شرح الأربعون النوويه

الحديث الرابع عشر
المتنــــــــــــــــ :
عن أبي هـريـرة رضي الله عـنه، أن رســول الله
article_salla.gif
قــال: { مـن كـان يـؤمن بالله والـيـوم الآخر فـلـيـقـل خـيـراً أو لـيـصـمـت، ومـن كــان يـؤمن بالله واليـوم الآخر فـليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه }.
الشــــــــــــرح :
هذا الحديث من الآداب الإسلامية الواجبة:
الأول: إكرام الجار فإن الجار له حق، قال العلماء: إذا كان الجار مسلماً قريباً فله ثلاث حقوق: الجوار والإسلام والقرابة، وإن كان مسلماً غير قريب فله حقان: وإذا كان كافراً غير قريب له حق واحد حق الجوار.
الثاني: وأما الضيف فهو الذي نزل بك وأنت في بلدك وهو مارٌ مسافر، فهو غريب محتاج وأما القول باللسان فإنه من أخطر ما يكون على الإنسان فلهذا كان مما يجب عليه أن يعتني بما يقول فيقول خيراً أو يسكت.
ففي هذا الحديث من الفوائد: وجوب إكرام الجار فيكون بكف الأذى عنه وبذل المعروف له، فمن لا يكف الأذى عن جاره فليس بمؤمن، لقول النبي
article_salla.gif
: { والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن } قالوا من يا رسول الله ؟ قال: { من لا يأمن جاره بوائقه }.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب إكرام الضيف لقوله عليه الصلاة والسلام: { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه } ومن إكرامه إحسان ضيافته، والواجب في الضيافة يوم وليلة وما بعده فهو تطوع ولا ينبغي لضيف أن يكثر على مضيفه بل يجلس بقدر الضرورة، فإذا زاد على ثلاثة أيام فليستأذن من مضيفه حتى لا يكلف عليه.
ومن فوائد هذا الحديث: رعاية الإسلام للجوار والضيافة، فهذا يدل على كمال الإسلام وأنه متضمن للقيام بحق الله سبحانه وتعالى وبحق الناس.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يصح نفي الإيمان لانتفاء كماله لقوله: { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } ونفي الإيمان ينقسم إلى قسمين:
نفي مطلق: ونالإنسان به كافراً كفراً مخرجاً من الملة.
ومطلق نفي: وهذا الذي يكون به الإنسان كافراً في هذه الخصلة التي فرط فيها لكنه معه أصل الإيمان، وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة أن الإنسان قد يجتمع فيه خصال الإيمان وخصال الكفر.
 
الحديث الخامس عشر
المتنـــــــــــــــ :
عــن أبـي هـريـرة رضي الله عــنـه أن رجــلاً قـــال للـنـبي
article_salla.gif
: أوصــني.
قال: { لا تغضب } فردد مراراً ، قال: { لا تغضب }.
الشـــــــــــرح :
الوصية هي العهد بالأمر الهام، وهذا الرجل صبي من النبي
article_salla.gif
أن يوصيه فقال: { لا تغضب } وعدل النبي
article_salla.gif
عن الوصية بالتقوى التي أوصى الله عز وجل بها هذه الأمة وأوصى بها الذين أوتوا الكتاب من قبلنا إلى قوله { لا تغضب } لأنه يعلم من حال هذا الرجل والله أعلم أنه كثير الغضب ولهذا أوصاه بقوله { لا تغضب } وليس المراد النهي عن الغضب الذي هو طبيعة من طبيعة الإنسان، ولكن المراد: املك نفسك عند الغضب بحيث لا تنفذ إلى ما يقتضيه ذلك الغضب، لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فلهذا تجده تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه وربما يذهب شعوره بسبب الغضب ويكون أشياء لا يحمد عقباها، وربما يندم ندماً عظيماً على ما حصل منه، فلهذا أوصاه النبي
article_salla.gif
بهذه الوصية وهي وصية له ولمن كان حاله مثل حاله.
ما يؤخذ من الحديث: أنه ينبغي للمفتي والمعلم أن يراعي حال المستفتي وحال المتعلم وأن يخاطبه بما تقتضيه حاله، وإن كان لو خاطباً غيره فخاطبه بشيء آخر.
 
الحديث السادس عشر
المتنــــــــــ :
عـن أبي يعـلى شـداد بـن أوس رضي الله عـنه، عـن الـرسـول صلى الله عـليه وسلم قـال: { إن الله كتب الإحـسـان عـلى كــل شيء، فـإذا قـتـلـتم فـأحسـنوا القـتـلة، وإذا ذبـحـتم فـأحسنوا الذبحة، وليحد أحـدكم شـفـرتـه، ولـيـرح ذبـيـحـته }.
الشـــــــرح :
{ الإحسان } ضد الإساءة وهو معروف. { كتب } بمعنى شرع، وقوله: { على كل شيء } الذي يظهر أنها بمعنى في كل شيء، يعني أن الإحسان ليس خاصاً في بني آدم بل هو عام في كل شيء { فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته } وهذا من الإحسان.
وقوله: { إذا قتلتم } هذا حين القتل من بني آدم أو مما يباح قتله أو يسنُ من الحيوانات من وحوش وغيرها.
وقوله: { فأحسنوا القتلة } أن يسلك أقرب الطرق إلى حصول المقصود بغيرأذية لكن يرد على هذا ما ثبت من رجم الزاني المحصن والجواب عنه أن قال: إنه مستثنى من الحديث وإما أن يقال: المراد { فأحسنوا القتلة } موافقة الشرع وقتل المحصن بالرجم موافق للشرع.
وأما قوله: { فأحسنوا الذبحة } والمراد به المذبوح من الحيوان الذي يكون ذبحه ذكاة له مثل الأنعام والصيد وغير ذلك .. فإن الإنسان يسلك أقرب الطرق التي يحصل بها المقصود الشرعي من الذكاة، ولهذا قال: { وليحد أحدكم شفرته } أي سكِّينه، { وليرح ذبيحته } أي يفعل ما به راحتها.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الله سبحانه وتعالى جعل الإحسان في كل شيء حتى إزهاق القتلة، وذلك بأن يسلك أسهل الطرق لإرهاق الروح ووجوب إحسان الذُبحة كذلك بأن يسلك أقرب الطرق لإزهاق الروح ولكن على الوجه المشروع.
<>ومن فوائد هذا الحديث:</B> طلب تفقد آلات الذبح لقوله عليه الصلاة والسلام: { وليحد أحدكم شفرته }.
ومن فوائد هذا الحديث: طلب راحة الذبيحة عند الذبح ومن ذلك أن يضجعها برفق دون أن تتعسف في إضجاعها ومن ذلك أيضاً أن يضع رجله على عُنقها ويدع قوائمها الأربعة اليدين والرجلين بدون إمساك، لأن ذلك أبلغ في إراحتها وحريتها في الحركة، ولأن ذلك أبلغ في خروج الدم عنها فكان أولى.
 
الحديث السابع عشر
المتنــــــــــ :
عـن أبي ذر جـنـدب بـن جـنـادة، وأبي عـبد الـرحـمـن معـاذ بـن جـبـل رضي الله عـنهما، عـن الرسول صلى الله عـليه
وسلم، قـال: { اتـق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخـلـق حـسـن }.
الشــــــرح :
قوله: { اتق الله } فعل أمر من التقوى وهو اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فهذا هو التقوى وهذا هو أحسن حد قيل فيها.
وقوله: { اتق الله حيثما كنت } في أي مكان كنت، فلا تتقي الله في مكان يراك الناس فيه، ولا تتقيه في مكان لا يراك فيه أحد، فإن الله تعالى يراك حيثما كنت فاتقه حيثما كنت.
وقوله: { وأتبع السيئة الحسنة } يعني اعل الحسنة تتبع السيئة، فإذا فعلت سيئة فأتبعها بالحسنة ومن ذلك - أي إتباع السيئة بالحسنة - أن تتوب إلى الله من السيئة فإن التوبة حسنة.
وقوله: { تمحها } يعني الحسنة إذا جاءت بعد السيئة فإنها تمح السيئة ويشهد لهذا قوله تعالى:
braket_r.gif
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
braket_l.gif
[هود:114].
وفي هذا الحديث من الفوائد: حرص النبي
article_salla.gif
على أمته بتوجيههم لما فيه الخير والصلاح، ومنها وجوب حرص تقوى الله عزوجل في أي مكان كان ومنها وجوب التقوى في السر والعلن، لقوله
article_salla.gif
: { اتق الله حيثما كنت }.
ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى السيئة إذ اتبعها الحسنة إذا اتبعتها الحسنة فإنها تمحوها وتزيلها بالكلية، وهذا عام في كل حسنة وسيئة إذا كانت الحسنة هي التوبة، لأن التوبة تهدم ما قبلها، أما إذا كانت الحسنة غير التوبة وهو أن يعمل الإنسان عملاً سيئاً ثم يعمل عملاً صالحاً فإن هذا يكون بالموازنة فإذا رجح العمل السيئ زالأُره كما قال تعالى:
braket_r.gif
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ
braket_l.gif
[الأنبياء:47] ثم قال: { وخالق الناس بخلق حسن } عاملهم بالأخلاق الحسنة بالقول والعمل، فإن ذلك خير وهذا الأمر، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الاستحباب.
فيستفاد منه: مشروعية مخالفة الناسب الخلق الحسن وأطلق النبي
article_salla.gif
كيفية المخالفة، وهي تختلف بحسب أحوال الناس فقد تكون حسنة لشخص، ولا تكون حسنة لغيره، والإنسان العاقل يعرف ويزن.
 
الحديث الثامن عشر
المتنــــــــ :

عـن أبي العـباس عـبدالله بن عـباس رضي الله عـنهما، قــال: كـنت خـلـف النبي صلي الله عـليه وسلم يـوماً، فـقـال : { يـا غـلام ! إني أعـلمك كــلمات: احـفـظ الله يـحـفـظـك، احـفـظ الله تجده تجاهـك، إذا سـألت فـاسأل الله، وإذا اسـتعـنت فـاسـتـعـن بالله، واعـلم أن الأمـة لـو اجـتمـعـت عـلى أن يـنـفـعـوك بشيء لم يـنـفـعـوك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله لك، وإن اجتمعـوا عـلى أن يـضـروك بشيء لـم يـضـروك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله عـلـيـك؛ رفـعـت الأقــلام، وجـفـت الـصـحـف }.
[رواه الترمذي:2516 وقال: حديث حسن صحيح].
وفي رواية غير الترمذي: { احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً }.
الشــــرح :
قوله: ( كنت خلف النبي ) يحتمل أنه راكب معه، ويحتمل أنه يمشي خلفه، وأياً كان فالمهم أنه وصاه بهذه الوصايا العظيمة.
قال: { إني أعلمك كلمات } قال ذلك من أجل أن ينتبه لها.
الكلمة الأولى: قوله: { احفظ الله يحفظك } هذه كلمة { احفظ الله } يعني احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك، لأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين بإحسانهم.
وعُلم من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عزوجل، وفي هذا الترغيب على حفظ حدودالله عزوجل.
الكلمة الثانية: قال: { احفظ الله تجده اتجاهك } ونقول في قوله: { احفظ الله } كما قلنا في الأولى، ومعنى { تجده اتجاهك } أي تجده أمامك يدلك على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه.
الكلمة الثالثة: قوله: { إذا سألت فاسأل الله } إذا سألت حاجة فلا تسأل إلا الله عزوجل ولا تسأل المخلوق شيئاً، وإذاقُدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه، فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هو الله عز وجل فاعتمد على الله تعالى.
الكلمة الرابعة: قوله: { وإذا استعنت فاستعن بالله } فإذا أردت العون وطلبت العون من أحد فلا تطلب إلا من الله، لأنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وهو يعينك إذا شاء، وإذا أخلصت الاستعانة وتوكلت عليه أعانك، وإذا استعنت بمخلوقٍ فيما قدر عليه فاعتقد أن سبب وأن الله هو الذي سخره لك.
الكلمة الخامسة: قوله: { واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك } الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة، لأنه هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله تعالى ونعلم أن الأمة لا يجلبون لنا خيراً إلا بإذن الله عزوجل.
الكلمة السادسة: { وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك } وعلى هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فارض بقضاء الله وبقدره ولا حرج أن تحاول أن تدفع الضر عنك لأن الله تعالى قال:
braket_r.gif
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا
braket_l.gif
[الشورى:40].
الكلمة السابعة: { رفعت الأقلام وجفت الصحف } يعني أن ما كتبه الله تعالى قد انتهى فالأقلام رفعت والصحف جفت ولا تبديل لكلمات الله.
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي: { احفظ الله تجده أمامك } وهذا بمعنى: { احفظ الله تجده اتجاهك }.
{ تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة } يعني قم بحق الله عزوجل في حال الرخاء، وفي حال الصحة، وفي حال الغنى { يعرفك في الشدة } إذا زالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واحتجت إلى الله عرفك بما سبق لك، أو بما سبق من فعل الخير الذي تعرفت به إلى الله عزوجل.
{ واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك } يعني أن ما قدر الله تعالى أن يصيبك فإنه لا يخطئك، بلا لابد أن يقع، لأن الله قدره.
وأن ما كتب الله أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك أبداً فالأمر كله بيد الله وهذا يؤدي إلى أن يعتمد الإنسان على ربه اعتماداً كاملاً ثم قال: { واعلم أن النصر مع الصبر } فهذه الجملة فيها الحث على الصبر، لأنه إذا كان النصر مع الصبر فإن الإنسان يصبر من أجل أن ينال الصبر.
وقوله: { وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً } الفرج انكشاف الشدة والكرب الشديد جمعه كروب كمال قال تعالى:
braket_r.gif
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
braket_l.gif
[الشرح:5-6].
في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنها فوائد:
من فوائده: ملاطفة النبي
article_salla.gif
لمن هو دونه حيث قال: { يا غلام إني أعلمك كلمات }.
ومن فوائده: أنه ينبغي لمن ألقى كلاماً ذا أهمية أن يقدم له ما يوجب لفت الانتباه حيث قال: {يا غلام إني أعلمك كلمات }.
ومن فوائد الحديث: أن من حفظ الله حفظه لقوله: { احفظ الله يحفظك } وسبق معنى احفظ الله يحفظك.
ومن فوائد الحديث: أن من أضاع الله - أي أضَاع دين الله - فإن الله يضيعه ولا يحفظه قال تعالى:
braket_r.gif
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
braket_l.gif
[الحشر:19].
ومن فوائد هذا الحديث: أن من حفظ الله عز وجل هداه ودله على ما فيه الخير، وأن من لازم حفظ الله له أن يمنع عنه الشر إذ قوله: { احفظ الله تجده تجاهك } كقوله في اللفظ الآخر: { تجده أمامك }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان إذا احتاج إلى معونة فليستعن بالله ولكن لا مانع أن يستعين بغيرالله ممن يمكنه أن يعينه لقوله النبي
article_salla.gif
: { وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة }.
ومن فوائد الحديث: أن الأمة لن تستطيع أن ينفعوا أحداً إلا إذا كان الله قد كتبه له ولن يستطيعوا أن يضروا أحداً إلا أن يكون الله تعالى قد كتب ذلك عليه.
أنه يجب على المرء أن يكون معلقاً رجاؤه بالله عزوجل وأن لا يلتفت إلى المخلوقين فإن المخلوقين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً.
ومن فوائد هذا الحديث: أن كل شيء مكتوب منتهى منه، فقد ثبت عن النبي
article_salla.gif
أن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
ومن فوائد الحديث: في الرواية الأخرى أن الإنسان إذا تعرف إلى الله بطاعته في الصحة والرخاء، عرفه الله تعالى في حال الشدة فلطف به وأعانه وأزال شدته.
ومن فوائده: أن الإنسان إذا كان قد كتب الله عليه شيئاً فإنه لا يخطئه، وأن الله إذا لم يكتب عليه شيء فإنه لا يصيبه.
ومن فوائد هذا الحديث: البشارة العظيمة للصابرين وأن النصر مقارن للصبر.
ومن فوائده: البشارة العظيم أيضاً بأن تفريج الكربات وإزالة الشدات مقرون بالكرب فكلما كرب الإنسان الأمر فرج الله عنه.
ومن فوائده أيضاً: البشارة العظيمة أن الإنسان إذا أصابه العسر فلينتظر اليسر وقد ذكر الله تعالى ذلك في القران فقال تعالى:
braket_r.gif
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
braket_l.gif
[الشرح:5-6] فإذا عسرت بك الأمور فالتجئ إلى الله عز وجل منتظراً تيسيره مصدقاً بوعده.
 
الحديث التاسع عشر
المتنــــــــــــــ :
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت }.
الشــــــــــرح :
قال في الأربعين النووية: الحديث العشرون عن أبي مسعود عقبة بن عمروالأنصاري البدري
article_ratheya.gif
قال: قال رسول الله
article_salla.gif
: { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت } يعني أن من بقايا النبوة الأولى التي كانت في الأمم السابقة.
وأقرتها هذه الشريعة { إذا لم تستح فاصنع ما شئت } يعني إذا لم تفعل فعلاً يستحى منه فاصنع ما شئت هذا أحد وجهين، أي ففعله في المعنى الثاني أن الإنسان إذا لم يستح يصنع ما شاء ولا يبالي وكلا المعنين صحيح.
يستفاد من هذا الحديث: أن الحياء من الأشياء التي جاءت بها الشرائع السابقة، وأن الإنسان ينبغي له أن يكون صريحاً، فإذا كان الشيء لا يستحى منه فليفعله وهذا الإطلاق مقيد بما إذا كان في فعله مفسدة فإنه يمتنع الفعل خوفاً من هذه المفسدة.
 
