حدائق الايمان فى حرب رمضان

رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

كيف نقرأ أكتوبر قراءة جديدة ؟

حديثي هنا في هذا الفصل شديد الخصوصية ..
لأنه حديث قراءة لأكتوبر , وذلك بعد أتممنا القراءة ـ في الفصول السابقة ـ عن أكتوبر ,
والقراءة عن التاريخ شيئ .. وقراءة التاريخ شيئ آخر
فالأولى وسيلة .. والثانية هى الغاية ,
ذلك أن القراءة عن التاريخ معناها معرفة الأحداث والوقائع , وقراءة التاريخ معناها أخذ العبرة والتجربة وتطبيق النتائج على الحاضر وفى التحضير للمستقبل ,
ومن مشكلاتنا الكبري ـ إن لم تكن هى أكبر مشكلة ـ أننا لا نقرأ عن التاريخ أو نقرؤه , وإذا فعلنا وقرأنا عن التاريخ فلا نطبق النتيجة التي توصلنا للغاية وهى قراءة التاريخ ,
فكان أن تعودنا على النظر إلى التاريخ باعتباره قصصا مسلية لا نلبث أن نطوي صفحاتها ونطفئ الأنوار .. ونذهب للنوم !

وحديثي هنا إلى ذلك الجيل المستقل الذى وُلد في السبعينيات من القرن العشرين , أى أن ولادته كانت في معمعة الأحداث المجيدة التي نفذها جيل الشباب في السبعينيات ,
ذلك أن العلاقة بينهما وثيقة ,
فالجيل المستقل الذى أصبح شبابه اليوم بين أعمار الثلاثين والأربعين من المفروض أن وعيهم قد إكتمل , ومضي زمن التقليد وحان وقت العطاء الفكرى ,
ولابد لهذا الجيل أن يعيد قراءة التاريخ المعاصر قراءة جديدة تبتعد تماما عن قراءات جيل المفكرين الذين عاصروا أبطال أكتوبر وكتبوا عنهم ولهم ,
ذلك أن جيل السبعينيات بقدر ما كان عظيما في بطولات شبابه الذين بذلوا الدم وحققوا المعجزة , بقدر ما كان الجيل السياسي والفكرى أصغر من هذا الحدث , وتسبب بكتاباته في تشويه الصورة الحقيقية لأكتوبر تحت مبرر الصراعات والإنتماءات الأيديولوجية ,
وانقسم الناس في عصورهم إلى ناصريين قوميين وساداتيين ,
واشتعلت المعارك بينهما وكل منهما يهاجم الطرف الآخر عن طريق مهاجمة رموزه , فعمد أنصار السادات إلى تشويه دعاة القومية والمرحلة الناصرية وعمد أنصار القومية إلى اتهام السادات بخيانة الثورة والقضية العربية ,
وفى ظل التراشق المتبادل والعداء المستحكم تورط مفكرو الجانبين في خطايا أعمت الأجيال المعاصرة لهم وقسمتهم إلى فريقين متصارعين تحت تأثير الأهواء بغض النظر عن الرسالة والهدف
أما الجيل الذى نتحدث عنه وإليه اليوم , فهو الجيل المستقل الذى تشكل وعيه في فترة لم تشهد هذه الصراعات الفارغة وأصبح هذا الجيل ومفكروه في حاجة إلى النظرة الواقعية البعيدة عن التمييز إلى نظرية ( ضد أو مع )
وبالتالى أصبحوا في أمس الحاجة إلى تحليل جديد للوقائع والأحداث
تحليل يبتعد تماما عن تحليلات الجبهات المتصارعة التي شوهت النصر وجمّلت الهزيمة في سبيل الإنتصار للأشخاص

ويكفي أن كبار مفكرينا من الجيل المتصارع في السبعينات أورثوا الأمة تناقضات بلا نهاية , كما ضربوا عرض الحائط بمنجزات لابد للأمة أن تقف عليها وعندها لأنها منجزات للأمة لا للرؤساء ,
فحرب أكتوبر لم يصنعها السادات أو حافظ الأسد ,
بل صنعها شباب القوات المسلحة على الجسور وحققوا بها الإنتصار المذهل الذى أعاد للأمة كرامتها , وأثبت قدرتها على الدخول في مواجهة عسكرية مع قوة باطشة .. والإنتصار عليها أيضا
وتلك في حد ذاتها أكبر هدف جاءت به معركة أكتوبر وحققته

لكن الناصريون شنعوا على انتصار أكتوبر لمجرد أن السادات كان قائده , والساداتيون شوهوا صورة عبد الناصر واتهموا الثورة الوطنية بأنها عميلة للمخابرات المركزية ,
دون أن ينتبه الطرفان لحقيقة مضحكة ,
أن منتقدى السادات المتبرئين منه من الناصريين , ينسون أن السادات إفراز طبيعى لتجربة عبد الناصر وهو الذى جعل من السادات نائبا وحيدا له ,
بل وكان محمد حسنين هيكل ـ أشرس منتقدى السادات فيما بعد ـ هو الذى ثبّت أقدام السادات في الحكم في عملية مراكز القوى عندما تفجر الصراع بينه وبين رموز عهد عبد الناصر ,
وينسي الساداتيون أن السادات كان رمزا من رموز الحكم أيام عبد الناصر , وأحد كبار المنافقين له في كتبه التي نشرها في حياة عبد الناصر وتبرأ منها فيما بعد , مثل كتاب ( قصة الثورة ) أو كتاب ( يا ولدى .. هذا عمك جمال ) !!
وأى انتقادات ساقها أنصار السادات لعبد الناصر فللسادات نصيب وكفل منها دون شك لأنه كان رئيسا للمجلس التشريعى في عهد عبد الناصر ونائبا ـ فيما بعد ـ لرئيس الجمهورية ,
فأصبح حال الطرفين ينطبق عليه المثل القائل ( إذا اختلف اللصوص .. ظهر المسروق )
وقد اختلف لصوص القومية فظهرت فضائح العهدين بأيديهم لا بأيدينا نحن الأجيال المعاصرة !

فالتيار القومى يحاول أن يتبرأ من السادات باعتبار أنه عدو المنهج القومى والناصري !
ويطالبون الأجيال التالية لهم بترديد هذه المقولة بلا عقل ! وكأنه نحن الذين أتينا بالسادات فوضعناه رئيسا لمصر قبل حتى أن نُولد !
السادات كان وسيظل ابنا شرعيا لثورة يوليو ولتيار القومية , وقد نسي القوميون أنهم هم الذين منحوا السادات خيوط الغزل التي غزل بها سياسته ,
وذلك أنهم ابتدعوا النظم القومية ونقلوها عن النظم الشيوعية بمسمى عربي وهو الإشتراكية وأهملوا ثوابت الأمة وتاريخها واعتبروا التاريخ الإسلامى كهفا من الماضي ونادوا بالجنس العربي منهجا بدلا من الدين الإسلامى رابطا ,
فمشي السادات على نفس الدرب واختار القومية ,
غير أنه اختارها بمفهومها الضيق وجعل من مصر مبدأ ومنتهى سياسته وفصل نفسه عن تيار القومية العربي بعد أن دفعت ثمنه غاليا من دماء شبابها ومن أراضيها ثم وُصمت بالخيانة في نهاية الأمر وهى التي ما خاضت حربا في الصراع العربي الإسرائيلي إلا لأجل الدافع القومى !
فسياسة السادات إفراز طبيعى للقومية العنصرية التي تخالف ما نشأت عليه أمة الإسلام , ولأنها أهملت الدين ووضعته في بوتقة المتاحف , فقد غاب عنها أهم ما كان يميز المسلمين ويعطيهم التفوق ألا وهو الإخلاص لله في كل قول وفعل , والصدق مع النفس والتصرف وفق الإمكانيات المتاحة
فجاء القوميون ليبحثوا عن الزعامة الشخصية , وغاب الإخلاص نهائيا مع الحرب التي أعلنوها على التوجه الإسلامى وازدحمت ساحة القوميين في الستينات والخمسينات بالرجولة المظهرية التي نراها في شعارات تلك الفترة والتى لم تكن مبنية على أساس واقعى , والتى أدت في النهاية إلى هزيمة يونيو 67
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وعندما لمعت في ذاكرة الشعوب العربية حقيقة إنتمائها الإسلامى وخاضت حرب أكتوبر بكلمة ( الله أكبر ) والسعى خلف المبدأ الإسلامى العتيد ( النصر أو الشهادة ) لم يعجب القوميون هذا الإنتصار ولا هذه النتيجة لأنها خالفت ما درجوا على تضليل الأمة به ردحا طويلا من الزمن ,
ووقف بعضهم يعيب مقولة ( أن نصر أكتوبر من الله ) باعتبار أنه إنجاز حضاري إنسانى !!
ثم اختلقوا العيوب في نصر أكتوبر من عند أنفسهم بينما الأعداء الذين تلقوا الهزيمة أشادوا بالنصر !


وهكذا كان الصراع كله مبنيا على الأهواء ودفعت ثمنه الأوطان التي تشوهت أحداث تاريخها تحت ذريعة الإنتصار لعبد الناصر أو الإنتصار للسادات ,


وبالمثل في سائر العالم العربي ..
لعبت القومية العنصرية لعبتها في النفوس وأصبحت الدول العربية ـ على حد تعبير المفكر الكويتى د. عبد الله النفيسي ـ شظايا جغرافية محتلة بالكامل وتدعى أنها دولة ولها كيان وسيادة على أرضها وشعبها !
وكما انقسم جيل السبعينات والثمانينات حول عبد الناصر والسادات ,
توزع العالم العربي زمرا حول الزعامات المظهرية , وكرسوا المنطق القبلي , ودافعوا عن الحكام العرب ـ رغم سياستهم المعروفة ـ دفاعا مريرا , ليس له هدف إلا التعصب العرقي وحده !
وكما اعتبر الناصريون عبد الناصر نبي آخر الزمان ,
وكما اعتبر الساداتيون أنور السادات بطل الحرب والسلام ,
اعتبرت الشعوب العربية حكامها المنبطحين من سلالة الخلفاء الراشدين !!
وأصبح المصري يهاجم السورى والسعودى يهاجم الإماراتى والمغربي يهاجم الجزائري , وكل هذه الخلافات بسبب التعصب لجنسية الحكام وعدم الإنتباه لحظة واحدة إلى طبيعة سياسة هؤلاء الحكام الذين يقول عنهم المفكر الكبير عبد الله النفيسي أنهم يضاجعون الشيطان منذ مطلع الخمسينيات !
والدفاع عن أى نظام عربي اليوم خطيئة لا تغتفر لأنها تكرس لسياسة الإستقطاب والتعصب العرقي وتساهم دون وعى في أن يصبح الجيل الثالث ـ جيل مواليد السبعينات ـ والذي عليه أملٌ معقود في الإستقلال والإنتماء الحر للإسلام وحده , أصبح هذا الجيل معرضا لأن يصبح صورة مشوهة واستنساخ مريض من نفس صورة جيل الستينات والسبعينات الذين كان زعماؤهم وجماهيرهم يتراشقون العداء والحروب فيما بينهم بدلا من أن يطبقوا مبادئ القومية والوحدة التي اعتادوا ترديد شعاراتها دون العمل بمضامينها !


فأين هى القومية العربية وتجربتها على أرض الواقع ,
وهى التى تعتبر الآن السبب الرئيسي في اضمحلال العرب بعد أن تعبدوا بالشعارات والوحدة بينما كان عصر الخمسينيات والستينات عصر الحروب العربية ـ العربية , وتفننت الأنظمة من مصر إلى الخليج في تبادل أقذع الشتائم والتهم والمؤامرات ,
واستعانوا بتحالفات مع إسرائيل نفسها لتحقيق مكاسب إقليمية !
ويكفينا مثال واحد فقط تحدث عنه واعترف به أحد أكبر دعاة الناصرية الأستاذ محمد حسنين هيكل , في كتابه ( المفاوضات السرية ـ الجزء الثالث ) عندما كشف عن كنه حرب التوريط وهى مؤامرة حرب 67 , والتى ساهمت في إشعالها فصائل عربية رأت أنه من مصلحتها العليا توريط مصر في حرب بأى شكل مع إسرائيل بغض النظر عن النتيجة
لأن مصر في نظرهم كانت في ذلك الوقت تعطى أولوية للتنمية الداخلية وبناء مؤسسات الدولة , ونسيت القضية الفلسطينية , فشاركت بعض هذه الفصائل في إشعال الأمور على الحدود السورية ـ الإسرائيلية , والحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية حتى ترد إسرائيل ويصبح اشتراك مصر في الدفاع عن سوريا ولبنان أمرا مؤكدا !
فاكتفت إسرائيل بالتهديد الكلامى لسوريا , ورد عبد الناصر بتهديدات فعلية رغم أنه أوفد الفريق محمد فوزى رئيس الأركان إلى الجبهة السورية لتقصي خبر الحشود الإسرائيلية هناك , واكتشف فوزى كذب هذه الأخبار !
ورغم هذا تمادى عبد الناصر ـ طبقا لمقتضيات زعامته التي رفضت اتهامات الصحف اللبنانية بأنه يختبئ خلف قوات الطوارئ الدولية ـ فأعلن سحب قوات الطوارئ وغلق خليج العقبة وحشد قوات الجيش المصري حشدا علنيا في سيناء , ولم تكن إسرائيل تتمنى أكثر من ذلك
انطلق الإعلام اليهودى كالطوفان الهادر يستصرخ العالم أن يتعاطف مع إسرائيل التي يهددها العرب المتوحشون !
واستجاب الغرب لهذا النداء لأنه رأى أمامه واقعا يصعب تكذيبه , ولهذا التمسوا العذر لإسرائيل في الهجوم الذى نفذته في يونيو باعتباره دفاعا عن النفس
واقتنعت القوى العظمى في العالم بهذا المبرر الذى أحسنت إسرائيل إخراجه بمسرحية لعبت فيها النظم العربية دور قطع الشطرنج , ولم تتحرك القوى الكبري لترد اعتداء إسرائيل كما حدث في عام 1956 م , والذي كان العالم فيه شاهدا على عدوان ثلاثي صريح بينما مصر تدافع دفاعا شرعيا عن أرضها

أما في عام 1967 م ,
فالعالم أجمع كان شاهدا على أن مصر والعرب هم البادئون بالعدوان !!
وكل هذا بسبب الزعامة العنترية والإستجابة للاستفزاز الطفولى الذى ربته تيارات القومية في العالم العربي ,

وجاء السادات ,
وحاول أن يفتح صفحة جديدة بعد أكتوبر تتسم بالعقلانية والتحرك السياسي المحسوب للفخاخ , لكنه وقع رهن مجده الشخصي أيضا وعندما رفض العرب الإنضمام إليه استدعى إلى ذاكرته تجربة مصر القومية التي كانت في نظره سببا في خراب مصر بالزعامات الصوتية ,
لأنها كانت تقتضي عمل مصر بإستنزاف سياسي واقتصادى مستمر لحدود تفوق إمكانياتها الفعلية لمجرد تأكيد الزعامة القومية
وبدلا من أن يصلح هذه السياسة بسياسة متوازنة لا تتنازل عن دور مصر المحورى أعلن التمرد وأخرج نفسه وبلده من معادلة الصراع لاعنا القومية ودعاتها !!
وهو بتصرفه هذا لم يخرج عن كونه نتيجة طبيعية لتيار القومية , لأنه تيار عنصري ضيق بطبيعته , جعل لكل قطعة جغرافية استقلال قومى منفرد بينما كانت المنطقة العربية كلها متوحدة أساسا بفعل التاريخ والواقع حتى جاء الإستعمار ,
وبدلا من أن يأتى الثوار لإعادة الوضع القديم نابذين الخلافات فيما بينهم , ومتبرئين من حدود اتفاقية ( سايكس بيكو ) انطلق الثوار بالتيار القومى يكرسون هذه الحدود كنتيجة طبيعية للنداء بالوحدة بين أوطان مختلفة !

