لما أوجب الإسلام على أهل الأموال الزكاة في أموالهم وحبب لهم الصدقة نافلة جعلها طهرة لقلوبهم من الشح وطهرة لأموالهم من الآفات، وهي نماء يبارك الله بسببها في المال، كما قال تعالى: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)
والزكاة في الإسلام منفعة للفقير وصلاح للغني وتواصل بين المسلمين وقوام للمجتمع الصالح، وليست مكلفة لصاحب المال، فإنها تعادل 2.5% ولكن منافعها العامة والخاصة تفوق الوصف حتى إني قرأت لبعض أهل الاقتصاد من العالم الغربي أنه نادى بتخصيص 2% من أموال الأغنياء للطبقة الفقيرة، وقد سبقهم الإسلام إلى ذلك بقرون.
ولو تحققت الزكاة في المجتمع على الوجه الشرعي لما بقي في المسلمين فقير، والمقصود أن فرض الزكاة رحمة وبركة وخير عميم وأجر عظيم حتى ذكر الله سبحانه الصدقة في صورة من أجمل الصور وأبهاها وأجلّها فقال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مائةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
فالزكاة صلاح للحال ونماء للمال ومثوبة من ذي الجلال، وطهرة من البخل حتى إنك لتجد أن نفس المنفق الصادق قد سعدت بالإنفاق أكثر من سعادة الفقير الذي أُعطِي هذه الزكاة كما قال الشاعر:
تراه ـ إذا ما جـئتَهُ ـ متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله ومن عرف مردود الصدقة على النفس جاهد نفسه في الإنفاق وعودها البذل والعطاء حتى إن كثيرا من علماء النفس يعالجون مرضاهم بالصدقة. وقد قال المعصوم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة»،
والصدقة تكفير للسيئات وغفران للخطايا، يقول صلى الله عليه وسلم: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار»،
وذكر لنا صلى الله عليه وسلم قصة المرأة البغي التي سقت كلبا فغفر الله لها.
والزكاة في الإسلام مدرسة من التراحم والتآلف والشفقة والعطف فيسعد بها معطيها وآخذها؛ فمعطيها يرى أنه امتثل أمر الله واقتدى برسوله صلى الله عليه وسلم وواسى إخوانه وانتصر على نفسه وشرح بها صدره وأزال بها همه وغمه ونمّى بها ماله، والآخذ يشعر برحمة الغني وبتواصل المجتمع وبتآلف المسلمين فيحب أهل الخير ويدعو لهم ويذهب من قلبه الحسد لهم والحقد عليهم.
وهذه من أعظم مقاصد فرض الزكاة في الإسلام؛ فلم يترك الغني يلعب في ماله وحوله بطون جائعة وأجسام عارية وأقدام حافية وأكباد عطشى وأيضا لم يترك الفقير يتلوى من الجوع ويتلمظ من الظمأ ويزورّ من حرارة الحاجة بل قيل له: حاجتك مقضية وقُوتك مؤمّن وإسعافك واجب على إخوانك كما قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).
وفي الإسلام لا منّة للغني على الفقير بزكاة بل يرى الغني أنه أدى الحق الذي عليه وقام بالفريضة الواجبة وامتثل أمر الله وليس في ذلك علو ولا كبر بل عبودية وأجر، فالزكاة والصدقة دواء لقلوب الأغنياء والفقراء، فقلوب الأغنياء يذهب منها الكبر والشح والبخل، وقلوب الفقراء يذهب منها الحسد والحقد والبغضاء، فهي طهارة للمعطي والآخذ وهي بركة على الأغنياء والفقراء، وهي على القريب صدقة وصلة، بل إن الزكاة يتألف بها غير المسلم إذا كان في ذلك مصلحة من تحبيبه في الإسلام وترغيبه في الإيمان وكسر شوكته وكف أذاه؛ فإن الإحسان يستعبد الإنسان.
وتجد من حكمة الإسلام في الزكاة ما يفوق الوصف؛ فإنها مفروضة في المال بشروط كوقت الحصاد في الثمار وبلوغ النصاب وحلول الحول في الأموال، وعدم الإضرار بالأغنياء؛ فليست الزكاة بنسبة باهظة شاقة عليهم، وليست على أموال لم تبلغ النصاب الشرعي فيقع الضرر في رأس المال، وليست في أموال لا يجري فيها البيع والشراء والتجارة. ولهذا لم تفرض الزكاة في ما أعد للاقتناء بل في ما أعد للبيع، ولهذا فلا زكاة في الحلي الملبوسة للمرأة؛ لأنها لا تعد للبيع، وكذلك البيوت المسكونة والسيارات المستعملة، فسبحان من فرض فأحكم ومن أحسن في شرعه وأبدع في صنعه جل في علاه
إحياء رسالة العلماء ودورهم في الحياة ..د. عائض القرني
إحياء رسالة العلماء ودورهم في الحياة
د. عائض القرني
العلماء الربانيون هم نجوم الهدى ومشاعل النور ومعالم الإصلاح فكل عالم تعلم العلم النافع وعمل به ودعا إليه فحقه الإجلال والتكريم، فالله ـ عزّ وجلّ ـ أعلى من قدر العلماء، ورفع من شأنهم ونوّه بمنزلتهم، قال تعالى: «شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ»، وقال: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» وقال: «يَرْفَع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»
وفي الحديث: «العلماء ورثة الأنبياء»،
فكان علماء الإسلام ـ وبحق ـ رواد الخير والإصلاح، ومصدرا للتوجيه والنصح؛ فهم الخطباء والأئمة والمفتون والقضاة، يعلمون الناس ويربّونهم ويحافظون على هوية الأمة ويغرسون في نفوس الجيل الخير والهدى والفضيلة، وينصحون الحاكم ويشيرون عليه بالأصلح، ثم بدأ يتلاشى رواد العلم في عهد الدولة التي نحت الإسلام جانبا، فصار دور العالم لإمامة المسجد وعقود الأنكحة والإشراف على الوقف فقط، وإذا أحسن إليه سمح له بدروس في فروع الشريعة مع الإشراف عليه من قبل الدولة، وعرف العلماء بمشايخ الدين أو رجال الدين، وطلب منهم عدم التدخل في السياسة وترك شؤون الدولة وصنعوا للفتوى فحسب، حتى حجرت الفتوى عليهم إلا في مسائل العبادات والمعاملات. وإنما تنهض الأمة بعلمائها العاملين الصادقين، لهذا ينبغي إحياء العلم بهذه المعالم:
1- قيام العلماء بحمل أمانة العلم عملا ودعوة ونصحا وقدوة ونشره مع الصبر واحتساب الأجر من الله.
2- إكرام العلم وعدم تدنيسه بالأطماع وتلويثه بأهواء النفس وإنما التجرد الصادق والزهد الصحيح وطلب ما عند الله واختيار الكفاف والقناعة بالميسور ثم صرف الوقت في نفع الناس دروسا وخطبًا وتأليفا وتوجيها وتربية.
3- وعلى الحكام معرفة منزلة العلماء ورعاية حقهم وحفظ جاههم حتى يتم الاقتداء بهم والبعد عن إقصائهم وتهميشهم وإلغاء دورهم؛ فإن هذا من علامات الإفلاس والجهل.
4- إنشاء هيئات علمية للعلماء حسب تخصصاتهم، تكون مهمتها القيام بشؤون الأمة؛ فهيئة لعلماء السنة لحفظ الحديث النبوي ونشره وتعليمه، وهيئة للفقه والفتوى لنفع الأمة وبيان الحكم الشرعي، وهيئة لحفظ العقيدة الصحيحة للحفاظ على صفاء التوحيد وجوهر الإيمان وحمايته من الشركيات والبدع والخرافات، وهكذا كل يقوم بدوره.
5- قيام العلماء بدراسة حالة العصر ومواكبة ما يجدّ من أموره وإبداء الحكم الشرعي والانطلاق بالإسلام في ربوع العالم عبر وسائل الإعلام وعظا وإفتاءً وتعلما وسيرة وتفسيرا
المسار الأول:
العلاج الشرعي الإيماني، وذلك بالإخبار عمّا للفقير الصابر من أجر عند الله ومثوبة، وربما كان فقره خيرا له في الدنيا والآخرة، يمنعه من المحرمات ويحجبه عن الشهوات، فصار كثير من الفقراء في الإسلام يفرحون بالفقر ويعدّونه هدية ويحسبونه عطية ويحمدون الله عليه، لأن الإيمان ملأ قلوبهم غنى وقناعة واحتسابا، فصاروا يرون فيه عبئا ثقيلا وحملا كبيرا أراحهم الله منه.
ولهذا تجد بعض الصحابة كعليّ وأبي ذرّ وسلمان وأبي الدرداء وغيرهم كانوا فقراء، ولكنهم يتشرفون بهذا ويفرحون به ويحتسبون كل ما أصابهم من مشقة في سبيل الله.
والمسار الثاني :
الذي عالج به الإسلام مشكلة الفقر أنه فرض لهم في أموال الأغنياء نصيبا معلوما، وهو الزكاة المفروضة، وصارت ركنا من أركان الإسلام يدفعها الغني بلا منّة، ويأخذها الفقير بلا ذلة، فيطهر الغني ماله بها ويزكي نفسه ويسد حاجة الفقير ويرفع الفقر عنه، وزاد الإسلام عملا آخر للفقير القوي المكتسب بأن دعاه إلى العمل والحركة في الكسب وطلب الرزق من كل طريق مباح، فقال عليه الصلاة والسلام: «لأن يأخذ أحدكم حباله فيحتطب ويبيع خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه».
وركّب صلى الله عليه وسلم فأسا في خشبة وأعطاها رجلا فقيرا قويا، وأمره أن يذهب ويحتطب ويبيع، والله سبحانه وتعالى يقول:
وقد كان داود حدادا، وزكريا نجارا وإدريس خياطا، وعمل موسى في رعي الغنم، بل إن كل الأنبياء رعوا الغنم، بمن فيهم خاتمهم وإمامهم صلى الله عليه وسلم، فصارت حلول الفقر في الإسلام بحسب حالة الفقير، فإن كان فقيرا عاجزا فله حظ من الزكاة، فإن لم تكفِه أعطي من الصدقة، وله حق الرعاية من بيت المال إذا كان عاجزا، وإذا كان قويا متكسبا أعطي بقدر ما يكفيه حتى يذهب إلى العمل، وإذا كان الفقر بسبب دَين باهظ أو تحمّل ديات في دم أو غرامة في سبيل الله أو أصابته كارثة مالية اجتاحت ماله، فإنه يعطى من بيت المال بقدر حاجته.
