لأي مدى ستذهب تركيا في الدفاع عن دمشق؟
هذا السؤال يعد السؤال المفصلي الذي سيترتب عليه مستقبل سوريا في الامد القريب إلى المتوسط.
بعد توقيع الاتفاق بين الشرع و عبدي ظهر الامتعاض التركي من هذا الاتفاق على لسان مسؤولين في وزارة الدفاع التركية، هذا الاتفاق يشي بأن تركيا فوجئت به و لم تكن على علم مسبق بحدوثه، يشير إلى ذلك التصريحات التركية المرحبة بحذر و المنتظرة تطبيقات الاتفاق على ارض الواقع لتحكم عليه.
هذا الاتفاق يشير إلى بداية خلاف في طريقة إدارة سوريا بين الشرع و فريقه من طرف و الحكومة التركية من طرف، قد تكون أحداث الساحل هي التي قدحت شرارة هذا الخلاف، لأن العمشات و الحمزات المتهمين بمجازر ضد المدنين في الساحل إنما هم تربية و تدريب و تسليح الجيش التركي، و هم رأس حربة أي عمل تركي ضد أكراد سوريا.
عدم انضباط هذه القوة و عدم امتثالها لأوامر سلطات دمشق تشي أنهم لا يأخذون الأوامر إلا من تركيا، و انخراطهم في عملية الساحل هي من قبيل مساعدة حليف لحليف و ليس من قبيل أوامر صادرة من وزارة دفاع لقوات تعمل تحت إمرتها.
التحقيق الذي ستجريه الهيئة المشكلة للتحقيق في أحداث الساحل ستكون اختبارا حقيقيا لمدى انصياع العمشات و الحمزات لسلطة دمشق، هل سيقبلون تسليم جنودهم ممن ثبت تورطه بدماء الأبرياء لسلطات دمشق ليحاكموا؟
إن لم يسلموهم هل ستحمي تركيا قرارهم؟
هل ستضغط تركيا عليهم لتسليم المتهمين و تدخل في توترات مع أهم فصيل سوري تابع لتركيا و قاتل دفاعا عن المصالح التركية لسنوات على الاراضي السورية؟
من زخم هذه الأسئلة ندرك أن هناك شرخا قد حصل بين دمشق و أنقرة، و قدوم وفد تركي عالي المستوى لدمشق البارحة هو لتدارك هذا الشرخ الممتد من احداث الساحل غربا للاتفاق التاريخي بين دمشق و قسد شرقا.
هذا لا يعني أن علاقات دمشق و أنقرة باتت في مهب الريح، بل هذا يعني وجود استقلالية معينة بالقرار السوري عن الأتراك، ووجود ملفات توافق و ملفات اختلاف بين أي دولتين هو شيء معروف و طبيعي بين كل دول العالم، خصوصا الدول الجارة.
لكن هذه الأحداث ترجعنا للسؤال الأول، لأي مدى ستذهب تركيا في الدفاع عن دمشق؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نردفه بسؤال اخر، الدفاع عن دمشق ضد من؟
إذا كان ضد إيران، فتركيا ستذهب لأبعد مدى و لن تسمح بعودة إيران العسكرية لسوريا بأي شكل من الأشكال، و المعركة الدبلوماسية التركية-الإيرانية الأخيرة مؤشر على ذلك.
أما إذا كان ضد إسرائيل، فهنا ستتمهل تركيا، فهي غير قادرة عسكريا على المواجهة مع إسرائيل، لا يوجد لدى الأتراك حاليا ما يقارع F-35 الإسرائيلية، تركيا تتعامل بمنتهى الحذر في جميع الملفات التي تتدخل فيها عسكريا، فهي لا تورط جيشها في معارك غير متكافئة، و هنا نتذكر عندما أرادت قوات الوفاق في ليبيا أن تتجاوز خط سرت-الجفرة متوجهة نحو الشرق الليبي قامت طائرات الرافال المصرية بضربهم، و عندها انسحبت هذه القوات و أدركت تركيا أن هذه حدودها التي لا تستطيع تجاوزها و إلا ستدخل في معركة مباشرة مع الرافال المصرية، و لا تملك في اسطولها الجوي في ذلك الوقت ما يقارع الرافال.
و ما حدث في ليبيا سيتكرر في سوريا، تركيا اليوم غير قادرة على إغلاق سماء سوريا بوجه إسرائيل، كما أن تركيا لا تريد التورط بأي حرب شاملة مع أي دولة لأنها تدرك أن أي حرب شاملة في الوقت الحالي تعني تعثر مشاريعها الدفاعية و خصوصا مشروع كآن مقاتلة الجيل الخامس.
بمجرد نضوج هذه المقاتلة و دخولها الخدمة بأعداد كبيرة ستتغير لهجة تركيا السياسية كثيرا، لذلك تدرك تركيا أنه يُراد توريطها بحرب شاملة تسمح أحداثها بضرب صناعة الدفاع التركية في مقتل.
لذلك تناور تركيا في كل المحاور المتاحة لكنها لا تصل ابدا لمرحلة الحرب الشاملة مع دولة قادرة على ضرب مؤسسات صناعة الدفاع التركية.
في ضوء هذه القراءة قد نصل لحقيقة أن تركيا لن تقف بوجه إسرائيل بشكل حاسم، و قد تقبل -على مضض- أن تحتل إسرئيل الجنوب السوري، و ستدرب الجيش السوري و تسلحه تدريجيا بما لا يغضب إسرائيل لحين ان تنضج المقاتلة كآن و يصبح لدى تركيا ما يقارع F-35 و يغلق سماء ما تبقى من سوريا بوجه إسرائيل، حينها نستطيع أن نقول أن إسرائيل ستبدأ بالانحسار الجغرافي لأول مرة في تاريخها.