واليوم , وبعد انتهاء عصر عبد الناصر والسادات ..
آن الوقت اليوم لجيل مستقل في الثقافة العربية لينظر بعين الواقعية والحياد للتجربتين , لا ليصدر الأحكام , بل ليطلق الأقلام في معالجة التجارب المختلفة والإستفادة من التاريخ في التنظير للمستقبل ,
ويكفي أن إنتصار أكتوبر الخالد في تاريخ الأمة , لم يخرج إلى اليوم عنه فيلم وثائقي عربي ناجح ومحايد وخالى من الأغراض , ولم يخرج كتاب واحد عنه يقيّم التجربة تقييما حقيقيا ويروى الأحداث ويصحبها بتحليل محايد مستعينا بموقف الأعداء والأصدقاء , ومنزها نفسه عن صراعات جيل السبعينات ,

وسنتعرض لبعض كتابات أصحاب التيار القومى والناصري ,
والذين أساءوا لأنفسهم قبل أن يسيئوا للأمة عندما انتقصوا وانتقدوا بمكيالين في تجربة أكتوبر وحاولوا بشتى الوسائل أن يدمروا الصورة الأسطورية لملحمة أكتوبر لمجرد تصفية الحسابات !
في نفس الوقت الذى خرج فيه الغرب بمئات ـ وليس عشرات ـ المؤلفات والدراسات تحلل وتدرس إنتصارات أكتوبر وتؤرخ لها فضلا على عشرات الأفلام الوثائقية التي تتناول حرب أكتوبر كأحد الأحداث المفصلية في القرن العشرين
 
التعديل الأخير:
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

أزمة التيار القومى ..

مأزق أمة الإسلام اليوم , لا يتعلق إلا ببند واحد تتقافز الأسباب حوله وتتجمع عليه ,
ألا وهو مأزق التاريخ ,
فالتاريخ لأى أمة هو الموجه والمعلم والأساس الذى ينبنى عليه المستقبل ,
وهو أمر لا تتخلى عنه الأمم إلا بعد هوانها على نفسها قبل أن تهون على العالم من حولها , بينما سائر الأمم حتى في التقدم المادى وغلواء الواقعية نجد أنها تحفر بأظافرها لتتشبث بتاريخها مهما كان بسيطا أو عارضا , بل وتجنح لاختراع التاريخ إذا لم تتوافر لها أسباب الحضارة والجذور ,
وتتمسك بالخيال وقصص الأساطير أحيانا وتبالغ في تمجيدها إذا خلا تاريخها من غيرها , أو تجنح إلى أعمق أعماق التاريخ البعيد لتتمسك بشظايا مجد كان !
ولعل المتأمل في ممارسات الغرب سواء في أوربا أو الولايات المتحدة يلحظ هذا بوضوح , فلم تكتف الأمة الأوربية بأنها وصلت نفسها بالحضارة الرومانية واليونانية التي يفصلها عنها مئات السنين والقرون ,
بل جنحت إلى كتب الأساطير وجعلت منها واجهة ثقافية , ولا زالت السينما الأوربية والغربية عموما تتشبث بأسطورة ( أخيل ) وتصنع لها الأفلام المثيرة , أو أسطورة هرقل ( هركليز ) أو ( زينا ) المحاربة القديمة !
بينما إذا ذهبنا نحن مثقفو العالم الإسلامى إلى تاريخنا البديع الذى شهد عشرات الآلاف من الأساطير الملهمة الحقيقية , خرج علينا نفر الكُتاب والمحللين المتأثرين بالغرب ليستنكروا إغراقنا في كهوف الماضي كما يسمونها !
ولست أدرى كيف يطالبون بتجاهل ثوابت الأمة التي لا زالت آثار تاريخها ناصعة بالأحداث والمؤثرات , بينما يمتدحون موقف الغرب المغرق في الخيالات !


لكن هكذا جاءت ضربة الغرب
فعندما عجز عن انتزاع قوة العقيدة الإسلامية بقوة السلاح , كان لابد من ضربها من داخلها , فقام بنشر فكره أثناء فترة الإستعمار عبر عملاء مكشوفين أحيانا أو عن طريق التجنيد غير المباشر في أحيان أخرى عن طريق تفريغ عقول المثقفين غير المنتبهين من ثوابت حضارتهم ودفعهم لما يسمونه بالفكر الحديث
والقسم الأول من العملاء الذي مارس عمله بشكل مكشوف وعمالة صريحة , مارس عمله من خلال المؤسسات الصحفية التي أنشأتها أموال الغرب بمسميات مختلفة , وقنوات فضائية بإمكانيات هائلة تمكنها من نشر الأهداف الغربية في تجريف الإنتماء الإسلامى والعربي , وأيضا عبر مؤتمرات ومراكز ثقافية مغطاة بغلاف البراءة ودعم الثقافة وكلها تمارس عملها بدعم غربي كامل وهائل أيضا !
وليس سرا أن إحدى المؤسسات الصحفية العملاقة في مصر أنشأتها المخابرات المركزية الأمريكية لمكافحة الشيوعية والإسلام معا والدعوة للنموذج الغربي [1] واشتهر أمرها لدرجة أن بائع الجرائد في الأربعينات وأوائل الخمسينيات كان ينادى عليها بقوله ( إقرأ جريدة السفارة الأمريكية ! )


أما القسم الثانى فهم المفكرون الذين جرفتهم نظرية الإنبهار فانتموا عقلا وقالبا للمذاهب الإنسانية الجديدة التي قامت في القرن العشرين وحاولوا نقلها بعد تعريبها ,
ولئن كان القسم الأول غير ذى بال في التأثير باعتبار أن إنكشاف أمره سهل لذوى العقول ,
فالقسم الثانى له خطورته وتأثيراته الهدامة الفادحة لأنه يقول ويروج لتلك الثقافات عن اقتناع كامل وإيمان عنيف !
ومنها سلسلة مفكرى العلمانية والوجودية والشيوعية ( التي تم نقلها باسم الإشتراكية والقومية ) وغيرها ,


ولم نعان في العالم العربي قدر ما عانينا من حقبة أفكار القومية , والتى تفتحت بشكل كبير في عصر جمال عبد الناصر الذى أشعل جذوتها بوطنية حقيقية ورغبة مخلصة ,
لكن النوايا الحسنة لم تكن بالطبع كافية !
فكان أن وقعنا في تناقضات بلا نهاية وانتهت التجربة إلى فشل ذريع بعد أن استمدت الفكر القومى من الفكر الشيوعى أو الاشتراكى واتخذت الفكر الإسلامى عدوا لها أو في أقل الأحوال صديق يجب إسكاته !


وقضية الإنتماء القومى للأقطار ليست قضية قديمة كما نتصور بل هى قضية معاصرة لا تتعدى المائة عام ونجح الإستعمار فى بثها أثناء الإحتلال عندما تمكن من القضاء على الخلافة الإسلامية العثمانية ومزق أوصالها تمزيقا .. ثم قامت اتفاقية سايكس بيكو بالبقية الباقية حيث تمكنت من تقسيم وترسيم الحدود بين أقطار الخلافة الواحدة والتى ظلت لمدة ثلاثة عشر قرنا عبارة عن وطن واحد وبلد واحد لا يرتفع فيه صوت قومى مطلقا
وقبل الدخول فى صلب القضية يجب علينا التنبيه على حقيقة هامة نغفلها دوما وهى أن الخلافة الإسلامية لم تسقط كما يظن البعض بمضي الخلافة العباسية أو بمجئ التتاربل ظلت الخلافة قائمة حتى سقوط الدولة العثمانية ..
أى أن الحضارة الإسلامية استمرت قائمة حتى بعد سقوط العباسيين أيام المغول وذلك أن جيش مصر والشام تمكن من دحر المغول ورد هجماتهم وأُعيدت الخلافة العباسية مرة أخرى وإن كانت تقسمت إلى عدة دويلات وإمارات إلا أنها جميعا كانت تحت الحكم والإشراف العام للخليفة
وتناوبت الدول الإسلامية فى الحكم حتى ظهرت دولة العثمانيين واتسعت رقعة الخلافة الإسلامية إلى قريب من حدودها القديمة وظلت حاكمة لثمانية قرون ودحرت أوربا دحرا كاملا واستولت على مناطق شاسعة منها , وكان الراكب يمتطى جواده أو جمله سائرا من المغرب حتى يصل لحواف الخليج العربي , دون أن تقابله شرطة حدود ! أو حرس دولة ! حتى جاء وقت انهيار العثمانيين فى بدايات القرن التاسع عشر وسقطت الخلافة سقوطا نهائيا فى هذاالتاريخ




الهوامش :
[1]ـ بين الصحافة والسياسة ـ محمد حسنين هيكل ـ دار المطبوعات للنشر والتوزيع
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

ومن هذا التاريخ فقط ..
ظهرت مسألة القوميات التى ما كانت معروفة أبدا طيلة القرون السابقة حيث أن الدولة الإسلامية كانت واحدة ولم يكن هناك من ينادى بأنه مصري أو حجازى أو نحو ذلك إلا لمجرد التعريف بمقامه فحسب وذلك لأن لواء الإسلام كان يجمع المسلمين فى أقطار الخلافة على وطن واحد ويؤكد هذا المعنى أن دعوى القومية والعصبية للجنس أو القبيلة أو الدولة اعتبرها الإسلام دعوى جاهلية بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام عندما أثيرت تلك النعرات فقال ( دعوها فإنها منتنة )
فالإنتماء فى الإسلام لا يعرف الأقطار بل هوممتد ليشمل كل أرض فتحها المسلمون وأقاموا عليها شيئا من حضارتهم حتى لو تم احتلال هذا القطر فيما بعد


ولهذا فالمتأمل فى كتب الفقهاء القدامى فى باب الجهاد يجد بعض القواعد التى تشير إلى هذا المعنى بوضوح
ومنها ما أورده بن قدامه فى المغنى وغيره مما اتفق عليه الفقهاء أنه إذا ديس شبر من أرض المسلمين فالجهاد حينئذ فرض عين وإلا عم الإثم الجميع
ولهذا السبب فإنه حتى فى عهد الدويلات التى امتلكت رقعة أرض الخلافة كان أمراء تلك البلاد يتناسون خلافاتهم عندما يتعرض بلد منهم لحملة صليبية أو مغولية .. والتاريخ يحتفظ بعشرات المعارك التى خاضها جيش مصرفى عهد المماليك دفاعا عن الشام
ولم تسقط حملات الغرب الصليبية إلا بسبب هذا التوحد الإسلامى ولهذا كان الغرب عبقريا فى إدراكه لهذه الحقيقة فسعي أولا لبعثرة هذا النداء على المدى الطويل وفق خطة مذهلة ..
وهذه الخطة وضعها نابليون فى حملته على مصر حيث أدرك باستقراء التاريخ أن المفصل الواقع بين مصر والشام والإتصال بينهما هو السبب الرئيسي فى فشل الحملات الغربية دوما فما إن تشتكى الشام حتى تهب مصر والعكس بالعكس ..
فابتكر خطته المعروفة باسم الورقة اليهودية والتى تحدث عنها محمد حسنين هيكل فى كتابه المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل بالجزء الأول
وكان مؤدى الخطة هو زرع جسم غريب بين المنطقتين يجعل التوحد بينهما مستحيلا ..
وسقط نابليون أمام أعدائه فى معركة ووترلوا لكن الإنجليز فطنوا لخطته ومضوا فى تنفيذها بالفعل وبدأت الهجرات اليهودية من أواخر القرن التاسع عشر تتوالى على منطقة المفصل الشامى المصري برعاية المنظمات اليهودية وآل روتشيلد فى بريطانيا حتى تأسست إسرائيل التى قامت بدور الحارس الأمين ومن المعلومات الغائبة عن أذهان الكثيرين أن المناضلين المصريين أيام الإحتلال الإنجليزى لم يكونوا ينادون بتحرر مصر كدولة مستقلة بل كان نداؤهم وجهادهم كله منصب على عودة مصركولاية من ولايات الخلافة العثمانية وكان زعيم هذا التيار هو مصطفي كامل نفسه والذى كان جهاده بالتواصل مع والى مصر آنذاك ومع السلطان العثمانى باعتباره خليفة المسلمين ..


فلم يكن هناك أى فكرة عن مسألة القوميات فى تلك الفترة ولا حتى القومية العربية التى لم تكن معروفة ولم ينادى بها أحد أبدا طيلة هذا التاريخ بل كان النداء مركزا على الخلافة وحدها وضرورة تحرر أراضيها من الإنجليز ,
ولما سقطت الخلافة وتم تعيين فؤاد الأول ملكا على مصر وتغير مسماه من سلطان إلى ملك لدولة مستقلة هى مصر والسودان بدأت خطة الإنجليز تثمر بدفع الكوادر للمطالبة بحركات تحرر قومى مستقلة وهو ما تم بعد ذلك بالفعل فتسللت ثقافة الشيوعية والقومية إلى عالمنا قادمة من دول غرب أوربا وبلغت أوجها فى الخمسينيات والستينات وتخلت مصر طواعية عن السودان والذى كان هو السبب الرئيسي فى فشل مفاوضات الصلح بين الوفد وبين الإنجليزفقبلت الثورة فيما بعد هذا الإنفصال لتستقل مصر وحدها كدولة ..
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

ثم ظهرت نداءات القومية العربية التى تنادى بوحدة العرب وحدهم على أساس الجنس وهى دعوة ما كان لها ذرة وجود قبل تلك الفترة ومع تفعيل اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم وترسيم الحدود فى العالم العربي بالشكل الواقع حاليا
أصبح لكل قطر عربي توجه قومى منفرد
أى أن العرب وبمنتهى البساطة أقروا التقسيمات التى تفصل بينهم إلى دول شرذمية رغم أن هذا التقسيم جاء من الغرب المحتل فى اتفاقية سايكس بيكو والأدهى من ذلك أن العرب عندما اختلفوا فيما بينهم على تلك الحدود احتجوا بترسيم انجلترا وفرنسا لتلك الحدود واعتبروها مرجعا للخلاف !
أى أن المفارقة الكبري فى التيار القومى , تتبدى فى أنه تيارا وحدوديا فى مظهره , بينما أساسه عنصري بكل المقاييس لأن التيار القومى اعترف بالفعل والواقع أن المنطقة العربية ليست منطقة واحدة أو أقطار متوحدة , بل هى دول مختلفة لها حدودها وقوميتها الضيقة تسعى فيما بينها للتوحد !!
وهكذا نشأت دول الوطن العربي المعاصر والتى ليس لمعظمها أى أصل مستقل فى التاريخ ..فمثلا كانت الشام بأكملها قطرا واحدا وكذلك المغرب العربي وأيضا الجزيرة العربية .. وكذلك حوض النيل كله من أقاصي الصومال وحتى الإسكندرية بمصر وكل الدول القائمة حاليا بلا استثناء قامت على حدود عمرها من عمر اتفاقية سايكس بيكو وساهم الغرب فى توطين تلك الثقافة بتوطين شهوة الحكم والخلافات بين حكام تلك الأقطار الجديدة , وجاءت نداءات القومية العرقية لتؤكد هذا المعنى
لنصل إلى النتائج التالية :
* اندثار الإنتماءالإسلامى الواحد الذى جمع المسلمين عربا وعجما تحت لواء واحد لثلاثة عشر قرنا
* ظهور مسمى الوحدة العربية كبديل عن الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية
* ظهور الغيرة على القوميات الضيقة بل وظهور العداءات الجارفة بين تلك الأقطار التى تشكلت إلى دول مختلفة بينما كانت قبل مائة عام فقط دولة واحدة متحدة
*ضياع أراضي المسلمين ضياعا نهائيا بسبب نداء القوميات الذى فشل فى مواجهة اليهود فتركوا لهم فلسطين لقمة سائغة
وفى نفس الوقت أجرم أكبر جرم فى استبعاد الوحدة الإسلامية من قضية فلسطين لتصبح فى عهد القوميات مشكلة عربية لا إسلامية .. وبهذا وبجرة قلم أخرج القوميون عشرات الدول الإسلامية من معادلة الصراع فضلا على أن القومية وبطبيعتها كنداء جاهلى أدت إلى التضييق أكثر فأكثر فأصبحت قضية الأقصي قضية دول المواجهة ثم أصبحت قضية فلسطين بعد تشكل دولة فلسطين الورقية ثم أصبحت قضية غزة وحماس والمعابر .. وهكذا !
والتيار القومى ذاته هو الذى أنشأ منظمة التحرير كممثل وحيد للشعب الفلسطينى , فبدلا من أن تصبح قضية القدس قضية أمة , وقضية عقيدة وتاريخ , أصبحت قضية شعب مستقل يحمل اسم الشعب الفلسطينى وله ممثلون رسميون قوميون يتفاوضون فى هذا الحق ويملكون الخروج بتنازلات لا تستطيع الدول الإسلامية قبولها لأن التيار القومى ببساطة جعل القضية قضية إقليمية , رغم أن القدس لا تخص شعب فلسطين ولا حتى الشعب العربي بل هى ملك لأمة الإسلام جميعا ولا يوجد شعب أو عنصر معين له الحق فى الحديث باسمها خارجا عن السياق !
ولو أن التيار القومى لم يرتكب جريمة إلا هذه الجريمة لكفته !
*تخلى العرب بأنفسهم وبمنتهى البساطة عن دورهم المحورى فى الدول الإسلامية التى كانت معهم تحت مظلة واحدة طيلة ثلاثة عشر قرنا ووصل نداء القومية بهم إلى الوقوف على الحياد من قضايا دول إسلامية شقيقة فى إيران وأفغانستان وباكستان والشيشان وأندونسيا وغيرها مما قطع أى حلقة اتصال بين العرب وتلك الشعوب
*كانت واحدة من أكبر الجرائم القومية هى أن القوميون لم يكتفوا بالحياد المخزى بل قاموا بالإنضمام لضفوف الغرب ضد مصالح إخوانهم فى الدين بآسيا ..
فدخلت بعض الدول العربية التى كانت تمثل المرجعية الإسلامية لسائر مسلمى الأرض فى تحالفات مصالح مع الإتحاد السوفياتى ضد الولايات الإسلامية وتحالفوا مع الهند ضد باكستان ثم أخيرا اعتبروا الشيشان مسألة روسية داخلية
كما ساهموا بأعظم جناية عندما نشروا ثقافة القومية الضيقة فأصبح المخلصون من أبناء هذه الأوطان صما وعميانا عن إدراك الحقيقة الراسخة فى دينهم وهى أن تعاطفهم فرض واجب ـ ليس مع فلسطين فحسب ـ بل مع سائر قضايا الأمة الإسلامية وليست هناك أرض إسلامية أغلى من شقيقتها ..
ووصل التغييب اليوم بين المثقفين فضلا عن العامة إلى درجة مفزعة بلغت بالمثقفين أنهم يجهلون حتى مسمى الدول الإسلامية فى آسيا فلا يمكنهم معرفة من هى الدول المسلمة فى العالم من غيرها !


وقد قيل أن القومية لا تعادى الإسلام ,
باعتبار أن القومية هوية وطن والإسلام دين لا علاقة له بالأوطان بل هو علاقة بين العبد وربه ,
وهذا أساس علمانى حاول التيار القومى فرضه على الجماهير قسرا , فالجماهير بطبيعتها تنزع إلى الدين ولهذا يعترف محمد حسنين هيكل أنه في سبيل فرض التغيرات الإجتماعية التي فرضها عبد الناصر على الشعب , كان ضروريا أن يؤمم الإعلام ويراقبه بحيث لا يرتفع صوت واحد يعادى هذا التيار !
وعندما رفض عدد كبير من القضاة الإلتزام في أحكامهم بالقوانين الإشتراكية لم يجد عبد الناصر بدا من أن يقوم بتنحية هؤلاء القضاة جميعا فيما عرف باسم مذبحة القضاة عام 1969 م ,
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وبهذا وقع زعماء التيار القومى في تناقضات بلا نهاية أدت في النهاية إلى انهيار التيار القومى بعد نكسة 1967 م ,
ومنها :
أولا : من الغريب أن مفكرا في قيمة محمد حسنين هيكل يتخذ من النداء الديمقراطى منهجا ثم يرفض حقيقة أن الشعوب العربية لا تقبل المنهج الإشتراكى , بل ويلتمس العذر لممارسات القمع في عصر الناصر وتأميم الإعلام من أجل ترسيخ العقائد الإجتماعية الجديدة في المجتمع !
فأين هو النداء الديمقراطى ولماذا نصب القوميون أنفسهم أوصياء على الشعوب التي قاموا بالثورة بهدف تحريرها من الطغيان وهدف ترسيخ القيم الديمقراطية ,
ثانيا : ناقض هيكل نفسه ومعه المنادون بالقومية عندما عادوا التوجه الإسلامى ورابط يجمع العرب وغير العرب , ونادوا فقط بالعروبة دون الإسلام !
ولم نجد أحدا من القوميين يجيب عن أسئلتنا الحائرة !
إذا كانت العروبة ـ منهجا وجنسا ـ لم تُخلق إلا بسبب الإسلام الذى كان الرابط الرئيسي الذى جمع أشتات القبائل العربية المتناحرة وجعلها دولة واحدة , ثم رحلت العروبة مع الإسلام إلى الشمال الإفريقي وانتشرت العروبة في تلك البلاد بسبب الدعوة الإسلامية ,
فكيف يفصل القوميون بين الإسلام والعروبة بينما العروبة ما وجدت إلا بالإسلام ؟!
ولم يجبنا أحد من القوميين بشأن قضية القدس وفلسطين , والتى تعتبر من أكبر أدبيات القومية , لم يجيبونا عن مستند ملكيتهم لهذه الأرض ,
ومن أين أتوا بالإثبات التاريخى أن القدس وفلسطين من حق العرب ؟!
لو فتش القوميون إلى يوم الدين عن دليل في مواجهة الغرب على هذه الملكية لما وجدوا إلا الفتح الإسلامى للقدس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فإذا كان الإسلام هو الذى يمنحنا مستند الملكية لأكثر قضايانا تعقيدا , فكيف تستبعدوه من معادلة الصراع ؟!
وسؤال أخير :
من المعروف أن النظرية تظل في حكم النظرية ولا يتم الحكم عليها بفشل أو نجاح إلا بعد تجربة على الأرض تثبت نجاحها ,
وقد جاءت نظرية القومية في الخمسينات والستينات دون أن تحقق ـ في أزهى عصورها ـ هذه الوحدة العربية التي اتخذوها بديلا للوحدة الإسلامية , بل إن العداء العربي ـ العربي في ظلال القومية كان أشد فتكا عما قبلها من العصور ,
فكيف نترك تجربة الوحدة الإسلامية التي صنعت لنا دولا عظمى على مدى ثلاثة عشر قرنا ونتشبث بنداء قومى أثبت فشله الذريع على الأرض ؟!
ثالثا : يعترف هيكل في كتبه وتجربته ـ على نحو غير مباشرـ أن القومية قامت على أساس هش لم يجمع العرب بقدر ما فرقهم وبعثر شملهم إلى أشلاء منذ الستينيات ,
ومن ذلك أنه ينتقد ممارسات الحكام العرب عندما يواجهون جماهيرهم بشعارات القومية والوطنية للإستهلاك المحلى وفى نفس الوقت لم ينتقد موقف عبد الناصر عندما فعل نفس الشيئ !
فعندما أعلن عبد الناصر أنه لا يمتلك خطة لتحرير القدس ـ كان هذا قبل 67 ـ وقامت قيامة الجماهير العربية وجاءه أنصار القومية من شتى الأقطار متوسلين سحب تصريحه ــ رغم أن الرجل كان بالفعل يتكلم بالواقع ولا يخادع ! ـ ولكنهم أصروا على خداع أنفسهم وعلى سياسة المزايدات العقيمة وقبل عبد الناصر هذه السياسة , وسحب التصريح !
وهذا معناه ترسيخ خداع الشعوب بالشعارات البراقة بغض النظر عن الواقع !
ففي كتاب ( الإنفجار ) لهيكل يروى رواية بالغة الوضوح في هذا الصدد , وهو أن مؤتمر القمة العربي الذى انعقد في منتصف الستينات بالمغرب , اعترض فيه جمال عبد الناصر على مشروع قرار يناقش كيفية الهجوم على إسرائيل والخلاص منها قبل أن ينتبه العالم !! ـ على حد تعبير الرئيس السورى أمين الحافظ ـ بدلا من الإكتفاء بتشكيل قوات عربية تحمى مياه نهر الأردن من الإستغلال الإسرائيلي
وأصر الرئيس السورى على مناقشة الموضوع في جدول الأعمال ووافق عبد الناصر على المناقشة رغم إدراكه التام أنها مزايدات لن تؤدى لشيئ , لكنه استجاب لدواعى القومية التي يجب ألا تهتز في الإعلام
وبالفعل تمت مناقشة القرار الخيالى وأعد الفريق على على عامر قائد القوات العربية المشتركة قائمة بالمطلوب من كل دولة عربية وتم وضع الأمر في وثائق رسمية !

وفى اليوم التالى وصلت نسخة كاملة من وثائق ومحضر إجتماعات القادة العرب في قمة المغرب إلى إسرائيل ! وعبر مصدر لم يتم كشفه إلا في التسعينيات , وكان الذى كشفه هو محمد حسنين هيكل نفسه [1] والمصيبة السوداء أن هذا الصديق الحميم جدا لتل أبيب والذي نقل لها هذه التفاصيل كان هو نفسه رئيس ما يسمى ( المجلس الأعلى للقدس ) والذي أنشأته إحدى القمم العربية للدفاع عن قضية القدس !!
ولا عجب مع العرب
المهم ..
استخدمت إسرائيل هذه الوثائق لتقديمها إلى الإدارة الأمريكية لتفتح هذه الأخيرة باب تعاونها مع إسرائيل إلى مداه الأقصي وتم تجهيز مؤامرة 67 بحيث تبدو إسرائيل فيها كالحمامة فى مواجهة الوحوش الذين يرغبون فى القضاء عليها !
ولم تكن إسرائيل تحتاج جهدا لإثبات ذلك فها هى وثائق القمة العربية الأخيرة تثبت بشكل قاطع أن الحكام العرب مجتمعون للتخطيط على إبادة إسرائيل قبل أن ينتبه العالم !
وعرف عبد الناصر عن طريق الرئيس تيتو رئيس يوغسلافيا أن الوثائق وصلت لإسرائيل وتساءل الرئيس اليوغسلافي عن مدى صدق هذه الوثائق الخطيرة وهل تفكر مصر والعرب جديا فى ذلك !
وصُعق عبد الناصر وسأل تيتو عن كيفية معرفته فأخبره أن ( ناحوم جولدمان ) أحد زعماء الصهيونية الكبار قابله على عجل ونقل إليه هذا الكلام كدليل على نوايا العرب !
وعلى حد تعبير الأستاذ هيكل , حاول عبد الناصر مرارا أن يشرح المعضلة فى أن الوثائق نوقشت بالفعل لكنها ليست واقعية فى نفس الوقت , لكن تيتو كان صعبا عليه جدا استيعاب هذا المنطق العربي الغريب الذى يستجيب لجو من المزايدات يعرفون تماما أنها خيالية ومع ذلك يبرزونها ويعطونها لخصومهم ليغزلوا ما شاءوا من مؤامرات !
كل هذا بسبب الطبع القومى المترسخ في أعماق حكام تلك الفترة ألا وهو الزعامة الصوتية والظهور بمظهر المناضلين في سبيل الأمة العربية , والتنافس بين بعضهم البعض على حديث القوة دون أن يمتلكوا من أسبابها ذرة !


الهوامش :
[1]ـ كلام فى السياسة ( قضايا ورجال ) ـ مجموعة مقالات وجهات نظر ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

فكارثة التيار القومى أدت إلى مهزلة يونيو 67 م بسبب هذه المزايدات وعدم الصدق مع النفس وعدم التعامل بواقعية مع قضايا الأمة ,
ولهذا كانت مكاسب إسرائيل في تلك الحرب خرافية ما توقعتها إسرائيل نفسها ولا الولايات المتحدة ,
فقد كانت الأوامر للجيش الإسرائيلي أن يدخل سيناء ويقف عند الممرات , لكنه فوجئ بانهيار الجيش المصري فصدرت الأوامر بإتمام إحتلال سيناء ,
ولم تكن هناك خطة أصلا لاحتلال الجولان , وصدر قرار وقف إطلاق النار يوم 9 يونيو والجولان سورية , ثم فجأة وجد الإسرائيليون الطريق مفتوحا فدخلوا الجولان بعد أن قضموا الضفة الغربية في طريق عودتهم من سيناء
وكانت إسرائيل أول من يدرك أنها لم تنتصر على العرب , بقدر ما هزم العرب أنفسهم قبل أن يواجهوا الجيش الإسرائيلي !
وفى ذلك يقول يوحشفات هركابي ـ أحد مدراء الموساد السابقين والمنسق العام للأجهزة الأمنية ـ في كتابه ( العقل العربي ) أننا لم ننتصر على العرب بفضل قوتنا بل بفضل ضعفهم وهزيمتهم من أنفسهم واحتكارهم للمظهرية , وهذا الأمر الذى يجب أن ترسخه إسرائيل حتى لا تتكرر تجربة أكتوبر والتى كانت نصرا حقيقيا للعرب عندما تركوا الكلام وأقبلوا على العمل

هكذا كان حال العرب قبل أكتوبر 1973 م ,
أصبح كل حاكم عربي تجرفه نداءات القومية فى بلده يلجأ لحل بسيط , وهو أن يواجه شعبه بسياسة عنترية مناسبة وفى نفس الوقت تتواصل فيه علاقاته مع الأطراف الغربية بلا مشاكل
ولو أخذنا الملك حسين ملك الأردن السابق مثالا , لعرفنا مثلا أنه ـ باعترافه شخصيا لمؤرخه الرسمى اليهودى آفي شلايم ـ قابل الإسرائيليين وجلس معهم منذ بداية حكمه ـ أثناء معترك القومية ـ حوالى 4000 ساعة كاملة !
وفى قاعة البيت الأبيض أثناء توقيع معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في عهد الرئيس الأمريكى ( بيل كلينتون ) لاحظ هذا الأخير مدى التلاطف والحميمية بين الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين ,
فسأل كلينتون ضيفيه قائلا : متى كان أول لقاء بينكما يا ترى ؟!
فرد الملك حسين : منذ عشرين عاما يا فخامة الرئيس !
فصحح رابين التاريخ قائلا : بل منذ واحد وعشرين عاما يا صاحب الجلالة !![1]
ودوره فى نكسة 67 وفى حرب 73 تكفلت بكشفه الوثائق الأمريكية نفسها ,
ومع ذلك فقد كان فى أثناء جنوح التيار القومى قوميا أكثر من القوميين بل وقفت الأردن مع قرار تجميد عضوية مصر بعد معاهدة السلام لأنها اتصلت وتفاوضت علانية مع إسرائيل بينما مؤتمر الخرطوم الذى انعقد عقب النكسة أعلن اللاءات الثلاث الشهيرة وهى :
( لا للتفاوض ـ لا للصلح ـ لا للإعتراف بإسرائيل )

والملك الحسن ملك المغرب كان هو نفسه همزة الوصل بين الرئيس السادات والقيادات الإسرائيلية , وهو الذى رتب اللقاء السري الذى تم بين موشي ديان وحسن التهامى ـ مستشار السادات ـ بعد حرب أكتوبر لبحث سبل الإتصال بين مصر وإسرائيل والتفاوض ,
لكن الغريب أن الملك الحسن بعد إعلان السادات لمبادرته بزيارة القدس والتفاوض العلنى وقف مع الجانب الآخر وكان تعليقه أنه كان يرعى اتصالا سريا وهو ما يمكنه استيعابه أما العلانية فتلك هى التى لا يحتملها أحد !
وعرفات نفسه وفريق منظمة التحرير الفلسطينية كانوا على علاقة بمسئولى المخابرات المركزية الأمريكية في إدارة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون أثناء معمعة حرب أكتوبر !
فقد راسل عرفات المسئولين في الإدارة الأمريكية ببرقية سرية إلى كيسنجر قال فيها عرفات :
( أنه يعتقد أن مصر وسوريا ستهزمان في هذه الحرب في آخر أيامها ولذلك فهو يبتغي إنشاء قناة تواصل بين ومسئولى الإدارة الأمريكية ) !!
وبالفعل توسط الملك الحسن ملك المغرب لهذا الأمر وأرسلت المخابرات المركزية أحد كبار مسئوليها وهو ( هيرمان وولترز ) إلى مدينة فاس بالمغرب ليلتقي مع خالد الحسن وماجد أبو شرارة مبعوثي ياسر عرفات لعمل قناة اتصال سرية بين المنظمة والإدارة الأمريكية ومعرفة الشروط الأمريكية للقبول بالمنظمة !
وقامت المخابرات المركزية باستخدام المنظمة سياسيا أكثر من مرة ,
ويقول كيسنجر في مذكراته المنشورة بعنوان ( سنوات القلاقل ) , أن ميلشيات منظمة التحرير في فترة السبعينيات هى التي كانت تتولى حماية السفير الأمريكى في بيروت لعدة سنوات !
وبذلت المنظمة جهودا خدمية جبارة ثم لم تصل المنظمة لنتيجة , ولهذا عاودت الكرة مرات ومرات حتى تم لها المراد بالرضا الأمريكى في بداية التسعينيات !
وهو الرضا الذى لم يستمر طويلا مع مجئ إدارة بوش الإبن وتولى إرئيل شارون الحكومة في إسرائيل وإعلانه نهاية اتفاقية أوسلو وقام بضرب مقر عرفات بالصواريخ !
ورغم كل هذا أرسل عرفات برقية تهنئة لشارون بمناسبة أحد الأعياد اليهودية , وأثناء معترك انتفاضة الأقصي الثانية !
ثم مد الوساطة حتى آخر مدى لكى يرضي شارون بمقابلته , وأخيرا وافق على مقابلة عومرى شارون , وهو شاب لا علاقة له بالعمل السياسي ولا يمتلك منصبا تنفيذيا !
بخلاف أنه أعلن إدانته الكاملة لما سماه بجريمة الحادى عشر من سبتمبر وأعلن تضمانه مع إدارة بوش الإبن الذى أذاقت العرب الويلات , ثم لم يستح أن يتمدد أمام كاميرات القنوات الفضائية متبرعا بالدم لضحايا 11 سبتمبر !
في نفس الوقت الذى كانت فيه أشلاء الأطفال والعجائز في الضفة والقطاع لم تجف بعد !
فإذا وضعنا هذا التواصل المذهل بين الأطراف التي تدعى الصمود وتتاجر به وبين أعدى أعداء الأمة , وهم الذين أعلنوا وجه الغضب أمام السادات للقيام بمبادرته أمام هذه الحقائق التي تكشف لنا مدى الإستغلال الذى وقعت فيه الجماهير العربية من متاجرة هؤلاء القوم ,
ألسنا نخلص إلى استنتاج منطقي وهو أن هؤلاء المعترضين على السادات أن همهم كان بغرض استمرار القضية ساخنة بلا حل والضحايا متوهجة حتى تتكاثر المكاسب !
ولهذا فإن براءة القوميين من السادات ليس لأجل الخيانة التي يترنمون بها بل لأجل أن السادات أخذ ما كان مخفيا تحت المائدة ورفعه فوقها ! فقامت الدنيا ولم تقعد لأجل هذا الكشف ,
ولم يتساءل أحد أو يهتم بمحتوى الأطباق العفنة ذاتها !

