.
أوربا حالياً لا تمتلك عقيدة عسكرية مستقلة للدفاع القاري ضد روسيا.
روسيا هي العدو الذي بقي متربصاً بأوربا عدة قرون.
حرب السنوات السبع 1756-1763 كانت من أوائل الحروب التي تصدت فيها دولة أوربية لمحاولة روسيا اقتحام العمق الأوربي, حيث صمدت الجيوش البروسية, وتحملت الخسائر البشرية والعسكرية والمادية الهائلة لإيقاف الجيش الروسي في تلك الحرب.
ابتلاع روسيا لأجزاء كبيرة من بولندا عام 1795 , واختفاء بولندا من الخريطة لمدة 100 سنة, وضع روسيا على مقربة كبيرة من القلب النابض للقارة الأوربية, ولعل ما شغل روسيا القيصرية في ذلك الوقت هو توسعها باتجاه الشرق, وحروبها المستمرة مع العثمانيين.
مغامرة نابليون الشهيرة عام 1812 للقضاء على الخطر الروسي على أوربا بائت بالفشل الذريع, حيث فشل نابليون في فهم أهمية العمق الجغرافي لروسيا في عملية الدفاع عن الأمة الروسية, فتلاشى جيشه العظيم, وهيأ ذلك الأمور للجيوش الروسية لأخذ المبادرة فيما بعد, والانقضاض على جيوش نابليون, ودفعه للتراجع حتى فرنسا, ثم الاستسلام.
لم تكن مغامرة نابليون هي الأولى أوربياً, فقد سبقه ملك السويد (كارل الثاني عشر) عام 1708 حيث حاول غزو روسيا في عمقها, وحقق انتصارات كبيرة في البداية, لكنه مني بعدها بهزيمة كبيرة فيما بعد.
روسيا الشيوعية لم تختلف عن روسيا القيصرية, بل أن العقيدة التوسعية صارت أكبر وأهم, فبعد إخضاع الأوكرانيين, توجهت جيوش الشيوعية لإخضاع بولندا التي أعادتها معاهدة فرساي إلى الخريطة, لكن الصمود الأسطوري للجيوش البولندية على أسوار وارسو هزمت جيوش لينين, وأنقذت أوربا من الجيوش الشيوعية التي لم تكن تريد التوقف عند بولندا, بل كانت ترى في بولندا ممراً إلى ألمانيا, قلب أوربا النابض.
ستالين لم ينسى أبداً تلك الهزيمة التي منعته من إخضاع أوربا. هتلر لم يغب عن باله أبداً خطر روسيا على الأمانيا خصوصاً وأوربا عموماً.
لم أقرأ حتى الآن دراسة منصفة لحرب هتلر على روسيا. لقد كان غزو هتلر لروسيا أفضل غزو من ناحية التخطيط والتنفيذ. يظن الكثيرون أن ما أنقذ الروس هو عمقهم الجغرافي, والشتاء الروسي, وصمودهم الأسطوري. لا شك أن هذه كانت عوامل مهمة, لكن العالم الأهم هو المساعدات المالية والعسكرية والغذائية الهائلة التي أرسلتها أمريكا خصوصاً وبريطانيا أيضاً لروسيا.
لقد استطاع هتلر الاستيلاء على حقول القمح الأوكرانية والبيلاروسية الخصبة, وعدد كبير من مصانع السوفيت. لقد كان السوفيت على وشك الانهيار الكامل لولا المساعدات العاجلة الهائلة من أمريكا خصوصاً لروسيا.
نجد الكثيرين يتكلمون عن خطوط الإمداد الهائلة التي كانت تتدفق من أمريكا إلى اوربا, لكن نكاد لا نجد ذكراً لخطوط الإمداد الكبيرة التي كانت تتدفق من أمريكا (وكندا) إلى الاتحاد السوفيتي. لقد شاركت الأسلحة الأمريكية والبريطانية في معركة الدفاع عن موسكو.
https://www.rbth.com/business/2015/05/08/allies_gave_soviets_130_billion_under_lend-lease_45879.html
https://en.wikipedia.org/wiki/Lend-Lease#US_deliveries_to_the_Soviet_Union
http://www.historynet.com/did-russi...ase-helped-the-soviets-defeat-the-germans.htm
المفارقة في الأمر أن الأمريكيين الذين ساهموا في الدفاع عن ستالين, هم أنفسهم الذين أوقفوا حدود التقدم الشرس لستالين والروس في عمق أوربا, وأنقذوا أوربا من الوقوع تحت سيطرة الروس الشيوعيين.
والآن نجد أن أمريكا هي الوحيدة الآن التي تمتلك مفاتيح الحد من الخطر الروسي على أوربا, فبدخول النفوذ الأمريكي لأوكرانيا, صارت أمريكا في أقرب مسافة تاريخياً عن موسكو.
الأوربيون لا يمتلكون مقومات ولا استراتيجيات دفاع قاري موحد وعملي قادر على هزيمة أو تحييد الخطر والتهديد الروسي. الأوربيون يعلمون ذلك, والروس يعلمون ذلك, والأمريكيون يعلمون ذلك.
الأمريكيون هم العامل الأقوى, وترامب يحرص على جعل أوربا تدفع الفاتورة, فليس لها بديل عن ذلك, وإعلان الرئيس الفرنسي هو طريقة لطيفة لقول أننا مستعدون لتحمل مسؤولياتنا, ودفع الفاتورة المطلوبة.
.