السيطرة على "عفرين": معضلة الإستراتيجية العسكرية التركية
====================
2017-8-27 |
خدمة العصر
كتب الباحث "ديفيد بارتشارد"، الذي عمل في تركيا صحفيا وأستاذا جامعيا، في مقال نشره موقع "ميديل إيست آي"، أن تركيا تواجه اليوم تشابكا معقدا من التحديات العسكرية والدبلوماسية في سوريا والعراق
قبل عام واحد بالضبط ، في مثل هذا الأسبوع، عبرت القوات التركية الحدود إلى سوريا وبدأت عملية درع الفرات، وهي حملة عسكرية كان من المفترض أن تصل أصلا إلى حلب ومنبج، ولكنها انتهت في نهاية المطاف بحصر قواتها على مسافة 1620 كيلومترا مربعا بالقرب من حدودها. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، انتشرت شائعات مفادها أن أنقرة تفكر في عملية ثانية، سموها "عملية سيف الفرات".
وأشار، هذا الأسبوع، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى احتمال الإقدام على تدخل ثانٍ، وحذر من أن تركيا لن تسمح باستيلاء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) على منطقة عفرين السورية الشمالية المعزولة.
والواقع، يقول الصحفي، أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي قد رسخ سيطرته على عفرين. لكن يبدو أنه من غير المرجح أن يتمكن الأكراد من التمدد من عفرين إلى البحر المتوسط، لأن هذا يعني اختراق الأراضي التركية أو الاتجاه جنوبا والمرور عبر "إدلب" التي تسيطر عليها المعارضة السورية. ومنذ يناير 2014، يحكم منطقة "عفرين" هيفي إبراهيم مصطفى، وهي عضو في حزب الاتحاد الديمقراطي ورئيسة المجلس التنفيذي في المقاطعة ذاتها وتوصف بأنها "رئيسة وزراء".
وينقل الكاتب أن صحيفة "ديلى صباح" التركية، الموالية للحكومة، أوردت في يوليو الماضي أن عفرين هي الجزء المفقود في الإستراتيجية التركية تجاه سوريا. وقد بدأت أنقرة في تنفيذ ضربات محدودة ضد عفرين. ومنذ ليلة 18 أغسطس، كانت أخبار القصف التركي ترد من المدينة. ولكي تُقدم على أكثر من ذلك، سيكون على تركيا أن تضبط ما تفعله مع القوى الخارجية الأخرى المؤثرة في الحرب السورية: الولايات المتحدة، التي هي حليف عسكري وثيق لحزب الاتحاد الديمقراطي، وتقاتل إلى جانبهم للسيطرة على الرقة؛ الروس، حلفاء بشار الأسد، الذين يرغبون في التخلص من "هيئة تحرير الشام" في إدلب؛ والإيرانيون، حلفاء الأسد أيضا.
لذلك، زار، في الآونة الأخيرة، مجموعة من كبار العسكريين أنقرة وتحدثوا إلى أردوغان. وكان رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري قد وصل إلى أنقرة الأسبوع الماضي، ثم جاء بعده وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، ومن المتوقع أن يسافر رئيس الأركان الروسي، فاليري جيراسيموف، إلى العاصمة التركية هذا الأسبوع.
ويمكن للمراقب من بعيد أن يتساءل عن مدى إمكانية تركيا الاستفادة من التنافس بين الأطراف الثلاثة، غير أن المشكلة، كما يراها الكاتب، هي أن أنقرة تريد من كل هذه القوى تقديم تنازلات وتعزيز موقفها في سوريا، بينما يبدو أنها، في المقابل، لا تقدم لهم إلا القليل.
من المحتمل أن تكون روسيا والولايات المتحدة مترددتين في التخلص تماما من "الورقة الكردية" في سوريا أو السماح لتركيا بأخذ مساحة واسعة من الأراضي السورية، ولكن العلاقات مع تركيا ذات أهمية كبيرة للأطراف الثلاثة.
ولذلك، وفقا لتقديرات الكاتب، من المرجح أن يرغب كل منهم في إعطاء تركيا شيئا، ولكن أقل مما تطلبه. وأما مسألة العمل العسكري، فيبدو وكأن أحدا لا يريد توغلا تركيا جديدا في سوريا. قد تكون إيران مستعدة لمساعدة تركيا على محاربة حزب العمال الكردستاني الذي يشكل تهديدا مشتركا لكلا الطرفين، ولكن الفكرة تواجه بعض المعارضة في إيران.
ورغم تزايد مناخ العداء مع الصحف التركية التي تتهم أمريكا بقتل المدنيين في الرقة، فإن الولايات المتحدة لا تزال تحدد ثمنا باهظا في علاقتها "المحرجة ولكن الضرورية" مع تركيا للتخلي عن حلفائها الأكراد بعد أن يستوفوا مهمتهم في هزيمة "داعش".
من المتوقع أن يوضح "ماتيس" لكبار المسؤولين الأتراك أن الولايات المتحدة مستعدة لإعطاء تركيا المزيد من المساعدات في مواجهتها ضد حزب العمال الكردستاني، وبما أن تركيا وضعت حاليا كل الجنوب الشرقي تحت سيطرة مشددة، فهذا يعني أن أمريكا قدمت أقل مما عليه أن تفعله.
وستحاول الولايات المتحدة أيضا إجبار حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري، وحدات حماية الشعب، على النأي بنفسه عن حزب العمال الكردستاني، ولكن لأن عددا كبيرا من مقاتلي الوحدات الكردية هم في الواقع أتراك وأعضاء في حزب العمال الكردستاني، فهذا ربما ليس مطلبا واقعيا.
وأما روسيا، فإن قلق تركيا هو أنه إذا تحركت قواتها إلى عفرين، فإن القوات الروسية والإيرانية قد ترد بالسيطرة على إدلب، وسيكون ذلك انتكاسة أخرى للثوار السوريين وتقدما لنظام الأسد.
وإذا لم يكن ممكنا للتوغل واسع النطاق الحصول على ضوء أخضر من قوى أخرى في سوريا، فإن البديل قد يكون تصعيدا تدريجيا للهجمات عبر الحدود مع ضمان أن لا أحد يأتي لمساعدة الأكراد.
ومع ذلك، يقول الكاتب، فإن المكان الوحيد الذي انتزعت فيه أنقرة قدر من التحكم هو ساحات الحرب ضد حزب العمال الكردستاني في مقاطعات جنوب شرق البلاد المضطربة. إذ تعمل ببطء ولكن بثبات لوضع المنطقة كلها تحت السيطرة الكاملة والقضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني الإرهابي وتفجير مخابئ الأسلحة في سلسلة من عمليات واسعة النطاق.
ورغم أن عدد القتلى لا يزال مرتفعا -حوالي 20 من الجنود والشرطة شهريا- وليس هناك تسوية سياسية، إلا أنه العنف انخفض منذ العام الماضي وانحسر التحدي المباشر، وفقا لما أظهره تقرير لمجموعة الأزمات الدولية مؤخرا، وقد يشجع هذا أنقرة للحصول على ما تريد في معضلة عفرين.
** رابط المقال الأصلي:
http://www.middleeasteye.net/columns/invading-afrin-missing-piece-turkeys-syria-strategy-990488382