1. معركة بدر الكبرى (17 رمضان، السنة 2 للهجرة) :-
- المقدمه -
رمضان، شهر الصيام والقيام، هو أيضًا شهر الجهاد والنصر، حيث شهدت صفحات التاريخ الإسلامي أعظم الانتصارات التي غيرت مسار الأمة. و هذا ما سنتعرضه في الايام القادمه ان شاء الله , و البدايه ستكون مع أبرز هذه الانتصارات و هو الانتصار في غزوة بدر الكبرى، التي وقعت في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة، و ترجع اهميتها لكونها أول معركة فاصلة بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر. في هذا الشهر الكريم، حيث يزداد الإيمان وتعلو الروحانية، خاض المسلمون بقيادة النبي محمد ﷺ معركة غيرت تاريخ الإسلام إلى الأبد.
و غزوة بدر كانت درسًا عظيمًا في الإيمان والصبر والتضحية، حيث أثبت المسلمون أن القوة الحقيقية تكمن في الإيمان بالله والثقة بنصره. كانت هذه المعركة بداية لعهد جديد، حيث بدأت كلمة الإسلام تعلو، وأصبح للمسلمين هيبة وقوة في الجزيرة العربية.
في هذا الموضوع، سنستعرض تفاصيل هذه الغزوة العظيمة، من أسبابها وأحداثها إلى نتائجها ودروسها المستفادة، لنستلهم منها العبرة ونستذكر أمجاد أسلافنا الذين ضربوا أروع الأمثلة في الإيمان والجهاد.
- اسباب الغزوة -
غزوة بدر لم تكن حدثًا عشوائيًا، بل كانت نتيجة لسلسلة من الأحداث والمواقف التي أدت إلى هذه المواجهة الفاصلة بين المسلمين وقريش. يمكن تلخيص أسباب الغزوة في النقاط التالية:
1. الاضطهاد في مكة: حيث قبل الهجرة، عانى المسلمون من اضطهاد شديد من قريش، حيث تعرضوا للتعذيب والحصار الاقتصادي والاجتماعي, و بعد الهجرة إلى المدينة، استمرت قريش في عدائها للمسلمين، مما جعل المواجهة حتمية, حتي وصل الامر لمصادره اموال المسلمين في مكه.
2. اعتراض قافلة قريش: كانت قريش تقوم بتجارة كبيرة بين مكة والشام، وكانت هذه القوافل تمثل مصدرًا رئيسيًا لثروتها. لذلك عندما علم النبي محمد ﷺ بمرور قافلة تجارية كبيرة لقريش بقيادة أبي سفيان، فقرر اعتراضها لتعويض المسلمين عن أموالهم التي صودرت في مكة.
3. رد الاعتبار للمسلمين: كان اعتراض القافلة بمثابة رسالة لقريش بأن المسلمين لم يعودوا ضعفاء، وأنهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم,كما كان الهدف هو استعادة جزء من الحقوق التي سُلبت من المسلمين في مكة.
4. تهديد أمن المدينة: كانت قريش تشكل تهديدًا مستمرًا لأمن المدينة المنورة، حيث كانت تخطط للقضاء على المسلمين ,قرر النبي محمد ﷺ أن يكون الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع، خاصة بعد أن علم أن قريش جهزت جيشًا كبيرًا لحماية القافلة.
5. التأييد الإلهي: كان النبي محمد ﷺ يتلقى الوحي من الله تعالى، الذي أيد قرار الخروج لمواجهة قريش, قال الله تعالى في القرآن الكريم:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} (الأنفال: 5).
- الاحداث قبل المعركه -
خرج النبي محمد ﷺ ومعه حوالي 313 مقاتلًا من المهاجرين والأنصار، وكان عدد الإبل قليلاً، حيث كانوا يتناوبون الركوب عليها,و كان الهدف الأساسي من الخروج هو اعتراض القافلة، وليس الدخول في معركة مع قريش. لكن عندما علم أبو سفيان بتحرك المسلمين، غير مسار القافلة و استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وكلفه بالذهاب ليستنفر قريشًا لنجدتهم، في هذه الأثناء كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي ﷺ قد رأت رؤيا انتشر خبرها في قريش تشير إلى ما سيحدث فسخر منها الناس وعلى رأسهم أبو جهل، فلمّا وصل ضمضم ينذرهم ثاروا جميعًا وخرجوا لحرب المسلمين, و لقد حوّل أبو سفيان خط سير القافلة نحو الساحل غرباً تاركاً الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار، وبهذا نجا بالقافلة وأرسل لقريش يخبرهم بنجاته ويشير عليهم بالرجوع وعدم الحرب، ولكنّ أبو جهل أصرّ على القتال.و بما ان المسلمون كانوا قد خرجوا من أجل الإغارة على القافلة، ولكن الأمر قد تطوّر إلى مواجهة وحرب مع قريش، فعقد الرسول ﷺ مجلساً استشارياً مع أصحابه، فقام أبو بكر وعمر والمقداد فتكلموا وأحسنوا، فأعاد الرسول ﷺ الأمر، وقال: «أشيروا عليّ أيها الناس»، يريد بذلك الأنصار الذين بايعوه في العقبة على نصرته في ديارهم.فقال سعد بن معاذ: (قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة؛ فامض يا رسول الله لما أردت؛فوالاذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدواً غداً، وإنا لصُبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعلّ الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله).سُرّ رسول الله ﷺ بما قاله المهاجرين والأنصار، وقال: «سيروا وأبشروا؛ فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم».
- تحرك الرسول ﷺ يقود المسلمين إلى بدر واختار مكاناً للقتال، ثم أشار الحباب بن المنذر بتعديله ليسهل على المسلمين التحكم في مصدر المياه، كما تمكن المسلمون منْ أسر غلامين من قريش، واستجوابهما فعرفوا أعداد جيش قريش ومَنْ فيه مِنْ سادتها.
- أرسل الله مطراً فكان برداً وسلاماً وتثبيتاً للمسلمين، ووابلاً ورجزاً على الكافرين، وقد كان الشيطان قد أصاب المسلمين أثناء نومهم، فاحتلم منهم الكثير، فنزل المطر فطهرهم بذلك.
- كما بنى سعد بن معاذ عريشاً للنبي ﷺ يقود منه الجيش، وقضى الرسول ﷺ ليلته في الصلاة والدعاء والتبتل والتضرع لله تعالى قائلًا: «اللهم إنْ تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم»، حتى سقط رداؤه عن منكبيه.
- طلب المشركون منْ عمير بن وهب الجمحي أنْ يستطلع أمر المسلمين، فقال لهم: (عددهم ثلاثمائة رجل، ولكني رأيت يا معشر قريش المطايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم؛ ف والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم).
- وهنا حدث خلاف في صفوفهم: حيث أراد حكيم بن حزام العودة عن القتال، ولكن أبا جهل وقف في وجه هذا الرأي وثبّت المشركين، فحميَ الناس وصعب أمرهم واستوثقوا على ما هم عليه من الشر.
- بدأت المعركة بمحاولة الأسود بن عبد الأسد المخزومي أنْ يشرب من حوض الماء الذي بناه المسلمون، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب وقتله قبل أن يشرب.
- ثم خرج ثلاثة من فرسان قريش للمبارزة هم: عتبة بن ربيعة، وولده الوليد، وأخوه شيبة، فخرج ثلاثة من الأنصار فرفضوهم، وطلبوا مبارزة ثلاثة من المهاجرين، فأمر النبي ﷺ: عبيدة بن الحارث، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، فخرجوا لهم وتمكنوا منهم فقتلوهم.
- هنا التحم الجيشان دارت رحى حرب طاحنة، كان المسلمون يقتلون بنظام الصفوف، أما المشركون فكانوا يقتلون بنظام الكرّ والفر، ثم جاء المدد الإلهي بألف من الملائكة يقودهم جبريل عليه السلام.
- فخرج رسول الله ﷺ وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}، ثم أخذ حفنة من الحصى فاستقبل بها قريشً، وقال: «شاهت الوجوه!»، ورمى بها في وجوههم فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه، فما لبثوا إلا أنْ هزموا وولّوا مدبرين.
انتهت المعركة بانتصار ساحق للمسلمين، حيث قُتل حوالي 70 من قريش، وأُسر حوالي 70 آخرين ,استشهد من المسلمين 14 رجلاً فقط. و حصل المسلمون على غنائم كبيرة من القافلة ومن جيش قريش و تم أسر عدد من قريش، وتم الإفراج عن بعضهم مقابل فدية، وعلم البعض الآخر القراءة والكتابة كفدية.
استشار النبي ﷺ أصحابه: ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر الصديق: «يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأْنِ بهم لعل الله أن يتوب عليهم» , وقال عمر بن الخطاب: «يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك، قرِّبهم فاضرب أعناقهم», وقال عبد الله بن رواحة: «يا رسول الله، انظر واديًا كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم اضرم عليهم نارًا», فقال رسول الله ﷺ: «إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، ثم قال: «أنتم عالة، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق», ثم نزل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وقع خلاف بين المسلمين حول الغنائم، إذ لم يكن حكمها قد شُرِّع بعد، وعليه كان أمرها عُرضة لاختلاف وجهات النظر بينهم، فنزل القرآن الكريم بمشروعيتها وكيفية تقسيمها وتوزيعها، وفي ذلك قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}.
فالمسلمون لم يخرجوا عن كونهم بشر يختلفون؛ ولكنهم لمّا جاءهم الأمر الإلهي امتثلوا، حيث قسّمها رسول الله ﷺ: فأعطى أربعة أخماس الغنائم للجيش وتمَّ تقسيمها بالتساوي، واحتفظ بالخمس قسّمه فيما يراه هو منْ حاجات المسلمين, نال المسلمون المشاركون في معركة بدر مغفرة الله تعالى، قال ﷺ: «لَعَلَ الله اطَلَعَ على أَهْلِ بَدْرٍ فقال: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، ولازمهم وصف «البدريون»، وكونوا الطبقة الأولى من الصحابة، واحتلوا أوائل التراجم في كتب الطبقات، وأعطاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعلى العطاء.
- أهمية المعركة -
كانت نقطة تحول كبرى حيث انها كانت أول انتصار عسكري للمسلمين، مما عزز مكانتهم في الجزيرة العربية, و أثبتت أن الإيمان والتوكل على الله يمكن أن يهزما القوة المادية. فأصبح للمسلمين هيبة وقوة في الجزيرة العربية.
- دروس مستفادة من المعركة -
التوكل على الله: كان النصر بتوفيق من الله، رغم قلة العدد والعتاد.
التخطيط الاستراتيجي: اختيار الموقع المناسب والاستعداد الجيد كانا عاملين مهمين في النصر.
الوحدة: تعاون المهاجرون والأنصار في سبيل نصرة الإسلام.
الصبر: تحمل المسلمون المشاق والصعاب من أجل تحقيق النصر.