في هذه الأيام تمرّ علينا الذكري السنويّة الخامسة لغزو العراق، ومعها لا بدّ أن نستذكر بعضاً من وقائع تلك الحرب الأمريكية ـ البريطانية الضروس التي شُنّت علي الوطن العراقيّ (20/3 ـ 9/4/2008) والأسباب الكامنة وراء ذلك النصرالعسكري السريع وغيرالمُستغرب، بعد أن تكشّف الكثير من أمورها وتوضّح معظم أحداثها، وذلك من خلال معايشتنا الشخصيّة الميدانيّة لتفاصيلها المُؤلمة علي شخوصنا ووطننا الحبيب وجيش العراق وقواته المسلّحة، فضلاً عن إستنادنا علي الخبرة العسكرية المتوفرة لدينا مُسبقاً واليوميّات التي سجّلناها في ساعاتها الساخنة والتحليلات الإستراتيجية التي خُضنا تفاصيلها أو تلك التي توصّلنا إليها في أكثرمن محفل ووسط العديد من المؤتمرات والندوات والمحاضرات التي إنصبّت علي تحليل ما جري وكيفيّة احتلال العراق وإنهيار نظامه السياسي بوقت قياسيّ لم يزِدْ علي ثلاثة أسابيع.
ومما لا شكّ فيه أن تكون العمليات الجوية علي رأس قائمة الأسباب وموضوعات المناقشات والندوات.
فـ الحرب الجوية ـ إن صحّ التعبير ـ لم تكن متكافئة بالمرة بين الغزاة الذين كانوا قد صمّموا طائراتهم وجميع منظوماتهم ومعدّاتهم وطوّروها لمجابهة الاتحاد السوفييتي وقوات منظمة حلف وارسو في أوجّ عظمتهما، وبين العراق الذي هرّأ حصار ((13 سنة متواصلة أوصال قواته المسلّحة التي لم تكن حتي في أوجّ عظمتها مصمّمة سوي لمستوي حرب إقليمية ليس إلاّ.. فالعمليات الجوية بالطيران الأمريكيّ بواقع ما يربو علي ألف طائرة من أفضل ما في العالم خصوصاُ وإلي جانبها بضع عشرات من الطائرات البريطانيّة المتطوّرة بالمرتبة الثانية هي التي قصمت ظهر القوات العراقية المدافعة عن وطنها ومهّدت للتوغّل السريع للقوات المتحالفة وصولاً إلي احتلال الهدف الإستراتيجي بغداد.
وأمام القارئ الكريم نستعرض تلخيصاً لمجريات تلك العمليات:
أولاً. قبل إندلاع الحرب بأشهرعديدة، كانت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية قد إتّخذت - بعد مناقشات مسهبة - قراراً بعدم زجّ الطيران العراقي في أتونها بشكل مطلق، فأصدرت أوامرها بإخلاء جميع القواعد الجوية بالمنطقة الوسطي من البلد والتي لم تكن مشمولة بحظر الطيران الذي فرضه المتحالفون فور إنتهاء حرب الخليج الثانية (1991) علي بقاع العراق الشمالية والجنوبية، فأصرّت علي إخفاء جميع طائرات القوة الجوية وطيران الجيش العراقي بأنواعها كافة بين الأحراش والأدغال والبساتين، بل وحتي تحت الرمال، من دون إستثناء... مما كان إيذاناً مُسبقاً لطيران التحالف أن تتمتّع بالإستفراد بالعراق في سمائه وأرضه ومياهه وجيشه المنتشر للدفاع في عموم بقاعه وبذلك فإن السيادة الجوية المطلقة قد قُدّمت إليه علي طبق من ذهب وأمست تحصيل حاصل في جميع اجواء العراق ... والحقيقة المرّة يجب أنْ نتصارح بها، بأنّ الطيران العراقي لو كان قد أُقْحِمَ في الحرب لما كان بإستطاعته تغيير مجريات الأحداث المأساوية التي فرضت أوزارها، بل كانت طائراته قد تساقطت كالورق أمام طائرات الخصم بفعل الفارق الهائل بين الطرفين المتحاربين في مجالات التكنولوجيا.
