د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
تسعى هذه الدراسة لمحاولة فهم كيفية تناول الكتب المدرسية الإيرانية لصورة الفتح الإسلامي لبلاد فارس، وتكتسب الدراسة أهميتها من عدة اعتبارات أولها: تحديد الملامح الصريحة والضمنيّة لماهية صورة الفتح الإسلامي في المناهج الدراسية الإيرانية ومن ثم فقد ارتكزت الدراسة بشكل أساس على المصادر الأصلية المتمثلة في الكتب الدراسية للمراحل الثلاث: الابتدائية، والإعدادية، والثانوية.
وثانيها: إن تحليل مضمون كتب المراحل الثلاث يتيح لنا التعرف على صورة الفتح الإسلامي لبلاد فارس.
وثالثها: تحليل صورة الآخر من خلال عدة مستويات وهي المستوى المعدّ أو المبلور ونقصد به ما أعدّه أو بلوره مؤلفو الكتب المدرسية وعرضوه.
ويوجد مستوى آخر في صورة العرب، وهو المستوى العميق الذي لا يتبدّى عند مجرد القراءة المتواصلة والتحليل البياني، ولكن يتعيّن للتوصل لآلية تفكيك كل من النصوص ومرفقاتها لاكتشاف الطريقة التي تم بواسطتها إنتاج تلك الصورة. حيث تتميز النصوص التي هي محل الدراسة بعدة خصائص منها أنها تتعلق بنصوص تربوية، بمعنى أنها لا تكتفي بتقديم المعلومة، ولكنها تسعى إلى التثقيف، وبناء القيم، وتكوين المواقف، والانطباعات، والأحكام.
تسعى الدراسة للإجابة عن تساؤلات عدة وهي:
-الكتب الابتدائية:
تُصوّر الكتب المدرسية الفارسية وميلها نحو الاستقرار والهدوء، والسلام والأمن، وعدم الاعتداء، والبناء والعمران، وغيره من شعوب الأرض أعداء حضارة وفكر، بل إن الإنسان الفارسيّ في أصعب أوقاته وهو محتل من جانب الغزاة لا ينفك يبني ويعمّر ويطوّر في الفكر والنظم، ويستفيد منه؛ حتى المحتل.
-الكتب الإعدادية:
إنّ بلاد فارس وشعبها-وبفضل ما يتمتعون به من إمكانيات، وثروات، وحضارة، وموقع -، حيث باتوا محطّ أطماع جيرانهم من الروم واليونان، حتى غزوا بلادهم، مما دفعتهم إلى تشكيل الجيوش، وإعدادها لمواجهة الخطر الخارجي، فتصدّت لهم بحزم وقوة.
كذلك نلاحظ التركيز على الروايات والنصوص التي تُظهر دور الفرس بمعزل عن العناصر الأخرى في صنع مجريات الأحداث التاريخية.
الكتب الثانوية:
تُظهر الكتب الثانوية أنّه لولا الفرس لما قامت الحضارة الإنسانية، ولولا وجود الفكر والنظام الفارسي لبقيت بلاد وحضارات مجهولة. كما تتضمن تلك الكتب حقائقَ تاريخيةٍ مشوهة ومزورة في أحيانٍ كثيرة؛ تمّ إخضاعها مُسبقا لأيديولوجيا السياسة كتعريف الكتب المدرسية للفتح الإسلامي، باعتباره اجتياحًا، وغزوًا، واحتلالًا، وهجمة عسكرية …
كما وصفت الفاتحين العرب بأنّهم غزاةٌ طامعون، ولم تُشِر لعظمةِ الإسلام؛ إلا في أَسطرٍ معدودة، وتتساءَلُ تلك الكتب ماذا قدموا لإيران، في الوقت الذي اعتُبرت بلاد فارس وشعبها كانوا موحدين للإله قبل مجيء العرب، وإنّ سبب انتصار المسلمين هو حجم العدة والعدد، والتسلح الأفضل، ولم نجد سوى سبعة نصوصٍ تتحدث عن عظمةِ الإسلام تحت عنوان سطوعُ شمس الإسلام، وفجر الإسلام، دون الإشارة للفاعلين العرب.[1]
ويَتضح مما سبق أنّ الكتب المدرسية تسعى إلى التعبئة ضدَّ الشخصية العربية، حيث ترى تلك الكتبُ أنّ الشخصية العربية تتسم بعدوانيةٍ أصيلةٍ، كرَّست نفسها للصراع ضدَّ إيران؛ فالعربُ في أحداث التاريخ الإسلامي يَظهرون وكأنهم عنصرٌ ثانويٌّ، ليس له صلةٌ ثابتة وأصيلة بالتاريخ الإسلامي، ولا حتى بالتاريخ الإنساني المدوَّن.
ومن هنا اعتمدت الكتبُ المدرسية أسلوب الانتقاء، واجتزاء الروايات والنصوص التي تُظهر النزعة الشوفينية الفارسية بمعزلٍ عن القوميات الأخرى في صنع مجريات الأحداث التاريخية. أما في أحداث التاريخ الإسلامي، فقد حاول النص تجاهل دورهم في مجريات الدعوة الإسلامية، وإذا أُريد إبرازهم، فهم أعداء الدعوة النبوية، فقريش وزعماؤها “كانوا يشعرون بالخطر الإسلامي”، وأبو سفيان “الأموي” كان من أشهر المعادين للإسلام. فالعرب يَظهرون وكأنهم ليسوا هم الذين نشروا الإسلام في الجزيرة العربية والعالم.
ويوضح الجدول التالي كيفية توصيف الفتح العربي الإسلامي في الكتب المدرسية الإيرانية:
4-عدد النصوص التي توصف الفتح العربي الإسلامي في الكتب المدرسية الإيرانية:
*جدول تعظيم الفرس وحضارتهم:
*النصوص التي أبرزت الاهتمام بالغرب والعلماء الأجانب من غير العرب
الصورة السلبية للفتح الإسلامي في الكتب المدرسية الإيرانية:
اشتركت جميع الكتب المدرسية في التقليل –لأقصى حدٍ-من الأثر النفسيّ والماديّ الذي لحِق بالفرس نتيجةً لما تسميه كتب التاريخ ” بالهجوم الإسلامي”، الذي تسبب في هزيمة الساسانيين، لم نجد سوى مصطلحٍ واحدٍ أشار إليه بإيجابية وهو: ” سطوع شمس الإسلام “، ويؤكد هذا الإغفال قلة الأهمية التي يعطيها مؤلفو كتب التاريخ للأثر الذي ترتب على هذا الفتح بالنسبة للعلاقات المستقبلية بين العرب والإيرانيين.
كما تناولت الكتب المدرسية الإيرانية الفتح الإسلامي لبلاد فارس بسطور قليلة، حيث ظهر الإسلام في صورة مختصرة مجتزأة، غير علمية ومحايدة من خلال التداخل بين عدة عناوين.
بعدها يَظهر أبطالٌ وشخصيات تاريخية فارسية أسهمت في الانتصارات الإسلامية بطابعها الإيراني، ونستطيع القول إنّ هناك نظرة موحدة حول ” الفتح الإسلامي”، ولم يوجد هناك تنوعٌ في النظرة إلى الفاتح، ولا حتى إلى العلاقات التي قامت بين المسلمين والفرس.
بموازاة ذلك لم يتعرض كتاب مدرسي واحد للفترة التي استغرقها الفتح الإسلامي، والظروف التي أحاطت به، والصعاب التي واجهته …
حيث اكتفت هذه الكتب بمجرد وصف وصول المسلمين، ولكنها تحاشت كيفية مواجهة الفرس للإسلام، فالمؤرخون التاريخيون الذين ألّفوا الكتبَ المدرسية لا يهتمون بالأحداث التي تسيء للإيرانيين، مما يجعل نظرتهم محدودة للغاية، وتؤثر هذه النظرة الجزئية في طريقة الإشارة إلى الفاعلين الذين تجابهوا مع الفتح الإسلامي، يقابله إغفال شخصيات الفاعلين المسلمين، حتى أننا لا نجد ذِكراً للخليفة عمر بن الخطاب إلا ضمن التركيز على عملية الاغتيال والتشويه المتعمد.
وهذا يضعُنا أمام إشكالية حول كيفية تعامل الخطاب التاريخي المدرسي الذي يحرص على تمجيد الانتصارات القومية، وتقديمها على الأحداث الإيجابية في التاريخ الإيراني، مما سيساعدنا في الإجابة عن هذا السؤال تناول الخطاب المدرسي لدخول الإسلام إلى بلاد فارس، وما يقدمه من التسويغ، وما يسكت عنه، ثم نعزز هذا التناول بتحليل النص حول الفاعلين وأفعالهم المتبادلة، والجوانب المعززة للنص من خرائط وصور.
كذلك فإنّ معظم الكتب التي هي محل البحث لا تخصص له فصلاً قائماً بذاته وتكتفي بمعالجته في عدة فقراتٍ واردة في الفصول المتعلقة، ولم يعمد كتابٌ واحد إلى تخصيص ولو فصلاً مستقلاً للحديث عن هذا الفتح.
أ-دين جديد، أم مذهب مخالف أم حملة عسكرية: لا تختلف الكتب فيما بينها عند تحديدها لطبيعة وصف الاجتياح الإسلامي، وهي تنحاز إلى الطابع الديني لفوائد الدين الإسلامي، أما الطابع العسكري فيحدد الفتح الإسلامي لبلاد فارس بالاجتياح ويعالج الفتح الإسلامي تحت عناوين تاريخية.
ب-لا تتساءل الكتب المدرسية عن الأسباب التي هي وراء الفتح الإسلامي لبلاد فارس مثلاً والدوافع وراءها، وظروف إيران حيث توحي هذه الكتب بأن المسلمين قد بدأوا في العدوان على بلاد فارس، ولا تهتم هذه الكتب نفسها بذكر النجاح الذي حالف هذا الفتح، وكيفية انتصار المسلمين، وموقف الفرس في البداية من هذا الفتح.
ج-لم تفضح الممارسات الفارسية لوقف هذا الفتح، والمؤامرات التي حاكوها ضد المسلمين الفاتحين، وضد الدولة الإسلامية الجديدة الناشئة في بلاد فارس، والفظائع التي ارتكبوها للتآمر على الخلافة الإسلامية.
د- لا شك أن هذه الأحداث وما تلاها ترتكز على إبراز الكتب المدرسية لوجهة نظر أحاديةٍ تتسمُ بعدم الموضوعية، ولكنّ هذه النظرة تشترك في القراءة المذهبية لتناول موضوع الخلافة الإسلامية في معظم الملامح؛ ضمن حلقة متصلة تمتد من الفتح الإسلامي، مرورا بالخلافة الإسلامية العثمانية، وحتى يومنا هذا، بشكل ينسجم مع فن المجابهة للإسلام، ورفض الدين الوافد اليهم بنسخته العربية، وتناول التاريخ بصورة تتمركز فيه حول الذات الفارسية، وتجاهل صورة أهل السنة ” الفاعلين في الفتح الإسلامي ” ودورهم، وغرس قيم النزاع بين شعبين ” عربي سني – فارسي شيعي ” ، أو حضارتين ” العرب – الفرس ” .
تشويه الطابع العام للمفردات الخاصة بالفتح العربي الإسلامي لإيران في الكتب المدرسية
1-الإسلام: نلاحظ أن نصوص الكتب المدرسية تركز على وحدة الخطاب المدرسي حول دخول الإسلام إلى بلاد فارس، حيث تتبنى كتب التاريخ المدرسية أسلوب العمومية في الحديث، والتركيز على أهم حلقة في التاريخ الإسلامي وهي مسألة ظهور التشيع، وما واكبه من صراعٍ مريرٍ؛ فنحن أمام حالتين:
حالةَ التعميم في الطرح المختصر، والتخصيص في التوسع من خلال كتب التاريخ المدرسية بما ينسجم مع رؤية الإيرانيين للتاريخ، ولا تهتم الكتب بوصف ظاهرة الإسلام وأثرها في المجتمع الإيراني باعتبارها عملية بناء وتنوير ديني ومعرفي، حيث افتقدت تلك الكتب المدرسية إلى تعريف الإسلام في أثناء وبعد دخوله إلى بلاد فارس تعريفاً صحيحاً، فالإيرانيون ينظرون فيما بعد إلى الإسلام حسب رؤيتهم. فالخطاب المدرسي لا يهتم بالعلاقة بين المسلمين الجدد والفرس، حيث يظهر عدم التكافؤ في تناول الفاعلين ” العرب المسلمين “، وبالمقابل نجد أن الكتب المدرسية الإيرانية تعمد إلى عدم إظهار الجانب الحسن، والأفعال الإيجابية، التي ترمي إلى تحسين صورته، وستر الأفعال السلبية.
” المسلمون العرب”، وعلى العكس يتم تضخيم الدلالات السلبية، وحذف الفاعل الإيجابي، أو بتحويل الأفعال إلى مركباتٍ اسمية فقط. وهذا يؤدي إلى إعطاء الخطاب المدرسي عن العرب المسلمين طابعاً سلبياً، عديمَ الفاعلية وذلك لتقبيح صورتهم وبالمقابل إعطاء الإيراني صورةً متميزة إيجابية، وبالتالي يَظهر النص التاريخي ذا طابع ناقصٍ ومشوه، لا يَذكر إلا المجابهة العسكرية، وتعظيم الخلافات داخل التاريخ الإسلامي، وتحميل الخطيئة لأهل السنة والجماعة، والقفز على أحداث مهمة ومحورية لصورة أهل السنة في التاريخ الإسلامي المتداخل مع التاريخ الإيراني، حيث يبرز هذا الطابع بقوة.
ب-مواجهة الإسلام:
لا تتناول الكتب المدرسية الإسلامية موضوع المواجهة التي جرت بين المسلمين والفرس في أثناء دخول المسلمين إلى بلاد فارس وبعد دخولهم.
فالخطاب المدرسي لم يشر ولو بشكل بسيط إلى المؤامرات التي حاكها الفرس تجاه الدين الجديد، فهذا الموضوع غُيّب تماما عن الكتب المدرسية.