وعلى هذا النهج لا يبقى فقير في الأمة الإسلامية ولا عاجز ولا محتاج، حتى لما فعل هذا المشروع الإسلامي في عهد عمر بن عبد العزيز لم يبقَ فقير ولا مسكين ولا يتيم ولا مقعد ولا عاجز ولا مريض ولا ذو عاهة إلا وله من بيت المال ما يكفيه ويكفّ وجهه عن المسألة.
وهذا الذي فعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وإنما انتشر الفقر الآن في العالم الإسلامي لتعطيل المشروع الشرعي والحل الإسلامي، فلا زكاة تؤخذ بأمانة وتعطى بعدل وتوزع بسوية، ولا أغنياء يعودون على فقراء، ولا أسواق تستقبل العمال، ولا بيت مال يصرف على أهل الحاجات والضرورات.
بل وجد في كثير من بلاد الإسلام الاستئثار بالمال العام وتعطيل ركن الزكاة والبخل بالصدقة وإهمال الفقراء وعدم الاهتمام بسوق العمل والعمال وضعف الوازع الديني وقلة التراحم والتواصل، فصارت بلاد الإسلام أكثر البلدان فقرا وحاجة وعوزا.
ولهذا حقد الفقير على الغني، والضعيف على القوي، والعاجز على المستبد، فعمّت في المجتمع الشحناء وانتشرت البغضاء، لأن مال الأمة لم يوزع توزيعا عادلا بالقسطاس المستقيم، بل تجد بعض الأفراد يملكون ما تملكه دولة أو لا تملكه، وبعضهم لا يجد قوت يومه، فصار هناك الفرق الشاسع بين أهل الغنى الفاحش وأهل الفقر المدقع.
ومن عاد إلى سجلات العهد النبوي والخلافة الراشدة وجد أن الكفاف قد عمّ الناس وأن فريضة الصلاة قائمة وأن الصدقة مؤداة، وأن صاحب الحاجة تحت رعاية الدولة، فعمّ الإيمان والأمن، وحلّت السكينة والطمأنينة، وانتشر العدل وتناصف الناس، وسادت بينهم الألفة والمحبة والمودة فصارت الأمة قوية مهابة مقدرة، وتلاشت في ذاك العهد مظاهر الأثرة والاستيلاء على المال العام، بل إن بعضهم آثر بطعامه، كما قال تعالى: « وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»،
فلله أي حل جاء به الإسلام! وأي صلاح للمجتمع في عالم المال! وأي مشروع لمعالجة الفقر أتت به الشريعة!
الشريعة الإسلامية جاءت برعاية الإنسان في كل أحواله وأطواره من المهد إلى اللحد على اختلاف الظروف والأزمان والأحوال، فللمولود ثم الطفل ثم الشاب ثم الشيخ أحكام مقررة، وللمرأة البكر والثيب والمتزوجة والمطلقة والحامل والمرضع والحائض والنفساء أحكام محددة، وهناك أحكام المقيم والمسافر والصحيح والمريض والغني والفقير والقادر والعاجز والحاكم والمحكوم والذكر والأنثى والإمام والمأموم إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بأحوال الناس على اختلاف ظروفهم.
وكلها ـ والحمد الله ـ مبينة في الشريعة بأدلتها وأحكامها. وهذا دليل على كمال هذه الشريعة وتمامها وصلاحها لكل زمان ومكان، وكذلك تعامل الشريعة مع غير المسلمين من المحاربين والمعاهدين والمستأمنين وأهل الذمة من أهل الكتاب ومن لا دين له وأحكام البغاة والمحاربين والمبتدعة وقطاع الطريق ومن تشملهم الحدود، كحد الزنا والقذف والسرقة والقتل. وكذلك منهج الشريعة الإسلامية في البيع والشراء والمكاييل والموازين والمعاملات المالية وكسب المال وإنفاقه وأحكام الزكاة والصدقة والبيوع بأنواعها وبيان المباحة والمحرمة، كل ذلك مبسوط في هذه الشريعة لا يحتاج الإنسان إلى منهج آخر في أي مسألة من مسائل الحياة قلّت أو كثرت كبرت أو صغرت.
وكلما اكتشف العلم اختراعات جديدة وعلوما حادثة جاء الإسلام بشرحها والتدليل عليها وهذا مصداق لقوله سبحانه وتعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً»،
وقد حصل في العالم أطروحات جديدة في السياسة والاقتصاد والفكر والأدب والثقافة والعلوم والفنون أجاب عنها الإسلام وسبقهم فيها إلى قول الفصل وإلى المنهج العدل كما قال تعالى: «وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً»،
وقوله صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك».
وإنني أطالع في جزئيات الشريعة فأجد التفصيل والتدليل والتعليل بكل مسألة وكل حادثة وكل نازلة بحيث إن المطالع لهذه الشريعة الربانية المباركة يشهد أنها من عند الله، وقد طبقت هذه الأحكام على مر عصور الإسلام وتعاقب الأعوام وكثرة الحكام فما زادت الشريعة إلا صدقاً ونصوعا وثباتا ورسوخا.
وانظر في عالم الاقتصاد كيف تهاوت الرأسمالية والاشتراكية وثبت الإسلام باقتصاده الصحيح. وانظر في عالم الحكم وعيب الديمقراطية والاستبداد والحكم الفردي وانظر إلى منهج الإسلام في الحكم من حيث العدل والشورى والإنصاف والرحمة بالناس. وكلما عنت قضية ونزلت نازلة كالمعاملات الربوية والمصرفية والأوراق النقدية والمعاهدات الدولية ومسألة الحرب والسلم والدساتير الأرضية والقوانين الوضعية وجد أن الإسلام قد أعد العدة وأخذ أمره من قبل ولبس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها، وأعدّ لكل سؤال جوابا، ولكل مقام خطابا، وصدق الله: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً».
وأي قائل يقول: إن في الشريعة نقصا فإنما هو لسوء فهمه ونقص علمه وانطماس بصيرته كما قال البوصيري:
قد تنكر العينُ ضوءَ الشمس من رمدٍ وينكر الفمُ طعمَ الماء من سقمِ فمن شك في كمال الشريعة وصلاحها لكل زمان ومكان فليتّهم نفسه وعلمه وعقله وفهمه ولا يتّهم شريعة الله، وليَعُدْ بإنصاف فيقرأ في دواوين الإسلام كتابا وسنة وفي سيرة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، وليطالع بتجرد وإنصاف، وليكنْ شاهداً لله على نفسه ولا يكتمْ شهادة عنده من الله، ولا يخنْ رسالته ويشهد زوراً ويحمل ظلماً ويقلْ بهتاناً، فإن الله يقول: «سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ».
وقد رأيت كثيرا من المفكرين ممّن كان عندهم شكوك واستفسارات حول بعض القضايا الإسلامية ثم رجعوا بأنفسهم إلى مصادر التشريع، حينها بأن لهم الحق وظهر لهم الصدق فاتبعوا الدليل واهتدوا إلى سواء السبيل
دعت الشريعة إلى مكارم الأخلاق، ومُدح بها نبي الأمة صلى الله عليه وسلم؛ يقول تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»،
فأتى صلى الله عليه وسلم ليتمّم مكارم الأخلاق من السخاء والإيثار والعفاف والصبر والحلم وكف الأذى والشجاعة والوفاء وحفظ العهد ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وإكرام الضيف والإحسان إلى الجار وبر الوالدين وصلة الرحم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، وإصلاح ذات البين، والصدق في القول، والأمانة، والعدل، والتواضع، والقيام بالشهادة، وتوقير الكبير، والرحمة بالصغير، والإحسان للخلق، والدفع بالحسنى، وإنزال الناس منازلهم، وإعطاء كل ذي حق حقه.
فالإسلام دعا إلى كل فضيلة ونهى عن كل رذيلة، ونادى بتطهير المجتمع من كل منكر وفحشاء، وبغي محرم كالشرك والكذب والزور والظلم والبخل والجبن والخيانة والسرقة والغش والخديعة والمكر والنفاق والملق والأنانية والمداهنة، ونهى عن الأخلاق الساقطة والصفات الرذيلة كالكسل والإسراف والبذخ والترف والميوعة وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والاختلاط، والسخرية والاستهزاء والغمز واللمز، والفساد.
وبالجملة فقد أمر الإسلام بكل خلق شريف من بر وتقوى ونهى عن كل خلق دنيء من إثم وعدوان، ومن أجمع الآيات في ذلك قوله تعالى: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ»،
وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم مضرب المثل في كل خلق نبيل. فقد وصفته زوجه خديجة فأخبرت بأنه يقري الضيف ويحمل الكل ويكسب المعدوم ويعين على نوائب الدهر.
والإسلام أتى بالمعتقد الصحيح والعبادة الفاضلة والخلق النبيل، ولكن المشكلة عند كثير من المسلمين تجزئة الدين وأخذ ما تهواه أنفسهم فقط.
وعلى ذكر مكارم الأخلاق فإن الواجب على عقلاء المسلمين وأهل الريادة فيهم والمسؤولية حمل الجيل على أنبل الأخلاق ونشر ثقافة مكارم الخلق وإيجاد القدوة الصالحة والأسوة الحسنة من الآباء والدعاة والمربين والأساتذة، واهتمام الإعلام بالالتزام بتعاليم الإسلام ودعوته إلى كريم الأخلاق وجميل الصفات والبعد عن كل ما يناقض دستور الأخلاق الشريفة والسجايا الفاضلة والوصف الدنيء من الفحش والمنكر والخلاعة والمجون والإسفاف الرخيص والتبذل والانحطاط الخلقي سواء في الكلمة أو الصورة أو المسلسلات والأفلام. والواجب على الوالي الأخذ على يد السفيه وحراسة الفضيلة وحماية ما دعت إليه الشريعة ونادى به الإسلام.
«كنْ في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيل»، «فطوبى للغرباء».
ليست السعادةُ قصر عبدِ الملك بنِ مروان، ولا جيوش هارونِ الرشيدِ ولا دُور ابنِ الجصَّاصِ، ولا كنوز قارون، ولا في كتابِ الشفاءِ لابنِ سينا، ولا في ديوانِ المتنبي، ولا في حدائقِ قرطبة، أو بساتينِ الزهراءِ. السعادةُ عند الصحابة مع قلَّةِ ذاتِ اليدِ، وشظفِ المعيشةِ، وزهادة المواردِ، وشُحِّ النَّفقةِ. السعادةُ عند ابنِ المسيبِ في تألُّهِه، وعند البخاري في صحيحِهِ، وعند الحسنِ البصريِّ في صِدْقِهِ، ومع الشافعيِّ في استنباطاتِه، ومالكٍ في مُراقبتِه، وأحمد في ورعِهِ، وثابتٍ البنانيِّ في عبادتهِ «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلا يَطَؤُونَ مَوْطِئا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ».
ليستِ السعادةُ شيكا يُصرفُ، ولا دابة تُشترَى، ولا وردة تُشَمّ، ولا بُرّا يُكالُ، ولا بزّا يُنشرُ. السعادةُ سلوةُ خاطرٍ بحقٍّ يحمِلُه، وانشراحُ صدرٍ لمبدأ يعيشُه، وراحةُ قلبٍ لخيرٍ يكْتنِفُه. كنّا نظُنُّ أننا إذا أكثرْنا من التوسّع في الدُّور، وكثْرةِ الأشياءِ، وجمْعِ المسهِّلاتِ والمرغِّباتِ والمشتهياتِ، أننا نسعد ونفرح ونمرح ونُسرّ، فإذا هي سببُ الهمِّ والكَدَرِ والتنغيصِ؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ بهمِّه وغمِّه وضريبةِ كدِّهِ وكدْحِهِ: «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ».
إنَّ أكبر مُصلِح في العالمِ رسولُ الهدى محمدٌ صلى الله عليه وسلم، عاش فقيرا، يتلوَّى من الجوعِ، لا يجدُ دقْلَ التمرِ يسدُّ جوعه، ومع ذلك عاش في نعيمٍ لا يعلمُه إلا اللهُ، وفي انشراحٍ وارتياحٍ، وانبساطٍ واغتباطٍ، وفي هدوءٍ وسكينةٍ: «وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ»،
«وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً»،
«اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ».
وفي الحديثِ الصحيحِ: «البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، والإثم ما حاك في صدرِك وكرهْتَ أن يطلع عليه الناسُ».
إنَّ البرَّ راحةٌ للضميرِ، وسكونٌ للنفسِ.
والحلُّ لمنْ أراد السعادة أنْ يُحْسن دائماً، وأنْ يتجنَّب الإساءة، ليكون في أمنٍ: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ».
الإسلام يدعو إلى الحوار والإقناع لا إلى القهر والكبت /د.عائض القرني
الإسلام يدعو إلى الحوار والإقناع لا إلى القهر والكبت ..
الدكتور عائض القرني
هذا المعنى معلوم في الكتاب والسنة، يقول تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ»؛
ففي الآية إعطاء المخالف مهلة وفرصة لسماع الحجة والتفكر في البرهان.
وقال تعالى: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».
بل إن الدين كله مبني على التعارف والتواصل لا على التضاد والتصادم، حتى إن الآية في قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»
قال فيها بعض العلماء: «ليدور بينكم المعروف ويوصل المعروف من بعضكم إلى بعض». ومن هذا المعروف اللين والرفق والسماحة، وهذا ما جاء به الإسلام، فمن رحمة الله عز وجل أنه أقام الحجة على الخليقة بإرسال الرسل وإنزال الكتب كما قال تعالى: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»،
وقال تعالى: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»،
فمن سماحة الشريعة أنها تدعو من خالفها إلى الحوار وسماع الحجة وطلب الإنصاف.
ولهذا جعل الله مرد الناس في الاختلاف إلى البرهان الصحيح، قال تعالى: «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»،
وجعل العلم النافع الصحيح الثابت مرجعاً عند الخلاف، قال تعالى: «قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا»،
ولهذا تجد في نصوص الشريعة الدعوة بالحسنى والرفق بكل أمم الأرض والطلب من البشرية التفكر والتدبر والنظر بالأدلة الكونية والشرعية، ونفي مبدأ القهر والإكراه عن الشريعة، كما قال تعالى: «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»
وقال تعالى: «لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ»،
وقال تعالى: «أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ»،
فإذا فهم المسلم طبيعة الشريعة وقانونها الذي لا يتغير دعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان رحمة على الناس؛ لأن من يدخل في الدين مكرهاً تحت التهديد والوعيد والتعذيب لا ينتفع به ولا يقتنع هو بالإيمان، وسوف يرتد إذا وجد طريقاً إلى ذلك، وليس هذا المقصود بالشرع.
ولهذا ترك أهل الكتاب في بلاد المسلمين على دينهم المحرف وصار لهم الأمان بشرط الوفاء بما عاهدوا عليه الدولة الإسلامية، ولم يطلب من المسلمين إكراههم وإذلالهم حتى يدخلوا في دين الإسلام؛ لأنه لا فائدة في اغتصاب عقول الناس والسيطرة على أفكارهم بالسيف والسوط؛ فإن نتائج هذا العمل التذمر والانفلات والمحاربة والعداوة عند أول فرصة.
بل إنك تجد في نصوص الوحي من الرحابة وإطلاق العنان للتفكير والتأمل والتدبر وقراءة الحجة ودراسة البرهان والبحث في الدليل ما يبهر العقل، ومن ذلك أن الله أمر عباده أن ينظروا في الكون نظر اعتبار، وأن يطالعوا آيات القرآن مطالعة تدبر، فعندنا كتابان إلهيان ربانيان هما: كتاب الكون المفتوح وكتاب الوحي المشروح، فآيات كتاب الكون خطت بكاف القدرة فيها أسطر الوحدانية وأحرف الصمدانية تشهد أن لا إله إلا الله وآيات كتاب الوحي كلماته آيات بينات نزل بها جبريل من رب العالمين على النبي الأمين بلسان عربي مبين.
والمقصود من هذا أن الشريعة أتت بالرفق في الخطاب مع المخالف سواء خالف في الدين جملة أو في بعض مسائله؛ فإن في الشريعة آداب التعامل مع العاصي والباغي والمحارب وأهل الكتاب والمبتدع والوثني، وكل هذا مشروح مفصل في الكتاب والسنة، فإذا طالعت هذه الأدلة في الشريعة تيقنت أن هذه الشريعة أتت لآلاف الأعوام وعلى مر الزمان وتغير الأحوال ولم تأتِ لجيل أو أمة أو قرن من القرون وإنما جاءت للناس لكافة وخاطبت الجميع وقصدت البشرية فضلاً من الله ورحمة. ولهذا نفي عن الشريعة التحيز لصنف أو جنس أو قبيلة أو عشيرة أو أسرة أو فرد إلا بسبب شرعي مرده تقوى الله،كما قال تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»،
بل نفي التمييز العنصري في الشريعة والتفضيل بالألوان والأعراق والأجناس كما في الحديث: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى»، فترى أن الشريعة أتت بتفضيل المؤمن والمسلم والمهاجر والمجاهد والمنفق والعالم الرباني والخير عموماً ولا تأتي بتفضيل العربي أو السيد أو الحاكم أو الغني أو الأبيض، بل فضلت ما أمر الله بتفضيله لسبب شرعي مقصود وهو طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وامتثال الكتاب والسنة
عيدكم مبارك: أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، تقبّل الله منّا ومنكم الصيام والقيام، غفر الله لنا ولكم الذنوب والآثام، وملأ قلوبنا جميعاً بالرحمة والحب والسلام،
عيدكم مبارك: أيها الجنود الشجعان الذين يحفظون أمن الأمة ومكتسبات الوطن، ومقدرات البلاد، سهروا ونام غيرهم، وتعبوا وارتاح سواهم، وضحوا من أجل الآخرين.
عيدكم مبارك: أيها التجار المنفقون، والأغنياء المتصدقون والأثرياء الباذلون الذين لم ينسوا البطون الجائعة، ولا الأكباد الحرى، ولا الأجساد العارية.
عيدكم مبارك: أيها الفقراء ففي إيمانكم وثقتكم بربكم وقناعتكم بالمقسوم وصبركم على القضاء المحتوم سلوى وعزاء وأجرٌ ومثوبة.
عيدكم مبارك: أيها الأطباء الأفذاذ الجهابذة وأنتم تطاردون الداء، وتحاربون المرض وتسهمون في إدخال البهجة على أهل البلاء بمشرط من عافية، وبجرعة من شفاء، وبلمسة من حنان.
عيدكم مبارك: أيها الإعلاميون وأنتم أمناء على الكلمة، أوصياء على الحرف، شهود على الحقيقة، تحملون الميثاق وتنيرون العقول وتقدمون الفكرة الراشدة، والمقولة الرائدة، والجملة المفيدة.
عيدكم مبارك: أيها البدو الرّحل بقلوبكم الصافية صفاء الصحراء، الواضحة وضوح الشمس، فأنتم مع إبلكم وبقركم وغنمكم تحافظون على ثروة الناس باللحوم والألبان والأجبان والصوف والوبر والشعر.
عيدكم مبارك: أيها الملاحون في البحر والصيادون وأنتم تسافرون في غمرات الماء تبحثون عن الرزق، وتفتشون عن الكنوز بأعماق البحار.
عيدكم مبارك: يا كل من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً. عيدكم مبارك: يا كل من عفا وسامح وصفح وتجاوز وغفر للناس ذنوبهم وأخطاءهم.
عيدكم مبارك: يا كل من سجد سجدة أو قطرت من عينه دمعة، أو تصدق بدرهم أو تفضل ببسمة، أو جاد بكلمة طيبة.
عيدكم مبارك: يا كل من سَلِم المسلمون من ألسنتهم وأيديهم، وأَمِنَهم المؤمنون على دمائهم وأموالهم. عيدكم مبارك أيها الكل
هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، إنه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، إنه معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم الكبرى الخالدة على مر الدهر، إنه الهدى والرحمة والنور والشفاء لما في الصدور، إنه الكتاب المبارك المجيد، إنه الكتاب الذي لا ريب فيه ولا اختلاف ولا تناقض، إنه الكتاب الذي أُحكِمت آياته ثم فُصِّلت من لدن حكيم خبير، إنه الكتاب الذي هيمن على كل الكتب، ونسخ ما قبله من الشرائع، إنه الكتاب الذي بيّن ما أخفاه أهل الكتاب، وأظهر ما كتمه أهل الزور، وهدم ما شيَّده المشركون، ودفع ما زخرفه المبطلون، إنه حجة الله على خلقه، فيه خبر ما قبلنا، ونبأ ما بعدنا، وحكم ما بين أيدينا.
هو الجد ليس بالهزل، حق لا باطل فيه، وصدق لا كذب يعتريه، ما كان حديثا يفُترى، بل هو أصدق الحديث، وأحسن القصص، وأفضل المواعظ، وأجمل الأخبار، فيه الصدق في الخبر، والعدل في الحكم، والبيان الشافي، والجواب الكافي، أنيس الجليس، وربيع القلب، ومزيل الهموم، ومذهب الغموم، ومجلي الأحزان، ويصقل الأذهان، ويُذهب الشك، ويزيل الوساوس، ويغرس اليقين، ويقوي الإيمان.
تلاوته عبادة، وتدبره علم، والعمل به نجاة، والاحتكام إليه فوز، والاستشفاء به عافية، لا يُمل على كثرة الترداد، ولا يُسأم مع التكرار، غض طري، له حلاوة، وعليه طلاوة، يفيض حكمة، ويشع نورا، ويسطع برهانا، رفيق الغربة، وطارد الوحشة، فيه العوض من كل أحد، والعزاء من كل مفقود، والسلوة من كل ذاهب.