وكان السادات يوقن تماما أن السياسة العربية قائمة على هذا الأمر وأن المحرمات واللاءات والمقدسات إذا جرى اقتحامها عنوة بقوة الأمر الواقع فهذه هى الخيانة أما إذا تمت فى السر وعلى أبشع صور الخيانة فهذه هى السياسة !
لهذا قلنا أن التيار القومى بنى نفسه على الكذب والتضليل فكان من الطبيعى أن يسقط هذا السقوط الذريع لأن ما تبديه القيادات العربية من صلابة ونضال إنما هى مظهرية تخفي ما تحتها من حقائق الواقع ,
وكان السادات قبل أن يتورط فى اتفاقية كامب ديفيد بشكلها الذى خرجت به مؤخرا , كان يلاقي التأييد العربي التام من حكام الدول العربية أو أغلبهم ولكن فى السر أما فى العلن فقد طلبوا إليه أن يراعى موقفهم !!

وعندما أعلنت مصر اتفاقية كامب ديفيد منفردة بعد أن رفضت باقي الدول العربية أن تشارك فى مسيرة التفاوض ورفضت إعطاء السادات حق التفاوض على الحقوق العربية كلها بمقتضي قرار مجلس الأمن 242 , والذى كان يكفل عودة الأراضي العربية المحتلة عام 67 إلى أصحابها الأصليين ,
اجتمعت الجامعة العربية وقررت عدم الدخول فى المفاوضات وقررت قطع العلاقات مع مصر وتكوين جبهة عربية للصمود والتصدى ,
وما كان أسعد العرب والمسلمين لو أن هذه الجبهة فعلا اتخذت طريق الصمود والتصدى بإخلاص , وواصلت المواجهات العسكرية ـ طبقا لما كانت تنادى به وهو الحرب بلا نهاية ـ إذا لكان هذا كفيلا برجعة مصر إلى تيار الجهاد حتما مهما كانت الضغوط السياسية ,
لأن عذر وحجة السادات الوحيدة كان متركزا على أن من ينادون بالحرب المستمرة يكتفون بالنداء ولا يتحركون ,
ولكن لأن أساس جبهة الصمود والتصدى كان هو نفس الأساس الرخو القائم على شعارات القومية , فقد أصبح الصمود مظهريا وأصبحت الحرب بالكلمات كما هى العادة ,
فقبلت سوريا مبدأ التفاوض في ظل مبدأ الأرض مقابل السلام , وهو ذات العرض الذى جاء به السادات فرفضه الرئيس السورى حافظ الأسد وأصر على تحرير الجولان عسكريا ثم عاد فقبله عام 1991 م في مؤتمر مدريد ,
ثم كانت المفاجأة أن الذى رفض العرض هى إسرائيل رغم التنازل السورى وأصر شيمون بيريز على أن تظل إسرائيل محتفظة بقطعة من الجولان وتنسحب بشكل محدود منها دون انسحاب نهائي !
وهكذا ظلت الجولان ليومنا هذا ,
فلا هى تحررت بالقوة العسكرية ولا هى تحررت بالدبلوماسية استثمارا لنتائج حرب أكتوبر !


الهوامش :
[1] ـ المفاوضات السرية ـ الجزء الثالث ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وإذا بدعاة الصمود والتصدى من المتاجرين القوميين بالقضية الفلسطينية يتورطون فى مفاوضات واعترافات متوالية منذ عام 1982 ـ أى بعد أقل من عام من رفضهم للمفاوضات ـ وأعلنوا في قمة فاس الثانية خيار السلام والتفاوض !
فعلام كان الرفض والطنطنة الفارغة إذا ؟!
وكان هذه المفاوضات مهزلة بكل المقاييس حيث أنها لم تتح حتى أدنى المكاسب التى كان السادات يدعو لها فى مفاوضاته , فضلا على ما اتسمت به من ذل ومهانة !
ففي أثناء كامب ديفيد كاد عقل الإسرائيليين يطير من الفرح لاعتراف السادات بهم واصطف أشرس زعماء حزب الليكود ( حزب المتشددين الإسرائيليين ) لاستقبال السادات والإستماع إليه في الكنيست , واعتبروا اعترافه بهم وزيارته فتحا تاريخيا !
مع أن رئيس وزرائها في ذلك الوقت كان مناحم بيجن صقر الصقور
بينما ظلت إسرائيل ترفض هى الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية أو حتى السماح بذكر اسمها مجرد ذكر !
ومشت السياسة الأمريكية على نفس المنهج فأصبح ياسر عرفات يتوسل الإعتراف به نظير أى مقابل ولا يجده !
مع أن عرفات نفسه كان هو القائل بعد تجربة السادات ( تقطع يدى ولا أوقع على القرار 242 ) وهو القرار الذى يعترف بأحقية الدولة الإسرائيلية وشرعية وجودها ,
ثم جاء بعد ذلك فليته وقع القرار فقط ! بل وقعه وبصم عليه بأصابع يديه وقدميه حتى ترضي عنه السياسة الأمريكية !
وعندما اعترفوا به , ومع أول عملية فدائية في القدس سحبت أمريكا اعترافها رغم أن عرفات أدان العملية واعتبرها إرهابا في تصريح رسمى له قبل توقيع اتفاقية أوسلو !
وفى أثناء التوقيع بحضور الرئيس الأمريكى بيل كلينتون , اشترط اسحق رابين وشيمون بيريز على الرئيس الأمريكى ضرورة بعض الشروط على عرفات وهى أنه لا داعى للقبلات والأحضان والممارسات السمجة , ورفض رابين حتى مبدأ المصافحة مع عرفات مراعاة لمشاعر الشعب اليهودى !
وتوسط بيل كلينتون لرابين بشدة حتى يقبل المصافحة بالأيدى دون قبلات وأحضان !!

ولم تعد إسرائيل شيطانا يستعيذ منه القوميون بعبد الناصر !
بل أصبحت مثلا ومثالا للمناضلين أصحاب الصمود والتصدى !
فينقل هيكل في نفس الكتاب حوارا دار بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين عرفات وبين المليونير الفلسطينى حسيب صباغ ,
فعاتب عرفات المليونير صباغ قائلا له : إن روتشيلد فلسطين ( يشبه صباغ بالمليونير اليهودى روتشيلد الذى دعم إسرائيل ماليا في بدايتها ) لم يقم بدوره
فرد عليه صباغ قائلا : لأن بن جوريون فلسطين ( يشبه عرفات بابن جوريون مؤسس إسرائيل وأول رئيس لوزرائها ) لم يقم بدوره يا أبو عمار !!

ولم تعد إسرائيل هى العدو الذى يجب مقاطعته ,
بل اشترك وزيران من وزراء عرفات في مشروعات استثمارية ضخمة في إسرائيل وأصبحت لهم أعمال في السوق الإسرائيلية وتكفل أحدهم بتوفير العمالة الفلسطينية الرخيصة لإسرائيل حتى تُبنى بها المستوطنات , وتكفل الآخر بتوفير العمالة لبناء الجدار العازل !!
في نفس الوقت الذى يخرج فيه الإثنان معا في المفاوضات منددين بسياسة بناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري !!
وبالمثل قام سائر قيادات منظمة التحرير ـ فور تنفيذ اتفاقية أوسلو ـ بإنشاء المشروعات والمصانع واستثمار الأموال العربية ـ التي جنوها باسم الدعم العربي لفلسطين ـ في دعم الإقتصاد الإسرائيلي والإستفادة المالية فضلا على استثمار أموال السلطة الوطنية في إنشاء شركات تجارية يملكها أعضاء الحكم الذاتى وتحتكر النشاط الإقتصادى داخل غزة , بينما هذه الأموال التي تأسست بها هذه الشركات هى أموال دعم عربي ودولى منحت مجانا للشعب الفلسطينى لا لرؤسائه , لكنهم أخذوها لأنفسهم
لتتراكم ملايين الدولارات في أرصدة هؤلاء المناضلين ,
لدرجة أن هيكل يشرح كيف أن البنك الدولى بعد اتفاقية أوسلو رفض تسليم أموال التبرعات إلى السلطة الوطنية بدون رقابة
وقال رئيس البنك الدولى تعبيرا عن ذلك : نحن لسنا على استعداد لأن نمنح المنظمة أموالا في جيبها , إلا إذا كانت تريد مصروفات شخصية ( بوكت مانى ) فهذا أمر يمكن تدبيره !
وهو ما أثار اعتراض عرفات وفريق السلطة الوطنية وأصروا على تسلم الأموال وصرفها بمعرفتهم , ومن البلايا حقيقة أن شيمون بيريز والقيادات الإسرائيلية توسطوا لتصل هذه التبرعات إلى فريق عرفات بدون رقابة دولية على المشروعات !
وليس هذا غريبا على فريق عرفات ما دام عرفات نفسه كان أول المستثمرين وأول البادئين بهذا المنهج ,
فقد كشف المحلل السياسي البريطانى الكبير ( ديفيد هيرث ) في كتابه عن ثلاثية السلطة الوطنية في فلسطين , بالأرقام والوثائق حجم الأعمال التجارية التي أنشأها فريق السلطة لحسابهم الخاص , كما كشف أرقام الحسابات المليونية التي أودعها أعضاء السلطة في البنوك الكبري بأسماء مستعارة أو بأسماء زوجاتهم
وكان عرفات قد أنشأ شركة باسم ( شركة البحر ) تحتكر تجارة الأسمنت والحديد والطاقة داخل قطاع غزة وأراضي الحكم الذاتى وتديرها زوجته سها الطويل !
وقد نشرت صحيفة ( الديلي تلجراف ) البريطانية ملفات شخصية مختصرة عن أعضاء وفد التفاوض الفلسطينى برياسة عرفات وأعضاء الوفد الإسرائيلي برياسة رابين وأجرت لكلا الفريقين تحقيقات شخصية تشمل مجمل أنشطتهم وسيرهم الذاتية ,
وذكرت صراحة حجم التعاون والتفاهم بين الفريقين , وكشفت عن أسماء المؤسسات التجارية التي يشارك فيها أعضاء السلطة الوطنية , بل وكشفت عن رقم حساب عرفات نفسه في البنك الإسرائيلي الرئيسي ( لائونى ـ فرع حشمو نائين ) في تل أبيب !
ولعلنا لا ننسي التقارير الإخبارية التي طيرتها وكالات الأنباء عقب موت عرفات , حول الخلاف الحاد الذى نشب بين سها عرفات وبين بقية أعضاء السلطة حول الأموال المتراكمة في البنوك باسمها وباسم زوجها الراحل [1]
فضلا على الدور الهدام الذى قامت به السلطة الوطنية بقيادة عرفات في العمل كشرطى إسرائيلي مهمته مطاردة عناصر المقاومة الإسلامية المسلحة , وهو الدور الذى تحدث عنه صراحة إسحق رابين بناء على نصيحة أجهزته الأمنية في استخدام اتفاقية أوسلوا لتحويل الفلسطينيين إلى بوليس يطارد الفلسطينيين وتوفير الجهود الإسرائيلية في ذلك !
لينكشف أمام العالم أجمع أن هؤلاء ما هم إلا مجموعة من المتاجرين بالقضية والحريصين على استمرار معاناة الشعب العربي والفلسطينى لاعتبارات الإستفادة المالية والمادية والنجومية , وقس على ذلك سائر الأطراف العربية !
أليسوا هؤلاء هم تلاميذ مدرسة القومية العربية وأعضاء منظمة التحرير التي دعمها عبد الناصر ورباها في كنفه واعترف لها بأحقية التمثيل المنفرد للشعب الفلسطينى وقضيته ؟!
أليس هؤلاء من أعلنوا أنهم باقية على عهد عبد الناصر وثوابته بعد أن خانها السادات ؟!
ألا تعست المدرسة وتلاميذها !

وينقل أيضا محمد حسنين هيكل فى كتابه ( المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ـ الجزء الثالث ) ما يمكن تسميته مهزلة بكل المقاييس , لأن اتفاقية أوسلو وما أحاط بها كان السادات قد أتى بها من قبل ورفضتها يومئذ كافة الدول العربية واعتبرتها خيانة للقضية لأنها كانت تتضمن الإعتراف بإسرائيل
فعلام إذا كان صداع الصمود والتصدى ؟!
وحتى هذا الإتفاق ( غزة ـ أريحا ) تنصلت منه إسرائيل وتنازلت منظمة التحرير أكثر وأكثر وزادت إسرائيل فى غيها أكثر , وانتهى الأمر إلى أن ما رفضه العرب بالأمس أصبحوا يتوسلون للحصول عليه اليوم فلا يجدونه !
واعترفت جبهة الصمود والتصدى بإسرائيل وقبلت بكافة شروطها على أمل الإستجابة بلا فائدة , وتمادت الولايات المتحدة وإسرائيل فى إذلال عرفات وقيادة المنظمة ورغم ذلك قبل واستجاب ,
فاعترف بإسرائيل اعترافا صريحا احتوى اعترافا ضمنيا بشرعية استيلائها على الضفة الغربية والقدس , وعندما أعلن اعترافه طلب إليه وزير الخارجية الأمريكى أن يعيد اعترافه بشكل أكثر صراحة , فاستجاب عرفات وكرره , حتى قال وزير الخارجية الأمريكى معلقا بسخرية على ذلك قائلا :
( إن لاءات الخرطوم الثلاثة أصبحت نعم وثلاثة أيضا ! )
وينعى هيكل فى كتابه ممارسات عرفات والتى أفرغت منه قضيته بالكامل , بل ويبدى ذهوله من أن عرفات قبل أوامر الإدارة الأمريكية فى وصف أعمال المقاومة الفلسطينية بالإرهاب !
كل هذا طمعا فى الأموال الطائلة والسيارات الفاخرة ومظهرية رئيس الدولة على غير أساس من الواقع !
ثم تواصل مسلسل المفاوضات والإستجابة لكافة الشروط إلى درجة مهينة للغاية , فاقتتل الصف الفلسطينى على سلطة وزارات ليس لها من مسماها نصيب من الواقع !
وانسكبت مليارات لم يعرف أحد أين ذهبت ؟!
وقدّر هيكل جملة المبالغ التى حصلت عليها المنظمة منذ عام 80 حتى عام 90 بمليار وربع المليار دولار !! وهو كم غير مسبوق لحركة نضال وجهاد !!
وتساءل أيضا على السبب فى الصرف والبذخ الذى كانت تمارسه المنظمة على المكاتب الفاخرة فى عواصم العالم الكبري وعلى التنقلات بالطائرات الخاصة والمرتبات الفاخرة وغيرها من ممارسات تتفوق حتى على ممارسات رؤساء الدول ,
ونتساءل نحن معه أيضا عن القومية ونداء النضال وحقيقته !
هذا الأمر الذى جلب لنا سخرية الإسرائيليين أنفسهم عندما سخر رابين قائلا :
( سفارات لمن وباسم من وأين هى الدولة حتى تكون لها سفارات ؟! ) [2]
بل إن شيمون بيريز ـ رئيس الدولة الإسرائيلي الآن ـ عبّر في مذكراته عن فريق المفاوضات من أمثال عرفات وأبو مازن وصائب عريقات قائلا :
( إنى أشعر أنى أتحدث إلى نفسي .. هؤلاء الذين نفاوضهم ليسوا فلسطينيين بل إنهم يهود بالكوفية الفلسطينية ! )[3]

ويثبت هيكل في كتابه بأدلة كثيفة حقيقة هؤلاء المناضلين على مستوى العالم العربي وكيف أنهم لا يعملون لأجل قضية أو مبدأ أو بإيمان حقيقي بالقومية العربية بل للتكسب الشخصي , ونسوق في هذا المقام دليلا واحدا واضحا وهو العداوة المستفزة بين مختلف الفصائل الفلسطينية على السلطة وعلى الظهور الإعلامى !
وتسلط أجهزة الأمن التابعة لعرفات وأبي مازن في تتبع عناصر المقاومة الإسلامية والتنكيل بهم !
وإلى الدرجة التي جعلت ياسر عرفات في زيارته لباريس أثناء رياسة فرانسوا ميتران , يقبل ببساطة شديدة أن يعلن للعالم أجمع إلغاؤه للميثاق الوطنى الفلسطينى بناء على طلب الرئيس ميتران , ووقف أمام عدسات المصورين يعلن هذا الإلغاء للميثاق الذى تعاهد عليه أبطال جبهة الصمود والتصدى وجعلوا بنوده مليئة بالشعارات البراقة واللاءات الشهيرة !
فأين الوطنية القديمة التي رمت السادات بالخيانة لمجرد تفاوضه مع إسرائيل ؟!
وأين القضية يا صاحب القضية ؟!
وكيف تقبل أن تلغي الميثاق الوطنى منفردا بقرارك وحدك ولأجل خاطر الرئيس الفرنسي لمجرد أنه قام باستقبالك استقبالا رسميا في قصر الإليزيه !
نحمد الله تعالى على أن ميتران لم يطلب حذف آيات من القرآن أيضا !