ج -الفاعلون في الفتح الإسلامي:
لا نجد شخصيات إسلامية بارزة يتم إيرادها أو تناولها في موضوع الفتح الإسلامي وما تلاه تختفي تماماً من النصوص، حيث يكون عدد الشخصيات في صورة العرب قليلاً جداً،
وبالتالي لن تسنح الفرصة لكثير من الطلاب الإيرانيين كي يسمعوا بها، فالمسلم مجهولٌ ومبسط إلى أقصى الحدود ، ففي معظم النصوص يكون اسم المسلمين هو الاسم الغالب على العرب، ولا تشير الكتب المدرسية في الوقت نفسه إلى الإسهامات التي قدمها المسلمون في بلاد فارس، ولا إلى تعليل حملة الإسلام على بلاد فارس، فنجدها تسهبُ في الحديث عن جنايات ” الأعراب” في بلاد فارس، في حين نجد الفاعلين الإيرانيين حاضرين وبقوة في النصوص التاريخية لنفس الفترة، مع تعظيم دور الفرس، وتحسين صورتهم بما يتفق مع نظرتهم الأحادية للتاريخ .
4 – من هنا أمكننا تمييز نوعين من الخطاب المدرسي حول علاقة إيران بالعرب. فالخطابُ المدرسي خطابٌ تاريخيٌّ منصبٌّ على الذات، حيث يُعظّم تناول التاريخ الفارسي، وهو تاريخ يفتقد لذكر الكثير من أحداث التاريخ عن عمدٍ وسوء قصدٍ، وهو أيضًا يفتقد للبعدِ النقديّ، ولا يلقي الضوء بشكل كاف على الأحداث والظواهر التي يتجابه من خلالها الإيرانيون والمسلمون العرب. وبالمقارنة بين الحقول الدلالية لكل من المفردتين” العرب ” و ” المسلمون” ” يلاحظ أن المضمون المشترك بينهما يوضع في نطاق المواجهة القديمة بين العرب والفرس، فإن الكتب التي تعرضت لها تطلق على الفاتحين اسم ” المسلمين“.
أما استخدام كلمة ” العرب ” فيكاد يكون غائباً، ولم ننتزع اعترافاً واحداً، ولو في فقرة واحدة بالعظمة الذي حققها ” المسلمون” في أثناء وجودهم في بلاد فارس، هذا مع أن للمسلمين بصماتٌ تاريخية، وفي التاريخ القديم تشير بعض الكتب إلى المجابهة التي قامت بين الدولة الإسلامية والفرس.
وقد ميّز كتابٌ واحد فقط بين اللغة العربية، وبين الانتماء إلى الدين الإسلامي، عندما قرر أنّ الفاتحين هم المسلمون، والكتاب نفسه أنكر وجود ثقافة ” عربية ” وأشرك كل العالم الإسلامي في الانتماء لثقافة واحدة، لكن حسب رؤيةِ إيران، لأنها الفاعل في صياغة الكتب التي تدرس في مدارسها.
مما يعني أن الحياد وإن كان صعباً فيما يتعلق بالتاريخ القومي الفارسي، ولا ينتقص من المعنى شيئا إلا ما يتعلق بالتعبير عن الشحنة العدائية الصراعية التي يكنّها الفرس للعرب. يلاحظ من خلال النصوص ومرفقاتها عدم وجود تماثل بين المفردتين ” عرب ” و”مسلمون ” ، فتستخدم كتب التاريخ مفردة (مسلمين) للدلالة على الفاعل نفسه، وفي الخرائط تستخدم تعبير بلاد فارس للدلالة على الأراضي التي فتحها العرب المسلمون في حين لا تستخدم تعبير الدولة الإسلامية من خلال النصوص المصاحبة للدلالة على الأراضي التي كانت عربية والمناطق التي أُدخلت الإسلام ، والتي احتفظت بلغتها وثقافتها ” بلاد فارس ” ، حيث تشير الكتب المدرسية الإيرانية إلى الدعوة الإسلامية باقتضاب، فيقدمون هذا الجانب بإيجاز من خلال جمل بسيطة عن الدين الجديد في سياق ذكر الحروب والفتوحات التي يخوضها المسلمون بهدف نشر الدين الجديد .
لا شك أن هذا التناول الغريب للإسلام لم يَسمح بدايةً بالتمهيد للتعريف بأهمية هذا الدين كونه دينًا عالميًا إنسانيًا جامعًا، يَظهر في عرض التاريخ لطلاب المدارس “علاقة تاريخية صراعية”، فتاريخ بلاد فارس كما يُدّرس في المدارس يقوم أساساً على ذكر الأحداث ضمن أسلوب سردي والانتقال فوراً إلى الصراع في التاريخ الإسلامي وظهور الشيعة. ولذلك جاءت علاقات إيران بالإسلام من خلال عرض تاريخيّ للمجابهات والخلافات.
ولا تقف المواجهة عند هذا الحد بين الحضارتين، بل وتتمادى كتب التاريخ في تعظيم دور الفرس من خلال إيلاء أهمية قصوى لتاريخهم ” الآري” السحيق، والحديث عن إبداعاتهم العلمية، الثقافية، الفنية، الفكرية، الأدبية…
ويقدمونها باعتبارها إبداعات أسهمت في تكوين الحضارة الفارسية الخاصة بالفرس أنفسهم وليست الحضارة الإسلامية الجامعة.
والأمر يتحول إلى مناكفةٍ عندما تُخصَّصُ كثيرٌ من الكتب المدرسية الإيرانية للحديث عن عالم إيراني وكأنه ردٌ على العرب بأن هذا العالم إيراني وليس عربياً، -وهذا ما سوف نبحثه لاحقاً -وهذا ليس ما قرأناه في كتبهم فقط، بل ما سمعناه في أحد المؤتمرات التي جرت في طهران، حيث عبر عددٌ من الأساتذة الإيرانيين عن استياءهم الشديد من قول العرب: بأنّ الرازي هو عالمٌ عربيٌ مسلم.
كذلك نجد غياباً حتى لمعالم الحضارة الإسلامية قيماً تاريخيةً في إيران، فالمدن القديمة فارسية، والسكة، التراث…
مما يعبر فقط عن ثراء الحضارة الفارسية على حساب الإسلامية.
