من الوثائق الكنتية التي أصبح من الضروري تحقيقها في المغرب، رسالة سيد أحمد البكاي بن الشيخ سيدي محمد الخليفة بن الشيخ سيدي المختار الكنتي للأمير الإفريقي أحمدُو بن أحمد لبو، الذي طلب منه تسليمه النصراني الألماني "هنريش بارت" الإنجليزي الجنسية، لتنفيذ شرع الله فيه بقتله.
كان الرحالة الجغرافي الألماني “”هنريش بارث”” وصل إلى مدينة تمبكتو سنة 1853م.
لقي “هنريش بارث” أو "عبد الكريم" كما كان يسمي نفسه تخفيا وتخوفا، حفاوة وضيافة من الشيخ سيدي أحمد البكاي الكنتي. وكانت رحلة “هنريش بارث” بتمويل بريطاني وبرعاية مباشرة من الملكة أليزابيت الأولى، وقد تحدث “بارث” باستفاضة عن حفاوة الشيخ الكنتي وضيافته في كتابه “رحلات ومشاهدات في شمال ووسط إفريقيا (Travels and Discoveries in North and Central Africa)"
وكان “بارث” أقام زمنا طويلا في الحضرة الكنتية مع الشيخ سيدي أحمد البكاي، وقد أعلن الأمير أحمدُو بن أحمد لبو، أمير ماسنة، هدر دم الرحالة الألماني فبعث رسالة إلى الشيخ سيدي أحمد البكاي يطالبه فيها بتصفيد “بارث” بالأغلال وإرساله إلى حمدلله عاصمة إمارة ماسنة، وفي تلك الرسالة حديث عن الحكم الفقهي في التعامل مع الذمي، وفيها كذلك نوع من التهديد للشيخ سيدي أحمد البكاي الذي آوى هذا النصراني الكافر.
لكن الشيخ الكنتي أفقه من أن تقنعه آراء الأمير الإفريقي، فرد الشيخ البكاي مخاطبا أمير ماسنة برفض تسلميه.
وهذه صورة للرسالة الأصلية محفوظة في ارشيف دولة مالي، الرسالة نصها :
"إنه جاء إلى تنبكتو –كما قلتَ- بغير استئذان ولا إذن وذلك لا يبيح لك ماله ولا سجنه، فإني أنكر عليك أمرك بسجنه وطلبك لماله، فإنه حرام عليك وظلم له، فإنه إنما وصل في عهد المسلمين، فإن جميع قبائل النصارى في العهد والصلح إلا الموسكو، بلغني هذا العام أنهم حاربو السلطان عبد المجيد.
وعلى كل فإنك لست بإمام المسلمين، إنما إمام المسلمين مولاي عبد الرحمن أو السلطان عبد المجيد، فمولاي عبد الرحمن هو أهلها بالشريعة، والسلطان عبد المجيد هو الأكبر والأكثر في الملك.
وإنما أنت أمير من حمدلله إلى تنبكتو: مسيرة خمسة أيام في الأخصاص، في منتهى أرض السودان في المغرب. وإمام المسلمين في المسلمين في أرضهم لا يجوز لك أن تنقض أو تنقص عهده وصلحه مع النصارى وقد صالحهم وعاهدهم كل من السلطانين، وأحدهما هو الإمام لا هما معاً ولا أنت فقط....."
ويقول أيضاً :
والله لا أسلمه لسلطاننا وإمامنا مولاي عبد الرحمان نصره الله..."
ويقول أيضاً :
"وإنما ورثه بالحق من آبائه وأجداده أبناء قريش وهاشم مولانا عبد الرحمان الذي صالح هو مصالح الإنكليز..."
يظهر أن علة سيد أحمد البكاي الكنتي شيخ تيمبوكتو في عدم تسليم النصراني للأمير، كون هذا الأخير ليس خليفة للمسلمين، لأن ذلك من اختصاص خليفة المسلمين، و في بلاد الإسلام الخلفاء اثنان في نظره *مولاي عبد الرحمن العلوي سلطان المغرب* والسلطان العثماني عبد المجيد.
و يرى سيد أحمد البكاي حسب الرسالة أن منطقة تمبكتو و صحراء أزواد تابعة لسلطان المغرب مولاي عبد الرحمن؛ فيلقبه بِ "مولاي" و يدعو له: "نصره الله"
وأن الإمامة لتكون فقط لسلطان واحد، و يعتبر المولى عبد الرحمان بن هشام هو "إمامنا وسلطاننا" كما بالصورة الثانية، "وهو أهلها بالشريعة" كونه من الأشراف كما في الصورة الاولى والثالثة، و لأن سلطان المغرب على معاهدة مع الإنكليز، فحرام شرعا قتل المعاهد.
هذه الوثيقة وحدها كافية لإثبات سلطة السلطان العلوي المولى عبد الرحمن وقتها على صحراء غرب إفريقيا الكبرى التي تتجاوز حدود "الصحراء الغربية" الإقليم المتنازع عليه، فشتان بين مُطالب بحق له شرعية التاريخ و دين الإسلام و بين مطالب بحق يحتكم فيه إلى مرجعية قانونية وضعية سطرتها دول منتصرة في الحرب العالمية الثانية "تقرير مصير الشعوب"
! [د. سعيد كويس]
كان الرحالة الجغرافي الألماني “”هنريش بارث”” وصل إلى مدينة تمبكتو سنة 1853م.