الحديث العشرون
المتنــــــــــــــــ :
عن أبي عمرو، وقيل: أبي عمرة ؛ سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله ! قـل لي في الإسـلام قـولاً لا أسـأل عـنه أحــداً غـيـرك، قـال: { قُــل آمـنـت بالله، ثـم اسـتـقم }.
الشـــــــــــرح :
الحديث الحادي والعشرون من الأربعين النووية عن أبي عمرو وقيل: أبي عمرة سفيان بن عبدالله الثقفي
article_ratheya.gif
قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: { قل آمنت بالله ثم استقم } يعني قولاً يكون جامعاً واضحاً بيّناً لا أسأل أحداً غيرك فيه، فقال له النبي
article_salla.gif
: { قل آمنت بالله ثم استقم } آمنت بالله هذا بالقلب، والاستقامة تكون بالعمل، فأعطاه النبي
article_salla.gif
كلمتين تتضمنان الدين كله فآمنت بالله يشمل إيماناً بكل ما أخبر الله به عزوجل عن نفسه وعن اليوم الآخر وعن رسله وعن كل ما أرسل به، وتتضمن أيضاً الانقياد ولهذا قال: { ثم استقم } وهو مبني على الإيمان ومن ثم أتي بـ { ثم } الدالة على الترتيب والاستقامة ولزوم الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ومتى بنى الإنسان حياته على هاتين الكلمتين فهو سعيد في الدنيا وفي الآخرة.
في هذا الحديث من فوائد: حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال عما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
ومنها عقل أبي عمرو أو أبي عمرة، حيث سأل هذا السؤال العظيم الذي في النهاية ويستغني عن سؤال أي أحد، حيث قال: { قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك }.
ومنها أنه أجمع وصية وأنفع وصية ما تضمنه هذا الحديث، الإيمان بالله ثم الاستقامةعلى ذلك بقوله: { آمنت بالله ثم استقم }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإيمان بالله لا يكفي عن الاستقامة، بل لا بد من إيمان بالله واستقامة على دينه.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الدين الإسلامي مبني على هذين الأمرين، الإيمان ومحله القلب ،والاستقامة ومحلها الجوارح، وإن كان للقلب منها نصيب لكن الأصل أنها في الجوارح. والله أعلم.
 
الحديث الحادى و العشرون
المتنـــــــــــ :
عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله
article_salla.gif
، فقال: ( أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً؛ أأدخل الجنة؟ ) قال: { نعم }.
الشــــــــرح :
قال النووي: ( ومعنى حرمت الحرام: اجتنبته... ومعنى الحلال: فعلته معتقداً حله ).
قال الشيخ رحمه الله:
الحديث الثاني والعشرون: عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله
article_salla.gif
فقال: ( أرأيت ) بمعني: أخبرني.
( أرأيت إذا صليت المكتوبات ) بمعنى الفرائض، وهي الفرائض الخمس والجمعة.
( وصمت رمضان ) وهو الشهر الذي بين شعبان وشوال.
( وأحللت الحلال ) أي فعلته معتقداً حله.
( وحرمت الحرام ) أي اجتنبته معتقداً تحريمه.
( ولم أزد على ذلك، أأدخل الجنة؟ قال: { نعم } [رواه مسلم] ).
في هذا الحديث يسأل الرجل رسول الله
article_salla.gif
إذا صلى المكتوبات وصام رمضان وأحل الحلال وحرم الحرام ولم يزد على ذلك شيئاً هل يدخل الجنة ؟ قال: { نعم }.
وهذا الحديث لم يذكر فيه الزكاة ولم يذكر فيه الحج، فإما أن يقال: إن ذلك داخلاً في قوله: ( حرمت الحرام ) لأن ترك الحج حرام وترك الزكاة حرام.
ويمكن أن يقال: أما بالنسبة للحج فربما يكون هذا الحديث قبل فرضه، وأما بالنسبة للزكاة فلعل النبي
article_salla.gif
علم من حال هذا الرجل أنه فقير وليس من أهل الزكاة فخاطبه على قدر حاله.
في هذا الحديث من الفوائد: حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي
article_salla.gif
.
وفيه: أن الغاية من هذه الحياة هي دخول الجنة.
وفيه أيضاً: أهمية الصلوات المكتوبات، وأنها سبب لدخول الجنة مع باقي ما ذكر في الحديث.
وفيه أيضاً: أهمية الصيام، وفيه وجوب إحلال الحلال وتحريم الحرام، أي أن يفعل الإنسان الحلال معتقداً حله وأن يتجنب الحرام معتقداً تحريمه، ولكن الحلال يخير فيه الإنسان إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله، أما الحرام فلا بد أن يتجنبه ولا بد أن يصطحب هذا اعتقاداً. تفعل الحلال معتقداً حله، والحرام تجتنبه معتقداً تحريمه.
ومن فوائد هذا الحديث: أن السؤال معادٌ في الجواب فإن قوله: { نعم } يعني تدخل الجنة.
قال النووي رحمه الله: ( ومعنى حرمت الحرام: اجتنبته ) وينبغي أن يقال: ( اجتنبته معتقداً تحريمه ) والله أعلم.
 
الحديث الثانى و العشرون
المتنــــــــــــــ :
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأن - أو: تملأ - ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك؛ كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها }.
الشــــــــــرح :
عن أبي مالك - الحارث بن عاصم - الأشعري
article_ratheya.gif
قال: قال رسول الله
article_salla.gif
: { الطهور شطر الإيمان } بضم الطاء يعني الطهارة.
شطر الإيمان أي نصفه وذلك أن الإيمان تخلي وتحلي، أما التخلي فهو التخلي عن الإشراك، لأن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى:
braket_r.gif
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا
braket_l.gif
[التوبة:28].
فلهذا كان الطهور شطر الإيمان، وقيل: إن معناه أن الطهور للصلاة شطر الإيمان، لأن الصلاة إيمان ولا تتم إلا بطهور... لكن المعنى الأول أحسن وأعم.
وقال: { والحمد لله تملأ الميزان } الحمد لله تعني: وصف الله تعالى بالمحامد والكمالات الذاتية والفعلية، { تملأ الميزان } أي ميزان الأعمال لأنها عظيمة عند الله عزوجل ولهذا قال النبي
article_salla.gif
: { كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم }.
وقال: { سبحان الله والحمد لله } يعني الجمع بينهما { تملأ } أو قال: { تملان ما بين السماء والأرض } وذلك لعظمهما ولاشتمالهما على تنزيه الله تعالى عن كل نقص، وعلى إثبات الكمال لله عزوجل، ففي التسبيح تنزيه الله عن كل نقص، وفي الحمد وصف الله تعالى بكل كمال، فلهذا كانتا تملان ما بين السماء والأرض.
ثم قال: { والصلاة نور } يعني: أن الصلاة نور في القلب وإذا استنار القلب استنار الوجه، وهي كذلك نور يوم القيامة قال تعالى:
braket_r.gif
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ...
braket_l.gif
[الحديد:12]. وهي أيضاً نور بالنسبة للاهتداء والعلم وغير ذلك من كلما فيه النور.
وقال: { والصدقة برهان } أي دليل على صدق صاحبها، وأنه يحب التقرب إلى الله وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس ولا يصرف المحبوب إلا في محبوب أشد منه حباً وكل إنسان يبذل المحبوب من أجل الثواب المرتجى وهو برهان على صحة إيمانه وقوة يقينه.
قال: { والصبر ضياء } الصبر أقسامه ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر على معصية الله، وصبر على أقدار الله.
وقال: { ضياء } نوراً مع حرارة كما قال تعالى:
braket_r.gif
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً
braket_l.gif
[يونس:5].
والشمس فيها النور والحرارة، والصبر كذلك لأنه شاق على النفس فهو يعاني كما يعاني الإنسان من الحرارة ومن الحار.
وقال أيضاً: { والقرآن حجة لك أو عليك } والقرآن حجة لك، أي عند الله عزوجل أو حجة عليك ...
فإن عملت به كان حجة لك، وإن أعرضت عنه كان حجة عليك، ثم بين النبي
article_salla.gif
أن كل الناس يغدون، أي يذهبون الصباح إلي أعمالهم.
وقال: { فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها } كل الناس يغدون ويكدحون ويتعبون أنفسهم، فمنهم من يعتق نفسه ومنم من يوبقها أي يهلكها بحسب عمله، فإن عمل بطاعة الله واستقام على شريعته فقد اعتق نفسه، أي: حررها من رق الشيطان.
ففي الحديث فوائد:
1 - الحث على الطهور وبيان منزلته من الدين، وأنه شطر الإيمان.
2 - الحث على حمد الله وتسبيحه، وأن ذلك يملأ الميزان، وأن الجمع بين التسبيح والحمد يملأ ما بين السماء والأرض.
3 - الحث على الصلاة، وأنها نور يتفرع على هذه الفائدة أنها تفتح للإنسان باب العلم والفقه.
4 - الحث على الصدقة، وبيان أنها برهان، ودليل عل صدق إيمان صاحبها.
5 - الحث على الصبر وأنه ضياء وأنه يحصل منه مشقة على الإنسان كما تحصل المشقة بالحرارة.
6 - أن القرآن حجة للإنسان أوعليه، وليس هناك واسطة بحيث لا يكون حجة للإنسان أو حجة عليه، بل إما كذا وإما كذا، فنسأل الله أن يجعله حجة لنا نافعاً لنا.
ومن فوائد الحديث: أن كل الناس لا بد أن يعملوا لقوله: { كل الناس يغدو } وثبت عن النبي
article_salla.gif
أنه قال: { أصدق الأسماء حارث وهمام } لأن كل إنسان حارث وهمام.
ومن فوائد الحديث: أن العامل إما أن يعتق نفسه وإما أن يوبقها، فإن عمل بطاعة الله واجتنب معصيته فقد أعتق نفسه وحررها من رق الشيطان وإن كان الأمر بالعكس فقد أوبقها، أي أهلكها.
ومن فوائد الحديث: أن الحرية حقيقة هي: القيام بطاعة الله وليست إطلاق الإنسان نفسه ليعمل كل شيء أراده، قال ابن القيم رحمه الله في النونية:

هربوا من الرق الذي خلقوا له *** وبلوا برق النفس والشيطان
فكل إنسان يفر من عبادة الله، فإنه سيبقى في رق الشيطان ويكون عابدا للشيطان.
 
