كيف أشعلت الحرب مع الفلسطينيين فتيل العنف العرقي في إسرائيل
انقلب المواطنون العرب واليهود ضد بعضهم البعض في الكثير من المدن المختلطة في جميع أنحاء إسرائيل، الأمر الذي كان له تداعيات كبيرة على عملية تشكيل الحكومة وقضايا أخرى.
من بين مشاهد العنف التي تدور رحاها بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال الأيام الأخيرة، الكثير منها مألوف من الصدامات الأخرى التي اندلعت مؤخراً: وقوف قوات الأمن الإسرائيلية في وجه المحتجين الفلسطينيين، إطلاق مسلحين من «حماس» وابل من الصواريخ على المدن الإسرائيلية، وإلقاء الطائرات الحربية الإسرائيلية حمولات ضخمة من القنابل على قطاع غزة. لكن شيئاً مختلفاً، وفي بعض النواحي، أكثر إثارة للقلق، أصبح سمة هذه الجولة من القتال. ففي العديد من المدن المختلطة التي يسكنها يهود وعرب في أرجاء إسرائيل، اندلعت أعمال عنف طائفية، وأحياناً حرضت الجار ضد جاره، أي المواطنين العرب في إسرائيل ضد المواطنين اليهود.
ووقَعت أعنف هذه الاشتباكات في مدينة اللد وسط البلاد، حيث فرض المسؤولون حظراً للتجول ليلاً بعد أن أحرق شبان عرب عدة سيارات ومعابد يهودية ليلة الثلاثاء واستهدفوا بعض اليهود الإسرائيليين في منازلهم. ووصف الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الاضطرابات بأنها "مذبحة" من قبل "غوغاء عرب محرَّضين ومتعطشين للدماء". وتم إعادة نشر تسع سرايا من قوات "شرطة الحدود الإسرائيلية" من الضفة الغربية إلى اللد وغيرها من المدن المختلطة لقمع الاضطرابات، وقام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بزيارة إلى المدينة في وقت متأخر من ليل الثاني عشر من أيار/مايو، وتعهد بإعادة النظام "بيد من حديد".
وبحلول ليلة الأربعاء، انضم قوميون متشددون يهود من الشباب إلى النزاع وبدأوا في استهداف المارة العرب والمتاجر المملوكة لعرب في عدة مدن في جميع أنحاء البلاد. وقد أظهرت مشاهد حية بثتها القنوات التلفزيونية رجالاً يهود يوجهون لكمات إلى سائق سيارة عربي ويضربونه بقضبان حديدية في مدينة بات يام الساحلية. كما أشارت تقارير إلى إصابة سيدة عربية حامل بجروح خطيرة في اللد وإصابة رجل يهودي بجروح خطيرة على يد مجموعة من العرب في مدينة عكا شمال البلاد.
وبعد التزامه الصمت لعدة ساعات، أصدر نتنياهو بياناً مصوراً في وقت متأخر من ليلة الأربعاء، لمح فيه إلى أنه قد يتم نشر قوات عسكرية لمساعدة عناصر الشرطة المنهكين من أجل "القضاء على الفوضى". وأضاف: "لا يمكنك أن تمسك بمواطن عربي عادي وتحاول قتله - تماماً كما لا يمكننا مشاهدة مواطنين عرب يفعلون ذلك لمواطنين يهود. هذا لن يحصل".
ويأتي العنف بين العرب واليهود داخل إسرائيل وسط القتال الأكثر دموية منذ سنوات بين الحكومة الإسرائيلية والفصائل المسلحة في غزة بقيادة «حماس». وحتى كتابة هذه السطور، قُتل ما لا يقل عن 119 فلسطينياً وأصيب 400 آخرين بجروح في غارات جوية إسرائيلية. وقال الجيش الإسرائيلي إن ما يقرب من نصف هؤلاء الضحايا كانوا نشطاء إرهابيين، رغم أن الفلسطينيين قالوا إن غالبيتهم من المدنيين. وعلى الجانب الإسرائيلي، قُتل ما لا يقل عن سبعة مدنيين وجندي واحد، وأصيب عشرات المدنيين الآخرين بنيران القذائف والصواريخ.