تُعمر به الأوقات، وترفع به الدرجات، وتتضاعف بتلاوته الحسنات، وتُمحى بقراءته السيئات، غرقت في بحار علومه أفكار العلماء، وأُفحم في ميدان سباقه الحكماء، وأذهلت روعةُ بيانه الشعراء، وأسكت بجلال خطابه العرب العرباء، عَجِبَ منه الجن، ودَهِشَ منه الإنس، ورُميت عند نزوله الشياطين، لو خُوطب به الجبل لتصدع، ولو كُلِّم به الصخر لتفجَّع، ولو أُلقي على الحديد لتقطَّع.
فيه العبرة والعظة، والرشد والنصيحة، والقصة والمثل، والخبر والشاهد، بيان وبرهان، هدى وفرقان، رحمة وإيمان، شافع مُشفَّع، وناطق مُصدَّق. خُتِمت به الكتب وصُدِّرت به الخطب، وبُنيت عليه الأحكام، وقام عليه الإسلام، وتألَّفت عليه القلوب، ونقض بنيان الشرك، وهدم به صرح الباطل، هو شرف الأمة، ووثيقة الملة، ودليل الهداية، وسبيل الفلاح، وباب الفضيلة، وحبل العز ومفتاح السعادة.
أشرق بيانه فكسفت شموس البلغاء، وقام سوق فصاحته فكسدت أسواق الأدباء، نزع جلباب الباطل عن وجوه الملاحدة، وخلع رداء الزور عن أكتاف الجبابرة، أرغم بحجته أنوف الضلال، ودفع بصدقه رؤوس الجهّال، كشف الزيف، ورفع الحيف، محفوظ من الزيادة والنقصان، محروس من التبديل والتحريف، معصوم من الزيغ والهوى، مكتوب في اللوح المحفوظ، مسطَّر في صحف مكرمة، مرفوعة مطهَّرة بأيدي سفرة، كرام بررة.
فمن أراد الفوز والنجاة فعليه بالقرآن تلاوةً وعملاً؛ ليصل إلى بر الأمان، ونعيم الجنان في جوار الرحمن: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى».
ومن أراد السعادة والفلاح فعليه بالقرآن اهتداءً واتباعاً؛ لينعم بقرة العين، وراحة الروح، وبهجة النفس: «أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ».
ومن أراد العزة والسموّ والمجد فعليه بالقرآن اقتداءً وامتثالاً؛ ليحصل على تاج القبول، ووسام الشرف، ومرتبة السيادة والقيادة «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ».
ومن أراد العلم والمعرفة فعليه بالقرآن تفقهاً وتدبراً؛ لينجلي عن بصيرته كل جهل، ويزول عن فهمه كل غبش «إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ».
بعد الصيام والقيام نام المؤذن والإمام/د.عائض القرني
بعد الصيام والقيام نام المؤذن والإمام
د. عائض القرني
لا ينتهي عجبي منّا نحن المسلمين وجهلنا بالدّين، في رمضان امتلأت المساجد والساحات المجاورة للمساجد بالناس في صلاة التراويح، وهي نافلة وسنة، فلما انقضى الشهر لم يحضر إلا صف أو صفان في الفرائض، بل نام المؤذن والإمام أيام العيد عن الفريضة؛ لأنهما منهكان من صلاة التراويح والقيام النافلتين، نهتم بالنوافل ونهمل الفرائض، نحسّن الظاهر ونهجر الباطن، نقبل على الشكل ونترك المضمون، ومن تجليات الأمة في رمضان، بل من حركات (نص كم)، أن الإمام يبكي وينوح ويصيح في دعاء التراويح فيتحول المسجد إلى نياح كربلائي، بينما إذا قرأ القرآن هذّه بلا خشوع ولا بكاء، ونترك الدعاء بالمأثور الثابت ونؤلّف من عندنا أدعية سامجة باردة كقولهم: ولا تدع أعزباً إلا زوّجته ولا مطلقة إلا جبرت خاطرها، ولا مديناً في بناء عمارة إلا قضيت دينه، وأصلح خالاتنا وعماتنا وصديقات أمهاتنا ومن له حق علينا إلى آخر هذا الهذيان، ويذهب الكثير منا بأهله لأخذ العمرة في رمضان وهو لا يحضر صلاة الجماعة فيترك أبناءه وبناته شذر مذر في فنادق مكة وأسواقها، وأقسم لي أخ من دولة عربية أنه وفد مع حملة لأخذ العمرة في رمضان وكثير من الحملة ما كانوا يصلون الفريضة في بلادهم فصلّوا التراويح في الحرم وبكوا حتى رثيت لحالهم، فلما جاء العيد عادوا لما نهوا عنه من ترك الفرائض وارتكاب الآثام، وفي قرية من القرى كان مؤذنهم خفيف ظل ومزّاحاً ويشكو من قلة المصلين، فكان يحضر معهم الفريضة خمسة، فلما دخل رمضان ملأوا المسجد لصلاة التراويح، ولما أمَّن الإمام أمّنوا فارتج المسجد فصاح المؤذن يقول: (عاشوا) مستهزئاً بهم، ولما سلموا التفت إليهم وقال: مستفهماً تضحكون على ربي؟ تعالى الله عن ذلك.
وكثير ممن لا يحضر صلاة الجماعة في الفرائض يستعد لصلاة التراويح والقيام فيحضر مبكراً ويحجز مكاناً ومعه القهوة والشاي ويلتفت إلى جيرانه ويسألهم: هل ختم القرآن في مسجدكم؟ لأن ختم القرآن في المساجد صار مغايرة ومغالبة، وأخبرني رجل مسن عامي أنه ذهب بأهله لأخذ العمرة قال: «أبشرك وفّقنا الله، والله ما جلسنا في الحرم إلا ساعتين من قلة الزحام؛ لأننا تركنا الناس وقت دخلوا في صلاة الفجر طفنا وسعينا»، وكأنه قصد غفلة المسلمين واشتغالهم بالصلاة، فاحتال عليهم وأدى العمرة. وكان في حي الجرادية بالرياض إمامٌ قديمٌ أعمى البصر نافذ البصيرة، فغشاه الناس في رمضان غشيان الجراد، فأحس بحركاتهم وأصواتهم، فقرأ في الصلاة آخر الأحزاب: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلا)،
يسمعهم إياها فلما انصرف من صلاته أخذ الميكرفون وقال: «ما شاء الله المسجد اليوم مليان ماذا حصل؟ هل عندنا حفل زواج؟ أثركم تعرفون إن فيه مسجد أو رباً يُعبد، لكن نصبر عليكم أياماً معدودة وبعدها ما نشوف وجوهكم سنة كاملة»، فيا من قتل الحسين وسأل عن دم بعوضه، لا تقدموا النوافل عن الواجبات المفروضة، ولا تحولوا الشريعة إلى فوضة، إن الدّين ليس تظاهرات وطقوساً وأشكالاً، لكنه معانٍ ومقاصد وحقائق، وغالب الناس مثلهم كمثل المرأة الغبية الحمقاء التي لما أخبروها بقتل ابنها برصاصة، سألتهم أين وقعت الرصاصة؟ قالوا: وقعت في جبهته، قالت: الحمد لله على سلامة عينه من الرصاصة، وهو قد قُتل أصلاً، عندنا شغف بالجزئيات على حساب الكليات، والمستحبات على حساب الواجبات، والبعض أكثر من الدروس والمحاضرات في إعفاء اللحية وإسبال الثوب، وشرب الدخان والأغاني، وترك تصحيح العقيدة وإصلاح العبادة وتقويم الأخلاق، وذلك من قلة الفقه وضعف الرأي، أسأل الله أن يفقهنا في الدّين، لنحسن عبادة رب العالمين.
إن إحياء العزة الإسلامية يكون بالاعتزاز بهذا الدين العظيم والتشرف بحمله والعمل به وتبليغه للناس، كما قال ربنا عز وجل: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ»
والاعتزاز بالإسلام واجب لأنه من عند الله ولأنه دين كامل شامل؛ فهو منهج حياة وسعادة أمّة ومنقذ بشرية. ولهذا أمر الله عباده بالاعتزاز به وحسن الانتماء إليه فقال: «وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ».
والإشكال عند الجيل أن الكثير منهم شوه عنده مفهوم التدين لجهل وفظاظة وغلظة بعض دعاته، فحسبوا أن هذا من الدين نفسه، فصار انتسابهم إليه ضعيفاً. ومن الجيل من أعجب بالغرب وحضارته المادية التي خرجت على التدين المسيحي المحرّف في الكنيسة فقاسوا عليه الإسلام فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلا من عرض الدنيا الزائل، ومن المفكرين والمثقفين من ساء فهمه للدين فحسبه شعائر تعبديه روحانية فقط ولا صلة للإسلام بالحياة الدنيا وبناء الدولة، فنادى بترك الدين في زوايا المسجد وإقصائه من الحياة.
وحل هذا الإشكال يحصل بأمور:
أولاَ: أن تقوم حركة دعوية تصحيحية تعرض الصورة الحسنة الجميلة للإسلام، كما كان في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين بلا إضافات ولا فرق ولا مذاهب.
ثانياً: أن تقدم برامج ودراسات وكتب وندوات تثبت للناس شمول الإسلام لكل مناحي الحياة وتضرب لذلك الأمثلة في الحكم والاقتصاد والحياة الاجتماعية.
ثالثاً: أن يستعرض التاريخ الإسلامي في عهد القرون الفضلى وكيف قامت دولة الإسلام على تقوى من الله ورضوان، وكيف قدمت للإنسانية أروع وأجمل وأطهر حضارة، وأخرجت للبشرية أنبل وأشرف جيل. ويذكر في هذا الجانب فتوح الإسلام وإرساؤه للعدل ونشره للعلم والمعرفة والسلام والإخاء.
رابعاً: يقوم متخصصون بدراسة الحضارة الغربية ومعرفة بذور التحلل والتفسخ والفسق فيها وكشف مكامن الداء في جسم هذه الحضارة وبيان تدميرها للروح وللقيم وللأسرة وللعفاف والحشمة حتى لا يغتر الدهماء البسطاء ببريقها الزائف الخداع.