لقي “هنريش بارث” أو "عبد الكريم" كما كان يسمي نفسه تخفيا وتخوفا، حفاوة وضيافة من الشيخ سيدي أحمد البكاي الكنتي. وكانت رحلة “هنريش بارث” بتمويل بريطاني وبرعاية مباشرة من الملكة أليزابيت الأولى، وقد تحدث “بارث” باستفاضة عن حفاوة الشيخ الكنتي وضيافته في كتابه “رحلات ومشاهدات في شمال ووسط إفريقيا (Travels and Discoveries in North and Central Africa)"
وكان “بارث” أقام زمنا طويلا في الحضرة الكنتية مع الشيخ سيدي أحمد البكاي، وقد أعلن الأمير أحمدُو بن أحمد لبو، أمير ماسنة، هدر دم الرحالة الألماني فبعث رسالة إلى الشيخ سيدي أحمد البكاي يطالبه فيها بتصفيد “بارث” بالأغلال وإرساله إلى حمدلله عاصمة إمارة ماسنة، وفي تلك الرسالة حديث عن الحكم الفقهي في التعامل مع الذمي، وفيها كذلك نوع من التهديد للشيخ سيدي أحمد البكاي الذي آوى هذا النصراني الكافر.
لكن الشيخ الكنتي أفقه من أن تقنعه آراء الأمير الإفريقي، فرد الشيخ البكاي مخاطبا أمير ماسنة برفض تسلميه.
وهذه صورة للرسالة الأصلية محفوظة في ارشيف دولة مالي، الرسالة نصها :
"إنه جاء إلى تنبكتو –كما قلتَ- بغير استئذان ولا إذن وذلك لا يبيح لك ماله ولا سجنه، فإني أنكر عليك أمرك بسجنه وطلبك لماله، فإنه حرام عليك وظلم له، فإنه إنما وصل في عهد المسلمين، فإن جميع قبائل النصارى في العهد والصلح إلا الموسكو، بلغني هذا العام أنهم حاربو السلطان عبد المجيد.
وعلى كل فإنك لست بإمام المسلمين، إنما إمام المسلمين مولاي عبد الرحمن أو السلطان عبد المجيد، فمولاي عبد الرحمن هو أهلها بالشريعة، والسلطان عبد المجيد هو الأكبر والأكثر في الملك.
وإنما أنت أمير من حمدلله إلى تنبكتو: مسيرة خمسة أيام في الأخصاص، في منتهى أرض السودان في المغرب. وإمام المسلمين في المسلمين في أرضهم لا يجوز لك أن تنقض أو تنقص عهده وصلحه مع النصارى وقد صالحهم وعاهدهم كل من السلطانين، وأحدهما هو الإمام لا هما معاً ولا أنت فقط....."
ويقول أيضاً :
والله لا أسلمه لسلطاننا وإمامنا مولاي عبد الرحمان نصره الله..."
ويقول أيضاً :
"وإنما ورثه بالحق من آبائه وأجداده أبناء قريش وهاشم مولانا عبد الرحمان الذي صالح هو مصالح الإنكليز..."
يظهر أن علة سيد أحمد البكاي الكنتي شيخ تيمبوكتو في عدم تسليم النصراني للأمير، كون هذا الأخير ليس خليفة للمسلمين، لأن ذلك من اختصاص خليفة المسلمين، و في بلاد الإسلام الخلفاء اثنان في نظره *مولاي عبد الرحمن العلوي سلطان المغرب* والسلطان العثماني عبد المجيد.
و يرى سيد أحمد البكاي حسب الرسالة أن منطقة تمبكتو و صحراء أزواد تابعة لسلطان المغرب مولاي عبد الرحمن؛ فيلقبه بِ "مولاي" و يدعو له: "نصره الله"
وأن الإمامة لتكون فقط لسلطان واحد، و يعتبر المولى عبد الرحمان بن هشام هو "إمامنا وسلطاننا" كما بالصورة الثانية، "وهو أهلها بالشريعة" كونه من الأشراف كما في الصورة الاولى والثالثة، و لأن سلطان المغرب على معاهدة مع الإنكليز، فحرام شرعا قتل المعاهد.
هذه الوثيقة وحدها كافية لإثبات سلطة السلطان العلوي المولى عبد الرحمن وقتها على صحراء غرب إفريقيا الكبرى التي تتجاوز حدود "الصحراء الغربية" الإقليم المتنازع عليه، فشتان بين مُطالب بحق له شرعية التاريخ و دين الإسلام و بين مطالب بحق يحتكم فيه إلى مرجعية قانونية وضعية سطرتها دول منتصرة في الحرب العالمية الثانية "تقرير مصير الشعوب"
! [د. سعيد كويس]
التعديل الأخير: