هذا تفسير اتفاق «داعش» و«حزب الله»
حمد الماجد
استاذ في جامعة الإمام بالرّياض، وعضو الجمعيّة الوطنيّة لحقوق الإنسان وعضو مجلس إدارة مركز الملك عبدالله العالمي لحوار الأديان والحضارات - فيينا
مع الدواعش تغشت الرحمةُ قلوبَ قادة حزب الله، قائم مقام إيران في لبنان، واجتاحت مشاعرهم الحنية، وذرفت دموعُهم على الدواعش شفقةً ورقةً، وتنزلت في أدبياتهم مبادئ حقوق الإنسان وطبقوا مواثيق القتال وراعوا شرف النزالات، وامتثلوا لمُثُل الفروسية. نعم كادت تتفطر قلوب كواسر الضاحية الجنوبية رحمة بالداعشيين وآلهم وذرياتهم، فوقَّع «الحزب الإلهي» أخيراً اتفاقاً إنسانياً يمنح الدواعش وأهاليهم وقوافلهم الوصول الآمن لمنطقة البوكمال شرق سوريا، حيث لا يزال الدواعش يسيطرون بخليفتهم على تراب تلك المناطق. هذا الاتفاق سطرته أيادٍٍ «ميليشياتية» حنونة رقيقة، ومداد كلمات الاتفاق دموع الرحمة والرأفة والشفقة!!
يبدو أن الشفقة والرحمة والحنية عند حزب الله وإيران التي باركت الاتفاق إنما هي قبعات تُعتمر وقت الحاجة إليها وتُنزع وقت الاستغناء عنها وحسب أحوال المناخ السياسي وتقلبات مصالح حزب الله والنظام الخميني الراعي الحصري للحزب، وإلا فقاصي العالم ودانيه يعرف ويتابع ويرصد مجازر حزب الله على الثرى السوري ومقاومته الشعب السوري وحقه الأصيل في تغيير نظام حكمه الدموي الطائفي، حزب الله الذي برزت إنسانيته لزملاء الإرهاب في «داعش» هو ذاته الذي يساند، ولأسباب طائفية صرفة، نظام بشار الذي يسعى في أرض سوريا فساداً ويهلك الحرث بمجنزراته والنسل ببراميله المتفجرة، فقتل عشرات الآلاف وهجر مئات الألوف وأوقع الملايين من شعبه في أزمة إنسانية على مدار السنوات الست الماضية، وهو الحزب ذاته الذي يجثم على صدر اللبنانيين بجيشه الذي يفوق جيش لبنان النظامي عدداً وعدة ويتحكم فيه بقبضته الحديدية ويثير الرعب في أنحائه باغتيالاته وزعرنته وبلطجيته.
لا أتفق مع من يقول إن الاتفاق بين حاضنتي الإرهاب؛ حزب الله و«داعش» زاد من غموض أحجية «داعش»، بل على العكس تماماً، فهذا الاتفاق يفك بعض شفرات هذه الأحجية ويزيح الستار عن جانب من غموضها، ويجيب عن بعض الاستفهامات التي تملأ رأس الرأي العام العربي حول «داعش» المثير الجدل، للنظام الخميني مصلحة استراتيجية كبرى مع التنظيمات الإرهابية السنية، «داعش» و«النصرة» وقبلهما «القاعدة» وكل من دار في فلك هذه التنظيمات المتشددة أو تقاطع مع آيديولوجيتها.
صحيح أن هناك تنافراً عقدياً وفكرياً بين هذه التنظيمات الإرهابية السنية وحركات الإرهاب بنسختها الشيعية ممثلة في حزب الله، ولكن الصحيح أيضاً أن للخمينية في إيران والعراق ولبنان وسوريا واليمن وكل دولة توجد فيها خلاياها النائمة والمستيقظة مصلحة كبرى، فهذه التنظيمات السنية الإرهابية بتخلفها وبطشها ودمويتها هي التي تتكئ عليها الخمينية الإيرانية بفرعها اللبناني لمد نفوذها العسكري والسياسي والآيديولوجي والديموغرافي، وهذا ما تحقق فعلاً في العراق وسوريا واليمن، فتحت محاربة هذه التنظيمات السنية الإرهابية استطاعت إيران أن تقنع العالم الغربي، بل وتقنع عدداً من دول العالم العربي بأنها تحارب الحركات الإرهابية كـ«داعش» و«النصرة» وبقية القائمة، وهي بالفعل تحاربها، ولكنها في الوقت ذاته تنفذ بهذه الحركات الإرهابية مخططاتها بعيدة المدى، فإيران الآن تنفذ هذه المخططات وبأسلوب ممنهج، فتحت ذريعة محاربة «داعش» والإرهاب هجرت مئات الألوف من السنة في العراق وسوريا ولبنان من مدنهم وبلداتهم التاريخية تمهيداً لالتئام قطع الهلال الشيعي المتفرقة، ومن اعترض على نفوذ الخمينية في العراق وسوريا وأعمالها العسكرية وقتالها للعراقيين والسوريين رفعت في وجهه شعار محاربة «داعش» ومن دار في فلكه، ثم اتهمته بالطائفية، وهذا ما يمارسه إعلاميو الخمينية ومثقفوها وأكاديميوها في دول المنطقة دون استثناء.
الزواج المؤقت بين «داعش» وحزب الله يشي بأن الخمينية لم تنتهِ بعد من استغلال ورقة «داعش» والحركات الإرهابية السنية، وإذا استنفدت الخمينية غايتها منها نبذتها نبذ النوى وأجهزت عليها.