حسين ميزومورتو يقذف القنصل الفرنسي 1688
يقول صالح عباد و ابن رقية التلمساني ان الداي ميزومورتو في 1684 لم يرد الصلح مع الفرنسيس منذ البداية و كان يميل إلى مواصلة الحرب الا انه لاقى معارضة من الأوجاق ، لم يدم السلم ، فقد نشبت الحرب مرة ثانية في 1688
إستولى رياس البحر في مارس 1687 على سفينة كانت قرب ساحل مدينة الجزائر بعدما تحققوا بأنها كانت موجهة للتجسس على الأسطول الجزائري و قد كانت هذه السفينة تعمل في خدمة البندقية غير أنها تحمل جواز سفر فرنسي، أُرسلت رسالة بها ختم الباشا ميزمورتو و الداي ابراهيم خوجة إلى وزير البحرية الفرنسية :
« وصل ، تحت علم فرنسا ، سفينة (تجارية) من المشرق ، تم شراؤها في البندقية و تجهيزها في مالطا ، مع 32 من أفراد الطاقم، لقد علمنا منذ أكثر من شهرين أنها ستأتي للجوسسة ، لمراقبة طلعاتنا و التأكد من أننا سنرسل سفننًا لخدمة السلطان ، وكل هذا بأمر من البندقية، من أجل إبقاء أسطولهم على إستعداد بالممر و بالتالي مفاجأة سفننا ... أنت تعرف جيدًا الطريقة التي يجب أن يعاقب بها هؤلاء الأشخاص ومع ذلك ، أطلقنا سراحهم و سمحنا لهم بالقيام بأعمالهم وتركنا للقبطان حرية بيع بضاعته ، بقصد فحص الأمر بشكل أكثر شمولاً ... لم يسمع أحد عن وجود مثل هكذا سفينة في فرنسا من قبل ... أنت تدرك جيدًا أن هذا يتعارض بشكل مباشر مع اتفاقنا مع الإمبراطور »
ارسل قائد القوات البحریة الفرنسـیة هو الآخر رسـالة إلى الـدیوان یخبـرهم فیهـا عـن اسـتیلائه علـى سـفینة جزائریة تحمل جـوازات قدیمـة محاولا اسـتغلال ذلك الوضـع لتنفیذ مطالبـه ، جاء في رسالتـه :
« أُرسل هذه السفينة إلى الجزائر لإعلام حضرتكم بأنني أوقفت إحدى سفنكم لأن جواز سفرها كان قديمًا جدًا. أود أن أشتكي كذلك من أنني وجدت في السفينة المذكورة عددًا كبيرًا من الفرنسيين الذين تم نقلهم كركاب على متن سفن هولندية ، والذين ، على الرغم من أن المعاهدة تظمن لهم حريتهم إلا انهم و مع ذلك كانوا يعتبرون عبيدًا مع المزيد من القسوة عكس الإنجليز الذين أخذوا في نفس المناسبة و لم يتم تقييدهم بالسلاسل مثلهم »
رد عليـه الحاج میـزومورتـو :
« لـیس بعمـل كبیـر أن یتـم الاسـتیـلاء في زمـن السـلم علـى ســفینة تابعــة لدولــة كـدولتنا و إحتجاز سفنية لن يؤدي إلى تسول الدولة و هــذا العمـل فبـالرغم مــن ذلـك لا یلیـق بسـیادتكم لأنـه جدیر باللص لقد كنتم تلقبونـنا باللـصوص و لكـن الآن - الحمد لله - قد انتقلت هذه الصفة منا إليكم و افعلـوا إذن كل ما بـدا لكم و تجنبوا فقط ما ســوف تندمـون علیه فیـما بـعـد »
علِم ميـزومورتو أن بعض من قناصلة الدول التي كانـت في فترة سلم مع الجـزائـر ( من بينها فرنسا ) يقومـون بتزوير جـوازات سفر لصالح سفـن الـدول التي كانت في حرب مع الجزائر حتى تستفيد من مـرور آمن في البحر.
إقتحم ميـزمـورتــو القنصلية الفرنسية و أعتقل القنصل أندري بيول و 372 فرنسي، قيدهم بالسلاسل و أرسلهم للعمل في المحاجـر ، بيعت 11 سفينة فرنسية كانت في الميناء مع حمولتهـا و أرسل طواقمـها للعمل في المحاجر
بعد عودته من فرنسا بيومين ،كتب دينيس دوسو حاكم حصن القالـة (bastion de france) ثـلاث رسائل إلى الـداي و الباشا و الديـوان ، في محاولــة منه للضغـط عليهـم من أجل اطلاق سـراح القنصل ، يحـذرهم فيها من مغبة ما قد يحدث للقنصل الفرنسي و ينصحهم الى الإستماع لصوت المنطق ، رد عليه حكـام الجزائـر في رسالة واحدة :
« نحـن ، باشـا ، داي و ديـوان ، لقد تلقينا رسائلك الوقحة نود حقًا أن نعرف من أتت لتحرر بنفسك كي تعطينا النصائح ... من غير المناسب لك أن تتدخل في إعطائنا نصائح مفيدة كما تقول .. يجب ألا يكون لديك أي آراء أخرى غير تجارتك ولا تجعل نفسك رجل دولة
. .. نريد أن نحذرك بشكل من أنه حتى عندما نأتي لإنهاء العمل مع الإمبراطور ، سيدك ، فلن تُكلف أبدًا بأي شيء يخص المفاوضات ، ولا حتى أنه يمكنك وضع قدمك في الارض ،يكفي أننا نعرفك نحن و الباشا منذ زمن طويل كرجل أكثر ملاءمة لخلط الأمور من إصلاحها لذا ركز فقط على عملك ، واترك أمور الدولة جانبًا ، وإلا فقد تندم على ذلك »
أبحر الماريشال ديستري من فرنسا بصدد قصف الجزائر كانت الجزائر في ذلك الوقت في حرب مع اسبانيا حيث ضرب عليها الداي حصارا يوم 22 جانفي 1688 و دام 5 أشهر تقريبا ، شارك في هذا الحصار العلج جوزيف بيتس الذي نقل لـنا الحـادثــة:
« لقد كنت في الجيش الذي كان موجها لحصار وهران و كان الداي موجودا مع حولي 3000 أو 4000 جندي إضافة إلى قوة كبيرة من المدافع والقنابل لقد فرضنا حصارا عليها لمدة شهور ، إلا أن كل ما فعلناه لم يكن مجديا لان الأتراك في الجزائر لم تكن لهم الخبرة في استعمال القنابل و بينما الإسبان في الجهة الأخرى في موقف دفاعي ، وصلنا خبر أن الأسطول الفرنسي يقترب من الجزائر لقصفها ، وعلى الفور أمرنا الداي بوقف الحصار وضرورة العودة إلى الجزائر »
ظهر الماريشال ديستري أمام المدينة يوم 26 جوان 1688 مع 15 سفينة و 16 قادسًا و 10 قـوارب و أبلغ الباشا أنه سيتم تنفيذ الأعمـال الانتقاميـة ضد المـديـنة إذا تكررت فظائع قذف الفرنسيين في الحرب السابقة
" إذا تكررت نفس الأعمال الوحشية خلال هذه الحرب و إذا تمت ممارسة ما تم ممارسته من قبل ضد رعايا الإمبراطور فإنا سنستخدم نفس الشيء مع الرعايا الجزائريين "
رد الحاج حسين « سيكون قنصلكم الضحية الأولى» كتب ميزومورتو رده في نفس الورقة التي أرسلها المرشال ديستري و لمح في رده أنه بقذفه للقنصل فقد قذف ملك فرنسا.
« تقول إننا إذا وضعنا المسيحيين في فوهة المدفع ستضع أسرانا عندكم في قاذفات القنابل ؛ طيب ! إذا أطلقت قنابل ، فسنقذف ملكك. وإن قلت لي : من هو الملك؟ إنه القنصل. ليس لأننا أردنا حرب ، بل لأنك تطلق قنابل .. إذا كنت قويًا بما يكفي ، تعال إلى اليابسة أو أطلق من مدافع سفنك »
1 جويلية، سقطت القنابل الأولى على المدينة ، أصابت أحدى الكور المدينة ثم سقطت على رأس الداي حيث أصيب في جانبه الأيسر.
