تم اغتيال ابنة المفكر الروسي ألكسندر دوجين، ودوجين هذا عالم اجتماع سياسي مهتم بالجغرافيا السياسية، وقد نقلنا كتابه المرفق من الروسية إلى العربية ( ترجمة: عاطف معتمد، سعد خلف، وائل فهيم) تحت عنوان "جغرافية السياسة في روسيا". وصدر في يناير الماضي عن المركز القومي للترجمة في القاهرة.
تقول التحليلات الروسية إن الاغتيال -الذي كان يستهدف دوجين - دبره عملاء أجانب دخلوا البلاد لارتكاب الجريمة لصالح أوكرانيا التي تدور فيها الحرب المشتعلة حاليا، تلك الحرب التي ستكمل في فبراير المقبل عاما كاملا بعد أن كان المتوقع أن تستمر عدة أيام خاطفة.
وقد كثر الجدال حول دوجين في السنوات الأخيرة، لدرجة أنك حين تقرأ الكتاب الذي بين أيدينا تستغرب إنه هو نفس ذلك الشخص الذي يتابعه ملايين الناس حول العالم ويسمونه منظر بوتين وفيلسوف سياسات الكرملين.
وأود هنا أن أضع بعض نقاط حول هذا الموضوع:
- أطروحة "الأوراسية" التي يروجها دوجين وتتناقلها وسائل الإعلام حول العالم باعتباره هو منظرها الأول قالها قبل دوجين علماء روس بأكثر من 100 سنة، وكانوا يقصدون نفس الفكرة التوسعية التي تسمح لروسيا بأن تكون دولة عظمى على حساب دول الجيران في القارتين "الأوروبية" والآسيوية" ومنها جاء مصطلح "أورو-آسيا". وهذا الطموح هو في الحقيقة تقليد بالحرف الواحد لإمبراطورية التتر والمغول التي علمت روسيا فكرة أن تمتد حدودها من الصين شرقا إلى وسط أوروبا غربا، ومن سيبيريا شمالا إلى إيران والعراق جنوبا (وكان يفترض أن تضم مصر لولا عين جالوت).
- من السذاجة الاعتقاد أن دوجين هو الذي يرسم خطط بوتين، بوتين ومن معه قادرون على أن يرسموا خططا لمئات من أمثال دوجين.
الصحيح أن دوجين التقط الخيط الذي يتفق مع الكرملين ومع طموحات بوتين وأعاد من خلاله بلورة فكرة الأوراسية التي تعيد روسيا إلى قطب جديد وصار يعزف على حلم أمجاد القيصرية الروسية.
- يحظى دوجين بشهرة واسعة في الثقافة الشعبوية العربية لأنه يخاطب أولئك الذين عانوا من الأحادية الأميركية والتخريب والتدمير الذي قامت به أميركا في بلادنا، ويتمنون عودة روسيا قطبا دوليا كي تعيد توازن التفرد الأميركي في المنطقة (بعد أن أصابهم القنوط من قيام بلادهم ونهضتها)
- يمثل دوجين مثالا قليل التكرار، فهو من ناحية صاحب قلم منضبط في الكتابة والبحث والمراجع، كما سيتضح لك إن قرات الكتاب الذي ترجمناه للعربية، ومن ناحية ثانية ينتشر صباح مساء في قنوات اليوتيوب والفضائيات لترويج أطروحات القومية المتناغمة مع طموحات الكرملين. وقد ينبهر البعض بحديثه ويعتبرونه مفكرا وفيلسوفا عظيما، وقد يراه البعض مجرد متحدث لبق ماهر وليس أكثر، وقد يرون أنه لا يفعل شيئا سوى مخاطبة الحس الشعبوي مع إعادة تدوير الأفكار السابقة بما يتناسب مع مشروع روسيا في أوكرانيا وصراعها مع العالم.
- لو كانت هناك فرصة في تنوع وسائل الإعلام أمام القامات الفكرية متنوعة الرأي في روسيا لظهر عشرات المفكرين الأخطر من دوجين ولحظي دوجين بينهم فقط بموقع متوسط كباحث متخصص واسع الاطلاع محيط المراجع مخضرم يعيش العصر ومشكلاته، لكن نظرا لعدم توفر ذلك في روسيا المعاصرة احتل الرجل هذه المكانة الكبيرة المبالغ فيها.
الفيسبوك لا يسمح بقول كل شيء ، أرشح للمهتمين الاطلاع على الكتاب الذي ترجمناه للعربية وشهد بأهميته عدد مهم من النقاد، ويقع في 730 صفحة، وهو من تأليف دوجين المنضبط الدقيق، الأكاديمي، الموسوعي، صاحب الحجة الهادئة في العرض والتحليل.