ولم تُبرز الكتب صورةً إيجابية عن العالم العربي في الماضي الذي يُشار إليه بأنه حضارة عظيمة، ولكن الصورة تزداد قتامةً، وتصبح أكثر سلبيةً بالنسبة إلى الماضي القريب، وبالنسبة إلى الفترة الحاضرة. مما يؤكد أن العرب كانوا ومازالوا وسيظلون مصدرا للقلق بالنسبة للإيرانيين، وما يلفت النظر أكثرَ من ذلك ندرةُ استخدام مفردة ” العالم العربي ” وتكرار الحرص على تجنّب استخدامها لدى كثيرٍ من الكتبِ المدرسية، ولكن لماذا هذا التجنّب، وما مغزاه؟
إن استخدام المفردات الأخرى هو لمجردِ تجنّب استخدام مفردةٍ أبسطَ، وأكثر ملاءمة وهي (العالم العربي)، فالصراع التاريخي المذهبي والسياسي، واعتقاد إيران بأنّ لها حقوقا تاريخية وسياسية تُنسب للماضي في معظم الأحيان، وهي لا تظهر وذلك لحرص الإيرانيين على إظهار العالم العربي موحداً، مما يقيم أساساً سياسياً، اقتصادياً، ثقافياً، لغوياً …
لهذه المنطقة، مما يوحي بتماسك العالم العربي وخاصة الديني ” السني “، واستحضار المؤلف الإيراني إن ذلك التوحد سيكون ضدَّ إيران ” الشيعية “، من خلال ذكر مفردة العالم العربي في كتبها المدرسية، لهذا يتم تجنبها، فضلًا عن الإشكالية المتعلقة بالخرائط الجغرافية، والمفردات التي يجب تثبيتها تساهم بدرجة كبيرة في هذا التجنب.
العالم العربي: غياب تام
الإمبراطورية الإسلامية: غياب تام
الحضارة العربية الإسلامية: غياب تام
وتتجنب الكتب المدرسية الإيرانية استخدام العالم الإسلامي الذي يبدو مجالاً جغرافياً أكثر دقة من الناحية التاريخية، وفي الحاضر ذكره في الكتب المدرسية الإيرانية، معناه وحدة ثقافية، وتاريخية، سياسية واحدة، وهو ما يرفضه صانع القرار التربوي والسياسي الإيراني، لأنه سيعطي الانطباع بأن هناك انسجاماً عقائديا على حساب إيران التي تزعم أنها تنفرد بحمل لواء الإسلام الحقيقي.
لكن الكتب الإيرانية ثرية بشكل كبير بالحديث عن الانشقاقات والخلافات بين إيران ودول العالم الإسلامي؛ خاصة المذهبية، والتي تعطيها أولوية كبرى في مناهجها المدرسية.
من هنا نجد أن استخدام مفرد “العالم الإسلامي” تكاد تكون نادرة جداً في الكتب المدرسية الإيرانية، إذ يوجد هناك يقين يتم ترسيخه في ذهن الطالب الإيراني بأن العالم الإسلامي ليس كتلةً واحدة ، بلى و غير متجانس كذلك، ويختزل الدين الإسلامي بمكونه الشيعي الفارسي، ومسلم، هذا يعلل حرص الكتب المدرسية الإيرانية على عدم جمع صفة عربي ومسلم، أو ذكر مفردة الحضارة العربية الإسلامية في الكتب المدرسية الإيرانية. إذا نحينا جانبا مفردة ” اللغة ” وهي وردت مقترنة بصفة ” العربي”، أما مفردة الدين فلا ترد إلا مع الصفة “الإسلامية “.
المفردة: (إسلام)
تتميز بأعلى نسبة من التكرار بالقياس إلى المفردات الأخرى، ويمكن ملاحظة عدم وجود علاقة ذات مغزى بين مفردتي ” العربي” و” المسلم”، ويتضح أن استخدام كلمة العربي لم يستخدم معها المسلم أو العكس. في حين لا تَظهر مفردة الحضارة العربية الإسلامية، أو الحضارة العربية إطلاقا. وهذه تؤكد وتعزز عدم الرؤية الإيجابية للعرب، ولا يخصص لوصف العرب إلا مفردة ذات طابعٍ عام هي العرب والأعراب، وساكني الصحراء الذين تلصق بهم أقذع الصفات؛ من هنا فقد اتضح من نصوص الكتب وبعد حصر المفردات ذات المدلول الإسلامي أو العربي الصريح أن الكلمات المفتاحية في مادة الإسلام التي وردت في الكتب لا تختلف بين كتاب وآخر، مما يشير إلى فقر هائل في استخدام المفردات الإسلامية، ونورد فيما يلي بيانا بهذه المفردات المشتركة بين كل الكتب:
المسلمون حضور، بالمقارنة بين الحقول الدلالية لكل من المفردتين” العرب ” ” و”المسلمون” و يلاحظ أن المضمون المشترك بينهما في نطاق المواجهة القديمة بين العرب والفرس ، ذلك أنّ الكتب المدرسية التي تعرّضت للفتح الإسلامي لبلاد فارس تطلق على الفاتحين اسم ” المسلمين “، وتطلق على الفتح الإسلامي ، الهجوم أو الحملة. وكأن الفتوحات الإسلامية بمثابة اجتياح عسكري-كما ذكرنا سابقاً -لكننا لم ننتزع اعترافاً واحداً، ولو في فقرة واحدة بالعظمة التي حققها ” المسلمون” في أثناء وجودهم في بلاد فارس، هذا مع أن للمسلمين بصمات تاريخية، وفي التاريخ القديم تشير بعض الكتب إلى المجابهة التي قامت بين الدولة الإسلامية والفرس.
ومن كل ما ذكرنا يتبيّن لنا تعمّد واضعي الكتب المدرسية الإيرانية تشويه صورة العرب وإخفاء دورهم في التاريخ الإسلامي بعامة، وبالفتح الإسلامي بخاصّة، وهو ما يجب الانتباه إليه، والعمل على كشفه وتعريته أمام العامة والخاصّة.
-المراجع-
[1] (كتاب التاريخ، الصف الأول الإعدادي، شركت جاب ونشر كتاب هاى درسى إيران، 1389، ص 68 -74، 104-112، تاريخ، الصف الثاني الإعدادي، ص 54-55.تاريخ، الصف الثالث الإعدادي، 12-120 التربية الاجتماعية، الصف الرابع الابتدائي، ص 100-115، التربية الاجتماعية، الصف الخامس الابتدائي، ص 89، 108. تاريخ إيران والعالم، الجزء النظري، الصف الأول الثانوي، ص، 90-95، 108-109 ،158-160)
_______________
المعلومات الواردة تعبر عن رأي كاتبها و لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع
أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
التنصيف : دراسات
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
تسعى هذه الدراسة لمحاولة فهم كيفية تناول الكتب المدرسية الإيرانية لصورة الفتح الإسلامي لبلاد فارس، وتكتسب الدراسة أهميتها من عدة اعتبارات أولها: تحديد الملامح الصريحة والضمنيّة لماهية صورة الفتح الإسلامي في المناهج الدراسية الإيرانية ومن ثم فقد ارتكزت الدراسة بشكل أساس على المصادر الأصلية المتمثلة في الكتب الدراسية للمراحل الثلاث: الابتدائية، والإعدادية، والثانوية.
وثانيها: إن تحليل مضمون كتب المراحل الثلاث يتيح لنا التعرف على صورة الفتح الإسلامي لبلاد فارس.
وثالثها: تحليل صورة الآخر من خلال عدة مستويات وهي المستوى المعدّ أو المبلور ونقصد به ما أعدّه أو بلوره مؤلفو الكتب المدرسية وعرضوه.
ويوجد مستوى آخر في صورة العرب، وهو المستوى العميق الذي لا يتبدّى عند مجرد القراءة المتواصلة والتحليل البياني، ولكن يتعيّن للتوصل لآلية تفكيك كل من النصوص ومرفقاتها لاكتشاف الطريقة التي تم بواسطتها إنتاج تلك الصورة. حيث تتميز النصوص التي هي محل الدراسة بعدة خصائص منها أنها تتعلق بنصوص تربوية، بمعنى أنها لا تكتفي بتقديم المعلومة، ولكنها تسعى إلى التثقيف، وبناء القيم، وتكوين المواقف، والانطباعات، والأحكام.
تسعى الدراسة للإجابة عن تساؤلات عدة وهي:
- كيف تناولت الكتب المدرسية الإيرانية صورة الفتح العربي الإسلامي، وطبيعة المفردات المستخدمة لتوصيف الفتح الإسلامي لبلاد فارس، ولماذا تتعمد الكتب المدرسية، وتلجأ إلى تشويه صورة الفتح العربي الإسلامي، وما هو مغزى ذلك وما هي دلالاته؟
- لماذا أسهمت الكتب المدرسية الإيرانية في تشويه صورة الفتح العربي الإسلامي واعتبرته غزواً أو هجوماً على بلاد فارس، ولماذا لم تتناوله بشكل واقعي ومنصف، بل تعمدت تشويهه؟
- هل التقت السياسة التعليمية مع أهداف الثورة الإسلامية الإيرانية في تشويه صورة الإسلام، ومحاولة الانتقاص منه مدفوعة بالعقدة الحضارية بين الفرس والعرب؟
-الكتب الابتدائية:
تُصوّر الكتب المدرسية الفارسية وميلها نحو الاستقرار والهدوء، والسلام والأمن، وعدم الاعتداء، والبناء والعمران، وغيره من شعوب الأرض أعداء حضارة وفكر، بل إن الإنسان الفارسيّ في أصعب أوقاته وهو محتل من جانب الغزاة لا ينفك يبني ويعمّر ويطوّر في الفكر والنظم، ويستفيد منه؛ حتى المحتل.
-الكتب الإعدادية:
إنّ بلاد فارس وشعبها-وبفضل ما يتمتعون به من إمكانيات، وثروات، وحضارة، وموقع -، حيث باتوا محطّ أطماع جيرانهم من الروم واليونان، حتى غزوا بلادهم، مما دفعتهم إلى تشكيل الجيوش، وإعدادها لمواجهة الخطر الخارجي، فتصدّت لهم بحزم وقوة.
كذلك نلاحظ التركيز على الروايات والنصوص التي تُظهر دور الفرس بمعزل عن العناصر الأخرى في صنع مجريات الأحداث التاريخية.
الكتب الثانوية:
تُظهر الكتب الثانوية أنّه لولا الفرس لما قامت الحضارة الإنسانية، ولولا وجود الفكر والنظام الفارسي لبقيت بلاد وحضارات مجهولة. كما تتضمن تلك الكتب حقائقَ تاريخيةٍ مشوهة ومزورة في أحيانٍ كثيرة؛ تمّ إخضاعها مُسبقا لأيديولوجيا السياسة كتعريف الكتب المدرسية للفتح الإسلامي، باعتباره اجتياحًا، وغزوًا، واحتلالًا، وهجمة عسكرية …
كما وصفت الفاتحين العرب بأنّهم غزاةٌ طامعون، ولم تُشِر لعظمةِ الإسلام؛ إلا في أَسطرٍ معدودة، وتتساءَلُ تلك الكتب ماذا قدموا لإيران، في الوقت الذي اعتُبرت بلاد فارس وشعبها كانوا موحدين للإله قبل مجيء العرب، وإنّ سبب انتصار المسلمين هو حجم العدة والعدد، والتسلح الأفضل، ولم نجد سوى سبعة نصوصٍ تتحدث عن عظمةِ الإسلام تحت عنوان سطوعُ شمس الإسلام، وفجر الإسلام، دون الإشارة للفاعلين العرب.[1]
ويَتضح مما سبق أنّ الكتب المدرسية تسعى إلى التعبئة ضدَّ الشخصية العربية، حيث ترى تلك الكتبُ أنّ الشخصية العربية تتسم بعدوانيةٍ أصيلةٍ، كرَّست نفسها للصراع ضدَّ إيران؛ فالعربُ في أحداث التاريخ الإسلامي يَظهرون وكأنهم عنصرٌ ثانويٌّ، ليس له صلةٌ ثابتة وأصيلة بالتاريخ الإسلامي، ولا حتى بالتاريخ الإنساني المدوَّن.
ومن هنا اعتمدت الكتبُ المدرسية أسلوب الانتقاء، واجتزاء الروايات والنصوص التي تُظهر النزعة الشوفينية الفارسية بمعزلٍ عن القوميات الأخرى في صنع مجريات الأحداث التاريخية. أما في أحداث التاريخ الإسلامي، فقد حاول النص تجاهل دورهم في مجريات الدعوة الإسلامية، وإذا أُريد إبرازهم، فهم أعداء الدعوة النبوية، فقريش وزعماؤها “كانوا يشعرون بالخطر الإسلامي”، وأبو سفيان “الأموي” كان من أشهر المعادين للإسلام. فالعرب يَظهرون وكأنهم ليسوا هم الذين نشروا الإسلام في الجزيرة العربية والعالم.
ويوضح الجدول التالي كيفية توصيف الفتح العربي الإسلامي في الكتب المدرسية الإيرانية:
الإيرانيون | العرب |
الميل نحو الاستقرار والهدوء | معتدون |
الدفاع عن حضارتهم | الفتح الإسلامي: غزو، اجتياح، حملة عسكرية |
السلام والأمن وعدم الاعتداء | عاشوا على النهب والسلب |
البناء والعمران قبل سطوع شمس الإسلام | غزاة طامعون سكنوا الخيام |
حضارة غنية بالإمكانيات | التخلف |
ثروات | الجمل والخيمة والأغنام |
حضارة وإمبراطورية | بلا حضارة عاشوا على النهب والسلب |
موقع مهم | متخلفون |
صناع التاريخ | هامشيون |
بيئة خضراء يانعة | صحراء قاحلة |
موحدون قبل الإسلام | عبدوا الأصنام |
حملة الإسلام الحقيقي | أهل البدع والضلال |
الثقافة الغنية | عدم الاعتراف الثقافي |
النجف الأشرف | الكعبة المشرفة |
الحرم النبوي | الحرم الرضوي |
الكتب | عدد النصوص |
الكتب الابتدائية | 6 نصوص |
الكتب الإعدادية | 18 نصا |
الكتب الثانوية | 25 نصا |
الإيرانيون | عدد النصوص |
المرحلة الابتدائية | 2 |
المرحلة الاعدادية | 1 |
المرحلة الثانوية | 4 |
الإيرانيون | عدد النصوص |
المرحلة الابتدائية | 275 |
المرحلة الإعدادية | 384 |
المرحلة الثانوية | 401 نصا |
الغرب وغير الإيرانيين عدا العرب | عدد النصوص |
المرحلة الابتدائية | 11 |
المرحلة الاعدادية | 38 |
المرحلة الثانوية | 71 |
اشتركت جميع الكتب المدرسية في التقليل –لأقصى حدٍ-من الأثر النفسيّ والماديّ الذي لحِق بالفرس نتيجةً لما تسميه كتب التاريخ ” بالهجوم الإسلامي”، الذي تسبب في هزيمة الساسانيين، لم نجد سوى مصطلحٍ واحدٍ أشار إليه بإيجابية وهو: ” سطوع شمس الإسلام “، ويؤكد هذا الإغفال قلة الأهمية التي يعطيها مؤلفو كتب التاريخ للأثر الذي ترتب على هذا الفتح بالنسبة للعلاقات المستقبلية بين العرب والإيرانيين.
كما تناولت الكتب المدرسية الإيرانية الفتح الإسلامي لبلاد فارس بسطور قليلة، حيث ظهر الإسلام في صورة مختصرة مجتزأة، غير علمية ومحايدة من خلال التداخل بين عدة عناوين.
بعدها يَظهر أبطالٌ وشخصيات تاريخية فارسية أسهمت في الانتصارات الإسلامية بطابعها الإيراني، ونستطيع القول إنّ هناك نظرة موحدة حول ” الفتح الإسلامي”، ولم يوجد هناك تنوعٌ في النظرة إلى الفاتح، ولا حتى إلى العلاقات التي قامت بين المسلمين والفرس.
بموازاة ذلك لم يتعرض كتاب مدرسي واحد للفترة التي استغرقها الفتح الإسلامي، والظروف التي أحاطت به، والصعاب التي واجهته …
حيث اكتفت هذه الكتب بمجرد وصف وصول المسلمين، ولكنها تحاشت كيفية مواجهة الفرس للإسلام، فالمؤرخون التاريخيون الذين ألّفوا الكتبَ المدرسية لا يهتمون بالأحداث التي تسيء للإيرانيين، مما يجعل نظرتهم محدودة للغاية، وتؤثر هذه النظرة الجزئية في طريقة الإشارة إلى الفاعلين الذين تجابهوا مع الفتح الإسلامي، يقابله إغفال شخصيات الفاعلين المسلمين، حتى أننا لا نجد ذِكراً للخليفة عمر بن الخطاب إلا ضمن التركيز على عملية الاغتيال والتشويه المتعمد.
وهذا يضعُنا أمام إشكالية حول كيفية تعامل الخطاب التاريخي المدرسي الذي يحرص على تمجيد الانتصارات القومية، وتقديمها على الأحداث الإيجابية في التاريخ الإيراني، مما سيساعدنا في الإجابة عن هذا السؤال تناول الخطاب المدرسي لدخول الإسلام إلى بلاد فارس، وما يقدمه من التسويغ، وما يسكت عنه، ثم نعزز هذا التناول بتحليل النص حول الفاعلين وأفعالهم المتبادلة، والجوانب المعززة للنص من خرائط وصور.
كذلك فإنّ معظم الكتب التي هي محل البحث لا تخصص له فصلاً قائماً بذاته وتكتفي بمعالجته في عدة فقراتٍ واردة في الفصول المتعلقة، ولم يعمد كتابٌ واحد إلى تخصيص ولو فصلاً مستقلاً للحديث عن هذا الفتح.
أ-دين جديد، أم مذهب مخالف أم حملة عسكرية: لا تختلف الكتب فيما بينها عند تحديدها لطبيعة وصف الاجتياح الإسلامي، وهي تنحاز إلى الطابع الديني لفوائد الدين الإسلامي، أما الطابع العسكري فيحدد الفتح الإسلامي لبلاد فارس بالاجتياح ويعالج الفتح الإسلامي تحت عناوين تاريخية.
ب-لا تتساءل الكتب المدرسية عن الأسباب التي هي وراء الفتح الإسلامي لبلاد فارس مثلاً والدوافع وراءها، وظروف إيران حيث توحي هذه الكتب بأن المسلمين قد بدأوا في العدوان على بلاد فارس، ولا تهتم هذه الكتب نفسها بذكر النجاح الذي حالف هذا الفتح، وكيفية انتصار المسلمين، وموقف الفرس في البداية من هذا الفتح.
ج-لم تفضح الممارسات الفارسية لوقف هذا الفتح، والمؤامرات التي حاكوها ضد المسلمين الفاتحين، وضد الدولة الإسلامية الجديدة الناشئة في بلاد فارس، والفظائع التي ارتكبوها للتآمر على الخلافة الإسلامية.
د- لا شك أن هذه الأحداث وما تلاها ترتكز على إبراز الكتب المدرسية لوجهة نظر أحاديةٍ تتسمُ بعدم الموضوعية، ولكنّ هذه النظرة تشترك في القراءة المذهبية لتناول موضوع الخلافة الإسلامية في معظم الملامح؛ ضمن حلقة متصلة تمتد من الفتح الإسلامي، مرورا بالخلافة الإسلامية العثمانية، وحتى يومنا هذا، بشكل ينسجم مع فن المجابهة للإسلام، ورفض الدين الوافد اليهم بنسخته العربية، وتناول التاريخ بصورة تتمركز فيه حول الذات الفارسية، وتجاهل صورة أهل السنة ” الفاعلين في الفتح الإسلامي ” ودورهم، وغرس قيم النزاع بين شعبين ” عربي سني – فارسي شيعي ” ، أو حضارتين ” العرب – الفرس ” .
تشويه الطابع العام للمفردات الخاصة بالفتح العربي الإسلامي لإيران في الكتب المدرسية
1-الإسلام: نلاحظ أن نصوص الكتب المدرسية تركز على وحدة الخطاب المدرسي حول دخول الإسلام إلى بلاد فارس، حيث تتبنى كتب التاريخ المدرسية أسلوب العمومية في الحديث، والتركيز على أهم حلقة في التاريخ الإسلامي وهي مسألة ظهور التشيع، وما واكبه من صراعٍ مريرٍ؛ فنحن أمام حالتين:
حالةَ التعميم في الطرح المختصر، والتخصيص في التوسع من خلال كتب التاريخ المدرسية بما ينسجم مع رؤية الإيرانيين للتاريخ، ولا تهتم الكتب بوصف ظاهرة الإسلام وأثرها في المجتمع الإيراني باعتبارها عملية بناء وتنوير ديني ومعرفي، حيث افتقدت تلك الكتب المدرسية إلى تعريف الإسلام في أثناء وبعد دخوله إلى بلاد فارس تعريفاً صحيحاً، فالإيرانيون ينظرون فيما بعد إلى الإسلام حسب رؤيتهم. فالخطاب المدرسي لا يهتم بالعلاقة بين المسلمين الجدد والفرس، حيث يظهر عدم التكافؤ في تناول الفاعلين ” العرب المسلمين “، وبالمقابل نجد أن الكتب المدرسية الإيرانية تعمد إلى عدم إظهار الجانب الحسن، والأفعال الإيجابية، التي ترمي إلى تحسين صورته، وستر الأفعال السلبية.
