دائمأ مَا نسمع أنَّ السِّياسةَ بِلَا عواطِفْ - بَلْ هِىَ فَنُّ المُمْكن - فأيْنَما وُجدَت مصلحةُ بلدِكَ فاسْعى إليها.. هَذا جَيِّد حقَّاً ومقْبول علَى مُستوى الدَّولة ومَا يحدثُ بداخلِ أرْوقةِ مؤسَّساتِها؛ فلكلِّ قرار مُسبِّبَاته وتوابعهُ السِّياسيَّة والعسْكريَّة تبعاً للحاجة التى يدعوا إليها هذا القرار مِنْ صُناَّعه..
ولكن حقاً مَا لَا أفْهمُه هُو ظُهور بعض شُذَّاذ الآفاقِ مِنْ شُعوب أُمَّتِنا مِمَّن يُساندونَ عدوٌّ غاشم.. يُهاجم بوَحشيَّة أخوةٌ لنا فى الدِّين واللُّغة والذمَّة؛ نِكاية فى جماعات لنَا عليْها جميعاً مائة علامة استفهام..
إنَّ من يمُوتون هُمْ أطفالُنا؛ آبائُنا وأمَّهاتُنا؛ شيوخنا وعلماؤنا؛ لا من تصبُّون غضبكُم عليهم بدافع الحساب.. فلا تكونوا كمَنْ حاولَ قتْل فأر فى منزله فأشعل النَّار فيه ليحرقَه..
لقد انخلع قلبى بين ضلوعى؛ لحظة مشاهدتى طفلاً رضيعاً يُحْمَل فى الهواء بعد أن أخرجه الناس مِنْ تحت أنقاضِ مسْكنهِ المُهدَّم مفارقاً للحياة؛ وجسده مُغطَّى بتُرابٍ وَددتُّ لو أرسل إلىَّ أحدُهم حِفنةً منه لأحفظها فى وعاءٍ مكتوبٌ عليه "هَذا ترابٌ اختلطَتْ بهِ عَبراتُ طفلٌ رضيعٌ صَرخَ باكياً قبل أَنْ يُدفنَ فيهِ حيَّاً بسبَبِ غدْرِ الجُبَناء"..
أعداءٌ لا يْرقُبونَ فينا إلَّا ولا ذمَّة؛ لا يعرفون الرَّحْمة ولا يُحبُّونها؛ تَقْسو قلوبُهم على الضُّعفاءِ منَّا لخوفهم مِنْ مواجهةِ أقْويائنَا.. يَهْرعون كالفئرانِ إلى ملاجئهم خوفاً مِنْ صوت الإنذارِ تحتَ حمايةِ قُبَّتهِم المزْعومة الَّتى انكشفَ زيفُها وضعفُها وجَرحَت كبرياء قادتهم؛ فأبَواْ إلَّا أنْ ينتقِموا مِنْ صغارنا.. فهُم يُعرفون جيِّداً أنَّهُم هُمْ مَنْ سيَحملون الرَّاية غداً لِلقائهم وهزيمتهِم..
تحيَّةُ تقديرٍ واحترام لِهَؤلاء الأبطالِ؛ مِمَّن انتفضُوا فى جميعِ الأنْحاء علَى تلك الأرضِ المُباركة؛ مُعلنين بقاءَ هويَّتهِم وصُمود تاريخِهم أمَام فَاقِدى الأوْطان، ومُخنَّثِى الأجْساد، وقَاتِلى الأنْبياء..