2 جويلية ، ارسل ميزومورتو رسالة إلى سفن الغاليوت ( قاذفات القنابل ) مع احد العبيد الفرنسيين ، قال له :
« لقد عُرضت للتو أمام الباشا، لقد أخبرني أنه إذا قام الماريشال بإطلاق قنبلة أخرى، فيمكنه التاكد أن القنصل قد مات ثم بعدها نحن جميعنا ، وبعد ذلك سيموت عبيد الدول الأجنبية مثلنا و بهذا سنتذكر اسم ميزومورتو »
لم يأبه ديستري بتهديدات الداي و واصل القصف.
تم إقتياد القنصل بيول ، العراب مونتماسون ، راهب ، الأخ فرانسيلون ، 3 قباطنة بحريين ، 5 رجال أعمال ، 6 كتاب ، 25 بحارًا إلى المدفع حيث تم تقسيمهم إلى عدة فرق متجهة في مسيرة واحدة.
3 جويلية ، نُقل القنصل بيول إلى المدفع ، وتعرض للضرب المبرح في الطريق حتى أنه انتهى و أغمي عليه قبل أن يصل إلى فوهة المدفع.
5 جويلية، أعدم الاب مونتماسون و راهب و4 فرنسيين آخرين ، الراهب تعرض لتعذيب هو الآخر قبل وصوله.
لقي بقية السجناء في الأيام التالية نفس المصير.
في 16 جويلية توقف القصف و عاد ديستري الى بلاده بعد أن قذف 10420 قذيفة. أصابت الداي نفسه مرتين أصيب قصر الجنينة , بعض سجون العبيد و الثكنات و المساجد ، كما حطمت الكثير من المنازل.
في هذه الفترة نشبت حرب بين فرنسا و بريطانيا فقرر الفرنسيون إرسال وفد للتفاوض ، رفض الداي إستقبالهم
أخذت الحرب أبعادا أخرى عندما اتفق السلطان العثماني سليمان الثاني مع ملك فرنسا على معاهدة تجارية بينهما ، إشترطت فيها فرنسا أن توافق الجزائر على المعاهدة ، رفض مـيزومـورتـو مرة أخـرى ، فأرسل السلطان فرمان إقالته و تعييـن الباشا السابـق إسماعيل باشا في منصبه مرة أخرى، كان الفرنسيون يعولون على وساطة اسماعيل لابراهم معاهدة سلام.
وصل اسماعيل مع فرمان تعيينه الى الميناء ، اخبره ميزمورتو أنه اذا وطأت قدمه ارض الميناء فسيكون دمه مباحا و قال له بالحرف الواحد :
« لسنا في حاجة إلى باشا ولا نريده أبدا، عد من حيث اتيت وإلا رأيت ما سيحل به، كل أمير هو سيد على بلاده، ويبقى كذلك بفضل سيفه وقوته »
هذا ما قاله ميزمورتو لاسماعيل حسب رسالة ارسلها اسماعيل نفسه إلى الملك لويس في 1689 بعد أن هرب إلى المغرب و بقي في مدينة تطوان و من هناك كتب رسالته هذه و بقي هناك إلى أن مات.
إستغل ميزومـورتـو وضع فرنسا المنهار إقتصاديا و عسكريا و إنشغالها بالحرب مع بريطانيا فقرر تكثيف العمليات الجهادية ضد السفن الفرنسية.
أمر بمهاجمة الساحل الفرنسي ، ركز هجومه على مدينة مرسيليا ، فكان كل مرة يباغت المدينة بمدافع سفنه حتى أنه ذات مرة انعقد المجلس الملكي الفرنسي و قالوا « إذا لم يحتلنا الجزائريون من الجنوب سيحتلنا الإنجليز من الشمال »
في 1689 أرسلت فرنسا إلى الجزائر مبعوث المجلس الملكي مارسيل من أجل النظر في اتفاقية سلام و تحسين العلاقات و إرجاعها لسابق عهدها ، تم الإتفاق على تجديد العمل بالإتفاقية السابقة مع إدخال بعض التعديلات على بنودها و ذلك شهر سبتمبر عام 1689م.
المصدر :
- صالح عباد ، الجزائر خلال الحكم التركي
- مراسلات دايات الجزائر مع ملوك فرنسا.
- مذكرات العلج جوزيف بيتيس