بسم الله الرحمن الرحيم
الفتى الذي حلم بالسماء
في عام 1918، وُلد محمد عبد الحميد أبو زيد الفيتوري في قرية هادئة بالدلتا. كان فتى يحدق إلى الطيور الحرة، يحلم بالتحليق مثلهم. في أواخر الثلاثينيات، خطا خطوته الأولى نحو الحلم بالالتحاق بكلية الطيران العسكري. تحت أعين المدربين البريطانيين، صقل مهاراته، وفي 17 يناير 1940، أصبح عضوًا في السرب الخامس بالقوات الجوية الملكية المصرية. بدأ بقيادة طائرات "جلاديتور" العتيقة، ثم انتقل إلى "هوريكان" و"سبيتفاير"، ليصل أخيرًا إلى هوكر سي فوري، الطائرة التي ستكتب اسمه في التاريخ.
في صيف 1943، خاض تجربته الأولى في الحرب العالمية الثانية، يحلق فوق الصحراء الغربية لدعم الحلفاء. كانت تلك الطلعات مدرسة النار التي شكلت منه مقاتلاً لا يهاب المخاطر.
سماء فلسطين: معركة 1948
عندما أعلنت إسرائيل قيام دولتها في 15 مايو 1948، اندلعت حرب فلسطين، وكانت مصر في قلب المعركة. لكن الجيش المصري واجه تحديات قاسية: طائرات قليلة، إمدادات محدودة، وتنسيق ضعيف بين الجيوش العربية. في المقابل، كانت إسرائيل تمتلك تخطيطًا دقيقًا ودعمًا خارجيًا.
القوات المصرية: شجاعة تحت الضغط
- القوات الجوية: أسطول صغير من 20-30 طائرة "سبيتفاير"، بعض "هوريكان"، و10-12 "هوكر سي فوري". عانت من نقص الطيارين (50-60 فقط) وضعف الصيانة، لكنها نفذت غارات جريئة على تل أبيب ودعمت القوات البرية.
- القوات البرية: 10,000-15,000 جندي، بدبابات "شرمان" و"ماتيلدا". سيطرت على غزة، لكنها تراجعت تحت ضغط هجمات إسرائيل مثل "هوريف".
- القوات البحرية: فرقاطة "مصر" وزوارق دورية، ركزت على حماية السواحل، لكن تأثيرها كان محدودًا.
صورة تذكارية نادرة لعدد من أبطال القوات الجوية الملكية المصرية المشاركين حرب فلسطين عام 1948 يجلسون فوق إحدى الطائرات المقاتلة من طراز سوبر مارين سبيتفاير
القوات الإسرائيلية: المرونة والتخطيط
- القوات الجوية: بدأت بطائرات خفيفة مثل "أوستر"، ثم حصلت على "أفيا S-199" و"سبيتفاير". طيارو "ماهال" الأجانب عززوا فعاليتها.
- القوات البرية: 80,000 جندي بحلول نهاية 1948، مع تدريب جيد وأسلحة تشيكوسلوفاكية.
- القوات البحرية: زوارق صغيرة، ركزت على حماية السواحل.
أفيا S-199
اللحظة التي غيرت التاريخ
في 22 مايو 1948، تولى عبد الحميد قيادة السرب الثاني. كان شابًا في الثلاثين، عيناه تلمعان بالعزيمة. في 4 يونيو، أقلع من مطار العريش لحماية السفينة "مصر". فجأة، رصد طائرة إسرائيلية خفيفة تحوم كالصقر. لم يتردد. بمناورة خاطفة، اقترب بطائرته "هوكر سي فوري"، وأطلق مدافعها. تحطمت الطائرة الإسرائيلية، معلنة أول إسقاط عربي لطائرة إسرائيلية في التاريخ. تلك اللحظة كانت صرخة في سماء فلسطين: مصر لن تستسلم.
في 7 يونيو، كرر إنجازه بإسقاط طائرة "أوستر J-1" بدقة قاتلة. يُنسب إليه إسقاط ثالث في 19 أكتوبر، لكنه غير مؤكد بسبب استشهاده في ذلك اليوم.
صورة للشهيد البطل مع طائرته التى توثق ما قام به خلال حرب 48
غارات الثأر
عندما قصفت إسرائيل قطار جرحى في العريش، قرر عبد الحميد الرد. قاد غارة على تل أبيب في يوم سبت مشمس، حيث حلق منخفضًا، متحديًا المضادات الجوية. الروايات الشعبية تتحدث عن "نادٍ مكتظ"، لكن الهدف كان على الأرجح موقعًا استراتيجيًا. أطلق قنابله بدقة، وعاد إلى قاعدته كبطل. نفذ حوالي 72 طلعة، بما في ذلك 37 عملية قصف على تل أبيب، يافا، ومستعمرات النقب.
اثار احد الغارات المصريه علي تل ابيب
تحليل تكتيكي: عبقرية في السماء
- القتال الجوي: استخدم عبد الحميد سرعة "هوكر سي فوري" (460 ميل/ساعة) ومدافعها القوية لإسقاط طائرات خفيفة. مناورته في 4 يونيو، "هجوم الغوص"، أظهرت مهارته في استهداف أهداف بطيئة بدقة.
- القصف: ركز على أهداف استراتيجية مثل تل أبيب، مستخدمًا القصف المنخفض لتجنب الرادارات البدائية. غارته على تل أبيب تطلبت شجاعة لمواجهة المضادات الجوية.
- التحديات: واجه نقص الاستخبارات والذخيرة، لكنه عوض ذلك بمهارته وتنسيقه مع فرق الصيانة في ألماظة.
مقارنة مع الأبطال
- عبد المنعم الشرقاوي: صديق ومنافس عبد الحميد، أسقط طائرات إسرائيلية وركز على دعم القوات البرية. بينما كان عبد الحميد رائد الإسقاطات، كان الشرقاوي سندًا للجيش.
- محمد عز الدين وحسن حافظ: نفذا طلعات قصف واستطلاع، لكنهما لم يحققا شهرة عبد الحميد.
- مودي ألون (إسرائيل): قائد السرب 101، أسقط طائرات عربية بفضل دعم لوجستي أفضل. لكن عبد الحميد تفوق في ظل قيود هائلة.
الرحيل إلى المجد
في 19 أكتوبر 1948، أقلع عبد الحميد في طلعته الأخيرة. حلق فوق فلسطين، لكن طائرته لم تعد. الروايات الإسرائيلية تقول إنها غرقت في البحر، ربما بنيران مضادات أو عطل. لكن في قلوب المصريين، استشهد كبطل، يحلق إلى الأبد في سماء المجد.
التكريم
شارع في الإسكندرية يحمل اسمه، وقرية في البحيرة (تحتاج تأكيدًا). إرثه يعيش كرمز للشجاعة، ملهمًا أجيال الطيارين.