حدائق الايمان فى حرب رمضان

رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وبعد انتهاء أثر المفاجأة لدى الجيش الإسرائيلي حاول استعادة توازنه بشن الهجوم المضاد الأول بالمدرعات والذي فشل فشلا ذريعا أمام صواريخ مولوتكا وقذائف الآر بي جى التي أطاحت بدباباته أمام أفراد الصاعقة والمشاة فضلا على ما تكبده العدو من مواجهة مدرعاتنا بعد إتمام عملية العبور ,
وجاءته الصدمة الثانية لتزلزل كيانه والتى تمثلت في عجز جيش الاحتلال الإسرائيلي عن استخدام عقيدته العسكرية المعتادة والتى تتمثل في الهجوم السريع والحرب الخاطفة عن طريق المناورة بالمدفعية والمدرعات مع تغطية رئيسية وفعالة من الطيران ,
ولم تكن مفاجأة العدو متمثلة في قذائف الصواريخ المضادة للدبابات بنوعيها فحسب , ولا حتى في حائط الدفاع الجوى الذى حمل معه مفاجأة صواريخ سام 6 إلى جوار سام 2 وسام 3 ,
بل فوجئ كذلك بالصواريخ المضادة للطائرات المحمولة كتفا ( سام 7 ) والتى ساهم بها أفراد القوات المسلحة وأسقطوا بها العديد من طائرات العدو ليقف التفكير الإسرائيلي مشلولا وعاجزا وقد تم قص جناحيه وذراعيه بضربة واحدة ,

ولم يعدل الجيش الإسرائيلي عن عقيدته القتالية رغم خسائره الجسيمة في مدرعاته وهاجم مجددا لتواجهه المدرعات المصرية في أشهر معارك الدبابات في العالم أجمع ,
وكانت إسرائيل تمتلك أحدث نوعية من الدبابات وهى باتون بنوعيها إم 60 وإم 70 والتى تتميز بالخفة والسرعة في مقابل الدبابات السوفيتية من طراز تى ,
ولكن أسفرت المواجهات عن نجاح ساحق للمدرعات المصرية ليثبت المصريون مجددا أن السلاح بالرجل وليس الرجل بالسلاح , وأن التخطيط المتقن والتدريب المستمر يخلق المعجزات إذا اقترن بالإصرار
مع الوضع في الاعتبار الكفاءة التدريبية العالية والمتفوقة التي كان يتمتع بها فرد المدرعات الإسرائيلي , والتى تزاوجت مع تطور دباباته لتخلق هالة الرعب التي حاول تصويرها ,
ومع ذلك اندحرت المدرعات الإسرائيلية في مذبحة دبابات كلفت إسرائيل أكثر من 1080 دبابة في مسار الحرب كلها وعود هذا بصفة رئيسية إلى عدة عوامل [1]
الأول : رغم القدرات الفنية لفرد المدرعات الإسرائيلي إلا أن التطور التقنى الفائق للمعدات أدى إلى ما يشبه الإعتماد الكلى عليه فى مقابل تنمية المهارات التدريبية والحفاظ عليها
وهى نقطة بالغة الخطورة إذ أن الإعتماد على التقدم التكنولوجى يتناسب عكسيا مع المهارات التقليدية فى كل المجالات وهى النقطة التى انتبه لها القواد المصريون فكان حرصهم فائقا على زيادة الحمل التدريبي إلى أقصي درجة والحرص على إبراز المهارات الفردية والتصرف فى المواقف الطارئة مما جعل جندى المدرعات المصري موسوعة حقيقية فى مجال عمله ـ وهو ما تم أيضا فى كافة الأسلحة ـ
فلم يعد طاقم الدبابة المصري يعتمد على التخصص ـ كما هو الحال عند الطاقم الإسرائيلي ـ بل تدرب طاقم الدبابات على تبادل المهام فالسائق من الممكن أن يتولى التوجيه أو الضرب والعكس صحيح فضلا على نزعة تدريبية لإصلاح الأعطاب المفاجئة التى تعترض دبابته ,
بينما طاقم المدرعات الإسرائيلي كان به آفة التخصص فالسائق لا يعرف شيئا إلا مهمته فى القيادة فإذا أصيب فرد آخر توقفت الدبابة تلقائيا , وكذلك نفس الحال إذا أصيبت الدبابة فى أى موقف ـ ولو كان عطلا سهلا ـ تركها الطاقم بأكمله لمصيرها !

ثانيا : رغم تطور المعدات الإليكترونية فى الجانب الإسرائيلي لا سيما فى أجهزة التوجيه بوجود جهاز تقدير المسافة فى الدبابات الأمريكية ,
إلا أن الجانب المصري استعاض عن هذا التفوق بحسن التدريب الفنى للطاقم عن طريق التدريب المتكرر لعشرات المرات فى حسن التصويب اليدوى لأجهزة الدبابة ,
أثبتت التجربة العملية أن الطاقم المدرب أكثر كفاءة من السلاح المتقدم فى حسن استغلاله لسائر مميزات أجهزته والاستعانة بالخبرة القتالية لتعويض النقص التكنولوجى ,

ثالثا : تمكن طاقم المدرعات المصري من دراسة عيوب ومزايا مدرعات الجانب الإسرائيلي بشكل متمرس وهو ما جعل الطاقم المصري يدرك جيدا أين وكيف يستغل دبابات العدو لتحويل عيوبها الخفية إلى عيوب قاتلة ,
فاستغل الجانب المصري كبر حجم الدبابات الأمريكية وعدم كفاية تدريعها من ناحية زاوية الميل وسرعة تعطلها على الأرض الوعرة فضلا على سرعة اشتعالها بسبب وجود السائل الهيدروليكى الخاص بأجهزة النيران الموجود ببرج الدبابة

رابعا : كانت المفاجأة الحقيقية ونقطة التفوق الكاسحة للمدرعات المصرية أن الجيش المصري استخدم الأفراد من المشاة كدبابات فى مواجهة الدبابات الأمريكية بقواذف الآر بي جى ومولوتكا وكان الفضل فى ذلك للشجاعة الخرافية التى أبداها الجنود لتنفيذ المعادلة الرهيبة ( الرجل ضد الدبابة ) وهو ما حاول الجانب الإسرائيلي تنفيذه ففشل فشلا ذريعا ولم يستطع مماثلته أو حتى تقليده
بالإضافة إلى وجود عامل المهارة الفائقة لقواد المدرعات المصرية فى الميدان والذى كان حسن تخطيطهم فى معارك الدبابات سببا فى خسارة إسرائيل لسائر الإشتباكات المدرعة على طول الجبهة ,
والتى سنعرض منها نموذجا فريدا فى التخطيط الميدانى للمواجهة ,


الهوامش :
[1]ـ حرب رمضان ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

ففى منطقة القنطرة شرق , وقبل معركة الدبابات الكبري نجحت اللواء حسن أبو سعدة فى الإيقاع بمدرعات العدو فى فخ قتالى من الطراز الأول كلف العدو 120 دبابة دفعة واحدة ,
ويروي القصة اللواء حسن أبو سعدة [1] وملخصها ..
أنه بعد نجاح قواتنا في اقتحام خط بارليف والإستيلاء على كل الدشم المحصنة وتدمير الإحتياطى القريب للعدو شرق القناة وتحققت بذلك المفاجأة الإستراتيجية ,
اختار العدو أكفأ وحدات المدرعات التي يمتلكها وتمثل في لواء دبابات بير سبع ويتكون من 120 دبابة ( باتون ـ إم 60 ) وقام بتحريكها نحو خط المواجهة لتعمل على إحباط القوات المصرية والبدء بهجوم مضاد على المدرعات المصرية ,
وتحرك اللواء في 7 أكتوبر طيلة الليل وفى ظهر اليوم التالى أظهرت وسائل الإستطلاع المصرية حركته وترقبته في كفاءة وحذر ,
وهنا اعتمد اللواء حسن أبو سعدة على خبرته مع المدرعات الإسرائيلية والتى ألهمته أن اللواء المدرع سيهاجم الأجناب بهجوم خداعى الغرض منه إغفال توجيه قوته الرئيسية إلى القلب مباشرة بغرض الإختراق المفاجئ السريع والوصول إلى القناة من أقرب طريق ,
وجاءت إخبارية الإستطلاع تؤكد صحة استنتاج اللواء أبي سعدة الذى أعطى أوامره لرجاله في سرعة لاحتلال مواقعهم في مواجهة الهجوم على شكل حرف(u) بحيث سمح القائد الفذ لدبابات العدو بإحتلال فراغ القلب وتمهل بصبر مدهش وجرأة مذهلة حتى أصبح لواء الدبابات الإسرائيلي بكامله في قلب الموقع ,
وفجأة أعطى اللواء أبو سعدة أوامره لقواته بالتحرك فخرجت الدبابات المصرية في المواجهة من أماكنها لتصب جحيمها على مقدمة اللواء الإسرائيلي ..
في نفس الوقت الذى خرج فيه أفراد الكتيبة من تحت الأرض في خلفية العدو وكانوا قبل دخول اللواء الإسرائيلي أخذوا أماكنهم فيها لتعبر دبابات العدو من فوقهم , وعند خروجهم إكتملت الدائرة على لواء الدبابات الإسرائيلي بمواجهة دباباتنا من الأمام وأفرادنا من الخلف بقواذف الآر بي جى ليتم تدمير اللواء الإسرائيلي بالكامل وفى وقت قياسي وبلا أى خسائر مصرية تقريبا وتختلط حطام 120 دبابة بصيحات الرجال ( الله أكبر )
وتم أسر باقي أفراد طاقم العدو ومنهم قائد اللواء بنفسه والذي طلب مقابلة القائد المصري الذى أطاح بمدرعاته , فوافق اللواء أبو سعدة على ذلك رغم مشاغله وكان القائد الإسرائيلي يتخوف من مصيره فطمأنه اللواء أبو سعدة أن الجيش المصري لن يعاملهم بنفس معاملتهم لأسرانا في حرب يونيو !
هذا بخلاف معركة الدبابات الكبري التي سيتم الحديث عنها عند حديثنا عن تطوير القتال يوم 16 أكتوبر



الهوامش
[1]ـ الحرب الرابعة على الجبهة المصرية ـ صلاح قبضايا ـ أخبار اليوم
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وبمثل هذا التفوق الضاري على مسارح القتال الجوى والبري كان القتال البحرى يشهد نفس التفوق لقواتنا ,
وهو التفوق المتوقع بعد أن تمكنت القوات البحرية خلال حرب الإستنزاف من تحطيم بعض مبادئ القتال البحرى عندما نفذت عملياتها الناجحة ضد أهداف العدو التي كان أشهرها تدمير المدمرة ( إيلات ) والتى كانت فخر سلاح البحرية الإسرائيلي عن طريق استخدام لنش صواريخ محدود الكفاءة !
وغرقت المدمرة بعد تدميرها وعاد القارب وقبطانه إلى قاعدته البحرية سالمين لتتعرض إسرائيل للوم وتقريع الولايات المتحدة بعد فقدانها لمثل هذه القطعة البحرية الهامة بفعل قارب صواريخ لا يعتبر شيئا أمام المدمرة وتسليحها الفوق طبيعى ,
وقبل العمليات تحددت أهداف القوة البحرية المصرية على أهداف العدو المتمثلة في ميناء أشدود وحيفا على البحر المتوسط , وفى إيلات وشرم الشيخ ومراسي خليج السويس على البحر الأحمر
فضلا على حماية شواطئنا ضد أى استهداف بحرى للعدو في نطاق عمليات كل قاعدة بحيث صار لكل قاعدة حرية التصرف المنفرد لضمان حسن المواجهة والتصرف
وقبيل أيام العمليات أبحرت القطع البحرية المصرية إلى مضيق باب المندب لتتمكن من غلق البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية بعد أن ظنت إسرائيل باحتلالها لشرم الشيخ أنها امتلكت منفذا عليه , فإذا بقواتنا البحرية تغلقه عليها من المنبع عند حدود اليمن لحرمان العدو من الإستفادة من ميناء إيلات

وتفجرت ساحة المعركة البحرية بطول شواطئنا البالغة 1600 كيلومتر شاركت فيها المدمرات والغواصات والمدفعية الساحلية ولنشات الصواريخ ووحدات الصاعقة البحرية والضفادع البشرية ,
فقامت سرايا المدفعية الساحلية بقصف القلعة الحصينة شرق بورفؤاد والحصن المنيع عند الكيلومتر 10 جنوب بورفؤاد , كما قام سرب من لنشات الصواريخ بضرب تجمعات العدو في رمانة ومرسي العدو في البحر المتوسط
وفى البحر الأحمر عاونت القوات البحرية الجيش الثالث الميدانى بقصف مواقع العدو المواجهة لخليج السويس وفى سفاجة وفى شرم الشيخ في نفس الوقت الذى ضربت فيه الصواريخ المصرية رأس سدر لتحليل مواقع العدو إلى جحيم مستعر
واستمر القتال ليليا طوال أيام الحرب بنجاح تام ,
وكانت أولى المواجهات ليلة 8 أكتوبر حيث صادف تشكيل للصواريخ المصري تشكيلا مماثلا للعدو في محيط قاعدة بورسعيد فاشتبك معه لمدة ساعة في معركة بحرية انتهت بإغراق الوحدة الإسرائيلية وعودة التشكيل المصري سالما ,
أما في البحر الأحمر فكان الصيد وفيرا للغاية أمام غواصات البحرية المصرية حيث تمكنت الغواصات من إغراق سفينة إسرائيلية كانت داخل البحر قبل بدء العمليات ,
فضربتها الغواصات المصرية حتى جنحت السفينة وسدت الطريق حتى نهاية الحرب فلم تعبر للموانى الإسرائيلية سفينة واحدة ,

وفى ليلتى 8 , 15 أكتوبر دارت أعتى معارك لنشات الصواريخ بين لنشات الصواريخ المصرية ولنشات ( سعر ) الإسرائيلية المتقدمة حيث كانت أعنف المعارك البحرية طيلة الحرب هما معركتى هاتين الليلتين ,
ففى ليلة 8 أكتوبر
رصدت وحدات الإستطلاع تشكيل اللنشات الإسرائيلي وأعدت القوات البحرية المصرية كمينا بحريا في مكان منتخب بعناية فائقة بين دمياط والبرلس ,
واستمر السكون المصري تاركا الفرصة أمام التشكيل الإسرائيلي للدخول في الفخ المحكم , وبمجرد دخول وحدات العدو المكون من ثلاث مجموعات كل مجموعة على حدة , أصدر قائد التشكيل المصري أوامره بإطلاق النار ,
وهكذا دار أول اشتباك بحري بصواريخ ( بحر ـ بحر ) في تاريخ المعارك الحديثة , ونظرا لطول مدى الصواريخ المصرية ودقة أجهزة التوجيه بها فقد أصابت الصواريخ المصرية أهدافها جميعا دون خطأ واحد .
وخسر العدو في لحظة واحدة أربع قطع بحرية ليتلقي قائد البحرية برقية تهنئة خاصة من وزير الدفاع ,

أما المعركة الثانية
فتمت في 15 أكتوبر حيث خرج سرب من لنشات الصواريخ المصرية من الإسكندرية بسرعة بطيئة حتى لا يكتشفه العدو بحسب أوامر القيادة ليقبع هذا السرب في أبي قير مترصدا لأى أهداف معادية ,
ووقع أمام السرب أربع قطع بحرية للعدو بينهما أربعة أميال بحرية تعامل معهم سرب اللنشات المصري ليغرق لنشان للعدو على الفور ويصاب اللنش الثالث أمام رشيد ,
وفى فجر يوم 16 أكتوبر كانت القوات الجوية تهاجم اللنش المصاب وتأسره وتستولى على صاروخ ( جابرييل ) سليما من حطام اللنش ,
وبهذا أدت القوات البحرية عملها المطلوب بكل دقة , لا سيما الهدف الأول وهو إثبات فشل نظرية الأمن الإسرائيلي البحرية التي كانت ترددها إسرائيل بأنها طالما سيطرت على خليج العقبة فقد ضمنت الملاحة الحرة من وإلى البحر الأحمر
وهو ما أثبتت البحرية المصرية عكسه عندما سيطرت غواصاتنا على مضيق باب المندب ومارست حق التفتيش على السفن المارة ومنع السفن الإسرائيلية أو التي تحمل موادا لإسرائيل من المرور , وقد تمكنت البحرية المصرية من إغراق ثلاث سفن إسرائيلية تحدت الحظر فتم إغراقها ,
هذا فضلا على تحقيقها هدفا إستراتيجيا جديدا وهو ضرب منطقة بترول بلاعيم لمنع العدو من استخدامه وهو ما تم بالفعل مع استخدام سلاح الألغام البحرية التي تسبب في غرق ناقلة بترول ضخمة حملوتها 46 ألف طن فضلا على سفينة أخرى حمولتها ألفي طن ,
بالإضافة لما نجحت فيه قوات الصاعقة من تفجير آبار البترول التي يستخدمها العدو في سيناء ليكون الحصار كاملا ,
ومع كل هذه الأهداف ارتفعت راية البحرية المصرية عاليا في المواجهات المباشرة مع بحرية العدو , وكبدته خسائر فادحة ,

وهكذا وفى الأيام الأولى من القتال كانت قوات الجيشين الثانى والثالث الميدانيين قد أتما عبورهما بنجاح وتعمقا لمسافة 15 كيلومتر داخل سيناء واحتلوا شريطا بطول 185 كيلومترا
وتمكنوا من صد جميع الهجمات المضادة التى تكبد فيها العدو خسائر قياسية مذهلة وفر هاربا من مواقعه تاركا عددا كبيرا من معداته ودباباته وأجهزة القيادة سليمة حيث لم يتمكن من تدميرها خلفه ,
فى نفس الوقت الذى استغلت فيه قواتنا الوقت لتأمين رءوس الكباري وتعميقها ثم توحيدها معا لتقع الأرض التى سيطرت عليها قواتنا تحت حبكة تامة وقدرة كاملة على الدفاع الثابت من مواقعها ,
فضلا على خسارة العدو الجزء الأكبر من قواته الجوية التى سقطت بفعل حائط الصواريخ ثم بالوحدات المتحركة للدفاع الجوى وخلال المعارك الجوية التى خسرها العدو جميعا أمام طائراتنا ,