- فالأفعال: نشر قيم الإسلام السمحة، وإخراج الفرس من الديانات الضالة إلى
” المسلمون العرب”، وعلى العكس يتم تضخيم الدلالات السلبية، وحذف الفاعل الإيجابي، أو بتحويل الأفعال إلى مركباتٍ اسمية فقط. وهذا يؤدي إلى إعطاء الخطاب المدرسي عن العرب المسلمين طابعاً سلبياً، عديمَ الفاعلية وذلك لتقبيح صورتهم وبالمقابل إعطاء الإيراني صورةً متميزة إيجابية، وبالتالي يَظهر النص التاريخي ذا طابع ناقصٍ ومشوه، لا يَذكر إلا المجابهة العسكرية، وتعظيم الخلافات داخل التاريخ الإسلامي، وتحميل الخطيئة لأهل السنة والجماعة، والقفز على أحداث مهمة ومحورية لصورة أهل السنة في التاريخ الإسلامي المتداخل مع التاريخ الإيراني، حيث يبرز هذا الطابع بقوة.
ب-مواجهة الإسلام:
لا تتناول الكتب المدرسية الإسلامية موضوع المواجهة التي جرت بين المسلمين والفرس في أثناء دخول المسلمين إلى بلاد فارس وبعد دخولهم.
فالخطاب المدرسي لم يشر ولو بشكل بسيط إلى المؤامرات التي حاكها الفرس تجاه الدين الجديد، فهذا الموضوع غُيّب تماما عن الكتب المدرسية.
ج -الفاعلون في الفتح الإسلامي:
لا نجد شخصيات إسلامية بارزة يتم إيرادها أو تناولها في موضوع الفتح الإسلامي وما تلاه تختفي تماماً من النصوص، حيث يكون عدد الشخصيات في صورة العرب قليلاً جداً،
وبالتالي لن تسنح الفرصة لكثير من الطلاب الإيرانيين كي يسمعوا بها، فالمسلم مجهولٌ ومبسط إلى أقصى الحدود ، ففي معظم النصوص يكون اسم المسلمين هو الاسم الغالب على العرب، ولا تشير الكتب المدرسية في الوقت نفسه إلى الإسهامات التي قدمها المسلمون في بلاد فارس، ولا إلى تعليل حملة الإسلام على بلاد فارس، فنجدها تسهبُ في الحديث عن جنايات ” الأعراب” في بلاد فارس، في حين نجد الفاعلين الإيرانيين حاضرين وبقوة في النصوص التاريخية لنفس الفترة، مع تعظيم دور الفرس، وتحسين صورتهم بما يتفق مع نظرتهم الأحادية للتاريخ .
4 – من هنا أمكننا تمييز نوعين من الخطاب المدرسي حول علاقة إيران بالعرب. فالخطابُ المدرسي خطابٌ تاريخيٌّ منصبٌّ على الذات، حيث يُعظّم تناول التاريخ الفارسي، وهو تاريخ يفتقد لذكر الكثير من أحداث التاريخ عن عمدٍ وسوء قصدٍ، وهو أيضًا يفتقد للبعدِ النقديّ، ولا يلقي الضوء بشكل كاف على الأحداث والظواهر التي يتجابه من خلالها الإيرانيون والمسلمون العرب. وبالمقارنة بين الحقول الدلالية لكل من المفردتين” العرب ” و ” المسلمون” ” يلاحظ أن المضمون المشترك بينهما يوضع في نطاق المواجهة القديمة بين العرب والفرس، فإن الكتب التي تعرضت لها تطلق على الفاتحين اسم ” المسلمين“.
أما استخدام كلمة ” العرب ” فيكاد يكون غائباً، ولم ننتزع اعترافاً واحداً، ولو في فقرة واحدة بالعظمة الذي حققها ” المسلمون” في أثناء وجودهم في بلاد فارس، هذا مع أن للمسلمين بصماتٌ تاريخية، وفي التاريخ القديم تشير بعض الكتب إلى المجابهة التي قامت بين الدولة الإسلامية والفرس.
وقد ميّز كتابٌ واحد فقط بين اللغة العربية، وبين الانتماء إلى الدين الإسلامي، عندما قرر أنّ الفاتحين هم المسلمون، والكتاب نفسه أنكر وجود ثقافة ” عربية ” وأشرك كل العالم الإسلامي في الانتماء لثقافة واحدة، لكن حسب رؤيةِ إيران، لأنها الفاعل في صياغة الكتب التي تدرس في مدارسها.
مما يعني أن الحياد وإن كان صعباً فيما يتعلق بالتاريخ القومي الفارسي، ولا ينتقص من المعنى شيئا إلا ما يتعلق بالتعبير عن الشحنة العدائية الصراعية التي يكنّها الفرس للعرب. يلاحظ من خلال النصوص ومرفقاتها عدم وجود تماثل بين المفردتين ” عرب ” و”مسلمون ” ، فتستخدم كتب التاريخ مفردة (مسلمين) للدلالة على الفاعل نفسه، وفي الخرائط تستخدم تعبير بلاد فارس للدلالة على الأراضي التي فتحها العرب المسلمون في حين لا تستخدم تعبير الدولة الإسلامية من خلال النصوص المصاحبة للدلالة على الأراضي التي كانت عربية والمناطق التي أُدخلت الإسلام ، والتي احتفظت بلغتها وثقافتها ” بلاد فارس ” ، حيث تشير الكتب المدرسية الإيرانية إلى الدعوة الإسلامية باقتضاب، فيقدمون هذا الجانب بإيجاز من خلال جمل بسيطة عن الدين الجديد في سياق ذكر الحروب والفتوحات التي يخوضها المسلمون بهدف نشر الدين الجديد .
لا شك أن هذا التناول الغريب للإسلام لم يَسمح بدايةً بالتمهيد للتعريف بأهمية هذا الدين كونه دينًا عالميًا إنسانيًا جامعًا، يَظهر في عرض التاريخ لطلاب المدارس “علاقة تاريخية صراعية”، فتاريخ بلاد فارس كما يُدّرس في المدارس يقوم أساساً على ذكر الأحداث ضمن أسلوب سردي والانتقال فوراً إلى الصراع في التاريخ الإسلامي وظهور الشيعة. ولذلك جاءت علاقات إيران بالإسلام من خلال عرض تاريخيّ للمجابهات والخلافات.
ولا تقف المواجهة عند هذا الحد بين الحضارتين، بل وتتمادى كتب التاريخ في تعظيم دور الفرس من خلال إيلاء أهمية قصوى لتاريخهم ” الآري” السحيق، والحديث عن إبداعاتهم العلمية، الثقافية، الفنية، الفكرية، الأدبية…
ويقدمونها باعتبارها إبداعات أسهمت في تكوين الحضارة الفارسية الخاصة بالفرس أنفسهم وليست الحضارة الإسلامية الجامعة.
والأمر يتحول إلى مناكفةٍ عندما تُخصَّصُ كثيرٌ من الكتب المدرسية الإيرانية للحديث عن عالم إيراني وكأنه ردٌ على العرب بأن هذا العالم إيراني وليس عربياً، -وهذا ما سوف نبحثه لاحقاً -وهذا ليس ما قرأناه في كتبهم فقط، بل ما سمعناه في أحد المؤتمرات التي جرت في طهران، حيث عبر عددٌ من الأساتذة الإيرانيين عن استياءهم الشديد من قول العرب: بأنّ الرازي هو عالمٌ عربيٌ مسلم.
