معركة جني.. الجيش المغربي يسقط إمبراطورية مالي

الشبح

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
9 مارس 2008
المشاركات
6,967
التفاعل
25,919 131 0
الدولة
Morocco
1024px-MALI_empire_map.png

امبراطورية مالي في أقصى اتساعها
من منا لم يسمع بالقصة المثيرة للحاكم الإفريقي الشهير "مانسى موسى" أو الحاج مانسى موسى، وحكايته حجه الشهيرة التي مر فيها بمصر في طريقه للأراضي المقدسة، حيث حكى المؤرخون قصصا عن غناه الفاحش لدرجة وصف فيها بأغنى ملك في العالم، وبسبب الذهب الذي وزعه في المنطقة صار الذهب لا قيمة له بحسب القصص والروايات.

richest-man-in-the-world-ever-mansa-musa_617bd287b724a.jpg
صورة تخيلية لحاكم مالي في عصرها الذهبي، مانسى موسى

مانسى موسى نجح في وضع أسس قوية لإمبراطورية مالي في القرن الرابع عشر، حتى أصبحت أكبر قوة عسكرية واقتصادية في منطقة غرب إفريقيا، إلا أن الوضع تغير في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، بحيث تفككت الدولة، وقامت الكثير من أقاليم ومناطق مالي بالاستقلال، ومن بينها إمبراطورية السونغاي أو الصونغاي، ووصلت مالي إلى حالة من الضعف لم تعرفه في السابق.​

خلفية تاريخية:


في عام 1591 أرسل المغرب في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي حملة عسكرية لغرب إفريقيا أو ما كان يسمى آنذاك بالسودان الغربي، وكانت الحملة مكونة من قوة استكشافية تعدادها 4000 جندي نصفهم تقريبا من الضباط والجنود ذوي الأصول الأندلسية والمزودين بالأسلحة النارية والمدافع بالإضافة إلى جنود البحرية (الذين سيكونون قوة نهرية مغربية على نهر النيجر) وكذلك الفنيين والمسؤولين عن الإمداد والخيل والجمال... وتمكنت القوة الاستكشافية من الانتصار على جيش امبراطورية السونغاي الافريقية (التي كانت تضم عدد من الدول الحالية كأجزاء من مالي والنيجر ونيجيريا...) واحتلال جزء من اراضيها التي ستصبح فيما بعد ما يسمى ب "باشوية تمبوكتو"، وهو كيان سياسي- عسكري أقامه الجيش المغربي في غرب افريقيا واستمر باعتباره ولاية مغربية الى غاية نهاية القرن التاسع عشر قبل دخول الاحتلال الفرنسي (حجم الأراضي التي سيطر عليها المغاربة انكمش مع مرور السنين بسبب ظهور قوى محلية منافسة في المنطقة والمنازعات بين أحفاد الجيش المغربي).
Capture-d’écran-2020-07-06-à-18.52.54.jpg
صورة تعبيرية لحاكم السونغاي الإسكيا وجيشه

ما قبل المعركة:

بعد أن اتم الجيش المغرب هزيمة جيش السونغاي في معركة تونديبي في 13 مارس 1591 سرعان ما أدرك قائد الجيش ثم الحاكم المدني لغرب إفريقيا جودار باشا (الباشا رتبة عسكرية وإدارية مغربية اقتبسها المغاربة من العثمانيين في إطار الاصلاحات العسكرية في القرن السادس عشر) استحالة السيطرة على كافة أراضي دولة السونغاي بسبب اتساعها وكذلك صعوبة تأمين خطوط الإمداد من المغرب عبر الصحراء الإفريقية الكبرى، من دون نسيان المقاومة الشرسة للسونغاي والمتحالفين معهم من شعوب وممالك المنطقة على اعتبار أن المغرب كان ينظر إليه في بداية الأمر كقوة احتلال وغزو أجنبي، وترجمت هذه المقاومة بعمليات حرب عصابات دامت سنوات طويلة، لذلك كان من الضروري احتلال أهم المناطق الواقعة على نهر النيجر وتأمينها والتي تشكل أهم النقاط التجارية كذلك، فتم اختيار تمبوكتو كعاصمة ومقر حكم ثم غاو وجني كمراكز تجارية مهمة وكحاميات عسكرية للجيش المغربي.