وبهذا حققت المرحلة الأولى من الحرب أهدافها بنجاح تام فاق المتوقع طبقا للتوجيه الإستراتيجى الذى وجهه الرئيس أنور السادات للقوات المسلحة وتمثل في تنفيذ الخطة ( بدر ) على ثلاث مراحل ,
كانت الهدف منها كسر نظرية الأمن الإسرائيلي وهو ما تم بنجاح تام وانكسرت أسطورة الجيش الذى لا يقهر بعد سقوط خط بارليف في ست ساعات أمام قوات المشاة ,
وتم تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة والمعدات طبقا للبند الثانى في التوجيه الإستراتيجى ,
وكان البند الثالث
يتلخص في ضرورة العبور بقوة الجيشين الثانى والثالث الميدانى على رءوس كباري بعمق 15 كيلومتر ثم الدفاع عنها في مواجهة هجمات العدو المضادة والإستعداد لتطوير المعركة شرقا والوصول إلى خط المضايق في سيناء والتمسك بما تم تحريره من الأرض تمسكا تاما دون تراجع شبر واحد ,
وهو الهدف النهائي للحرب كما كان مخططا ,
حيث كانت الخطة بدر تقتضي تطوير الهجوم واحتلال المضايق والوقوف عند هذا الحد وفق الإمكانيات المتاحة للقوات المسلحة في ذلك الحين ووفق ما هو متوافر بالفعل من نوعية السلاح ,
والأهم من هذا وذاك ,
أن يكون تقدم القوات المصرية في مواقعها مصاحبا لمدى حماية المظلة الجوية التي يفرضها حائط الصواريخ المصري للدفاع الجوى ,
وهو الأمر الحيوى الذى كفل للقوات المصرية حسن دفاعها وحفاظها على نجاحها الفائق طوال أيام الحرب وعدم الإندفاع للشرق عند انهيار العدو مع الأداء العسكري المصري ,
لأن هذا الإندفاع كان كفيلا بوقوع القوات المندفعة في مدى سلاح العدو الجوى المتفوق عندما تخرج هذه القوات من مظلة الحماية المقدرة بخمسة عشر كيلومترا فقط
وعند تطوير الهجوم كانت الخطة المصاحبة للتطوير هى عبور كتائب صواريخ ( سام 7 ) التي تحقق الحماية الجوية لقواتنا بنفس الكفاءة التي يوفرها حائط الصواريخ ,
ومن خلال تحقيق هذه المعادلة المتزنة أمكن للقوات المصرية المحافظة على سائر مكاسبها من الحرب وتكبيد العدو خسائر فادحة في الأفراد والمعدات والإحتفاظ بكافة مواقعنا تحت يد قواتنا المسلحة حتى آخر أيام القتال في 25 أكتوبر
وبعد التشبث ورد جميع الهجمات المضادة للعدو يأتى دور العمل السياسي الذى توقعت الخطة له أن يبدأ بعد أسبوعين من القتال وهو ما تم بالفعل ,
وقد أنجزت القوات المسلحة ـ كما سبق الشرح ـ الأهداف الأولى للعبور وقامت بعده بتطوير الهجوم الناجح كما سنرى

يتبع ...
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

[SIZE=+0]
المرحلة الثانية من الحرب :


بعد الفشل الذريع الذى منى به الهجوم المضاد الأول للقوات الإسرائيلية عبر موجاته التي نجم عنها الإثنين الأسود في إسرائيل وسقوط سلاح المدرعات الإسرائيلي وانقلاب القيادة السياسية على العسكرية
تفجرت الخلافات المدوية بين القادة العسكريين بخصوص ما يحدث على الجبهتين الجنوبية والشمالية ,
وتطايرت الإتهامات بين الجنرالات شموئيل جونين قائد الجبهة الجنوبية ودافيد إليعازر رئيس الأركان وإبراهام أدان وشارون قائدى المدرعات فضلا على بقية مجلس الحرب برياسة ديان وجولدا مائير
ورغم فشل الهجوم المضاد الأول الذى تم تنفيذه في الثامن من أكتوبر فلم يجد القادة اليائسون بدا من الإستمرار في نفس مسلسل الهجمات المضادة بالمدرعات مع محاولة كسر التفوق المصري وإيجاد وسيلة لمواجهة حاملى الصواريخ المضادة للدبابات والذين أوقعوا الخسائر الجسيمة بالمدرعات الإسرائيلية ,

وكنتيجة طبيعية للإختلافات صدر القرار بتنحية الجنرال شموئيل جونين بعد الإثنين الأسود وتم تعيين حاييم بارليف ممثلا شخصيا لرئيس الأركان في الجبهة الجنوبية على أن يعاونه جونين ولكن من بدون صفة قيادية ,
وظن المجلس العسكري أن تعيين حاييم بارليف باعتباره واحدا من أقدم القادة في إسرائيل أن الخلافات التي يسببها الجنرال آرئيل شارون بتمرده على الأوامر العسكرية واتخاذه القرارات دون الرجوع لقيادته ,
خاصة بعد أن فاقت تصرفات شارون الحمقاء كل تصور عندما خالف الأوامر الصادرة له في الهجوم المضاد الأول كما رفض نجدة زميله الجنرال إبراهام آدان الذى كانت مدرعاته تتعرض لمذبحة من القوات المدرعة المصرية على نحو دفعه لإرسال طلب نجدة تتمثل في إحدى كتائب المدرعات التابعة لفرقة شارون ,
فرفض شارون وتجاهل النداء وتورطت المدرعات في فرقته لنفس المصير فيما بعد , [1]

إلا أن تعيين حاييم بارليف ورغم كونه أقدم من شارون لم ينه هذه الخلافات والأخطاء وتفاقمت الخلافات من جديد بين بارليف وشارون في الوقت العصيب الذى كانت تمر به المدرعات الإسرائيلية في سيناء حيث لم يبق لها بعد فشل الهجوم المضاد الأول غير 400 دبابة مما حدا بوزير الدفاع ديان إلى توجيه التحذير من أية مغامرات غير محسوبة ,
وهكذا وبعد أن تولى بارليف يوم 10 أكتوبر مسئولية الجبهة الجنوبية وبعد نفاذ صبره من حماقات شارون طلب من الجنرال ديان إحالة شارون للتقاعد حتى لا يتفاقم الوضع أكثر ,
ورفض ديان طلب بارليف رغم إلحاحه وكان رفضه سياسيا خوفا من أن شارون سيصبح كادرا سياسيا معارضا في تجمع الليكود وسيستغل موقعه السابق للهجوم السياسي على الحكومة القائمة !
وهكذا وبضربة قدرية ..
وقعت إسرائيل فى نفس المأزق السياسي الذى وقعت فيه القيادة المصرية قبلها فى حرب يونيو نتيجة لتدهور النتائج على جبهة القتال ,
فبعد النجاح الذى حققته القوات المصرية تسببت الخلافات فى أن يبحث كل قائد عن مصيره المنتظر بغض النظر عن مصلحة الدولة أو الجيش وهو ذات ما وقعت فيه القيادة المصرية من قبل عندما غامر عبد الناصر بترك عبد الحكيم عامر فى موقعه رغم الفشل الذريع الذى أثبتته التجربة المرة لهذا الأخير من موقعه كقائد عام للقوات المسلحة أيام حرب السويس 1956م , وأيام أزمة الإنفصال من سوريا عام 1962م , وإصرار عبد الحكيم عامر على الإحتفاظ بنفس طاقم رجاله فى مراكز القيادة العليا رغم قرار عبد الناصر بإحالتهم جميعا للتقاعد ,
وسكت عبد الناصر ليزداد الوضع سوء فى حرب يونيو على النحو الذى ظهر على الساحة فى تلك الآونة ,

وهكذا وبنفس العقلية اتخذت القيادة الإسرائيلية قرار هجوم مضاد جديد على قطاع الفرقة 16 مشاة فى يوم 9 أكتوبر عن طريق الهجمات المضادة السريعة بقوة كتيبة مدرعة على اللواء الأيسر للفرقة 16 مشاة المصرية ,
وبقوة كتيبتين مدرعتين على لواء المنتصف لنفس الفرقة ( اللواء 3 مشاة ميكانيكى )[2] بغرض اكتشاف مدى قوة دفاعات الفرقة واقتحام أضعف نقاطها وإحداث خلخلة فى دفاعات القطاع الشمالى للجبهة ,
وتصدت الفرقة 16 مشاة بقيادة العميد عبد رب النبي حافظ للهجوم ورغم الخسائر الفادحة التى تعرضت لها قوة الهجوم الإسرائيلي فإنها أصرت على مواصلة التقدم بمزيد من الخسائر , مما دفع قيادة الفرقة لتأمين نقاطها تأمينا جيدا عن طريق تقوية أضعف نقاطها وهى نقطة الإتصال بين الفرقة 16 مشاة والفرقة 2 مشاة ,
وعليه بادر اللواء سعد مأمون قائد الجيش الميدانى بإصدار أوامره إلى بدفع كتيبة دبابات من النسق الثانى للفرقة لتعمل على سد الثغرة بين الفرقتين وتتصدى لأى محاولة إختراق متوقعة ,


الهوامش :
[1]ـ المعارك على الجبهة المصرية ـ اللواء جمال حماد ـ دار الشروق
[2]ـ المشاة الميكانيكى مصطلح عسكري يشير إلى قوات المشاة عندما تمتلك المركبات الميكانيكية فى الحركة والقتال
[/SIZE]​
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وخسر العدو فى هجومه الأول خسارة فادحة بصلابة الدفاعات المصرية واستماتة القواد مع الجنود والتى أدت لاستشهاد العقيد عادل يسري عندما قام بنفسه بعملية إستطلاع واسعة لتحركات العدو أثناء الهجوم ,
وعقب فشل الموجة الأولى من الهجوم قام العدو فى الساعة الثانية والنصف ظهرا بهجومه الرئيسي على لواء المنتصف 3 ميكانيكى بقوات اللواء المدرع الإسرائيلي رقم 600 ,
وتمكن العدو تحت وطأة وثقل وكثافة الهجوم من اختراق دفاعات الكتيبة المصرية والإستيلاء على النقطة الحيوية رقم 57 وهى إحدى النقاط المصرية الحصينة القريبة من موقع قيادة الفرقة
واتخذت قيادة الفرقة إجراءات حاسمة وسريعة لمعالجة الموقف فقامت كتيبة المشاة الميكانيكية التابعة للنسق الثانى بصد
إختراق العدو ومنعه من الإستقرار فيه ولأن دبابات الكتيبة المصرية كانت جميع مركباتها المدرعة من طراز ( BMP ) الخارقة للدروع فقد ألحقت بالعدو خسائر فادحة منعته من تحقيق أهدافه بعد أن كان على وشك النجاح

ثم استثمر قائد الفرقة نجاح الكتيبة المصرية سريعا فأصدر أوامره إلى إحدى كتائب اللواء 14 المدرع وإلى كتيبة دبابات الفرقة بالإشتراك في المعركة في نفس الوقت الذى أمر فيه بفتح إحتياطى الفرقة المضاد للدبابات رقم 1 ليركز هجومه على الأجناب الخاصة بالقوة المدرعة الإسرائيلية ,
وفى نفس الوقت قامت مدفعية اللواء 3 ميكانيكى مع مجموعة مدفعية الفرقة 16 مشاة بفتح نيرانها بقصف شديد التركيز على الثغرة التي نفذت منها المدرعات الإسرائيلية ,
وهكذا وقعت المدرعات الإسرائيلية تحت جحيم مزدوج من المدفعية والمدرعات المصرية أسفر عن تدمير 38 دبابة من طراز باتون إم 60 وإم 48 و4 عربات مدرعة من طراز إم 113
وارتدت الدبابات الإسرائيلية المتبقية إلى إتجاه الطالية ولم تتمسك إلا بالنقطة الخاصة بالموقع الحيوى 57 ,

ورغم الخسائر والفشل التي منيت بها القوات الإسرائيلية إلا أنها عاودت هجومها من جديد في الساعة السادسة والنصف مساء نفس اليوم إنطلاقا من نفس النقطة بقوة دبابات تبلغ 60 دبابة هى ما تبقي من القوة المهاجمة مدعمة بكتيبة إمدادات ,
ودارت واحدة من أخطر المعارك بين قوات الفرقة 16 مشاة التي تعرضت لأخطر هجوم عليها من بداية الحرب في المنطقة المعروفة باسم ( المزرعة الصينية )
ولمواجهة خطر الهجوم المتجدد أمر قائد الفرقة بدفع القوة الضاربة لكتيبة النسق الثانى وكتيبة دبابات الفرقة التي نجحت في صد الإختراق الأول مع تدعيم كليهما بفتح جميع إحتياطيات الفرقة بلا استثناء ,
بالإضافة إلى طلبه معاونة مدفعية الجيش الثانى الميدانى رقم 1 , 2 لتستطيع الفرقة 16 مشاة من تجديد إنتصارها للمرة الثانية على التوالى وحولت منطقة إختراق العدو إلى جحيم مستعر
واندفعت القوات المصرية بعد ذلك لتطهير نقطة تمركز العدو في الموقع الحيوى رقم 57 والذي جدد منه هجومه الليلي ليفشل الهجوم بسائر موجاته ,

وبعد فشل الهجوم المضاد الثانى على التوالى وتكبد المدرعات الإسرائيلية لخسائر فاقت طاقتها وهددت مخازنها الإحتياطية اهتزت أعصاب موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي إلى أقصي مدى ,
وفوجئت جولدا مائير وبقية المجلس العسكري بجنرالهم الأسطورى وهو يبدو بشخصية شبحية مترددة لا يجرؤ على اتخاذ قرار واحد منفردا بل يطلب موافقة جولدا مائير علي أى قرار رغم أنه الأدرى بالشئون العسكرية ,
ورغم أنه صاحب أشهر القرارات الفردية في السابق عندما كان رئيسا لأركان حرب الجيش الإسرائيلي أو عندما كان وزيرا للدفاع أثناء حرب يونيو وقام باتخاذ قرارات مصيرية منفردا دون الرجوع إلى ليفي أشكول رئيس الوزراء وقتها ,
فقد اتخذ قراره منفردا بمهاجمة الجولان صباح 9 يونيو
ولا يعرف الكثيرون أن الجولان لم تكن في أهداف إسرائيل في حرب يونيو أصلا , واتخذ أيضا قراره بالوقوف عند قناة السويس بعد أن كان التخطيط هو الوقوف عند الممرات , وذلك بعد أغراه حال الجيش المصري بعد قرار الإنسحاب الغريب والرهيب الذى أصدره عبد الحكيم عامر وتسبب في مذبحة للقوات المصرية في سيناء بعد ذلك ,
وقبلها اتخذ قراره بضرب سفينة التجسس الأمريكية ليبرتى والتى كانت موجودة لمراقبة أعمال إسرائيل حتى لا تخالف اتفاقها مع الولايات المتحدة وتجتاح الضفة الغربية وهو ما لم تريده الولايات المتحدة , بل وتعهدت للملك حسين قبل نشوب حرب يونيو أن إسرائيل لن تمد يدها إلى الضفة الغربية
وعندما اكتشف ديان وجود السفينة أمر بضربها بأعصاب باردة وادعى أنها مجرد خطأ عسكري حتى لا تكشف ليبرتى أن القوات الإسرائيلية اجتاحت الضفة الغربية دون أن تكون هناك أى أعمال قتال موجهة ضد الجيش الإسرائيلي منها [1]

لهذا كانت صدمة القيادة الإسرائيلية عنيفة بتخلخل أعصاب ديان إلى هذا الحد والذي دفعه لعرض الإنسحاب من الجبهتين حماية لما تبقي من القوات الإسرائيلية على الجبهتين , لا سيما بعد أن نجحت القوات السورية في أول أيام القتال في اجتياح الجولان بكاملها ووقف الجيش السورى على مشارف المستوطنات الإسرائيلية في العمق مهددا إياها [2]
هذا فضلا على الخلافات العنيفة التى تفجرت بين القادة العسكريين فى الجبهتين كل على حدة ومع بعضهما البعض بعد تباين وجهات النظر فى الطريقة المثلي للتصدى لخطر المصريين والسوريين وأيهم أولى بتركيز القوات الإسرائيلية فى جبهته ,


الهوامش :
[1]ـ الإنفجار ( حرب 1967 م ) محمد حسنين هيكل ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر
[2]ـ المعارك على الجبهة المصرية ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وفى ظل هذه الظروف النفسية السيئة التى مر بها موشي ديان عقد مؤتمرا صحفيا مصغرا مع رؤساء تحرير كبريات الصحف الذين هالهم ما وجدوه على ملامح قائدهم واستنتجوا سوء الأوضاع على الجبهات لكن لم يتوقع أحدهم أبدا مدى التردى فى أوضاع القوات الإسرائيلية بتفاصيله الحقيقية والتى شرحها لهم ديان بالتفصيل وقال[1] :
( إن قواتنا تنتشر فى سيناء انتشارا دفاعيا وتم إخلاء خط بارليف بنظام وبدون نظام أحيانا ولم يعد هناك خط أصلا ليلعب دورا فقد انقطعت اتصالاتنا به تماما وتخلينا عنه وتركناه لمصيره ,
وهذا يكشف للعالم بأسره عدة حقائق , أولها أننا لسنا بأقوى من المصريين والثانية أننا لم نستطع رد المصريين على أعقابهم وإن لم ننجح فى ذلك فسيواصلون حشد قواتهم ودباباتهم وتدعيم مواقعهم
والسؤال الهام الآن الذى ينبغي لنا أن نسأله هو وماذا بعد هذا ؟!
لو شن المصريون هجوما من مواقعهم فسيكون علينا أن تكون خطوطنا أقل مسافة وأكثر ملائمة وهذه الخطوط يجب أن تكون فى السلاسل الجبلية التى لا يستطيعون النفاذ منها
ونظرا لأن الطريق مفتوح أمام المصريين إلى الجنوب حيث أبو رديس وشرم الشيخ , وماذا لو حاولوا الإتجاه جنوبا ؟ هل سنستطيع أن نوقفهم ؟
إننا لا نستطيع أن نوقفهم اعتمادا على الطيران وحده وحتى إذا قمنا بإنشاء خطوط دفاعية جديدة فإننى أشك أنه باستطاعتنا التمسك بهذه الخطوط )