ثانياً. بعد ذلك القرار وجدت المقاومات الأرضية العراقية المضادّة للجوّ نفسها يتيمة في مواجهة الطيران الحليف المعروف بقدراته، تلك المقاومات التي لم تكن علي مقدرة ـ وفقاً لتصاميمها من حيث الأساس ـ علي إيصال مقذوفاتها وإطلاقاتها إلي طائرات الخصم التي كانت تحلّق خارج مديات الأسلحة العراقية.
ثالثاً. كان الطيران الأمريكي علي وجه الخصوص من المقاتلات/هجوم أرضي Fighter ـ Ground Attack المُحمّلة بقنابل ذكية Smart Bomb مُسيّرة بأشعة الليزر تبلغ مدياتها بضع عشرات من الكيلومترات، والقاصفات Bombers المزوّدة بمقذوفات كروز التي تصل إلي أهدافها بدقة متناهية وعلي بُعد يبلغ (800) كيلومتر، ولا تخطأ في إصابتها إلاّ بنسبة لا تتجاوز (1%)، ناهيك عن حمولاتها البالغة عشرات الأطنان من القنابل الإعتياديّة ذات الإنفجار الشديد (h.e) أو الحارقة أو العاصِفة.
رابعاً. لم تمرّالعمليات الجوية في الحرب علي العراق بالمراحل المعروفة والمُسطّرة في المحاضرات والكتب العسكرية ذات الإختصاص المتأتّي من تضحيات الأرواح والأجساد وخبرات الدمّ والرؤي ضمن تأريخ حروب القرن العشرين، والتي تتسلسل بدءاً من مرحلة الحصول علي الفائقية الجوية أو السيادة الجوية المطلقة، وذلك لأنهما قد تحقّقتا عملياً وميدانياً إثر القرارالذي آنفنا ذكره... ولذلك فقد تَداخَلت مسارات العمليات الجوية بين قصف مقذوفاتي (صاروخي) علي مجمّعات القصور الرئاسية ومقرات القيادات العليا والقواعد الجوية وقواطع الدفاع الجوي أينما وُجدت في أرض العراق، مصحوباً بقصفات جوية نَفَّذَتها طائرات متنوعة الأغراض والطُرُز والأنواع أطلقت قنابل مُحمولة علي أشعة ليزر إبتغاء تدمير نقاط محدّدة تحتويها تلك الأهداف الكبيرة ... رافَقَها قصف جوي ثقيل علي قيادات الجيش العراقي عموماً ومقرات الحرس الجمهوري وتشكيلاته الكبري علي وجه الخصوص.
خامساً. وكان دور القاصفات العملاقة في القصف الجويّ بالقنابل شديدة الإنفجار أو الحارقة والعاصِفة حاسما، بدءاً من ذوات الوزن الخفيف التي تنهمر بالمئات علي المواضع الدفاعية المُتخندقة فيها القطعات المدرعة والمشاة والمدفعية وأسلحة مقاومة الطائرات الحائرة في أمرها، ووصولاً إلي قنابل ذات أوزان بلغت في بعضها إلي (9) أطنان صمّمت خصّيصاً وجُرّبت للمرة الأولي علي رؤوس العراقيين في هذه الحرب الضروس، وأُلقيت علي مواضع وحدات الحرس الجمهوري المحيطة ببغداد، وخصوصاً علي تلك التي كانت مُتهيّئة ـ ضمن الخطة الدفاعية العامة ـ للقيام المُفتَرَض بهجمات مقابِلة علي القوات المتحالفة المُعترضة.
سادساً. وأتي الدورعلي الإسناد الجوي القريب (close Air Support) من إرتفاعات منخفضة بإستخدام الطائرات المصمّمة للهجوم علي أهداف أرضيّة ومقاتلة الدروع وسواها من الهليكوبترات المسلّحة بشكل خاص لتقديم الدعم تقدّم للقطعات الأرضية القائمة بعملياتها الهجومية، أو بغية تسهيل المهمّات المُكلّفة بها وحدات القوات الخاصة لإقتحامات محددة لأهداف معيّنة داخل العديد من مدن العراق الجنوبيّة، فجاء القصف الدقيق والمركّز علي قطعات الحرس الجمهوري و فدائيّو صدّام التي تواجدت علي المحاور السالكة من أرض المحافظات الوسطي المُتاخمة لـ بغداد والتي إتّبعتها القوات الأمريكية لدي توجّهها صوب العاصمة العراقية ـ ونخصّ منها بالذكر تلك المتمركزة علي محور مدينتيّ المسيّب ـ اللطيفيّة في توغّلها نحو مجمّع قصور الرَضوانيّة الرئاسيّ، وقبل أن تستهدف مطار صدّام الدولي في مطلع الأسبوع الثالث والأخير من الحرب.
