حدائق الايمان فى حرب رمضان

إنضم
22 أغسطس 2010
المشاركات
136
التفاعل
2 0 0
حلقات مسلسلة عن حرب العرب الكبري

فى أكتوبر عام 1973 م
ومدى تألق الايمان وعزم الجهاد فى أيامها العشرين


كثيرة هى أنهار الحبر المسكوب فى وصف تلك الموقعه ..
كانت ولا زالت تتواصل بالرغم من مرور ثلاثة وثلاثين عاما على وقوعها ..
فى كل عام .. فى مثل هذا الوقت من العام ..
بالذات هذا العام الذى تتقارب فيه المناسبة بموعدها الأصلي .. فتصافح أيام رمضان أيام أكتوبر
فى كل عام ..
تنهال الكتب والدراسات فى ختلف الأكاديميات العسكرية والسياسية والصحفية فى محاولة لالقاء الضوء على أسرار تلك الحرب
كل ما كُـتب ولا زال يكتب عبارة عن سطور دهشة .. وحروف انبهار غير محدود ..

كلها يتساءل ..
وما من اجابة ..
كلها يصرخ ,..
كيف وقعت .. كيبف سارت .. وكيف صارت .. وكيف نبغت ..؟!!

يحاولون بما لديهم من المنطق .. تفسير معجزة تجاوزت حتى حدود المنطق ..
وندرة ..
ندرة من المحللين والكتاب هى تلك التى توصلت الى السر ..
وان كانوا جميعا لم يسلطوا الضوء عليه بما يكفي ..

فاتهم سحر العقيدة الاسلامية .. الذى سفر بوجهه فى صيحه " الله أكبر " انطلقت من حناجر أكثر من مائة ألف مقاتل مصري ومثلهم أو يزيد قليلا على الجبهة لسورية ..
" الله أكبر .. "

صيحه جبارة .. لم تصدر بها الأوامر
ولم تعرفها الاستراتيجية العسكرية العالمية .. ولم تدرك معناها أو تأثرها
فقط أدركها العدو يوم العاشر من رمضان .. السادس من أكتوبر عام 1973 م فى أشد أوقات الظهيرة حرا وقيظا ..
أدركها وهو قابع خلف تحصيناته الفولاذية ,,
فاذا به يترك مواقعه ويخف هاربا من هؤلاء القوم الذين أرهبوا النيران ولم يرهبوها ..



كان يوما من أيام الله ..
اجتمعت فيه وله .. كل أسباب الجهاد .. فتمخضت روح الاسلام عبر حدائق الايمان التى ملأ عبيرها أجواء العرب .. فأعادهم الى عهد مضي ..
وكُـتب لهذا الجيل أن يحقق بل يخلق تاريخا جديدا للعروب والعروبة ..


فإلى كل دمعه تأثر على كل خد عربي أو مسلم .. أهدى هذه الدراسة ...


خطة الدراسة ..

ما أحاول تقديمه هنا .. ليس بدراسة شاملة أو أكاديمية عن حرب أكتوبر ..
فما أكثر ما أُريق من أنهار الحبر وصفا وتأكيدا على حدوث المعجزة الحربية ..
وانما هو دراسة للجانب الايمانى فى المعركة .. مشبعا قدر الامكان بالأسرار والتفاصيل والتى ستجدون معظمها ان شاء الله .. أسرارا غير مطروقة أو على الأقل لم تـُطرق من قبل لأنها ما زالت حديثة الكشف بعد طول بيات فى الخزائن السرية حتى جاء موعد اعلانها من عام 2000 م وحتى اليوم ..
فى اعادة واجبة لأسرار التفوق العسكرى العربي فى ذلك اليوم الى الايمان العارم فى أعماق المقاتلين ..

لأن أيام الحرب العشرين ... ما كانت معجزة حربية غيرت المفهوم الاستراتيجى للحرب العسكرية .. بقدر ما كانت معجزة ايمانية .. لو يُـدرك المنصفون ...
وسأحاول الحديث تباعا عن النقاط التالية ..

أولا ..
نبذة ومقدمة عن نكسة يونيو عام 1967 م ..
ثانيا ..
حرب المخابرات كأحد نوابغ العمل الأمنى على مر العصور فى خطة التمويه الاستراتيجى
ثالثا ..
بطولات الأسلحه المختلفة بالأمثلة الكافية على الجبهتين ضد نظائرها من قوات العدو
رابعا ..
أثار حرب أكتوبر بالاجمال ثم بالتفصيل فى تغيير المسار العربي بالكامل
خامسا ..
البطولات الفردية لأناس غيروا مسارات الحرب بذواتهم

مصادر الدراسة .

كما سبق القول عن حرب رمضان .. فهى الحرب التى غيرت مجرى الاستراتيجية العسكرية فى العالم أجمع وتفوقت بآثارها فى جميع المجالات ما أتت به الحرب العالمية الثانية كما سنرى .
ومن الطبيعى أنها كانت موضوعا شديد الخصوبة للكتاب والمحللين فى شتى أنحاء العالم ..
ولغرض فى نفسي ..
جعلت معظم المصادر التى لجأتُ اليها .. مصادر أجنبية ..
والهدف الرئيسي لهذا كان تطبيق القول العربي المأثور
الحق .. ما شهدت به الأعداء ..

والسبب الثانى .. الاستفادة من كومة الوثائق السرية التى حان وقت الافراج عنها منذ عامين أوثلاثة طبقا لقانون الوثائق فى معظم دول العالم والذى يسمح بتداول تلك المعلومات بعد مضي ثلاثين عاما .. تطول أو تقصر طبقا لأهمية الوثيقة ..

لنلقي الضوء على ما قاله الغرب وشهدوا به على أنفسهم
اضافة الى بعض الكتابات العربية القديرة من المحللين العرب والذين شرحوا لنا بدقة مدى تلك الحرب وآثارها ..

وتلك المراجع باختصار هى ..

أولا ..
كتاب عشية التدمير " للمحلل العسكرى الأمريكى هوارد بلوم "
ثانيا ..
تحقيقات لجنة " أجرانات " والتى شكلت باسرائيل عقب الحرب لتقصي الحقائق وكانت عضويتها قاصرة على أعضاء الكنيست الاسرائيلي
ثالثا ..
مذكرات وزير الخارجية الأمريكى " هنرى كيسنجر " والمننشورة تحت عنوان " سنوات الفوران "
رابعا ..
كتاب " التقصير " أو " المحدال " باللغه العبرية وهو الكتاب الذى ألفه بعض العسكريين الاسرائيلين وتم تحليله بالعديد من المؤلفات العربية
خامسا ..
وثائق حرب أكتوبر الأمريكية والاسرائيلية المنشورة فى عدة مصادر
من عام 2000 م الى عام 2003 م ..
سادسا ..
كتاب " أكتوبر السلاح والسياسة " للمحلل السياسي العملاق محمد حسنين هيكل
سابعا ..
كتاب " حرب أكتوبر فى الاستراتيجية العالمية " للمفكر المصري جمال حمدان
ثامنا ..
كتاب " حرب أكتوبر بشهادة اسرائيلية " للكاتب المصري وجيه أبوذكرى
تاسعا ..
مذكرات المشير محمد عبد الغنى الجمسي قائد العمليات أثناء حرب أكتوبر وبطل محادثات فك الاشتباك المعروفة باسم " محادثات الكيلو 101 " ووزير الدفاع المصري فيما بعد
عاشرا ..
كتاب " كل شيئ هادئ فى تل أبيب " للكاتب المصري حسنى أبو اليزيد
وأخيرا ..
مقالات الكاتب والروائي المصري د. نبيل فاروق عن خطة المخابرات المصرية فى التمويه على العدو وخداعه حتى تمت الحرب

فتعالوا بنا نتأمل قليلا ونتجول فى الأجواء الرمضانية بين حدائق الايمان التى أعادت للعرب جميعا ذكرى عهودا مضت كان فيه كل شيئ يحوطنا مردودا لأمر الله تعالى
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

الحلقة الأولى

حرب يونيو .. والصحوة العربية ..


التوقيت ..
الصباح الباكر من يوم الخامس من يونيو لعام 1967م ..
المكان ..
الأرض العربية فى كل من ..
شبه جزيرة سيناء المصرية ..
هضبة الجولان السورية ..
الضفة الغربية لنهر الأردن ..
القدس الفلسطينية ..

الحدث ..
الجولة الثالثة فى الصراع العربي الاسرائيلي المرير ..
النتيجة ..
دحر القوات العربية كاملة .. واحتلال القوات المعادية للأراضي السابق ذكرها دونما أى مقاومة مجدية فى أسوأ كارثة عسكرية فى تاريخ العسكرى الحديث على وجه الاطلاق

من الصعوبة بمكان ..
أن يتصور غير المعاصرين لتلك الأزمة مدى طعم الهزيمة المر فى الحلوق .. كيف كان وما هى آثاره
كانت صدمة مروعه ..
ليست عسكريا فحسب .. بل على جميع المستويات دون استثناء ..
دوامة كاملة من المرارة والحيرة ألقت بظلالها السوداء على بلاد العرب جميعا .. للتغير نظرة العالم اليهم ونظرتهم الى أنفسهم كذلك .

horeea_h-29oktober.jpg

كانت صفعه مدوية ..
حسبها اليهود ضربة قاضية .. غير أن المقاتلين كان لهم رأى آخر ..
فما ان ذهبت الرجفة المريرة حتى امتدت الأيدى بكل اصرار ورغبة لتمسح الدموع عن العيون لتتأمل وتتدبر وتحاول استيعاب الضربة ..
تحاول أن تجعلها ضربة موجعه .. لكنها ليست قاضية .. بل محفزة .. داعية القلوب والبصائر التى عميت للانتفاض على نفسها ومحاولة القيام والانتصاب مرة أخرى ..

فهل نجحوا فى ذلك يا ترى ..


horeea_h-40oltober.jpg



الصحوة


كانت البداية عند مصر ...
كما هو طبيعى فى العالم العربي أو كما يقال ..
ان مصر اذا انتفضت انتفض العرب .. واذا نامت نام العرب ..
كانت الانتفاضة هنا فارسها الفارس المصري والمواطن البسيط ..

التقت العيون الشاحبة يوم التاسع من يونيو .. يوم اكتشاف الأكاذيب وانهيار سياسة التضليل عقب خطاب الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذى أعلن فيه التنحى نتيجة للهزيمة الساحقة التى دمرت القوات المصرية وتعرضت بها لما يشبه الابادة للأفراد والمعدات ..

كانت الانتفاضة على مرحلتين ..
مرحلة عند الجبهه ..
عند رأس العش .. حيث رفضت مجموعه المقاتلين بهذا الموقع الاستجابة لأمر الانسحاب العشوائي الذى صدر قبل أن تكون هناك حربا من الأساس
وأجبروا العدو على التراجع أمام بسالتهم المطلقة ..
ومرحلة أخرى
فى أعماق الشعب المصري .. وبغض النظر عما ان كان خطاب التنحى من قبيل اللعبة السياسية من الرئيس المصري الا أن الشواهد القاطعه تشي أن الشعب المصري أجل الحسالب نهائيا الى ما بعد الافاقة ..
كان لسان الحال يقول ..
" الى أين تذهب الآن .. ابق وفيما بعد يحين الحساب "
وفى فترة قياسية مدهشة ..
تم اعادة البنية المتبقية من الجيش عقب التخلص من الفساد الضارب بأعماقه فى القوات المسلحه بمحاكمات مختلفة وتطهير صارم .. وتولى الفريق أول محمد فوزى رئيس الأركان المصري وزارة الدفاع ليبدأ التنظيم الجديد وفق الأساليب العسكرية الواضحه
وانهالت المساعدات العينية والمادية من سائر الدول العربية وكان أولها تبرع الجزائر بعدد من طائرات الميج السوفيتية لتدعيم سلاح الطيران لدى دول المواجهة ..
وفى فترة ومرحلة متقدمة .. وصلت القوات المصرية التى كانت تشارك فى معارك اليمن أو فلنقل مهزلة اليمن !!

لتسرع باتخاذ موافعها على جبهة القتال .. وتبدأ ملحمة كبري ومعركة لا تقل روعتها عن حرب التحرير التى تلتها وأعنى بها حرب الاستنزاف التى استمرت من عام 1967 م الى عام 1970 م عند قبول القيادة المصرية لوقف اطلاق النار سعيا لاستكمال حائط الصواريخ الدفاعى لحماية العمق المصري من الهجمات المتدنية التى انتهجها العدو قاصدا بها المدنيين ردا على ضربات المصريين فى حرب الاستنزاف ..
أى أن مصر دخلت أجواء حرب النكسة دون حائط صواريخ دفاعى يحمى العمق من هجمات عدو يعتمد بصفة أساسية على سلاح طيرانه البالغ التفوق !!

حرب الاستنزاف .. 1967 الى 1970 م​


بدأت فى أكتوبر التالى للنكسة مباشرة .. وكان أبطالها من رجال الجيش المصري الذين استيقظت همتمهم فى سرعه قياسية بالرغم من الضربة القاصمة لهم والتى تحدث عنها المراقبون العسكريون قائلين بأن مصر تحتاج مائة عام لكى تفيق وتستعيد توازنها لحرب جديدة ..
وهناك معلومات مختلطة يجب ايضاحها هنا ..
ومنها أن استعداد العدو للحرب القادمة عن طريق اقامة تحصيناته المختلفة .. كان استعدادا جبارا وان كان لم يصمد أمام العزيمة المصرية ..
فأنشأ العدو خطوطا مختلفة التحصين بطول الجبهة وعمقها اضافة الى المانع المائي بالغ الصعوبة المتمثل فى قناة السويس

والخلط الواقع هنا والذى يجب ايضاحه كما يقول مفكرنا الكبير جمال حمدان ..
هو أن خط بارليف المنيع لم يكن خطا واحدا ..
بل خطين ..
تم تدمير الأول خلال حرب الاستنزاف تدميرا تاما ..
ليعود العدو الى تأسيس خط بارليف الثانى بأسس دفاعية صلبة تفوقت بألف مرة على الخطوط المماثلة كخط سيجفريد الألمانى وخط ماجينو الفرنسي فى تطبيق لنظرية الحرب الدفاعية والتى كانت سقطت منذ الحرب العالمية الثانية ..
وأمام خط بارليف كان الساتر الرملى الذى يرتفع بمقدار عشرة أمتار ويبتلع ضربات المدفعية مهما بلغت قوتها .. وخلف خط بارليف كانت توجد خطوط دفاعية أخرى على مراحل متباعدة من عمق الجبهة ..

ليتنشي العدو بدفاعاته وتحصيناته وتبدأ الحرب الاعلامية الرهيبة لتدمير الروح المعنوية للمقاتلين والجماهير
الا أن حرب الاستنزاف أعادت الروح وصمدت أمام الدعاية الاسرائيلية بعد عدد من العمليات فائقة الابهار وبطولات سطرتها الصفحات المشرقة على الجبهتين المصرية والسورية ..
وتعددت عمليات الابرار والاسقاط الجوى للقوات المصرية خلف خطوط العدو قاصدة مواقعه ومدمرة اياها مما أصاب القيادة الاسرائيلية بالجنون ...



horeea_ist071nd2oltober.jpg




horeea_ist041oo6oktober.jpg


horeea_ist081uq2oltober.jpg


horeea_ist121di9oltober.jpg

واضطر موشي ديان لاحتمال التأنيب الرهيب الذى صبه على رأسه " جيمس أنجلتون " وكيل المخابرات المركزية الأمريكية المسئول عن العلاقات الاستراتيجية بين الحليفين

وان غضب القيادة الأمريكية مستعرا نظرا لبطولات حرب الاستنزاف ونتائجها المدوية والتى تراوحت بين تدمير المدمرة " ايلات " بقارب طوربيد لا يساوى ثمنه ثمن محرك واحد من محركات تلك المدمرة .. اضافة الى السلاح والذخائر التى تم تدميرها فى الضفة الشرقية للقناة بعمليات الصاعقه المصرية ..
وسجلت اسرائيل اسم الأبطال الذين هزوا سمعه جيشها هزا .. وكان على رأسهم
العقيد ابراهيم الرفاعى​

الذى عبر بمجموعته الفدائية عشرات المرات محققا نتائج عسكرية وانسانية مذهلة .. واكتلمت بطولته باستشهاده فى أول أيام الحرب تاركا خلفه تاريخا مجيدا ..
وفى ذلك الوقت ..
كانت القيادتان المصرية والسورية تنسقان الجهود لبدء ملحمه التحرير ..
وكانت الأنظار ترقب وتنتظر القرار السياسي ببدء العمليات فى نهاية عام 1970 م .. وهو الموعد الذى كان يخطط له الرئيس عبد الناصر واضعا فى ذهنه اسم الفريق عبد المنعم رياض رئيس الأركان فى ذلك الوقت كقائد ووزير حربية أثناء المعركة ..
ويتدخل القدر ..
ويـُستشهد الفريق عبد النعم رياض فى الجبهه فى نهاية عام 1968 م ..
ويصاب عبد الناصر بالاحباط المرير .. لوفاة القائد الفذ ... وأيضا لتفجر الخلافات بينه وبين القيادة السوفيتية حول صفقات السلاح التى تعطل بدء المعركة , ..
وثالثة الأسافي
كانت تفجر أحداث أيلول الأسود وما استتبع ذلك من ففرقة عربية فى وقت تحتاج فيه الأمة الى الصلابة أمام مقدرات القتال المفتوحه أمامها ..
حيث كانت أحداث سبتمبر " أيلول " فى الأردن عقب تفجر وتصاعد الخلاف بين الملك حسين ملك الأردن فى ذلك الوقت وبين منظمة التحرير الفلسطينية ليبلغ الخلاف منحنى دمويا بعد تدخل الجيش الأردنى لتصفية الوجود الفلسطينى بالأردن ..
وتنعقد القمة العربية فى سبتمبر 1970 م .. بعد قبول مبادرة روجرز والتى أنهت بها معارك الاستنزاف .. والتقي القادة العرب بالقاهرة .. وما ان انفضت القمة .. حتى جاءت وفاة الرئيس عبد الناصر تعطل قليلا الطموح العربي فى بدء القتال ..

ويتولى الرئيس السادات مقاليد الأمور فى عام 70 .. ولكن ونظرا للخلافات السياسية علبى التركة المصرية بين القيادات المصرية المختلفة .. لم يصبح التولى فعليا الا بعد ازاحه مجموعه مراكز القوى عن الحكم عام 1971 ..
وتولى حافظ الأسد رياسة الجمهورية السورية .. لتلتقي القيادتان المصرية والسورية على قلب رجل واحد سعيا وراء ازالة آثار العدوان ..

ولكن ما الذى كان يسعى اليه العرب من الحرب القادمة ..؟!!

أهداف معركة التحرير ..


لم يكن النصر هو الهدف المطلوب أمام الجماهير العربية المختنقة الأنفاس منذ يوم الخامس من يونيو
كما لم يكن هو الهدف الوحيد للمقاتل العربي البسيط ..
كان الهدف رد الاعتبار ..
وعكس نتائج حرب يونيو المخزية .. وتلك النتئج كانت تتمثل فيما يلي

أولا ..
إعادة الكرامة العربية المهدرة بعد أن هانت العروبة والعرب بين دول العالم وأصبح الانتساب الى العروبة داعيا للسخرية وتم تصويرهم على أنهم من مقاتلى الجمال والسيوف ولا يفقهون شيئا فى الحرب الحديثة ..
ثانيا ..
تم تدمير الجيش المصري ـ لا سيما سلاح الجو ـ على الأرض ودون أن يمنحه أحدُ فرصة القتال الحقيقية أمام الجندى الاسرائيلي فى ظل الضربة الخاطفة التى انتهجت فيها اسرائيل السياسة العسكرية الألمانية فى الحرب العالمية الثانية ..
فكان المطوب الرد بالمثل .
وذلك بالرغم من الفارق الضخم فى الحالتين ..
فلم تكن ضربة اسرائيل ضربة متفوقة بقدر ما كانت ضعفا من خصومها ..
أما فى حالة الرد .. فستكون المواجهة مع عدو متفوق وتكنولوجى فى كامل تألقه
ثالثا ..
أبطال المؤامرة الاسرائيلية فى يونيو .
بداية من ليفي أشكول رئيس الوزراء وحكومته ووزير دفاعه موشي ديان وقادة وجنود الجيش الاسرائيلي .. ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية المتواطئ " ليندون جينسون " وادارته ..
كان المطلوب كسر أنوف هؤلاء الذين حضروا التفوق الاسرائيلي واذاقتهم من نفس الكأس
رابعا ..
منح الفرصة الكاملة للجندى العربي المثابر والمصري بصفة خاصة .. منحه فرصة حرب مواجهة متكافئة ومباشرة لأول مرة فى تاريخ المواجهات
فلم يسبق أن واجه العرب اليهود فى معركة قوة مباشرة على جبهات القتال سواء فى حرب 1948 م أو حرب السويس 1956 م .. أو حرب يونيو 1967 م ..

فهل نجح العرب يا ترى فى تحقيق تلك الأهداف ..؟!

نعم ..
حققوها بل وزادوا عليها فى ملحمة بطولة .. ما زالت تقف شاهدة على شعب أحسن ترك الأمر لله .. وبذل جهده فأوفاه الله أجر المومئنين ..
وكيف لا ..
وقد أفاق المغيبون من فوتهم الطاحنه ومظاهر البطولة الزائفة ..
حققوا النصر المؤزر فى معركة بدر الصغري ..

فقط عندما استبدلوا كلمة .. " باسم الأمة " الى كلمة " بسم الله .. "​

على نحو ما سنرى فى قادم الصفحات ان شاء الله
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

الحلقة الثانية ..

حرب المخابرات كأحد نوابغ العمل الأمنى فى خطة التمويه الاستراتيجى


السلاح الوحيد الذى انتصر بالنكسة ..


من غرائب وعجائب الأمور فى شأن جهاز المخابرات المصري .. أنه كان الجهاز الوحيد الذى انتصر فى حرب يونيو ولم تناله الهزيمة .. !!
وكان وللمفارقة السوداء ..
هو الجهاز والسلاح الأكثر شعورا بصدمة يونيو .. !!

وتفسير هذا التضارب .. يتضح فى أن جهاز المخابرات المصري أتى بالمعلومات الكاملة لحرب يونيو بشتى تفاصيلها ووضع تلك المعلومات رهنا لقيادته السياسية بعد أن اخترق جهاز المخابرات الاسرائيلي اختراقا شبه تام
وهو بهذا أدى رسالته والمطلوب منه بالرغم من الفساد الذى كان قد استشري كنتيجة طبيعية لتسلط رئيسه الأسبق اللواء صلاح نصر ..
وبهذا يكون جهاز المخابرات المصري هو السلاح الوحيد الذى انتصر فى كلا الحربين ..
يونيو 1967م.. وأكتوبر 1973م ..

وقصة جهاز المخابرات المصري تحديدا ..
قصة ملحمة بطولة غيرعادية .. تعرضت للأسف الشديد لتشويه متعمد وظلم فاحش نتيجة لأفعال تم ارتكابها من بعض ضباطه .. أضاعت الكثير والكثير من انجازات هذا الجهاز الذى نبت فى ظروف شديدة الصعوبة ..
ولنا أن نتخيل صعوبة المواجهة مع مخابرات العدو .. عندما نعرف الفارق الضخم على جمع المستويات بين جهاز المخابرات المصري " م ـ ع ـ م " وبين نظيره الاسرائيلي " الموساد " أو مؤسسة الاستخبارات ..
وتوجد مقولة تاريخية توضح الفارق الضخم ملخصها
" أن الدولة المصرية أنشأت المخابرات المصرية .. بينما أسست المخابرات الاسسرائيلية الدولة اليهودية .. "
وتلك مقولة صادقة تماما .. لأن الموساد سابقة فى التأسيس على الدولة اليهودية ذاتها فى سابقة تاريخية غير قابلة للتكرار ..

فكل ضباط المخابرات الاسرائيلية كانوا من المحترفين والمتدربين على علوم المخابرات وعملياتها نتيجة لخبرتهم الكاسحه فى أجواء الحرب العالمية الثانية
ومع ذلك .. ومنذ أن صدرت الأوامر من الرئيس عبد الناصر الى السيد زكريا محيي الدين بضرورة العمل على انشاء جهاز مخابرات مصري يعمل على حماية الأمن القومى المصري فى مواجهة العدو المتفوق والمتنوع فى أجهزته الأمنية " الموساد ـ الشين بيت ـ أمان "

وعلى يد عدد من ضباط القوات الجوية المتمرسين بدأت نواة الجهاز وحفرت تلك المجموعه فى الصخر سعيا وراء المراجع المؤهلة لتلك العلوم الفريدة فى عالم الأمن وبدأت مكتبة جهاز المخابرات المصري تكتظ شيئا فشيئا بالمراجع المتخصصة والتى عكف عليها أوائل الضباط وكان أبرزهم

عبد المحسن فائق ـ محمد نسيم ـ شعراوى جمعه ـ حسن صقر ـ صلاح نصر ـ وغيرهم ..

وتمضي السنوات ويتشكل جهاز المخابرات على أحدث الأسس المعروفة لهذا العلم .. ويحقق عمليات ناجحه ومبشرة بمقاييس تلك الأيام ومقارنه بالظروف المتعسرة التى صاحبت انشاءه ..
ثم تأتى قضية الانحراف التى تسبب فيها صلاح نصر والذى يعد أول رئيس فعلى لهذا الجهاز الأمنى بالغ الحساسية وينتهى الأمر الى محاكمته هو ومجموعته فى قضية انحراف المخابرات الشهيرة ..

وتأتى اللحظة الفارقة فى تاريخ الجهاز ...
عندما يتم اسناد عملية تطهير واعادة الانضباط للجهاز الى محمد نسيم
" قلب الأسد " وهو البطل المصري الاستثنائي فى هذا المجال وواحد من الندرة الذين حفروا اسما شهيرا فى العالم أجمع بعملياته الفذة خاصة قبيل وأثناء الاعداد لحرب رمضان
ويتولى أمين هويدى رياسة الجهاز ..
وتبدأ عملية الاعداد والتمويه على العدو فى اطار الخطة الموضوعه للتحرير ..
اضافة الى تكثيف الجهود فى اطار عملية الجاسوسية والجاسوسية المضادة
والجاسوسية
هى عملية الحصول على أسرار العدو .. بينما الجاسوسية المضادة هى منع العدو من فعل العكس ..
وتتهاوى عشرات الشبكات التجسسية التى وقعت فى يد المخابرات المصرية ..
وتنشط شبكة العملاء والضباط خارج مصر لاجابة متطلبات القيادة السياسية فى خطة الاعداد للحرب
وكان دور المخابرات المصرية فاعلا على مرحلتين ..

الأولى ..
الاعداد طيلة السنوات الست ..
الثانية ..
البدء الفعلى لخطة الخداع الاستراتيجى فى بداية عام 1973 م ... بعد أن حددت القيادة السياسية هدفها فى تلك السنة لادراك النصر ..

المرحلة الأولى

الاعداد ..

وفى تلك المرحلة .. أسندت الى محمد نسيم قيادة عدد من العمليات بالغه الحساسية كان لها أكبر الأثر فى النصر فيما بعد حيث تولى اعادة تدريب وتأهيل العميل المصري الأشهر رفعت الجمال على أسلوب التخابر وفق متطلبات العصر وتم تدريبة على استخدام أجهزة الاتصال اللاسلكية بدلا من الأحبار السرية لسرعه انجاز المعلومات وزيادة فى الأمن له

وتمكن رفعت الجمال بعد تدريبه من محمد نسيم ومراقبة عبد العزيز الطورى ضابط الحالة المختص بعملية رفعت الجمال من الوصول بهذا الأخيرؤ الى مستوى رجل المخابرات المحترف
وتصاعدت مكانته فى المجتمع الاسرائيلي لتغرق المخابرات المصرية فى فيض رهيب وبالغ الثراء من المعلومات فائقة السرية كان أبرزها على الاطلاق

• خطوط وتحصينات ورسومات خط بارليف كاملة ..
• مواقع أنابيب النابالم الحارق والتى تم انشاؤها بطول القناة وقد تمت العملية بمعاونة رفعت الجمال لفريق المخابرات المصري القائم بالعملية ..
• تحركات القوات الاسرائيلية ودرجات استعدادها كاملة
• صفقات التسليح بتفاصيلها بالغه السرية
• الايقاع بضابط المخابرات الاسرائيلي " ايلي كوهين " الذى تمكنت المخابرات الاسرائيلية من زرعه فى قلب القيادة السورية كنائب لوزير الدفاع تحت اسم " كامل أمين ثابت " حيث تمكن الجمال من اكتشافه ليبلغ المخابرات المصرية ويطير محمد نسيم ومعه ملف ايلي كوهين كاملا الى الرئيس السورى فى ذلك الوقت ليتم اعدام ايلي كوهين فى أكبر ميادين دمشق وكانت ضربة صاعقة أدرات رؤوس الاسرائيليين طويلا ..

وقام محمد نسيم أيضا بتنفيذ عملية الحج والتى دمر فيها رجال الضفادع البشرية الحفار الكندى
" كينتنج " فى ميناء أبيدحان بساحل العاج مع نهايات عام 1968م ..
وكانت اسرائيل قد جلبت الحفار سعيا لقتل الروح المعنوية المصرية .. وكان تدمير الحفار دفعه معنوية هائلة للشعب العربي بأكمله

وتتواصل الجهود

وتكتشف المخابرات المصرية عميلا سوفيتيا فى قلب اسرائيل وهو الدكتور " اسرائيل بيير "
والذى كان يشغل عددا من المناصب الهامة فى المؤسسة العسكرية الأسرائيلية ويعمل أيضا كمعلق عسكرى فى جريدة " هامشمار " اضافة الى عمله كأستاذ متفرغ بجامعه تل أبيب "
وكان اكتشافا مذهلا أحسنت المخابرات المصرية استغلاله ببراعه فائقة حين تمكنت من تجنيد عشيقته الأوربية " ريناتا "
والتى كانت تتبعه وتنقل ما يقع تحت يدها من عمله أولا بأول الى المخابرات المصرية أى أن الرجل كان يعمل لحساب مصر دون أن يدرى واستمر هذا المسلسل المثير حتى تم اكتشاف أمره ..

وتنجح المخابرات المصرية أيضا فى زرع النقيب " عمرو طلبة "
فى قلب جيش الدفاع وهو الذى كانت له بطولة مشهودة فى أول أيام الحرب حين رفض رفضا باتا التخلى عن موقعه فى الجيش الاسرائيلي على الجبهه قبيل قيام الحرب
حيث كانت المخارات المصرية قد أرسلت اليه بضرورة مغادرة موقعه الى نقطة محددة مسبقا لتلتقطه قوات الجيش الثانى الميدانى
فرفض تماما بعد أن شعر أن تلك الأوامر تعنى بدون شك أن القوات على وشك بدء الهجوم واستمر فى موقعه يغذى الطائرات المصرية وقيادته بمعلومات من قلب الجيش الاسرائيلي أثناء الساعات الأولى للمعركة .. ليستشهد هناك تحت وابل القنابل الذى صبه الطيران المصري بطول الجبهه

ويتمكن ضباط المخابرات المصرية بمساعدة بدو سيناء وأطفالهم فى كشف مواقع ونقاط القوة والضعف للعدو فى قلب سيناء وكان نجم تلك المهمه طفل لم يتعد التاسعه من عمره وكان لدوره عظيم الفضل فى معركة التحرير ليستقبله الرئيس السادات بنفسه تكريما له

وترسل المخابرات المصرية عميلا فذا آخر فى عملية عرفت باسم العراف ويتمكن ضابط المخابرات المصري من زرع نفسه فى المجتمع الاسرائيلي كأحد العرافين الموهوبين ليتسلل شيئا فشيئا الى مجتمع جنرالات جيش الدفاع حتى يحوز الثقة المطلوبة فيتمكن من اختراق الهدف المطلوب ويعود به سالما الى قيادته بالقاهرة ..

وتأتى أيضا واحدة من أبرز العمليات قاطبة ..
حين تمكنت المخابرات المصرية من زرع عميلة أوربية نجحت فى التعرض لأحد العاملين بالمصانع المنتجة لمادة النابالم الحارقة وكان الحصول على عينه منها ضروريا لمعركة العبور لأن الجيش الاسرائيلي لم يكن يستخدم النابالم الصافي بل كان يستخدم تركيبا معقدا كان من الأهمية بمكان معرفة آثاره بالتحديد لايجاد حل للتعامل معه حين يتم البدء فى العمليات
وهكذا تعددت البطولات بلا حصر كلها فى خلال تلك الفترة الحافلة من أكتوبر 1973 الى بدايات عام 1973 م .. كمرحلة تمهيدية فى خطة الحرب والتمويه



ويتبقي لنا من معركة المخابرات خطة الخداع الاستراتيجى والتى بدأت مع بداية عام 1973 م ..

 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

والآن مع المرحلة الثانية من حرب المخابرات فى اطار وقائع وأحداث معركة العرب الكبري


المرحلة الثانية ..


معركة المخابرات و خطة الخداع الاستراتيجى والتى بدأت مع بداية عام 1973 م ..


بعد مرحلة الاعداد العام وتجهيز الساحه لتوافر المعلومات اللازمة لاتمام معركة العبور ..
ومع بدايات عام 1973 م ..

بدأت مرحلة الاعداد للتمويه على موعد الحرب الذى بدأت خطواته الأولى فى التحديد مع تولى الرئيس حافظ الأسد للمسئولية فى سوريا وانطلاق مدى التعاون العربي لحده الأقصي بعد طول غياب فى المظهرية حيث لم يسبق للعرب اطلاقا أى نوع من التعاون الجدى قبل حرب رمضان !!
واجتمعت القيادات المصرية والسورية واتفقت على المبادئ العامة لتحديد خيوط المعركة العريضة والتى كانت تزداد تخصيصا كلما مر الوقت
وفى مقر قيادة القوات البحرية المصرية بالاسكندرية
اجتمع الوفد العسكرى السورى
برياسة اللواء مصطفي طلاس وزير الدفاع السورى
وعضوية كل من
اللواء يوسف شكور رئيس أركان الحرب ـ اللواء ناجى الجميل قائد القوات الجوية ـ اللواء حكمت الشهابي مدير المخابرات الحربية ـ اللواء عبد الرازق الدرديري رئيس هيئة العمليات ـ العميد فضل حسين قائد القوات البحرية

والوفد المناظر له بمصر
برياسة الفريق أول أحمد اسماعيل وزير الحربية
وعضوية كل من
الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس هيئة أركان الحرب ـ اللواء محمد عبد الغنى الجمسي رئيس هيئة العمليات ـ اللواء محمد على فهمى قائد قوات الدفاع الجوى ـ اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية ـ اللواء محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية ـ اللواء فؤاد ذكرى قائد القوات البحرية

واتفق الوفدان على التكامل والتنسيق الكامل فيما بينهما للاعداد للمعركة وتم الاتفاق على تولى المشير أحمد اسماعيل قيادة جبهة المعركة للجيشين المصري والسورى
ومع مضي الوقت طلبت القيادة السياسية تحديد عدة مواعيد للحرب المنتظرة .. وقامت اللجنة المشتركة بين القيادتين بتحديد المواعيد وبرز فيها الفريق محمد عبد الغنى الجمسي رئيس هيئة العمليات بمصر حيث دوًن بخط اليد المواعيد التى تم الاتفاق عليها بين الوفدين وخطة كل موعد وسبب اختياره بما عـُرف فيما بعد " بكشكول الجمسي "
وكانت المواعيد الثلاثة كالتالى
مايو 1973ـ سبتمبر 1973 ـ أكتوبر 1973 م ..

وكان التقييم العسكرى يميل لأكتوبر تحديدا لموافقة الظروف ومناسبتها من جميع الجهات لبدء العمليات العسكرية هو ما انتهى اليه الأمر فعلا فيما بعد
وتجدر الاشارة الى أن الأقوال التى ظهرت فيما بعد حول أن سبب اختيار السادس من أكتوبر هو موافقته لعيد الغفران عند اليهود " عيد كيبور " كسبب منفرد هو أمرٌ غير صحيح لأنه سبب من الأسباب فقط

كما أوضح ذلك الفريق الجمسي فى مذكراته حيث كانت ظروف المد والجزر مناسبة اضافة لتوافر خاصية الليل الطويل بما يخدم العمليات وأيضا الليلة المقمرة ..

عند تحديد الموعد
بدأت أخطر عملية تمويه فى الحروب الحديثة بكل مقياس عسكرى ومنطقي
اشتركت فيها وقادتها المخابرات العامة المصرية والمخابرات الحربية المصرية بالاشتراك مع نظيرتها السورية ..