وأصيب الصحفيون بالذهول وهم لا يتخيلون ما أوضحه موشي ديان والذى ملأ الدنيا صراخا وضجيجا أن حرب يونيو أقعدت المصريين عن الحركة وأن خط بارليف هو المقبرة التى تنتظر قواتهم إذا حاولت العبور !
وتذكروا تصريحه قبيل الحرب بأيام من أن المصريين يحتاجون سلاح المهندسين فى القوات السوفيتية والأمريكية معا ليتمكنوا من عبور القناة وتحطيم خط بارليف !!
فكيف نجح المصريون بمشاتهم فى تدمير الخط واحتلاله فى ست ساعات فحسب ؟! وأين دفاعات الخط التى تكلفت الملايين وأين الدعم الدفاعى والحصون التى تكلفت نصف مليار دولار لحماية خط القناة ؟!
وزادت الصدمة عندما علموا أن وزير دفاعهم ينوى عرض هذا الكلام أمام الشعب فى التاسعة مساء بحديث تليفزيونى
وقال جرشوم شاكن رئيس تحرير جريدة ها آرتس لديان :
( هل تنوى عرض هذا الكلام , إنك إن قلت هذا الكلام على شاشة التليفزيون فهذا معناه حدوث زلزال فى إسرائيل ولليهود والعرب خارج إسرائيل )

وعقب لقاء ديان بالصحفيين تلقت جولدا مائير تقريرا عما حدث فى المؤتمر الصحفي مشفوعا بطلب من رؤساء التحرير بتفضيل سكوت وزير الدفاع وامتناعه عن الكلام فى التفاصيل
وعلى الفور منعت جولدا مائير وزير دفاعها من التوجه للتليفزيون واستدعت الجنرال أهارون ياريف الذى تم استدعاؤه من التقاعد وتكليفه بمهمة الإعلام العسكري وأمرته أن يوجه بيانا للشعب بصورة عامة دون تفصيل
فذهب أهارون ياريف ولم يزد على قوله :
( إن الجيش الإسرائيلي فى وضع صعب والحرب من شأنها أن تطول ــ وهذه نقطة المقتل لإسرائيل التى لا تحتمل التعبئة العامة لأكثر من أسبوعين ـ وقد اضطر الجيش الإسرائيلي إلى الإنسحاب للخطوط الخلفية ورغم ذلك فلا ينبغي أن نفكر بمفاهيم الخطر بالنسبة لبقاء شعب إسرائيل )

والمتأمل فى كلمات أهارون ياريف يصل لعدة حقائق تحتاج وقفة ,
فرغم اللهجة المخففة التى لم تتعرض للتفاصيل الحقيقية والتى تحمل مآسي مروعة للجيش الإسرائيلي بعد الهزائم المتتابعة وقعود يد الطيران عن أى إضافة للحرب , إلا أن كلمته كانت أشبه بالزلزال المدوى فى تل أبيب بعد أن خدعتهم القيادة العسكرية والسياسية طيلة الفترة من 6 إلى 8 أكتوبر وأوهمهم ديان والجنرال دافيد إليعازر بأنهم سيحولون منطقة سيناء والجولان لمقابر للجيشين المصري والسورى !
فلما انكشف الأمر فى يوم 10 أكتوبر وأدرك شعب إسرائيل الخدعة الإعلامية التى تم تخديره بها واكتشف لأول مرة أن الجيش الإسرائيلي انهار على نفسه من أول ست ساعات فى الحرب وأن خط بارليف لم يعد له وجود وأن الطيران الإسرائيلي تآكل بفعل حائط الصواريخ المصري وقوة المدرعات الإسرائيلية ذهبت أدراج الرياح ومعها قائدها الفذ الجنرال إبراهام ماندلر ,
هنا وقعت إسرائيل فى نفس الموقف الذى وقعت فيه مصر فى الفترة ما بين 5 , 9 يونيو ,
وهنا نستعيد ما تحدثنا عنه سابقا عن روعة حرب أكتوبر وأنها فيما يشبه المعجزة ردت سائر ديونها بلا استثناء وزادت عليها , رغم الفارق الضخم بين جيش مصر فى حرب يونيو وبين جيش إسرائيل فى حرب أكتوبر ,
وكما قضت الجماهير المصرية أربعة أيام وهى تتوهم النصر على إسرائيل بفعل خديعة الإعلام , قضت إسرائيل أربعة أيام وهى مغيبة عن الواقع , وعندما استعادت الوعى اكتشفت أن جنرالاتها يتحدثون عن معادلة بقاء الشعب الإسرائيلي نفسه من عدمه
وهى النقطة الفارقة فى حديث أهارون ياريف ,
فياريف يعترف بالهزيمة صراحة ولكنه يطمئن شعبه أن بقاءه ليس فيه ما يدعو للخطر !!
ولأول مرة فى تاريخها تواجه إسرائيل حقائق الواقع بعد أن أسكرتها مؤامرة يونيو 1967 م , وظنت بنفسها القدرة الأسطورية التى تمكنت فعلا من دحر قوات ثلاث دول عربية !
وهو ما عبرت عنه تلقائيا جولدا مائير في تعليقها :
( إن هذه الحرب هى الحرب الحقيقية الثانية بعد حرب 1948 م ) [2]
وهذا اعتراف خطير من جولدا مائير يعنى أن قادة إسرائيل فى تلك الفترة كانوا يعلمون تماما بحقيقة حرب يونيو وقد استغلوا جهل العامة ليروجوا لتلك الأساطير حول الجيش الذى لا يقهر
فإذا بحقيقة هذه الحرب تنكشف أمام عيونهم دون الحاجة إلى أية مستندات , فالجيش المصري لم يحارب فى حرب يونيو أصلا ووقع فى يد قيادة عسكرية جاهلة وقيادة سياسية غافلة ليصدر له الأمر بالإنسحاب دون طلقة واحدة ,
وعندما حانت لحظة المواجهة الحقيقية فى حرب عادلة انهار الرداء الأسطورى على الفور وظهرت حقيقة الجيش الإسرائيلي ,


الهوامش :
[1]ـ المصدر السابق
[2]ـ كشف هذه الحقائق ظهور ست وثائق إسرائيلية جديدة قامت بنشرها جريدة يديعوت أحرونوت فى ذكرى أكتوبر هذا العام 2010 م ونقلت وكالات الأنباء محتوى الوثائق وهى محاضر إجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلي السرية أثناء احرب
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وكشفت صحيفة ( يديعوت أحرونوت ) في جملة الوثائق التي تم كشفها في ذكرى أكتوبر لهذا العام 2010م , أن انهيار ديان لم يكن على المستوى القيادى والشخصي فقط , بل تجاوزه إلى المستوى الأخلاقي أيضا !

فقد أصدر أوامره بتجاهل الجرحى الإسرائيليين وتركهم لمصيرهم لخوفه من حالة التآكل التي صاحبت القوات الإسرائيلية منذ بدء الحرب ومنع قواته من أى محاولة للتدخل بغرض إخلاء الجرحى والإقتراب من خط بارليف المحطم والذي سقط في قبضة الجيش المصري ,
كما أن الإنهيار طال رئيسة الوزراء الإسرائيلية حتى أنها فكرت في مبدأ ( شمشون ) وهو استخدام السلاح النووى لا سيما ضد القوات السورية ,
وقال المعلق البارز في صحيفة يديعوت أحرونوت نحوم برنيع تعليقا على محاضر الجلسات التى تم كشفها قبل أيام :
( إن المحاضر تعكس عمق الهلع الذي ألم بإسرائيل وقتها، مشيرا إلى أنها ألمحت لتداول إسرائيل ردود فعل لم تبحث من قبل أبدا، ) [1]
وردود الأفعال التى أشار إليها ناحوم بريع هى مسألة التفكير فى استخدام القوة النووية ضد مصر وسوريا بعد أن سيطر على التفكير الإسرائيلي أنهما لن يتوقفا عن الحرب حتى حدود الدولة اليهودية !
ففي أحد هذه المحاضر أشار ديان صراحة إلى أن نوايا مصر وسوريا ستطول الأراضي الإسرائيلية ولن يتوقفا عند حدود 67 كما أشار ديان إلى الأردن أيضا سيدخل الحرب ونظرا لما يمتلكه الأردن من حدود طويلة للغاية مع إسرائيل فتدخله فى القتال بأى قوة عسكرية معناه فتح جبهة ثالثة قريبة من العمق الإسرائيلي فى الوقت الذى ينهار فيه الجيش أمام جبهتين

ولم تهدأ تلك المخاوف إلا بعد أن تلقت الحكومة الإسرائيلية تأكيدات هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية بأن الأردن لن يتورط فى القتال الدائر مهما كانت الضغوط على الملك حسين !!
ويشير كيسنجر فى مذكراته إلى أنه راسل الملك حسين وحذره من الإشتراك استجابة للضغوط العربية وأن الملك كان رجل دولة ـ على حد وصف كيسنجر ـ فلم يفتح الجبهة الثالثة فى الحرب ! [2]
كما حذر كيسنجر جولدا مائير من الخيار النووى
وأن المخاوف من إمتداد الحرب إلى مسألة بقاء إسرائيل ليست واقعية لعدم قدرة مصر التسليحية للوصول بقواتها إلى آخر حدودها فى سيناء ,[3]

والنقطة الأخيرة التى يمكننا استخلاصها من حديث أهارون ياريف ..
أن إسرائيل على مستوى القادة تدرك تماما أنها لا تتمتع بأى قوة حقيقية رغم ترسانة الأسلحة الرهيبة فى حوزتها ورغم القدرات العسكرية فى العدد والعتاد ,
ذلك أن الجندى الإسرائيلي لا يمتلك عقيدة حقيقية يدافع بها عن وطنه لأنه يدرك فى أعماقه أنه ليس وطنا له بل هو أرض مغتصبة فى مواجهة أصحاب الحق ذوى العقيدة الراسخة ,
يتضح ذلك من كمية التشاؤم التى كست أهارون ياريف وهو يطمئن الشعب المصدوم أن وجوده لا يستدعى القلق !!
ونسي ياريف أنه يتحدث إلى شعب لم يدر فى أبشع كوابيسه أن يتعرض الجيش الإسرائيلي لهزيمة من الأصل , وأن اعتراف ياريف بالهزيمة إلى هذا الحد من الإنهيار يمثل صدمة عملاقة لا يفوقها إلا حديث المتحدث العسكري عن مسألة بقاء إسرائيل والتى فاقت كل الحدود بالنسبة للشعب الإسرائيلي ..
وأدركوا أنهم أمام قادة يرون أن غاية الأمانى فى تلك الحرب الضروس هى أمل البقاء لإسرائيل !

وهذا أمر غريب للغاية إذا تأملناه وعرفنا أن الجيش المصري فى ذلك الوقت كان يقاتل داخل حدوده بسيناء ولم يجتز منها إلا خمسة عشر كيلومترا وأمامه 200 كيلومتر حتى خط الحدود الدولية ,
بل إن مضايق سيناء وهى الهدف النهائي للحرب ـ وفق الخطة بدر ـ لم تكن تمتد لأكثر من خمسين كيلومترا !
بالإضافة إلى أن مدى حائط الصواريخ المصري على القناة والذي يتكفل بحماية القوات المصرية من الطيران الإسرائيلي لم يكن مداه يجتاز 15 كيلومترا ,
في ظل تفوق نوعى وكمى هائل لسلاح الجو الإسرائيلي الذى لا يجاريه في قدرته الطيران المصري بإمكانياته أثناء الحرب ولا يستطيع الطيران المصري الدفاع عن القوات المصرية لو خرجت من نطاق حائط الصواريخ لأن هذا الأمر يتعدى إمكانياته بلا شك
فما هو الداعى لذعر القادة الإسرائيليين لدرجة إحساسهم بأن بقاء إسرائيل نفسه أصبح موضع شك ؟!
وما هو تفسير هذا الذعر الهائل الذى كان ملما برجال الجيش الإسرائيلي والمفروض أنهم رجال قوات مسلحة !


الهوامش :
[1]ـ المصدر السابق
[2]ـ مذكرات هنرى كيسنجر بعنوان ( سنوات الفوران )
[3]ـ أكتوبر 73 ( السلاح والسياسة ) ـ محمد حسنين هيكل ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

ويضاف لهذا أن إسرائيل تدرك أكثر من غيرها أن الظروف السياسية فى العالم وتوازن القوى فى مرحلة السبعينات يميل لصالحها على طول الخط لعدة أسباب ,
منها أن الولايات المتحدة تضمن لإسرائيل حق البقاء وهو ما يقرها عليه الإتحاد السوفياتى ,
بمعنى أنه حتى لو تم تدمير الجيش الإسرائيلي عن بكرة أبيه فالقوات الأمريكية ستتدخل مباشرة بقواتها لحماية الوجود الإسرائيلي ,
بل إن الأسطول الأمريكى السادس في البحر المتوسط تدخل فعلا في حرب يونيو 67 لحماية العمق الإسرائيلي بعد أن غادرت
الطائرات الإسرائيلية جميعا قواعدها في طريقها لتنفيذ الضربة الجوية الأولى ضد المطارات المصرية ,
وخوفا من أن تنجو بعض المقاتلات المصرية وتتمكن من الوصول إلى المجال الجوى الإسرائيلي وتهديد العمق فيه في ظل غياب كامل للطيران الإسرائيلي ,
قام الأسطول السادس بمهمة التأمين لتدمير أى محاولة مصرية لضرب العمق
كما أن الولايات المتحدة لم تكتف بذلك وبالمدد الذى لا ينفذ للمعدات , بل شاركت بعض قواتها فعليا في حرب يونيو عندما توجهت بعض أسراب طائرات الرقابة لتأمين تنفيذ الضربة الجوية ,

وعندما تفاقم الوضع الإسرائيلي بسيناء في حرب أكتوبر أمدت الولايات المتحدة إسرائيل طائرات الفانتوم بطياريها !
وشاركوا فعلا في الحرب وسمحت لهم الولايات المتحدة بذلك بلعبة قانونية بسيطة حيث أن الولايات المتحدة أباحت لمواطنيها ـ حتى العسكريين منهم ـ الإحتفاظ بالجنسية الأمريكية إلى جانب الإسرائيلية وبهذه الصفة تستطيع إسرائيل استدعاء هؤلاء الطيارين للخدمة العسكرية عند الحاجة !

ومن أسباب ميل ميزان القوى الدولية لصالح إسرائيل في تلك الفترة ,
أن ميزان القوى الدولية كان فى صالح الولايات المتحدة بعد أن تولى برينجنيف قيادة الإتحاد السوفياتى قيادة خاملة تعتمد على التراجع المستمر أمام الضغوط والتهديد الأمريكى , ويطلقون على فترة برينجنيف في الإتحاد السوفياتى اسم ( الركود العظيم ) بعد أن ظل برينجنيف يموت ويعانى لمدة عشرين عاما !
هذا فضلا على أن الظروف فى الولايات المتحدة كانت فى أرقي حالاتها بالنسبة لإسرائيل لأن المتحكم فى السياسة الخارجية الأمريكية فى ذلك الوقت كان وزير الخارجية اليهودى هنرى كيسنجر أكبر الموالين لإسرائيل فى الولايات المتحدة على الإطلاق , وكان هنرى كيسنجر وقت حرب أكتوبر بالذات يمتلك خطوط الرياسة الأمريكية بعد أن بدأت بوادر فضيحة ( ووتر جيت ) تهز عرش رتشارد نيكسون مما دفع هذا الأخير لإعطاء هنرى كيسنجر كارتا أخضر بالتصرف فى أزمة الشرق الأوسط بما يضمن له دعم اليهود ومعاونتهم فى أزمته

وهذا هو السبب الحقيقي للجسر الجوى المذهل الذى أقامته الولايات المتحدة لإسرائيل أثناء الحرب ولم تكتف بتعويض خسائرها فحسب بل أضافت إلي مخازنها ما أعاد تسليحها بالكامل فضلا على أن مخازن السلاح الأمريكي تم فتحها بأوامر كيسنجر بكامل معداتها حتى تلك التى لم تدخل الخدمة بعد كأسلحة متقدمة ولم يستثن من الأسلحة التى من حق إسرائيل طلبها إلا أسلحة الليزر فقط !
فدعمت الولايات المتحدة إسرائيل بأسراب هائلة من المدرعات الحديثة والطيران الرادع والقنابل التليفزيونية والهيليوكوبتر حاملة الصواريخ المضادة للدبابات وكل هذا بكميات أثارت ثائرة وزارة الدفاع الأمريكية وقتها وحاولت الإعتراض إلا أن نفوذ هنرى كيسنجر أخرس الأصوات المناهضة حتى اهتز الإحتياطى الأمريكى من السلاح !
ولم يكتف كيسنجر بهذا ..
بل زود إسرائيل بالطائرات الأمريكية المتقدمة فانتوم إف 16 ومعها طياروها فى مبادرة ما كانت لتحدث أبدا لو أن الإتحاد السوفياتى كان فى عنفوانه حيث أنه تدخل أمريكى مباشر فى الحرب ,
وهذا مخالف للإتفاقيات المتبادلة بين القوتين العظميين بعدم التدخل المباشر في المعارك الإقليمية التي تناصرها القوى العظمى تفاديا لأى مواجهة نووية بينهما , ورغم ذلك سكت الإتحاد السوفياتى

فكيف بعد هذا كله ينتاب جنرالات إسرائيل وقادتها مثل هذا الشعور المدمر بقرب الإنهيار التام ؟!
وما الذى كان يمكن أن يحدث لو أن الولايات المتحدة اكتفت بإمداد إسرائيل بالسلاح فحسب وبنفس النوعية التى يمد بها الإتحاد السوفياتى لمصر , وهى نوعية ـ رغم تقدمها ـ إلا أنها تعتبر أسلحة متقدمة بالنسبة للدول الصغري وليس فى مواجهة أعتى الأسلحة الأمريكية التى استخدمت إسرائيل بعضها قبل قوات الجيش الأمريكى نفسه !
هذا فضلا على أن مصر خاضت الحرب دون طائرة ردع سوفيتية بعد أن رفض الإتحاد السوفياتى تزويد مصر بها لتمتلك قدرة الرد بضرب العمق الإسرائيلي على النحو الذى اتبعته إسرائيل معنا بطائرات الردع فائقة القوة فانتوم وسكاى هوك

بلا شك أن السبب الحقيقي فى الإنهيار يقبع خلف العامل السحرى الذى لم يأخذ حقه فى الإيضاح بحرب أكتوبر وهو عامل الإيمان التام الذى تمتع به الجندى العربي فى قتاله ودفعه للظهور بهذا الشكل الأسطورى الذى أفقد قادة العدو أعصابهم ودفعهم لتخيل ما هو فوق مخططات القوات المصرية وفوق إمكانياتها التسليحية بمراحل
فالأداء على طول مراحل القتال كان يحقق معادلة لا تختل أبدا ,
هجوم مصري يتمتع بجسارة مذهلة ولا يتراجع مهما كانت الظروف ويفضل الموت فى موقعه على التراجع , فى مواجهة قوات إسرائيلية أصابتها لوثة الخوف من الهتاف المدمر ( الله أكبر ) والأداء الخرافي للجنود المصريين ,
بخلاف التخطيط الشديد الحبكة والذى زاد أثره بالحنكة والبراعة التى أبداها القادة الميدانيون للجيش المصري لمواجهة المواقف الصعبة , وهى الحنكة التى ظهرت أشد ما ظهرت فى أصعب مراحل الحرب عند تطوير الهجوم ومواجهة الإمدادات التى تدفقت على القوات الإسرائيلية لتعود قوتها العسكرية إلى ما قبل الحرب وتتفوق عليه أيضا فى نوعية السلاح

وهذه المزاوجة بين عبقرية الأداء والجسارة المدهشة والتلفح بدروع نداء التكبير ليس غريبا على الجيوش الإسلامية ولا على عقيدتها المبنية على مبدأ أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( احرص على الموت توهب لك الحياة )
ومبدأ خالد بن الوليد الذى خاطب به قائد الروم قائلا ( والله لأبعثن إليك أقواما يحبون الموت .. كما تحبون الحياة )
فهؤلاء لم يكن فى أيديهم إلا السيوف والرماح فى مواجهة مدرعات العصور القديمة المتمثلة فى الفيلة والأزياء العسكرية المصفحة والدروع المعدنية المرعبة فضلا على الأعداد المليونية التى لا تنتهى ,
ومع ذلك سقط الروم فى اليرموك ومصر وسقط الفرس فى القادسية ونهاوند وانهارت مئات الألوف أمام بضعة آلاف لم يكن لهم بضاعة إلا الإيمان والإصرار
وهى ذات البضاعة التى يمكنها تفسير ألغاز أكتوبر بعد أن حارت العقليات البشرية فى تصور إمكانية حدوثها , ومن المستحيل تفسيرها بالمقاييس البشرية لأنها شيئ فوق طبيعة البشر

 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

[SIZE=+0]​
[/SIZE]
[SIZE=+0]​

الوقفة التعبوية ..
[/SIZE]
[SIZE=+0]


نأتى الآن لأول نقاط الخلاف التي تفجرت حول أكتوبر وهى خطوة الوقفة التعبوية التي اتخذها الجيش المصري بعد إتمام الهدف الإستراتيجى الأول للمعركة المتمثل في تحطيم خط بارليف وإنشاء رءوس كباري على القناة وتعميقها في إتجاه سيناء ثم اتخاذ السبل لتوسيعها وتوحيدها وهو ما تم بالفعل وفق الخطة إلى حد مدهش


وبدا كما لو كان الأمر يسري في القتال وفق ما نريده نحن على طول الخط ,



وكانت الخطة تقتضي أن يتم تعزيز القدرات المصرية بعد عبور الجيشين الثانى والثالث وتوحيد الكباري ثم التصدى للهجمات المضادة وإفشالها ,


ويأتى بعد ذلك ـ وفق الخطة بدر ـ تطوير الهجوم نحو المضايق بعد وقفة تعبوية تستكمل معها القوات المصرية تنظيمها والرد على سائر الهجمات المضادة للعدو من موضع قوة وتحت مظلة حائط الصواريخ المصري الشهير ,


واستكمال عبور وحدات الدفاع الجوى المتنقلة لتعمل على حماية قوات التطوير


ولأن المرحلة الثانية من الخطة كانت تقتضي الوصول للمضايق وبالتالى الخروج من نطاق حماية حائط الصواريخ بكل ما يعنيه هذا من تعرض مكثف لهجمات العدو الجوية المتطورة ,


فإن الوقفة التعبوية كانت لازمة لزوما قاطعا حتى تستكمل الفرق تجهيزاتها اللازمة للهجوم وأهم نقطة فيه والتى تتمثل في كتائب الصواريخ المضادة للطائرات المتحركة والمحمولة والتى ستحل بديلا عن حائط الصواريخ ,


بالإضافة إلى جهد القوات الجوية المصرية التي سيكون دورها معاونا لمضادات الطائرات على الأرض ,



وتتمثل نقطة الخلاف التي أشرنا إليها في وجهة النظر التي قالت بأن الوقفة التعبوية لم يكن لها داع من الأصل , كما أنها طالت عن المدة المرسومة ( من 10 إلى 13 أكتوبر ـ ثلاثة أيام )


وأن استثمار هذا النجاح المذهل للجيش المصري في سيناء كان يتمثل في الإسراع بتطوير الهجوم يوم 9 أكتوبر حتى لا نعطى فرصة المبادأة والتقاط الأنفاس للعدو ونستغل حالة الإرتباك القائمة بعد فشل جميع هجماته المضادة ,


وقد أثيرت هذه النقطة بعد الحرب وأحدثت جدلا واسعا بين مختلف الأوساط العسكرية والسياسية وفتحها لأول مرة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في مقالاته في الأهرام وتولى الرد الوافي عليها المشير أحمد إسماعيل في حديثه مع هيكل بجريدة الأهرام بعد الحرب



إلا أنه رغم الردود الوافية للمشير أحمد إسماعيل إلا أن هيكل أعاد التعرض لتلك النقطة في كتابه ( السلاح والسياسة ) وهو الجزء الرابع من مجموعة حرب الثلاثين سنة والذي خصصه لحرب أكتوبر ,


وقد اعتمد في كتابه على صاحب الرأى الرئيسي في خطأ طول الوقفة التعبوية وهو اللواء محمد عبد الغنى الجمسي الذى كان رئيسا لهيئة العمليات في حرب أكتوبر ثم تولى وزارة الدفاع فيما بعد


حيث قام المشير الجمسي ـ رحمه الله ـ بكتابة مذكراته بعنوان ( يوميات حرب أكتوبر ) وذكر فيها وجهة نظره المعارضة لطول الفترة التعبوية حيث أنه فاتح المشير أحمد إسماعيل ـ رحمه الله ـ أثناء العمليات وطلب منه استغلال النجاح لتطوير الهجوم وشرح مبرراته لذلك [1]


والتى ملخصها أن تطوير الهجوم ضرورى لعدم منح الفرصة للعدو تجهيز نفسه ,


وفى الرد على مبررات المشير أحمد إسماعيل بالخوف من تأثير الطيران الإسرائيلي على قواتنا لو تسرعنا بتطوير الهجوم والخروج من مظلة الصواريخ دون وقفة تعبوية توفر الإستعداد التام للتطوير قبل تنفيذه


رد الجمسي بأن فاعلية الطيران الإسرائيلي يمكن شلها إذا حدث الإشتباك المباشر بين قواتنا وقوات العدو حيث أن هذا الإشتباك فى أى معركة يجعل استخدام الطيران من أى طرف أمرا مستحيلا لأن الطرفان المتشابكان سيقعان تحت نفس التأثير



وأضاف هيكل إلى مبررات الجمسي مبررات أخرى من مصادره الشخصية وكانت تحفز تطوير الهجوم مباشرة دون توقف وهذه المبررات تمثلت فى وجهة نظر القيادة السوفياتية لمصر أثناء الحرب حيث أن السفير السوفيتى فى مصر فلاديمير فينوجرادوف التقي بمحمد حسنين هيكل فى السفارة السوفيتية وبرفقته أحد جنرالات السفارة من العاملين بها وأطلعه على خرائط وصور الأقمار الصناعية التى تشرح أوضاع الجبهة وتبين فى وضوح مدهش كل مواقع القوات المصرية والإسرائيلية ومن عرض الصور شرح الخبير السوفيتى أهمية أن يقوم المصريون بتطوير الهجوم لاستغلال حالة الإرتباك الإسرائيلي المستمرة منذ بدء الحرب ,


وعدم منحهم الفرصة ليمتصوا الصدمة ويستعدوا بإعادة التنظيم والتسليح لا سيما وأن الجسر الجوى والبحرى الأمريكى صدر به القرار فى 10 أكتوبر وبدأ التنفيذ الفعلى ,



هذه مجمل الإعتراضات التى أثيرت وهى كما نرى جاءت بصفة أساسية من محمد حسنين هيكل والمشير الجمسي ونقلها مؤيدا لها أيضا اللواء جمال حماد المؤرخ العسكري والذى تبنى وجهة نظر المشير الجمسي فى كتابه ( حرب أكتوبر ـ المعارك على الجبهة المصرية ) واكتفي بمبررات الجمسي دون إضافة ,



ورغم وجاهة هذه الإعتراضات إلا أنها جميعا مردود عليها ,


ونبدأ قبل الرد فى تعريف هوية الوقفة التعبوية ,


فالوقفة التعبوية ليس معناها وقف القتال وليس معناها فترة سكون ـ كما يوحى مسماها ـ بل الوقفة التعبوية تعنى الوقوف عند الخط الذى وصلته القوات المصرية ويبلغ أقصي حد لمدى حائط الصواريخ لتعمل القوات العابرة على تدعيم موقفها من الثبات وتوحيد الجسور وتأمينها ثم القيام بأخطر مهمة وهى صد الهجمات المضادة للعدو من موقف قوة ,


فليس إذا هناك أى وقف للقتال أو النشاط بل على العكس كانت أيام الوقفة التعبوية جميعا من أشرس أيام القتال فى الحرب وتم فيها الهجوم المضاد الثانى على القوات المصرية والذى فشل فشلا ذريعا كما سبق الشرح


بل وبلغت شراسة الهجوم من العدو فى تلك الفترة حدا كبيرا حيث قامت تشكيلات العدو بإعادة الهجوم ضد رءوس الكباري فى محاولة لبث الفوضي بين القوات العابرة , وفشل العدو فشلا ذريعا في ذلك


وتوالى ـ خلال أيام الوقفة ـ هجوم العدو الجوى فى طلعات غزيرة بقصف مستمر وقام بعدة محاولات لتدمير المطارات المصرية على مراحل بعد فشل طريقة الهجوم المركز فى ضربة واحدة على غرار حرب يونيو 67 ,


وبلغت إجمالى طلعات العدو فى الوقفة التعبوية حوالى 1050 طلعة جوية تمكنت قواتنا ـ بفضل الوقفة ـ من إسقاط 41 طائرة نظرا لوجود قواتنا تحت مظلة حائط الصواريخ


فهل يمكن بعد هذا القول بأن الوقفة التعبوية كانت تعنى توقفا سلبيا؟!





الهوامش :


[1]ـ يوميات حرب أكتوبر ـ المشير عبد الغنى الجمسي ـ الهيئة العامة للكتاب
[/SIZE]​
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وعليه فقد كانت مبررات الوقفة التعبوية طبقا لما أبداه اللواء حسن البدرى المؤرخ الرسمى للجيش المصري
مع فريق التأريخ العسكري المكون اللواء طه المجدوب والعميد ضياء الدين زهدى [1] .. هى كالتالى :
أولا :
لم يتوقف العدو لحظة واحدة عن محاولة تصفية رءوس الكباري المصرية وهذا استلزم ضرورة الوقفة التعبوية لإعادة تأمين رءوس الكباري وصد جميع الهجمات المضادة من موقع قوة وتحصين ,
لا سيما إن وضعنا بذهننا أن القوات المصرية تمكنت من ترسيخ مواقعها قبل الوقفة التعبوية التي تم استغلالها في تدعيم موقف القوات وإعادة تنظيمها مما جعلها ترد الهجمات بمنتهى البساطة رغم شراستها , وكبدت العدو خسائر جسيمة في الأفراد والمعدات

ثانيا :
نسي البعض في فورة الحماس لاستمرار الهجوم أن الجيش المصري عبر لتوه مانعا مائيا هو الأقوى في العالم وعبر بإزائه أقوى خط دفاعى تمثل في خط بارليف ثم قاتل في أرض سيناء الوعرة المليئة بالأخاديد والجبال والتى تحتاج مزيدا من جهد التحصين وتعديل مواقف القوات
أى أن الجيش المصري لم يكن بصدد قتال مندفع على أرض منبسطة حتى يمكنه أن يحتفظ بتنظيم قواته كما هو منذ بدء المعركة وحتى مرحلة الوقفة التعبوية , ولا يكون محتاجا للدفاع الثابت بل يندفع مباشرة لإكمال القتال
وبالتالى صار من المحتم تنفيذ الوقفة لإعادة التنظيم وبناء الدفاعات التي تسمح للجيش بالإستعداد لتطوير هجومه واستكمال الإمدادات الإدارية والتموينية
مع ملاحظة أن القوات المصرية كانت تجد الوقت بالكاد لإعادة التنظيم نظرا لشراسة الهجمات المضادة من العدو

ونأتى الآن للرد على مبررات القائلين بتطوير الهجوم من خلال النقاط التالية ,
أولا :
يتم الترجيح بين وجهات النظر العسكرية عن طريق الخبراء الممارسين وقواد الجيوش , وبالنظر إلى الأدلة العلمية التي يستند إليها كل طرف للحكم على وجهات النظر بالصحة والخطأ
وبادئ ذى بدء كانت وجهة النظر القائلة بتطوير الهجوم هى وجهة نظر اللواء الجمسي وحده بين قادة حرب أكتوبر , واللواء الجمسي لا شك أنه الخبير العتيد الذى صاغ مهمة التخطيط على أكمل وجه , لكن هذا لا يعنى العصمة
لا سيما وأن قرار الوقفة التعبوية ورفض تطوير الهجوم مباشرة كان هو الرأى القاطع لوزير الدفاع أحمد إسماعيل ورئيس الأركان الفريق الشاذلى [2] واللواء محمد عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى واللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى , بالإضافة لفريق التأريخ العسكري بقيادة اللواء حسن البدرى
وهؤلاء جميعا ـ لا سيما قائدى الجيش الثانى والثالث ـ أدرى بحقيقة الأوضاع فى الجبهة
بل إن الفريق الشاذلى واللواء سعد مأمون واللواء عبد المنعم واصل ووزير الدفاع كانوا راغبين فى تطويل الوقفة التعبوية عما كان مقررا لها ,
وهو الأمر الذى اتضح عندما رفض اللواء عبد المنعم واصل واللواء سعد مأمون تنفيذ الأوامر بتطوير الهجوم والتى صدرت يوم 12 أكتوبر كى يتم التطوير يوم 13 نظرا لعدم جاهزية الجيوش للتطوير فى ذلك الوقت , [3]
وسافر كل منهما إلى المركز رقم 10 للقيادة لمناقشة الوضع واتضح أن قرار التطوير بذلك التوقيت كان قرارا سياسيا من السادات بهدف تخفيف الضغط على الجبهة السورية ويجب تنفيذه مهما كانت العواقب ولم يستطع قائدا الجيشين أن يوقفا القرار بل حصلوا فقط على تأجيله لمدة أربع وعشرين ساعة ليبدأ فى 14 أكتوبر
وعندما تم تطوير الهجوم قبل استعداد الطيران ووحدت الدفاع الجوى المتنقلة لاقت القوات المصرية خسائر فادحة فى الدبابات لأول مرة منذ قيام الحرب وكان السبب أن الوقفة التعبوية لم تمتد بالقدر الكافي الذى طلبه القادة ,

ثانيا :
استند اللواء الجمسي إلى نظرية تحييد الطيران المعادى عن طريق الإشتباك الفورى الذى سيمنع تمييز الطيران لأهدافه
وهى وجهة نظر تولى الرد عليها الفريق الشاذلى في مذكراته حيث أوضح أن هذا الكلام غير دقيق بالنسبة لأوضاع القوات الفعلية التي كانت تفصلها عن المضايق 20 كيلومترا عارية ستمثل فجوة مع بدء الهجوم الذى سيرصده العدو حتما
وليس متوقعا قطعا أن ينتظر العدو ساكنا حتى وصول المدرعات المصرية إلى مواقعه دون أن يقوم الطيران بواجبه قبل الإشتباك والنتيجة عندئذ ستكون محسومة لصالح الطيران الإسرائيلي حتما بعد خروج القوات المصرية من مظلة الصواريخ
فوجهة نظر اللواء الجمسي كانت ستكون صحيحة لولا فجوة الدفاع الجوى التي كانت ستترك قواتنا في العراء أمام الطيران الإسرائيلي لعشرين كيلومترا قبل أن يصل إلى المدى الكافي للإشتباك بحيث يتم تحييد الطيران

ثالثا :
من أغرب ما صادفته من الكتابات عن حرب أكتوبر في هذا الشأن هو تبنى اللواء جمال حماد والأستاذ هيكل لنظرية تطوير الهجوم مباشرة باعتبار أنه القرار السليم الذى كان يجب تنفيذه يوم 9 أكتوبر
وأن سبب فشل تطوير الهجوم أنه تم في الموعد الخطأ عندما تم تأجيله إلى يوم 14أكتوبر ,
إذ كيف يعترض قادة الجيوش الميدانية على تطوير الهجوم بعد الوقفة وأثناء الإستعداد والتنظيم ولا يعترضون على قرار التطوير إذا جاءهم قبلها بأربعة أيام حيث كان التنظيم منعدما وسط الهجمات المضادة للعدو !
فإذا كانت قواتنا في الشرق لم تتمكن من تدارك التنظيم الكافي للهجوم يوم 14 أكتوبر وكان هذا سبب اعتراض القادة فكيف يكون قرار التطوير صحيحا إذا صدر في 9 أكتوبر ؟!