سابعاً. وكان الأداء النهائي باليومين الأخيرَين من الحرب مخصّصاً لطائرات مقاتلة الدروع (a ـ 10) في سماء قلب بغداد لتُسنِد المتوغّلين في بعض أحيائها بمديات أكثر قُرباً وأعظم دقّة بتوجيه نيران مباشرة نحو دبابات الحرس الخاص ومدرعاته وعجلاته المحمّلة بالرشاشات الثقيلة وأسلحة أخري متنوعة كانت منتشرة حواليّ الأهداف الحسّاسة والمواقع الرئاسية وتلك المساكن التي إتّخذتها القيادة العراقية مواقع بديلة لمقراتها الأساسية، وذلك في المرحلة الأخيرة من إقتحام الأمريكيين لأواسط العاصمة، حيث إضمحلّت مقاومة الذين كانوا مكلّفين بحماية مؤسّسات نظام الحكم ومواقعه القياديّة والأمنيّة المتنوّعة ذات الأهمية البالغة .
لكل ما أوردناه من مشاهدات بأم عينينا وحقائق تلمّسناها بأنفسنا، رأينا أن المحاور- الرئيسة منها والثانوية- المؤدّية إلي بغداد كانت قد أمست بالأسبوع الأخير من تلك الحرب مفروشة بأبدان دبابات ومدرعات ومدافع عراقية مدمّرة ومتروكة في مواضعها أو علي مقربة منها وأجزاء متناثرة من بقايا الأسلحة الثقيلة لقطعات الحرس الجمهوري وبعض الجيش العراقي بفعل القصف الجوّي العنيف والدقيق حسب، وقبل أن تتدخّل القوات البرّية الغازية في إشتباكات قريبة مع القوات العراقية، وذلك ما تسبّب في محدوديّة المقاومة العسكرية العراقية في عدد من المحاور، بل وإنعدامها في أكثر من محور ذي أهمية... ولذلك كلّه يجب أن لا يستغرب القارئ العزيز من كل ما جري في هذه الحرب التي لم تكن مُتكافئة بالمرّة، ولا أحد ينحو إلي إحتمالات أو أقاويل عن خيانة البعض من قادة الحرس الجمهوري من كبار الضباط العسكريين العراقيين وتقوّلات عن إنعدام المقاومة الميدانية هنا وأخري هناك، فالطيران والتفوّق الجوّي المُطلَق هو الذي حسم الحرب، مثلما عمل أبّان حروب أفغانستان (2001)، و كوسوفو (1999)، والـ بوسنة و هرسك 1995.
ہ خبير استراتيجي بمركز الدراسات الدولية ـ جامعة بغداد
ومما لا شكّ فيه أن تكون العمليات الجوية علي رأس قائمة الأسباب وموضوعات المناقشات والندوات.
فـ الحرب الجوية ـ إن صحّ التعبير ـ لم تكن متكافئة بالمرة بين الغزاة الذين كانوا قد صمّموا طائراتهم وجميع منظوماتهم ومعدّاتهم وطوّروها لمجابهة الاتحاد السوفييتي وقوات منظمة حلف وارسو في أوجّ عظمتهما، وبين العراق الذي هرّأ حصار ((13 سنة متواصلة أوصال قواته المسلّحة التي لم تكن حتي في أوجّ عظمتها مصمّمة سوي لمستوي حرب إقليمية ليس إلاّ.. فالعمليات الجوية بالطيران الأمريكيّ بواقع ما يربو علي ألف طائرة من أفضل ما في العالم خصوصاُ وإلي جانبها بضع عشرات من الطائرات البريطانيّة المتطوّرة بالمرتبة الثانية هي التي قصمت ظهر القوات العراقية المدافعة عن وطنها ومهّدت للتوغّل السريع للقوات المتحالفة وصولاً إلي احتلال الهدف الإستراتيجي بغداد.
وأمام القارئ الكريم نستعرض تلخيصاً لمجريات تلك العمليات:
أولاً. قبل إندلاع الحرب بأشهرعديدة، كانت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية قد إتّخذت - بعد مناقشات مسهبة - قراراً بعدم زجّ الطيران العراقي في أتونها بشكل مطلق، فأصدرت أوامرها بإخلاء جميع القواعد الجوية بالمنطقة الوسطي من البلد والتي لم تكن مشمولة بحظر الطيران الذي فرضه المتحالفون فور إنتهاء حرب الخليج الثانية (1991) علي بقاع العراق الشمالية والجنوبية، فأصرّت علي إخفاء جميع طائرات القوة الجوية وطيران الجيش العراقي بأنواعها كافة بين الأحراش والأدغال والبساتين، بل وحتي تحت الرمال، من دون إستثناء... مما كان إيذاناً مُسبقاً لطيران التحالف أن تتمتّع بالإستفراد بالعراق في سمائه وأرضه ومياهه وجيشه المنتشر للدفاع في عموم بقاعه وبذلك فإن السيادة الجوية المطلقة قد قُدّمت إليه علي طبق من ذهب وأمست تحصيل حاصل في جميع اجواء العراق ... والحقيقة المرّة يجب أنْ نتصارح بها، بأنّ الطيران العراقي لو كان قد أُقْحِمَ في الحرب لما كان بإستطاعته تغيير مجريات الأحداث المأساوية التي فرضت أوزارها، بل كانت طائراته قد تساقطت كالورق أمام طائرات الخصم بفعل الفارق الهائل بين الطرفين المتحاربين في مجالات التكنولوجيا.
ثانياً. بعد ذلك القرار وجدت المقاومات الأرضية العراقية المضادّة للجوّ نفسها يتيمة في مواجهة الطيران الحليف المعروف بقدراته، تلك المقاومات التي لم تكن علي مقدرة ـ وفقاً لتصاميمها من حيث الأساس ـ علي إيصال مقذوفاتها وإطلاقاتها إلي طائرات الخصم التي كانت تحلّق خارج مديات الأسلحة العراقية.
ثالثاً. كان الطيران الأمريكي علي وجه الخصوص من المقاتلات/هجوم أرضي Fighter ـ Ground Attack المُحمّلة بقنابل ذكية Smart Bomb مُسيّرة بأشعة الليزر تبلغ مدياتها بضع عشرات من الكيلومترات، والقاصفات Bombers المزوّدة بمقذوفات كروز التي تصل إلي أهدافها بدقة متناهية وعلي بُعد يبلغ (800) كيلومتر، ولا تخطأ في إصابتها إلاّ بنسبة لا تتجاوز (1%)، ناهيك عن حمولاتها البالغة عشرات الأطنان من القنابل الإعتياديّة ذات الإنفجار الشديد (h.e) أو الحارقة أو العاصِفة.
رابعاً. لم تمرّالعمليات الجوية في الحرب علي العراق بالمراحل المعروفة والمُسطّرة في المحاضرات والكتب العسكرية ذات الإختصاص المتأتّي من تضحيات الأرواح والأجساد وخبرات الدمّ والرؤي ضمن تأريخ حروب القرن العشرين، والتي تتسلسل بدءاً من مرحلة الحصول علي الفائقية الجوية أو السيادة الجوية المطلقة، وذلك لأنهما قد تحقّقتا عملياً وميدانياً إثر القرارالذي آنفنا ذكره... ولذلك فقد تَداخَلت مسارات العمليات الجوية بين قصف مقذوفاتي (صاروخي) علي مجمّعات القصور الرئاسية ومقرات القيادات العليا والقواعد الجوية وقواطع الدفاع الجوي أينما وُجدت في أرض العراق، مصحوباً بقصفات جوية نَفَّذَتها طائرات متنوعة الأغراض والطُرُز والأنواع أطلقت قنابل مُحمولة علي أشعة ليزر إبتغاء تدمير نقاط محدّدة تحتويها تلك الأهداف الكبيرة ... رافَقَها قصف جوي ثقيل علي قيادات الجيش العراقي عموماً ومقرات الحرس الجمهوري وتشكيلاته الكبري علي وجه الخصوص.
خامساً. وكان دور القاصفات العملاقة في القصف الجويّ بالقنابل شديدة الإنفجار أو الحارقة والعاصِفة حاسما، بدءاً من ذوات الوزن الخفيف التي تنهمر بالمئات علي المواضع الدفاعية المُتخندقة فيها القطعات المدرعة والمشاة والمدفعية وأسلحة مقاومة الطائرات الحائرة في أمرها، ووصولاً إلي قنابل ذات أوزان بلغت في بعضها إلي (9) أطنان صمّمت خصّيصاً وجُرّبت للمرة الأولي علي رؤوس العراقيين في هذه الحرب الضروس، وأُلقيت علي مواضع وحدات الحرس الجمهوري المحيطة ببغداد، وخصوصاً علي تلك التي كانت مُتهيّئة ـ ضمن الخطة الدفاعية العامة ـ للقيام المُفتَرَض بهجمات مقابِلة علي القوات المتحالفة المُعترضة.
سادساً. وأتي الدورعلي الإسناد الجوي القريب (close Air Support) من إرتفاعات منخفضة بإستخدام الطائرات المصمّمة للهجوم علي أهداف أرضيّة ومقاتلة الدروع وسواها من الهليكوبترات المسلّحة بشكل خاص لتقديم الدعم تقدّم للقطعات الأرضية القائمة بعملياتها الهجومية، أو بغية تسهيل المهمّات المُكلّفة بها وحدات القوات الخاصة لإقتحامات محددة لأهداف معيّنة داخل العديد من مدن العراق الجنوبيّة، فجاء القصف الدقيق والمركّز علي قطعات الحرس الجمهوري و فدائيّو صدّام التي تواجدت علي المحاور السالكة من أرض المحافظات الوسطي المُتاخمة لـ بغداد والتي إتّبعتها القوات الأمريكية لدي توجّهها صوب العاصمة العراقية ـ ونخصّ منها بالذكر تلك المتمركزة علي محور مدينتيّ المسيّب ـ اللطيفيّة في توغّلها نحو مجمّع قصور الرَضوانيّة الرئاسيّ، وقبل أن تستهدف مطار صدّام الدولي في مطلع الأسبوع الثالث والأخير من الحرب.
سابعاً. وكان الأداء النهائي باليومين الأخيرَين من الحرب مخصّصاً لطائرات مقاتلة الدروع (a ـ 10) في سماء قلب بغداد لتُسنِد المتوغّلين في بعض أحيائها بمديات أكثر قُرباً وأعظم دقّة بتوجيه نيران مباشرة نحو دبابات الحرس الخاص ومدرعاته وعجلاته المحمّلة بالرشاشات الثقيلة وأسلحة أخري متنوعة كانت منتشرة حواليّ الأهداف الحسّاسة والمواقع الرئاسية وتلك المساكن التي إتّخذتها القيادة العراقية مواقع بديلة لمقراتها الأساسية، وذلك في المرحلة الأخيرة من إقتحام الأمريكيين لأواسط العاصمة، حيث إضمحلّت مقاومة الذين كانوا مكلّفين بحماية مؤسّسات نظام الحكم ومواقعه القياديّة والأمنيّة المتنوّعة ذات الأهمية البالغة .
لكل ما أوردناه من مشاهدات بأم عينينا وحقائق تلمّسناها بأنفسنا، رأينا أن المحاور- الرئيسة منها والثانوية- المؤدّية إلي بغداد كانت قد أمست بالأسبوع الأخير من تلك الحرب مفروشة بأبدان دبابات ومدرعات ومدافع عراقية مدمّرة ومتروكة في مواضعها أو علي مقربة منها وأجزاء متناثرة من بقايا الأسلحة الثقيلة لقطعات الحرس الجمهوري وبعض الجيش العراقي بفعل القصف الجوّي العنيف والدقيق حسب، وقبل أن تتدخّل القوات البرّية الغازية في إشتباكات قريبة مع القوات العراقية، وذلك ما تسبّب في محدوديّة المقاومة العسكرية العراقية في عدد من المحاور، بل وإنعدامها في أكثر من محور ذي أهمية... ولذلك كلّه يجب أن لا يستغرب القارئ العزيز من كل ما جري في هذه الحرب التي لم تكن مُتكافئة بالمرّة، ولا أحد ينحو إلي إحتمالات أو أقاويل عن خيانة البعض من قادة الحرس الجمهوري من كبار الضباط العسكريين العراقيين وتقوّلات عن إنعدام المقاومة الميدانية هنا وأخري هناك، فالطيران والتفوّق الجوّي المُطلَق هو الذي حسم الحرب، مثلما عمل أبّان حروب أفغانستان (2001)، و كوسوفو (1999)، والـ بوسنة و هرسك 1995.
ہ خبير استراتيجي بمركز الدراسات الدولية ـ جامعة بغداد