خامساً: منع أي ثقافة أو دعوة تصرف الجيل عن الاعتزاز بالإسلام مثل القومية العربية أو الفخر بالأنساب أو التمدح بمجد القبيلة والعرق والجنس واللون؛ لأن هذه دعوات جاهلية تضعف الانتماء للإسلام والاعتزاز به والتشرف بالانتساب إليه، والعودة إلى منهج سلمان الفارسي في الاعتزاز بالإسلام في قوله:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ** إذا افتخروا بقيس أو تميم
قال أحد الصالحين رضي الله عنه: طنش تعش تنتعش، ومعنى ذلك أن لا تبالي بالحوادث والمنغصات، وقد سبق إلى ذلك زميلي وصديقي الدكتور أبو الطيب المتنبي، حيث يقول:
فعشت ولا أبالي بالرزايا *** لأني ما انتفعت بأن أبالي
وأنت إذا ذهبت تدقق خلف كل جملة وتبحث عن كل مقولة قيلت فيك وتحاسب كل من أساء إليك، وترد على كل من هجاك، وتنتقم من كل مَنْ عاداك، فأحسن الله عزاءك في صحتك وراحتك ونومك ودينك واستقرار نفسك وهدوء بالك، وسوف تعيش ممزقاً قلقاً مكدراً، كاسف البال منغص العيش، كئيب المنظر سيئ الحال، عليك باستخدام منهج التطنيش، إذا تذكرت مآسي الماضي فطنش، إذا طرقت سمعك كلمة نابية فطنش، وإذا أساء لك مسيء فاعف وطنش، وإذا فاتك حظ من حظوظ الدنيا فطنش، لأن الحياة قصيرة لا تحتمل التنقير والتدقيق، بل عليك بمنهج القرآن: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
سبّ رجل أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه فقال أبو بكر: سبُّك يدخل معك قبرك ولن يدخل قبري، الفعل القبيح والكلام السيئ والتصرف الدنيء يُدفن مع صاحبه في أكفانه ويرافقه في قبره ولن يُدفن معك ولن يدخل معك، قال العلامة عبد الرحمن بن سعدي: وأعلم أن الكلام الخبيث السيئ القبيح الذي قيل فيك يضر صاحبه ولن يضرك، فعليك أن تأخذ الأمور بهدوء وسهولة واطمئنان ولا تُقِم حروباً ضارية في نفسك فتخرج بالضغط والسكري وقرحة المعدة والجلطة ونزيف الدماء، لقد علمتنا الشريعة الإسلامية أن نواجه أهل الشر والمكروه والعدوان بالعفو بالتسامح والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه، والهجر الجميل الذي لا أذى فيه، والصفح الجميل الذي لا عتب فيه، إذا مررت بكلب ينبح فقل: سلاما، وإذا رماك شرير مارد بحجر فكن كالنخلة أرمه بتمرها، إن أفضل حل للمشكلة أن تنهيها من أول الطريق، لا تصعّد مع من أراد التصعيد، انزع الفتيل تخمد الفتنة، صب على النار ماءً لا زيتاً لتنطفئ من أول وهلة، ادفع بالتي هي أحسن وتصرف بالأجمل وأعمل الأفضل وسوف تكون النتيجة محسومة لصالحك؛ لأن الله مع الصابرين ويحب العافين عن الناس وينصر المظلومين، إننا إذا فتحنا سجل المشكلات وديوان الأزمات ودفتر العداوات فسوف نحكم على أنفسنا بالإعدام، انغمس في عمل مثمر مفيد يشغلك عن الترهات والسفاهات والحماقات، إذا رفع سفيهٌ صوته بشتمك فقل له: سلام عليكم ما عندنا وقت، إذا نقل لك غبي تافه كلاماً قبيحاً من عدو فقل له: سلام عليكم ما سمعنا شيئاً، إذا تذكرت أنه ينقصك مال أو عندك أزمة أو عليك دين فتذكر النعم العظيمة والكنوز الكبيرة التي عندك من فضل الله من سمعٍ وبصر وفؤاد وعافية وستر وأمن ودين وذرية وغير ذلك لتجد أن الكفة تميل لصالحك، وأن المؤشر الأخضر يبشرك أن النتيجة تدل على أرباحك ونجاحك وفوزك، أفضل رد على النقّاد والحسّاد هي الأعمال الجليلة والصفات النبيلة والأخلاق الجميلة، أما المهاترات والسباب فهذا شأن كلاب الحارة، والله يقول في وصف النبلاء الأبرار: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)،
ونعود إلى آية الله أبا الطيب المتنبي ليقول لنا: لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينارِ فلو ذهبنا نرمي الكلاب إذا نبحتنا بحجارة فسوف يرتفع سعر الحجارة ولا نستطيع شراءها، ويقول الشاعر سعد بن جدلان رضي الله عنه (بالشعبي): وأنت لو حصّلت لك في الزمن وجهٍ غريبْ مثلْ ما قال المثل: دام تمشي مشّها
فُتح على بعض الناس باب تصعيب دخول الجنة على عباد الله، فكأن مفاتيح الجنة في جيبه يُدخل من يشاء ويمنع من يشاء، وكأن صكوك الغفران في يده، يرحم من يشاء ويعذب من يشاء. فإذا وجد العصاةَ بشّرهم بالنار وأقسم عليهم أن لا يدخلوا الجنة، وإذا ذُكر له الطائعون شكك في طاعتهم وذكر عيوب أعمالهم، وإذا سمع نصوص الرحمة لم يمرها على ظاهرها وإنما يؤولها، حتى إني سمعت بعضهم يشرح أحاديث تكفير الذنوب مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
«مَن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة غُفرت ذنوبه وإن كانت كزبد البحر»،
فقال معلّقا على الحديث: الحديث ليس على ظاهره، ولا تكفّر كل الذنوب ولا الكبائر، وهناك شروط في تكفير الذنوب لم تذكر في الحديث. وكأنه يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما ذكر حديث:
«مَن قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة»،
قال معلّقا: الحديث ليس على ظاهره، وهناك شروط وفرائض وموانع لا بد من اجتماعها حتى يُجرى الحديث على ظاهره. وقائل الحديث هو النبي المعصوم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، أعرف الناس بمدلول اللغة، وأعلم الناس بمراد ربه عز وجل، وأتقى الناس وأخشاهم لمولاه تقدس اسمه.
وهكذا تستمر هذه الطائفة لتصعيب دخول الجنة حتى لا يثق الطائع بطاعته، ولا يتوب العاصي من معصيته، فلا يذكّرونه بالتوبة ولا برحمة أرحم الراحمين، فإن جاء نص في الوعيد أجروه على ظاهره وزادوا عليه كقوله صلى الله عليه وسلم:
«لا يدخل الجنة نمام»،
قالوا معنى الحديث أن النمام خالد في النار محرم عليه دخول الجنة، وهذا ليس مقصود الحديث. وإذا أتت بشرى بالمغفرة والرحمة في آية أو حديث غيّروا المعنى وأفسدوا الفرحة بالبشرى، وهذا المسلك الخطير في تصعيب دخول الجنة يورث اليأس والقنوط والإحباط عند كثير من الناس حتى يقول بعضهم: ما دام أننا إذا تبنا لا يُقبل منا، وأن أعمالنا الصالحة مدخولة بالرياء والسمعة، فما الفائدة من طاعتنا إذا كنا هالكين أصلا؟
وجدت شبابا محبطا صعّب عليهم بعض الوعّاظ التوبة ودخول الجنة فأصبحوا يرددون: ما الفائدة من دعائنا ومن صلاتنا وقد تلوثنا بالخطيئة وتلطخنا بالذنب؟ ووجدنا من أصابه الوسواس من كثرة خوفه لأنه استمع إلى مواعظ قاتلة وخطب تهديدية حماسية تتوعد العصاة بنار تلظى ولا تفتح لهم باب الأمل ولا الرجاء برحمة الله. والسؤال: مَن الذي رشح هذه الطائفة المتعنّتة في الدين، المتنطعة في الشريعة، لتحكم على الناس بدخول الجنة أو الحرمان بدخلوها؟ مَن الذي فوّضهم بتفريغ النصوص من محتواها؟ فنصوص الرحمة عندهم لها معنى آخر غير مراد من ظاهرها، ولها باب باطن تدل عليه نصوص أخرى، ونصوص العذاب والوعيد تُجرى على ظاهرها ويزاد عليها ويُجمع معها نصوص أشد منها، فإذا ذكرتهم بالحديث الصحيح عند مسلم عن أبي ذر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: «بشرني جبريل أنه من مات من أمتك يشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فهو من أهل الجنة»، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق؟ قال صلى الله عليه وسلم: وإن زنا وإن سرق، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وإن زنا وإن سرق على رغم أنف أبي ذر.
فإذا سمعوا هذا الحديث جعلوا له تأويلا يخالف ظاهره.
لماذا لا نكون مع نصوص الكتاب والسنّة بين الخوف والرجاء؟ ولماذا لا نكون على ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: «الفقيه كل الفقيه مَن لم يؤمِّن الناس من مكر الله ولم يقنّطهم من رحمة الله»؟ وهذا هو منهج أهل العلم والإيمان، فإن الله جمع في كتابه بين الخوف منه والرجاء في رحمته فقال:
«نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ».
عند كثير من المسلمين قدرة عجيبة في استعداء العالم وتحويل الأصدقاء إلى أعداء، فتجد مثلا الخطاب السياسي في بعض الدول العربية والإسلامية يحمل التهديد والوعيد للدول الكبرى، بينما هذه الدول الضعيفة المسكينة عاجزة عن توفير الخبز والبنزين ومحو الأمية عن شعوبها، وسمعت في قناة «العربية» مفكرا إيرانيا إصلاحيا يسخر من نظام بلاده ويقول، ما أدري إلى أين تنتهي بنا قائمة الموت؟ فقد بدأ النظام بهتاف: الموت لأميركا، ثم أضاف الموت لإسرائيل، ثم شك في بريطانيا فأضاف: الموت لبريطانيا، ولما تدخلت صحفية فرنسية لتغطية أخبار المظاهرات بإيران، أضافوا: الموت لفرنسا، وإذا لم تتخذ روسيا قرار النقض (الفيتو) ضد العقوبات على إيران فسوف يضيف: الموت لروسيا، وربما يدخل في القائمة غدا الصومال وبوركينا فاسو وغانا لحسن علاقاتها بأميركا، وفي الأخير سوف يقولون: الموت للعالم، بالله هل هذه العقول تحترم نفسها وهي ترفع شعار الإسلام، والإسلام يدعوك لتحويل العدو إلى صديق لا تحويل الصديق إلى عدو، قال تعالى:
« ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ »، وقال تعالى:
« عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً »،
وبعض الأئمة يدعو في القنوات: اللهم أهلك اليهود ومن هاودهم، والنصارى ومن ناصرهم، والمجوس ومن ماجسهم، والبوذيين ومن باوذهم، والصينيين ومن صاينهم، ثم تضيق دائرة الدعاء فيدعو على الأحزاب المخالفة والفرق الضالة والطوائف المبتدعة، فلا يبقى إلا أهل حارته، بل وصل الحال ببعض الأئمة إلى أن دعا بضرب اقتصاد الغرب وبالأمراض عليهم، مع العلم أننا سوف نتضرر بما يحل بهم، فاقتصادنا واحد والأمراض والأوبئة سوف تصلنا، لأننا نعيش في كوكب واحد.
والبعض يعمم الدعاء على الكفار سواء المعتدين أو غيرهم، مع العلم أن الذي صنع الميكروفون في المسجد واكتشف الكهرباء ونقّب عن الغاز واخترع التلفزيون والراديو والإنترنت كلهم كفار، وكثير منهم لم يحاربنا لأنه مشغول باكتشافاته واختراعاته وهو قابع في معمله مكب على بحوثه، ونحن مشغولون بالدبكة السامرية، والعرضة الشعبية، لماذا يحرص بعضنا على استعداء العالم وتهديد الدنيا والدعاء بالويل والثبور للمعمورة؟ ما هي المصلحة من تنبيه الغافل وإيقاظ النائم وتوجيه الأنظار إلى أننا قادمون ومستعدون لمحاربة العالم؟ هل هذا منهج الإسلام؟ هل هذا منطق الدين؟ هل هذا من العقل؟ أم هو الحمق بعينه، والغباء بأصله، إننا بحاجة لطمأنة العالم وزيادة الأصدقاء وتحييد الخصوم؛ لأن رسالتنا رسالة عالمية فيها الرحمة والسلام والأمن، قال تعالى:
« وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ »،
بعض إذا خطب في الجماهير الجائعة المسحوقة المسلوبة الإرادة لبس الزي العسكري وهو لم ينتصر في أي معركة وعلّق النياشين على صدره، والنجوم على أكتافه، وتاج الاستقلال على رأسه، وهو الذي استعمر بلاده، ثم ألقى خطبة نارية توعد فيها الدول الكبرى بالنار والدمار، وبلده يعيش أزمة الغلاء والوباء ولم يذق طعما للنصر، بل هو مهزوم في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون، علماء وخطباء وساسة ومثقفين وكتّابا، قدموا خطابا عاقلا راشدا مسؤولا يحمل الرفق واللين والرحمة بالبشر، وكفانا هزائم وشعارات خدّاعة وإنجازات وهمية وأفكارا طائشة لا تناسب إلا المرضى نفسيا والمراهقين عقليا والمهزومين روحيا. إن شريعتنا تدعونا إلى التواصل بالبر مع غير المسلمين إذا لم يقاتلونا قال تعالى:
« لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ »،
فكيف يأتي بعضنا بطيش وحماقة ليستعدي العالم المسالم ويهدد أمم الأرض وهو عاجز عن العيش بسلام في أرضه؟
قبل أيام معدودات زرت المتحف الوطني بالقاهرة وشاهدت المدعو فرعون الذي تجبّر وتكبّر وعصى وعتا، وتمرد وطغى، وصاح في شعبه: «فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى»، ونادى في الجمهور «مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي»، ورأيت جثته الهامدة وجثمانه البالي، وتذكرت قول الواحد القهار فيه: « فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً »، ودارت في ذهني مأساة الإنسان يوم ينسى ربه ويظلم نفسه ويتجاوز حدوده ويتعدى طوره كيف يكون مصرعه وكيف تتم نهايته. رأيت فرعون بهيكله العظمي، ووجهه الكالح، وأسنانه الظاهرة، وجمجمته المهشمة وحيدا منفردا صفرا من كل شيء، مجردا من كل قوة، مسلوبا من كل نعمة، معروضا لعيون الناس بتاريخه وسيرته وجثمانه، رأيته في صندوق زجاجي بلا دولة ولا سلطان، ولا قوة ولا هيلمان، ولا سلطة ولا صولجان، ولا جنود ولا أعوان. كان يقول له موسى: قل لا إله إلا الله، فيقول الخسيس الحقير: أنا الله. كان يقول له موسى: ربي وربك الواحد الأحد جل في علاه، فيقول: «مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي». ملك الغبي الأحمق قطعة من الأرض فاستبد وقال: «أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي»، فأجرى الله الأنهار من فوق رأسه. تذكرت فرعون وهو يغرق في الماء ثم يُرمى في البيداء كما تُرمى الضفدع الميتة، أما فكر المعتوه في الكون؟ أما نظر في السموات والأرض؟ أما شاهد الأفلاك والكواكب؟ أما نظر إلى الشمس والقمر؟ أما قرأ القدرة في النجوم اللامعة، والجبال الشاهقة، والبحار الهاجرة، والريح الهائجة، والأنهار المتدفقة، والثمار اليانعة؟ ما له - قاتله الله - ألغى عقله وشطّب على ضميره وداس بقدمه تفكيره؟ لماذا لم يقف وقفة تأمل مع نفسه ليعلم أنه لا يصلح ربا ولا يكون إلها أبدا؛ لأن الرب سبحانه حي لا يموت، دائم لا يفنى، غني لا يفتقر، قوي لا يضعف، لا ينام، ولا يأكل الطعام، ولا يحتاج إلى الأنام، ولا تغيره الأيام؟
أما فرعون فمخلوق ضعيف يموت كما يموت الناس ويجوع كما تجوع البهائم وينعس كما ينعس القط وينام كما ينام الفأر، ويأكل الطعام ويذهب إلى الخلاء، فإن كان فرعون خلق الكون فكيف يخلقه والكون مخلوق قبله بملايين السنين؟ وإن كان هو رفع السماء فأين قوته لتحميه من هيجان الماء؟ تبت يد الطاغية، كيف ارتكب كذبته الكبرى وصدقها وهو أنه صنع الكون وهندسه وأنه خلق الكائنات، وملك الأرض والسموات؟ سحقا له، كيف أخرج للعالم مسرحية عابثة هزيلة سخيفة خلاصتها أنه يجب أن يُعبد من دون الله؟ أيعبد إنسان إنما هو قطعة لحم وهيكل عظم يغص باللقمة، ويشرق بالشربة، ويضيق بالزكام، ويحتاج إلى الطعام، ويغيبه المنام، ويقلقه الحر ويؤذيه البرد وينهشه الجوع ويزعجه الظمأ ويوهنه المرض؟ كيف يكون إلها مَن أوله نطفة مذرة، وهو يحمل في بطنه العذرة، وينتهي إلى جيفة قذرة؟ كيف يكون ربا من يبكي ويحزن ويهتم ويتثاءب ويعطس ويغفل وينسى ويغضب ويحقد ويحسد ويتمخط ويبول ويتغوّط ويجامع؟ إن هذا إنسان مخلوق ضعيف هزيل هش بائس فقير، وليس بإله قوي غني قاهر حي قيوم فعال لما يريد، أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
شاهدت فرعون فصاح قلبي: لا إله إلا الله، البقاء لله، العظمة لله، الكبرياء لله، الملكوت والجبروت لله. ونظرت في وجه فرعون الكالح وقال قلبي: تبا لك يا مريد، وسحقا لك يا عنيد، ولعنة عليك يا بليد، ذق نهايتك المرة، وتجرع غصص الحسرة، وكن عبرة وأي عبرة، لقد جئنا بعدك يا فرعون بآلاف السنين، وعرفنا أن الله هو رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، أما أنت فصفر في هذا الكون ومخلوق غير سوي في هذا الوجود، نقرأ سيرتك فنزداد غيظا عليك، ونبرأ إلى الله منك ومن منهجك، ونعوذ بالله من مصير كمصيرك، ونستجير بالله من نهاية كنهايتك، والويل كل الويل لمن قلّد فرعون أو نهج نهجه أو رضي أفعاله.
فرعون يا أخي غرق مع جيشه ونجاه الله ببدنه فقط ميتاً ليكون عبرة وإليك قصة تؤكد صحة هذه المعلومات أتمنى أن تحوز على رضاك ' اليوم ننجيك ببدنك .. لتكون لمن خلفك آية ' .. يونس – 92 .
.
قصة جثة فرعون ... وإسلام العالم الفرنسي ( موريس بوكاي ) بسببها ..
@ عندما تسلم الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران زمام الحكم في فرنسا عام 1981 :
طلبت فرنسا من مصر في نهاية الثمانينات استضافة مومياء الفرعون لإجراء
اختبارات وفحوصات أثرية عليه وترميمه .... فتم نقل جثمان أشهر طاغوت عرفته الأرض ..
@ وهناك وعند سلم الطائرة : اصطف الرئيس الفرنسي منحنياً هو ووزراؤه وكبار المسؤولين
الفرنسيين ليستقبلوا الفرعون وعندما انتهت مراسم الإستقبال الملكي لفرعون على أرض فرنسا ..
@ حُملت مومياء الطاغوت بموكب لا يقل حفاوة عن استقباله .. وتم نقله إلى جناح خاص في
مركز الآثار الفرنسي ليبدأ بعدها أكبر علماء الآثار في فرنسا وأطباء الجراحة والتشريح
دراسة تلك المومياء واكتشاف أسرارها ..
(( ترونبالأسفل صورة قريبة للفرعون رمسيس الثاني .. وقد تم فيها ضم يديه إلى صدره )) ..
@ وكان رئيس الجراحين والمسؤول الأول عن دراسة هذه المومياء هو البروفيسور :
(( موريس بوكاي )) ..
كان المعالجون مهتمين بترميم المومياء ..
بينما كان اهتمام موريس هو محاولة أن يكتشف : كيف مات هذا الملك الفرعوني !!!..
@ فجثة رمسيس الثاني ليست كباقي جثث الفراعين التي تم تحنيطها من قبل ..
فوضعية ( الموت ) عنده غريبة جدا .. وقد فوجيء المكتشفون ( عندما قاموا بفك أربطة
التحنيط ) بيده اليسرى تقفز فجأة للأمام !!!!!.. أي أن من قاموا بتحنيطه ( أجبروا ) يديه
على الإنضمام لصدره كباقي الفراعين الذين ماتوا من قبل !!!!!... فما السر يا ترى ؟؟..
@ وفي ساعة متأخرة من الليل . ظهرت النتائج النهائية للبروفيسور موريس ..
لقد كانت بقايا الملح العالق في جسد الفرعون ...
مع صورة عظامه المكسورة بدون تمزق الجلد .. والتي أظهرتها أشعة إكس ..
كان ذلك أكبر دلائل على أن الفرعون مات غريقا !!!!.. و أنه قد تكسرت عظامه دون اللحم
بسبب قوة انضغاط الماء !!!!!.. وأن جثته استخرجت من البحر بعد غرقه فورا ...
ثم اسرعوا بتحنيط جثته لينجو بدنه !!!!!..
@ والغريب أنهم استطاعوا أيضا تفسير الوضعية الغريبة ليده اليسرى .. وذلك أنه كان
يمسك لجام فرسه أو السيف بيده اليمنى .. ودرعه باليد اليسرى .. وأنه في وقت الغرق ..
ونتيجة لشدة المفاجأة وبلوغ حالاته العصبية لذروتها ساعة الموت ودفعه الماء بدرعه ...
فقد تشنجت يده اليسرى وتيبست على هذا الوضع !!!.. فاستحالت عودتها بعد ذلك لمكانها
مرة أخرى كما هو معروف طبيا .. أي أن ذلك يشابه تماما ما يعرفه الطبيب الشرعي من
حالة تيبس يد الضحية وإمساكها بشيء من القاتل .. كملابسه مثلا !!!!!...
@ لكن أمراً غريباً مازال يحير البروفيسور موريس .. ألا وهو :
كيف بقيت هذه الجثة أكثر سلامة من غيرها رغم أنها استُخرجت من البحر ؟؟؟!!!..
@ كان موريس بوكاي يعد تقريراً نهائيا عما كان يعتقده ( اكتشافاً جديداً ) . في انتشال
جثة فرعون (( من البحر )) .. وكان يحلم بسبق صحفي كبير نتيجة هذا الاكتشاف !!!..
@ حتى همس أحدهم في أذنه قائلا : لا تتعجل مسيو موريس .... فإن المسلمين
يعرفون بالفعل (( غرق هذه المومياء )) !!!!!!... فقرآنهم منذ 14 قرنا يخبرهم بذلك !!!..
@ فتعجب البروفيسور من هذا الكلام .. واستنكر بشدة هذا الخبر واستغربه !!!!...
فمثل هذا الإكتشاف لا يمكن معرفته إلا :
** بتطور العلم الحديث وعبر أجهزة حاسوبية حديثة بالغة الدقة ..
** ثم ( وهو الأهم ) أن المومياء تم اكتشافها أصلا عام 1898 !!!!..
@ فازداد البروفيسور ذهولا وأخذ يتساءل : كيف يستقيم في العقل هذا الكلام ؟؟؟..
والبشرية جمعاء وليس العرب فقط لم يكونوا يعلمون شيئا عن قيام قدماء
المصريين بتحنيط جثث الفراعنة أصلا إلا قبل عقود قليلة فقطمن الزمان !!!!...
@ جلس موريس بوكاي ليلته محدقا بجثمان فرعون .. وهو يسترجع في ذهنه ما قاله له
صاحبه من أن قرآن المسلمين : ( يتحدث عن نجاة هذه الجثة بعد الغرق ) !!!..
بينما كتابهم المقدس : ( يتحدث فقط عن غرق فرعون أثناء مطاردته لسيدنا موسى
عليه السلام دون أن يتعرض لمصير جثمانه ) !!!.. وأخذ يقول في نفسه :
هل يُعقل أن يكون هذا المحنط أمامي هو فرعون الذي كان يطارد موسى بالفعل ؟؟؟..
وهل يُعقل أن يعرف محمدهم هذه الحقيقة قبل أكثر من ألف عام ؟؟!!!!..
@ لم يستطع موريس أن ينام ليلتها .. وطلب أن يأتوا له بالتوراة ( العهد القديم ) ..
فأخذ يقرأ في التوراة قوله :
' فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر ..
ولم يبق منهم ولا أحد .. ' ....
وبقي موريس بوكاي حائراً .. فحتى الإنجيل لم يتحدث عن نجاة هذه الجثة وبقائها
سليمة .. لا التوراة ولا الإنجيل ذكر مصير جثة فرعون !!!!..
@ بعد أن تمت معالجة جثمان فرعون وترميمه أعادت فرنسا لمصر المومياء ..
ولكن موريس لم يهنأ له قرار ولم يهدأ له بال منذ أن هزه الخبر الذي يتناقله المسلمون
عن سلامة هذه الجثة .. فحزم أمتعته وقرر السفر لبلاد المسلمين لمقابلة عدد من علماء
التشريح المسلمين .. وهناك كان أول حديث تحدثه معهم عما اكشتفه من نجاة جثة فرعون
بعد الغرق !!!!... فقام أحدهم وفتح له المصحف وقرأ له قوله تعالى :
' فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية .. وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ' ..
سورة يونس - آية 92 .<.
كان وقع الآية عليه شديدا .. ورجت له نفسه رجة جعلته يقف أمام الحضور ويصرخ
بأعلى صوته : لقد دخلت الإسلام وآمنت بهذا القرآن !!!!..
ثم رجع موريس بوكاي إلى فرنسا بغير الوجه الذى ذهب به !!!..
@ وهناك مكث عشر سنوات ليس لديه شغل يشغله سوى دراسة :
مدى تطابق الحقائق العلمية والمكتشفة حديثا مع القرآن الكريم !!!!...
بل واجتهد في البحث عن تناقض علمي واحد مما يتحدث به القرآن فلم يجد ....
فخرج بعدها بنتيجة قوله تعالى :
' لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. تنزيل من حكيم حميد ' ..
@ فكانت ثمرة هذه السنوات التي قضاها الفرنسي موريس : أن خرج بتأليف كتاب
عن القرآن الكريم هز الدول الغربية كافة .. ورج علماءها رجا !!!!.. لقد كان
عنوان الكتاب :
(( القرآن والتوراة والإنجيل والعلم )) .<.
دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة .
ولقد نفدت جميع نسخ الكتاب من أول صدور لها ومن أول طبعة !!!!!...
وما زال الطلب عليه كبيرا في أوروبا وأمريكا حتى وقتنا هذا
القصة منقولة للأمانة العلمية
1) البسمة: البسمة الساحرة عربون المودة وبطاقة التعارف؛ فأرسلها في وجه أخيك من أول وهلة، ولا تتردد؛ فإن تبسمك في وجه أخيك صدقة، وحاول أن تكون صادقا في التبسم وواضحا وطيبا؛ فإنك تشترى بها ملايين القلوب، ولن ينسى الناس تلك البسمة المشرقة على محياك؛ لأن فيها الأمل والثقة والعاطفة والحب والتفاؤل.
2) الكلمة الطيبة: تكلم بهدوء وبرفق وبلين، اختر كلمات المصالحة والسلام، وأثنِ على صاحبك وادعُ له، وإياك وكلمات الفخر والتعالي والسخرية والاستهزاء، فإنها طريق للسقوط والهبوط، وبها تقضي على سمعتك وتدمر قيمتك وتصبح مصدرا للبغضاء والكراهية والذم.
3) تواضع: الحياة قصيرة وكلنا نذهب للفناء وأصلنا جميعا من أب وأم، وليس لنا فضل في مواهبنا، فالله وحده المتفضل علينا، فاهضم نفسك وتواضع، ونكّسْ رأسك لرب العزة والجبروت؛ فأنت من تراب، وتمشي على تراب، وتدفن في التراب، لا تتميز على البشر فيهينوك ويمقتوك. أعطهم فرصة للفرح بنجاحاتهم، امنحهم إقبالا منك وتواضعا، تكنْ أحب إليهم من أبنائهم.
4) عليك بالإيثار: الكرام يؤثرون على أنفسهم غيرهم، إن طعامك في بطن غيرك ألذّ منه في بطنك، وإن ثوبك على جسم آخر أجمل منه على جسمك. لا تستحوذ على الأشياء، ابذل وجهك وجاهك وطعامك ومالك ووقتك للناس في سبيل الله، وسوف تكون أنت الأسعد.
5) أنصت لمحدثك: أعر سمعك من يحدث، أقبلْ عليه وأنصت له إذا تكلم، لا تقاطعه، لا تتشاغل بشيء عنه، امنحه بصرك وسمعك حتى يقول ما عنده، فقط بإنصاتك له تأسر روحه وتنال تقديره، لك لسان واحد وأذنان فاستمع ضعف ما تتكلم، واترك لصاحبك فرصة الحديث عن نفسه، دعه يفرغ طاقته وشحنات الكلام عن نفسه.
6) عليك بالغفران: سامح الناس وادفن خطاياهم وانسَ إساءتهم وتجاهل سبهم، يصْفُ قلبك وتكسب آلاف القلوب وتنلْ عفو الله ومغفرته. لا تفكر في الانتقام ولا تحدث نفسك بالقصاص، الحياة قصيرة جدا، والله يحب العفو، فإن عفوت عن عباده عفا عنك.
7) صِلْ من قطعك: إذا وصلت من وصلك فهذا جميل، ولكن أن تصل من قطعك فهذا أجمل وأروع؛ لأنك تثبت بهذا طهارة روحك ونقاء سريرتك وأنك تستأهل نعم الله عليك، جرب الاتصال بمن جفاك تجدْه صديقا لك، وسوف يتحول بغضه لك إلى حب متدفق وثناء عاطر، وأنت قاطف الثمرة.
8) أعطِ من حرمك: لا تعامل الناس في العواطف والهبات والهدايا بمقياس البيع والشراء ولا بميزان الربح والخسارة، بل عاملهم بالكرم والجود، ومن منعك شيئا فأعطه أنت، ومن بخل عليك فتفضل عليه؛ لتنال الربح والثواب والثناء الحسن، والعوض في بهجة الروح وصحة الجسم وكف شر الأعداء.
9) اعفُ عمّن ظلمك: اصفح عن ظالمك وسامحه تنزعْ سلاحه من يده وتكسر عصاه وتغمد خنجره وتشعره بالندم والأسف، وتجده يلتمس رضاك ويحرص على مصالحتك، إن عفوك عن ظالمك نصر صريح وفوز ساحق لك، فهنيئا لك إن عفوت.
10) اهجر الغيبة: الغيبة جيفة منتنة وخلق دنيء وصفة قبيحة، فصنْ لسانك منها، وطهِّر فمك عن أعراض الناس، ولا تأكل لحوم البشر؛ فإنها مسمومة، ولا تذكر الناس إلا بالخير، لا تنقبْ عن عيوبهم، لا تفرح بزلاتهم، ولا تنشر أخطاءهم، تعِشْ الأمن والسلام.
11) لا تحمل الديناميت في جيوبك: تخلَّ عن الكراهية والبغضاء، واغسل قلبك بالحق، تنعمْ بجنة عاجلة من السكينة والهدوء، وتعِشْ المصالحة مع نفسك ومع الناس، ولا تجعل قلبك خرابة تأوي إليها العقارب والحيات، بل اجعله بستانا من الزهور والثمار والطيور والأنهار.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد.
فللّه في شرعه أسرار، وله في أحكامه حكم، وله في خلقه مقاصد، فمن هذه الأسرار والحكم والمقاصد ما تدركه العقول، ومنها ما تقف عنده كالة، وقد أخبر ـ سبحانه ـ عن بعض حكم الصيام؛ فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة:183). إذن فالصوم طريق لتقوى الله ـ عز وجل ـ والصائم أقرب الناس إلى مولاه- جلت قدرته، جاع بطن الصائم فصفا قلبه، وظمئت كبد الصائم فدمعت عيناه، وصح عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال: «يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء».
* الصوم يضيق مجاري الطعام والدم، وهي مجاري الشيطان، فتقلّ وسوسته.
* الصوم سرّ بين العبد وبين المعبود سبحانه، ففي الصحيح أن الله ـ عز وجل ـ قال: «كلّ عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به». لأن الصوم لا يطّلع عليه إلا الله تعالى بخلاف الصلاة والزكاة والحج.
* عرف السلف الصالح الصيام قربةً لله ـ عز وجل ـ ومضماراً للسباق، وموسماً للخيرات، فبكوا فرحاً باستقباله، وبكوا حزناً عند فراقه.
* عرف السلف الصيام فأحبوا رمضان، واجتهدوا في رمضان، وبذلوا نفوسهم في رمضان، فجعلوا من لياليه قياماً وركوعاً وسجوداً ودموعاً وخشوعاً، وجعلوا من نهاره ذكراً وتلاوةً وتعليماً ودعوةً ونصحاً.
* كان السلف ـ كما صح عنهم ـ يجلسون بمصاحفهم في المساجد، يتلون ويبكون، ويحفظون ألسنتهم وأعينهم عن الحرام.
* الصيام يا صائمين وحدة للمسلمين، يصومون في زمن ويفطرون في زمن، جاعوا معاً، وأكلوا معاً، ألفةً وإخاءً، وحباً ووفاءً.
* الصيام يا صائمين كفارة للخطايا ومحوٌ للسيئات. صحّ عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال: «الجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة، ورمضان إلى رمضان، كفارات لما بينهما ما لم تُؤتَ كبيرة».
* والصيام يا صائمين صحة للنفس؛ لأنه يطرح المواد الفاسدة، ويريح المعدة ويصفي الدم ويطلق عمل القلب، فتشرق به الروح، وتصفو به النفس، وتهذب به الأخلاق.
* إذا صام الصائم ذلّت نفسه لربه، وانكسر قلبه، وخفت مطامعه، وذهبت شهواته، لذلك تكون دعوته مستجابة لقربه من الله ـ عز وجل.
* في الصيام سر عظيم، وهو امتثال عبودية لله ـ عز وجل ـ والإذعان لأمره، والتسليم لشرعه، وترك شهوة الطعام والشراب والجماع لمرضاته.
* والصيام انتصار للمسلم على هواه، وتفوّق للمؤمن على نفسه؛ فهو نصف الصبر، ومن لم يستطع الصيام بلا عذر، فلن يقهر نفسه ولن يغلب هواه.
* والصيام تجربة هائلة للنفس؛ لتكون على استعداد تامّ لتحمّل المشاقّ والقيام بالمهامّ الجسام من عبادة وتضحية وإنتاج. وقد ابتلى الله قوم طالوت بنهر لما أراد طالوت أن يقاتل أعداءه، وقال لهم طالوت: «فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» (البقرة: من الآية 249).
فنجح أهل الصبر، وفاز منهم من غلب هواه، وتخلف عن التقوى عبَدة الهوى المقهورون تحت سلطان طبائعهم.
ولعل بعض حكم الصوم تتلخص في أنه تقوى لله عز وجل، وامتثال لأمره وقهر للهوى، وانتصار على النفس، وتهيئة للمسلم في مواقف التضحية، وضبط للجوارح، وكبح للشهوات، وصحة للجسم، وتكفير للسيئات، وألفة وإخاء، وشعور بجوع الجائعين، وحاجة المحتاجين.
والله أعلم.
المصدر: الشرق الأوسط / الجمعـة 02 رمضـان 1428 هـ 14 سبتمبر 2007
( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك )
* هذه أعظم قضية في العالم، وأكبر مسألة في الدنيا، وهي مسألة أن تعلم وتقر وتعترف أنه لا إله إلا الله فلا تعبد غيره، ولا توحد سواه.
إن الخلق خلقوا ليعلموا أن لا إله إلا الله، وإن الكتب نزلت لتثبت لا إله إلا الله، وإن الرسل بعثت لتدعو إلى لا إله إلا الله، فقبل أن تعلم اعلم أنه لا إله الله، وقبل أن تدعو حقق لا إله إلا الله، وقبل أن تأمر وتنهى صحح لا إله إلا الله.
إن بداية الطريق لمن أراد الحياة الطيبة والعيش السعيد والخاتمة الحسنة والخلود في الجنة لهي هذه الكلمة الرائدة الخالدة بكل ما تحتويه من معنى أراده الله عز وجل يوم فرض على العباد تحقيقها. ولا بد لهذه الكلمة من اعتقاد جازم لا يخالطه شك، وحب صادق لا يكدره سخط، وصدق في قولها لا يمازجه كذب، وعمل بمقتضاها لا يناقضه مخالفة، ودعوة إليها لا يصاحبها فتور، وسلامة من كل ما يضادها أو يعارضها من شرك أو رياء أو بدعة ليكون قائلها أسعد الناس بها في الدنيا والآخرة.
لقد نزلت هذه الآية على الرسول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أول داعية ليكون القدوة للناس، وسيد البشر في معرفة سر هذه الرسالة الخاتمة، ومعرفة مقصدها ومرادها.
إن موجزها تعريف الناس بكلمة لا إله إلا الله، وكل قول وعمل واعتقاد في الدين فإنه من هذه الكلمة انبثق، وإن هذه العبارة شعار فهي أصل الأصول، وبوابة الديانة، وطريق الفلاح، ولأن الله صاحب الكمال والجلال والجمال والعظمة فحقنا أن نوحده بلا إله إلا الله، ولأننا أهل الذنب والخطيئة والعيب والتقصير فعلينا بالاستغفار؛ ولهذا قال بعدها: ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك )، إن الله هو الخالق الرزاق وهو حقيق بالألوهية والربوبية، وإن العبد مخلوق مرزوق مطعوم محتاج، فحقه أن يستغفره فقط من سيئاته وخطاياه.
إن بين لا إله إلا الله واستغفر صلة، كما بين الرب القوي الغني الماجد الواحد الجواد، وبين العبد الضعيف الفقير المحتاج الفاني، كل فضل وكل نعمة وكل عطية فمن الله، فواجب علينا أن نقر له بلا إله إلا الله، وكل خلل وزلل وعلل فمنا، فحق علينا قول: أستغفر الله.
إن العبد بين نعمة وذنب؛ ولهذا جاء في الحديث: « وأبوء بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي ». فالنعمة من الله الذي لا إله إلا هو. والذنب من العبد، ومنجاته في التوحيد والاستغفار. إن التوحيد حق الله لا ينازعه أحد فيه؛ لأنه واحد في ربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله، والاستغفار نجاة للعبد الذي غره شيطانه وخدعته نفسه وغلبه هواه وشغلته دنياه فوقع في المعصية.
فهذا سر الاقتران اللطيف بين التوحيد والاستغفار، وهذا وارد في عدة مواطن في القرآن مثل: ( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ) ومثل: ( لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )، وعند أبي يعلى في الحديث: « إن الشيطان يقول أهلكت العباد بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار ».
سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/إهدنا الصراط المستقيم
سلسلة شهر القرآن
( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )
الدكتور عائض القرني
إن العبد أحوج ما يكون لطلب الهداية من ربه؛ لأن العبد وحده لا يستطيع أن يهتدي ولا يملك مفتاح الهداية ولا يعرف طريقها ولا يجيد هذا ولا يميز بين الحق والباطل، والرشد والغي، ما لم يهدِه ربه سواء السبيل؛ فالذي يملك الهداية هو الله وحده، لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى. وهو يهدي من يشاء رحمة وكرما. ويضل من يشاء قضاء مبرما سبق علمه أنه لا يهتدي. فوجب على العبد أن يلهج بهذا الدعاء في كل ركعة من صلاته لتصبح المسألة حية في ضميره، سارية في دمه، ماثلة نصب عينيه، ليتذكر دائما نعمة الهداية إلى صراط الله المستقيم، وهي أجلّ نعمة تسدى للعبد، وأعظم مكرمة تمنح لهذا المخلوق.
والهداية معرفة الحق الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، والعمل به والموت عليه والبذل لأجله والتضحية في سبيله والجهاد لدوام هذا الحق وخلوده وانتصاره وعلوه وعزته.
والصراط المستقيم هو طريق الله الواضح المبين الموصل إلى رضوانه وطاعته ومغفرته وجنته، وهو طريق بينه الله ودل عليه الرسل، وشهدت باستقامته الكتب، ووافقت على السير فيه الفطرة، ومضى عليه موكب الأولياء، وضوعت به دماء الشهداء، وهو طريق واحد لا ثاني له، فريد لا مثيل له، متميز لا شبيه له، وهو مستقيم، أقرب موصل إلى الفوز والفلاح والنجاة، وأسهل معبر إلى الأمن والسكينة والاطمئنان، وأيسر جسر إلى الرضوان والتوفيق. كل المسالك سواه مضطربة، كل الطرق ما عداه معوجة، كل السبل غيره متلوية، وهذا الصراط المستقيم لا يهدي إليه إلا الله، ولا يدل عليه إلا الرسل وأتباعهم، ولا يسلكه إلا من سبقت له الحسنى، ولا يحيد عنه إلا من حقت عليه الغواية، وكتبت عليه اللعنة، وحاقت به الخطيئة، وأوبقه شيطانه ونفسه وهواه.
وهذا الصراط المستقيم مجمل وتفصيل، أما مجمله فهداية عامة لكل من سار على هذا الصراط ومضى في هذا الطريق يريد النجاة من غضب الله والفوز برضوانه، ومفصل هذا الصراط استقامة لا التفات فيها، وقيام بتفاصيل الدين وشعائر الملة، وبذل النفس والنفيس لإعلاء كلمة الله وصرف العمر كله في العبودية، وإنفاق ساعات الزمن وأنفاس الوقت في مراسيم الطاعة صلاة وصياما وزكاة وحجا وجهادا وإنابة ومحبة وخشية وتوبة ورهبة ورغبة، مع المحافظة على سنن المعصوم، والتحلي بأخلاق القدوة الحسنة والتأسي بصفات الإمام الأعظم صلى الله عليه وسلم.
وهذا الصراط المستقيم محطاته ومعالمه ومنازله موصوفة في كتاب الله العظيم وسنة النبي الكريم. بل إن الرسالة كلها والشريعة أجمعها شرح لهذا الصراط المستقيم، والوحي أوله، وآخره توضيح وبسط لهذا الصراط المستقيم، والله جل في علاه على صراط مستقيم، والرسول النبي الأمي يهدي إلى صراط مستقيم، والقرآن الكتاب المعجز يهدي إلى الصراط المستقيم.