الخطوة الأولى
بدأ فريق العمل بجهاز المخابرات المصري وضع عوائق التنفيذ التى من الممكن أن تعترض سرية العمليات وكان مطالبا بجهد خرافي
لأنه وببساطة كان مُـكلفا بتوقع كل شيئ ومعالجة كل قصور مهما كان تافها أو بسيطا
مع الوضع فى الاعتبارأن أجهزة المخابرات العربية تواجه جهازين عملاقين ..
الاسرائيلي والأمريكى بكل ما يمتلكانه من خدمات التكنولوجيا الفائقة ووسائل الرصد الغير عادية .
وتم عرض العوائق واجمالها فيما يلي

أولا .. أقمار الرصد العسكرى الأمريكية والتى وضعت فى خدمة حليفتها لرقابة الجيشين المصري والسورى بما يجعل الاستعداد والحشود قبيل المعركة أمرُ محكوم بانتشاره
ثانيا .. معدات العبور القادمة من الخارج وكيفية ادخالها لمصر دون رصد من عيون العدو
ثالثا .. محطة الانذار المبكر التى أنشأها العدو بقلب سيناء وهى قادرة على التقاط قيام الطائرات والقاذفات من مطاراتها وقبل وصولها للجبهه مما يؤثر على مبدأ المفاجأة ويعرض القوات لضربة اجهاض
رابعا .. إخلاء المستشفيات المدنية قبيل المعركة .. وهو إجراء حتمى لإيجاد أماكن لجرحى الحرب ما كان هذا الاجراء بالاجراء الذى يخفي على الرصد
خامسا .. طرح أحد رجال الفريق مشكلة الاظلام التى تصاحب أيام الحرب عادة وكيف أن الأسواق المصرية تفتقد الى المصابيح اليدوية التى يستخدمها المواطنون فكيف سيتم استيراد تلك المصابيح دون أن تلفت نظر العدو
وهل البديل عدم استيرادها من الأساس
سادسا .. الاتصالات اللاسيلكية التى تتم بين الوحدات المقاتلة وبين قيادتها ومن الممكن فك شفرتها بسهولة .. وكانت العقبة هنا فى السلاح البحرى والذى تحتم العمليات ضرورة ابحار الغواصات قبل الحرب بيومين كاملين لتتخذ أماكنها فى مضيق باب المندب لضرب أى سفن امداد وتموين فى طريقها لميناء ايلات
سابعا .. درجة الاستعداد واستدعاء الاحتياطى وهو اجراء حتمى بطبيعه الحال ومن السهل رصده

وقامت المخابرات المصرية بحل العوائق واحدة تلو الأخرى كالتالى بالتنسيق مع المخابرات الحربية وهيئة عمليات القوات المسلحة ..

وبدأت الخطوط العريضة لعملية التمويه عن طريق البث الاعلامى ونشر التخاذل الحادث بين أفراد الشعب الذى اقتنع أن حكومته تساومه على الحرب دون نية حقيقية لها
وبالرغم من خطورة هذا الاحساس وتلك المشاعر الا أن المخابرات العامة فضلت هذا لأن الشعور الساخط العام من الشعب والمتروك من القيادة السياسية دون تشجيع هو خير دليل على انعدام النية للتحرك العسكرى
وتفجرت المظاهرات العارمة الساخطة من الشعب خاصة من شباب الجامعات الذى كان لا يجد أمامه الا الخروج من الجامعه ثم الالتحاق بالخدمة العسكرية دون نهاية لهذا الأمر
كما تقلقت الحشود بالقوات المسلحة التى أهلكت نفسها تدريبا واستعدادا .. وبدأ التساؤل ينتشر عن موعد التحرك لا سيما أن حالة اللاسلم واللاحرب طفح بسببها الكيل بعد قبول مبادرة روجرز عام 1970 م والتى أوقفت حرب الاستنزاف التى كانت تمثل نوعا ما تدافعا فى أماج الأحداث أفضل كثيرا من حالة السكون المقيت ..

وعندما استوى المسرح الشعبي بشعور السخط المدمر

بدأت المخابرات العامة فى وضع الحلول النهائية للعقبات السالف ذكرها كالتالى ..

أولا ..
بالنسبة لأقمار الرصد العسكرى الأمريكى تمكنت المخابرات العامة عن طريق عملائها الغير عاديين من الحصول على الخرائط الكاملة وتوقيت مرور الأقمار العسكرية الأمريكية على مصر
وبواسطة الخبراء تم تحديد مسار بالغ الدقة تتخذه الحشود والمعدات للجبهة أشرف عليه اللواء الجمسي وكانت الأوامر مشددة بالالتزام الحرفي بالتحرك والوقوف طبقا للخطة المعدة حتى تم الأمر ومرت الحشود من تحت أنف القط الأمريكى ..
وبالنسبلة لجحافل وأرتال الدبابات والمدرعات
تم طرح الحل ببساطة عن طريق تسريب معلومة للعدو توضح أن ورش اصلاح الدبابات والمدرعات تم نقلها للخطوط الأمامية وهو الأمر الذى أضحك الاسرائيليين كثيرا لما يمثله نقل ورش الاصلاح للخطوط الأمامية من حماقة
بيد أن من ضحكوا صعقوا عندما اصطدموا بالواقع المرير وتبينت الخدعه أن الدبابات التى ظنوها فى طريقها للاصلاح عبر الشهور الماضية على الحرب كانت فى الواقع فى طريقها للتمركز بأماكنها استعدادا لبدء العمليات

ثانيا
وبالنسبة لمعدات العبور . تم وعن طريق التعمد تسريب معلومات مضللة للعدو تشي بأن الخبراء المصريين قدروا لمعدات العبور كمية تفوق ثلاثة أضعاف الكمية المطلوبة وتم استيراد تلك الكمية المهولة بالفعل وعلى نحو علنى وتم القاؤها على أرصفة ميناء الاسكندرية بشكل يوحى بالاهمال الروتينى الحكومى وظلت بأماكنها تلك مخزنة على هيئة أشكال هرمية
وما لم يدركه العدو أن أسلوب وضع المعدات كان شديد البراعه الى حد يفوق التخيل حيث أعدت المخابرات العامة مصاطب على الميناء تم القاء الكميات الزائدة من معدات العبور عليها بحيث توحى بضعف حجمها ..
أما الكمية المطلوبة للعبور فعليا فقد أخذت طريقها للجبهه وتم اخفاؤها فى الهياكل الخشبية للدبابات والمدرعات والموضوعه عمدا أمام ناظر العدو .. ليبدو الأمر وكأن تلك الهياكل معده لخداع الاسرائيليين ليقوموا بضربها وبالطبع لم يقم الاسرائيليون بمهاجمتها وهم يسخرون من العقلية العسكرية المصرية ..
وعندما حانت لحظة العبور عض الاسرائيليون بنان الندم أنهم لم يضربوا تلك الهياكل التى كانت مجوفة من الداخل وتحمل فى بطنها معدات العبور كاملة ..

ثالثا
وبالنسبة لمحطات الانذار الموجوده بقلب سيناء تم اعداد الخطة بحيث تقوم كتيبة من أفراد الصاعقة المصريين يتم اسقاطها قبل المعركة بيوم كامل خلف خطوط العدو لتقوم تلك الكتيبة بمهمه تدمير وتعطيل تلك المحطات وهو ما تم بنجاح فائق ليفاجئ العدو مفاجأة كاملة وهو يري سلاح الطيران المصري فوق رأسه فجأة بعد ظهر يوم العاشر من رمضان

رابعا
وبالنسبة لاخلاء العدد المطلوب من المستشفيات للحرب .. تم الاخلاء بخدعه بارعه شاركت فيها جريدة الأهرام بالاتفاق مع الكاتب الصحفي القدير محمد حسنين هيكل رئيس مجلس ادارة الأهرام ورئيس تحريرها حيث نشرت الأهرام تحقيقات مطولة عن تلوث بعض المستشفيات التعليمية الكبري مثل مستشفيات الدمرداش بفيروس السل .. وسلطت الضوء على الطبيب البارع الذى اكتشف الأمر بالصدفة ..
ثم تساءلت الأهرام فى معرض تحقيقاتها سؤالا منطقيا
ماذا عن بقية المتستشفيات وما هو موقفها من التلوث ؟!
وبناء على هذا قام وزير الصحة باصدار أوامره بضرورة اخلاء المستشفيات المشكوك فى اصابتها بالفيروس والعمل على تطهيرها
وهو ما تم بالفعل وتم اعلانه رسميا ونشرت التحقيقات والصور التى توضح عمليات التطهير التى تجرى على قدم وساق
وما ان حان موعد الحرب حتى كان العدد المطلوب اخلاؤه رهن الطلب

خامسا ..
وبالنسبة للمصابيح وتوفيرها بالأسواق وكيفية استيرادها دون أن يلفت هذا نظر عيون العدو فقد تم الأمر بخدعه بالغه الطرافة ..
حيث تم تكليف أحد ضباط المخابرات المصرية بالنزول للأسواق متنكرا مع اشاعه قوية تقول أنه أحد كبار المهربين .. وتعاون بالفعل مع أحد تجار الجملة لتهريب كمية ضخمة من المواد الغذائية ونجحت عملية التهريب ليتشبث التاجر برجل المخابرات ويرجوه أن يعاونه فى عمليات أخرى ..
فطرح رجل المخابرات " المهرب " فكرة جديدة على التاجر وهى صفقة مصابيح ضخمة لتهريبها عبر الحدود بأمان فوافق التاجر بحماس وعند دخول الكمية أطبق رجال مباحث التموين عليها وتمت مصادرتها طبقا للقانون ...
والأهم أن قانون مصادرة المواد المهربة كان يحتوى على نص هو سبب لعبة المخابرات من الأساس وهو النص الذى يقضي بطرح المواد المهربة أيا كانت فى المجمعات الاستهلاكية بأسعار مخفضة ..
وهكذا تحقق لرجال المخابرات ما أرادوا دون لفت نظر المراقبين من العدو

سادسا ..
بالنسبة لوحدات السلاح البحري من المدمرات والغواصات التى كان مفترضا أن تتخذ طريقها عبر مضيق باب المندب قبل المعركة بأيام ثلاثة ..
صدرت الأوامر الى قادة الغواصات باتخاذ طريقها الى هناك مع الالتزام بصمت لاسلكى كامل يعزلها عن قيادتها منعا للمخاطرة .. وبالنسبة لأوامر القتال تم اعطاء كل قائد مظروفا مغلقا مع أمر مشدد بعدم فتح المظروف الا فى توقيت معين وهو ساعه الحرب
ومما لا شك فيه أنها كانت مخاطرة غير متصورة فتلك الغواصات أبحرت لمهمتها ومعها الأوامر
ولم يكن هناك سبيل لمنعها أو ايقاف المهمه بمجرد ابحارها حتى لو تم الغاء أمر القتال نتيجة لالتزام الصمت اللاسلكى

أما المدمرات والقطع البحرية الظاهرة فقد تم الاعلان الرسمى عن حاجة تلك المدمرات والقطع البحرية للاصلاح فى دول صديقة وتم بالفعل أخذ الاذن الرسمى من الدول التى ستمر بموانيها تلك القطع

سابعا ..
درجة الاستعداد قبيل المعركة واستدعاء الاحتياطى تم حل تلك العقبة بحل لم تشهده المعارك العسكرية من قبل ..

فقد تم استدعاء الاحتياطى ورفع درجة الاستعداد للقوات المصرية لحدها الأقصي مرتين فى خريف وصيف 1973 م قبل موعد المعركة مما دفع بالعدو لاعلان التعبئة العامة لقواته وتكلفت خزانه اليهود عدة ملايين من الدولارات نتيجة لذلك
مما حدا بهم لاهمال درجة الاستعداد المصري باعتباره مناورة مكشوفة تتم بين الحين والآخر بغرض ارهاق الخزانه الاسرائيلية ..

وعندما حان موعد المعركة ..
وبالتحديد فى الأيام الثلاث السابقة على الحرب كانت الخدعه الاستراتيجية للتمويه بلغت مداها الأقصي وصدرت الأوامر بتسريح نصف القوة تقريبا وهذا هو ما وصفته بالمخاطرة لأن التسريح تم اعتمادا على أن القوات رهن الاستدعاء عند الموعد المحدد لأن كل جندى وكل رجل يتبع القوات المسلحة كان يوقع فى قسم الشرطة التابع له عندما يكون فى أيام اجازته يوميا وهو ما أتاح للقيادة العسكرية استكمال استدعاء الاحتياطى بسهولة

الأكثر خطورة ..
أنه تم تسريح واعطاء اجازات لعدد كبير من الضباط قبيل بدء المعركة بساعات قليلة ونفذ الضباط الأمر وعندما هموا بمغادرة وحداتهم انفرد قائد كل كتيبة بضباطه على حدة وأعطى كل منهم مظروفا مغلقا وأخبره أن المظروف به مهمة سرية يتعين عليه القيام بها قبل اتمام الإجازة شريطة ألا يفتح المظروف الا بعد مغادرته للوحدة بمسافة معينه
وتصور كل ضابط أنه الوحيد الذى تم تكليفه من قيادته وعندما فتح كل ضابط المظروف الذى بحوزته عقب مغادرته للجبهه فوجئ بالمظروف لا يحتوى الا على سطر واحد فقط
" عد الى وحدتك فورا "

وتعلن الأهرام فى واحدة من أبرع الخدع فى خطة التمويه عن عمرة رمضان التى قررها الجيش وأعلنت عن شروطها وموعدها الذى يبدأ من يوم الثامن من أكتوبر

كما خدم القدر مصر .. عندما أعلن زير الدفاع الرومانى عن نيته السفر الى مصر فتم توجيه الدعوة الرسمية اليه وأعلنت الأهرام أن الفريق أول أحمد اسماعيل على سيكون فى شرف استقبال الوزير الرومانى فى يوم السادس من أكتوبر 173 م ..
وبالطبع لم تتم الرحلة العمليات العسكرية بدأت على الجبهة ..

وتخدمنا الظروف مرة أخرى عندما أعلنت الأميرة مارجريت احدى أفراد الأسرة المالكة البريطانية نيتها ورغبتها فى زيارة مصر ..
فتم ترتيب الرحلة واجتمع فريق من رجال المخابرات المصرية مع فريق مماثل من البحرية البريطانية لتأمين وصول الأميرة يوم السابع من أكتوبر ..
وهم يعلمون أكثر من غيرهم أن المطارات المدنية المصرية ستغلق نتيجة لبدء العمليات
وهكذا اكتملت الاستعدادات واقتربت ساعه الصفر وكان منتهى أمل المصريين أن تظل اسرائيل بعيدة عن الادراك حتى يوم الرابع من أكتوبر فقط ...
لأنها حتى لو علمت قبل بدء العمليات بيومين لم يكن بذلك ليؤثر فى نتيجة المفاجأة لعدم تمكنها حتما من استدعاء الاحتياط لمواجهة القتال الناشب ..
وكان من توفيق الله تعالى وثمرة الجهد الخرافي للعبقرية المصرية فى خطة الخداع أن أدركت اسرائيل فى فجر الخامس من أكتوبر نية القتال وان كانت لم تقتنع .. !!

فكيف علمت اسرائيل وكيف تسرب اليها الخبر ؟!!

وماذا كانت ردة الفعل المصري عندما عرفوا بادراك اسرائيل ؟!!
هذا ما سنعرفه قريبا ان شاء الله
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

والآن مع محاولة الاجابة للسؤال الذى ظل سرا مغلقا لثلاثين عاما ..

هل علمت اسرائيل بموعد بدء العمليات العسكرية .. ؟!

ومتى .. وكيف .. وكيف تحققت المفاجأة الاستراتيجية بالرغم من ذلك ..؟

واقع الأمر وباستقراء الوثائق السرية التى تم الافراج عنها فى اسرائيل والولايات المتحدة طبقا لقانون الوثائق بعد مضي ثلاثين عاما .. انقشعت السحب عن عدد من المفاجأت التى ظلت سرا مغلقا لمدة ليست بالهينة ..
وليس خافيا أن هناك أسرارا عن حرب رمضان ما زالت رهن الأدراج وحبيسة الوثائق لخطورتها
بل ان النكسة ذاتها .. بالذات فيما يخص أوراق التعاون الاستراتيجى عليها بين الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل لا زالت الى اليوم محظورة على النشر .. !!

وفيما يخص أمر بلوغ خبر بدء العمليات وموعدها وتسربه لاسرائيل ..
فقد بلغها الأمربالفعل ولكن بعد فوات الأوان
فقد خرج علينا المحلل السياسي الأمريكى " هوراد بلوم " بكتابه اللافت " عشية التدمير" محللا أمر الوثائق المفرج عنها
عام 2000 م ..

وتضمنت تلك الحقائق الصاعقة

أولا ..
تم ابلاغ اسرائيل بموعد الحرب يوم الخامس من أكتوبر عن طريق احدى الشخصيات العربية المسئولة .. شخصية كبيرة للأسف الشديد ..
طارت الى تل أبيب فى رحلة بالغه السرية وتم استقبال طائرة تلك الشخصية باجراءات سرية بالغه التعقيد فى احد المطارات الحربية السرية الملاصقة لتل أبيب
ومن المطار الى مكان سري مأمون لتقابل " جولدا مائير " رئيسة الحكومة الاسرائيلية فى ذلك الوقت وتضع على مائدتها تفاصيل الموعد المقرر للحرب وهو غروب شمس يوم السادس من أكتوبر ..
وتستمع جولدا مائير لتلك التفاصيل المذهلة وعقلها يتراوح بين طعم الخداع وبين التصديق لمكانة الشخصية ومسئوليتها فى العالم العربي ..!!
وتقوم جولدا مائير باستدعاء قيادات الدولة اليهودية .. وأرسلت فى طلب " ايلي زاعيرا " مدير المخابرات الحربية وكذلك " مائير آميت " رئيس الموساد
وتتابعت اتصالاتها بالمخابرات المركزية الأمريكية لاستطلاع رأيها
وجاءت جميع الآراء والتوقعات والتقارير تشير الى كذب وزيف تلك المعلومات وأن المصريين والسوريين من المستحيل تماما أن يفكروا فى حرب شاملة تؤدى الى تحطيم جيوشهم مع قوة التحصينات الخرافية أمام الجبهتين المصرية والسورية
وبالذات الجبهة المصرية بعائق القناة والساتر الرملى المرتفع والذى يستوعب أطنان المتفجرات دون أن تشق منه جدارا واحدا
اضافة الى الخط العملاق " خط بارليف " بكل تحصيناته وفوق كل هذا خط النار والنابالم المجهز لاشعال مياه القناة فور بدء العبور مما يحيل سطح القناة لجحيم مستعر
وانتهت التقارير والاجتماعات الى استحالة صدق تلك المعلومات !!

ثانيا ..
فى فجر الخامس من أكتوبر وصلت الى رئيس الموساد الجنرال " مائير آميت " برقية بالغه السرية من أخطر عملاء اسرائيل فى مصر على الاطلاق
العميل فائق الغموض والذى كان تعامله المباشر مع رئيس الموساد دون وساطة لخطورة مكانته بالقيادة المصرية وهو العميل ذو الاسم الكودى " الصهر " أو " النسيب "
والذى كان يشغل منصبا بالغ الحساسية بالقيادة السياسية المصرية وبالتالى فقد تم حجب اسمه وكينونته عن جميع قيادات اسرائيل فيما عدا رئيس الموساد ورئيس الوزارة الاسرائيلية والوزراء أعضاء حكومة الطوارئ المصغرة ..

وقصة هذا العميل لها حكاية كبري وهى المعروفة بقصة أو لغز " أشرف مروان "

لغز أشرف مروان


أشرف مروان هو أحد أعضاء المكتب السياسي برياسة الجمهورية المصرية . . وهو فى نفس الوقت زوج الابنة الكبري للرئيس جمال عبد الناصر وقد شغل هذا المنصب أيام حكم عبد الناصر واستمر فى منصبه أيام حكم السادات خلال فترة أكتوبر
وكان أشرف مروان هو العميل البالغ لخطورة المعروف فى القيادة الاسرائيلية العليا
باسم " الصهر " !!

وقد طرح أمره علانية مؤخرا فى الصحف المصرية والتى طالبت أشرف مروان رجل الأعمال حاليا بكشف حقيقة الدور الذى لعبه خلال فترة حرب أكتوبر ..
وهل كان عميلا بالفعل أم أنه كان موفدا كعميل مزدوج لخداع اسرائيل خاصة أنه أبلغ مدير الموساد فى لقائه الذى سبق التنويه عنه بالعاصمة البريطانية " لندن " .. أبلغه بأن موعد الحرب هو غروب شمس آخر ضوء من يوم السادس من أكتوبر

وظل أشرف مروان صامتا حتى وفاته الغامضة فى لندن , وعند هذا تم كشف السر المغلق وهو أن الرجل أحد أبطال المخابرات المصرية الكبار وأن أنه أدى لوطنه خدمات جليلة لم يحن وقت الكشف عنها بعد وهو مجمل تصريح الرئيس حسنى مبارك بعد وفاة الرجل لينتهى الجدل ويحسمه تصريح الرئيس لا سيما وأن أشرف مروان تلقي قبل وفاته دعوة لحفل زفاف نجل الرئيس جمال مبارك وحضره بالفعل
وقد أوضح تصريح الرئيس المصري سر سكوت الرجل وأنه تم بأوامر رسمية لحساسية مهماته التى تولاها لا سيما مهمته فى حرب أكتوبر والتى كان تنفيذها ضروريا لإحباط عملية الإبلاغ التى وصلت لإسرائيل بالفعل ودفع قادة إسرائيل للتشكك وعدم حسم الجدل قبل موعد بدء العمليات المقرر لا سيما وأن أشرف مروان خدع إسرائيل فى موعد الحرب الحقيقي وأبلغهم أنه فى آخر ضوء أى بعد الموعد الأصلي بست ساعات تقريبا

وقام إيلي زاعيرا مدير المخابرات الإسرائيلية أثناء حرب أكتوبر بإعلان هذه الحقيقة فعلا وكان نص تعبيره أن أشرف مروان كان أكبر صفعة تلقتها إسرائيل فى تاريخها ,


وعودة الى موقف القيادة الاسرائيلية بشأن المعلومات التى وصلتها
عليه فقد اتضح لها من مصدرين مختلفين أن موعد المعركة هو آخر ضوء من يوم السادس من أكتوبر أى فى حوالى الساعه السادسة مساء ذلك اليوم ..
وتتابعت الجلسات والمناقشات ووقف موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي وايلي زاعيرا رئيس المخابرات العسكرية وكذلك مائير آمنيت مدير الموساد ضد منطق المعلومات القائل بوجود حرب متوقعه .. بل وقللوا من أهمية كون المعلومات صحيحة .. لأنهم وبناء على التحصينات الخرافية السابق شرحها من المستحيل أن يقدم المصريون بالذات على حماقة تكلفهم ثلاثين ألف مقاتل لمجرد العبور فقط ..
" كان هذا هو المقياس الطبيعى لضحايا العبور "

وقامت جولدا مائير مع التردد والشك .. بالمطالبة بعقد جلسة للوزارة الاسرائيلية صباح يوم السادس من أكتوبر على أن نتنهى قبل الساعه الثانية عشرة لاتخاذ القرار بضربة اجهاض على الجبهتين المصرية والسورية أم لا ..
الغريب فى الأمر ..

أن حادثتين هامتين وقعتا قبل يومين من بدء العمليات كانتا كفيلتين بتنبيه الاسرائيليين تماما للمعركة ..
فقد قام الاتحاد السوفيتى وهو الحليف العسكرى للعرب بارتكاب حماقة رهيبة عندما أرسل الى كل من مصر وسوريا طائرات " أنتينوف " لنقل الرعايا الروس من مصر وسوريا بعد أن قامت القيادة المشتركة بابلاغ السوفيات باقتراب موعد الحرب دون تحديد موعد معين ..
مما حدا بالرئيس السادات الى شد شعر رأس غيظا من حماقات موسكو ..

وكانت الحماقة التالية ..
صادرة من رئيس شركة مصر للطيران ..
فبجوار مطار القاهرة الدولى يقع على الجانب الشرقي منه مطار عسكرى " مطار شرق القاهرة " وقد تسرب موعد بدء العمليات العسكرية الى رئيس الشركة فخشي أن تبدأ العمليات العسكرية وتتطرق الى العاصمة فتتعرض طائرات الشركة للضرب حال تواجدها بالمطار
فقام باصدار أوامره الى قادة طائرات الشركة بالمطارات الأجنبية التى أقلعوا اليها وشدد على عدم عودتهم خلال تلك الفترة !!..
ولا داعى أن أخبركم أن المخابرات المصرية ورجال الاعداد للخطة عندما علموا بالأمر كادوا يفتكون بالرجل القصير النظر منعدم البصيرة ..

وبالرغم من ذلك ..
فقد كانت البرقيات والتقارير من قلب اسرائيل تشير الى عدم احساسهم بشيئ حتى الصباح الباكر من يوم العبور ..
ثم جاءت البرقية الأخيرة قبل المعركة مباشرة من البطل المصري رفعت الجمال تشير الى اعلان حالة التعبئة العامة فى حوالى الثانية عشر ظهرا
لكن بعد فوات الأوان ..
وحتى قرار إعلان التعبئة العامة كان قرارا احتياطيا ولم تتخذه القيادة الإسرائيلية فعليا بغرض يقينها من الهجوم أى أنها قامت به كإجراء احترازى

ومما تجدر الاشارة اليه ..
أن اسرائيل كانت تتصرف على أن أنباء المعركة لو صدقت فستظل أمامهم ست ساعات كاملة تمكنهم من ضربة اجهاض تنقذ الموقف قبل موعد بدء العمليات فى السادسة مساء كما نصت المصادر واتفقت ..
خاصة أن الحروب لا يمكن وفقا للاستراتيجيات العسكرية أن تبدأ الا فى موعدين
أول ضوء .. وهو الشروق ..
وآخر ضوء .. وهو الغروب ..
وتعد تلك القاعدة من القواعد العسكرية التى تم كسرها تماما بحرب أكتوبر .. ومما يثير الفخر بقلب أى عربي أن تلك الحرب أسست علوما جديدة وقواعد جديدة وأنهت دراسات ومسلمات عسكرية كبري كما عبر عنها المحللون العسكريون فى العالم ..

ونأتى لموعد المعركة ..
وباستقراء جميع المصادر الممكنه لم أتمكن من تحديد ما اذا كان موعد الحرب الفعلى تحدد قبل بدء العمليات بالساعه الثانية من ظهر يوم العاشر من رمضان
أم أن الموعد تغير فى آخرلحظة طبقا لتطورات الموقف وتم تقديم الهجوم ست ساعات ..
والحقيقة المؤكدة أن الموعد كان من البداية فى الثانية من ظهر يوم السادس من أكتوبر ولم يتم تغييره وقام أشرف مروان بخداع الموساد بإبلاغهم أن الموعد فى آخر ضوء أى فى السادسة مساء وساعدت النظريات العسكرية على تأكيد بلاغه حيث أن الهجوم لابد له من اختيار موعد بين أول ضوء أو آخر ضوء
لكن الهجوم المصري المنفرد فى الساعة الثانية كان أحد أوجه الإعجاز فى التخطيط وهو معقود ومخطط له من البداية ولم تقم مصر بتغييره كما زعم البعض لأن الضربة الجوية الأولى التى افتتحت بها المعركة كانت هى أول خطوة فى الهجوم ,
ولو كان الهجوم مخططا له آخر ضوء لما كان فى استطاعة القوات الجوية توجيه الضربة فالطيران لا يعمل ليلا


وبهذا .. تم عرض خطة الخداع الاستراتيجى والتمويه على العدو فى موعد المعركة بالشكل البالغ التفوق الذى ظهرت عليه المخابرات العامة المصرية وظهر للعيان شاهدا على قدرة الله وبراعه الرجال عندما تحققت المفاجأة بحذافيرها للجيش الاسرائيلي مما كان له أبلغ الأثر فى تحقيق الأرقام القياسية والمعجزات العسكرية التى حفلت بها أيام المعركة عامة ..

والست ساعات الأولى منها خاصة كما سنرى فى الحلقة القادمة

" العــبـــــــــــــــــــــور "​
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

العبــــــــــــــــــــــــور

أجمل ما في معجزة العبور على الإطلاق وسر عبقريتها الحقيقية أنها جاءت برد صاعق على كل هزيمة في كل معركة من معارك عام 1967 م وأثبت بها رجال القوات المسلحة المصرية أنهم تعرضوا لظلم فادح سببته قيادتهم السياسية والعسكرية ,
وسر إعجاز أكتوبر الحقيقي يكمن في أن القوات المسلحة استطاعت أن ترد الصاع صاعين رغم الفوارق الهائلة في الإمكانيات والتسليح بين الجيشين المصري والإسرائيلي ,
فالجيش الإسرائيلي كان عام النكسة في أوج تفوقه العسكري بينما كان الجيش المصري في أدنى درجاته تسليحا وإعدادا وتدريبا ونصف قوته الضاربة غارق في معركة اليمن ,

وعندما دار الزمن وحان الوقت للرد كان الجيش الإسرائيلي لا زال في عنفوانه وليس كما هو الحال مع الجيش المصري أيام النكسة
ورغم هذا ..
تمكن الجيش المصري من رد الصفعة بمثلها وسدد ديون عام 67 م كاملة على مستوى جميع الأسلحة ,
ففي البداية كان الجيش المصري التي تعرض لهزيمة 67 هو نفسه الجيش الذى رد اعتباره وشرفه العسكري وحقق معجزة على أى مقياس عسكري بشهادة أعدائه قبل أصدقائه ,
وتمكن الطيران المصري من تدمير طائرات العدو المتفوقة على الأرض على نحو ما حدث عام 67 رغم التفوق الجوى الساحق الذى يمتلكه جيش الاحتلال الإسرائيلي ,
وتمكن الجندى المصري أن يسوق أمامه جنود العدو وهم في حالة رعب مقيم فضلا على أنه ساق دبابات العدو أيضا لتفر من أمام جنود المشاة المصريين في مشهد خلدته دوائر الإعلام بصورة مذهلة لدبابة تفر من حامل الآر بي جى !
وتمكن جنود المشاة المسلحين بالأسلحة الخفيفة من اقتحام مانع قناة السويس المستحيل وخلفه المانع الرملى ومن خلفهم خط بارليف الحصين الذى أفتى الخبراء السوفيات أنه يحتاج قنبلة ذرية لتدميره !
فتمكنت موجات الإقتحام الأولى من المشاة في إسقاطه وحدها قبل عبور الأسلحة الثقيلة للجيش المصري بعد ست ساعات كاملة قضاها المشاة على الضفة الغربية بلا أى تغطية من المدرعات !
وتمكنوا من اصطياد دبابات العدو وسجل بعضهم أرقاما قياسية مذهلة غير مسبوقة في اصطياد الدبابات بصواريخ مولوتكا وستريلا حتى أن الجندى عبد العاطى أسقط ثلاثين دبابة بجهده المنفرد !

والأهم من هذا وذاك ,
أن مخططى هزيمة يونيو في إسرائيل والولايات المتحدة والذين ذاقوا لحظة نصرهم بالخطة الشهيرة التي صاغتها إدارة الرئيس الأمريكى ليندون جونسون ,
كانوا هم نفس الفريق الذى ذاق وبال الهزيمة الساحقة في حرب أكتوبر ولم يغب عن المسرح في ذلك الوقت أحد إلا ليفي أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي الذى مات قبل حرب حرب أكتوبر وحلت محله جولدا مائير

ولكى نتمكن من معرفة حجم هذه المعجزة العسكرية يجدر بنا أن نتعرف على طبيعة الموانع والعوائق التي جاهر العدو الإسرائيلي بأنها ستظل عقبة دائمة أمام أى محاولة للعبور من الجانب المصري , وظل الإعلام الموجه للعدو يدندن حول تلك العوائق باطمئنان كامل حتى أن وزير دفاعه موشي ديان جزم بأن أى محاولة للعبور تعنى الإنتحار المؤكد !
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

عوائق العبور ..

لم يحدث في التاريخ العسكري المعاصر ـ حتى في معارك الحرب العالمية الثانية ـ أن واجه جيش مثل هذه العوائق التي جابهها الجيش المصري أمام قناة السويس في حرب أكتوبر مجتمعة ,
horeea_oltober4.jpg


ليس فقط بفعل وجود مانع مائي صناعى يزيد طوله على 220 مترا وهو قناة السويس , بل يتمثل أيضا في أن إسرائيل أقامت أمام القناة وعند حافتها مباشرة ساترا ترابيا مهولا يرتفع إلى 25 مترا وينحدر بزاوية 45 درجة دفعة واحدة مما يجعله حصنا حصينا تعجز القوات عن اختراقه أو النفاذ منه حتى لو فعلت ذلك في ظروف السكون فضلا على ظروف القصف !
وفشلت جميع الوسائل التي تمت تجربتها لفتح ثغرات مناسبة في الساتر الترابي وتم تجريب المدفعية من جميع العيارات ولم تؤد إلى نتيجة لأن الإنفجارات كانت تطيح بالرمال لتعيد تراكمها مجددا بعد خفوت الإنفجار ,
horeea_100oltober.jpg


ولم تكتف إسرائيل بذلك :
بل أنشأت خطا دفاعيا مستحيلا خلف الساتر الترابي يعتبر أقوى الخطوط الدفاعية في التاريخ وتم إنشاؤه مرتين ,
تمكن المصريون من تدمير بنيانه الأول أثناء حرب الإستنزاف فأعادت إسرائيل بناءه بعد وقف إطلاق النار بناء على مبادرة روجرز مما منحها الفرصة الكاملة لبناء تحصيناته التي تكلفت 238 مليون دولار ,
ويتكون خط بارليف من 22 موقعا حصينا يضم 31 نقطة محصنة يبلغ عمقها 500 كليومتر مربع وتحتوى على مربع كامل من التحصينات والدشم والسواتر المانعة فضلا على حقول الألغام التي تحيط بها من كل جانب بالإضافة إلى خمسة عشر نطاقا من الأسلاك الشائكة للنقطة الحصينة الواحدة
وتتكون كل نقطة حصينة من 26 دشمة محمية تتحمل القصف الثقيل دون أدنى تأثر بفضل ما وفره العدو من تحصينات تتمثل في شكاير رمل متعددة الطبقات ثم طبقات أخرى من قضبان السكك الحديدية بسمك ثلاثة أمتار للطبقة الواحدة وأخيرا طبقات ردم وفوقها سبعة صفوف من البلاط الخراسانى عالى الصلابة ومحيط كامل من الأسلاك الشائكلة يغطيه صناديق متعددة مملوءة بالدبش والحجارة للوقاية من الضرب المباشر[1]
ومن الداخل تم تجهيز ملاجئ مريحة للأفراد بحيث يحارب أفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي من خلف تلك التحصينات وهم في أمان تام ويستخدمون سائر أسلحتهم من خلال نوافذ وممرات تم إعدادها في قلب الحصون لصد أى هجوم


horeea_380imagebarlef.jpg



تحصينات خط بارليف الذي سقط في 6 ساعات وكان من اقوي الخطوط الدفاعيه في العالم اجمع
horeea_154imagebarlef.jpg



ويضاف إلى ذلك أن إسرائيل أقامت تحت مياه القناة وبامتدادها بؤر وفتحات سرية تتصل بخراطيم وبراميل تبث سائل النابالم الذى يشتعل بمجرد ملامسة الهواء الطلق ,
وفتح هذه الأنابيب كفيل بأن يحيل سطح القناة إلى جحيم مستعر تربو درجة حرارة سطحه إلى 500 درجة مئوية لأن النابالم أقل كثافة من الماء ومن ثم يسبح فوقه ويشتعل فور ملامسته الهواء مما يجعل القوات المبادرة للعبور في مواجهة الفناء المؤكد
ويزيد الأمر صعوبة إذا علمنا أن الجانب المصري اضطر أيضا لرفع ساتر رملى مماثل على الضفة الغربية للقناة فى مواجهة العدو للحماية من القصف المدفعى والرقابة ,
وأى محاولة لفتح ثغرات من الجانب المصري سيرصدها العدو على الفور بنية الهجوم المصري الوشيك
وهكذا أصبح أمام الجيش المصري ساترين ترابيين فضلا على عائق القناة وأنابيب النابالم ثم تحصينات خط بارليف !!



ومع كل تلك الصعوبات برزت أمام القيادة المصرية عدة عقبات أخرى ليست بالهينة , ومنها ..
* لو تم فرض وصول قوات العبور أو معظمها سليمة إلى الضفة الشرقية فكيف سيتمكن المشاة من مواجهة دبابات العدو وتحصيناته وهم بالأسلحة الخفيفة ومدرعات الجيش المصري لن تعبر قبل ست ساعات على الأقل بعد إنشاء الكباري
* وجود محطات إنذار مبكر متقدمة للغاية لدى العدو ومنها محطة متطورة تسلمتها إسرائيل من الولايات المتحدة وفى قدرة تلك المحطة التقاط قيام الطائرات المصرية من مطاراتها وهو ما يفقد الجيش المصري زمام المبادرة بالضربة الجوية الأولى
* بالنسبة لموجات العبور الأولى والتى سترتقي الساتر الترابي للعدو كيف سيمكنها حمل أسلحتها ومعداتها وارتقاء الساتر الترابي بارتفاعه الذى يزيد على عشرين مترا فى معظم مناطقه ,
* كيف سيتم التعامل مع نقاط خط بارليف الحصينة وهل ينتظر المشاة طوال فترة الساعات الست حتى عبور وحدات المدفعية الثقيلة أم يبادروا بالهجوم ؟!
* كيف سيتم التعامل مع حقول الألغام المحيطة بحصون بارليف والمعدة ضد الدبابات والأفراد فضلا على مصائد الدبابات المجهزة التى دفعها العدو خلف تحصينات خط بارليف
* فور بدء الهجوم سيكون أول إجراء للعدو هى الإعداد لهجوم مضاد سريع بدفع إحتياطى الجيش الإسرائيلي ومدرعاته لتعبر ممرات سيناء فى طريقها لخط المواجهة , وهذه القوات ستواجه مشاة الجيش المصري قبل موعد عبور المدرعات المصرية مما يجعل النتيجة محسومة بنجاح الهجوم المضاد
* كيف يمكن خداع الأقمار الصناعية العسكرية الأمريكية التى ترصد الجبهة بدقة وستتمكن من التقاط الحشود أثناء إعدادها لعملية العبور مما يجعل العدو يكتسب فرصة مناسبة للقيام بضربة إجهاض



هذا باختصار شديد مجمل العوائق المستحيلة التى جعلت إسرائيل تطمئن تماما إلى استحالة مبادرة مصر بالهجوم أو سحق هذا الهجوم لو جرؤ المصريون على فعله , وهى عوائق مستحيلة بالفعل كما وصفها العدو وكما عرضنا بعضها , ولكن استحالتها تطايرت كالشظايا بفضل الإيمان العميق الذى كان يعصف بكل جندى ومقاتل وقائد وفرد من أفراد الشعب المصري منذ سقوط سيناء ..
هذا الإيمان الذى جعل عزيمتهم على القتال لا يباريها عزيمة ولا تتراجع لها همة كما سنرى






الهوامش
[1]ـ حرب رمضان ـ اللواء حسن البدرى وفريق التأريخ العسكري الرسمى المصري ـ طبعة الهيئة المصرية للكتاب
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

الخطة والإعداد ..

كانت الخطوط الإستراتيجية التي قامت بها مصر من أعلى المستويات إلى أدناها على أكبر درجة من التعقيد والكفاءة بشكل مذهل استحق معه العرب منذ تلك اللحظة أن يعيد الغرب دراساته عليهم من جديد
ليس فقط من حيث مستوى التخطيط السري والتمويه الذى تفوقت به مصر وسوريا على الموساد الإسرائيلي وأجهزة المخابرات الأمريكية العملاقة بكل إمكانيتها التقنية المرعبة والتى لم تفد شيئا لحظة قيام الحرب ..
مما تسبب في المواقف المضحكة لكبار مسئولى الدولتين حيث كان رئيس الأركان الإسرائيلي قبيل قيام الحرب مباشرة يؤكد في مؤتمر صحفي عدم قدرة مصر على الهجوم وأن إسرائيل من ناحيتها لن تبادر بإشعال الموقف
وأثناء إلقائه هذه الكلمات كانت الطائرات المصرية تدك حصون العدو في سيناء والدبابات السورية تقتحم الجولان في شجاعة مذهلة .. ودخلت برقية الأنباء لرئيس الأركان ليصيبه الذهول وغادر القاعة على الفور
وفى الولايات المتحدة وقبل الحرب بأيام طلب هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى تقرير أجهزة المخابرات الأمريكية عن احتمال اشتعال المعارك وتلقي تأكيدا بالنفي على أعلى المستويات ,
وفى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر وكانت توافق التاسعة صباحا بتوقيت الولايات المتحدة , دخلت سكرتارية كيسنجر لايقاظه بصفة عاجلة حاملة أنباء قيام الحرب في الشرق الأوسط !!

ليس على هذا المستوى وحده كان التفوق المصري والسورى , بل كان التفوق يتدرج على سائر المستويات وحتى أصغر جندى حتى أنه يمكننا القول بإطمئنان كامل أن كل جندى وكل عامل شارك في تلك المنظومة الهائلة قام بدوره بالفعل على أعلى مستويات الكمال والدقة دون أدنى خطأ !
ومن المستحيل أن يكون هذا الإعجاز الذى بذل حد الكمال مرهونا بالإرادة البشرية وحدها بقدر ما هو الإخلاص والإيمان الذى كانت تحركه العقيدة الإسلامية في نفوس المقاتلين ليظهروا على هذا النحو الذى أبهر قادة العدو أنفسهم وعبر عنه أعتى جنرالاتهم وهو آريل شارون الذى استضافه التليفزيون البريطانى وأخذت المذيعة تعدد أمامه أسباب التفوق المتوقعة للقوات العربية المقاتلة وتسأله ف حيرة عن السبب الحقيقي لتلك المفاجأة
فقال شارون :
( كل ما ذكرتيه وتناوله الإعلام في الأيام السابقة في حرب يوم كيبور [1] عبارة عن مظاهر لهذا التفوق من حيث التخطيط لكن السبب والمفاجأة الحقيقية لنا فى تلك الحرب حقيقة هى طبيعة الجندى المصري نفسه , لقد واجهنا هذا الجندى فى حرب 56 وحرب 67 ولم يكن أبدا بمثل هذه القدرة المذهلة من الكفاءة والإنتحارية .. هذا فى رأيي هو المفاجأة الحقيقية والعامل الحاسم الذى تفوق به المصريون )[2]

وكلمات شارون حقيقية رغم أنها تحتاج تعديلا بسيطا وهو أن الإسرائيليين لم يواجهوا الجندى المصري الحقيقي فى حرب يونيو أو حرب السويس , لم يواجهوا الجندى المدرب تدريبا عادلا حيث كانت حالة الجيش المصري فى تلك الفترة أبعد ما تكون عن التدريب والتأهيل الحديث الذى ينبغي أن يكون عليه المقاتل وتظهر فيه براعته
هذه البراعة الذى جعلته يتفوق بمراحل على الجندى الإسرائيلي عندما تعادلت الكفتان فى مستوى التدريب والسلاح ,

وفى مجال التخطيط الحربي فإن القوات المسلحة المصرية بتعاون قادتها جميعا على مراحل الخطة وسبل التعامل مع عوائق العبور ضربت أعلى مثل من الكفاءة العسكرية الخلاقة التى اخترقت العلم الحديث بالموهبة الجسورة الذى تجد لكل المشكلات المستعصية حلولا سحرية ليؤكد المقاتل المصري على أن السلاح بالرجل وليس الرجل بالسلاح ,
وقد سجل اللواء محمد عبد الغنى الجمسي رئيس هيئة العمليات بالجيش المصري تفاصيل الخطة والحلول المتفق عليها فى كراسة كانت معروفة فيما بعد باسم ( كشكول الجمسي ) لم تكن تفارق كف رئيس هيئة العمليات المهيب الذى أطلقت عليه إسرائيل اسم ( الجنرال النحيف المخيف )
وقد تضمنت الحلول عبقرية فذة تمثلت فيما يلي :
أولا : بالنسبة لتكنولوجيا المراقبة والرصد والتتبع التى كانت تمتلكها إسرائيل أو أقمار المراقبة الأمريكية التى تخدم الإسرائيليين لنفس الهدف كانت الحلول مبتكرة إلى أقصي حد ,
فالحشود المقررة على الجبهة المصرية تلقي قادتها أوامر مشددة للغاية باتباع جدول دقيق للتحرك والتوقف والسرعات من المناطق العسكرية المختلفة إلى الجبهة بحيث يكون تحركها فى غياب المجال الجوى للرقابة من الأقمار الأمريكية والذى حدده علماؤنا بدقة متناهية ,
وتغلب الجيش المصري على أساليب التصنت الإليكترونى بأسلوب غاية فى البراعة حيث تم فرض صمت لاسلكى كامل على جميع الوحدات البحرية ووحدات الصاعقة التى بدأ تحركها قبل ساعة الصفر ولم يُسمح لتلك الوحدات باستخدام اللاسكى أصلا وخرجت فى مهماتها المحفوظة مسبقا حيث قامت تلك الوحدات بمهماتها فعليا دون أن تدرى أو تملك التراجع فى حالة عدم قيام الحرب وهو ما نفذته وحدات البحرية التى خرجت قبل يومين من المعركة لغلق مضيق باب المندب أمام البحرية الإسرائيلية , وكذلك بالنسبة لوحدات الصاعقة التى إسقاطها قبل ساعات من العبور خلف خطوط العدو لتعطيل سيطرته على المضايق فى سيناء
وبهذا الحل البسيط نزع الجيش المصري كل التفوق التكنولوجى الذى تميز به العدو فى مراقبة الإتصالات
أما بالنسبة لمحطة الرصد المتقدمة فى سيناء والتى كان من الممكن أن تكشف إقلاع طائرات الضربة الجوية الأولى فقد تمكنت المخابرات المصرية من تعطيلها قبل ساعة واحدة من ساعة الصفر عن طريق أحد عملائها وبالتالى لم تعط المحظة الإنذار المناسب عند قيام الطائرات المصرية لأن المحطة كانت تعانى من فصل فى الطاقة الكهربية فى ذلك الوقت وهو الفصل الذى تعمده بالطبع عميل المخابرات المصرية الذى تم تجنيده
أما أساليب الرصد المباشر فتصرفت فيها القيادة عن طريق حل بسيط وهو نقل معدات وورش صيانة المعدات إلى الجبهة قبل فترة كافية من موعد العمليات بحيث أصبح معتادا أن تصاب الدبابات بأعطال مختلفة وتذهب فى حشود علنية إلى مراكز الإصلاح المتقدمة فى الجبهة وهو ما وفر لتلك الدبابات تمركزها أمام أعين العدو دون أن يدرك الهدف من هذا ,
أما معدات العبور فقد تم وضعها فى الجبهة فى هياكل خشبية معدة كأهداف مموهة أمام الطيران الإسرائيلي , وسربت القيادة المصرية لإسرائيل أن تلك المعدات الهيكلية معدة لخداع ضربات العدو كما هو معتاد فى الحروب
وبالطبع ضحك الإسرائيليون من سذاجة المصريين ولم يضربوا هذه الأهداف ولم يتبينوا حقيقة الخدعة إلا يوم العبور حيث خرجت معدات العبور كاملة من قلب تلك الهياكل الخداعية



الهوامش
[1]ـ حرب يوم كيبور أو يوم الغفران هو اسم حرب أكتوبر كما تسميها إسرائيل لأنها تمت فى عيد الغفران اليهودى
[2]ـ حراس الهيكل ـ فريد الفالوجى ـ دار أطلس للنشر والتوزيع


 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

ثانيا : بالنسبة للساتر الترابي المصري المقابل للساتر الإسرائيلي على الضفة الغربية كان الحل إعداد ثغرات مخفية مغطاة بحجم أقل من الرمال والأتربة سهلة الإزاحة تمركزت خلفها قوات الموجة الأولى من العبور بحيث تمكنت القوات من إزاحتها بسهولة عندما بدأت العمليات ,
أما الساتر الترابي على الضفة الغربية فقد تكفل بحل المشكلة أحد عباقرة سلاح المهندسين وهو المقدم ( اللواء فيما بعد ) باقي زكى يونس والذى وجد بعبقريته حلا للمعضلة التى وقف أمامها الخبراء السوفيات أنفسهم عاجزين , حيث أعطى فكرة استخدام القناة نفسها فى إزاحة الساتر عن طريق طلمبات ضخ مياه شديدة تكون بمثابة مدافع مياه متفجرة تتسبب حتما فى إزاحة الكمية الهائلة من الرمال والأتربة وفى وقت قياسي لا يتعدى أربع ساعات ,

أما الطمى المترسب والذى أثبتت التجارب أنه سيكون بارتفاع متر كامل ويستحيل أن تعبر قطع المدفعية الثقيلة فوقه فقد كان الحل فى استخدام معدات البناء من الأوناش والرافعات لكسح طبقة الطمى إلى مياه القناة وفرش أرضية من الزلط والدبش تحتمل عبور المعدات الثقيلة وقطع المدفعية

ثالثا : أما مشكلة قوات العبور الأولى والتى ستظل بلا تغطية من المدرعات طوال ست ساعات طويلة من الممكن أن يستغلها العدو فى تصفية الفرق العابرة من المشاة والصاعقة فكان الحل الفريد البالغ البساطة إلى حد العبقرية أن يتم تزويد الموجات الأولى من العبور جميعا بمدافع الآر بي جى المضادة للدبابات ليستخدمها المشاة جميعا فى ردع مدرعات العدو ومقاومتها حتى انتهاء فترة إعداد رءوس الجسور والكباري والتى ستعبر عليها مدرعاتنا ,
وعبقرية الحل تكمن فى أن فكرته ليست جديدة بالنسبة للسلاح ذاته لأنه كان معروفا بالطبع ومستخدما إنما العبقرية تكمن فى كمية استخدامه التى تعدت كل نسب الإستخدام فى سائر جيوش العالم حيث لم يسبق أن تم تزويد قوات مشاة بحجم قواتنا العابرة بتلك المدافع حيث صار مع كل جندى من القوة العابرة الأولى مدفعا صاروخيا مضادا للدبابات وتم تدريب أفواج العبور جميعا على نظرية ( الرجل ضد الدبابة ) والتى كانت واحدة من عشرات النظريات التى تم تدريسها فى المعاهد العسكرية العالمية والتى أسقطت وأنهت عصر الدبابة عمليا فى العصور الحديثة بعد أن بلغت خسائر العدو حدا مذهلا من الدبابات بمعدل انهيار لم يسبق تسجيله من قبل
أما مشكلة ثقل المعدات التى حملها كل جندى معه وزادت عن ثمانين كيلوجراما مما يعيق حرية الحركة لا سيما فى تسلق الساتر الترابي فوجدت القوات الحل فى عربات خفيفة القيادة يسحبها الجندى خلفه حاملة معداته وتعيينه من الماء والغذاء بالإضافة لسلالم الحبال التى سهلت مهمة الموجهة الأولى التى تسلقت الساتر الترابي قبل فتح الثغرات فيه بمدافع المياه

رابعا : مشكلة الألغام المضادة للدبابات والأفراد والتى بثها العدو أمام مواقع خط بارليف الحصينة وكانت تمثل مصيدة كبري لقواتنا المهاجمة ,
تم التغلب عليها عن طريق المدفعية المصرية التى وجهت نيرانها بكثافة غير مسبوقة بقوة 2000 مدفع نحو تلك التحصينات لتطهير حقول الألغام ,
ولكى يكون الضرب دقيقا ومثمرا فقد عبر رجال توجيه المدفعية مع القوات العابرة فى أول لحظة للهجوم وهم الذين تولوا بانتحارية مذهلة تصحيح نسبة الخطأ أمام رجال المدفعية على الضفة الغربية للقناة لتنفجر كافة الألغام المحيطة بخط بارليف
ولا شك أن هذا الحل كان ينطوى على خطورة بالغة حيث أن المعدل الطبيعى لابتعاد الأفراد عن مدى قصف المدفعية كان يجب ألا يقل عن 300 متر بحد أدنى لكن القوات العابرة كسرت هذا الرقم بشجاعة فائقة واقتحمت خط بارليف على بعد من 100 إلى 150 متر من القذائف المتفجرة كما تم تدريبهم من قبل

خامسا : وجاء دور المشكلة المزمنة المتمثلة فى أنابيب النابالم الحارقة التى كان باستطاعتها إذابة جنود العبور , فقد تمكنت المخابرات المصرية من الحصول على كافة الخرائط والتصميمات التى تم وضعها لتلك الفتحات وفى فجر يوم السادس من أكتوبر تسللت وحدات من الصاعقة إلى مياه القناة تحت الساتر الترابي وقامت بكشف مواقع الفتحات وسدها بمادة جيلاتينية سريعة التصلب بالإضافة إلى قيامها بقطع الخراطيم المغذية لتلك الفتحات مما عطلها عن العمل دفعة واحدة ولم تعمل ماسورة واحدة من تلك الأنابيب عندما حاول العدو استخدامها ,
كما قامت وحدات الصاعقة بواحدة من أصعب المهام وهى تلك الوحدات التى تم إسقاطها بيوم كامل خلف خطوط العدو عند ممرات سيناء والتى كانت مهمتها العمل على إعاقة عبور إمدادات إحتياطى العدو من الدبابات والمدرعات إلى الخطوط الأمامية عند اشتعال القتال , ولمدة ست ساعات على الأقل حتى بدء عبور المدرعات المصرية
وقامت الوحدات بمهمتها الإنتحارية كاملة حيث لم تتمكن وحدة واحدة من وحدات مدرعات العدو من الوصول إلى خط المواجهة إلى مع أول ضوء من اليوم الثانى للقتال

يتبع ...
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

العـــبــور


أجد نفسي مرغما دائم الإستشهاد بشطرة من بيت شعر عربي حكيم تقول
( فالحق .. ما شهدت به الأعداء ) ..
لسنا نحن الذين سطرنا بقلم الإنبهار هذا الإنجاز العسكري الغير مسبوق في العصر الحديث , بل كان أول المنبهرين والمعترفين هم قادة العدو أنفسهم وحلفائه ثم كافة المعاهد العسكرية المحايدة التي تناولت معارك حرب أكتوبر بنظرياتها الجديدة التي أرساها شبابنا فوق الجسور في الفترة من يوم 6 إلى 25 أكتوبر 1973 م ,
وهذه الحقيقة الهامة هى التي يجب أن تظل بمخيلة أى شاب عربي وهو يتأمل أى محاولة لتقليل هذا الإنجاز أو تدمير روحه المعنوية في أعماقه بحجة أنه تاريخ غير قابل للتكرار !



فإنجاز يوم السادس من أكتوبر الذى وافق العاشر من شهر رمضان المبارك لم يتحقق في ذات اليوم بل تحقق منذ نكسة يونيو وفى اليوم التالى لها مباشرة عندما أعلنت العزيمة نيتها لكسر الهزيمة ,
وتفجرت معارك حرب الإستنزاف وقبلها البطولات الفردية التي لم تجعل العدو يهنأ بخدعة انتصاره ولو ليوم واحد ,
أى أن العزيمة أعلنت عن نفسها في ظروف كانت أشد مرارة من واقعنا الحالى بمراحل ومع ذلك تمكن هذا الإيمان الذى لا يلين من كسر ثقافة الهزيمة والإستسلام ودفع الحرارة إلى العروق لتجرى فيها دماء المعركة من جديد ,



وعندما نتأمل تصريحات العدو عن تحصيناته ـ والتى كانت بالفعل كما يُـقال معجزة عسكرية ـ ونتذكر كم أنهم في الغرب دائما يتميزون بالواقعية بعكس حالنا نحن ـ كما يتهمونا دائما ـ حالمون ورومانسيون ,
عندها ندرك حقيقة الفارق الشاسع الذى صنعه عنصر الإيمان بالله تعالى في أعماقنا عندما لانت الحصون وذابت الدروع في يوم من أيام الله بلا شك
قال الجنرال موشي ديان عن خط بارليف قبل تحطيمه في حرب رمضان [1]
horeea_moshe_dayan.jpg
( إن عمليات العبور ـ إن حدثت ـ فلن تؤثر في قبضة إسرائيل الفولاذية عليه وستفشل أى محاولة للهجوم على هذا الخط المستحيل تدميره والذي صرفنا في تحصيناته مبالغ طائلة .. إننا أقوياء بشكل يكفل لنا البقاء به هكذا إلى الأبد )
وقالت جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية ..
horeea_sahm2007_455px-Golda_Meir_03265u.jpg
( إن خط بارليف هو رمز الذكاء والعبقرية الإسرائيلية , وأى محاولة للتفكير في اقتحامه هى إهانة لهذا الذكاء ! )
بينما قال الجنرال حاييم بارليف مبتكر الخط ..
horeea_barlev_haim.jpg
( سيظل خط بارليف هو الحاجز المستحيل الذى يقف أمام أى حماقة مصرية لاختراقه )
وقال توماس تشيهام أحد كبار المراسلين الحربيين ..
( لقد جعل خط بارليف سيناء عمليا تابعة للجانب الإسرائيلي )



ولنا أن نتخيل ردة الفعل بعد انهيار خط بارليف وسقوطه في أيدى الجيش المصري بعد ست ساعات فحسب وأمام قوات مشاة وصاعقة خالية إلا من الأسلحة الخفيفة والمحمولة وبدون معاونة أى قطعة مدفعية !!
كان الذهول هو القاسم المشترك الأعظم بين الأعداء والأصدقاء على حد سواء ,
فالأصدقاء الذين تمثلوا في الجانب السوفياتى صاحب الخبرات العريقة في الحرب العالمية الثانية كانوا يرون نفس وجهة النظر القائلة باستحالة اقتحام خط بارليف بالمواجهة وحتمية اجتيازه دون مواجهته وإذا كان خيار المواجهة لازما فإن الخط كى يسقط يحتاج إلى قنبلتين ذريتين عياريتين دفعة واحدة ,
وأما الأعداء فقد صمت أغلبهم عن النطق وأما المتكلمون فقد جاءت تصريحاتهم معاكسة تماما لما كانت عليه قبل أيام قليلة من بدء عمليات الحرب
قال رئيس دولة إسرائيل إبراهام كاتزير [2]
( لقد كنا نعيش فى وهم حقيقي ما بين عام 67 و73 وفى نشوة ليس لها أى مبرر واقعى وهذه الحالة النفسية هى المسئولة عن الأخطاء التى فى حرب أكتوبر فى كل المجالات العسكرية والسياسية والإجتماعية وعلينا أن نتعلم بعد هذه الحرب الفظيعة أن نكون أكثر تواضعا وأقل نزوعا إلى المادية )
أما جولدا مائير التى فاخرت بالذكاء الإسرائيلي فقد أرسلت لهنرى كيسنجر وزير الخارجية تحفزه لشحن السلاح ..
( أسرع بالسلاح الآن قبل الساعة القادمة .. لقد وقعت إسرائيل )
أما حاييم بارليف الذى أسس الخط الدفاعى وفاخر به فلم يجد تعقيبا إلا أن قال :
( لقد هاجمونا ونحن فى غفلة تامة )
ولسنا ندرى أى غفلة تلك وأين هو خطه الدفاعى الذى كانت إسرائيل تنام خلفه مطمئنة ؟!
أما الجنرال الإسرائيلي ناركسيس فقد عبر عن مجمل شعورهم فى كلمات جامعة فقال :
( ليس هناك بد من الإعتراف أن المصريين خططوا لقتالهم بمنتهى البراعة , لقد كان التخطيط بارعا والتنفيذ أشد براعة ولقد حاولنا بكل قوة وجهد إعاقة عملية العبور فلم نفلح وتحطمت كل هجماتنا المضادة عليهم حتى فوجئنا صباح السابع من أكتوبر بسبع فرق كاملة على الضفة الغربية كما لو كانوا أشباحا انتقلوا فى غمضة عين ! )
وخرجت مجلة النيوز ويك الأمريكية بعنوان ضخم يقول :
( إن الفجوة التكنولوجية ـ التى كانت تفاخر بها إسرائيل ـ قد لحقتها مصر وسبقتها أيضا )
وظهرت الجيروساليم بوست تطرح أسئلة الشعب اليهودى الذى كان غارقا فى أحلام أمنه فقالت عناوينها :
( ما الذى حدث وأين يكمن الخطأ )
أما جورج ليزلى رئيس المنظمة اليهودية فى ستراسبورج فقال :
( لقد أسفرت الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة عن كارثة كاملة بالنسبة لإسرائيل فنتائج المعارك والإنعكاسات التى ظهرت عنها فى إسرائيل تؤكد أهمية الإنتصارات التى حققتها القوات العربية , تلك الإنتصارات التى أنهت أسطورة الشعور بالتفوق لدى الجيش الإسرائيلي الذى لا يقهر )
ويقول توماس تشيهام المراسل الحربي الذى سبق وأشاد بالقوات الإسرائيلية واستحكاماتها :
( إن الطيران الإسرائيلي لم يتمكن من تحقيق النجاح الذى كان يتوقعه الشعب الإسرائيلي , لقد وضح من خلال سير المعارك أن تلك المزاعم حول قدرة الطيران الإسرائيلي مزاعم بلا أساس )
وعن خط بارليف المنيع يقول المحلل العسكري باولو بترونتى فى مجلة أنابيلا الإيطالية :
( إن خط بارليف الذى شيدته إسرائيل على غرار خط ماجينو الفرنسي سقط تماما كما سقط سابقه قبل 34 عاما لقد فر الجنود الإسرائيليون من هذا الخط أمام القوات المصرية المهاجمة تاركين دروعهم وتحصيناتهم أمام الجحيم الذى تفجر أمامهم فجأة ! )
وقال موشي ديان فى محاضرة ألقاها فى النادى الهندسي فى تل أبيب ونشرتها جريدة هامو دياع فى أول يناير 1974 :
( إننى كوزير للدفاع لم أقدّر كفاءة المقاتل العربي وفعاليته حق قدرها إذا أنها ظهرت بكفاءة عالية جدا أكبر مما قدرتها بيانات ومعلومات المخابرات الإسرائيلية ! )





الهوامش
[1]ـ أبطال الفرقة 19 مشاة ـ الفريق يوسف عفيفي ـ دار الصفوة للنشر والتوزيع
[2]ـ حرب رمضان ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وعلى ذكر المخابرات الإسرائيلية التى تميزت بالإمكانيات الخرافية هى وشقيقتها الأمريكية قررت لجنة التحقيق فى أسباب التقصير التى شكلتها الحكومة الإسرائيلية ورأسها القاضي شيمون أجرانات وعُرفت باسمه :
( إن المخابرات الإسرائيلية العامة والحربية قصرت تقصيرا فادحا كانت من نتائجه تهديد وجود الدولة اليهودية )

وهذه اللجنة هى التى أوصت بتقاعد كافة القيادات العسكرية والأمنية وعلى رأسهم إيلي زاعيرا مدير المخابرات الحربية [1]
وعن حقيقة قبول إسرائيل لوقف إطلاق النار قالت النيوز ويك في عددها الصادر 29 أكتوبر عام 1973 م :
( إن الدافع الحقيقي لإسرائيل في وقف قبول إطلاق النار كانت خسائرها المروعة في المعدات والأفراد )
وعن الأرباح والخسائر في الجولة الرابعة من الصراع العربي الإسرائيلي أذاعت وكالة it يوم 11 نوفمبر نقلا عن المصادر العسكرية الأمريكية تصريحاتهم ..
( إن ميزان القوى الإستراتيجى في الشرق الأوسط قد تغير بعد حرب أكتوبر لصالح العرب ) [2]

أما أعظم الشهادات التى سطرتها أقلام العدو وتصريحاته فتكمن فى مصدرين لهما من الأهمية أقصاها ,
الشهادة الأولى : وهى تقرير لجنة التحقيق الإسرائيلية برياسة رئيس المحكمة العليا فى إسرائيل شيمون أجرانات والتى عُرفت باسم ( لجنة أجرانات ) والتى تولت التحقيق مع القيادات السياسية والعسكرية وأودعت توصياتها فى تقرير مطول تم نشره فى كتاب كامل بعنوان ( المحدال ) أى ( التقصير ) ونصوص الكتاب كلها تحمل أروع وأصدق شهادة بحجم المفاجأة المذهلة التى حققتها حرب أكتوبر على المستوى التكتيكى والتعبوى معا لأول مرة فى التاريخ , فضلا على احتواء التحقيق على عدد من الحقائق المذهلة التى كشفت انهيار أعصاب القادة العسكريين والجنود أمام فعاليات القتال وأداء الجيش المصري رغم التفوق التكنولوجى والإمدادات العسكرية الأمريكية التى لم تنقطع طوال أيام القتال
ومن فكاهيات هذا التقرير شهادات بعض القادة أنهم فوجئوا بانتحارية الجنود المصريين على خطوط القتال بشكل أكد لهم أنها انتحارية غير طبيعية وحتما خلفها معالجة غير طبيعية !!
الشهادة الثانية : وتكمن فى تقرير لجنة تقصي الحقائق فى الكونجرس الأمريكى والتى تعادل أهمية تقرير لجنة أجرانات واحتوت تقارير لجنة التحقيق على البنود التالية [3] :
* إن اقتحام وسقوط خط بارليف عمل عسكري لا يقل في أهميته عن سقوط خط ماجينو الفرنسي أمام الجيش الألمانى في الحرب العالمية الثانية
( وهنا لابد لنا من ملحوظة هامة حيث أن خط بارليف كان يتفوق في تحصيناته مائة مرة أكبر من خط ماجينو , وليس هذا فقط بل إن خط ماجينو لم يسقط في يد الألمان بالهجوم المباشر كما هو الحال مع خط بارليف بل سقط بالتفاف الألمان من حوله ومهاجمته من الخلف )
* أن التخطيط المصري للمعارك كان على كفاءة عالية وقد تمكن من تجاوز أسباب التفوق الإسرائيلية في الطيران باستخدام صواريخ سام 6 الدفاعية للارتفاعات العالية وستريلا للارتفاعات المنخفضة , كما تفوق على المدرعات بحل مبتكر وهو استخدام صواريخ مولوتكا المضادة للدبابات بكثافة , كما تفوقت في التعبئة العامة بتحقيق عنصر المفاجأة وبالتخطيط للحرب على جبهتين في توقيت واحد
* إن مصر لم تكن تمتلك أسلحة متقدمة سببت باستعمالها مفاجأة بل كانت المفاجأة في طريقة استخدام هذه الأسلحة فاستطاعت أن تجد وسيلة مبتكرة في استخدام الإمكانيات التي تحت يدها فاستخدمت عامل انتشار الأسلحة بصورة مذهلة ـ أى في الكميات التي وصفتها اللجنة بأنها غير مسبوقة ـ فأمام الطائرات كانت هناك آلاف مؤلفة من صواريخ ستريلا وأمام الدبابات كانت هناك آلاف من صواريخ مولوتكا
وقد لاحظ الكونجرس الأمريكى ملاحظة هامة وذكية وهى أن استخدام الأسلحة بهذه الكثافة والإنتشار لم يكن مكلفا فوق الطاقة بالنسبة لمصر , فالصاروخ السوفيتى المضاد للدبابات كان ثمنه ألف دولار بينما الصاروخ الأمريكى ـ الذى تستخدمه إسرائيل لتأدية نفس الوظيفة ـ كان يبلغ ثمنه عشرة آلاف دولار !
* ومع ذلك لم يكن التفوق كميا فحسب بل كان لدى المصريين تفوق في الكيف لا شك فيه ومن نماذجه أن صواريخ سام 6 المتطورة حصلت عليها مصر بينما لم تحصل عليها فيتنام , والدبابة المتقدمة ( ت 62 ) لم تكن قد حصلت عليها قوات حلف وارسو عندما دخلت الخدمة في القوات المصرية
* كان التنفيذ المصري للتخطيط المحكم أكثر إحكاما , حيث أشارت اللجنة إلى أن التفوق في السلاح استخداما ونوعا صاحبه تقدم مدهش في الأداء وكفاءة التدريب ,
وهذه الحقيقة كشفت عنها العمليات العسكرية التي أدهشت قادة الجيش المصري أنفسهم فقال المشير أحمد إسماعيل أن أداء الجنود والضباط كان فوق مستوى التخيل وبدا كما لو أنهم يقومون بتدريب عملى لا أنهم بصدد عمليات حقيقية ,
وهو ما تم فعلا فالخسائر التي كانت متوقعة في ضربة الطيران كانت تزيد على 20 % ولو اقتصرت نسبة الخسائر على هذا فالضربة الجوية تعتبر فائقة النجاح ,
لكن الخسائر الواقعية لم تتعد 2% من قوة الطائرات المهاجمة !
وكانت الخسائر المتوقعة المحتملة في قوات العبور تقدر بالآلاف فإذا بها تنجح بخسائر لم تتجاوز 158 فردا !!
والمفارقة العظيمة بالفعل أن هذه الخسائر كانت بالفعل أقل من معدلات الخسائر التي كانت تتحقق في أثناء التدريبات !


الهوامش :
[1]ـ حرب يوم الغفران ( مذكرات إيلي زاعيرا ) ـ ترجمة توحيد مجدى ـ المكتبة الثقافية ببيروت
[2]ـ حرب رمضان ـ مصدر سابق
[3]ـ حرب أكتوبر ( السلاح والسياسة ) ـ محمد حسنين هيكل ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

بدء العمليات وسقوط الأسطورة

لو تأملنا الشهادات السابقة من قيادات العدو أو القيادات العالمية أو حتى شهادات القادة المصريين الذين انبهروا بطريقة الأداء في عمليات العبور والنجاح المذهل لبداية العمليات ,
لوجدنا هنا نقطة اتفق عليها الجميع وهى أن ما حدث يوم السادس من أكتوبر كان شيئا فوق العادة ,
كان ـ على حد تعبير الرئيس السادات ـ معجزة على أى مقياس عسكري ,
والمعجزة تختلف عن التفوق ,
لأن التفوق مهما بلغ من النجاح فلابد من مبررات وأسباب منطقية تقف خلفه ويمكن تفسيرها ببراعة العنصر البشري , بينما المعجزة هى شيئ خارق للعادة لا يتكرر في أغلب الأحوال ويتميز بمخالفته للتوقع مهما بلغت دقته
وهذا بالضبط ما حدث في حرب أكتوبر بشتى مراحلها ,
والتفسير هنا مرهون بالعامل الذى يمكن لنا نحن فهمه ويمثل أمام الغرب ثقافة غير مفهومة , وهو عامل الإيمان المتدفق وعشق الشهادة والبحث عن الموت في سبيل الله ,
هذا العامل الذى لم تتفهمه القيادات الإسرائيلية وهى تبحث عن خرافة حبوب الشجاعة التي تناولها المصريون قبل اقتحام خط بارليف في محاولة منهم لتبرير فرار جنودهم القابعين خلف مواقعهم الحصينة وتركهم لتلك المواقف والفرار في هلع مذعور من جنود المشاة الذين لم يكن في أيديهم إلا الأسلحة الخفيفة !
لكن السبب كما شرحه بعض العسكريين الإسرائيليين الفارين من جحيم الساعات الأولى للحرب
[1] وقال إنه لن يعود لهذا الجحيم وأنه على استعداد للوقوف أمام محكمة عسكرية لكنه ليس على استعداد للعودة إلى هناك ,

كان العامل بلا شك هو دفقة الإيمان التي فجرها لجنود بصيحة ( الله أكبر ) التي صدرت منهم فور رؤيتهم لطائرات الضربة الجوية الأولى تعبر فوق صفوفهم المتراصة قبيل الإقتحام , فرددوها كصيحة جبارة هادرة انتزعت قلوب الإسرائيليين ودفعتهم لهذا الفرار غير المبرر عسكريا والمبرر ـ بلا شك ـ إنسانيا
يقول تعالى :
[قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ] {التوبة:14}
ويقول تعالى
[إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ] {الأنفال:12}
هذا هو التفسير إذا أمامنا مبسوط صراحة في آيات القرآن الكريم , بعكس النداءات الغريبة التي رددتها الأبواق العلمانية بعد ظهور العامل الإيمانى في الحرب , وقالوا بأن عزو النصر للقدرة الإلهية فيه إجحاف للإنجاز الإنسانى الذى أبرزته قوة الجيش المصري !!
دون أن يسأل هذا القائل نفسه وأين كان هذا الإنجاز في حرب النكسة مثلا ؟!
ودون أن يقدم القائل تفسيرا عسكريا علميا دقيقا لهذا الإنجاز المذهل الذى وقف أمامه الخبراء عاجزون عن تكييفه وهم يحصون العشرات من النظريات العسكرية الثابتة التي دمرتها القوات المصرية بالأداء الخرافي ؟!
ودون أن يجيبنا القائل عن مبرر صيحة الجنود ( الله أكبر ) مسلمين ومسيحيين على حد سواء وهم يقتحمون الحصون المنيعة بأجسادهم الحية ويلقون أنفسهم في أتون النيران بفدائية غير مسبوقة ؟!
وما هو المبرر الدنيوى الذى يمكن أن يقف خلف هذا الفعل العظيم , وأى مبرر يمكنه تفسير ذلك إلا الإيمان العميق الصادق الهادف للجنة والموت في سبيل الله والوطن ؟!
وما هو المبرر الذى جعل اللواء محمد عبد المنعم واصل يختار كلماته التي يوجه بها الجيش الثالث الميدانى لبدء العمليات فيضمنها أربع آيات من القرآن الكريم لم يجد أكثر منها تحفيزا كى يجهز جنوده للمعركة ,
وما هو المبرر الذى يمكن أن يفسر البطولات الفردية المذهلة التي دفعت بالعقيد أحمد زدد إلى اقتحام إحدى نقاط خط بارليف المستعصية بجسده وألقي نفسه على المدفع الدوار لتمزق الرصاصات أحشاءه فيمسكها بيده حتى اقتلع المدفع الذى يمنعهم من الإقتحام ثم حمل أحشاءه لعدة أمتار وهو يتبادل النيران مع قوات العدو حتى أتم تطهير النقطة وأسلم الروح بعد ذلك ,
وما هو المبرر الذى يمكن أن يقف خلف بطل مثل العميد إبراهيم الرفاعى ضابط الصاعقة الأسطورى قائد المجموعة ( 39 ) قتال إلى مواجهة رتل من دبابات العدو منفردا ومندفعا نحوه لا فارا منه حتى استشهد بعد أن أدى واجبه ؟!
وإذا كان للأمر مبرر منطقي أو إنسانى أو بشري
فلماذا لم نسمع عن تلك الصور المذهلة للبطولات الفردية إلا في الجيوش الإسلامية والتى أعاد الجيش العربي صورتها إلى الأذهان في معركة أكتوبر المسماة بالعملية ( بدر ) تيمنا ببدر الكبري التي شهدت بداية الأسطورة القتالية الإسلامية عندما تغلب ثلثمائة مقاتل على ألف فارس من صناديد قريش !
لم نجد إلا في التاريخ الإسلامى معجزات فدائية مثل البراء بن مالك الذى شارك في معركة الحديقة ضد جيش مسيلمة الكذاب وعندما تحصن العدو بها طلب من زملائه أن يلقوه عليهم وحده من فوق أسوار الحصن !
وفعلها واقتحم الحصن وتغلب على حرس الأبواب وفتح أحدها وفى جسده مائة طعنة سيف وضربة رمح !!
فشهدت حرب أكتوبر مثل تلك المعجزات الإيمانية منذ صدور قرار بدء العمليات وحتى وقف إطلاق النار