وجاء هذا التصعيد بعد أسابيع من زيادة التوترات في القدس ووقوع اشتباكات بين المصلين الفلسطينيين وشرطة مكافحة الشغب الإسرائيلية بالقرب من المسجد الأقصى في المدينة، والذي هو ثالث أقدس الأماكن الإسلامية. لكن على الرغم من تسبب الصواريخ والغارات الجوية في معظم القتلى، إلّا أن الاشتباكات الطائفية داخل إسرائيل بين المواطنين العرب واليهود بدأت تهيمن على التغطية الإعلامية الإسرائيلية. ويوم الثلاثاء، قال "مفتش الشرطة الوطنية الإسرائيلية" يعقوب شبتاي، "نشهد وضعاً لم نشهده من قبل في المدن المختلطة"، واصفاً إياه بأنه أسوأ عنف طائفي منذ عقود.
إن العرب الإسرائيليين، الذين يشكلون حوالي 20 في المائة من السكان، هم مواطنون إسرائيليون - على عكس إخوانهم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن إسرائيل عاملتهم إلى حد كبير كمواطنين من الدرجة الثانية على مرّ السنين، حيث حرمتهم من موارد رئيسية ومنعت مجتمعاتهم من التمويل الكافي.
وعموماً، تميل الأحزاب السياسية التي تمثّل مجتمع الإسرائيليين العرب إلى ممارسة القليل من النفوذ في السياسة الإسرائيلية، حيث أنها أحجمت عن الانضمام إلى الحكومات التي يتزعمها اليهود في الدولة اليهودية ولم تتمّ دعوتها فعلياً لذلك في الأساس. ويبدو أن هذا الاتجاه آخذ في التغيّر خلال الأشهر الأخيرة.
ومؤخراً، أدار أحد الفصائل الإسلامية بشكل خاص، وهو "القائمة العربية الموحدة"، حملة شاملة قبل الانتخابات العامة في آذار/مارس واعداً بالمشاركة في سياسات التحالف الإسرائيلي لضمان الحصول على دعم من الموازنة، وتصاريح خاصة بالإسكان، وتحسين البنية التحتية التي تمس الحاجة إليها منذ فترة طويلة. حتى أن رئيس "القائمة"، منصور عباس، وافق على دعم حكومة يمينية بقيادة نتنياهو - لكن حلفاء رئيس الوزراء من اليمين المتطرف استخدموا حق النقض ضد أي تعاون مع حزب بقيادة العرب.
ثم حوّل عباس دعمه إلى المعسكر المناهض لنتنياهو، وهو مزيج من الأحزاب من اليمين والوسط واليسار متَّحِدون فقط تقريباً بهدفهم المشترك المتمثل في الإطاحة بشاغل منصب رئيس الوزراء منذ فترة طويلة. وكانت محادثات التحالف بين عباس وزعماء المعارضة تمضي قدماً حتى اندلاع القتال هذا الأسبوع.
وعلًق عباس المفاوضات رغم أنه قال إنها مؤقتة فقط. وقال لقناة "كان" الإسرائيلية يوم الأربعاء "لا مفر من أن نعود للمحادثات السياسية لتشكيل الحكومة بعد أن تهدأ النار. لدينا فرصة حقيقية للعب دور مهم في السياسة الإسرائيلية من أجل مجتمعنا".
غير أن مقاربة عباس لم تلقَ استحسان جميع العرب الإسرائيليين، ولا سيما المغازلة مع نتنياهو واليمين الإسرائيلي. وحمّل معظم السياسيين والمحللين من الإسرائيليين العرب نتنياهو مسؤولية ازدياد حدة التوترات في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك، والتصعيد حالياً في غزة والعنف الطائفي في إسرائيل.
وقال محمد دراوشة، الخبير في العلاقات العربية اليهودية في معهد تعليم السلام في شمال إسرائيل، لمجلة "فورين بوليسي": "العرب يريدون الاندماج، لكننا نريد مساواة مجتمعية حقيقية قبل الاندماج. نرى القمع... علامة على فشل نهج عباس".
