" أينما حل العرب، حل الخراب" ؟!.
في كثير من الأحيان ، يحاول المرء أن يتجمل ، ويحسن في خطابه وردوده ، كي لا يسيء لأحد ، لكن بعض الطروحات لا تترك خيارا سوى الرد بالحقيقة ، كما هي ، دون تزيين أو مداراة ، أو ما يسمى العلاج بالصدمة!.
حل العرب في أفريقيا ، وحل معهم الإسلام ، في حين كان للبربر زعيمة كاهنة ، سعت لتوطيد علاقة أخوية وهمية بينهم وبين العرب عبر الرضاعة ، فلما فشلت الرضاعة ، لجأت إلى حرق الأرض وتدمير المدن البربرية ، مخافة أن يستفيد منها العرب ، فأي "عمار" ذلك الذي يفدي الأرض بالحرق خشية أن يستفيد منها من يخالفك في العقيدة؟! ، فمن هم أهل الخراب أينما حلوا؟!.
لا أريد النيل من الذاكرة الإسلامية الجامعة بيننا وبينكم ، ولكن بعض الحقائق لا يمكن تجاهلها ببساطة ، ألم تسمع - يا أستاذ - بنهب قوافل الأندلس لمصر ، ونهب المدن وحرق الأراضي الزراعية من قبل قبائل صنهاجة وزناتة وماسناوة ، وغيرهم من القبائل البربرية ، بل وحتى قتل أفراد من القبائل المنافسة ، وفرضوا الإتاوات على التجار والمسافرين ، فهل كانت هذه السلوكيات ثمرة عربية ، أم أنها جزء من تاريخكم القبلي السابق؟!.
ألم تسمع بالخوارج البربر ، وماذا ارتكبوا من الفظائع في دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم ، فهل هذا ما علمكم إياه العرب من الإسلام؟!.
هل نسيت ثورة ميسرة المطغري ، والدماء والنهب التي تم فيها؟!.
ألم تقرأ ، أو تسمع أن الدولة الموحدية (وهي بربرية في الأصل) ، فهي من كانت تطارد القبائل البربرية بسبب جرائمهم ضد الأمن العام ، ومنعت بعض الهجرات القبلية البربرية بسبب تحولها إلى عصابات سطو ؟!.
جاء العرب ، فبنوا القيروان ، وفاس ، وقرطبة ، والزهراء ، في حين ، كتب إيف غروتيرون عنكم : فشل البربر في تأسيس حضارة مستقلة ، رغم امتلاكهم الأرض والثروات .
وحتى الدول التي حكمها بربر ( كالموحدين والمرابطين) عندما تبنت العربية كلسان رسمي ، والإسلام كمنهج حكم ، واستعانت بعلماء عرب ، وكتبت بالخط العربي ، جعلت تأكيد المستشرق برنارد لويس ، صحيحا مقررا ، حيث يقول:
"لم يعرف التاريخ الإسلامي في المغرب الازدهار إلا بعد انخراط الأمازيغ في الثقافة العربية الإسلامية ، والتي وفرت لهم أدوات الحكم والعلم."
قراءة التاريخ المنصفة تبين أن العرب ، أينما حلوا وارتحلوا ، لم يحملوا إلا العمار لا الخراب ، فحملوا القرآن والعلم واللغة والنظام ، وأن البربر – على فضل كثير منهم ، وبدون إساءة لهم – لم يعرفوا الدولة إلا عندما دخلوها من باب الحضارة العربية الإسلامية ، فهذا خوان غويتيسولو يقول :
"لولا دخول العرب إلى شمال إفريقيا، لظلت المنطقة قبائل متناحرة في الجبال".
فالخراب لم يأتِ من حيث جاء العرب ، بل كان سمة فرقة القبائل البربرية منذ الأزل ، وسلوك من لم يعرف من الحكم إلا السلب ، ولا من الدولة إلا الغنيمة ، وهذا تاريخكم وهذه سرديتكم ، وليست من عندي ، فعن أي خراب تتحدث؟!.
أما الحضارة، فقد بدأت حين وضعت أول لبنة في القيروان ، لا حين أحرقت الكاهنة الأرض ، وشتان بين هذا وذاك.
تشير المصادر التاريخية إلى تطور النظرة للكاهنة (ديهيا) عبر الزمن. وفقاً لابن خلدون والمصادر العربية المتأخرة، تحولت صورة الكاهنة من مجرد معارضة للفتح الإسلامي إلى شخصية قيادية تمت إعادة تقييمها تدريجياً. فالمؤرخ التونسي هشام جعيط يرى أن الكاهنة فرضت نفسها عبر خصالها التنبؤية وكفاءتها في القيادة، وأن مقاومتها كانت "دفاعا بسيطا عن الحياة والحرية". هذا لا ينفي أن انتصار المسلمين أدى إلى "ولادة بلاد المغرب في التاريخ والحضارة عن طريق الإسلام".
الثورات البربرية: سياق وأسباب
ثورة ميسرة المطغري (740م) لم تكن مجرد تمرد عشوائي، بل كانت ردة فعل على السياسة الضريبية الجائرة للولاة الأمويين. المصادر التاريخية تؤكد أن السبب الرئيسي كان فرض الجزية والخراج على البربر المسلمين كما لو كانوا أهل ذمة، مما يعد مخالفة للشريعة الإسلامية. فهذه السياسات الاستثنائية لا تمثل الإسلام الحقيقي، بل كانت انحرافاً إدارياً أدى إلى ردود أفعال مفهومة من الناحية التاريخية.
الإنجازات الحضارية للدول الأمازيغية
على عكس الادعاءات المطروحة، فإن الدولة الموحدية (1130-1269م) والمرابطين قدموا إنجازات حضارية عظيمة:
المرابطون
- كانوا من الأمازيغ ولكنهم تبنوا العربية كلغة رسمية واستعانوا بعلماء عرب
- أسسوا مراكش عام 1062م وجعلوها عاصمة مزدهرة
- وحدوا المغرب الأقصى والأندلس تحت حكم واحد
الموحدون
- أسسها ابن تومرت من قبيلة مصمودة الأمازيغية
- شيدوا معالم معمارية خالدة مثل صومعة حسان والجيرالدا
- بلغت دولتهم أوجها الثقافي والعلمي في عهد يعقوب المنصور
دولة بني حماد
- أول دولة أمازيغية مستقلة في المغرب الأوسط
- بنوا القلعة وبجاية وتركوا منشآت عمرانية بارزة
- شهدت ازدهاراً اقتصادياً وثقافياً