الهوامش :
[1] ـ حرب أكتوبر ( شهادة إسرائيلية ) ـ وجيه أبو ذكرى ـ دار أخبار اليوم
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وعندما حلقت الطيور نحو الشرق ..
واندفعت 220 طائرة مصرية من شتى الأنواع نحو سيناء في توقيتات مختلفة من مختلف مطارات مصر لتلتقي في لحظة واحدة محددة فوق الضفة الشرقية للقناة وتمخر السماء نحو مواقع العدو في سيناء
كانت صفوف الجنود للموجة الأولى للعبور البالغة ثمانية آلاف جندى تهدر بصيحة الله أكبر , وعادت الطائرات سليمة من ضربتها التي حققت نجاحها بنسبة مائة في المائة رغم السمعة الأسطورية لطيران الإسرائيلي ولم تزد خسائر الطائرات المصرية عن 2% لتدمر ثلاث مطارات حربية بالطائرات الجاثمة فوقها وعشر مواقع لصواريخ (هوك) وثلاثة مراكز سيطرة للعدو وموقعى مدفعية بعيدة المدى في العمق وحصون خط بارليف في شرق بور فؤاد

وشهدت الضربة الجوية ـ كسائر الأسلحة فيما بعد ـ بطولات فردية كان لها الفضل الأكبر في تنفيذ الضربة الجوية بهذا النجاح الفائق ,
فأحد الطيارين ـ وأعمارهم جميعا كانت بين 18 و25 سنة فقط ـ أصيبت طائرته وكان في إمكانه القفز والنجاة منها ولكنه لم يفعل , وعندما أصيبت طائرته لمحت عيناه أرض المطار العسكري الإسرائيلي تقبع فوقه خمس طائرات متطورة , فوجه الدفة بزاوية إنتحارية لينفجر مع طائرته وسط طائرات العدو والممرات , وكانت النتيجة لهذه البطولة الخارقة أن خسر العدو هذا المطار تماما وظل لمدة أربعة أيام خارج الخدمة[1]
وفى قلب القوات الإسرائيلية التى فوجئت بالهجوم كان يقبع بطل مصري آخر هو الشهيد عمرو طلبة الذى تم زرعه كعميل للمخابرات المصرية فى قلب الجيش الإسرائيلي وكانت هناك خطة لاستعادته قبيل بدء المعارك مباشرة ,
وصدرت له الأوامر بسرعة التوجه إلى نقطة معينة متفق عليها على الجبهة لانتشاله , فى نفس الوقت الذى تم التنبيه فيه على مدفعية الجيش الثانى بتفادى تلك النقطة تماما ,
ولكن النقيب عمرو طلبة رفض لأول مرة تنفيذ الأوامر وظل فى وحدته العسكرية الإسرائيلية ليفتح جهاز اللاسكى مباشرة على القيادة المصرية وسط الفوضي التى عمت وحدات الجيش الإسرائيلي وينقل لهم عددا كبيرا من الأهداف المهمة التى ينبغي استهدافها كما نقل لهم حالة الذعر بين الإسرائيليين ,
ورفض مغادرة موقعه واستمر فى نقل البيانات لتستفيد منها الطلعات الأولى للطيران المصري فى تنفيذ ضربات مؤثرة فى مراكز القيادة واستشهد عمرو طلبة بعد أن فضل الموت فى سبيل أداء هذه الخدمة للقوات المصرية [2]

وطيار مقاتل آخر كان يعانى من آلام شديدة بالمعدة وكتم آلامه حتى لا تعيقه عن الإشتراك في الحرب مغامرا بحياته نظرا لوجوب أن يطير الطيار وهو في أعلى حالاته الصحية كفاءة , واستمر ينفذ العمليات والطلعات الجوية حتى اكتشفت قيادته الأمر وألزمته الفراش بالأمر المباشر !
وقد شهدت القوات الجوية إنجازات أخرى على الأرض كان بطلها المهندسون والفنيون العسكريون الذين تمكنوا من تحطيم الرقم القياسي المسجل عالميا لإعادة ملئ الطائرة بالوقود وتسليحها بالذخائر ,
فكان الرقم العالمى المسجل سبع دقائق فحطمه المصريون ليسجلوا رقما جديدا بخمس دقائق ونصف !
وبهذه البطولة تعددت كثافة الطيران المصري على ارتفاعات منخفضة لتخترق العمق الإسرائيلي وتدمر مواقع دفاعه الجوى ومدفعيته والشئون الإدارية في مناطق الحسنة وأم خشيب وجبل سحابة وأم مرجم والمغارة ورأس سدر وقلعة الجدى
كما شهدت المعارك الجوية أرقاما قياسية جديدة ومنها أن أطول معركة جوية في العالم كانت من نصيب القوات المصرية في مواجهة الطيران الإسرائيلي حيث أن أكبر مدة لأى معركة جوية تترواح بين عشر دقائق وخمس عشرة دقيقة فقط ,
بينما شهدت معارك أكتوبر معركة شاركت فيها سبعون طائرة من الجانبين واستمرت خمسين دقيقة كاملة ! وهى المعركة التي تم تدمير طائرات الفانتوم الإسرائيلية التي حاولت الدخول للعمق المصري بالإلتفاف بعيدا عن حائط الصواريخ المصري والدخول من ناحية البحر لضرب سبع مطارات مصرية في وقت واحد
وخسر الطيران الإسرائيلي محاولته وتكبد خسائر جسيمة بلغت 25 طائرة فانتوم وسكاى هوك في مقابل خسارة الجانب المصري لست طائرات فحسب ,
ولم ينجح الطيران الإسرائيلي في إنجاز مهمة تدمير أى مطار بعد أن تمكنت وحدات المهندسين من إصلاح وترميم الممرات المصابة في المعركة في وقت قياسي
ولم ييأس العدو وقام بتنفيذ طلعات كثيفة بلغت 166 طلعة جوية على ستة مراحل بغرض تدمير مطارى القطامية والمنصورة ومع ذلك ظل كلاهما داخل نطاق الخدمة طيلة أيام القتال
وهنا يجدر بنا تذكر تلك الشهادة التي ألقي بها طيار إسرائيلي وقع في الأسر بعد أن سقطت طائرته في المعارك الجوية وطلب اللواء ـ آنذاك ـ حسنى مبارك رؤية هذا الطيار ليسأله عن سبب ضعفه القتالى الذى لاحظه قائد القوات الجوية وهو يتابع المعركة من الأرض ,
وسأله حسنى مبارك : ماذا أصابكم ولماذا تغير مستواكم إلى هذا الحد ؟!
فقال له الطيار : سيدى .. نحن لم نتغير .. أنتم الذين تغيرتم !!
وكان الرئيس السادات يروى هذه القصة مفتخرا [3]
وبلغت خسائر إسرائيل فى القوات الجوية حدا أضاع الروح المعنوية للطيارين والشعب على حد سواء لما تتمتع به القوات الجوية الإسرائيلية من سمعة الحماية بالتقدم التكنولوجى لطائرات الفانتوم وسكاى هوك والتقدم التدريبي ,
لكن سقط كل هذا فى مواجهة طائرات الميج السوفيتية بقادتها المصريين الشبان الذين لم يتجاوزوا عمر الزهور وتم تخريجهم فى سنوات دراسة أقل إلى الثلث من المعدل الطبيعى لتغذية القوات الجوية المصرية
فتمكنت مصر من إسقاط 25 طائرة فانتوم خلال ثانى أيام القتال وحده فضلا على العشرات التى سقطت بفعل الدفاع الجوى وقائده الفذ محمد على فهمى ,
وبلغ عدد ساعات الطيران فى الأسبوع الأول لحرب قرابة 3000 طلعة , كانت تتم فى أغلبها والطيارون فى طائراتهم لا يغادرونها أثناء إعادة الملئ والتسليح !
ولم تخل المعارك الجوية من أخطاء إسرائيلية ساذجة اتخذ منها الطيارون المصريون وسيلة للقفشات والنكات فيما بينهم ,
ففي أيام القتال الأولى حذر قائد السلاح الجوى الإسرائيلي الجنرال بنيامين بيلد طياريه من أن مصر حصلت على بعض طائرات الميراج الذى يستخدمها سلاح الجو الإسرائيلي وطلتها بنفس ألوان وعلامات الطيران الإسرائيلي لخداع الطائرات الإسرائيلية ومهاجمتها ,
وتلقي الطيارون الإسرائيليون هذا التحذير باهتمام لعدم الوقوع فى الخديعة ,
وفى إحدى الهجمات الإسرائيلية على القطاع الشمالى انقسمت الطائرات المهاجمة إلى قسمين من الفانتوم والميراج واندفعت طائرات الميراج فى الدفعة الأولى لتنفيذ الضربة الأولى على أن تتبعها الفانتوم
ففوجئت الميراج بصواريخ سام 6 التى كانت إحدى المفاجآت الكبري لإسرائيل نظرا لعدم علمها بحصول مصر عليها أصلا,
ففرت الميراج على الفور بعد سقوط بعضها للخلاص من فخ الدفاع الجوى المصري
وفوجئ طيارو الموجة الثانية بطائرات ميراج تخرج إلى السماء فى مواجهتهم وهى تحمل نفس علاماتهم ولكن قبل الموعد المحدد بكثير فظنوا أن هذه الطائرات هى الطائرات المصرية المتخفية واشتبكوا معها لتسقط أربع طائرات من الجانبين وتعلن إسرائيل فى بيانها العسكري سقوط طائرتين مصريتين بينما الطيران المصري نفسه غائب عن المعركة !
والخاسر الحقيقي كان الطيران الإسرائيلي الذى فوجئ بفقد أربع طائرات من التشكيل وكانت فضيحة !


الهوامش :
[1]ـ الحرب الرابعة على الجبهة المصرية ـ صلاح قبضايا ـ دار أخبار اليوم
[2]ـ العميل ألف وواحد ـ من ملفات المخابرات المصرية ـ د. نبيل فاروق ـ المؤسسة العربية الحديثة
[3]ـ أكتوبر 1973 ( السلاح والسياسة ) ـ مصدر سابق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

ومن بطولات القوات الجوية إلى رجال المدفعية الذين كان دورهم التمهيد النيرانى ودك حصون خط بارليف ,
وفور تنفيذ الضربة الجوية انطلق ألفي مدفع من جميع العيارات فى أقوى تمهيد نيرانى فى تاريخ المعارك منذ الحرب العالمية

وعبرت قوات الموجة الأولى ومعها رجال توجيه المدفعية الذين خاطروا بحياتهم وقاموا بتصحيح ضرب المدفعية لتصيب سائر أهدافها فى إتقان مذهل استمر طيلة 54 دقيقة كاملة نجحت فى تغطية قوات العبور فضلا على نجاحها فى فتح وتنقية حقول الألغام وتدمير التحصينات والأسلاك الشائكة المحيطة بخط بارليف ,
وفى تمام الساعة السادسة من مساء أول أيام القتال
تلقي القائد العام للقوات المسلحة تمام المدفعية من اللواء محمد سعيد الماحى ـ الذى تولى المخابرات العامة فيما بعد ـ وكان هذا التمام يعنى أن سائر المدافع من جميع الأنواع من مدافع الميدان والهاون وكتائب الصواريخ التكتيكية ( أرض / أرض ) اتخذت مواقعها وتم توجيهها لأهدافها المختارة بعناية فى العمق وعلى خط المواجهة وأنها نفذت مهامها بنجاح تام ,

وبكثافة بلغت 175 دانة مدفع فى الثانية الواحدة بطول الجبهة على امتداد 180 كيلومتر
وكالعادة سجلت المدفعية سبقا وفتحا جديدا فى عالم الحروب عندما استخدمت المدفعية المصرية الصواريخ التكتيكية ( أرض / أرض ) استخداما جديدا أذهل الإسرائيليين عندما تم توجيهها لأهداف العمق فى قلب سيناء أصابت جميعا أهدافها ليفقد العدو سيطرته تماما على مواصلاته واتصالاته وانفصلت فعليا قوات العدو فى المواجهة عن الإحتياطى فى الخلف وعن قيادته التى عجزت عن مد يد العون إلى قوات خط بارليف لتتركهم لمصريهم المنتظر وسقوطهم فى أيدى المصريين !
وتفجرت فى الدقائق الأولى عشرة آلاف انفجار فى مواقع العدو تمت كلها فى مواقع حساسة فصلت خط المواجهة للعدو عن قيادته كما يروى العميد عبد الحليم أبو غزالة ــ قائد مدفعية الجيش الثانى والذى تولى وزارة الدفاع فيما بعد ـ أن المدفعية نجحت فى اختراق مواقع العدو على ثلاث نطاقات
الأول : الخط الأمامى فى مواجهة خط بارليف وقامت المدفعية بفتح جميع الثغرات المطلوبة فى الخط الحصين وتنقيته من الألغام لينفتح الطريق أمام قوات العبور لاقتحامه
الثانى : أما النطاق الثانى فقد توجهت المدفعية فيه إلى احتياطيات العدو ومدرعاته وبطاريات المدفعية وأسكتتها تماما
الثالث : وهو فى العمق حيث توجهت المدفعية إلى مراكز السيطرة بتوجيه مباشر من قائد سلاح المدفعية وقوات الإستطلاع والتوجيه التى تم إسقاطها قبل بدء القتال خلف خطوط العدو

وتحت هذا الحاجز الكثيف من النيران تمت تغطية قوات العبور التى تلاحمت قواربها مع شاطئ القناة بعد طول انتظار لست سنوات كى تتحقق هذه اللحظة ,
وارتسمت أروع المشاهد فى لوحة العبور بعد أن ارتقي ثمانية آلاف مقاتل قواربهم المطاطية لتشق سطح القناة فى صحبة الوحدات البرمائية ,
وهنا حققت قوات المشاة الملقبة بسادة المعارك أبدع لوحات الفداء عندما نفذ القادة المصريون قاعدة قيادة الجنود من موقع القتال تنفيذا للمبدأ العسكري لمفهوم القائد ,
فالقائد ليس هو الذى يقول لجنوده تقدموا , بل هو الذى يقول اتبعونى ,
فالقادة الأصاغر للوحدات المقاتلة عبروا جنبا إلى جنب مع جنودهم ومع تتابع موجات العبور التى وصلت فى مساء نفس اليوم إلى خمس فرق بقوة ثمانين ألف جندى عبرت كافة القيادات العسكرية حتى رتبة اللواء ,
وهذه المعادلة السحرية هى التى السبب فى تحقيق رقم قياسي جديد وهو نسبة خسائر الضباط إلى نسبة خسائر الجنود حيث بلغت أعلى نسبة مسجلة عسكريا لتؤكد على أسلوب القيادات المصرية المبتكر وهو تذويب الفوارق بين القواد والجنود فى المهام وفى المميزات مما كان له مفعول السحر على الروح المعنوية للجنود وهم يشاهدون قوادهم من مختلف الرتب العليا تتقدمهم على خطوط النار , تماما كما شاهدوهم معهم على طاولات الغذاء أثناء التدريبات يأكلون من طبق واحد !
وهذه السياسة الحكيمة الفدائية هى التى اتبعتها القيادة المصرية فى مرحلة الإعداد بعد حرب 67 م ,
وكان أول من بدأها رئيس الأركان الأسطورى الفريق عبد المنعم رياض الذى استشهد من مواقع الجبهة الأمامية فى حرب الإستنزاف وهو يشارك جنوده قتالهم بعد بدء ضربات المدفعية ورفض مغادرة موقعه واتخذ مكانه فى إحدى حفر الموقع المصري الذى لا يبعد أكثر من مائتى متر من مواقع العدو ,
ثم سقطت دانة مدفع فى الحفرة المتواجد بها لينال الشهادة بإذن الله ,
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

ففي الساعة الثانية والربع ولم تمض 15 دقيقة على بدء الإقتحام عبر جميع قادة كتائب المشاة مع جميع معاونيهم من مختلف الرتب من رتبة الملازم أول حتى المقدم ,
وبعد مرور ساعة عبر قادة الألوية وهم فى رتبة العميد , وهذه الرتبة بداية الرتب العليا فى القوات المسلحة ,

وبعد مرور ساعة ونصف ساعة من عمليات الإقتحام عبر قادة الفرق وهم جميعا فى الرتب القيادية من رتبة اللواء ثم عبر قادة الجيوش وهما اللواء سعد الدين مأمون قائد الجيش الثانى الميدانى واللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى ,

وفى الساعة الثانية والنصف بعد أقل من نصف ساعة على بدء عمليات الإقتحام حمل المقاتلون علم مصر ليرفرف على الساتر الرملى فى مختلف قطاعات الإختراق إيذانا بتفجر معركة التحرير ,
وأسقط الدفاع الجوى المصري أول طائرة إسرائيلية مغيرة فى الساعة الثانية وخمسين دقيقة تماما ليبدأ فشل العدو فى استخدام قواته الجوية لإيقاف العبور بعد تصدى حائط الصواريخ المصري لكافة هجماته ,
ولم يكن حائط الصواريخ الأسطورى الذى بنته مصر بالعرق والدموع لصد هجمات العدو الجوية على العمق هو المفاجأة فى الحرب بل كانت المفاجأة التكتيكية متمثلة فى صواريخ ( سام ـ 6 ) والتى تكتمت مصر وسوريا حصولها عليها وهى الصواريخ السوفيتية الصنع التى تتفوق بمراحل على صواريخ ( سام 2 ) و( سام 3 ) وتتميز بقدرتها الفائقة على اصطياد الفانتوم من الارتفاعات المنخفضة والمتوسطة ,
وكانت مصر وسوريا قد أخفت هذه المفاجأة لدرجة أن القوات السورية فضلت أن تخسر 13 طائرة فى المعركة الجوية التى قامت بينها وبين العدو قبل الحرب بأيام حتى لا تكتشف إسرائيل وجود هذه الصواريخ قبل الحرب الكبري ,
وحققت المفاجأة نتيجتها كاملة إذ سقط للعدو فى الساعات الأولى 13 طائرة غامرت بالإقتراب من خط القناة مما دفع قائد القوات الجوية الإسرائيلية بنيامين بيليد إلى إصدار أوامره لطياريه بعدم الإقتراب من منطقة القناة لمسافة 15 كيلومتر

وفى الساعة الثالثة بلغت القوات العابرة للقناة 800 ضابطا و13500 جنديا , بعد أن تمكن الجيش الثانى من بدء العبور بسلام وتغلب الجيش الثالث على سرعة تيار القناة التى تعدت 80 مترا فى الدقيقة بمنطقته مما أعاق تقدم القوارب وعرضها للسقوط فاستخدمت القوات المعدات البرمائية لإتمام العبور
وفى الثالثة والنصف كانت وحدات المهندسين تعبر فى وحدات بحرية خاصة معدة بالخراطيم والمضخات الألمانية الصنع فائقة القوة لأداء مهمتها فى فتح الثغرات بالساتر الترابي ,
وفى الساعة الخامسة والنصف بعد ثلاث ساعات ونصف فقط من بدء العمليات بلغت القوات المصرية العابرة 2000 ضابط و30000 جندى
وفى السادسة والنصف أتمت وحدات المهندسين عملها فى وقت قياسي وتمكنت من فتح جميع الثغرات المطلوبة فى الساتر الترابي وبدأت على الفور عملية إعداد وتمهيد بناء رءوس الكباري ومد الجسور وانتهى تركيب أول كوبري فى سرعة مذهلة فى نطاق الجيش الثانى الميدانى لتتدفق عبره أرتال الدبابات والمدرعات المصرية ,
وفى نطاق الجيش الثالث الميدانى ونظرا لأن الساتر الترابي هناك كان معظمه من التراب المكون للطمى اللزج بعكس الساتر فى نطاق الجيش الثانى فقد تكونت طبقة طمى طولها متر كامل أعاقت تركيب الكباري فأصدر اللواء عبد المنعم واصل تعليماته بتنفيذ المتفق عليه من كسح طبقة الرمى بمعدات الحفر والبناء وتدشين التربة الطينية بالصخور والزلط وتمت العملية على أكمل وجه وفى تتابع ونسق دقيق ووصل عدد الثغرات حوالى 80 فى الساعة العاشرة مساء , [1]
وأزاحت وحدات المهندسين ما حجمه 90 ألف متر من الرمال والأتربة وأنشأت ثمانى كباري ثقيلة و31 معدية كانت تتحرك ذهابا وإيابا ناقلة للقوات فى سرعة تدفق محمومة ,

وكما سبق القول تعطلت قوة العدو الجوية عن القيام بأى دور فى إعاقة عملية العبور ومرت عملية فتح الثغرات وإنشاء الكباري طيلة الفترة من الثانية ظهرا حتى العاشرة مساء دون أى تدخل من قوات خط بارليف أو الإحتياطي المدرع للعدو القابع خلفه للتدخل حال حدوث العبور
وبالطبع لم يكن العدو نائما فى تلك الفترة حتى يمنح الفرصة للقوات المصرية بالتدفق بهذا الشكل ولكن كان ممنوعا بفعل فاعل تمثل فى موجة العبور الأولى من المشاة وقوات الصاعقة التى تسلقت الساتر الترابي بالحبال وعبرت إلى تحصينات خط بارليف فى ثغرات الأسلاك الشائكة التى فتحتها المدفعية بالتمهيد النيرانى ,
وطبقا للخطة التى تدرب عليها الجنود آلاف المرات تم حصار نقاط خط بارليف الحصينة واقتحام مداخلها بالقنابل اليدوية بينما توجهت القوة الأكبر من قوات العبور إلى ما خلف تلك النقاط تاركين مهمة حصار خط بارليف لزملائهم , واندفعت تلك الموجات البشرية تتسلق المرتفعات وتقبع بمدافع وقاذفات الآر بي جى وصواريخ ساجر المضادة للدبابات فى انتظار احتياطى العدو القريب من المدرعات ,
وبوصول أول دبابة من دبابات العدو انفتحت أمامهم أبواب الجحيم بمزرعة من الصواريخ المضادة للدبابات والألغام المعدة فى كمائن دقيقة ليتم تدمير قوات العدو المهاجمة فى النسق الأول تدميرا تاما وأسر عدد كبير من أفرادها ,
فى نفس الوقت الذى سقطت فيه أول النقاط الحصينة من خط بارليف القلعة رقم 1 فى منطقة القنطرة فى الساعة الثالثة تماما ثم استمر معدل سقوط النقاط الحصينة لخط بارليف بواقع نقطة أو نقطتين كل ربع ساعة ,
فسقطت القلعة رقم 2 ثم القلعة رقم 3 فى الكيلومتر 146 طريق الجباسات وفى وقت واحد سقطت معها القلعتان رقم 4 , 5 ثم القلعة رقم 6 ,
ثم استمر التتابع السريع لسقوط خط بارليف الحصين عبر نقاطه القوية إما بقتل أفرادها وإقتحامها أو استسلامهم وخروجهم من النقاط طواعية ولم يتبق من مجموع النقاط الحصينة إلا نقطتان فقط تم حصارهما حتى سقطا فى 13 أكتوبر ,
ومن نوادر المعركة أن إحدى النقاط الحصينة التى سقطت فى الدقائق الأولى وتم أسر أفرادها , اختبأ واحد منهم تحت سرير من أسرة المعسكر فى النقطة وكتم أنفاسه وحركته لثلاثة أيام كاملة دون شراب أو طعام أو نوم وظل يرتعد من الخوف طيلة الأيام الثلاثة حتى تم اكتشافه !

ويصف أحد قادة الكتائب الإسرائيلية مشهد الساعات الأولى من المعركة وهو الميجور روبين قائد الكتيبة الشمالية فيقول :
( إن أغلب أفراد خط بارليف نزلوا للحصون التحتية فور بدء القصف ظنا منهم أن القصف مجرد قصف عادى وليس تمهيدا للهجوم , وكان قائد كل حصن يحتاج لجدل خمس دقائق فى التلفون مع قيادته حتى تدرك القيادة الإسرائيلية أنهم فى مواجهة حرب شاملة )
ويكمل الميجور روبين تجربته فيصف كيف أنه أرسل فى فتح طريق الإحتياطى المدرع لحماية حصون بارليف والإستعداد لموجات الهجوم ليفاجئ بعدها بتقارير قادة السرايا المدرعة التى تم تدميرها بالكامل بفعل مصايد الدبابات التى أعدتها قوات الموجهة الأولى المصرية ليتم تدميرها تماما عدا دبابتين أسرعتا بالإنسحاب للخلف
ثم توالت البلاغات على الميجور روبين فى محيط أخبار كتيبته لتبلغه أن أغلب قادة حصون خط بارليف لقوا حتفهم واستسلم باقي الجنود وعندما تلقي استغاثة للإمداد والدعم من أحد هذه الحصون قبل سقوطها طالب الميجور روبين قائده الكولونيل بنحاس بسرعة إمداده بالمدرعات لنجدة أفراد الحصون ولكن الكولونيل اعتذر أنه لا يمتلك فى تلك اللحظة دبابة واحدة أو مدفعا واحدا صالحا للاستعمال بعد أن انهارت جميعها فى الإقتحام الأول ,
وأصدر تعليماته للميجور روبين بأن تقاوم الحصون حتى آخر رجل أو تستسلم للقوات المصرية وقفا لنزيف الخسائر !

وارتد روبين وتبعه قادة الكتائب جميعا للخلف حيث القيادة العليا المباشرة لهم وهناك طالب روبين ورفاقه قائدهم الجنرال كالمان ماجن بسرعة إرسال الإمدادات لنجدة خط بارليف ولكن كان جواب كالمان هو نفس جواب بنحاس الذى مضمونه أن جميع الإحتياطيات القريبة تم تدميرها ,
وفى الساعة الحادية عشرة مساء يوم السادس من أكتوبر وصلت تعليمات الجنرال إبراهام ماندلر قائد قوات المدرعات الإسرائيلية الأسطورى بأن تنسحب القوات جميعا إلى الشرق أو استسلامهم للقوات المصرية !
وفيما بعد نجحت المخابرات الحربية في اختراق موجات الإتصال الخاصة بالجنرال ماندلر وحددت موقعه ليقوم تشكيل مصري من القوات الجوية بقذف تلك المنطقة ليسقط الجنرال الأسطورى قتيلا وهو الذى كانت تفخر به إسرائيل أكثر من فخرها بخط بارليف حيث أن ماندلر صنع سمعته كقائد مدرعات في الحرب العالمية الثانية وكان أكفأ قواد الجيش الإسرائيلي بلا شك وصنع قتله موجة عارمة من اليأس بين القيادات السياسية والعسكرية حتى أن جولدا مائير منعت إذاعة نبأ مصرعه لكى لا تنخفض الروح المعنوية بأكثر مما هى متردية !!

ولهذا قلنا إن روعة حرب أكتوبر الحقيقية فى أنها سددت سائر ديون حرب يونيو وتفوقت أيضا , فسقوط ماندلر تم بخطة مصرية محكمة انتقاما للشهيد الفريق عبد المنعم رياض الذى طالته القذائف الإسرائيلية قبلها بثلاث سنوات ,
هذا رغم أن الوحدة ( 39 ) قتال بقيادة البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى كانت قد انتقمت انتقاما مروعا لاستشهاد الفريق رياض عندما ردت الوحدة بعملية فدائية عبرت فيها القناة أثناء حرب الإستنزاف لتهاجم أحد المواقع الحصينة وتقتل أربعين جنديا وضابطا إسرائيليا وبالسلاح الأبيض فقط دون رصاصة واحدة , ثم فجروا الموقع بما فيه من ذخائر
تماما كانت أوامر العميد إبراهيم الرفاعى لإثارة الرعب فى قلوب الإسرائيليين جزاء استشهاد الفريق رياض



الهوامش :
[1]ـ مذكرات اللواء عبد المنعم واصل ـ دار الشروق
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

وفى الساعة الواحدة من صباح يوم السابع من أكتوبر كانت وحدات من الصاعقة قد أتمت إحدى أروع مهماتها بتفجير آبار البترول في أبي زنيمة ورأس سدر وفيران وقامت وحدات أخرى من الصاعقة بمهاجمة الساحل الشرقي لخليج السويس وأقامت به كمائن على الطرق وأنزلت به خسائر جسيمة
وقبل بزوغ الفجر كانت القوات العابرة بلغت قوة خمس فرق كاملة وعززت عمق الكباري المنشأة إلى عمق خمسة كيلومترات كاملة مع عبور أعداد هائلة من المدفعية والمدرعات والأسلحة الثقيلة ,
وقبل أن تبلغ الساعة الثامنة من صباح يوم السابع من أكتوبر كانت القوات الإسرائيلية في ممر متلا تبلغ قيادتها أنها وقعت فعليا تحت حصار الدبابات المصرية ,
ثم جاء إبتكار آخر من ابتكارات العسكرية المصرية يتمثل في سرايا صغيرة العدد من مفارز البرمائية من السرايا الميكانيكية لتبث الذعر في المواقع الصغيرة للعدو ,
ثم اندفعت سريتان منهما بجرأة مذهلة إلى قطاع ممر متلا الذى يعتبر واحد من أقوى حصون العدو فيما بعد خط بارليف فأسقطت قوات العدو به وتابعت السريتان تحركهما دون الدخول في معارك طويلة معتمدة على ما يشبه حرب العصابات لتتابع هجومها في اتجاه مضيق الجدى الذى لا يقل تحصينا عن ممر متلا لتباغت العدو هناك وتنزل به خسائر مماثلة ثم ختمت السريتان أعمالهما بالوصول إلى مطار تمادا ونجحت في تحييد المطار تماما لدرجة أثارت جنون القيادة الإسرائيلية وهم يواجهون قوة صغيرة العدد تضرب من حيث لا يعرفون وتوجهت أسراب من طائرات الفانتوم تحاول أن تحدد موضع هاتين السريتين اللتين بلغتا عمق ثمانين كيلومترا في سيناء وفى قلب تحصينات العدو دون أية مساندة وتمكنت من بث كل هذا الرعب دون أن تتمكن المدرعات والقوات الإسرائيلية من تحديد مواقعهما !!
ولم تنجح القوات الإسرائيلية من إدراك هذه القوة بل قامت السريتان بالعودة سالمتين إلى خطوط القتال الرئيسية بعد أن أتمت مهامها الإنتحارية بفعالية مدهشة وفى طريق عودتها لم تنس أن تترك تذكارا للعدو يرهق أعصابه أكثر حيث قامت بتدمير موقع للرادار وعبرت على أنقاضه !

وكانت النتائج المباشرة لهذه العمليات الفدائية أن وصلت قيادة العدو في سيناء إلى أعلى درجات الإنهيار وظنوا أن القوات المصرية تخطط لاستمرار الهجوم حتى تصل إلى خط حدود سيناء وتتابع إلى الحدود الإسرائيلية بعد ذلك ,
وهو ما لم يكن واردا في الخطة بدر تحت أى مقياس إذ أنه يتجاوز إمكانيات القوات المسلحة في ذلك الوقت من ناحية الكم والكيف , ولكن هذا الشعور ملأ أعماق الجنرال شموئيل جونين قائد جبهة سيناء وقام بمطالبة الجنرال ديان وزير الدفاع بالتصديق على خطة الإنسحاب إلى خط الممرات ومحاولة التمسك بها ,
واتجه ديان مباشرة إلى مكتب جولدا مائير لبحث خطة إنقاذ الدولة وأرسلت جولدا مائير في استدعاء القيادات العسكرية لاجتماع منفرد وعارض الجنرال إليعازر فكرة ديان بالإنسحاب وأصر على محاولة الرد بهجوم مضاد بالمدرعات هو الأكبر في نطاقه لمحاولة التماسك أمام القوات المصرية المتقدمة ,
وبسبب هذا الهجوم المضاد لعن جنود إسرائيل وقادتها الجنرال دافيد إليعازر الذى أصر على عدم الإنسحاب بعد أن قامت القوات الإسرائيلية بالهجوم المضاد كما خططوا له في يوم الإثنين الثامن من أكتوبر ليفشل الهجوم فشلا ذريعا حتى أطلقوا عليه في إسرائيل اسم الإثنين الأسود ,
خسرت فيه إسرائيل أكثر من 250 دبابة دفعة واحدة وفى يوم واحد , !!
بخلاف عدد مماثل من الدبابات خسرته إسرائيل في اليومين السابقين بخلاف الخسائر البشرية الهائلة والتى تميزت بالنوعية العالية بعد أن تم أسر الكولونيل ( العميد ) عساف ياجورى قائد أحد أشهر الألوية المدرعة والذي تم تدمير لوائه بالكامل بما فيه دبابة القيادة التي قفز منها عساف ياجورى مستسلما أمام ضابط مدرعات مصري برتبة نقيب !
وعن هذا اليوم كتب عساف ياجورى بعد استبداله بالأسري في صحيفة معاريف الصادرة في 7 / 2 / 1974 م قائلا :
( أريد أن أعرف لماذا تركوا صدرونا عارية في هذا اليوم على جبهة الفردان .. إن خيبة الأمل التي شعرت بها في هذا اليوم الأسود لن ينساها أحد ممن عاشوا وسط مرارته الكئيبة , وأنا لا أعرف لليوم حقيقة خسائرنا في هذا اليوم وأثناء فترة وقوعى في الأسر كنت أعيش على أمل أن بعض زملائي وجدوا طريقهم للنجاة بعد أن دمر المصريون هجومنا المضاد , ولكننى عندما وقعت عينى على عدد الأسري أذهلنى حجم الخسائر التي وقعت في صفوفنا ,
وزاد من حيرتى ما سمعته منهم ورحت أكرر عليهم السؤال كيف حدث هذا لجيشنا الذى لا يقهر صاحب اليد العليا والتجربة العريضة ) [1]
ومن أوجه الإعتبار فى واقعة عساف ياجورى التى رواها بنفسه على شاشات التليفزيون أو التى رواها جنود المدرعات المصريين الذين أسروه أن عساف ياجورى عقب استسلامه بكى من القهر فنهره أحد الجنود المصريين وقال له :
( لا تبك أمام جنودك ) [2]
فلابد أنه تذكر الفارق بين معاملة المصريين لأسراهم لا سيما الضباط , وبين معاملة الإسرائيليين لأسرانا في حرب يونيو والتى بلغت من الوحشية حدا يفوق الإحتمال في مجرد روايتها بالقلم أو اللسان
وهكذا فشل الهجوم المضاد الذى قامت به الفرق المدرعة للعدو بقيادة أنبغ جنرالاته شموئيل جونين وآريل شارون وإدمون آدان واليعازر الذين فقدوا أعصابهم بعد أن بقيت من ألوية المدرعات الإسرائيلية التي اشتركت في الهجوم أربع دبابات فقط , وتبادل القادة الإتهامات ـ على حد قول عساف ياجورى في مقاله ـ ثم خلصوا إلى حتمية إخفاء كل هذا لدرجة أنهم هددوا عساف ياجورى بعد عودته من الكلام ‍!

ونشرت جريدة هوعولام هازيه الإسرائيلية أن موشي ديان انهارت أعصابه في اليوم الثالث للقتال وجعلت منه الحرب مجرد رجل محطم , وهذا تعبير شهادة الجريدة الإسرائيلية بحق قائدهم الأعلى الذى وصفوه بالأسطورة ,
أما الجنرال حاييم بارليف فقد دخل في يوم الإثنين الأسود على جولدا مائير فوجدها منكسة الرأس على مكتبها فقال لها :
( جولدا .. لقد أخطأت في كل شيئ .. إننى أنتظر كارثة وسوف نضطر إلى الإنسحاب من الجولان حتى الحافة ومن سيناء حتى خط المضايق حيث نحارب حتى آخر طلقة ) [3]

وهكذا وفى الأيام الثلاث الأولى من القتال كانت قوات الجيشين الثانى والثالث الميدانيين قد أتما عبورهما بنجاح وتعمقا لمسافة 15 كيلومتر داخل سيناء وتمكنوا من صد جميع الهجمات المضادة التى تكبد فيها العدو خسائر قياسية مذهلة وفر هاربا من مواقعه تاركا عددا كبيرا من معداته ودباباته وأجهزة القيادة سليمة حيث لم يتمكن من تدميرها خلفه ,
فى نفس الوقت الذى استغلت فيه قواتنا الوقت لتأمين رءوس الكباري وتعميقها ثم توحيدها معا لتقع الأرض التى سيطرت عليها قواتنا تحت حبكة تامة وقدرة كاملة على الدفاع الثابت من مواقعها ,

فضلا على خسارة العدو الجزء الأكبر من قواته الجوية التى سقطت بفعل حائط الصواريخ ثم بالوحدات المتحركة للدفاع الجوى وخلال المعارك الجوية التى خسرها العدو جميعا أمام طائراتنا ,


horeea_magicalsnapassaf2.png


الكولونيل عساف ياجورى

horeea_magicalsnapassaf.png


الأسير عساف ياجورى


أسرانـــــا
horeea_09108.jpg


horeea_551776154.jpg


horeea_0102088137800.jpg



يتبع إن شاء الله




الهوامش :
[1]ـ حرب رمضان ـ مصدر سابق
[2]ـ حرب أكتوبر ( شهادات إسرائيلية ) ـ وجيه أبو ذكرى ـ مصدر سابق
[3]ـ حرب يوم الغفران ـ حاييم هرتزوج ـ وهى شهادة إسرائيلية من محلل إسرائيلي بارز
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

احقاقاً للحق لا توجد كلمات تصف هذا الموضوع ويستحق احلى تقييم زائد التثبيت
وفى انتظار باقى الموضوع ان شاء الله
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
هذه شهادة أعتز بها أخى الكريم
والموضوع قيد الإكمال على حلقات بإذن الله
شكرا جزيلا للتثبيت والتقييم
 
رد: حدائق الايمان فى حرب رمضان

روعة و تقبل تقييمي
 
عودة
أعلى