ودعا عباس عرب إسرائيل إلى الامتناع عن العنف وقال إن الاحتجاجات "تتحرك في اتجاه خطير للغاية". وقال أيمن عودة، رئيس "القائمة المشتركة" والمنافس السياسي لعباس، إن العنف كان "خطأ فادحاً" وشجع مجتمعه على مواصلة الاحتجاجات "ضد الاحتلال والحصار، دون الإضرار بالممتلكات وبالتأكيد ليس بالحياة البشرية".
وحث النائب العربي من حزب "ميرتس" اليساري عيساوي فريج، الذي كان بمفرده من أوائل الداعين إلى وقف أعمال الشغب، قادة المجتمع على المساعدة على وقف العنف الطائفي. وقال لـ "محطة التلفزيون الإسرائيلية 12" يوم الأربعاء، "تخضع القيادة لاختبار في أوقات الأزمات - يجدر بجميع قادة المجتمع العربي ألا يبقوا صامتين...لا يمكن أن تبقى الأغلبية صامتة أكثر من ذلك"، وأضاف، إن "الحرب مع «حماس» ستنتهي لكن ماذا عنا؟ سنلتقي باستمرار في السوبرماركات والمستشفيات".
وكان المسؤولون في حركة «حماس» يحثون الإسرائيليين العرب على المشاركة في المواجهات ضد إسرائيل. واعتُبر انضمام بعض أفراد هذا المجتمع إلى القتال انتصاراً للحركة على نطاق واسع. وقال المتحدث باسم «حماس» أبو عبيدة في بيان مسجل يوم الأربعاء "تضحياتكم وقود الثورة لشعبنا وتحرير أرضنا".
وسارع المعلقون اليمينيون إلى انتهاز توقيت العنف الطائفي لتسجيل نقاط سياسية - طارحين تساؤلات تحقيقية عن كيفية الإبقاء على حكومة تدعم هؤلاء "الخونة". وأشار معلّقون يساريون إلى أن توقيت هذه المواجهة الأخيرة كان مناسباً لنتنياهو - تماماً كما كان خصومه في البرلمان على وشك إبرام صفقة ائتلافية كانت ستنهي فترة حكمه الطويلة كرئيس للوزراء.
ومن بين أولئك الذين وجدوا أنفسهم في وضع صعب بسبب تبادل أعمال العنف الطائفية، كان يوري جيريمياس، وهو طاه إسرائيلي يهودي وصاحب مطعم وفندق في مدينة عكا القديمة ذات الغالبية العربية. فخلال الأسبوع الماضي، أقام جيريمياس إفطاراً جمع بضع مئات من الأشخاص المتعددي الأديان من المسلمين واليهود والبهائين والمسيحيين. ومساء الثلاثاء، ألقى شبان قنابل حارقة على فندقه ومطعمه المشهور للمأكولات البحرية، مما أدى إلى إحراق المطعم.
وصرّح جيريمياس لمجلة "فورين بوليسي" بأن "شابيْن غاضبيْن من مثيري الشغب تمّ تحريضهما من خارج المدينة القديمة هما من نفذا الاعتداء"، مضيفاً "كل ما تحتاجه هو غبيَيْن وعود ثقاب".
وقال إنه قد فوجئ من العنف في عكا وفي جميع أنحاء البلاد. "لقد حدثت أعمال شغب في الماضي. ولن أتفاجأ إذا حدثت في المستقبل، إلّا أن شيء من هذا القبيل لم يحدث من قبل".
نيري زيلبر صحفي مقيم في تل أبيب وزميل مساعد في معهد واشنطن. وتم نشر هذه المقالة في الأصل
على موقع "فورين بوليسي".
انقلب المواطنون العرب واليهود ضد بعضهم البعض في الكثير من المدن المختلطة في جميع أنحاء إسرائيل، الأمر الذي كان له تداعيات كبيرة على عملية تشكيل الحكومة وقضايا أخرى.
www.washingtoninstitute.org