتها إسرائيل ؟!
الأكثر من ذلك أن إسرائيل جندت جميع عملائها في مصر كى يأتوا لها بخبر تجدد القتال قبل وقوعه
وكان توقعهم يقارب الفزع إلى درجة أنهم رصدوا مليون دولار لأحد أشهر عملائهم في مصر إذا نجح في إنذار الإسرائيليين قبل الهجوم المصري الجديد [1]


سادسا : تقوم الإستراتيجية العسكرية على أن مفاهيم النصر والهزيمة مرهونة بتحقيق الأهداف بالنسبة للطرف الإيجابي ومنع تحقيق هذه الأهداف بالنسبة للطرف المدافع ,
كما تقوم مفاهيم النصر والخسارة على تغير الواقع العملى على الأرض فيتم تحديد المنتصر من المهزوم بدراسة الأوضاع قبل اشتعال المعارك والنظر إليها بعد وقف القتال ,
ولهذا كانت إسرائيل منتصرة فى حرب يونيو 67 م لأن خريطة المنطقة تغيرت وتمكن الجيش الإسرائيلي من بسط نفوذه على أرض سيناء ,
وأيضا بدراسة الوضع بعد حرب أكتوبر مباشرة نجد أن الخريطة تغيرت لصالح الجيش المصري حيث سيطر على سيناء من القناة حتى منطقة الممرات وكل هذه الأراضي كانت خاضعة للإسرائيليين ,
وبالتأمل فى أهداف معركة الثغرة الإسرائيلية نجد أنها فشلت فى تحقيق جميع أهدافها دون استثناء وبالتالى انسحبت دون مكاسب فى نفس الوقت الذى ظلت فيه القوات المصرية مسيطرة على الجزء المحرر من سيناء ,
وإذا تأملنا أهداف معركة أكتوبر من الجانب المصري نجد أن التوجيه الإستراتيجى الذى وجهه الرئيس السادات إلى المشير أحمد إسماعيل يوم 5 أكتوبر قد تحقق بكل بنوده ,
فقد أصدر الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة الأمر إلى قواته بكسر وقف إطلاق النار وتكبيد العدو أكبر الخسائر الممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات والعمل على اقتحام خط بارليف والإستيلاء على مواقع العدو فى سيناء على مراحل وفق إمكانيات القوات المسلحة المصرية ,
وكل هذا تحقق بفضل الله إلى أبعد مدى ممكن , فضلا على تحقيق الهدف الإستراتيجى الأول ـ طبقا للتوجيه ـ وهو كسر نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على نظرية الحدود الآمنة وخط الدفاع الثابت ,
وقد ولت إلى الأبد أسطورة الأمن الإسرائيلي والجيش الذى لا يقهر بعد حرب أكتوبر , ولم يجرؤ قائد إسرائيلي واحد على ترديد نغمة الجيش الذى لا يقهر بعد حرب أكتوبر ولم نسمعها ولو لمرة واحدة رغم أنها كانت سائدة ليل نهار فى وسائل الإعلام منذ حرب يونيو 67 وحتى بداية معارك أكتوبر 73 م ,


فضلا على أن العدو نفسه اعترف بجلاء ووضوح بهزيمته الفادحة , وذلك بعد زوال أثر شائعات الثغرة سريعا مع الإجراءات التى تم اتخاذها فى إسرائيل سواء بمحاكمة القادة المهزومين أو تخلى إسرائيل عن مكاسب حرب يونيو أو فى كمية الإعترافات المذهلة من هؤلاء القادة بالهزيمة والتى عرضنا أغلبها خلال الفصول السابقة ,
هذا فى نفس الوقت الذى كان فيه الرئيس السادات يقلد أبطال أكتوبر نياشين النصر ,
ولأن الحقيقة لابد لها من فرض قوتها فى النهاية فقد أثبتت السنوات السابقة كلها أن إسرائيل لم تتجرع فقط هزيمة عسكرية يسهل نسيانها مع السنوات , بل تجرعت هزيمة ساحقة وقياسية لا زالت تمضغ آثارها حتى يومنا هذا رغم مرور ستة وثلاثين عاما على معارك حرب أكتوبر ,
ولا زالت تظهر كل عام الوثائق والتقارير التى تفيد مدى انتصار العرب فى تلك الحرب المجيدة , وكان آخرها تقارير جريدة ( يديعوت أحرونوت ) الذى كشفته فى السادس من أكتوبر لهذا العام وحمل الصورة الكاملة للانهيار الإسرائيلي من الداخل بين القادة السياسيين والعسكريين على حد سواء
كما نقلت تصريحات رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتناياهو حول هذا الأمر وحملت تصريحاته مرارة الذكرى التى لم تمحها الأيام وتكشف فى وضوح عن عجز الدعاية الإسرائيلية حتى فى مجرد إقناع نفسها بما رددته أيام حرب أكتوبر !
هذا بالإضافة إلى ما أعطته حرب أكتوبر من المعارف فى مجال العلوم العسكرية وتم اعتبارها أكثر المعارك قوة بعد الحرب العالمية الثانية , والمعركة التى أضافت نظريات جديدة فى مجال القتال وهدمت نظريات أخرى سادت ميادين القتال طيلة الفترة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وبين معارك حرب أكتوبر ,
وكما قلنا وكررنا دائما أن الحق كل الحق فيما شهدت به الخصوم والأعداء , وقد طالعنا ما اعترف به العدو من انتصار مذهل إلى درجة تثير الإستغراب الشديد من ظهور بعض الأقلام العربية التى تروج لدحض هذا الإنتصار أو تقليل قيمته !!
وكأن هذه الأطراف أصبحت ملكية أكثر من الملك فتشهد لأعدائها بتفوق هم أنفسهم غير معترفين به !
فإن لم يكن اعتراف الخصم بالهزيمة واعترافه بأن وجوده ذاته كان محل شك فى تلك الحرب , فما هى الهزيمة الكاملة إذا ؟!
وإن لم يكن انتصارنا فى حرب أكتوبر هو الإنتصار الكامل فما هو الإنتصار الساحق إذا ؟!
تم الفصل الثانى بحمد الله , ويليه الفصل الثالث ويختص بمعالجة بعض الكتابات التى تناولت معارك أكتوبر




الهوامش :
[1]ـ كل شيئ هادئ فى تل أبيب ـ حسنى أبو اليزيد ـ الدار المصرية للطبع والنشر
 
عودة
أعلى