رابعا :
بنت وجهة نظر القائلين بالتطوير المباشر مبرراتها على ضرورة عدم منح الفرصة للعدو لتنظيم نفسه ,
وهذا القول يمكن استيعابه لو كانت فترة الوقفة التعبوية انتظارا سلبيا ,
بينما كانت الوقفة التعبوية مرحلة اشتعال للمعارك على سائر الخطوط ولم تنقطع فيها الهجمات المضادة أصلا ,
فالقوات المصرية لم تكن ساكنة في تلك الفترة حتى يمكن الحديث عن وقوف سلبي يترك للعدو فترة إصلاح شأنه , فالعدو نفسه كان مكثفا لهجماته مستوعبا لما يواجهه من مقاومة هائلة ,
بالإضافة إلى أن الحديث عن استغلال عنصر المفاجأة حديثا ليس في محله في رابع أيام الحرب !
فالوقفة التعبوية جاءت بعد أن استوعب العدو المفاجأة وانتهى الأمر بل واستوعب خسارة هجماته المضادة وأمكن له ـ بل الوقفة ـ من دفع الإحتياطى اللازم لمواصلة القتال وتعويض خسائره من الإمدادات الأمريكية
كما أن الولايات المتحدة زودت المعدات بقوة بشرية متمثلة في طيارين وقواد مركبات
وكل تلك الظروف تنفي تماما إمكانية وجود فرصة عدم تنظيم لاستغلالها لا سيما وأن المقاومة المصرية كانت تواجه بالفعل قوة رهيبة من الإمدادات بدا معها المصريون كما لو أنهم يحرثون في بحر , وكلما حطموا للعدو دباباته تجددت هذه الأسلحة في نفس الوقت تقريبا !

خامسا :
اعتمد الأستاذ محمد حسنين هيكل في اعتراضه على ما شاهده من السفير السوفياتى وخبيره العسكري من أوضاع القوات يوم 9 أكتوبر
وهو أمر غريب لأن السوفيات كانوا هم أصحاب الحلول المستحيلة قبل الحرب عندما أفتوا بأن خط بارليف يحتاج لقنبلة ذرية تكتيكية لتدميره وأنه لا توجد قوة مناسبة لازاحة الساتر الرملى ,
وهو الأمر الذى أثبت عكسه الجيش المصري بقواده المصريين قلبا وقالبا , ولا شك أن من حطموا النظريات العسكرية السوفياتية أدرى بشئون جبهتهم من السوفيات , وهذا ما أثبته المصريون عمليا ,
أما صور الأقمار الصناعية فقد رد عليها الفريق الشاذلى في تعقيبه على كتاب ( السلاح والسياسة ) لهيكل عندما قال أن صور الأقمار الصناعية يوما بيوم كانت تصل لمركز القيادة الرئيسي ( المركز رقم 10 ) وأن قرارات القتال كان يتخذها القادة وهم يستعينون بأوضاع القوات المبينة في تلك الصور ,
ونفي الشاذلى أن تكون صور الأقمار الصناعية التي طالعها هيكل كانت لأوضاع القوات يوم 9 أكتوبر بل يجزم بأنها كانت صورا للأيام السابقة
وحتى لو كانت الصور التي بنى عليها الخبير السوفياتى وجهة نظره هى فعلا صورة أوضاع القوات يوم 9 أكتوبر ,
فهذا لا يغير من الأمر شيئا
لأن نفس هذه الصور كانت تذهب أولا بأول لقيادة المركز رقم 10 ومع ذلك لم تحفز طاقم القيادة على سرعة تطوير الهجوم
وبالتالى نحن أمام قرارين ,
قرار اتخذه السوفيات بتطوير الهجوم , وقرار آخر اتخذه القادة الميدانيون بالأغلبية الساحقة بعدم التطوير السريع ,
والمقارنة بينهما لا شك أنا لصالح القرار المصري لأنهم هم الذين حققوا ما عجز السوفيات عن حله , بالإضافة إلى أن وقائع الأحداث أثبتت صحة قرار الوقفة التعبوية بلا أدنى شك , وذلك عندما حدث التطوير مبكرا عن الموعد الذى طالب به القواد تسبب ذلك في خسائر الدبابات وفشل التطوير فى محاولته الأولى

سادسا :
أما أخطر ما يتم الرد به في هذا الشأن فهو ما حدث على الجبهة السورية حيث اندفع الجيش السورى بجسارة مذهلة بدبابته ومدرعاته مكتسحا دفاعات العدو أمامه ومحققا لنصر ساحق من أول أيام الحرب
لكن الحماس الزائد للإنطلاق مباشرة والوقوع في إغراء اكتساب الأرض دفعه لقطع الجبهة بطولها مباشرة دون أن يهتم بوجود مظلة الصواريخ
ولهذا فإن الجيش السورى تمكن من تحرير الجولان كلها قبل يوم 9 أكتوبر ,
لكنه دفع ثمن الإندفاع المباشر غاليا عندما استعاد الجيش الإسرائيلي توازنه واستغل أكبر نقطة قوة فيه وهى القوات الجوية وتمكن من رد الهجوم السورى بمثله مع تغطية كاملة من الطيران الرادع ضد القوات السورية التي اندفعت دون حماية الدفاع الجوى ,
فكانت النتيجة أن استعادت إسرائيل هضبة الجولان كاملة واخترقت الأراضي السورية أيضا وهددت العاصمة دمشق حتى تمكن السوريون من دفع الإحتياطى الأخير لديهم مع معاونة من القوات المدرعة العراقية التي انضمت للقتال ومعها لواء مدرعات أردنى بعث به الملك حسين كبديل لعدم فتحه جبهة جديدة من الأردن ,
فإذا تأملنا هذه الوقائع نجد أن القادة المصريين كانوا على حق في التريث الشديد والحذر من الإندفاع وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة من مواقع محصنة أدت فيما بعد إلى أن تنجح القوات المصرية في المحافظة على مكاسبها الرئيسية وعدم الإنسحاب منها رغم المحاولات المستميتة التي بذلها العدو لدفع المصريين للإنسحاب سواء بالهجوم المركز على الجبهة المصرية بعد تثبيت موقف الجبهة السورية أو بمحاولة الإختراق الفاشلة في ثغرة الدفرسوار والتى لم يقع بسببها الجيش المصري في مأزق سحب قواته أو بعضها من الشرق للغرب كما كانت تأمل إسرائيل
وللفصول بقية مع المرحلة الثالثة للحرب
الهوامش

[1]ـ حرب رمضان ـ حسن البدرى وآخرين ـ مصدر سابق

[2]ـ مذكرات الفريق الشاذلى ـ الطبعة العربية
[3] ـ مذكرات الفريق عبد المنعم واصل ـ دار الشروق ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

موضوع أكثر من راااااااااااااااااااائع ودسم جدا ويوجد به تفصيلات دقيقه نعرفها لأول مره وكل تفصيله بها تبين مجهود جبار قامت به جميع أفرع القوات المسلحه والمخابرات المصريه وفعلا حرب العاشر من رمضان بها خبايا كبيره وكثيره لم يتم الأفصاح عنها حتى الأن وكلما تم الأفصاح عن أى شئ منها يظهر لنا عبقرية الجندى المصرى والعربى فعلا
تقبل تقييييييييييمى لك وللموضوع وأتمنى من أخواننا فى الأداره تثبيته فعلا لأنه يستحق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

بارك الله فيك ,
وشكرا جزيلا لتقديرك وإشادتك
وبالفعل كما قلت ,
فإن معجزة أكتوبر ستظل معينا لا ينضب من الحقائق والبطولات ,
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

الجسر الجوى الأمريكى :

رغم أن مسألة الجسر الجوى الأمريكى لإسرائيل أثناء حرب رمضان حازت كثيرا من الشهرة ,
إلا أن تفاصيلها المذهلة لا زالت غائبة عن كثيرين حيث يعتبرون أن الجسر في أعظم تقديراته كان عبارة عن مدد بالسلاح لتعويض الخسائر وما إلى ذلك من المعونة العسكرية ,
ويراها البعض على أنها أمر مطابق لما كان يمده الإتحاد السوفياتى لمصر وإن كانت الولايات المتحدة تمد إسرائيل بأكثر من ذلك

وكل هذا غير صحيح إطلاقا , ولا يرقي للتعبير عن قوة ومدى فداحة الجسر الجوى والمعونة الأمريكية لإسرائيل ,
فبداية وقبل الحرب أمدت الولايات المتحدة إسرائيل بنوعيات متطورة من أقوى الأسلحة على مستوى الجيوش وبالذات من نوعية الطائرات الرادعة والقاذفة التي ظلت مصر ترجو الإتحاد السوفياتى أن يمده بنوعية متطورة منها من طراز ميج فرفض
فالمد الأمريكى التقليدى لإسرائيل كان أضعاف ما يمد به الإتحاد السوفياتى الأطراف العربية ويكفي أن السوفيات لم يمدوا مصر وسوريا بأسلحة هجومية بل كانت كلها أسلحة دفاعية ,
بينما الولايات المتحدة أمدت إسرائيل بكافة الأسلحة الهجومية التي يستخدمها الجيش الأمريكى نفسه , وعلى رأسها طائرات الفانتوم وسكاى هوك المتقدمة بعيدة المدى التي مكنت إسرائيل من ضرب العمق في ثلاث دول عربية !
وكانت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي التي نفذت ضربة 67 عددها فوق 400 طائرة قاذفة ومقاتلة بعيدة المدى استطاعت أن تقوم بتنفيذ الضربة الجوية بكثافة على عمق صعيد مصر والقاهرة
بينما السلاح الجوى المصري ـ ليس في عام 67 ـ بل في عام 73 عندما استكمل قوته الضاربة وأصبح أفضل من عام 67 بمراحل , كان لا يتعدى عدد طائراته 200 طائرة ليس من بينها مقاتلة ردع واحدة !
فالفارق الذى حققته الولايات المتحدة لإسرائيل كان رهيبا على مستوى الكم والكيف في ظل إصرار الولايات المتحدة على أن تكون القوة العسكرية لإسرائيل متفوقة بالضعف على سائر جيرانها
هذا هو المد التقليدى ,

وهو يختلف تماما عن الجسر الجوى الأمريكى أثناء حرب أكتوبر ,
فالجسر الجوى كان إضافة طارئة فوق ما كان يأتى من مدد تقليدى وكان الجسر نتيجة طبيعية لاستغاثة إسرائيل وضمان انتصارها أو على الأقل ضمان بقائها !
فاجتمعت لإسرائيل عوامل التفوق التقليدى مع عوامل تفوق طارئة غير تقليدية مثلها هذا الجسر الجوى وضاعف من قدرتها التسليحية عما كانت عليه قبل الحرب , أى أنه لم يكتف بتعويض الخسائر وحسب

وقصة الجسر الجوى تبدأ وتنتهى عند اسم واحد وهو هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى , اليهودى الديانة المتعصب لإسرائيل ورجلها الأول في الإدارة الأمريكية برياسة نيكسون
وكان من حظ إسرائيل الوافر أن ظروف نيكسون أثناء حرب أكتوبر كانت في أضعف حالاتها حيث كان يواجه شبح فضيحة ووتر جيت والتى دفعته لترك السياسة الخارجية للولايات المتحدة في يد كيسنجر الذى أصبح ـ على حد قول كيسنجر نفسه ـ رئيس الولايات المتحدة فيما يخص السياسة الخارجية , ولم تكن إسرائيل تتمنى أكثر من ذلك

وقد قام هنرى كيسنجر بدور مرعب كاد يورط الولايات المتحدة في مواجهة نووية مع الإتحاد السوفياتى في نهاية أيام الحرب حيث بلغت صفاقة التدخل الأمريكى حدا استفز السوفيات ـ على ضعفهم في ذلك الوقت ـ ومشي هنرى كيسنجر الطريق إلى آخره وأصر على الدعم المباشر بل وأعلن قبوله للتحدى السوفياتى بإعلانه رفع درجة الإستعداد النووى !
وعجز السوفيات بالفعل عن الإستمرار في التحدى بعد أن عجزوا في مجاراة المدد الأمريكى لإسرائيل بالأسلحة فوق التقليدية والتزموا بعدم مد العرب بأى سلاح زائد أو متفوق
ويمكننا القول بإطمئنان أن جولدا مائير أو موشي ديان لو كانا مكان هنرى كيسنجر ما قاما بربع ما قام به في دعم إسرائيل للدرجة التي لم تثر غيظ السوفيات فحسب بل أغاظت حتى بقية رجال الإدارة الأمريكية كوزير الدفاع ورجال البنتاجون الذين اعتبروا ممارسات كيسنجر في دعم إسرائيل جنونا حقيقيا أودى إلى اهتزاز محتوى الإحتياطى الإستراتيجى التسليحى للولايات المتحدة من كثافة وغزارة الممنوح للإسرائليين ,
هذا فضلا على أن كيسنجر لم يتوقف عند حد الكم بل تعداه للكيف بدرجة خطيرة حتى أنه فتح المخازن الرئيسية أمام الطلبات الرئيسية لتختار إسرائيل ما شاءت من أقوى الأسلحة ـ وحتى تلك التي لم تدخل الخدمة بعد ـ ولم يمنع كيسنجر شيئا إلا قنابل الليزر والمخزن النووى !!

ونبدأ القصة من أولها ومن خلال كلمات هنرى كيسنجر نفسه في مذكراته المنشورة تحت إسم ( سنوات الفوران ) حتى يمكننا أن نتخيل ما الذى فعلته الولايات المتحدة مع إسرائيل وكيف أنها بالفعل شاركت إسرائيل في الحرب على كافة مستويات القتال ,
فكيسنجر في مذكراته لم يخف شيئا ,
وهو ما يجعلنا مطمئنين ونحن نقول أن العرب كانوا يحاربون الولايات المتحدة لا إسرائيل في نهايات الحرب وهى الحقيقة التي اعتبرها البعض مبالغة حتى جاءت على لسان الداعم الأول لإسرائيل وبلا حياء !!
وأكدتها القيادات الإسرائيلية مثل ديان وجولدا مائير مما يغنينا عن أى شهادة أخرى في هذا الشأن

 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

والقصة بدأت عندما كان كيسنجر مثل كافة رجال الإدارة الأمريكية والإسرائيلية يثقون في أن مصر لن تحارب وحتى إن غامرت بالحرب فالهزيمة الساحقة ستكون نصيبها بلا ريب !
لهذا فعندما أوقظه مساعدوه على خبر اقتحام المصريين لقناة السويس كان لا زال يعيش في سكرة أفكار ديان ودافيد إليعازر ولهذا اعتبر الهجوم المصري حماقة مؤكدة لن تلبث أن تردها إسرائيل برد يعيد للمصريين عقلهم مع صدمة جديدة أشد من صدمة عام 1967 م ,
لهذا تحدث إلى مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة محمد الزيات وطالبه بأن ينصح القاهرة بإيقاف القتال وعودة الجهات المتحاربة إلى خطوط 5 أكتوبر وأنه لا داعى لتلك الحماقات فإن إسرائيل ستقوم بضربة مضادة خلال ثمان وأربعين ساعة وستكون الضربة قاضية [1]
ولم يعلق السفير المصري واكتفي بالإبتسام وأبلغ كيسنجر أن القاهرة ترفض العرض

ولم تهتز أعصاب كيسنجر لحظة واحدة وظل على ثقته أنه بعد يومين فحسب سيتلقي خبر القضاء على الجيش المصري كله لا مجرد خبر هزيمته على رمال سيناء فى مواجهة الإسرائيليين , بعد أن تتمكن إسرائيل من تنفيذ ضربتها المضادة
ومن الغريب أنه ظل على اعتقاده هذا حتى التاسع من أكتوبر وهو موعد الهجوم المضاد الذى قامت به القوات الإسرائيلية وتوقع له كيسنجر أن يفنى الجيش المصري عن بكرة أبيه
ولم تصله أنباء القتال ولا أنباء الإثنين الإسود فى إسرائيل بعد أن تحطمت المدرعات الإسرائيلية كقشر البيض أمام مشاة القوات المصرية وخسرت إسرائيل من الرجال والعتاد ما لم تره فى أبشع كوابيسها لا سيما بعد مقتل ألبرت ماندلر قائد المدرعات
ولم يجرؤ الإسرائيليون على إيضاح الموقف أمام كيسنجر وأخذهم هول الصدمة حتى أفاقوا وأرسلت جولدا مائير بصفة عاجلة إلى سيمحا دونتز السفير الإسرائيلي فى واشنطن لكى يوقظ كيسنجر من النوم في منتصف الليل ويلح عليه بمتابعة طلبات تسليح فوق المعتاد تحتاجها إسرائيل بصفة عاجلة لخطورة الوضع

واندهش كيسنجر لأن آخر معلوماته من السفير الإسرائيلي أن هجوم المصريين فشل وأن المعركة تحولت لنصر إسرائيلي حاسم فما الذى غير الموقف لهذه الدرجة ؟!
وبدت طلبات السلاح لكيسنجر مستغربة للغاية نظرا لأن المخازن الإسرائيلية مليئة عن آخرها بإحتياطى لا ينفذ كما أن طلبات السلاح المبدئية التى تقدمت بها إسرائيل وتتمثل فى معدات إلكترونية وصواريخ من طراز ( سويندور ) كلها تمت إجابتها ووصلت إلى إسرائيل
أما طلباتهم من ( الفانتوم ـ 4 ) فهى فى الطريق إليهم فما هو وجه العجلة إذا ؟!!

كانت أوهام كيسنجر لا زالت تحكمه حتى أنه لم يستجب لمكالمة السفير الإسرائيلي على نحو جاد وطالبه بالمرور عليه صباحا لمناقشة ما يطلب ,
وبعد مرور ساعة أعاد السفير الإسرائيلي سيمحا دونتز إيقاظ كيسنجر بإلحاح حتى أن كيسنجر رد عليه بغضب بما معناه أن السفير يحاول أن يبدو أمام زوجته قويا ونافذا حتى أنه يستطيع إيقاظ وزير خارجية الولايات المتحدة مرتين !
لكن ومع الإتصال الثالث فى نفس الليلة ومع لهجة السفير التى اكتست بالإنهيار وهو يبلغ كيسنجر أن الأمر لن ينتظر للصباح وأن إسرائيل نفسها قد لا تكون على خريطتها عندما يأتى الصباح !
هنا استيقظ كيسنجر ليستمع للصدمة المهولة التى ألقاها السفير الإسرائيلي فى أذنيه عن خسارة أول أيام القتال وكيف أن إسرائيل فقدت 49 طائرة منها 14 طائرة تم تدميرها على الأرض , وأن خسائرها من الدبابات بلغت 400 دبابة على الجبهة المصرية وحدها وعلى الجبهة السورية بلغت 100 دبابة ,
ليس هذا فقط ..
بل إن معدل الخسائر فى ارتفاع مستمر حتى أن الإحتياطى المخزن من السلاح أوشك على النفاذ بينما العتاد المصري والسورى لم يبلغ معشار الخسارة الإسرائيلية ولا زالت قوتهم المدرعة شبه كاملة وهى تتم العبور إلى الضفة الشرقية !
وطلب السفير من كيسنجر إخفاء هذه المعلومات نظرا لأن الدول العربية التى لم تشارك بعد بالقتال لو علمت بحجم الخسائر ستشترك وتفتح جبهات أخرى فى ظل هذا الوضع المتردى !!

ويستمر كيسنجر فى مذكراته فيصف إجتماعه بالسفير الإسرائيلي دونتز وملحقه العسكري مردخاى جور بأنه كان اجتماعا قلب الموازين حيث أن سرعة حاجة إسرائيل للسلاح تسببت فى إرباكهم فكل إستراتيجية الولايات المتحدة كانت مبنية على أن إسرائيل تستطيع تحقيق نصر سريع أو فى جميع الأحوال تستطيع الصمود !
أما الآن ونظرا لأن الأسلحة الثقيلة تحتاج لأسابيع حتى يمكن أن تدخل فى جبهة القتال فإن هذه الحلول كلها أصبحت هباء منثورا ويجب إيجاد حل سريع وحاسم ينقل السلاح بالسرعة المطلوبة
ويسجل كيسنجر فى مذكراته أن إنتصار العرب بسلاح سوفياتى كان أمرا لا يمكن أن تقبله الولايات المتحدة ولهذا وفور بدء الجسر الجوى يجب أن تقوم إسرائيل بتحقيق الإنتصار ولو على إحدى الجبهتين قبل أن يتمكن الطرفان من تثبيت أقدامهما على حقائق الواقع
واتصلت جولدا مائير بكيسنجر عارضة الحضور إلى الولايات المتحدة لتحفيز نيكسون على الإستجابة السريعة , ورفض كيسنجر إذ أن ابتعادها فى ظل تلك الظروف أمر غير مطلوب وأنه ـ أى كيسنجر ـ سيتخذ اللازم
كما أن الزيارة مهما اتخذوا من التدابير لكتمانها فستتسرب أخبارها لزيد من تعقيد الموقف



الهوامش :
[1]ـ سنوات الفوران ـ مذكرات هنرى كيسنجر ـ الطبعة العربية
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وكان كيسنجر قد غير وجهة نظره في صمود إسرائيل تغييرا نسبيا لكنه ظل على ثقة أنه لو نفذ الجسر الجوى كما يجب فستتمكن إسرائيل من إسترداد ما خسرته وتلقن العرب درسا قاسيا ,
وكان من الواضح أن عدم إحتكاكه المباشر حتى هذه اللحظة بالإسرائيليين منعه من تصور حقيقة الصدمة ومدى ما يتعرض له الإسرائيليون من قتال هذه المرة ,
وهو ما عبر عنه كيسنجر في مذكراته عندما زار إسرائيل بعد ذلك في يوم 22 أكتوبر حيث هاله ما رأى وسجل عدة انطباعات كان مفادها [1] :
( أولا : لقد أحس منذ لحظة وصوله أن صلابة إسرائيل تم اختبارها وأنها على وشك الإنكسار وأن الجميع بمن فيهم الجنود في مطار بن جوريون كانوا متلهفين لوقف إطلاق النار
( هذه النقطة وحدها تكفي للرد على كل المزاعم التي قالت بأن إسرائيل كانت ستحقق النصر لولا وقف إطلاق النار !)
ثانيا : لاحظ أن الجنود الذين تجمعوا في المطار راحوا يصفقون له وقد وصفهم بأنهم كانوا رجالا على حافة كارثة وقد أنهكتهم الحرب ولمعت الدموع في العيون وهم يتصورونه ـ أى كيسنجر ـ منقذا ومخلصا لهم , وأضاف كيسنجر
( إن هؤلاء المساكين كانوا في آخر حدود الإحتمال الإنسانى )
ثالثا : إنه عندما التقي بالقادة الإسرائيليين وبينهم جولدا مائير وكبار الوزراء والقواد العسكريين قد أحس أن التجربة العنيفة التي مروا بها أثرت على ملامحهم وتركيبهم البدنى فبدوا أكبر عمرا وأنهم حاولوا التظاهر أمامه بالثبات إلا أن الإهتزاز كان واضحا له هذه المرة مختلفا عن كل مراحل الثقة السابقة
رابعا : أنه شعر تحت السطح الإسرائيلي بانكسار يصعب إخفاؤه , فهالة الجيش الإسرائيلي الذى لا يقهر جرى تدميرها تماما في أول أيام الحرب ) .. انتهى كلام كيسنجر ,

ولا شك أن هذا الإنطباع أصابه بصدمة لا سيما وأنه كان في الأيام السابقة قد دخل معارك رهيبة لتنفيذ الجسر الجوى بالصورة التي ظهرت وتوقع لها كيسنجر أن تغير معالم الصراع , لكنه فوجئ بالنتيجة
فمنذ أن تلقي كيسنجر في التاسع من أكتوبر تقرير السفير الإسرائيلي عقد اجتماعا لمجموعة العمل الخاصة بالخارجية والبيت الأبيض وكان النقاش يدور حول إن كانت الإمدادات سيتم إرسالها ـ كما هو جار الآن ـ على طائرات شركة العال الإسرائيلية أم أن الأمر يقتضي سرعة وكثافة الإرسال ولو على طائرات أمريكية بجسر جوى مباشر إلى ميدان القتال مباشرة ,
وفى مساء التاسع من أكتوبر أصدر نيكسون قراره بإنشاء الجسر الجوى وكان يتضمن الآتى :
( قررت الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بجميع المعدات والأجهزة الإليكترونية وقطع الغيار المطلوبة ـ عدا قنابل الليزر ـ كما تقرر تزويد إسرائيل بدبابات متقدمة من طراز إم 60 بالإضافة إلى الطائرات من أحدث الطرازات الهجومية فضلا على التزام الولايات المتحدة لإسرائيل بتعويضها المتجدد لكل خسائرها فى القتال )

والمتأمل فى القرار ـ الذى تم تطبيقه وأكثر أيضا ـ يدرك أن إسرائيل فى تلك المرحلة كان لها أن تقامر كما تشاء بالأسلحة فى ظل الضمان الأمريكى لها بالتجديد التلقائي لأى خسارة تلحق فيها ,
ليس هذا فقط ..
بل أصبحت مخازن الجيش الأمريكى مفتوحة الأبواب أمام الأسلحة غير التقليدية التى لم تنزل مسرح القتال من قبل ولم يكن متصورا لها أن تنزل فى ظل توازن القوى العظمى التى يقتصر على تزويد الأطراف المتحاربة بطرازات محددة من الأسلحة لا ترقي إلى أسلحة الجيوش الأمريكية والسوفياتية
وهو الأمر الذى التزم به الإتحاد السوفياتى , بل وبالغ فى التزامه حتى أنه لم يزود العرب بأسلحة هجومية أو دفاعية متطورة يمتلكها بالفعل , بعكس الولايات المتحدة التى تفوقت كما وكيفا فى تحد سافر للإتحاد السوفياتى ضمانا للمعادلة التى أعلنها كيسنجر أن الولايات المتحدة تضمن التفوق الإسرائيلي كما ونوعا فى التسليح على العرب مجتمعين ,
فوق هذا كله ,
كان القرار يقتضي أيضا سرعة الإرسال بجسر جوى وبحرى مباشر يضمن وصول السلاح الأمريكى فى أقصي وقت
وعليه ,
تقرر تزويد إسرائيل بهذا الجسر من مخازن وزارة الدفاع الأمريكية ومن القواعد الأمريكية فى أوربا والبحر المتوسط أيضا لضمان سرعة الوصول , مع استخدام طائرات النقل المدنية الأمريكية والإسرائيلية فضلا على الأسطول البحرى
بالإضافة إلى أن طائرات النقل العسكرية الأمريكية كانت تنقل بعض المعدات المطلوبة إلى جزر الآزور ومنها تأخذها طائرات شركة العال إلى ميدان القتال تقصيرا للوقت ,
أى أن الجسر الجوى والبحرى لم يكتف بطريق واحد أو مجال واحد بل تعددت طرقه ومجالاته بكل جهد استطاعت الولايات المتحدة أن تحققه باستخدام الطائرات العسكرية الأمريكية وسفن النقل البحرى بالإضافة إلى معاونة طائرات العال وتقصير المسافة عليها ,
مع استخدام الإحتياطى الإستراتيجى فى القواعد الأمريكية فى أوربا لقربها من ميدان القتال !
وابتداء من العاشر من أكتوبر استمر الجسر الجوى والبحرى بشكل بلغ من الكثافة حدا أنه لم تمر ساعة واحدة من هذا اليوم وحتى نهاية لقتال إلا وهناك أطنان من الأسلحة تدفعها السفن أو الطائرات إلى العريش مباشرة لتنزل إلى ميدان القتال سريعا بعد وضع العلامات الإسرائيلية عليها وأحيانا نزلت بعض الدبابات دون الشعار الإسرائيلي أصلا !
ومن خلال الغنائم التى غنمتها القوات المصرية وقعت بعض دبابات العدو وهى جديدة لامعة وعداد الكيلومترات لم يسجل إلا المسافة من العريش إلى ميدان القتال فحسب !!

ومن خلال تقرير مراقب الحكومة الأمريكية فى لجنة الإحصائيات العسكرية بخصوص الجسر الجوى لإسرائيل أثناء حرب أكتوبر .. ننقل بعض فقرات هذا الجسر لنتعرف مداه [2] :
أولا : استخدم الجسر الجوى الأمريكى لإسرائيل خلال 33 يوما كاملة , حوالى 228 طائرة متفاوتة السعة من طرازات س 5 وس 141 فائقة الحمولة ,
ثانيا : نفذت هذه الطائرات 569 طلعة جوية نقلت 23 ألف طن من الإحتياجات العسكرية
ثالثا : قامت الطائرات الإسرائيلية المشاركة في الجسر الجوى بنقل 5500 طن أخرى من المعدات
رابعا : أما المعدات الثقيلة فقد تكفل بها الجسر البحرى الذى نقل 74 % من الإحتياجات , وبلغت ضخامة الجسر البحرى حدا أن أول سفينة وصلت لإسرائيل كانت حمولتها وحدها 34 ألف طن من المعدات !
خامسا : تكلف الجسر الجوى والبحرى لمصاريف النقل فقط حوالى 88.5 مليون دولار بخلاف ثمن المعدات
سادسا : كانت أبرز مراحل المجهود للجسر الجوى وأكثرها تركيزا في الفترة من 14 إلى 22 أكتوبر وهى المرحلة التي طور فيها المصريون هجومهم نحو المضايق ليفاجئهم السلاح الأمريكى الجديد والذي عطل كثيرا من تقدمهم

وكما سبق القول ,
لم تكن خطورة الجسر الجوى المستمر في ضخامته الهائلة بل أيضا في نوعياته التي اشتملت على أسراب كاملة من الطائرات الفانتوم وسكاى هوك والهليوكوبتر والدبابات المتطورة , فضلا على أعداد مماثلة من أسلحة لم يسبق لإسرائيل الحصول عليها مثل القنابل التليفزيونية المتطورة وقنابل ( جو / أرض ) ونظم كاملة للدفاع الجوى من طراز فولكان وشابرال ,
هذا فضلا على سلاح من أخطر أسلحة الحرب وهو صواريخ من طراز تاو المضاد للدبابات والمحمول على هيلوكوبتر والذي يعتبر أفتك سلاح حربي ضد الدبابات والمدرعات فضلا على أنواع جديدة من المدفعية بعيدة المدى وطائرات النقل والإبرار الجوى وأجهزة التشويش والتصنت ,
وختمت الولايات المتحدة جسرها الجوى بطائرات كانت تصل بطياريها جاهزة للقتال الفورى ,
فضلا على وضع الولايات المتحدة طائراتها المخصصة للتجسس ( طائرات بدون طيار وتسير بثلاثة أمثال سرعة الصوت وهى من طراز إس آر 71) لخدمة إسرائيل وقامت هذه الطائرات بمسح الجبهة شمالا وجنوبا بأمان تام وتصويرها بدقة شديدة تكفل لإسرائيل بناء خططها المضادة على حقائق الأمر الواقع دون حاجة لفرق إستطلاع أو مخاطرة أو فرصة خطأ ولو بنسبة 1 %
وقد حاولت وسائل الدفاع الجوى المصري التصدى لهذه الطائرات إلا أنها لم تنجح بالطبع لأن مدى ارتفاعها وسرعتها المهولة كانت فوق ضعف قدرة الصواريخ المصرية
وكانت خدمات طائرات التجسس والأقمار الصناعية هى السبب الرئيسي الذى تمكنت به إسرائيل من كشف نقطة الإختراق عند الدفرسوار فيما بعد
وبينما كانت القيادة المصرية في المركز رقم 10 تستعد لتطوير الهجوم نحو المضايق بلغتها أنباء طائرة التجسس التي مسحت الجبهة بأكملها , وتساءل القادة عن سر عدم إسقاطها فأجاب قائد الدفاع الجوى أن مدى صواريخنا لا يطولها بأى حال !
فصمت القادة والضيق يملأ نفوسهم لأن جميع خطط الحشد المصري واستعداده القتالى فضلا على توزيع قواتنا , كل هذا أصبح كتابا مفتوحا أمام إسرائيل[3]
هذا في ظل إمكانيات الجيش المصري العادية التي كانت ـ رغم تطور بعض أنواعها ـ قاصرة أصلا عن التسليح الإسرائيلي حجما ونوعية , فما بالنا بما أصبح عليه الميزان العسكري بعد هذا التفوق الإضافي في الجسر الجوى والذي نزلت به أسلحة متقدمة توفر القدرة البشرية لإسرائيل إلى أقصي مدى وتضمن لها تفوقا نوعيا في تركيز السلاح وضرباته ,
وبينما كانت المعدات الإسرائيلية يجرى تعويضها خلال ساعات من تدميرها كان الجيش المصري يقاتل باحتياطيه الإستراتيجى ولم تصل الإمدادات إلا في نهايات الحرب , وحتى هذه الإمدادات اقتصرت على بضع مئات من الدبابات في ظل نفس النوعية السابقة دون أن يورد الإتحاد السوفياتى تعويضا للخسائر المصرية كما هو الحال مع إسرائيل , فضلا على امتناعه التام عن مد مصر بأى سلاح إضافي يمكنها من مواجهة الأسلحة الجديدة من صواريخ تاو أو القنابل التليفزيونية أو غيرها

لكن ورغم كل هذا التفوق الكمى والنوعى والبشري الذى مال لإسرائيل فقد استمرت الإنتصارات المصرية تمنع إسرائيل من أى تقدم أو هدف ملموس ولم تنجح في زحزحة القوات المصرية شبرا واحدا للخلف , كما سنرى





الهوامش
[1] ـ مذكرات هنرى كيسنجر ـ الجزء الثانى
[2] ـ مذكرات اللواء الجمسي ـ مصدر سابق ـ نقلا عن التقرير الأمريكى
[3]ـ مذكرات اللواء الجمسي ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

المرحلة الثالثة من الحرب :