الوضع الجديد في منطقة غرب افريقيا شجع حاكم مالي منسى محمود الرابع على محاولة استعادة أمجاد امبراطوريته عبر توحيد المناطق والممالك التي كانت ذات يوم تحت سلطة دولته وذلك من خلال إعلان الحرب على المغاربة، وكانت أولى خطوة لذلك هو مهاجمة الحامية العسكرية المغربية في مدينة جني عاصمة سلطنة ماسينا واستعادة المدينة التي تشكل نقطة تجارية مهمة على نهر النيجر، وكان المغاربة قد دخلو جني في 1591 وأخذوا البيعة من حكامها لسلطان المغرب، ومن أجل ذلك بعث الحاكم المالي برسائل إلى قادة المقاطعات المالية يحثهم فيها على مساندته في هجومه على المغاربة، بما في ذلك "حماد أمنة" قائد شعب الفولاني المعروف في غرب إفريقيا بالإضافة إلى حكام الممالك الإفريقية الأخرى "كلا" و"بندوكو" و"فدكوكويا". في الواقع فإن قليلا من القادة استجابوا للدعوة، كما أن ولاء شعب الفولاني كان مشكوكا فيه.
AFKTravel.gif
صورة تعبيرية لجيش مالي يظهر فيها فارس ومشاة
وكان الحاكم العسكري المغربي في جني في تلك الفترة هو القائد "سيد منصور"، في حين أن حاكم جني هو الملك "محمد كينبا بن اسماعيل" من السكان الأصليين والذي أبقاه الجيش المغربي بعد دخول المدينة دون قتال بسبب تعاونه، وفي أوائل شهر أبريل نجحت قوات مالي بقيادة منسى محمود الرابع في في الوصول إلى مشارف مدينة جني، فأرسل القائد سيد منصور مناشدة عاجلة لتمبوكتو عاصمة الحكم المغربي في غرب افريقيا يطلب الدعم، وكان الحاكم العام للجيش المغربي هو "الباشا عمار" (وهو نفسه الذي تذكره المصادر ب "الفتى عمار" أو "عمار البرتغالي" الذي شارك في معركة وادي المخازن الشهيرة في 1578 ضد الجيش البرتغالي ) فأرسل على الفور قوات دعم برئاسة اثنين من القادة هم: القائد "مصطفى الفيل" والقائد "علي بن عبد الله التلمساني" .
معركة جني:
img-1.jpg
موقع مدينة جني على الخريطة على ضفاف نهر النيجر​

وصلت التعزيزات المغربية في ساعات الصباح من يوم 26 أبريل من العام 1599 عبر نهر النيجر، وكانت القوات المغربية تضم بحارة تدربوا جيدا على الإبحار في الأنهار منذ أن كانت القوات تتدرت قرب العاصمة مراكش قبل انطلاق المهمة في 1591، وكان عناصر البحرية وعلى رأسهم "الرياس" جمع "ريس" مكلفين بقيادة المراكب والسفن النهرية على نهر النيجر، وحينما اقتربت القوات المغربية من جني اكتشفت أن قوات منسى محمود الرابع قد سيطرت بالفعل على ضفاف النهر في مدخل المدينة، فكان على القوات شق طريقها والتقدم نحو المدينة تحت وابل سهام ورماح الجيش المالي، ورد المغاربة بأسلحتهم النارية وبنادقهم على المهاجمين، ونجحت القوات المغربية بالفعل وبعد جهد جهيد في شق طريقها عبر نهر النيجر ودخول جني ، إلا أن الجيش المالي كان ما زال متماسكا.

بعد وصول قوات باشوية تمبوكتو لدعم زملائهم في جني بقيادة مصطفى الفيل وعلي بن عبد الله التلمساني، قرر القائد سيد منصور مهاجمة القوات المالية، وكان ذلك بعد ظهيرة يوم الجمعة 26 أبريل من سنة 1599 ، وبالإضافة إلى القوات المغربية داخل المدينة وقوات الباشوية القادمة من تمبوكتو، كانت القوات المحلية لملك جني التابع للمغاربة محمد كينبا جاهزة للقتال، بل إن المصادر تشير إلى أن عددا من حلفاء قوات منسى محمود الرابع قد انفضوا من حوله وانضموا للمغاربة قبل البداية، وكانت القوات المغربية تتوفر على الأسلحة النارية من بنادق ومدافع وكان هذا هو العامل الحاسم –بحسب الكثيرين- في الانتصار في المعركة، مقابل جيش مالي تقليدي بوسائل بدائية، بالإضافة إلى المكان الذي قرر مانسى محمود حشد قواته فيه والذي كان عبارة عن جزيرة رملية وسط المستنقعات تعرف باسم "رمل سانون" أو "سنونة" فأحاط بهم الرماة وأصحاب المدفعية المغربية وفتكوا بهم وهرب منسى محمود مع بعض مؤيديه وحاشيته.
racine-tall-el-hadj-chef-koundian-mali-afrique-de-l-ouest-de-carabine-fusil-guerrier-soldat-em...jpg
جندي مغربي من فرقة الرماة مسلح ببندقة طويلة الماسورة (المكاحل)


انتهت المعركة بخسارة فادحة لقوات منسى محمود الرابع وانتصار ساحق للجيش المغربي، بالرغم من الشجاعة الكبيرة التي أبداها الجيش المالي، انسحب بعد ذلك الحاكم المالي إلى منطقة "نياني" إلى أن وافته المنية بحسب المصادر في عام 1610، وكانت معركة جني ضد القوات المغربية هي النهاية الحقيقية لإمبراطورية مالي العظيمة التي كانت من أعظم الممالك الإفريقية في يوم من الأيام.

النهاية

الحقوق محفوظة للشبح.

المصادر:

1) كتاب بداية الحكم المغربي في السودان الغربي (1591/1656) للدكتور ابراهيم الغربي عمران (صدر في عام 1982)
2) كتاب تاريخ السودان للمؤرخ الغرب إفريقي عبد الرحمن السعدي (صدر في عام 1655، وعثر عليه عن طريق الصدفة من قبل المستشرق الفرنسي أوكتاف هوداس في تومبوكتو عام 1900 وأصبح المصدر الأول للمعلومات حول غرب إفريقيا في هذه الفترة)
 
موضوع أكثر من رائع، شكرا على المعلومات القيمة، و يا رب في يوم من الأيام يتم إنتاج برامج وثائقية و أفلام تاريخية عن الكثير و الكثير من قصص المغرب العظيم
 
موضوع أكثر من رائع، شكرا على المعلومات القيمة، و يا رب في يوم من الأيام يتم إنتاج برامج وثائقية و أفلام تاريخية عن الكثير و الكثير من قصص المغرب العظيم
الوجود المغربي في غرب إفريقيا وحده استمر قرابة ثلاثة قرون، هذه المدة وحدها تحتاج الكثير من التدقيق والبحث لأن الكثير من المعلومات ضاعت مع الوقت..ويمكن القيام بذلك بالتنسيق مع سلطات مالي والنيجر الحاليتين.. المغرب يجب أن يهتم بتاريخه.
 
الوجود المغربي في غرب إفريقيا وحده استمر قرابة ثلاثة قرون، هذه المدة وحدها تحتاج الكثير من التدقيق والبحث لأن الكثير من المعلومات ضاعت مع الوقت..ويمكن القيام بذلك بالتنسيق مع سلطات مالي والنيجر الحاليتين.. المغرب يجب أن يهتم بتاريخه.
لا أعتقد أن تلك الدول لها ارشيف جيد تحتفظ به
 
يجب علينا أن نشير هنا إلى أن أغلب المعلومات التي نعرفها عن الحكم المغربي في منطقة السودان الغربي جائت عن طريق كتاب "تاريخ السودان" لعبد الرحمن السعدي، ومن غريب الصدف أن هذا الكتاب كان غير معروف قبل أن يعثر عليه بمحض الصدفة في عام 1900 في تومبوكتو، أي أن أغلب المعلومات عن هذه الفترة كانت مطمورة ولم تظهر سوى قبل أقل من 120 سنة بعد أن تم تحقيق الكتاب وترجمته إلى الفرنسية.
من هو عبد الرحمن السعدي: عبد الرحمن بن عبد الله بن عمران بن أمير، ولقب بالسعدي نسبة إلى الدولة السعدية، ليس مغربيا، بل إنه سوداني (غرب إفريقي) ولكنه عاش تحت ظل الحكم المغربي في غرب إفريقيا، ولد في تمبوكتو 1596 أي بعد خمس سنوات من غزو المغاربة للمنطقة، عمل أولا كاتب عدل في مدينة جني ثم نائب إمام مسجد سنكوري في نفس المدينة وأصبح الإمام الفخري للمسجد في 1627، ثم عين إماما في تمبوكتو في 1637 وأصبح بعد ذلك كاتبا للحاكم المغربي تومبوكتو وهو ما جعله على إطلاع واسع على عمليات الوساطة التي كانت تقوم بها الإدارة المغربية بين شعوب وممالك إفريقيا الغربية التي كانت تحت حماية الجيش المغربي أو المتحالفة معه، كمملكة ماسينا و مملكة دندني (حيث معقل الأساكي الذين فروا من غاو).
تلقى تعليمه الديني على يد شيخه محمد باكايوكو.
كتب عبد الرحمن السعدي كتابه تاريخ السودان بطلب من الباشا المغربي لتأريخ الوجود المغربي في المنطقة وتاريخ الإمبراطوريات الكبيرة التي مرت من هناك كمالي وغانا والسونغاي وغيرها.
 
لا أعتقد أن تلك الدول لها ارشيف جيد تحتفظ به
على العكس.. هناك أرشيف هائل من الوثائق المخفية في الخزانات الخاصة للعائلات المالية، خصوصا تلك ذات الأصول المغربية من أبناء وأحفاد الجيش المغربي في تومبوكتو وغاو وجني، وهؤلاء يسمون "الأرما" أو مغاربة غرب إفريقيا.
 
على العكس.. هناك أرشيف هائل من الوثائق المخفية في الخزانات الخاصة للعائلات المالية، خصوصا تلك ذات الأصول المغربية من أبناء وأحفاد الجيش المغربي في تومبوكتو وغاو وجني، وهؤلاء يسمون "الأرما" أو مغاربة غرب إفريقيا.
سؤال يحيرني ما علاقة طائفة الموريش بالسودان الغربي؟
 
موضوع جميل يتطرق لفترة مهمة من تاريخ المغرب 🇲🇦. الارما او احفاد رمات الجيش المغربي الى الان منتشرين في المنطقة
 
تاريخ مشرف للامبارطورية المغربية الشريفة بين الفتوحات و التحالفات أين كان مخفي عنا هادا الكنز
شكر خالص للصاحب المنشور
ياريت لو في مزيد من المثل هاته المواضيع اتحفنا بها رجاءا
 
سؤال يحيرني ما علاقة طائفة الموريش بالسودان الغربي؟
إذا كنت تقصد من يسمون أنفسهم بموريش أمريكا، فأغلبهم من غرب إفريقيا، لكن لا علاقة لهم بالمغاربة.
 
موضوع جميل يتطرق لفترة مهمة من تاريخ المغرب 🇲🇦. الارما او احفاد رمات الجيش المغربي الى الان منتشرين في المنطقة
تماما، ومنهم الكثير من الشخصيات الشهيرة في تاريخ مالي الحديث، كالرئيس الأسبق أمادو توماني توري الذي حكم مالي بين 2002 و2012 قبل الإنقلاب عليه من قبل الجيش.
 
الموضوع كذلك حول مالي وغرب إفريقيا، هذه المنطقة على عكس ما نتخيل لم يخلقها الاستعمار الفرنسي ولم ينشأها المغاربة الذين احتلوها ابتداء من القرن السادس عشر، بل شهدت منذ القدم قيام دول وممالك، ودولة كدولة مالي أو غانا هي دول عريقة جدا، ربما ليس بشكلها الحالي لكن بالأمم والشعوب التي حكمت وتوسعت فيها لقرون.
 
إذا كنت تقصد من يسمون أنفسهم بموريش أمريكا، فأغلبهم من غرب إفريقيا، لكن لا علاقة لهم بالمغاربة.
نعم عندما يسئلوهوم عن اصولهم يقولون مالي و السنغال ووو و لكن ما علاقتهم بعلم المغاربة.
 
نعم عندما يسئلوهوم عن اصولهم يقولون مالي و السنغال ووو و لكن ما علاقتهم بعلم المغاربة.
أصلا ليس لديهم عقيدة واحدة وثابتة وفيهم تيارات كثيرة، هم يبحثون عن أي شيء يثبت هويتهم
 
نعم عندما يسئلوهوم عن اصولهم يقولون مالي و السنغال ووو و لكن ما علاقتهم بعلم المغاربة.
المورش المغاربة أمريكا، يدعون أنهم أحفاد البعتات الدبلوماسية المغربية في القرن 16 و 17, علما أنا أنا أغلب البعتات كانت مغاربة دو بشرا سوداء، و توجد إتفاقية قديما بين المغرب و أمريكا تحمي البعتات من الميز العنصري
 
عودة
أعلى