الحديث الثالث و العشرون
المتنـــــــــــــــــ :
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلي الله علية وسلم، فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى، أنه قال:
{ يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعـلته بيـنكم محرماً؛ فلا تـظـالـمـوا }
{ يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم }
{ يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم }
{ يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم }
{ يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم }
{ يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني }
{ يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً }
{ يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا علي أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً }
{ يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر }
{ يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه }.
الشـــــــــــــرح :
عن أبي ذر الغفاري
article_ratheya.gif
عن النبي
article_salla.gif
واله وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل وهذا الحديث وأشباهه يسمى الحديث القدسي، لأنه يرويه النبي
article_salla.gif
عن الله عز وجل قال: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما } فبين الله عز وجل في هذا الحديث أنه حرم الظلم على نفسه فلا يظلم أحداً لا بزيادة سيئة ولا بنقص حسنة كما قال تعالى:
braket_r.gif
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا
braket_l.gif
[طه:112].
{ وجعلته بينكم محرماً } أي جعلت الظلم بينكم محرماً، فيحرم عليكم أن يظلم بعضكم بعضاً، ولهذا قال: { فلا تظالموا } والفاء للتفريع على ما سبق { يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم } العباد كلهم ضال في العلم وفي العمل إلا من هداه الله عزوجل وإذا كان الأمر كذلك فالواجب طلب الهداية من الله، ولهذا قال: { فاستهدوني أهدكم } أي اطلبوا مني أهدكم، والهداية هنا تشمل هداية العلم وهداية التوفيق، { يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم }، وهذه كالتي قبلها بين سبحانه وتعالى أن العباد كلهم جياع إلا من أطعمه الله ثم يطلب من عباده أن يستطعموه ليطعمهم، وذلك لأن الذي يخرج الزرع ويدر الضرع هو سبحانه وتعالى كما قال سبحانه وتعالى:
braket_r.gif
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ
braket_l.gif
[الواقعة:63-65] ثم المال الذي يحصل بهالحرث هو لله عزوجل.
{ يا عبادي كلكم عار } أي قد بدت عورته إلا من كساه الله ويسر له الكسوة، ولهذا قال: { إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم }اطلبوا مني الكسوة أكسكم، لأن كسوة بني ادم مما أخرجه الله تعالى من الأرض، ولو شاء الله تعالى لم يتيسر ذلك.
{ يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم } وهذا كقوله
article_salla.gif
في الحديث الصحيح: { كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون } فالناس يخطئون ليلاً ونهاراً أي يرتكبون الخطأ وهو مخالفة أمر الله ورسوله بفعل المحذور أو ترك المأمور، ولكن هذا الخطأ له دواء – ولله الحمد – وهو قوله: { فاستغفروني أغفر لكم } أي اطلبوا مغفرتي أغفر لكم، والمغفرة: ستر الذنب مع التجاوز عنه.
{ يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني } لأن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين ولو كفر كل أهل الأرض فلن يضروا الله شيئاً، ولو آمن كل أهل الأرضلن ينفعوا الله شيئاً، لأنه غني بذاته عن جميع مخلوقاته.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا } لأن طاعة الطائع إنما تنفع الطائع نفسه أما الله عزوجل فلا ينتفع بها لأنه غني عنها، فلو كان الناس كلهم على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك ملك الله شيئاً.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً } وذلك لأن الله غني عنا، فلو كان الناس والجن على أفجر قلب رجل مانقص ذلك من ملك الله شيئاً.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } وذلك لكمال جوده وكرمه وسعة ما عنده، فإنه لو أعطى كل إنسان مسألته لم ينقصه شيئاً، وقوله: { إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر } وهذا من باب تأكيد عدم النقص، لأنه من المعلوم أن المخيط إذا دخل في البحر ثم نزع منه فإنه لا ينقص البحر شيئاً لأن البلل الذي لحق هذا المخيط ليس بشيء.
{ يا عبادي إنما أعمالكم أحصيها لكم } أي أعدها لكم وتكتب على الإنسان [ ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه } ومع هذا فإنه سبحانه يجزي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح فيما دون الشرك والله أعلم.
وهذا حديث عظيم حديث أبي ذر الغفاري
article_ratheya.gif
فيما يرويه عن النبي
article_salla.gif
عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: { إني حرمت الظلم على نفسي } وقد شرحه شيخ الإسلام رحمه الله في رسالة جيدة كما شرحه ابن رجب ضمن الأحاديث الأربعين النووية.
وفيه من الفوائد: رواية النبي
article_salla.gif
عن ربه وهو ما يسميه أهل العلم بالحديث القدسي.
ومن فوائده: أن الله عزوجل حرم الظلم عل نفسه لكمال عدله جل وعلا، فهو قادر على أن يظلم، قادر على أن يبخس المحسن من حسناته وأن يضيف إلى المسيء أكثر من سيئاته ولكنه لكمال عدله حرم ذلك على نفسه جل وعلا.
ومن فوائده: أن الظلم بيننا محرم وقد بين الرسول
article_salla.gif
أنه يكون في الدماء والأموال والأعراض قال عليه الصلاة والسلام في مِنى يوم { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في الإنسان الضلال والجهل بقوله تعالى:
braket_r.gif
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا
braket_l.gif
[النحل:78] وقوله في هذا الحديث: { يا عبادي كلكم ضال إلامن هديته فاستهدوني أهدكم }. والأصل فيه أيضاً الغي والظلم.
ومن فوائده: وجوب طلب الهداية من الله لقوله تعالى في الحديث { استهدوني أهدكم }.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان بل كل العباد جائعون مضطرون إلى الطعام إلا من أطعمه الله عزوجل , ويترتب على هذهالفائدة سؤال الإنسان ربه واستغناؤه بسؤال الله عن سؤال عباد الله , ولهذا قال - فاستطعموني أطعمكم - .
ومن فوائد هذا الحديث: أن العباد عراة إلا من كساه الله عزوجل ويسر له الكسوة وسهلها له، ولهذا قال: { فاستكسوني أكسكم } أي اطلبوا مني الكسوة أكسيكم، وإنما ذكر الله عز وجل العري بعد ذكر الطعام، لأن الطعام كسوة الداخل واللباس كسوة الظاهر.
ومن فوائد هذا الحديث: أن بني آدم خطاء يخطئون كثيراً في الليل والنهار، ولكن هذا الخطأ يقابله مغفرة الله عز وجل لكل ذنب، وأن الله يغفر الذنوب جميعاً، كما قال تعالى:
braket_r.gif
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
braket_l.gif
[الزمر:53]، ويترتب على هذا أن الإنسان يعرف قدر نفسه، فكلما أخطأ استغفر الله عز وجل.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الذنوب مهما كثرت فإن الله تعالى يغفرها إذا استغفر الله الإنسان ربه، لقوله تعالى في الحديث القدسي: { وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفرلكم } وقوله: { يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولنتبلغوا نفعي فتنفعوني } وذلك لأن الله سبحانه وتعالى مستغن عن جميع خلقه، ومن أسمائه العزيز وهو الذي عز أن يناله ضرر، وكذلك هو الغني الحميد فلا حاجة إلى أن يسعى أحد لنفعه ولن يبلغ أحد ضرره لكمال غناه جل وعلا.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً } وذلك لكمال غناه عزوجل فلو كان الناس كلهم من إنس وجن على أتقى قلب رجل فأن ذلك لا يزيد من ملك الله شيئاًً.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً } وذلك لكمال غناه فلا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين والمقصود من هاتين الجملتين: الحث على طاعة الله عز وجل والبعد عن معصيته.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } وذلك لكمال غناه جل وعلا وسعته، فيستفاد من هذه الجملة: أن الله سبحانه وتعالى واسع الغنى والكرم وقوله: { إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } سبق لنا أن المقصود بذلك المبالغة في أن ذلك لا ينقص من الله شيئاً.
وقوله: { يا عبادي إنما أعمالكم ...} الخ فيستفاد منها الحث على العمل الصالح حتى يجد الإنسان الخير.
ومن فوائده أيضاً: أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً.
ومن فوائده: أن العاصي سوف يلوم نفسه إذا كان في وقت لا ينفعه اللوم ولا الندم لقوله: { ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه }.
 
الحديث الرابع و العشرون
المتنـــــــــــــ :
عن أبي ذر
article_ratheya.gif
أيضاً، أن ناساً من أصحاب رسول الله
article_salla.gif
قالوا للنبي
article_salla.gif
: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور؛ يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويـتـصـدقــون بفـضـول أمـوالهم. قـال
article_salla.gif
: { أولـيـس قـد جعـل الله لكم ما تصدقون؟ إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحـد كم صـدقـة }.
قالوا : يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟
قال: { أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر }.
الشـــــــــرح :
يعني بالإضافة إلى الحديث السابق القدسي أن أناساً من أصحاب رسول الله
article_salla.gif
قالوا للنبي
article_salla.gif
{ يا رسول الله } وهؤلاء فقراء، قالوا: { يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور } يعني أهل الأموال ذهبوا بالأجور، يعني اختصموا بها.
{ يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم } فهم شاركوا الفقراء في الصلاة والصوم وفضولهم في الصدقة.
قال النبي
article_salla.gif
: { أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون... } إلخ.
لما اشتكى الفقراء إلى رسول الله
article_salla.gif
أنه ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما يصلون ويصومون كما يصومون ويتصدقون بفضول أموالهم يعني والفقراء لا يتصدقون. بيّن لهم النبي
article_salla.gif
الصدقة التي يطيقونها فقال: { أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن لكم بكل تسبيحة صدقة } يعني أن يقول الإنسان سبحان الله صدقة { وبكل تكبيره صدقة } يعني إذا قال: ( الله أكبر ) فهذه صدقة { وكل تحميده صدقة } يعني إذا قال: ( الحمد لله ) فهذه صدقة { وكل تهليلة صدقة } يعني إذا قال: ( لا إله إلا الله ) فهذه صدقة { وأمر بالمعروف } يعني إذا أمر شخصاً أن يفعل طاعة فهذه صدقة { ونهي عن منكر } يعني إذا نهى شخصاً عن منكر فإن ذلك صدقة { وفي بضع أحدكم صدقة } يعني إذا أتى الرجل زوجته فإن ذلك صدقة وكل له فيها أجر ذكروا ذلك لتقرير قوله
article_salla.gif
{ وفي بضع أحدكم صدقة } وليس للشك في هذا، لأنهم يعلمون أن ما قاله النبي
article_salla.gif
فهو حق لكن أرادوا أن يقرروا ذلك فقالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ ونظير ذلك قول زكريا عليه السلام:
braket_r.gif
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ
braket_l.gif
[آل عمران:40] ... أراد أن يقرر ذلك ويثبته مع أنه مصدق به.
قال: { أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ } والجواب: نعم يكون عليه وزر قال: { فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر } وهذا القياس سمونه قياس العكس يعني كما أن عليه وزراً في الحرام يكون له أجراً في الحلال فقال
article_salla.gif
{ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر }.

في هذا الحديث من الفوائد:

حرص الصحابة رضي الله عنهم على السبق إلى الخيرات.
ينبغي للإنسان إذا ذكر شيئاً أن يذكر وجهه لأن الصحابة رضي الله عنهم لما قالوا: ( ذهب أهل الدثور بالأجور ) بيّنوا وجه ذلك فقالوا: ( يصلون كما نصلي... ) إلخ.
أن كل قول يقرب إلى الله تعالى فهو صدقة كالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكله صدقة.
الترغيب في الإكثار من هذه الأذكار، لأن كل كلمة منه تعتبر صدقة تقرب المرء إلى الله عزوجل.
أن الاكتفاء بالحلال والحرام يجعل الحلال قربة وصدقة لقوله
article_salla.gif
: { وفي بضع أحدكم صدقة }.
جواز الاستثبات في الخبر ولو كان صادراً من صادق لقولهم: ( أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ ).
حسن تعليم الرسول
article_salla.gif
بإيراد كلامه على سبيل الاستفهام حتى يقنع المخاطب بذلك ويطمئن قلبه، وهذا قوله عليه الصلاة والسلام حين سئل عن بيع الرطب بالتمر: { أينقص إذا جف؟ } قالوا: نعم، فنهى عن ذلك.
 
الحديث الخامس و العشرون
المتنـــــــــــ :
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله
article_salla.gif
:
{ كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل فى دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعة صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلي الصلاة صدقة، وتميط الأذي عن الطريق صدقة }
.
الشـــــــرح :
عن أبي هريرة
article_ratheya.gif
قال: قال رسول الله
article_salla.gif
: { كل سُلامى من الناس صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس } كل سُلامى أي كل عضو ومفصل من الناس عليه صدقة { كل يوم تطلع فيه الشمس } أي صدقة في كل يوم تطلع فيه الشمس فقوله { كل سُلامى } مبتدأ و { عليه صدقة } جملة خبر المبتدأ { وكل يوم } ظرف، والمعنى أنه كلما جاء يوم صار على كل مفصل من مفاصل الإنسان صدقة يؤديها شكراً لله تعالى على نعمة العافية وعلى البقاء ولكن هذه الصدقة ليست صدقة المال فقط بل هي أنواع.
{ تعدل بين اثنين صدقة } أي تجد اثنين متخاصمين فتحكم بينهما بالعدل فهذه صدقة وهي أفضل الصدقات لقوله تبارك وتعالى:
braket_r.gif
لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ...
braket_l.gif
[النساء:114]
{ وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة } وهذا أيضاً من الصدقات أن تُعين أخاك المسلم في دابته إما أن تحمله عليها إن كان لا يستطيع أن يحمل نفسه أو ترفع له على دابته متاعه يعني - عفشه - هذا أيضاً لأنها إحسان والله يحب المحسنين.
{ والكلمة الطيبة صدقة } الكلمة الطيبة، كل كلمة تقرب إلى الله كالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءة القران وتعليم العلم، وغير ذلك كل كلمة طيبة فهي صدقة.
{ وبكل خطوة تخطوها إلى الصلاة فإنها صدقة } وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن الإنسان إذا توضأ في بيته وأسبغ الوضوء ثم خرج من بيته إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط بها خطيئة.
{ وتميط الأذى عن الطريق صدقة } إماطة الأذى يعني إزالة الأذى عن الطريق، والأذى ما يؤذي المارة من ماء أو حجر أو زجاج أو شوك أوغير ذلك وسواء أكان يؤذيهم من الأرض أو يؤذيهم من فوق كما لو كان هناك أغصان شجرة متدلية تؤذي الناس فأماطها فإن هذه صدقة.
وفي هذا الحديث فوائد منها:
1 - أن كل إنسان عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس على عدد مفاصله وقد قيل إن المفاصل ثلاثمائة وستون مفصلاً –والله أعلم.
2 - أن كلما يقرب إلى الله من عبادة وإحسان إلى خلقه فإنه صدقة، وما ذكره النبي
article_salla.gif
فهو أمثلة على ذلك وقد جاء في حديث آخر: { أن يجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى }.
 
بارك الله فيك اخي عبد الله جعلها الله في ميزان حسناتك

يتم معرفة هذي الاحاديث بطرق شتى اشهرها شراء الكتب وباسعار غاليه نسبيا لبعض الدول العربيه

وبعض الدول لاتوجد لانه يتم محاربتها ويكون وجودها نادر

الان تتوفر على الشبكه العنكبوتيه وبايسر السبل وبشكل ميسر وسهل وهذا الموضوع شاهد على ذلك

بعض الاحاديث لم اقرأها الا هنا والبعض لم اقرأ شروحها الا هنا والبعض لم اتعمق في قراءة شروحها الاهنا فلك الحمد ربي والشكر على نعمك التي لا تعد ولا تحصى فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضى

وبارك الله فيك اخي عبد الله وجعلك مباركا اينما كنت
 
التعديل الأخير:
بارك الله فيك اخي عبد الله جعلها الله في ميزان حسناتك

يتم معرفة هذي الاحاديث بطرق شتى اشهرها شراء الكتب وباسعار غاليه نسبيا لبعض الدول العربيه

وبعض الدول لاتوجد لانه يتم محاربتها ويكون وجودها نادر

الان تتوفر على الشبكه العنكبوتيه وبايسر السبل وبشكل ميسر وسهل وهذا الموضوع شاهد على ذلك

بعض الاحاديث لم اقرأها الا هنا والبعض لم اقرأ شروحها الا هنا والبعض لم اتعمق في قراءة شروحها الاهنا فلك الحمد ربي والشكر على نعمك التي لا تعد ولا تحصى فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضى

وبارك الله فيك اخي عبد الله وجعلك مباركا اينما كنت
الله يبارك فيك أخى الحبيب أبو حامد
و الله يسعدنى جداً أن أجد منكم هذا التشجيع
و الحمد لله الذى يسر للمسلمين أن يتعلموا الدين بكل الوسائل الحديثه
كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم {إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الكافر}
فالغرب هم الذين أخترعوا الإنترنت ثم ينشر به المسلمين دينهم سبحان الله
أسئل الله أن يغفر لى و لك و يرضى عنا و عن المسلمين جميعاً و يرزقنا حسن الخاتمه اللهم آمين
 
الحديث السادس و العشرون
المتنــــــــــــــ :
عن النواس بن سـمعـان رضي الله عـنه، عـن النبي صلى الله عـليه وسلم قـال: { الـبـر حـسـن الـخلق والإثـم ما حـاك في نـفـسـك وكـرهـت أن يـطـلع عــلـيـه الـنـاس }.
[رواه مسلم:2553].
وعن وابصه بن معبد رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال: { جئت تسأل عن البر؟ } قلت: نعم؛ فقال: { استفت قلبك؛ البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك }.
الشــــــــــرح :
عن النواس بن سمعان
article_ratheya.gif
عن النبي
article_salla.gif
قال: { البر حسن الخلق } البر كلمة تدل على الخير وكثرة الخير، وحسن الخلق يعني أن يكون الإنسان واسع البال منشرح الصدر والسلام مطمئن القلب حسن المعاملة، فيقول عليه الصلاة والسلام: { إن البر حسن الخلق } فإذا كان الإنسان حسن الخُلق مع الله ومع عباد الله حصل له الخير الكثير وانشرح صدره للإسلام واطمأن قلبه بالإيمان وخالق الناس بخلق حسن، وأما الإثم فبيّنه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه: { ما حاك في نفسك } وهو يخاطب النواس بن سمعان، والنواس ابن سمعان صحابي جليل فلا يحيك في نفسه ويتردد في نفسه ولا تأمنه النفس إلا ما كان إثماً ولهذا قال: { ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس } وأما أهل الفسق والفجور فإن الآثام لا تحيك بنفوسهم ولا يكرهون أن يطلع عليها الناس بل بعضهم يتبجح ويخبر بما يصنع من الفجور والفسق، ولكن الكلام مع الرجل المستقيم فإنه إذا هم بسيئة حاك ذلك في نفسه وكره أن يطلع الناس على ذلك، وهذا الميزان الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام إنما يكون مع أهل الخير والصلاح.
ومثل الحديث عن وابصة بن معد
article_ratheya.gif
قال: أتيت النبي
article_salla.gif
فقال: { جئت تسأل عن البر؟ } قلت: نعم، قال: { استفت قلبك } يعني لا تسأل أحداً واسأل قلبك واطلب منه الفتوى { البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب }، فمتى وجدت نفسك مطمئنة وقلبك مطمئن إلى شيء فهذا هو البر فافعله { والإثم ما حاك نفسك } في النفس وتردد في الصدر، فإذا رأيت هذا الشيء حاك في نفسك وتردد في صدرك فهو إثم، قال: { وإن أفتاك الناس وأفتوك } يعني إن أفتاك الناس بأنه ليس فيه إثم وأفتوك مرة بعد مرة، وهذا يقع كثيراً تجد الإنسان يتردد في الشيء ولا يطمئن إليه ويتردد فيه ويقول له الناس: هذا حلال وهذا لابأس به، لكن لم ينشرح صدره بهذا ولم تطمئن إليه نفسه فيقال: مثل هذا إنه إثم فاجتنبه.
ومن فوائد هذا الحديث والذي قبله: فضيلة حسن الخلق حيث فعل النبي
article_salla.gif
حسن الخلق هو البر.
ومن فوائده أيضاً: أن ميزان الإثم أن يحيك بالنفس ولا يطمئن إليه القلب.
ومن فوائده: أن المؤمن يكره أن يطلع الناس على عيوبه بخلاف المستهتر الذي لا يبالي، فإنه لا يهتم إذا اطلع الناس على عيوبه.
ومن فوائدها: فراسة النبي
article_salla.gif
حيث أتى إليه وابصة
article_ratheya.gif
فقال: { جئت تسأل عن البر ؟ }.
ومن فوائدها: إحالة حكم الشيء إلى النفس المطمئنة التي تكره الشر وتحب الخير، لقوله: { البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب }.
ومن فوائد الحديثين أيضاً: أن الإنسان ينبغي له أن ينظر إلى مايكون في نفسه دون ما يفتيه الناس به فقد يفتيه الناس الذين لا علم لهم بشيء لكنه يتردد فيه ويكرهه فمثل هذا لا يرجع إلى فتوى الناس وإنما يرجع إلى ما عنده.
ومن فوائدهما: أنه متى أمكن الاجتهاد فإنه لايعدل إلى التقليد لقوله: { وإن أفتاك الناس وأفتوك }.
 
الحديث السابع و العشرون
المتنــــــــــــ :
عن أبي نجـيـج العـرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: وعـظـنا رسول الله صلي الله عليه وسلم موعـظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها الدموع، فـقـلـنا: يا رسول الله ! كأنها موعـظة مودع فـأوصنا، قال: { أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعــش منكم فسيرى اخـتـلافـا كثيراً، فعـليكم بسنتي وسنة الخفاء الراشدين المهديين عـضو عـليها بالـنـواجـذ، واياكم ومـحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلاله }
الشــــــــرح :
قوله: { وعظنا } الوعظ: هو التذكير المقرون بالترغيب أو الترهيب، وكان النبي
article_salla.gif
يتخول أصحابه بالموعظة ولا يكثر عليهم مخافة السآمة، قوله: { وجلت منها القلوب } أي خافت، { وذرفت منها العيون } أي بكت حتى ذرفت دموعها، ( فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا ) لأن موعظة المودع تكون موعظة بالغة قوية فأوصنا قال: { أوصيكم بتقوى الله عزوجل } وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهم أنهم استغلوا هذه الفرصة ليوصيهم النبي
article_salla.gif
بما فيه خير، قال: { أوصيكم بتقوى الله عزوجل } وتقوى الله اتخاذ وقاية من عقابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه وهذا حق الله عزوجل { والسمع والطاعة } يعني لولاة الأمور أي اسمعوا ما يقولون وما به يأمرون واجتنبوا ما عنه ينهون، [ وإن تأمر عليكم عبد } يعني وإن كان الأميرعبداً فأسمعوا له وأطيعوه، وهذا هو مقتضى عموم الآية:
braket_r.gif
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
braket_l.gif
[النساء:59].
قوله: { فإنه من يعش منكم } أي من تطول حياته فسيرى اختلافاً كثيراً، ووقع ذلك كما أخبرالنبي
article_salla.gif
فقد حصل الاختلاف الكثير في زمن الصحابة رضي الله عنهم ثم أمر
article_salla.gif
بأن نلتزم بسنته أي بطريقته وطريقة الخلفاء الراشدين المهدين، والخلفاء الذين خلفوا النبي
article_salla.gif
في أمته علماً وعبادة ودعوة وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
{ المهديين } وصف كاشف، لأن كل رشاد فهو مهدي ومعنى المهدين الذين هدوا أي هداهم الله عزوجل لطريق الحق.
{ عضو عليها بالنواجذ } وهي أقصى الأضراس وهو كناية عن شدة التمسك بها، ثم حذر النبي
article_salla.gif
من محدثات الأمور فقال: { إياكم } أي أحذركم من محدثات الأمور، وهي ما أحدث في الدين بلا دليل شرعي وذلك لأنه لما لأمر بلزوم السنة والحذر من البدعة وقال: { فإن كل بدعة ضلالة } [رواه أبوداود والترمذي وقال حديث حسن صحيح].
وفي الحديث فوائد منها: حرص النبي
article_salla.gif
على موعظة أصحابه، حيث يأتي بالمواعظ المؤثرة التي توجل لها القلوب وتذرف منها الأعين.
ومنها: أن الإنسان المودع الذي يريد أن يغادر إخوانه ينبغي له أن يعظهم موعظة تكون ذكرى لهم، موعظة مؤثرة بليغة، لأن المواعظ عند الوداع لا تنسى.
ومنها: الوصية بتقوى الله عزوجل، فهذه الوصية هي وصية الله في الأولين والآخرين لقوله تعالى:
braket_r.gif
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه
braket_l.gif
[النساء:131].
ومنها: الوصية بالسمع والطاعة لولاة الأمور وقد أمر الله بذلك في قوله:
braket_r.gif
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
braket_l.gif
[النساء:59]... وهذا الأمر مشروط بأن لا يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة في معصية الله لقول النبي
article_salla.gif
: { إنما الطاعة في المعروف } ومن هنا نتبين الفائدة في قوله تعالى:
braket_r.gif
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
braket_l.gif
[النساء:59] ... حيث لم يعد الفعل عند ذكر طاعة أولياء الأمور بل جعلها تابعة لطاعة الله ورسوله.
ومن فوائد هذا الحديث: حرص النبي
article_salla.gif
على موعظة أصحابه كما أنه حريص على أن يعظهم أحياناً بتبليغهم الشرع، فهو أيضاً يعظهم مواعظ ترقق القلوب وتؤثر فيها.
ومنها: أن ينبغي للواعظ أن يأتي بموعظة مؤثرة في الأسلوب وكيفية الإلقاء ولكن بشرط ألا يأتي بأحاديث ضعيفة أو موضوعة، لأن بعض الوعاظ يأتي بالأحاديث الضعيفة والموضوعة يزعم بأنها تفيد تحيرك القلوب، ولكنها وإن أفادت في هذا تضر، فقد ثبت عن النبي
article_salla.gif
أنه قال: { من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن العادة إذا أراد شخص أن يفارق أصحابه وإخوانه فإنه يعظهم موعظة بليغة، لقوله: { كأنها موعظة مودع }.
ومنها: طلب الوصية من أصحاب العلم.
ومنها: أن لا وصية أفضل ولا أكمل من الوصية بتقوى الله عز وجل، قال تعالى:
braket_r.gif
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
braket_l.gif
[النساء:131]، وقد سبق شرحها , وقد سبق شرحها.
ومنها: الوصية بالسمع والطاعة لولاة الأمور وإن كانوا عبيداً لقوله
article_salla.gif
: { والسمع والطاعة وإن تأمر عليك عبدٌ } لأن السمع والطاعة لهم تنتفي به شرور كثيرة وفوضى عظيمة.
ومن فوائد الحديث: ظهور آية من آيات الرسول
article_salla.gif
حيث قال: { من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً } والذين عاشوا من الصحابة رأوا اختلافاً كثيراً كما يعلم ذلك من التاريخ.
ومن فوائد الحديث: لزوم التمسك بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام لا سيما عند الاختلاف والتفرق ولهذا قال: { فعليكم بسنتي }.
ومنها: أنه ينبغي التسمك الشديد حتى يعض عليها بالنواجذ، لئلا تفلت من الإنسان.
ومن فوائد الحديث: التحذير من محدثات الأمور، والمراد بها المحدثات في الدين، وأما ما يحدث في الدنيا فينظر فيه إذا كان فيه مصلحة فلا تحذيرمنه، أما ما يحصل في الدين فإنه يجب الحذر منه لما فيه التفرق في دين الله، والتشتت وتضيع الأمة بعضها بعضاً.
ومن فوائد الحديث: أن كل بدعة ضلالة، وأنه ليس في البدع ما هو مستحسن كما زعمه بعض العلماء، بل كل البدع ضلالة فمن ظن أن البدعة حسنة فإنها لا تخلو من أحد أمرين: إما أنها ليست بدعة وظنها الناس بدعة، وإما أنها ليست حسنة وظن هو أنها حسنة، وأما أنتكون بدعة وحسنة فهذا مستحيل بقول النبي
article_salla.gif
: { فإن كل بدعة ضلالة }.
 
الحديث الثامن و العشرون
المتنـــــــــــــــــ :
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله ! أخبرني بعملٍ يدخلني الجنه ويباعدني عن النار، قال: { لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت } ثم قال: { ألا أدلك على أبواب الخير ؟: الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل } ثم تلا:
braket_r.gif
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ
braket_l.gif
حتى بلغ
braket_r.gif
يَعْمَلُونَ
braket_l.gif
[السجدة:17،16] ثم قال: { ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ } قلت: بلى يا رسول الله، قال: { رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد }. ثم قال: { ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ } فقلت: بلى يا رسول الله ! فأخذ بلسانه وقال: { كف عليك هذا }، قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال: { ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم – أو قال : (على مناخرهم ) - إلا حصائد ألسنتهم ؟! }.
الشـــــــــــــرح :
عن معاذ بن جبل قال: قلت: ( يا رسول الله أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار ) الجنة هي الدار التي أعدها الله عزوجل لعباده المتقين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والنار هي الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين، وفيها من العذاب الشديد ما هو معلوم في الكتاب والسنة، سأل عن هذا الأمر لأنه أهم شيء عنده وينبغي لكل مؤمن أن يكون هذا أهم شيء عنده، أن يدخل الجنة ويباعد عن النار.
وهذا هو غاية الفوز لقوله تعالى:
braket_r.gif
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ
braket_l.gif
[ال عمران:185] فقال النبي
article_salla.gif
: { لقد سألت عن عظيم } أي شيء ذي عظمة وهو الفوز بالجنة والنجاة من النار ولكن قال: { وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه } ويحتمل أن يكون قوله: { عن عظيم } عن العمل الذي يدخل الجنة ويباعده عن النار { وإنه } أي ذلك العمل { ليسير عن من يسره الله تعالى عليه } أي سهل على من سهله الله عليه ثم فصل له ذلك بقوله: { تعبد الله ولا تشرك به شيئاً } وعبادة الله سبحانه وتعالى هي القيام بطاعته امتثالاً لأمره واجتناباً لنهيه مخلصاً له { لا تشرك به شيئاً } أي لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، لأنه من شرط العبادة والإخلاص له عزوجل.
والأمر الثاني: من العمل الذي يدخل الجنة ويباعد عن النار إقامة الصلاة حيث قال: { وتقيم الصلاة } ومعنى إقامتها أن تأتي بها مستقيمة تامة الأركان والواجبات والشروط وتكميلها بمكملاتها.
الأمر الثالث: { وتؤتي الزكاة } وهي المال الذي أوجبه الله عز وجل يخرجه الإنسان من أموال معينة بشروط معروفة إلى أهلها المستحقين لها، وهذا معروف في كتب العلماء رحمهم الله.
الأمر الرابع: أي شهر رمضان وهو أيضاً معلوم والصوم هو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
الأمر الخامس: { وتحج البيت } أي تقصد البيت الحرام وهو الكعبة لأداء المناسك.
وهذه أركان الإسلام الخمسة، تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت.
وشهادة أن محمداً رسول الله داخلة في شهادة أن لا إله إلا الله إذا لم تذكر معها، لأن شهادة أن لا إله إلا الله معناها لا معبود حق إلا الله ومن عبادة الله التصديق برسوله
article_salla.gif
واتباعه.
ثم قال أي النبي
article_salla.gif
: { ألا أدلك على أبواب الخير؟ } يعني على ما تتوصل به إلى الخير، كأنه قال نعم، فقال النبي
article_salla.gif
: { الصوم جُنة } يعني أنه وقاية يقي من المعاصي في حال الصوم ويقيه من النار يوم القيامة ثم قال
article_salla.gif
: { والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار } الصدقة: هي بذل المال للفقير المحتاج تقرباً لله سبحانه وتعالى وتقرباً وإحساناً إلى الفقير وهذه الصدقة تطفئ الخطيئة، أي ما أخطأ به الإنسان من ترك واجب أو فعل محرم { كما يطفئ الماء النار } وكلنا يعرف أن إطفاء الماء للنار لا يبقي من النار شيئاً، كذلك الصدقة لا تبقي من الذنوب شيئاً.
{ وصلاة الرجل في جوف الليل } أي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وجوف الليل وسطه وأفضل صلاة الليل النصف الثاني أو ثلث الليل بعد النصف الأول وقد كان داود عليه السلام ينام نصف اللي ويقوم ثلثه وينام سدسه ثم قرأ:
braket_r.gif
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونََ
braket_l.gif
[السجدة:17،16].. قرأها استشهاداً بها، و الاية كما هو ظاهر فيها أنها تتجافى جنوبهم عن المضاجع يعني للصلاة في الليل وينفقون مما رزقهم الله وهاتان هما الصدقة وصلاة الليل اللتان ذكرها رسول الله
article_salla.gif
في هذا الحديث.
ثم قال
article_salla.gif
: { ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ } قلت بلى يا رسول الله، قال: { رأس الأمر الإسلام } يعني الشأن الذي هو أعظم الشئون ورأسه الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وبالإسلام يعلو الإنسان على شرار عباد الله من الكفار والمشركينوالمنافقين، { وعموده } أي عمود الإسلام { الصلاة } لأن عمود الشيء ما يبنى عليه الشيء ويستقيم به الشيء ولا يستقيم إلا به وإنما كانت الصلاة عمود الإسلام، لأن تركها يخرج الإنسان من الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله { وذروة سنامه الجهاد } في سبيل الله والسنام ما علا ظهر البعير وذروة أعلاه وإنما ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله، لأن به يعلو المسلمون على أعدائهم.
ثم قال
article_salla.gif
: { ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ } أي بما به ملاك هذا الأمر كله، فقلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه وقال: { كف عليك هذا } يعني لا تطلقه بالكلام لأنه خطر، ( قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم؟ ) هذه جملة استفهامية والمعنى هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به ؟
فقال النبي
article_salla.gif
: { ثكلتك أمك } أي فقدتك حتى كانت ثكلى من فقدك، وهذه الجملة لا يراد بها معناها، وإنما يراد بها الحث والإغراء، على فهم ما يقال، فقال: { ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم } أو قال: { على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟ }، أوهنا للشك من الراوي هل قال النبي
article_salla.gif
: { على وجوههم } أو قال: { على مناخرهم إلاحصائد ألسنتهم } أي إلا ما تحصد ألسنتهم من الكلام والمعنى أن اللسان إذا أطلقه الإنسان كان سبباً أن يُكب على وجهه في النار والعياذ بالله.

وهذا الحديث فيه فوائد كثيرة:

حرص الصحابة رضي الله عنهم على الأعمال التي تدخلهم الجنة وتباعدهم من النار وأن هذا هو أهم شيء عندهم ولهذا سأل معاذ بن جبل النبي
article_salla.gif
عن عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار.
ومنها: إثبات الجنة والنار وهما الآن موجودتان وهما لا يفنيان أبداً.
ومنها: بيان أن سؤال معاذ بن جبل
article_ratheya.gif
عظيم لأن عوضه عظيم والعوض على قدر المعوض ولهذا قال رسول الله
article_salla.gif
: { لقد سألت عن عظيم } أي سألت عن عمل عظيم بدليل ما ترتب عليه من جزاء.
ثم بيّن النبي
article_salla.gif
أن هذا الشيء العظيم يسير على من يسره الله عليه، فيستفاد من هذا أنه ينبغي للإنسان أن يلجأ إلى الله عزوجل في طلب تيسير الأمور وليعلم أن من أسباب تيسير الله تقوى الله لقوله تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } [الطلاق:4].
ومن فوائد هذا الحديث: أن أول شيء وأعظمه توحيد الله عزوجل والإخلاص لله لقوله: { تعبد الله ولا تشرك به شيئاً }.
ومن فوائد هذا الحديث: أهمية الصلاة لأن الرسول
article_salla.gif
ذكرها بعد الإخلاص فإن قال قائل: أين الشهادةالثانية ؟ شهادة أن محمداً رسول الله، قلنا: إنها معلومة من قوله: { تعبد الله لا تشرك به شيئاً } وسبق بيان ذلك.
ومن فوائد الحديث: تقديم الزكاة على الصوم لأنها آكد.
ومن فوائد الحديث: تقديم الصوم على الحج لأنه يتكرر كل عام بخلاف الحج فإنه لا يجب إلا في مرة في العمر.
ومن فوائد الحديث: الإشارة في هذه الجملة إلى أركان الإسلام الخمسة { تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت }.
ومن فوائد الحديث: عرض المسألة على الطالب بالتشويق لقوله: { ألا أدلك على أبواب الخير ؟ }.
ومن فوائد الحديث: أن للخير أبواباً وهذه الأبواب لها مداخل وهو يشبه قول الرسول
article_salla.gif
: { الإيمان بضع وسبعون شعبة }.
ومن فوائد الحديث: أن الصوم جنة، أي مانع للصائم من اللغو والرفث ومن قول الزور والعمل به والجهل، وهو أيضاً جنة للصائم من النار يقيه النار لقوله تعالى: { الصوم لي وأنا أجزي به }.
ومن فوائد الحديث: فضيلة الصدقة لقوله
article_salla.gif
: { والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن صلاة الرجل في جوف الليل تطفئ الخطيئة لقول النبي
article_salla.gif
: { والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل }.
ومن فوائد الحديث: أن النبي
article_salla.gif
يستدل بالقرآن لأنه تلى قوله تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونََ } [السجدة:17،16].
ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي
article_salla.gif
يعرض المسائل بصيغة الاستفهام لتنبيه المخاطب كما مر في هذا الحديث.
ومن فوائد هذا الحديث: { أن الأمر } أي شأن الخلق له رأس وله عمود وله ذروة سنام { فرأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة } يعني عمود الإسلام الصلاة، { وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن تارك الصلاة كافر لقوله
article_salla.gif
: { وعموده }أي عمود الإسلام { الصلاة } ومعلوم أن العمود إذا سقط سقط البنيان وهذا القول الراجح من أقوال أهل العلم بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله
article_salla.gif
وأقوال الصحابة وقد بينا ذلك في رسالة لنا في هذا الأمر.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الجهاد في سبيل الله فيه علو الإسلام ورفعته لقوله: { ذروة سنامه الجهاد }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الذي يملك هذا كله هو حفظ اللسان لقوله
article_salla.gif
: { ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ } فقلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلساني وقال: { كف عليك هذا }.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز التعليم بالإشارة، لأنه
article_salla.gif
أخذ بلسان نفسه وقال: { كف عليك هذا }.
ومن فوائد هذا الحديث: خطر اللسان على الإنسان لقوله
article_salla.gif
: { ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم } أو قال: { على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟! }.
ومن فوائد هذا الحديث: تحري ما نقل في الحديث من أقوال رسول الله
article_salla.gif
حيث قال: { على وجوههم أو على مناخرهم }، وهذا يدل على الأمانة التامة في نقل الحديث، والحمد لله.
 
الحديث التاسع و العشرون
المتنــــــــــــــــــ :
عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه، عن رسول الله
article_salla.gif
، قال: { إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها }.
الشــــــــــــــرح :
قوله
article_salla.gif
: { إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها } أي: أوجب إيجاباً حتمياً على عباده فرائض معلومة ولله الحمد كالصلوات الخمس والزكاة والصيام والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام وغيرذلك.
{ فلا تضيعوها } أي: لا تهملوها إما بالترك أو بالتهاون أو ببخسها أو نقصها.
{ وحد حدوداً } أي: أوجب واجبات وحددها بشروط وقيود.
{ فلا تعتدوها } أي: لا تتجاوزوها.
{ وحرم أشياء فلا تنتهكوها } حرم أشياء مثل الشرك وعقوق الوالدين وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق والخمر والسرقة وأشياء كثيرة.
{ فلا تنتهكوها } أي: فلا تقعوا فيها، فإن وقوعكم فيها انتهاك لها.
{ وسكت عن أشياء } أي: أي لم يفرضها ولم يوجبها ولم يحرمها.
{ رحمةً بكم } من أجل الرحمة والتخفيف عليكم.
{ غير نسيان } فإن الله تعالى لا ينسى كما قال موسى عليه الصلاة والسلام:
braket_r.gif
لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى
braket_l.gif
[طه:52] فهو تركها جل وعلا رحمةً بالخلق، وليس نسيان لها.
{ فلاتسألوا عنها } أي: لا تبحثوا عنها.

فوائد هذا الحديث:

حسن بيان الرسول
article_salla.gif
، حيث ساق الحديث بهذا التقسيم الواضح البين.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الله تعالى فرض على عباده فرائض أوجبها عليهم على الحتم واليقين، والفرائض قال أهل العلم: أنها تنقسم إلى قسمين: فرض كفاية، وفرض عين. فأما فرض الكفاية: فإنه ما قصد فعله بقطع النظر عن فاعله، وحكمه إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وفرض العين هو: ما قصد به الفعل والفاعل ووجب على كل أحد بعينه.
فأما الأول: فمثله الآذان والإقامة وصلاة الجنازة وغيرها.
وأما الثاني: فمثل الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج.
وقوله: { وحد حدوداً } أي: أوجب واجبات محددة ومعينة بشروطها.
فيستفاد من هذا الحديث: أنه لا يجوز للانسان أن يتعدى حدود الله، ويتفرع من هذه الفائدة أنه لا يجوز المغالاة في دين الله، ولهذا أنكر النبي
article_salla.gif
على الذين قال أحدهم: ( أنا أصوم ولا أفطر )، وقال الثاني: ( أنا أقوم ولا أنام )، وقال الثالث: ( أنا لا أتزوج النساء ) أنكر عليهم وقال: { وأما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني }.
ومن فوائد الحديث: تحريم انتهاك المحرمات لقوله: { فلا تنتهكوها } ثم إن المحرمات نوعان كبائر وصغائر:
فالكبائر: لا تغفر إلا بالتوبة، والصغائر: تكفرها الصلاة والحج والذكر وما أشبه ذلك
ومن فوائد الحديث: أن ما سكت الله عنه فهو عفو، فإذا أشكل علينا حكم الشي هل هو واجب أم ليس بواجب ولم نجد له أصلاً في الوجوب؛ فهو مما عفا الله عنه، وإذا شككنا هل هذا حرام أم ليس حراماً وهو ليس أصله التحريم؛ كان هذا أيضاً مما عفا الله عنه.
ومن فوائد الحديث: إنتفاء النسيان عن الله عز وجل، وهذا يدل على كمال علمه وأن الله عز وجل بكل شئ عليم فلا ينسى ما علم ولم يسبق علمه جهلاً، بل هو بكل شئ عليم أزلاً وأبداً.
ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي في البحث والسؤال إلا ما دعت إليه الحاجة، وهذا في عهد النبي
article_salla.gif
؛ لأنه عهد التشريع ويخشى أن أحداً يسأل عن شئ لم يجب فيوجبه من أجل مسألته أو لم يحرم فيحرم من أجل مسألته ولهذا نهى النبي
article_salla.gif
عن البحث عنها فقال: { فلا تبحثوا عنها }.
 
الحديث الثلاثون
المتنــــــــــــــــ :
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي
article_salla.gif
، فقال: ( يا رسول الله ! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس )؛ فقال: { ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس }.
الشـــــــــــرح :
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي
article_ratheya.gif
قال: جاء رجل إلى النبي
article_salla.gif
ولم يبين اسم الرجل؛ لأنه ليس هناك ضرورة إلى معرفته إذ أن المقصود معرفة الحكم ومعرفة القضية فقال: ( يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ) وهذا الطلب لا شك أنه مطلب عالي يطلب فيه السائل ما يجلب محبة الله له وما يجلب محبة الناس له، فقال له النبي
article_salla.gif
: { ازهد في الدنيا } يعني: اترك في الدنيا ما لا ينفعك في الآخرة وهذا يتضمن أنه يرغب في الآخرة؛ لأن الدنيا والآخرة ضرتان إذا زهد في إحداهما فهو راغب في الأخرى بل هذا يتضمن أن الإنسان يحرص على القيام بأعمال الآخرة من فعل الأوامر وترك النواهي ويدع ما لا ينفعه في الآخرة من الأمور التي تضيع وقته ولا ينتفع بها. أما ما يكون سبباً لمحبة الناس فقال: { ازهد فيما عند الناس يحبك الناس } فلا يطلب من الناس شيئاً ولا يتشوق إليه ولا يستشرف له ويكون أبعد الناس عن ذلك حتى يحبه الناس؛ لأن الناس إذا سئل الإنسان ما في أيديهم استثقلوه وكرهوه، وإذا كان بعيداً عن ذلك فإنهم يحبونه.
من فوائد هذا الحديث: حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي
article_salla.gif
فيما ينفعهم.
ومن فوائده: أن الإنسان بطبيعة الحال يحب أن يحبه الله وأن يحبه الناس ويكره أن يمقته الله ويمقته الناس فبين النبي
article_salla.gif
ما يكون به ذلك.
ومن فوائد هذا الحديث: أن من زهد في الدنيا أحبه الله؛ لأن الزهد في الدنيا يستلزم الرغبة في الآخرة، وقد سبق معنى الزهد: وأنه ترك ما لاينفع في الآخرة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الزهد فيما عند الناس سبب في محبة الناس لك.
ومن فوائد هذا الحديث: إن الطمع في الدنيا والتعلق بها سبب لبغض الله للعبد وإن الطمع فيما عند الناس والترقب له يوجب بغض الناس للإنسان، والزهد فيما في أيديهم هو أكبر أسباب محبتهم.
 
عودة
أعلى