تعتبر هذه المرحلة من الحرب أيضا ضمن المراحل التي جرى فيها جدل كبير بين العسكريين والسياسيين , ليس على مستوى العالم الخارجى بقدر ما هو في إطار العالم العربي تحديدا ,
وهذا أمر طبيعى لأن العالم العربي في العادة تحكمه الميول والأهواء ـ إلا فيما ندر ـ بينما عالج المحللون الغربيون مراحل الحرب كلها بشيئ كبير من الحيادية
والنزاعات السياسية والإختلاف مع الأنظمة الحاكمة كانت السبب الأقوى في انتشار بعض وجهات النظر الخاطئة , وعدم الإنصاف في التقدير لا سيما في ظل اعتراف العدو نفسه بمدى التفوق الذى حققته القوات المصرية ,
فهذه النزاعات السياسية وقفت خلف كثير من الإنتقادات المصطنعة التي لم يكن لها أثر في كتابات العدو أو اعترافاته , ولو صحت لكانت انتصارات يجب أن يفخر العدو بها !
فليس معقولا أن يترك العدو أمرا يري فيه انتصارا له ويسقطه من حساباته لا سيما في ظل الصدمة التي تلقاها
ولهذا بدا غريبا جدا أن يتحدث البعض عن فرص ضائعة فى حرب أكتوبر وعن قرارات حملت بعض النجاح للإسرائيليين بينما الإسرائيليون أنفسهم رأوا فى نفس تلك النقاط هزائم مروعة لهم !
ولست أدرى ما الذى يمكن أن نطالب به القوات المصرية أكثر مما حققته فعلا , بعد أن انتصرت انتصارا ساحقا فى 51 معركة من مجموع معارك الحرب البالغ عددها 64 معركة ( والمعركة هى التى تشارك فيها قوات لواء أو أكثر من كل جانب ) وتمكنت القوات المصرية من السيطرة والإحتفاظ على رقعة أرض بطول 185 كيلومترا وبعمق 15 كيلومترا



وهناك أيضا سبب آخر غير سوء النية الكامن وراء الخلافات السياسية , سبب يكمن في حسن النوايا ,
ذلك أن بعض المحللين ممن انتقدوا مرحلة تطوير الهجوم المصري نحو الشرق والذي بدأ في 14 أكتوبر وبالغوا في عرضه وانتقاده كما بالغوا فى انتقاد الوقفة التعبوية وغيرها
وقعوا تحت تأثير مخالف للمنطق الواقعى ,
ذلك أنهم ـ من مكاتبهم ـ أصدروا الأحكام وأبرزوا الأخطاء متناسين أنهم يحكمون الآن على واقعة اتضح ـ بعد مرور السنوات ـ كل شيئ حولها وتوافرت المعلومات بشكل مكثف فضلا على أنهم يصدرون الحكم من موقع الأريحية لا من موقع القتال حيث يكون مطلوبا من القيادة العسكرية سرعة اتخاذ القرار في أقل مدى معلوماتى ممكن وأقصر وقت متاح ,
فكان يجب على المنتقدين أن يراعوا تلك النقطة الجوهرية فضلا على مراعاة نقطة أكثر جوهرية وهى أن الحكم على واقعة معينة بالخطأ أو الصواب إنما يكون في إطار نسبة الخطأ البشري التقليدى
فلو كانت الأخطاء من هذا النوع فهى ليست أخطاء لأنه ما من عمل إنسانى في الوجود يمكنه أن يحرز النجاح بنسبة مائة في المائة على طول الخط ,
وإنما يمكننا انتقاد الأخطاء إذا كانت من الفداحة بحيث أن تلافيها كان ممكنا وواقعا , ومدى فداحتها يفوق كثيرا ما يمكن احتماله كخطأ له تبريره المنطقي
فمثلا حشد القوات المصرية في حرب يونيو لمجرد صنع مظاهرة عسكرية إعلامية دون نية جدية في القتال هو خطأ أو خطيئة لا يمكن قبول التبرير فيها أيا كانت الدوافع ,
أما الخطأ الذى يقع من أى قيادة في شأن معركة من معارك الحرب الناجحة كحرب أكتوبر فهى أخطاء محتملة ومبررة
وبالطبع ليس معنى هذا عدم الإشارة إلى الأخطاء بشتى أنواعها , ولكن الإشارة إلى الأخطاء والقرارات الأصوب التي كان من الممكن اتخاذها شيئ , والمبالغة في تقدير حجم الأخطاء شيئ آخر
فذكر الأخطاء والسلبيات تذكرة واجبة , أما المبالغة فيها فيدخل في باب التجنى
ولكن حماسة النجاح المبهر الذى تحقق في الأيام الأولى للقتال خلال المرحلة الأولى والثانية دفعت البعض من المحللين إلى اعتبار مستوى النجاح فقط على هذا المستوى وعدم الاعتداد بأى نجاح جزئي بل اعتبار النجاح الجزئي فشلا ذريعا !



هذا بالضبط ما حكم نفسية المحللين الذى تعرضوا بالنقد القاس لمرحلة تطوير الهجوم نحو الشرق فقد أرادوها عملية مبهرة فائقة النجاح على نفس مستوى الأيام الأولى للقتال ولهذا اعتبروها عملية فاشلة رغم أن مقاييس الأرباح والخسائر ومدى تحقق الهدف الإستراتيجى من التطوير كان يميل لصالحنا على العدو ,
ولكن لأن الخسائر المصرية برزت في تلك الفترة ـ وإن كانت أقل من خسائر العدو قطعا ـ فقد اعتبرها المحللون المنتقدون خطوة غير ناجحة لأن نجاحها الجزئي لم يقنعهم , رغم أنه قوات العدو المدرعة كانت تتفوق علينا بمقدار الضعف
وهذا لا شك أنه ظلم فادح للقادة المشاركين والجنود المجاهدين إذ أنه ليس مطلوبا منهم أن يحققوا المستحيل عدة مرات على امتداد أيام الحرب !
فقد كانت انجازات أيام القتال الأولى تعدت حاجز المستحيل عندما تمت بخسائر لا تتعدى 2 % بينما المعدل الذى كان متوقعا يبلغ 40%
أى أن قواتنا لو حققت ما حققته في الأيام الأولى بمعدل خسائر 40 % في الأفراد والمعدات لتم اعتبار ذلك نجاحا تاما وتحقيقا للهدف الإستراتيجى الأول بعبور القناة وتحطيم خط بارليف
فما بالنا وقد تجاوزا القدرة البشرية فحققوه بمعدلات خسائر 2 % فقط
فكيف يمكن أن نلقي عليهم باللائمة في المراحل المتقدمة من القتال لو ارتفع معدل الخسائر إلى معدله الطبيعى المتوقع وفى ظل تحقيق الأهداف الإستراتيجية المطلوبة ! ؟!



ولم يكن معدل الخسائر الذى ارتفع على نحوه الطبيعى المتوقع ذنبا للمقاتلين , بل كانت الظروف في القتال قد تغيرت بعد نزول الأسلحة الأمريكية الجديدة التي تم استقدامها خصيصا لمواجهة عناصر القوة التي تميز بها المصريون في بداية القتال
وأهمها تفوقهم الرهيب في قتال المدرعات وحسن استخدامهم للمشاة حاملى صواريخ آر بي جى
فنزلت صواريخ تاو الأمريكية للساحة والتى تتفوق بمراحل على صواريخ آر بي جى ولا تحتاج التصويب والمعاملة اليدوية التي تحتاجها الصواريخ السوفيتية المحمولة ,
فكان من الطبيعى أن يرتفع معدل خسائر الدبابات المصرية ويقل مستوى أداء الأفراد بعد استخدام الإسرائيليين للدبابات الحديثة الطراز المزودة بأضواء الزينون المجهزة لإغشاء بصر المقاتلين المصريين ومنعهم من حسن التصويب
فنجح هذا الأسلوب في تخفيف قدرة المقاتلين على صيد الدبابات كما كان الحال أول أيام الحرب لأن صواريخ آر بي جى ومولوتكا تحتاج من المقاتل دقة تصويب عالية حتى يمكنه تعطيل دبابة العدو ولابد له أن يصيب الجنزير مباشرة أو يصيب برج الدبابة ولو أصاب أى جزء آخر فلن تتوقف الدبابة ,
بعكس صواريخ تاو الموجهة إليكترونيا التي كان بإمكانها حصد الدبابات حصدا ,
ورغم كل ما حدث فلم تزد خسائر الدبابات المصرية في مرحلة تطوير الهجوم عن 250 دبابة فقط خسر العدو أمامها ـ رغم التفوق التكنولوجى ــ ما يزيد عليها فضلا على أنه خسر 400 دبابة كاملة في يوم واحد أثناء توجيهه للهجوم المضاد الفاشل السابق الحديث عنه ,
فبلا شك أن معدل الخسائر هنا مقبولا بل ممتازا في ظل هذا التفوق النوعى الرادع وفى ظل استعداد العدو لأسلوب المقاتل المصري واتخاذه التدابير لمواجهته بعد أن أصبحت له خبرة بهذا الأسلوب خلال أيام الحرب الأولى ,

هذا من ناحية معدل الأرباح والخسائر ,
ومن ناحية تحقيق الهدف الإستراتيجى من عملية تطوير الهجوم فقد تحقق إلى حد كبير
لأن التطوير الذى تم تنفيذه لم يكن الهدف منه هو هدف الخطة باحتلال المضايق بل كان عملية سريعة لتخفيف الضغط على الجبهة السورية وهو ما تم بالفعل بعد أن قام العدو بتوجيه قوته الجوية الضاربة للجبهة المصرية ,
هذا مع تسليمنا الكامل أن قرار تطوير الهجوم بالطريقة المتعجلة التي تم بها لم يكن من الأصوب فعله ,
إلا أنه أيضا لا يمثل تراجعا أو تدنيا في المستوى والدليل على ذلك أن الهدف النهائي للحرب تم كاملا وحافظت مصر على مكاسبها من القتال حفاظا تاما واستردت سيناء عن طريق إلحاق العمل السياسي بالجهد العسكري الذى تحقق على الأرض , وكانت أرض سيناء هى الأرض الوحيدة التي دخلتها إسرائيل ثم انسحبت منها كاملة
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

خطة تطوير الهجوم وأسبابها :


كانت الخطة المعدة الأساسية لتطوير الهجوم باعتبارها المرحلة الثانية من الخطة بدر , تقتضي عددا من الضوابط التي غابت عن التنفيذ الفعلى لهذا التطوير ,
فبعكس المرحلة الأولى التي جرى فيها التطبيق مطابقا تماما للخطة الموضوعة وبحرفية بالغة , فقد تعرضت خطة التطوير لتعديلات جوهرية أملتها ظروف القتال السياسية مما كان له أثر كبير في تعطيلها ,
وبدأت الأحداث يوم 12 أكتوبر عندما فاتح المشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع المصري رئيس أركانه الفريق الشاذلى في أمر تطوير الهجوم نحو الشرق ,
واعترض الفريق سعد الشاذلى ـ وكان له حق في اعتراضه ـ باعتبار التوقيت الغير المناسب الذى يطلبه الوزير حيث لم تستكمل قواتنا بعد استعدادها لتنفيذ التطوير وفق توافر عناصر نجاح الخطة والتى كان أهمها ضمان الحماية الجوية للقوات خارج حائط الصواريخ المصري عن طريق تأمين القوات بالدفاع الجوى المتحرك ,
كذلك لم تكن معلومات الإستطلاع كافية عن مواقع العدو ولم تتوافر أى صور جوية لجبهة القتال وهو ما يعنى أن تقدم القوات سيكون نحو المجهول , فى مواجهة عدو يمتلك كافة المعلومات

وفى اليوم التالى ـ ورغم اقتناع الوزير بوجهة نظر رئيس الأركان ـ إلا أنه عاد ففاتحه في نفس الموضوع وأبلغه أنها تعليمات سياسية بضرورة التطوير لتخفيف الضغط على الجبهة السورية التي كانت تعانى من تركيز في طيران العدو سبب لها خسائر ضخمة ,
ففي تلك المرحلة وجهت القيادة السورية رسائل عاجلة متواصلة عن طريق اللواء بهى الدين نوفل رئيس الأركان للقوات المشتركة كى تقوم مصر بتطوير الهجوم الشرق بأسرع ما يمكن كى تخفف الضغط على السوريين ,
وتحت هذا العامل الحساس لم يستطع الرئيس السادات أن يطلب مزيدا من الوقت فأصدر قراره السياسي الإلزامى للقوات المسلحة أن تقوم بتطوير عملياتها نحو الشرق يوم 13 أكتوبر ,
وكان اعتراض الشاذلى مبنيا على الخط الإستراتيجى الذى تقرر في مؤتمر الدفاع العربي المشترك عام 1971 م عندما أعلن وبوضوح أن مصر وسوريا إذا دخلا الحرب معا فلن يكون باستطاعة أحدهما أن تخفف الضغط عن الأخرى إذا تطلب الموقف ذلك الأمر , وأنه يجب عمل الحسابات على ذلك الأساس ,
فسوريا لا تستطيع تخفيف الضغط على مصر لأنها لن تستطيع أن تعبئ في مواجهة العدو طاقة أكبر من إمكانياتها ومصر لن تستطيع لأن الخروج من حائط الصواريخ أمام طيران متفوق للعدو لن يخفف الضغط
وقد اقتنع المؤتمر العسكري العربي بهذا الأمر في وقته [1]
ويضاف على ذلك حقيقة هامة للغاية كان الشاذلى يؤيد بها موقفه وهى أن العدو يحشد أمام الجيش المصري 8 ألوية مدرعة كاملة بينما يحشد على الجبهة السورية ست ألوية مدرعة ,
وليس متصورا أصلا أن يقوم العدو بسحب أى لواء مدرع من الجبهة السورية للمصرية لأنه لا يحتاج ذلك مهما كان ضغط المصريين لأن قوة الجيش المصري المواجه كانت أربعة ألوية مدرعة فقط أى أن العدو يتفوق عليه بالضعف ولا يحتاج أى إضافة ,
( ولفائدة القارئ فإن أمر تفوق العدو في المدرعات لم يقتصر فقط على أنه يحشد أمام المصريين 8 ألوية في مواجهة أربعة ألوية بل إن التفوق العددى يميل للعدو أكثر لأن اللواء المدرع العربي قوته 90 دبابة فقط بينما اللواء المدرع الإسرائيلي قوته 120 دبابة )
فأى تخفيف يتوقعه السادات من جراء تطوير الهجوم في هذه الحالة ؟!

غير أن وجهة نظر السادات كانت تستند إلى أن القوة التي يهدف لسحبها من العدو هى القوة الجوية حيث يهدف إلى جذب القوة الجوية للعدو إلى الجبهة المصرية لأن طيران العدو كان السبب الرئيسي في الخسائر الجسيمة التي تلقتها القوات السورية
بعد اندفاعها وخروجها من نطاق حائط الصواريخ ,
وتحت ضغط الأمر الواقع قام الفريق الشاذلى بإصدار الأوامر بإتمام أمر الهجوم صباح يوم 13 أكتوبر ,
وقام اللواء محمد غنيم بحمل التعليمات إلى قائد الجيش الثانى اللواء سعد مأمون , وقام اللواء طه المجدوب بحمل التعليمات إلى اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث ,
ودون ترتيب مسبق اتصل قائدا الجيشين وفى نفس الوقت تقريبا بالفريق الشاذلى معترضين على تنفيذ الأوامر بتطوير الهجوم بنبرة غاضبة مستنكرة لعدم جاهزية القوات في هذا الوقت ,
وإثر اعتراض قادة الجيوش تقرر أن يتم استدعاء قائدى الجيشين إلى المركز رقم 10 للوصول إلى حل , في ضوء سماع اعتراضاتهما المبنية على موقف الجيوش ميدانيا ,


الهوامش :
[1]ـ برنامج شاهد على العصر ـ شهادة الفريق الشاذلى ـ تقديم أحمد منصور ـ قناة الجزيرة
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وتلخصت اعتراضات قائدى الجيشين في نفس المبررات التي سبق أن اعترض بها الشاذلى وأضافوا إليها صورة الموقف الميدانى المتمثلة فيما يلي :
أولا : العدو حشد ثمانية ألوية مدرعة بقوة 800 دبابة في مواجهة أربعة ألوية مصرية 400 دبابة فقط
ثانيا : الإفتقار الشديد للمعلومات حول مواقع العدو والتى لا غنى عنها لتنفيذ أى هجوم ناجح حيث أن عناصر الإستطلاع المصرية التي كان لها دور كبير في عمليات صد الهجوم قام الإسرائيليون باكتشاف أماكنهم والتخلص منهم بعد أن رصدوا وجودهم نتيجة دقة المدفعية المصرية في إصابة أهدافها مما استنتج معه العدو ضرورة وجود عناصر توجيه
ثالثا : لدى العدو رصد كامل وصور دقيقة عن أوضاع القوات المصرية بسبب طائرات التجسس التي عبرت فوق الجبهة واستكمل بها العدو معلوماته
رابعا : عدم جاهزية سلاح الطيران المصري لحماية القوات المتقدمة والتى ستخرج من نطاق حائط الصواريخ المصري والذي وقف سابقا خلف نجاح قواتنا خلال الفترة السابقة بعد أن تم تحييد الطيران الإسرائيلي ,
خامسا : عدم جاهزية كتائب الدفاع الجوى المحمولة لأخذ أماكنها لتحل محل حائط الصواريخ لأن هذه الكتائب في حاجة لمزيد من الوقت كى يتم تنظيمها ودفعها , وطلب تطوير الهجوم في التوقيت الحالى لا يفي أبدا بالوقت المناسب ,

وأصر السادات على موقفه ولم يستجب للقادة إلا بشكل جزئي عندما قام بتأجيل الهجوم من 13 أكتوبر إلى 14 أكتوبر أى لمدة أربع وعشرين ساعة فقط في أول تدخل سياسي في سير المعارك الحربية مما كان له الأثر السلبي بكل تأكيد على التفوق الكاسح الذى تمت به مراحل الحرب الأولى دون تدخل ,

وكانت الخطة التي تم إعدادها بغرض جذب المجهود الجوى للعدو إلى الجبهة المصرية تتمثل في أن يتم التطوير اعتبارا من أول ضوء يوم 14 أكتوبر ( أول ضوء وآخر ضوء تعبيرات عسكرية تفيد الغروب والشروق وتحديد القتال النهارى والليلي ) على أن يسبقه تمهيد بالمدفعية لمدة 15 دقيقة مع ضربة جوية مركزة ضد الأهداف المعادية في العمق ,[1]
بينما تركز قوات الدفاع الجوى مجهودها في تأمين قوات الإشتباك في اندفاعها إلى المحاور الأربع الرئيسية للهجوم , وهى :
محور ممر متلا : لواء مدرع من الفرقة 4 المدرعة للإستيلاء على الممر الغربي وتأمينه , وتعاونه كتيبة مشاة ميكانيكى من الفرقة 6 مشاة ميكانيكى تعمل كمفرزة أمامية ( المفرزة هى قوات متقدمة كدفعة أولى للهجوم )
محور ممر الجدى : لواء مشاة ميكانيكى من الفرقة 7 مشاة يتقدم شرقا بمعاونة اللواء 25 مدرع مستقل ( اللواء المستقل هو اللواء الذى لا يتبع فى قيادته فرقة معينة بل يتم تكليفه بمهام منفردا أو ملحقا بإحدى الفرق عند الحاجة )
محور الطاسة : ونظرا لخطورة هذا المحور باعتباره أكثر المحاور حيوية بالنسبة لقوات العدو فقد تقرر له فرقة كاملة مدرعة هى الفرقة 21 مدرعة
محور بالوظة : اللواء 15 مدرع المستقل

غير أن تطبيق الخطة شابه بعض القصور نتيجة العجلة ,
وسنتعرض لإحدى معارك التطوير كمثال على بقية المعارك وهى معركة اللواء 3 المدرع , فقد تمت جميعها بنفس الكيفية من الهجوم وجذب المجهود ثم الإرتداد لرءوس الكباري
ففي البداية لم يتمكن اللواء من الإستفادة بالضربة الجوية المعاونة له لعدم جاهزية الطيران
فضلا على ذلك أن اللواء 3 المدرع لم يستطع أن يحصل على وحدات الدعم المخصصة له مثل سرية المقذوفات المضادة للدبابات وسرية مدفعية 57 مم مضادة للطائرات وفصيلة مهندسين عسكريين ,
مما اضطره إلى أن يقوم بالهجوم بدون هذه الوحدات , واكتفي بالتمهيد النيرانى بالمدفعية لمدة 15 دقيقة , لم يكن لها أثر كاف أو قوى نتيجة لأن ضرب المدفعية تم بطريقة الضرب الحسابي لعدم وجود عناصر توجيه فى المقدمة تكفل للمدفعية تصحيح أهدافها لتدخل فى نطاق التأثير ,
ورغم هذا فقد نجح اللواء 3 المدرع فى تحقيق المفاجأة الوحيدة فى خطة تطوير الهجوم ـ حيث أن الخطة بأكملها كانت مكشوفة للعدو كما سبق القول ـ وذلك أنه عندما بدأ اللواء المدرع طريقه إلى هدفه لم يأت بالطريق المتوقع للعدو وقام بحركة التفاف للإفلات من الستائر المضادة للدبابات التى نشرها العدو أمام مواقعه ,
فاتجه اللواء المدرع محاذيا للجناح الأيسر للعدو من خلال وادى مبعوق ووادى المر ووصل إلى أبعد عمق بلغته وحدة مصرية فى حرب أكتوبر حيث وصل إلى الكيلو 25 فى عمق سيناء ,
وقد اعترفت المراجع الإسرائيلية أن المفاجأة الوحيدة التى جرت فى تطوير الهجوم المصري كانت طريقة الهجوم التى اتبعها اللواء 3 المدرع

وبدأت اشتباكات اللواء عندما تعرض لقصف الطيران المكثف بالإضافة لصواريخ إس إس 11 المضادة للدبابات ورغم الخسائر التى منى بها اللواء فقد استطاع الصمود واحتلال خطوط فتح مناسبة واشتبك بشدة مع قوات العدو ودمر له 13 دبابة , وخسر اللواء مجموعة مدفعيته نتيجة للقصف الجوى واستشهد فى المعركة قائد اللواء العقيد نور الدين عبد العزيز وتولى رئيس أركان اللواء المسئولية ونجح اللواء فى تأمين الخط المكتسب وطلب تدعيمه لاستكمال الهجوم نحو ممر متلا
وبعد أن أتم اللواء مهمته ونظرا للسيطرة الجوية للعدو وعدم وجود مدفعية مضادة صدر أمر قائد الجيش الثالث بارتداد اللواء إلى منطقة رأس الكوبري وتم ارتدادها إلى رأس كوبري الفرقة 19 مشاة دون خسائر إضافية , لتتم عملية إعادة كفاءة اللواء وتجديد خسائره بسرعة ,
وبمثل هذا النسق من الهجوم واستنزاف قوات العدو والإرتداد إلى رءوس الكباري تمت عملية التطوير على بقية نطاق الجيش الثالث ثم الجيش الثانى وساعدتها هذه المرة طلعات الطيران المركزة بعد إتمام استعدادها بالإضافة إلى قوة المدفعية المتمثلة فى 500 مدفع ضد أهداف العمق للعدو[2]



الهوامش :
[1]ـ المعارك الحربية على الجبهة المصرية ـ جمال حماد ـ مصدر سابق
[2]ـ حرب رمضان ـ اللواء حسن البدرى وآخرون ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وفى أول أيام التطوير وقبل وصول النتائج حدثت مفاجأة غير سارة فى نطاق الجيش الثانى إذ أصيب اللواء سعد مأمون بأزمة قلبية مفاجئة نتيجة المجهود الخرافي المبذول وتولى مكانه اللواء تيسير العقاد رئيس أركان الجيش الثانى ثم تولى بعده بأيام اللواء عبد المنعم خليل مما كان له أثر سلبي فى كفاءة المتابعة نظرا لخبرة اللواء سعد مأمون فى أوضاع جيشه , ولم يكن هناك بد من تغيير القيادة للحالة الحرجة التى مر بها قائد الجيش واستدعت إخلاءه إلى مستشفي القصاصين ثم إلى مستشفي المعادى العسكري بالقاهرة رغم الإلحاح والإصرار الذى قام به اللواء سعد مأمون حتى لا يتم إخلاؤه ,
وهى فدائية عظيمة ضرب بها هذا القائد مثلا فى الإخلاص والبطولة ,
ويجدر بنا هنا أن نؤكد أن ما تردد حول أسباب الأزمة التى ألمت باللواء سعد مأمون غير صحيح , حيث تناولت بعض الأخبار أنه أصيب بالأزمة نتيجة فشل التطوير وهذا غير صحيح لأن الأزمة واكبته قبل وصول أى نتيجة فعلية لعملية التطوير وهو ما أكده اللواء سعد مأمون نفسه فى رسالته بهذا الشأن للمؤرخ العسكري جمال حماد
هذا فضلا على أن الأمر لم يكن فيه صدمة لهذه الدرجة التى تؤدى لانهيار قائد الجيش ! ولو أننا تأملنا الظروف التى أحاطت بقواد الجيوش والمقاتلين لأدركنا أن احتمالية إصابة أيا منهم بهذه الأعراض أمر طبيعى وغير مستغرب فى جو قتال مستمر لأكثر من عشرة أيام بلا نوم أو راحة تقريبا !

وعودة إلى أجواء القتال ,
فنتيجة للضغط الذى مثلته القوات المصرية ازدادت المعارك ضراوة في الأيام التالية واتسعت مساحة القتال لتشمل مساحة 15 ـ 18 كيلومتر شرقا ,
وفور أن اتخذ العدو الخطوة المطلوبة بتحويل قوته الجوية إلى الجبهة المصرية صدرت أوامر القيادة العامة للقوات بعودة المفارز المتقدمة إلى رءوس الكباري والإستعداد لصد الضربة المضادة المتوقعة من العدو خلال يوم 15 أكتوبر
وشهدت تلك المعركة أعنف معارك الدبابات فى التاريخ الحديث ,
فلم يحدث أن تكاثفت فى معركة واحدة مثل هذه الأعداد الهائلة من الدبابات على الطرفين ولا حتى خلال معارك الحرب العالمية الثانية , ولا حتى فى طريقة قتالها حيث وُجدت بعض الدبابات من الطرفين فى مواجهة مع بعضهما البعض ولا يفصلهما إلا متر أو مترين !
لا سيما وأن نطاق الأرض الذى جرت عليه المعركة كان ضيقا بالنسبة لحشد الدبابات الهائل الذى زاد عن 2000 دبابة من الجانبين فى مراحل متعددة كانت لإسرائيل وحدها 1200دبابة
وانطلقت هذه الدبابات فى مفارز متعددة استهدفت رءوس الكباري خلال 15أكتوبر بغرض تصفيتها والإستيلاء عليها , ومركزا هجماته على الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى , واستخدم فى هذا الهجوم المروع فيض الدبابات الأمريكية الحديثة والأسلحة الجديدة المضادة للدبابات والمجهزة لمواجهة طريقة الهجوم المصرية فى استخدام المشاة ,
وفشلت جميع محاولات العدو لتصفية رءوس الكباري لترتد جميع قواته بعد أن فشلت فى تحقيق الهدف

وقامت القوات الجوية بدور جبار في تلك العملية حيث شهدت ساحة المعارك أروع إنجازات الطيران المصري خلال فترة عملية التطوير حيث نفذت القوات الجوية 500 طلعة وأسقطت للعدو 17 طائرة خلال معارك 14 أكتوبر الذى تقرر اتخاذه عيدا للقوات الجوية فيما بعد ,

وعند تقييمنا لعملية تطوير الهجوم شرقا ينبغي أن نعرف أولا الهدف الإستراتيجى منها وهو ــ كما يقول اللواء عبد المنعم واصل [1] ـ ليس الهدف الأصلي للخطة فى الوصول للمضايق بل هو تخفيف الضغط عن القوات السورية , ولهذا وفور أن تأكد للقيادة المصرية حدوث ذلك صدرت الأوامر بالتمسك من جديد برءوس الكباري واحتواء الهجمات المضادة ,
ولا شك أن عملية التطوير حازت اعتراض القادة للأسباب الوجيهة المتقدمة إلا أن الخطأ لم يستمر طويلا وتتخذ القيادة قرار استمرار الهجوم بغرض تنفيذ الجزء الثانى من الخطة باحتلال المضايق , بعد أن تداركت نفسها وعادت القوات من جديد فى حماية حائط الصواريخ ونجحت فى صد كافة هجمات العدو وتكبيده خسائر مروعة

إلا أن التأثير السلبي الكبير الذى أحدثته عملية تطوير الهجوم شرقا فى غير وقته المناسب لم يكن فى تنفيذ العملية ذاتها بقدر ما كان فى قرار القيادة دفع الفرقة 4 المدرعة التى كانت خلف الجيش الثالث والفرقة 21 المدرعة التى كانت خلف الجيش الثانى إلى الضفة الشرقية للمشاركة فى عملية تطوير الهجوم ,
فهاتان الفرقتان كانتا هما الضمان الإستراتيجى الموجود خلف الجيشين الميدانيين لمنع أى عملية تسلل يقوم بها العدو , ووجود هاتين الفرقتين ـ بعد أن رصدهما العدو ـ كان هو السبب الرئيسي الذى منع الجيش الإسرائيلي من تنفيذ عملية الإختراق والعبور إلى الضفة الغربية من ثغرة الدفرسوار ,
ومجرد وجودهما فى حد ذاته كان شهادة تفوق للتخطيط المصري بلا جدال حيث توقع القادة بدقة أن النقطة الوحيدة الصالحة للإختراق هى منطقة الفصل بين قوات الجيش الثانى والثالث عند منطقة الدفرسوار , رغم وجود نقاط أخرى عند أطراف القناة ,
وحددت القيادة هذه النقطة كنقطة محتملة يقوم من خلالها العدو بالنفاذ إلى الضفة الغربية وتهديد مؤخرة الجيشين وعمل البلبلة المطلوبة لكى يخفف من ضغط قواتنا عليه فى الشرق فنضطر لسحبها ونتخلى عن كل مكاسب الحرب فى الشرق لكى نواجهه فى الغرب بعد أن نجح فى الإختراق ,
أى أن التخطيط الإسرائيلي كان متوقعا بالكامل لدى القيادة المصرية التى اتخذت التدابير لمنعه بوضع فرقتين مدرعتين عند نقطة المفصل كفيلتان بتدمير أى قوة للعدو تحاول العبور
وفور أن أخطأت القيادة المصرية بسحب الفرقتين ودفعهما للعبور للشرق بغرض المعاونة فى تطوير الهجوم رصدت الأقمار الصناعية هذا التغير الجوهرى ليصدر قرار رئيس الأركان الإسرائيلي بتنفيذ خطة ( الغزالة ) أو ( القلب الشجاع ) كما يسمونها أيضا والتى شارك فيها شارون وكلمان ماجن وإبراهام أدان قواد المدرعات ووضعوا عليها كافة آمالهم فى الحرب لتتحطم تلك الآمال تحطيما على صخرة الدفاع المصري فيما بعد وتفشل إلى الأبد محاولة إسرائيل بتغيير مجرى الحرب كما سنرى



الهوامش :
[1]ـ مذكرات عبد المنعم واصل ـ دار الشروق ـ
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

قــصة الــثــغــرة

ونأتى لواحدة من أهم معارك حرب أكتوبر والتى بدأت كفرصة إسرائيلية وانتهت كفرصة مصرية للإطاحة بنصف الجيش الإسرائيلي على الجبهة الجنوبية .. وفى ضربة واحدة !
لولا أن سريان وقف إطلاق النار وعدم تصعيد الموقف بين الدولتين العظميين هو الذى أنقذ الفرق الثلاث الإسرائيلية التي نفذت الثغرة على مراحل , بعد أن قررت القيادة المصرية بالفعل تنفيذ الخطة ( شامل ) لإبادة الثغرة أيا كانت الخسائر
ولكى نفهم الثغرة وأحداثها وما أثير حولها من انتقادات للجانب المصري كانت أغلبها في الواقع آثار اختلاف القيادات وبالتحديد الخلاف الواسع الذى وقع بين السادات والفريق الشاذلى وتطور إلى عداء مستحكم ونجم عنه الكثير من الإتهامات المتبادلة بين الطرفين كان أغلبها لا علاقة له بالواقع ,
فتحول اختلاف الرأى إلى تراشق بالإتهامات وكان السادات هو البادئ بهذا العدوان وهو ما دفع الشاذلى إلى تصعيد الخلاف ودخل في منعطف خطير دون أن يدرى ,
لأنه في غمرة هجومه على السادات وفى محاولة بيان صحة رأيه انزلق إلى محاولة تضخيم حجم النجاح الإسرائيلي رغم أن هذا النجاح المزعوم لم يكن له أثر من الواقع الفعلى ولم تستفد إسرائيل شيئا في موقفها واضطرت لتنفيذ الإنسحاب على المراحل التالية لوقف إطلاق النار بعد أن خرقته مرارا للوصول إلى أهدافها دون نجاح
هذا مع الإحتفاظ الكامل بتقديرنا العظيم لأسد حرب أكتوبر سعد الشاذلى واعتراف الجميع أن السادات ترصد له واتهمه بما لم يكن فيه لمجرد إبداء رأى مخالف له في كيفية معالجة الثغرة

فلكى نفهم أحداث الثغرة يجب النظر إليها بعيدا عن وجهات نظر الأشخاص والإعتداد بالحقائق الواقعية على الأرض ونتائج المعارك وآراء المحللين المحايدين وآراء الإسرائيليين أيضا
وكل تلك الآراء جزمت بأن الثغرة تحولت من فخ دبره الجيش الإسرائيلي إلى فخ وقع فيه هذا الأخير وكانت خسائره الضخمة علامة أخرى إضافية على سلسلة الفشل التي منى بها في تلك الحرب ,
فضلا على أن تحديد الهزيمة والنصر في أى معركة مرهون بتحقيق الأهداف , وقد حددت القيادة الإسرائيلية أهدافها من الثغرة ولم تنجح ـ رغم اختراقها وقف إطلاق النار ثلاث مرات ـ في تنفيذ أى هدف من هذه الأهداف
يقول ديان عن معركة المزرعة الصينية إحدى معارك الثغرة :
( إن الخسائر التي تكبدناها في الثغرة لم تكن متوقعة على الإطلاق ولما تفقدت منطقة المزرعة الصينية رأيت ما لم أشاهده في حياتى كلها مئات الدبابات المحطمة تتناثر في كل مكان وعشرات الجثث الممزقة من التي ترتدى زى جنود جيش الدفاع )
وديان تفقد المعركة في صحبة أحد القادة المشاركين فيها الذى لفت نظره أثر المنظر على ديان فقال له
( هل تأملت وادى الموت هذا ! ) [1]
وخسرت إسرائيل فى الثغرة 127 طائرة وخسرت 400 دبابة على مراحل أيام القتال فيها أمام قوات صاعقة ومظلات فقط بدون قوات مدرعة ليتكرر للمرة الثانية مسلسل السقوط المدرع الإسرائيلي أمام المشاة المصريين وحرب العصابات التى نفذتها قوات الصاعقة بجدارة ,
وإذا كانت القيادة الإسرائيلية لديها الإستعداد لخسارة المعدات بلا حدود , فقد قابلت الجانب المصري الذى لديه استعداد أكبر لتحمل الخسائر البشرية وفى المعدات نظير منعها من الوصول إلى هدفها باحتلال السويس والإسماعيلية

ويقول الخبير الإستراتيجى الأمريكى ( ديوبويه ) فى كتابه ( النصر المراوغ ـ وهى تسمية تعبر عن المحتوى ) :
( إن ما فعلته إسرائيل بنفسها من خلال هذه العملية التليفزيونية أنها وضعت نفسها فى موضع من يحقق غرض المصريين بتطويل الحرب وزادت خسائرها لدرجة مروعة ولم ينقذها إلا الولايات المتحدة عن طريق اتفاقية فض الإشتباك )
وكان هذا المحلل هو الذى أطلق على معركة الثغرة اسم المعركة التليفزيونية وهو الإسم الذى اشتهر فيما بعد وظن البعض أن المصريين هم من أطلقوه ,
وانتقد بعض المحللين المصريين هذا المسمى دون أن يعلموا أنها شهادة من خبير أمريكى


الهوامش :
[1]ـ المعارك على الجبهة المصرية ـ مصدر سابق
 
عودة
أعلى