الحديث الخامس و الثلاثون
المتنــــــــــــــــــــ :
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي
قال:
{ من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كر
ب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلي الجنه، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينه، وغشيتهم الرحمه، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه }.
الشــــــــــــــــرح :
قال النووي رحمه الله تعالى في الأربعين النووية الحديث السادس والثلاثون، عن أبى هريرة
عن النبي
قال:
{ من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم } والكرب يعني: الشدة والضيق والضنك، والتنفيس معناه: إزالة الكربة ورفعها، وقوله:
{ من كرب الدنيا } يعم المالية والبدنية والأهلية والفردية والجماعية.
{ نفس الله عنه } أي: كشف الله عنه وأزال.
{ كربة من كرب يوم القيامة } ولا شك أن كرب يوم القيامة أعظم وأشد من كرب الدنيا، فإذا نفس عن المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
{ ومن يسر على معسر } أي: سهل عليه وأزال عسرته.
{ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة } وهنا صار الجزاء في الدنيا والآخرة وفي الكربكربة من كرب يوم القيامة ؛ لان كرب يوم القيامة عظيمة جدا.
{ ومن ستر مسلماً } أي: ستر عيبه سواء أكان خلقيا أو خلقيا أودينيا أو دنيويا إذا ستره وغطاه حتى لا يتبن للناس.
{ ستره الله في الدنيا والآخرة } أي: حجب عيوبه عن الناس في الدنيا والآخرة.
ثم قال
كلمة جامعه مانعة قال:
{ والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه } أي: أن الله تعالى يعين الإنسان على قد معونته أخيه كما وكيفا وزمنا، فما دام الإنسان في عون أخيه فالله في عونه، وفي حديث آخر:
{ من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته }.
و قوله:
{ من سلك طريقا يلتمس فيع علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة } يعني: من دخل طريقا وصار فيه يلتمس العلم والمراد به العلم الشرعي، سهل الله له به طريقا إلى الجنة، لان الإنسان علم شريعة الله تيسر عليه سلوكها، ومعلوم أن الطريق الموصل إلى الله هو شريعته، فإذا تعلم الإنسان شريعة الله سهل الله له به طريقا إلى الجنة.
{ وما اجتمع قوم قي بيت من بيوت الله } المراد به المسجد فإن بيوت الله هي المساجد، قال الله تعالى:
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36]، وقال تعالى:
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [البقرة:114] ... فأضاف المساجد إليه؛ لأنها موضع ذكره.
قوله:
{ يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم } يتلونه: يقرءونه ويتدارسونه أي: يدرس بعضهم على بعض.
{ إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة } نزلت عليهم السكينة يعني: في قلوبهم وهي الطمأنينة والاستقرار، وغشيتهم الرحمة: غطتهم وشملتهم.
{ وحفتهم الملائكة } صارت من حولهم.
{ وذكرهم الله فيمن عنده } أي: من الملائكة.
{ ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه } أي: من تأخر من أجل عمله السيئ فإن نسبه لا يغنيه ولا يرفعه ولا يقدمه والنسب هوالانتساب إلى قبيلة ونحو ذلك.
في هذا الحديث فوائد : الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين لقوله
:
{ من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة }.
ومن فوائده: الإشارة الى يوم القيامة وأنها ذات كرب وقد بين ذلك الله تعالى في قوله:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2،1].
ومن فوائد هذا الحديث: تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة ؛ لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمينو يقام فيه العدل و يقوم الأشهاد .
ومن فوائد الحديث: الترغيب في التيسير على المعسرين لقوله
:
{ من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخره } والتيسير على المعسر يكون بحسب عسرته؛ فالمدين مثلا الذي ليس عنده مالا يوفي به يكون التيسيرعليه إما بإنظاره ، و إما بإبرائه و إبراؤه أفضل من إنظاره ، و التيسير على من أصيب بنكبة أن يعان في هذه النكبة و يساعد و تهون عليه المصيبة و يعود بالأجر و الثوابوغير ذلك ، المهم أن التيسير يكون بحسب العسرة التي أصابت الإنسان.
ومن فوائد هذا الحديث: الترغيب في سترالمسلم لقوله
:
{ من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة } والمراد بالستر: هو إخفاء العيب، ولكن الستر لا يكون محمودا إلا إذا كان فيه مصلحة ولم يتضمن مفسده، فمثلا المجرم إذا أجرم لا نستر عليه إذا كان معروفا بالشر والفساد، ولكن الرجل الذي يكون مستقيما في ظاهره ثم فعل ما لا يحل فهنا قد يكون الستر مطلوبا؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة، فالإنسان المعروف بالشر والفساد لا ينبغي ستره، والإنسان المستقيم في ظاهره ولكن جرى منه ما جرى هذا هو الذي يسن ستره.
ومن فوائد الحديث: الحث على عون العبد المسلم وأن الله تعالى يعين المعين حسب إعانته لأخيه لقوله
:
{ والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه } وهذه الكلمة يرويها بعض الناس: ما دام العبد ولكن الصواب ما كان العبد في عون أخيه كما قال
.
ومن فوائد الحديث: الحث على طلب العلم لقوله
:
{ من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة } وقد سبق في الشرح معنى الطريق وأنه قسمان حسي ومعنوي.
ومن فوائد الحديث: فضيلة اجتماع الناس على قراءة القران لقوله:
{ وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله }.
ومن فوائد الحديث: أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت الله أي: في مسجد من المساجد لينالوا بذلك شرف المكان لأن أفضل البقاع مساجدها.
ومن فوائد الحديث: بيان حصول هذا الأجر العظيم تنزل عليهم السكينة وهي الطمأنينة القلبية وتغشاهم الرحمة أي: تغطيهم وتحفهم الملائكة أي: تحيط بهم من كل جانب ويذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة لأنهم يذكرون الله تعالى عن ملأ، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي:
{ من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم }.
من فوائد الحديث: أن النسب لا ينفع إذا لم يكن العمل الصالح لقوله:
{ من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه }.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنفسه وأن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به الدرجات العلى.