وهكذا قبل العرب قاطبة الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية بل وعرضوا التطبيع الكامل في محاولة دفع عملية السلام ـ كما يقال ـ في نفس الوقت الذى كانوا فيه قبل عشرين عاما ينثرون اتهامات الخيانة على القيادة المصرية في مزايدات عقيمة !
وكان حريا علينا فعلا أن نسمى فرصة التفاوض مع السادات لو تمت في إجتماع كامل للكلمة العربية فرصة حقيقية تحقق مكاسب مرحلية هامة باستعادة الأراضي المحتلة في 67 ,
لكنها أصبحت فرصة ضائعة ـ كما سماها وزير الخارجية المصري الأسبق محمد إبراهيم كامل ـ وذلك بسبب المزايدات العقيمة مع السادات وانفراد هذا الأخير بقراره ورحيله منعزلا عن مجتمع القومية العربية مروجا للقومية المصرية !

وليس القصد هنا دفاعا عن سياسة السادات التي أدت به لتوقيع معاهدة كامب ديفيد , بل لا زالت هذه السياسة هى السبب الرئيسي للتراجع العربي , وهو في معيار التاريخ لا يختلف عن أى قائد عربي معاصر خلط العام بالخاص
وقيامه بمبادرة السلام واستعادته لسيناء كلها أمور يستحق التأييد عليها , لكن ما تجاوز فيه هو اعتماده الخيار الإستراتيجى الأمريكى ورهنه سياسات مصر بسياسات الغرب تطرفا منه في عداوة العرب ,
ونسي أن هناك مبادئ وثوابت لا يجب التنازل عنها لأى سبب مهما كان تنازل الآخرين عنها مكشوفا ومعروفا
ولو أن معاهدة السلام كانت معاهدة هدنة , وتبتعد إلى نحو مدروس عن السياسة الأمريكية لكانت سياسة السادات أثبتت أحقيتها كاملة ,

فالقصد كشف وتعرية التيار القومى وعدم الإعتراف له بأحقية نقد السادات لأنه القومى الوحيد الذى فعل شيئا له قيمة وهو اتخاذه قرار أكتوبر
أما نقد السادات وتشريح سياسته فهذا حقنا نحن ـ أصحاب التوجه الإسلامى الصافي ومرجعية القرآن والسنة ـ
وأيضا لإدراك حقيقة أن عداء التيار القومى لمعاهدة كامب وللسادات ليس مبنيا على واقع بل على شعارات كانت هى المحك الرئيسي الذى أدى للهزيمة التي لاموا السادات على استثمار انتصارها والتفاوض من موقف قوة !
نعم إنه قبل بما لا يجب القبول به , ولكن كان من الممكن استيعاب ذلك مرحليا , وعدم النظر إلى معاهدة السلام على أنها معاهدة سلام بالفعل وإنما هى مجرد هدنة لا أكثر ولا أقل
خاصة وأن عقيدة الجيش المصري وعقيدة الجيش الإسرائيلي لا زالت حتى يومنا هذا هى العقيدة المشتركة في العداء وليس للمعاهدة أثر فعلى عليها ,
ويشهد بذلك المشاريع الإستراتيجية للجيشين ,
ولو قبلوا المفاوضات في بدايتها قبل تغير ظروف العالم لحصل العرب على الأراضي التي تم الإستيلاء عليها قبل 67 ولكانت تلك خطوة على الطريق يتلوها ما بعدها لو خلصت النوايا !
لكن من قال إن النوايا كانت مخلصة !

كما أظهرت الوقائع أن نبذ التيار القومى للإسلام والحضارة الإسلامية هى السبب الرئيسي في انهيار أحوال العالم العربي لأن الإخلاص والإيمان إنما هو رهن بيقظة العقيدة الدينية الإسلامية التي اتخذها أهل القرون السابقة دستورا فسادوا بها على العالم ثلاثة عشر قرنا !

ومن الغريب أن دعاة القومية من أمثال الأستاذ هيكل يؤمنون بنظرية فشلت تجربتها فشلا ذريعا على أرض الواقع بينما يهملون التجربة التي أثبتت نفسها كدولة عظمى عشرات المرات ,
والأنكى ..
أنهم تخلوا طواعية عن سلاح فتاك لعدوهم وهو الإسلام , فقد بذل المستشرقون بالفكر والصليبيون بالحرب جهودا استطالت قرونا حتى ينزعوا الفكر الإسلامى من قلوب معتنقيه وفشلوا في ذلك
وجاءت أجيال القرن العشرين لتتخلى عن أقوى أسلحتها طواعية !
والأغرب أن هيكل في كتابه ( المفاوضات السرية ) ينقل عن شيمون بيريز تصريحه بأن الخطر الإسلامى هو أخشي ما يخشاه الإسرائيليون !
وفى نفس الوقت لا ينتبه إلى التناقض عندما يقف مع صف شيمون بيريز ويبرر العداء لأى صحوة إسلامية !

وقد كان هيكل في تجربته الإعلامية واقعا في حيرة من أى شاشة فضائية يطل على جماهير مستمعيه , واختار الجزيرة لسبب واحد وهو أنه سمع تصريحا لجورج دبليو بوش يسب فيه الجزيرة ويعتبرها عدوا إعلاميا فاختارها هيكل تحت منطق أن أى مكان يراه الرئيس الأمريكى غير مناسب له , هو بالتأكيد مكان مناسب أى عربي
جميل جدا هذا المنطق السليم ,
لكن لماذا رفضه الأستاذ هيكل في عداء الإسرائيليين والأمريكيين للإسلام فتشبث بفكر عقيدته التي يعتبرها خصومه أعتى الأسلحة في مواجهتهم ؟!
لا أحد يعلم ؟!
يتبع ..


الهوامش :
[1] ـ د. عبد الله النفيسي ـ برنامج بلا حدود ـ قناة الجزيرة الفضائية ـ حلقة بعنوان ( السلطة الوطنية )
[2]ـ المفاوضات السرية ـ الجزء الثالث ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق
[3]ـ نقلا عن ندوة للدكتور عبد الله النفيسي بعنوان ( حال الأمة )
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

قراءة في معالجة القوميين لحرب أكتوبر



يكمن سر العداء الرهيب المتبادل بين القوميين وبين السادات ,
أن هذا الأخير بعد أن استقرت في يده مقاليد الحكم مشي في طريق معاكس لما ينتهجه عبد الناصر وانقلب على مرحلته وسمح للكتابات الحرة المنتقدة للناصرية أن تظهر في الصحف وفى الكتب والتى كان من أوائلها كتاب ( الصامتون يتكلمون ) وهو كتاب محاورات لسامى جوهر حاور فيه عددا من أعضاء مجلس قيادة الثورة ممن أطاح بهم عبد الناصر على مراحل متفاوتة من حكمه
كذلك كتابات المفكر الكبير توفيق الحكيم وأبرزها كتاب ( عودة الوعى ) , وغيرها من الحملات التي كان بعضها صادقا ويتناول ظواهر حقيقية في عهد عبد الناصر والبعض الآخر احتوى على ظواهر مبالغ فيها أو مفتراة مثل كتابات موسي صبري ومصطفي أمين وأنيس منصور وغيرهم من الكُتاب المحسوبين على تيار السادات ,



وتعتبر حرب أكتوبر عقدة العقد بالنسبة للناصريين والقوميين حيث أنها تمت تحت قيادة أعتى خصومهم وهو أنور السادات بينما رحل عبد الناصر ومصر والعالم العربي كله رهن هزيمة ساحقة من إسرائيل ,
والأنكى بالنسبة لهم أن عبد الناصر لم يشن معركة هجومية واحدة على إسرائيل كذلك لم يهزمها في ميدان قتال , فقد انسحب الجيش المصري في حرب 56 وكذلك في حرب 67 م ,
ولهذا جاءت الإنتقادات المبالغ فيها لانتصار أكتوبر والمحاولات المستميتة منهم إلى تقليل حجم إنجازها المبهر دون أن يرتفعوا فوق الخصومة فيركزوا انتقادهم على السادات في فترة حكمه مثلا أو في مسئوليته المشتركة مع عبد الناصر عن الإنتقادات التي يثيرها الساداتيون ,
دون أن يتعرضوا لانجاز مبهر مثل حرب أكتوبر فيعتبرونه نصرا قد تحول لهزيمة !!ّ
وهو الرأى المتطرف الذى لم يصل إليه أعتى الإسرائيليين لا سيما في ظل نتائجه على خريطة الواقع المتمثلة في الإنسحاب الإسرائيلي المتتالى من سيناء ,
وجاءت مجموعة منهم فاعتبرت أن عبد الناصر هو الممهد لانتصار أكتوبر وأنه صاحب الفضل الحقيقي في هذا الإنتصار !!
وكلها بالطبع محاولات تبدو للمتأمل العاقل شديدة التعسف في فرض صورة الرئيس الراحل بأى شكل على الأحداث حتى يمكن أن يكون له نصيب من هذا الإنتصار ,
وزاد الناصريون في التعسف عندما لم يكتفوا بالرأى السابق بل قال محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب أن السادات لا يحمل من الفضل كثيرا في حرب أكتوبر وأن أكتوبر صنعه الجنود البواسل على خطوط النار !
وهى كلمة حق نعم .. لكن يُراد بها باطل ,
ويكفي أن هيكل نفسه أرجع الفضل في الإنجازات الناصرية لشخص عبد الناصر وحده , رغم أن بعض هذه الإنجازات كانت بسبب أدوار لرجال قدموا ما لديهم لأوطانهم مثل دور الدكتور محمود فوزى في أزمة السويس مثلا
كذلك بدا غريبا إشادتهم بدور عبد الناصر فىحرب أكتوبر وهو غائب , وإهمالهم لدور السادات وهو صاحب القرار !



وقد تفاوتت آراء الناصريين في حرب أكتوبر بحسب تطرفهم في الناصرية أو القومية فمنهم ـ كما قلنا ـ من اعتبره هزيمة مثل سامى شرف ـ أحد أعضاء مراكز القوى التي تغلب عليها السادات في بداية حكمه ـ وحسين الشافعى وغيرهم ,
وأصحاب هذا الرأى بالطبع ينطلقون من كراهية عنيفة للسادات نتيجة الخصومات السياسية بينهم ,
ومنهم من اعتبر نصر أكتوبر نصرا عسكريا فائقا لكنه هزيمة سياسية وهى وجهة النظر التي تزعمها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل , وذلك في كتابه ( السلاح والسياسة )
وهذا الرأى ـ كما سنرى في تفصيله ـ كان من الممكن أن يكون رأيا وجيها لولا أن هيكل تعسف في انتقاد سياسة السادات وأخذ عليه بعض الأخطاء السياسية , وهذه الأخطاء كان عبد الناصر يرتكب ما هو أفدح منها دون أن يعلق هيكل عليها بشيئ أو يعتبرها سياسة منحرفة !
ومنهم من اعتبر أن نصر أكتوبر كان نصرا قليل الحجم ضاعت فيه فرص كثيرة كان ينبغي استغلالها , وهى وجهة النظر التي قادها اللواء أمين هويدى مدير المخابرات في أواخر عهد عبد الناصر , وهذا في كتابه ( الفرص الضائعة ) , والفريق محمد فوزى وزير الدفاع السابق الذى خرج في عملية مراكز القوى ,
وهذه الزمرة يمثلها العسكريون الذين خرجوا من الخدمة قبل حرب أكتوبر , ويبدو بالفعل من كتاباتهم أنهم يحاولون البروز بأى شكل في لوحة الإنتصار على اعتبار أنهم لو كانوا في قيادة الحرب لفعلوا أكثر مما فعله القادة الفعليون !
ويظهر ذلك جليا في انتقاد أمين هويدى للضربة الجوية في حرب أكتوبر وانتقاده للسلاح البحرى والتعليق بالسلب على شتى مراحل الحرب بشكل لم يفعله أعتى المتحاملين من الجانب الإسرائيلي !
كما يتضح في مذكرات الفريق فوزى الذى حاول أن يقنع قراءه أن خطة حرب التحرير كانت موضوعة منذ عهده هو في وزارة الدفاع ,
وثبت أن هذا الإدعاء غير صحيح لأن الفريق فوزى لم يسلم للوزارة أى خطة من هذا النوع عند رحيله منها , وقد أكد الفريق الشاذلى أنه عندما تسلم مهمة رياسة الأركان للقوات المسلحة لم تكن هناك أى خطة فعلية تم اعتمادها ولم تكن الخطة بدر أو خطة المآذن العالية قد تم تنفيذها بعد
ناهيك عن أن هذه الخطة كانت خيالية تحت أى مقياس عسكري , كما بين المحللون حيث أن الفريق فوزى يتغنى بها في مذكراته ويزعم أن هذه الخطة كانت معدة لتقوم القوات المسلحة بتحرير سيناء كاملة حتى خط الحدود الدولية في اثنى عشر يوما فقط !
وهذا الكلام لا يتنافي فقط مع قدرات الجيش المصري بعد استكمال استعداده في حرب 73 , بل يتنافي من باب أولى مع قدرات الجيش عام 1970 م وهو تاريخ خروج الفريق فوزى من الوزارة حيث كان الجيش لا زال في مرحلة التسليح والإعداد وتخريج دفعات الضباط التي تحتاجها القوات المسلحة ,
فهذه الخطة كانت عبارة عن تصورات على الأوراق لا أصل لها في الواقع سواء بمشروع تدريبي أو حتى خطة منطقية !



وتلك الكتابات يجمعها عامل واحد مشترك وهو عامل الغرض المسبق من الكتابة والتحليل ,
ووجود الغرض الشخصي في أى قضية يصرفها من الحق إلى الهوى , ولهذا فإننا لا نقبل الحق نفسه إذا جاء على لسان مغرض لأنه حتما يريد استثمار الحق لصالح هدف ما بغض النظر عن الحق المطلق والأمانة العلمية ,
وقد جاءت معظم كتابات القوميين والساداتيين في نقد عبد الناصر والسادات مليئة بالغرض الفاضح وهو الهجوم الأعمى على طول الخط أو الإنحياز الواضح في وجهات النظر ,
ويتناسي القوميون والناصريون حقائق ساطعة كالشمس وهم ينتقدون السياسة المصرية بعد وقف القتال ,
وأهم هذه الحقائق أن النظام في مصر في ذلك الوقت كان نظاما محترفا يدرك حقيقة القوة التي يستند إليها وحجم انتصاره ويستثمر انتصاره وفق طاقته الفعلية لا وفق ما هو مطلوب منه في دعاوى القومية التي كانت تعتمد على القدرات الصوتية ! والتى كانت تتميز بها حقبة الناصرية وتكلف مصر ما لا طاقة لها به في سبيل تأكيد الزعامة بغض النظر عن الإستطاعة

ويتناسي القوميون أيضا أن ما نفذه السادات عندما تمكن من استثمار حرب أكتوبر في تحرير أرضه لم يكن برغبة منه وإنما كان بسبب الرفض العربي القاطع مصاحبته في المفاوضات !

وعندما جاء العرب خلفه بعد ذلك كانت الفرصة قد فاتت , وكان أمل جبهات الرفض أن تستمر مصر ـ كما كانت فى عهد عبد الناصر ـ تستنزف قدراتها السياسية والإقتصادية في سبيل دعاوى الزعامة الفارغة التي أدت إلى نهاية حرب يونيو , فالنتائج التي ينتقدها الناصريون الآن هى نتيجة لمهزلة حرب يونيو التي جعلت من إسرائيل ــ التي كانت شبه دولة ــ
دولة مترامية الأطراف تمكنت في عدة أيام من الإستيلاء على الجولان وسيناء والضفة الغربية في انتصار ساحق عانى منه العرب ولا زالوا يعانون منه حتى اليوم !
ولهذا تبدو دعاواهم ضد حرب أكتوبر في مصر دعاوى بالغة الغرابة لأنهم في المقابل التمسوا كل الأعذار الممكنة لعبد الناصر رغم أنه المسئول الأول والأخير عن معركة النكسة !
وتسببت سياسته في أنها أعطت لإسرائيل ما فاق جميع أحلامها بشهادة الإسرائيليين أنفسهم الذين لم يضعوا في خطة حرب يونيو أنهم سيستطيعون الوصول لقناة السويس وأخذ الضفة الغربية كاملة , وأخذ الجولان أيضا , ولم يكن لديهم من الخطط المسبقة ما يمكنهم من تحقيق كل هذه النتائج لولا الفرص السانحة التي أعطتها سياسة عبد الناصر قبيل الحرب
ولسنا ندرك بالضبط ما الذى كان يريده القوميون من السادات , وهل المطلوب هو استمرار الحروب بلا نهاية وفى ظل تفوق نوعى وكمى كاسح لإسرائيل لا سيما بعد أن انتهى عنصر المفاجأة وانطلق الدعم الأمريكى بلا حدود , على نحو كاد يهدد بخسارة مصر بالفعل لمكاسبها لو تجددت المعارك لأى سبب
وكيف يمكن لعاقل أن يتصور إمكانية الدخول في مواجهات مستمرة بكل تكاليفها البشرية والإقتصادية المتهالكة ضد عدو يتجدد ما لديه من قدرات بدعم أقوى قوة في العالم ؟!

فالقصد ..
أن كتابات القوميين في هذا المجال لم تكن للحقيقة والتاريخ كما يحلو لهم الترديد دائما , وإنما كان منبعها الإنتصار لعهد القومية ولشخص عبد الناصر في مواجهة السادات التي يعتبره الناصريون أعدى أعدائهم ومحاولتهم تبرير فشل التجربة الناصرية في اختبار الواقع فشلا ذريعا بعد أن ضاعفت إسرائيل بسبب السياسة القومية العربية احتلالها للأراضي العربية والتى كان من المستحيل أن تحتلها إسرائيل لولا تلك السياسة القائمة على الحناجر
كما ينسي الناصريون والقوميون أننا حتى إذا انتقدنا التصرفات السياسية المصرية في استثمار نتائج حرب أكتوبر فنحن على الأقل أمام إنجاز عسكري وسياسي يمكننا الإختلاف حول ثماره ونتائجه ,
ولسنا أمام سلسلة طويلة من الهزائم السياسية والعسكرية التي تلونت بشعارات براقة من حقب سابقة قامت على الهتاف بالإنتصار والترويج له دون أى أساس من الواقع !


وسنكتفي بإطلالة على كتاب هيكل ( السلاح والسياسة ) باعتبار أن هيكل هو العقل المفكر للمرحلة القومية ونرى معالجته لحرب أكتوبر التي تلخصت في أنها حرب خذلت السياسة فيها السلاح , ولم يكن الإستثمار السياسي لنتائج الحرب متوافقا مع حجم الإنجاز العسكري لها ,

 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

كتاب ( السلاح والسياسة ) لهيكل :


محمد حسنين هيكل لا يختلف اثنان على قدراته الهائلة باعتباره المحلل السياسي الأبرز في المنطقة العربية وكتاباته دائما هى مرجع رئيسي للمهتمين بأى جانب سياسي في التاريخ الحديث ,
ولا يمكن الإختلاف مع هيكل في صحة الوقائع التي يسجلها في كتبه ولا التشكيك في مصداقية كتاباته لا سيما وأنه يراعى التوثيق الكامل لكل معالجة في أى قضية ,
لكن هذا ليس معناه أن كتاباته تخلو من العيوب ,
فالإختلاف حول مصداقية الوقائع وإن كان غير متوفر مع هيكل , إلا أن الإختلاف معه في نظرته إلى تلك الوقائع وتحليلها واستنباطاته منها يظل حقا مشروعا دون شك ,
ولهذا نقول إن هيكل يمكن لأى شخص أن يختلف معه في التحليل أما في صحة الوقائع فهذا أمر مستبعد ,

ولهيكل بعض وجهات النظرـ لا سيما في الناصرية ـ تعتبر وجهات نظر يستغرب منها قراؤه ومؤيدوه , إما لتطرفها الشديد في الإنحياز لعبد الناصر وإما في النتائج التي يطرحها بناء على هذه الآراء ,

وفى كتابه ( السلاح والسياسة ) عالج حرب أكتوبر بطريقة بالغة الغرابة تجعل القارئ موقنا أن يستكثر بشدة أن يقترن هذا النصر باسم الرئيس الراحل أنور السادات ,
كما احتوى على بعض الإنتقادات التي سنرى أنها انتقادات بعيدة عن الواقع , وكان جديرا بهيكل وهو أول المنادين بالقومية أن يعالج أمر حرب أكتوبر بالشكل الذى يستحقه هذا الإنجاز العريض , لا سيما أنه بالغ جدا من قبل في تضخيم الإنتصار السياسي لعبد الناصر في حرب العدوان الثلاثي رغم أنه كان هزيمة عسكرية مريرة !

ويمكننا أن نجمل الملاحظات على معالجة هيكل في الآتى :
أولا : خصص هيكل القسم الأول في كتابه لعرض مشوار السادات في أمر الحل السلمى وسعيه إلى إنهاء الأزمة بشكل سياسي بعيدا عن خيار الحرب ,
وقد أطال هيكل بصورة مبالغة في عرض هذا القسم لا داعى لها لا سيما ونحن بصدد كتاب يعالج وقائع حرب أكتوبر نفسها والتى أثبت فيها السادات أن سعيه للحل السلمى لم يكن أكثر من مناورة سياسية هدفها التعمية على قرار الحرب في الأصل ,
ورغم أن نية الحرب والقتال كانت ثابتة للسادات إلا أن هيكل أوضح أن السادات بالفعل كان بصدد البحث عن حل سلمى , بينما نجد أن شهادات المعاصرين وممارسات السادات تنفي ذلك وتبين أنه في عرضه القضية مرة أخرى على مجلس الأمن وفى عزله للفريق محمد صادق وزير الدفاع أن نيته الحقيقية كانت هى الحرب من أول لحظة تولى فيها المسئولية وأن هذه المناورات السياسية كانت ضرورية لتهيئة العالم أجمع بأن مصر بذلت المساعى السلمية واستنفذتها جميعا وبالتالى سيعذر العالم مصر إن اتخذت القرار باستخدام الحل العسكري وهو ما يضمن التأييد الدولى لمصر .. وهو التأييد الذى افتقدته مصر بشدة في حرب يونيو حيث تسببت سياستها ـ آنذاك ـ في اعتبارها الدولة البادئة بالعدوان والحصار لإسرائيل !
وحتى على فرض أن السادات فكر جديا في الحل السلمى ,
فليس في الأمر ما يشين لأن قرار الحرب ليس بالقرار السهل , وقد قبل عبد الناصر من قبل مبدأ الحل السلمى وقرنه بإزالة آثار العدوان وهو ما رفضته إسرائيل مما جعل عبد الناصر يعتمد سياسة القوة العسكرية لتحرير الأرض ,
وفى جميع الأحوال اختار السادات قرار الحرب وحسم أمره وامتلك شجاعة إصداره وهذا وحده يكفي لكسر أى انتقاد لسياسته فيما قبل اتخاذه هذا القرار ,
لكن هيكل ـ فيما يبدو ـ يتبع نفس أسلوب الناصريين المناوئين للسادات في محاولة إبراز السادات كما لو أنه اتخذ قرار الحرب مجبرا وخائفا !!

ويضاف إلى ذلك أن هيكل ركز أكثر من مرة على موضوع الخطة ( جرانيت ) والتى تم وضعها أيام عبد الناصر للحرب وأن هذه الخطة هى التي تطورت فيما بعد إلى الخطة بدر التي تمت بها المعركة !
وهذا تعسف آخر من هيكل يكذبه واقع شهادات قادة القوات المسلحة المشاركين في الحرب ,
ولم يكن هناك داع لمثل هذا الإدعاء لا سيما وأن جهود عبد الناصر في إعادة بناء القوات المسلحة موجودة ولا تنكر , ولكن ليست هناك أدنى خطة اعتمد عليها منفذو حرب أكتوبر فيما بعد وتم وضعها أيام عبد الناصر وهو أمر نفاه الشاذلى رئيس الأركان في لقائه ببرنامج ( بلا حدود ) وأوضح أن هيكل صدق كلام الفريق فوزى الغير دقيق في معلوماته ,
فالخطة العسكرية لا تعتبر خطة إلا إذا اقترنت بخرائط وتدريبات ومناورات , وما يدعيه الفريق فوزى من وجود هذه الخطة تكذبه الوقائع حيث أنه لم يسلم قيادة الوزارة ورقة واحدة أو يقوم بإجراء مناورة عملية واحدة على هذه الخطة , قبل خروجه
وعندما اقترحت لجنة التاريخ العسكري عقد لقاء بين الفريق فوزى والفريق الشاذلى لحسم أمر هذه الخطة .. وافق الطرفان ,
وسأل الفريق الشاذلى .. الفريق فوزى عمن سلمه هذه الخطة بعد خروجه من الوزارة ,
فكان رد الفريق فوزى أنه لم يسلمها لأحد لدواعى السرية !!!
وانتهى النقاش بالطبع لأن الفريق الشاذلى استنكر هذه الإجابة , فإذا كانت الخطة ظلت مع الفريق فوزى ولم يعلم بها أحد غيره فكيف يمكن القول أن هذه الخطة كانت أساسا للخطة بدر !!

ثانيا : كنت أتوقع أن الأستاذ هيكل مع تقدمه في العمر وقد أصدر كتابه هذا في بداية التسعينات , كنت أظنه قد تراجع عن وجهة النظر العلمانية أو القومية التي كان عليها أثناء كتابته لكتابه السابق عن حرب أكتوبر بعنوان ( الطريق إلى رمضان ) والذي ضمنه انتقادات عنيفة لمنشور الشئون المعنوية للقوات المسلحة الذي بشر المقاتلين برؤيا شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود للنبي عليه الصلاة والسلام وهو يبشره بالنصر ,
فقد انتقد هيكل في كتابه ( الطريق إلى رمضان ) توجيه هذا المنشور إلى القوات المسلحة , ثم عاد وكرر انتقاده في كتابه ( السلاح والسياسة ) ومؤدى اعتراضه أن هذه الأقاويل ليست مناسبة مع الإنجاز الإنسانى والحضاري الضخم الذى حققه المقاتلون وأن حمل النصر على الجانب الإيمانى والتوفيق الإلهى فيه إغماط لحق المقاتلين وإهمال لعظمة أدائهم !
ولسنا في حاجة بالطبع إلى انتقاد هذا الرأى , فهو يحمل بين طياته أسباب انتقاده , ولا يمكن لأى مقاتل من هؤلاء الذين شاركوا في صنع ملحمة أكتوبر أن يقبل مثل هذا الكلام ,
لا سيما وقد جلجل صوت ( الله أكبر ) بين صفوف المقاتلين واعتمدوا في استراتيجيهم التي أذهلت العالم على إيمانهم بالله فقذف في قلوب أعدائهم العرب ففروا منه من داخل حصونهم مصداقا لقوله تعالى
[إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ] {الأنفال:12}
ولا توجد أى شهادة من شهادات قادة الجيش المصري أو أفراد القوات المسلحة خالية من إبراز الجو الإيمانى الساطع الذى قادهم , حتى أن قادة الجيوش الميدانية تضمنت أوامر العمليات الخاصة بقواتهم استشهادات متعددة بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والتى كان لها أبلغ الأثر في شحذ الهمم لتحقق إحدى الحسنيين .. النصر أو الشهادة ,
ورأى هيكل ـ مع الأسف الشديد ـ يبين إلى أى مدى تعادى القومية الشعور والإنتماء الدينى , رغم أنه التفسير الوحيد لكل معجزات أكتوبر التي فاقت طاقة البشر ولم يستطع العدو استيعابها ,

أيضا قام بهيكل بإفراد عدة صفحات لانتقاد أمر تطوير الهجوم الذى كان وفقا لما يراه هيكل فرصة ضائعة وأن القوات المصرية كان يجب أن تستثمر النجاح فتطور الهجوم ابتداء من يوم التاسع من أكتوبر
وهى وجهة النظر التي انتقدها القادة العسكريون جميعا ـ عدا الفريق الجمسي ـ فقد أصر كل قادة الأسلحة وقادة الجيوش الميدانية ووزير الدفاع ورئيس الأركان على أن يتم صد الهجمات المضادة أولا قبل التطوير وتحت مظلة الصواريخ لأن الخروج من تحت مظلة الصواريخ معناه منح العدو فرصة إيقاع مذبحة بمدرعات الجيش المصري عن طريق طيرانه المتفوق ,
وهذا الأمر تعرضنا له تفصيلا في شرح مبررات الوقفة التعبوية في الفصول السابقة ,

 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

ثالثا : أما النقطة الثالثة فقد تمثلت في برقية السادات لهنرى كيسنجر التي أوردها هيكل في كتابه وأقام الدنيا ولم يقعدها وسبق أن قام بنشر البرقية في جريدة الأهالى عقب اغتيال السادات موحيا أن نص البرقية يحمل معانى الخيانة لانجاز أكتوبر !!
وعن هيكل تلقفتها الألسنة والأقلام لتغزل منها ما شاءت رغم أن النتائج المبنية على هذه البرقية تبدو شديدة التعسف مع قائد منتصر تمكن من دحر قوة الجيش الإسرائيلي وإذلاله ,

والبرقية تمت في السابع من أكتوبر وتضمنت عبارة ( أن السادات لا ينوى تعميق المواجهات أو تعميق الإشتباكات ) ,
ولست أدرى من أين استقي هيكل استنتاجه الذى أبرزه في كتابه حول البرقية وأنها كانت برقية مشئومة أفشلت الجهود المصرية في الحرب !
ففي البداية البرقية يمكن فهمها في إطار المناورات السياسية , لا سيما وأن السادات عندما أرسلها في السابع من أكتوبر قام بمخالفة مضمونها أكثر من مرة ,
فالقوات المسلحة لم تكن في ذلك الوقت قد تعمقت بأكثر من ثلاثة كيلومترات في سيناء ولم تتسن لها إقامة الكباري الموحدة ,
هذا فضلا على أن السادات تلقي اقتراحا بقبول وقف إطلاق النار ولم يستجب له سواء في السابع من أكتوبر أو التاسع من أكتوبر ,
والأهم من هذا وذاك أن القوات المصرية عمقت الإشتباكات واستمرت في التقدم حتى أقامت رءوس الكباري الموحدة على مسافة 15 كيلومترا في عمق سيناء بالمخالفة لنص البرقية !
وفضلا على ذلك قام السادات بإصدار أوامره بتطوير الهجوم نحو الممرات يوم 12 أكتوبر بكل ما يحمله هذا من معنى تعميق الإشتباكات وتوسيع مداها ؟!
والسؤال الآن أين هو أثر البرقية فعليا على الأحداث ؟!!
الأمر الآخر الهام ..
كيف يمكن أن نتصور أن هنرى كيسنجر يمكن أن يأخذ أقوال السادات على محمل الجد ؟!
وكيف يمكن إذا اقتنع هو جدلا أن يقنع قادة إسرائيل بذلك؟!
ثم إن فهم مدى البرقية وما تصل إليه يبعث على الحيرة من ردة فعل هيكل ,
ذلك لو أن البرقية كان مقصودا بها التوقف عند عبور القناة وتحطيم خط بارليف دون التعمق لأكثر من ثلاثة كيلومترات , فقد خالف السادات نص البرقية صراحة بل ورفض وقف إطلاق النار عندما اقترحه السوفيات في ثانى أيام الحرب ,
ولو كان الهدف من البرقية هو إبراز النية المصرية في أن الجيش المصري لا ينوى التعمق في الأراضي الإسرائيلية عقب تحرير سيناء , فهذا ليس فيه أدنى كشف للنوايا ,
لأن الولايات المتحدة ومن قبلها إسرائيل تدرك تماما أن قدرات الجيش المصري لن تتعدى مدى حائط الصواريخ , وإذا كانت القوات المصرية ليس في استطاعتها الوصول إلى خط الحدود الدولى وقصاري ما تهدف إليه الخطة بدر هو الوصول للمضايق فقط , فكيف يمكن تصور اختراق القوات المصرية للأراضي الإسرائيلية ,
ولهذا فالفهم الصحيح للبرقية يمكن إدراكه من أنه كان محاولة من السادات لتهدئة الخواطر الأمريكية وطمأنتهم إلى أن المواجهات لن تتوسع بالشكل الذى يستحق التدخل الأمريكى بثقله ,
وهى محاولة لو نجحت لعطلت الجسر الجوى الأمريكى عدة أيام على الأقل ,
فالبرقية لم تكن أكثر من مناورة سياسية تقليدية ووسيلة لدفع الإتصالات بين السادات وهنرى كيسنجر لترتيب الأوضاع فيما بعد وقف إطلاق النار ,

يضاف إلى ذلك :
أن هيكل أوضح لنا أن البرقية تعتبر كارثة كما لو أن نص البرقية عبارة عن دستور لن يستطيع السادات أن يتنصل منه !
بينما البرقية كانت اتصالات سريا عبر دوائر المخابرات ومن المستحيل أن يرتب إلتزاما جبريا على السادات باتباع سياسة معينة في الحرب كتعهد قطعه على نفسه لأنه تعهد معدوم بطبيعته !
والذي لا يعرفه الكثيرون أن تلك البرقية لم تكن فريدة في نوعها فقد تلتها برقيات أخرى عبر قناة اتصال سرية ـ من المفارقات أنها قناة منشأة أصلا أيام عبد الناصر والذي أنشأها هو أمين هويدى ـ وتولاها حافظ إسماعيل في أيام السادات ,
أى أن البرقية لم تكن رسالة منفردة بل كانت هناك قناة اتصال سرية كاملة عرض منها هيكل أكثر من عشرين رسالة متبادلة بين السادات وهنرى كيسنجر ومنها رسائل توضح تماما أهداف السادات من قناة الإتصال ,
بل وفيها برقية تخلى السادات بها عن تعهداته وتوعد أن يطور الصراع إذا استمرت إسرائيل في انتهاكها لوقف إطلاق النار مما استدعى معه تهديد هنرى كيسنجر بالتدخل الأمريكى المباشر في الحرب
وهذا ما يكفي تماما لبيان طبيعة الإتصالات وأنها اتصالات أقران لا اتصالات عملاء كما صورها هيكل !
وإذا كان الإعتراض على كون الإتصال تم مع عدو في وقت الحرب ,
فهذا اعتراض ساذج لا يمكن أن يخطر ببال سياسي ضليع كهيكل , لا سيما وأن واحدا من ألد أعداء السادات وهو الفريق الشاذلى رئيس الأركان انتقد بشدة معالجة هيكل لموضوع البرقية واعتبرها مبالغة من جانب هيكل في تصوير الأمر كما لو كان كارثة قومية رغم أنه مجرد مناورة سياسية

أما عن توجهات السادات إلى الولايات المتحدة عبارة عن خط سياسي اختاره السادات كما اختار سلفه التوجه نحو الإتحاد السوفياتى ,
ولو جاز لهيكل أن ينتقد توجه السادات السياسي فسنحتاج منه أن يبرر السير في فلك السوفيات والذي كانت عليه سياسة عبد الناصر في حقبته على امتداد ثمانية عشر عاما جلب فيها عبد الناصر سائر القوانين الإشتراكية من التجربة السوفياتية وطبقها جبريا على مصر رغم الإختلاف الفادح في العقيدة !
ومن له الحق في انتقاد السادات على التزامه الخط الأمريكى هم أصحاب التوجه المستقل الذين يدعون لترك الشرق والغرب والإلتزام في مقدرات الأمة بماضيها وتاريخها الإسلامى الصرف ,
وليس هذا حقا لأنصار اليسار أو اليمين ,


ومن دواعى الإستغراب الشديدة التي تحضرنا هنا مع اعتراض هيكل على الإتصالات مع كيسنجر في نفس الوقت الذى غض فيه النظر تماما عن اتصال سري أكثر فداحة بمراحل تم على يد الرئيس عبد الناصر أثناء أزمة السويس عام 1956 م ,
وهى المعركة التي يعتبرها هيكل والقوميون انتصارا كاملا رغم أنها كانت انتصارا سياسيا وهزيمة عسكرية تولدت على إثرها أزمة بين عبد الحكيم عامر وبين عبد الناصر ,
ورغم هذا فقد حظيت معركة السويس بالإشادة المبالغ فيها من هيكل ولم يتعرض بحرف واحد من النقد للأداء العسكري الهزيل في الحرب ولم يتعرض لما هو أخطر ,
وهو تعهد الرئيس عبد الناصر السري للرئيس الأمريكى أيزنهاور بضمان حرية الملاحة لإسرائيل في خليج العقبة !!
وهو الأمر الذى ظل سرا مكتوما منذ عام 1956 م حتى تم إعلانه في مايو 1967 م , ولم يكن هناك مخلوق يعلم بأمر هذا التعهد الذى حقق لإسرائيل هدفها من غزو العدوان الثلاثي عندما ضمنت حرية الملاحة في خليج العقبة !
وفرض أيزنهاور على عبد الناصر هذا التعهد مشروطا بوجود قوات دولية في شرم الشيخ وعلى خط الحدود الدولية في سيناء , ومع ذلك لم يعتبر هيكل أن التعهد هزيمة أو انتقاص من السيادة كما فعل مع السادات !

رابعا : نأتى الآن للعنصر الرئيسي الذى دارت حوله انتقادات هيكل في كتابه ـ بل وفى أحاديثه ـ وهو أن السياسة خذلت السلاح في حرب أكتوبر وأن السياسة تسببت في أن تكون بدايات حرب أكتوبر مختلفة عن نهاياتها ,
والأسباب كما ساقها هيكل تتلخص في أن الهدف من الحرب لم يكن هو تحرير سيناء فسيناء كانت معروضة على مصر من قبل في مشروع روجرز مقابل السلام ودون حرب , فكيف يقبل السادات الحل المنفرد والسلام في مقابل سيناء وحدها وقد كانت معروضة دون قتال , وهذا في رأيه إهمال لنتائج حرب أكتوبر وإنجازها الكبير ,
والسبب الثانى يتعلق بأن مطالب إسرائيل أساسا كانت في حرب يونيو 67 هى إخراج القوة المصرية من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي وهو ما تحقق لها كاملا رغم انتصار أكتوبر ,

ولا شك أن هذه الأسباب غير مقبولة وفيها تجنى كبير على الحقائق ,
وهيكل نفسه هو الذى علمنا أن الحكم على أى حرب بالإنتصار أو الهزيمة إنما يقع بالنظر إلى الأهداف التي تحرك الطرف المهاجم وهل نجح في تحقيقها أم لا .. كما أن إنتصار الطرف السلبي يكون مرهونا بنجاحه في منع العدو من تحقيق أهدافه أو فشله في ذلك ,
وبالنظر إلى وقائع حرب أكتوبر يتضح فيما يلي :
* نسي الأستاذ هيكل أن حرب أكتوبر لم تكن وسيلة لتحرير الأرض , بل كانت الحرب غاية في حد ذاتها ,
فقد خاض العرب ثلاثة حروب ضد إسرائيل منذ عام 1948م كانت الهزيمة العسكرية والسياسية من نصيب العرب فيها , على نحو رسخ لأسطورة الجيش الذى لا يقهر ,
وحققت إسرائيل أهدافها كاملة من كل تلك الحروب ,
ففي عام 1948 م تمكنت من بسط نفوذها على المساحة الأكبر من فلسطين بالمخالفة لقرار التقسيم ,
وفى عام 1956 م ورغم نجاح مصر في الإحتفاظ بقناة السويس إلا أن إسرائيل حققت أهدافها بضمان الملاحة في خليج العقبة ووجود قوات الطوارئ الدولية على الحدود المصرية الإسرائيلية ومنع مصر من حشد أى قوات لها في سيناء !
وفى حرب 67 تمكنت إسرائيل من مضاعفة الأرض الواقعة تحت سيطرتها عدة مرات وقامت بتأمين حدودها من جميع الإتجاهات في نفس الوقت الذى ألحقت بالعرب هزيمة ساحقة مريرة كان أفدحها تحطيم الجيش المصري في سيناء
من هنا تولدت لدى القوات المصرية وجهة نظر عبر عنها الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة بعد حرب يونيو 67 حيث صارح الرئيس عبد الناصر بألا يقبل أى حل سياسي حتى لو تضمن إزالة آثار العدوان لأن الجيش المصري يجب أن يحارب في معركة عادلة , ويستحق المقاتل المصري أن يخوض حربا عادلة في مواجهة المقاتل الإسرائيلي لأن كل الحروب السابقة ظُلم فيها الجيش المصري ظلما فادحا ولم تتح لأفراده قدرة القتال ,
بالإضافة إلى أن هذا المطلب ـ مطلب الحرب وضرورتها ـ كان محوريا بالنسبة للعرب وإلا عربدت إسرائيل كما تشاء وعلى نحو أكثر فجورا مما فعلت إذا لم تقاتل ضد العرب في حرب حقيقية , يتمكن فيها العرب من رد الهزيمة ومحوها ونسف أسطورة الجيش الذى لا يقهر , وهى النظرية التي بنت عليها القوات الإسرائيلية نظرية الحدود الآمنة ,
وقد تحققت الحرب وتمكن المقاتلون العرب من دحر أسطورة الجيش الذى لا يقهر وعلى أفضل أداء ممكن ,

* إذا تأملنا التوجيه الإستراتيجى الذى وجهه الرئيس السادات للمشير أحمد إسماعيل يوم 5 أكتوبر سنجد أن الأهداف التي لخصها السادات للحرب تحققت بكاملها غير منقوصة ,
ومن الغرائب أن هيكل نفسه كان هو الذى صاغ هذا التوجيه بناء على تكليف من الرئيس السادات ,
واحتوى التكليف على مطلب تحطيم نظرية الأمن الإسرائيلي , وقد حطمها الجيش المصري بالفعل ,
واحتوى التكليف على مطلب تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والمعدات , وقد تحقق هذا المطلب على أعلى مستوى
واحتوى التكليف على تحرير أرض سيناء على مراحل طبقا لإمكانيات القوات المسلحة , وقد تم هذا على أكمل وجه ,
ومعنى هذا ببساطة أن أهداف حرب أكتوبر لم تكن هى الأهداف التي يتصورها القوميون بل كانت الأهداف الواقعية هى ما حدده الرئيس السادات للقوات المسلحة والتزمت بتنفيذه كاملا ,
وبالتالى فقد كان الإنتصار المصري كاملا لأن جميع أهداف الحرب الموجودة في قرار التوجيه تم تحقيقها ,
أما الأهداف التي كان يراها هيكل وغيره من القوميين فهى أهداف وضعها الناصريون والقوميون ثم طالبوا القيادة السياسية المصرية بالعمل على تنفيذها باعتبار أن هذه الأهداف هى ما اتفقت عليه وجهة النظر القومية !!
ولا شك أن الأهداف التي طالب بها القوميون ـ كعادتهم ـ كانت أهدافا لا تمت بصلة للواقع أو بالإمكانيات الممكنة للقوات المسلحة المصرية والسورية في ظل ظرف دولى يتيح لإسرائيل غطاء لا مثيل له من الدعم في مقابل دعم غير متوافر بنفس القوة أو نصفها للقوات العربية
بل كانت بقاء إسرائيل وحدودها في عام 67 مضمونة لإسرائيل بضمان أمريكى ـ سوفيتى صريح ,
وقد سبق أن عرضنا لردة الفعل الأمريكية عندما قامت القوات السوفياتية بإثارة أزمة خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار لعدة أيام , ورغم وجاهة الإعتراض السوفياتى وتآمر الولايات المتحدة الواضح في خرق إطلاق النار فقد بالغت الولايات المتحدة في تآمرها ووضعت إمكانيات الأسطول السادس جميعها في خدمة الجبهة الإسرائيلية ,
وتراجع السوفيات كالعادة !


 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

* روج هيكل كثيرا لنظرية أن إسرائيل حققت أهدافها بعزل مصر وأن إسرائيل لم يكن من أهدافها الإحتفاظ بسيناء وأنها كانت على استعداد لإعادتها لمصر في مقابل اتفاقية سلام معها وهو ما رفضه عبد الناصر
وفى البداية نحب أن نؤكد على أن عبد الناصر ـ وفق اعتراف هيكل نفسه ـ كان على استعداد لقبول هذا الترتيب لو قبلت إسرائيل إزالة آثار العدوان عن الأراضي العربية جميعها ,
وهو ما رفضته إسرائيل أصلا أى أنها لم تكن مستعدة لتنفيذ هذا الأمر الذى عرضه وليام روجرز وزير الخارجية الأمريكى عام 69 على الطرفين ,
فالرفض كان من الجانب الإسرائيلي لا المصري ,
وما يحسم الأمر تماما في هذه النقطة ,
هو تصريح هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى ومستشار الرئيس نيكسون للأمن القومى والذي عبر فيه تماما عن تلك الحقيقة عندما صرح قائلا فيما ينقله عنه أحمد ماهر وزير الخارجية المصري السابق في إحدى البرامج الفضائية :
( لا ينبغي لكم أيها المصريون أن تتوقعوا أن تحصلوا بالمفاوضات على ما فقدتموه بالحرب )
وكان كيسنجر واحد من أكثر المتشددين في عدم منح السادات أى مغنم مهما كان بسيطا بالوسائل السلمية !

فإسرائيل لم يكن عندها استعداد حقيقي لإعادة شبر واحد من سيناء لمصر ولو حتى في مقابل تسوية سلمية كاملة , وهذا الأمر الذى كانت تردده إسرائيل أو ساستها في هذا الشأن لا يخرج عن كونه ألاعيب معتادة في السياسة الإسرائيلية التي لا تعترف إلا بالقوة ,
بدليل أنها لم تستجب لمبادرة السادات قبل الحرب بالإنسحاب الجزي لعدة كيلومترات غرب القناة لإعادة فتح القناة للملاحة , فضلا على أنها طيلة تاريخها القريب لم تلتزم أبدا بالإنسحاب من شبر واحد قامت بإحتلاله إلا بالقوة المسلحة وحدها على نحو ما تم في اتفاقية السلام التي وقعتها مع مصر ,
ولولا حرب أكتوبر وأثرها ونتائجها لما بادرت إسرائيل بإعادة سيناء كاملة قط ,
وكدليل آخر على اعتماد إسرائيل لسياسة التضليل أنها لم تنسحب من الجولان نهائيا حتى يومنا هذا رغم قبول سوريا للتسوية السلمية في عام 1992 م وأصر شيمون بيريز على الإحتفاظ بأجزاء من الجولان لضمان الأمن الإسرائيلي ,
وهذا رغم أن إسرائيل كانت تعرض الجولان كاملة في بدايات مرحلة التفاوض عقب حرب أكتوبر ,
وإذا قارنا هذا الأمر بما فعلته مصر سنجد أنها استعادت سيناء بالكامل بناء على نتائج حرب أكتوبر ,
لا سيما وأن مقولة أن إسرائيل لم تكن تنوى البقاء بسيناء مقولة تنقصها الدقة ,
فربما كان هذا صحيحا قبل عام 67 , أما بعد حرب يونيو فقد تطورت أهداف إسرائيل كثيرا عما كان يردده بن جوريون قبلها , وأصبحت أرض الضفة الغربية والجولان وسيناء أرضا إسرائيلية في العرف الإسرائيلي ,
ولو أنها كانت لا تنوى البقاء بسيناء وتهدف فقط للضغط على مصر فلماذا بقيت في الجولان رغم أنها ليست لها مطالب تاريخية أو دينية فيها .. تماما كما هو الحال مع أرض سيناء ,
ورغم هذا فلم تنسحب من الجولان ومدت مستوطناتها إلى أراضيها وأقر الكنيست الإسرائيلي هذا الواقع ,
بالإضافة إلى أن إسرائيل قامت بإنشاء مستوطنات على أرض سيناء واستمرت في البناء فيها حتى بعد حرب أكتوبر ومنها مستوطنة ( ياميت ) كما أنها كانت مصرة على عدم الإنسحاب من كامل سيناء وكان من أهدافها الإحتفاظ بشرم الشيخ وطابا كضمان أمنى لدرجة أن موشي ديان صرح في أثناء مفاوضات كامب ديفيد أن الحرب بشرم الشيخ أفضل من السلام بدون شرم الشيخ
وهذا رغم حرب أكتوبر وما أتبعته من تأثير على القيادة الإسرائيلية ,
ورغم هذا فقد دفعت نتائج حرب أكتوبر إسرائيل إلى هدم مستوطناتها والتخلى عن سيناء كاملة وتم الإنسحاب الشامل ,
وكل هذا بسبب حرب أكتوبر ونتائج حرب أكتوبر على الأرض حيث تمكنت السياسة من استثمار نتائج الحرب ودفعت إسرائيل للإنسحاب الكامل رغم أن الجيش المصري لم يكن باسطا نفوذه إلا على عمق 15 كيلومتر فقط من سيناء ,
فكيف يمكن بعد ذلك أن نقول أن السياسة خذلت السلاح في حرب أكتوبر ؟!
وأى إنجاز أكبر من إتمام سيطرة مصر على سيناء كاملة رغم أن قواتها المسلحة لم تحرر أكثر من ثلثها ؟!

* يعتمد هيكل في وجهة نظره على أن السياسة خذلت السلاح في حرب أكتوبر , باعتبار أن السادات قام بحل منفرد مع إسرائيل وكان لزاما أن يقوم بحل شامل ,
وعندما نعود لوقائع الأحداث سنجد أن السادات في خطابه أمام مجلس الشعب في 16 أكتوبر عام 1973 م عرض التسوية الشاملة بضمان كافة الحقوق العربية في الأرض المحتلة عام 1967 م ,
واستمر الخط السياسي المصري قائما على أساس تسوية شاملة تعود بها الجولان والضفة الغربية جنبا إلى جنب مع سيناء كمقابل لفرض عملية السلام وإنهاء حالة الحرب ,
بل قام السادات بالتركيز على الجزئية في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي بعد زيارته للقدس عام 1977 م , ومن يعود للخطاب سيجد أنه ركز على أن مصر لا ولن تبحث عن حل منفرد مع إسرائيل إلا في ظل حل شامل يعيد الحقوق العربية كاملة ويمنح حق الحكم الذاتى للفلسطينيين ,
وفى كل تلك المراحل رفضت الدول العربية السير في طريق المفاوضات رفضا تاما , رغم أن السادات أوضح في سياسته عدم نيته على حل منفرد حتى أجبرته السياسة العربية المصرة على مقاطعة المفاوضات في أن يمضي وحده ويستعيد أرضه ,
ورفضت سوريا مبدأ التفاوض على الجولان ورفض الفلسطينيون حل الحكم الذاتى في غزة وأريحا , وكانت النتيجة أن كلا الطرفين خسرا العرض بعد فوات الأوان وكان السلام في كامب ديفيد ـ على حد تعبير وزير الخارجية المصري إبراهيم كامل ـ فرصة ضائعة كان ينبغي إستثمارها !
لكن نعرة التيار القومى وما خلفته في العقول العربية كانت السبب في ضياعها , وكان يمكن إعادة هذه الأراضي باتفاقية سلام شامل لم تكن أبدا ستقف عائقا أمام إعادة حالة الحرب عند الضرورة ,
لكنها كانت ستعمل كهدنة ـ مسماة سياسيا باتفاقية السلام ـ إلى أن يحين الظرف الدولى لمواصلة النضال ,
وهو ما تمثله بالفعل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ,
إذ أنها ليست اتفاقية سلام واقعى أو فعلى بل هى مجرد هدنة يعرف الطرفان المصري والإسرائيلي أنها هدنة مؤقتة مهما طال الزمن بها ,
ولا زالت العقيدة العسكرية المصرية والإسرائيلية تحمل العداء المتبادل ويمثله في وضوح أن المشروعات الإستراتيجية للمناورات في الجيش المصري لا تقوم إلا في مواجهة عدو واحد وهو الجيش الإسرائيلي
وهذا رغم انعقاد معاهدة السلام !
فما الذى منع العرب من السير خلف خطا السادات واستثمار نتائج حرب أكتوبر لاتفاقية كاملة تكون القوة العربية معها موحدة على مطالب محددة تعيد الأرض لأصحابها في إنجاز غير مسبوق ؟!

* ثم نسأل الأستاذ هيكل ,
ما هو البديل المتاح والإسثمار الناجح في نظره لحرب أكتوبر ,
من الطبيعى أن هيكل لم يكن يؤيد استمرار القوة العسكرية فاعلة في الصراع عقب وقف إطلاق النار , لأنه يدرك كما ندرك أن هذا الأمر لم يكن مطروحا في ظل الظرف الدولى الذى شهد التنامى المتزايد للقوة الأمريكية وبالتالى الإسرائيلية ,
إذا كان مقصد هيكل من استثمار النتائج هو أن تقوم مصر بقيادة اتفاقية التسوية الشاملة متحدثة باسم العرب جميعا وضامنة لإعادة الحقوق المسلوبة عام 1967 م ,
ونحن لا نختلف معه في أن هذا كان واجبا ,
لكن على من يقع عبء عدم تحقيق هذه الأهداف ؟!
هل يقع العبء على سياسة السادات الذى عرض طيلة خمس سنوات اتفاقية مشتركة مع إسرائيل وطلب التفويض للحديث باسم العرب في المفاوضات مع إسرائيل حتى رفض العرب جميعا ؟!
أم يتحملها القادة العرب الذين رفضوا خيار المفاوضات وفى نفس الوقت عجزوا عن إقرار معادلة القوة في الحرب مع إسرائيل فلم نشهد معركة أو حتى شبه معركة قامت بعد حرب أكتوبر لاسترداد الجولان أو الضفة الغربية ؟!
بل رأينا العكس ,
قبل العرب ما رفضوه بالأمس ـ وكان متاحا أمامهم ـ بعد ضياع الفرصة وكان أداؤهم في المفاوضات مما يرثي له حيث عجزت المفاوضات إلى اليوم في إعادة شبر واحد من الأراضي المحتلة عام 1967 م !!
فمن يتحمل هذه المسئولية ؟!

* آخر نقطة يجدر بنا التنويه عنها في هذا المقام وهى انتقاد هيكل للتوجه الأمريكى للسادات وسبق أن عرضنا عدم امتلاك هيكل أحقية أن ينتقد السادات في هذا الشأن لأنه كان الراعى الأول للتوجه السوفياتى لعبد الناصر , والتوجه للسوفيات ليس فرضا مفروضا أو قرآنا منزلا على السياسة المصرية ,
والذي يمتلك الحق في نقد اتجاه السادات للسياسة الأمريكية هم من ينادون بالنزعة المستقلة التي تعتمد على الحضارة العربية الراسخة في أعماق التاريخ , وليس هذا من حق دعاة القومية الذين رهنوا مصائر الأمة في يد صنم الإشتراكية التي لم تعد كونها تعريب للشيوعية السوفياتية ,
أما انتقاد هيكل وغيره لبنود معاهدة السلام وأخطرها ـ من وجهة نظرهم ـ هو إخلاء سيناء من التواجد العسكري المصري ,
فهذا اعتراض يثير السخرية حقا ,
ليس لأنه اعتراض غير وجيه , بل لأنه يأتى من القوميين بالذات ؟!
فمنذ متى في الحقبة الناصرية كانت مصر تمتلك أى قوات عسكرية في سيناء ؟!
لم يحدث منذ قيام الثورة وحتى رحيل عبد الناصر أن تمكنت مصر من فرض وجود عسكري مصري واحد في سيناء حتى تفجرت الأزمة في مايو 1967 , وهو العام الذى اضطر فيه عبد الناصر لحشد القوات المصرية في سيناء ,
والسؤال للقوميين هنا ..
ما الداعى لحشد القوات في سيناء من الأصل ولماذا لم تحتشد هذه القوات بشكل طبيعى في مواجهة العدو الأول والأخير لمصر ؟!
الأمر الآخر الهام ,
أنه إن قبل السادات وجود قوات الطوارئ الدولية على الحدود المصرية الإسرائيلية عقب انتصار أكتوبر فلماذا لم تلوموا عبد الناصر على دخول قوات الطوارئ إلى قلب سيناء وتمركزها في شرم الشيخ وحمايتها للملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة رغم خروج عبد الناصر منتصرا في عام 1956 م , ؟!
ولماذا قبل عبد الناصر إخلاء سيناء كاملة من أى تواجد عسكري مصري بعد حرب 1956 وفقا لما طالبت به إسرائيل كشرط للإنسحاب من سيناء , وهو الشرط الذى قبله عبد الناصر !!
فلماذا كان قبول عبد الناصر لهذا الأمر نصرا .. وقبول السادات له كفرا ؟!
هذا مع نقطة مفصلية شديدة الأهمية :
وهى الفارق الضخم بين الشرط الذى قبله عبد الناصر والشرط الذى قبله السادات ,
فعبد الناصر لم يكن يمتلك أى سيطرة أو تواجد عسكري حتى في شرم الشيخ رغم وقوعها في قلب سيناء ,
بينما كانت الشرط الذى قبله السادات مختلف إختلافا جذريا حيث أن سيناء تم تقسيمها لمناطق مختلفة تبدأ بالمنطقة الأولى وهى الربع الأول من سيناء وتتمركز فيه قوة عسكرية كاملة مدرعة متمثلة في فرقة من 22 ألف جندى بتسليحها الكامل ,
والمنطقة الثانية وهى الوسطى وتتمركز فيها القوات العسكرية الخفيفة ,
والمنطقة الثالثة هى فقط المنطقة التي تعتبر منزوعة السلاح الثقيل وتتمركز فيها قوات حرس الحدود والشرطة
وعليه فليست سيناء بأكملها منزوعة السلاح كما يروج القوميون , بل ثلثها الأعلى فقط وفى المقابل فإن المنطقة ( د ) والواقعة في الحدود الإسرائيلية هى أيضا منزوعة السلاح بالمثل
وهى الحقيقة التي يتعمد القوميون المرور عليها مرور الكرام !
هذا فضلا على تمركز القوات المسلحة جميعها على أبواب سيناء حيث يتمركز الجيشان الثانى والثالث الميدانيين بكامل تسليحهما في السويس والإسماعيلية على حدود مصر الشرقية ..
بالإضافة إلى أن الإصرار الإسرائيلي والأمريكى على هذه التدابير كان مبنيا أصلا على سياسة مصر الخارجية في حرب يونيو 67 م حيث ظهرت مصر أمام العالم أجمع باعتبارها الدولة المعتدية والمتحفزة للإعتداء مما جعل لإسرائيل مشروعية أمام العالم في اتخاذ التدابير الواجبة بشن حرب استباقية !
والإصرار على اتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم نية مصر بتفجير الحرب مرة أخرى

* أما القول بأن السادات تسبب بسياسته في شق الصف العربي ,
فهذا أمر ينطق به القوميون بينما هو من الخيال العلمى !
فأسطورة التضامن العربي التي رددها القوميون مع بداية حركات التحرر في الخمسينيات بناء على مذهب القومية كانت ولا زالت أسطورة حاول القوميون صبغها بصبغة الحقيقة عن طريق الإعلام المكثف وحده ,
فمصر بعد الثورة بدأت سياسة التصنيف للأوطان العربية على صنفين وهما البلاد التقدمية التي تمثلها مصر الثورة والبلاد الرجعية التي يأتى في مقدمتها البلاد العربية ذات الحكومات الملكية ,
ودخل الطرفان في معركة عربية ـ عربية هائلة وانتهجت فيها مصر سياسة تشجيع الإنقلابات والثورات على أنظمة الحكم العربية واعتبار التقدمية والقومية لا تقوم إلا على هذا الأساس
وأدت هذه السياسة فيما بعد إلى تورط مصر في حرب اليمن ضد السعودية التي تحالفت مع قوات الأمير البدر المعزول بسبب ثورة عبد الله السلال ,
وما حدث في اليمن حدث في العراق وتفجرت الثورة العراقية هناك بقيادة عبد الكريم قاسم الذى دخل في مواجهة على الزعامة مع جمال عبد الناصر استوجبت معارك إعلامية محتدمة بين مصر والعراق
هذا فضلا على الخلاف الأردنى ـ المصري والذي استخدم فيه الطرفان مدفعية الإعلام الثقيلة لتخوين بعضهما البعض
وفى نفس الوقت تقريبا تفجرت الخلافات العقيمة بين مصر وسوريا عقب تجربة الوحدة وممارسات عبد الحكيم عامر في سوريا والتى انتهت بترحيله إلى مصر بطريقة مهينة , عقب انقلاب عسكري دبره عبد الكريم النحلاوى مدير مكتب المشير عامر نفسه في دمشق !
وعندما حاول عبد الناصر التدخل عسكريا في سوريا لقمع الإنقلاب وأصدر أوامره للقوة المتوجهة إلى هناك بالرحيل فعلا , عاد وألغي أوامره عندما وصله تحذير سوفياتى أن يدع سوريا وشأنها !
وبسبب العداءات القومية المتبادلة تفجرت أحداث أيلول الأسود التي شهدت معركة ضارية مسلحة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الملكى الأردنى في عام 1970م , كادت أن تنتهى بمذبحة بين الطرفين لولا خروج قوات منظمة التحرير من الأردن
وقام جمال عبد الناصر نفسه بإلغاء إذاعة صوت فلسطين من القاهرة بسبب تهجم هذه الإذاعة عليه شخصيا عقب قبوله لمبادرة روجرز التي أوقفت حرب الإستنزاف !
وقبل كل هذا ,
سقط مذهب القومية في بداياته سقطة غير متوقعة عندما قبلت مصر التضحية بالسودان وهى العمق الإستراتيجى الطبيعى لمصر والذي كان الجنوب الطبيعى للحدود المصرية ,
فدخل نظام جمال عبد الناصر في مواجهة مع إسماعيل الأزهرى زعيم الإئتلاف الحزبي في السودان والذي رفض الوحدة مع مصر مع أن أطاح جمال عبد الناصر بمحمد نجيب من السلطة , وكان محمد نجيب يحظى بشعبية هائلة في السودان كانت تؤهله لضمان استمرار وحدة وادى النيل
وكانت الطامة الكبري عندما نشبت معركة يونيو 67 وساعدت في اشتعالها وجر مصر إلى الفخ العسكري دول عربية وحركات مقاومة وجدت نفسها مغزلا يحيك خيوط المؤامرة جنبا إلى جنب مع الخيوط الأمريكية ـ الإسرائيلية !
حتى في المرة الوحيدة التي حملت شبه فرصة للتضامن العربي وهى تجربة حرب أكتوبر !
كان القادة العرب أصغر من مستوى الحدث فاختلف السادات وحافظ الأسد في ثانى أيام القتال بعد أن اقترح السفير السوفياتى وقف إطلاق النار وادعى أن هذه هى رغبة سوريا !
مما فجر شكوك السادات ودفعه للحركة المتوجسة التي أدت لاختلاف القائدين فيما بعد على وقف إطلاق النار ثم على مفاوضات فك الإشتباك .. وهلم جرا

فأين هو التضامن العربي الذى يرثي هيكل لقطعه وخروج مصر من صفه ووحدته ؟!
وإذا كان العرب لم يجتمعوا على كلمة واحدة متحدة ـ ولو لمرة واحدة ـ في أيام جمال عبد الناصر نفسه , فكيف يمكن تصور اتحادهم على يد السادات ,
رغم أن هذا الأخير وغيره من حكام المنطقة حاولوا بالفعل لكن سياسة المزايدات كانت حاكمة !

وفى النهاية تبقي كلمة ..
أن أمل الأمة اليوم ليس معقودا إلا مفكريها , وشباب مثقفيها ,
وهؤلاء ليس للأمة أمل فيهم إلا إذا أعادوا قراءة التاريخ مرة أخرى قراءة جديدة وبتجرد كامل وفهم عميق لحقيقة الأدوار والأشخاص ومحاولة استقراء عناصر القوة وعناصر الضعف بعيدا عن المزايدات والتورط في سياسة الإستقطاب ومبدأ ( مع أو ضد )
ثم بسط هذه الحقائق للناس ,
وهى المهمة المعقودة على المفكرين والمحللين باعتبارهم رعاة تربية الرأى العام وقادته في جميع العصور
وهى مهمة ينبغي لأهلها التصدى بعيدا عن نوازع اليأس وكلمة ( لا فائدة ) لأن الفائدة لن تتحقق إذا ألقي المفكر قلمه والمعلم عصاه وتركوا مهماتهم تحت زعم اليأس ,
ولو أدى كل منا دوره فحتما سيكون في بناء المستقبل لبنة ,


تم بحمد الله


 
التعديل الأخير:
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

والله أكثر من رائع ولا أجد سببا لعدم تثبيت هذا الموضوع الذى يعتبر مرجعا وتوثيقا لحرب أكتوبر المجيده
 
عودة
أعلى