كذلك نجد غياباً حتى لمعالم الحضارة الإسلامية قيماً تاريخيةً في إيران، فالمدن القديمة فارسية، والسكة، التراث…
مما يعبر فقط عن ثراء الحضارة الفارسية على حساب الإسلامية.
ولم تُبرز الكتب صورةً إيجابية عن العالم العربي في الماضي الذي يُشار إليه بأنه حضارة عظيمة، ولكن الصورة تزداد قتامةً، وتصبح أكثر سلبيةً بالنسبة إلى الماضي القريب، وبالنسبة إلى الفترة الحاضرة. مما يؤكد أن العرب كانوا ومازالوا وسيظلون مصدرا للقلق بالنسبة للإيرانيين، وما يلفت النظر أكثرَ من ذلك ندرةُ استخدام مفردة ” العالم العربي ” وتكرار الحرص على تجنّب استخدامها لدى كثيرٍ من الكتبِ المدرسية، ولكن لماذا هذا التجنّب، وما مغزاه؟
إن استخدام المفردات الأخرى هو لمجردِ تجنّب استخدام مفردةٍ أبسطَ، وأكثر ملاءمة وهي (العالم العربي)، فالصراع التاريخي المذهبي والسياسي، واعتقاد إيران بأنّ لها حقوقا تاريخية وسياسية تُنسب للماضي في معظم الأحيان، وهي لا تظهر وذلك لحرص الإيرانيين على إظهار العالم العربي موحداً، مما يقيم أساساً سياسياً، اقتصادياً، ثقافياً، لغوياً …
لهذه المنطقة، مما يوحي بتماسك العالم العربي وخاصة الديني ” السني “، واستحضار المؤلف الإيراني إن ذلك التوحد سيكون ضدَّ إيران ” الشيعية “، من خلال ذكر مفردة العالم العربي في كتبها المدرسية، لهذا يتم تجنبها، فضلًا عن الإشكالية المتعلقة بالخرائط الجغرافية، والمفردات التي يجب تثبيتها تساهم بدرجة كبيرة في هذا التجنب.
العالم العربي: غياب تام
الإمبراطورية الإسلامية: غياب تام
الحضارة العربية الإسلامية: غياب تام
وتتجنب الكتب المدرسية الإيرانية استخدام العالم الإسلامي الذي يبدو مجالاً جغرافياً أكثر دقة من الناحية التاريخية، وفي الحاضر ذكره في الكتب المدرسية الإيرانية، معناه وحدة ثقافية، وتاريخية، سياسية واحدة، وهو ما يرفضه صانع القرار التربوي والسياسي الإيراني، لأنه سيعطي الانطباع بأن هناك انسجاماً عقائديا على حساب إيران التي تزعم أنها تنفرد بحمل لواء الإسلام الحقيقي.
لكن الكتب الإيرانية ثرية بشكل كبير بالحديث عن الانشقاقات والخلافات بين إيران ودول العالم الإسلامي؛ خاصة المذهبية، والتي تعطيها أولوية كبرى في مناهجها المدرسية.
من هنا نجد أن استخدام مفرد “العالم الإسلامي” تكاد تكون نادرة جداً في الكتب المدرسية الإيرانية، إذ يوجد هناك يقين يتم ترسيخه في ذهن الطالب الإيراني بأن العالم الإسلامي ليس كتلةً واحدة ، بلى و غير متجانس كذلك، ويختزل الدين الإسلامي بمكونه الشيعي الفارسي، ومسلم، هذا يعلل حرص الكتب المدرسية الإيرانية على عدم جمع صفة عربي ومسلم، أو ذكر مفردة الحضارة العربية الإسلامية في الكتب المدرسية الإيرانية. إذا نحينا جانبا مفردة ” اللغة ” وهي وردت مقترنة بصفة ” العربي”، أما مفردة الدين فلا ترد إلا مع الصفة “الإسلامية “.
المفردة: (إسلام)
تتميز بأعلى نسبة من التكرار بالقياس إلى المفردات الأخرى، ويمكن ملاحظة عدم وجود علاقة ذات مغزى بين مفردتي ” العربي” و” المسلم”، ويتضح أن استخدام كلمة العربي لم يستخدم معها المسلم أو العكس. في حين لا تَظهر مفردة الحضارة العربية الإسلامية، أو الحضارة العربية إطلاقا. وهذه تؤكد وتعزز عدم الرؤية الإيجابية للعرب، ولا يخصص لوصف العرب إلا مفردة ذات طابعٍ عام هي العرب والأعراب، وساكني الصحراء الذين تلصق بهم أقذع الصفات؛ من هنا فقد اتضح من نصوص الكتب وبعد حصر المفردات ذات المدلول الإسلامي أو العربي الصريح أن الكلمات المفتاحية في مادة الإسلام التي وردت في الكتب لا تختلف بين كتاب وآخر، مما يشير إلى فقر هائل في استخدام المفردات الإسلامية، ونورد فيما يلي بيانا بهذه المفردات المشتركة بين كل الكتب:
المسلمون حضور، بالمقارنة بين الحقول الدلالية لكل من المفردتين” العرب ” ” و”المسلمون” و يلاحظ أن المضمون المشترك بينهما في نطاق المواجهة القديمة بين العرب والفرس ، ذلك أنّ الكتب المدرسية التي تعرّضت للفتح الإسلامي لبلاد فارس تطلق على الفاتحين اسم ” المسلمين “، وتطلق على الفتح الإسلامي ، الهجوم أو الحملة. وكأن الفتوحات الإسلامية بمثابة اجتياح عسكري-كما ذكرنا سابقاً -لكننا لم ننتزع اعترافاً واحداً، ولو في فقرة واحدة بالعظمة التي حققها ” المسلمون” في أثناء وجودهم في بلاد فارس، هذا مع أن للمسلمين بصمات تاريخية، وفي التاريخ القديم تشير بعض الكتب إلى المجابهة التي قامت بين الدولة الإسلامية والفرس.
ومن كل ما ذكرنا يتبيّن لنا تعمّد واضعي الكتب المدرسية الإيرانية تشويه صورة العرب وإخفاء دورهم في التاريخ الإسلامي بعامة، وبالفتح الإسلامي بخاصّة، وهو ما يجب الانتباه إليه، والعمل على كشفه وتعريته أمام العامة والخاصّة.
-المراجع-
[1] (كتاب التاريخ، الصف الأول الإعدادي، شركت جاب ونشر كتاب هاى درسى إيران، 1389، ص 68 -74، 104-112، تاريخ، الصف الثاني الإعدادي، ص 54-55.تاريخ، الصف الثالث الإعدادي، 12-120 التربية الاجتماعية، الصف الرابع الابتدائي، ص 100-115، التربية الاجتماعية، الصف الخامس الابتدائي، ص 89، 108. تاريخ إيران والعالم، الجزء النظري، الصف الأول الثانوي، ص، 90-95، 108-109 ،158-160)
_______________
المعلومات الواردة تعبر عن رأي كاتبها و لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع
أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
التنصيف : دراسات
التعديل الأخير: