تقديرات: إيران تبحث عن النفوذ والمكانة في المشرق العربي وروسيا لا تستطيع إبعادها
=========================
2017-8-26 |
خدمة العصر
كتب محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" العبرية، تسفي برئيل، أنه من المشكوك فيه إذا كان بنيامين نتنياهو قد عاد من موسكو ولديه البشرى. ومشكوك فيه أكثر إذا كان حصل على تعهد من الرئيس الروسي لإخراج القوات الإيرانية من سوريا أو على تقييد وجودها. وهذا ليس لأن بوتين لا يريد، فهو يريد ضرب المنافس له الذي يتحدث الفارسية، لكنه ببساطة لا يستطيع.
الفجوة الإستراتيجية بين روسيا وإيران كبيرة. روسيا تسعى للوصول إلى حل سياسي يمكنها من التأثير في سوريا عن بعد، وإخراج قواتها من أراضيها والحصول على نصيب اقتصادي يضمن إعادة إعمار البلاد. بينما تريد إيران تريد من الحصار الشرق اوسطي لها وتثبيت حضورها على الأرض، وفي هذه المرة متاح لها محفظة سياسية ولا تنوي التنازل عنها. وهذا ليس لأنها ترى في سوريا منصة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، ولكن طهران تتنافس على مكانة شرعية في العالم وليس في الشرق فحسب.
فإذا كانت إيران قد اكتفت في السابق بالوصول إلى دول لم تكن ترغب في مصافحتها، فهي الآن تبحث عن النفوذ. في سوريا، ركزت إيران في السنتين الأخيرتين على خمس جبهات تعطيها سيطرة على كل المناطق الإستراتيجية، من درعا والسويداء في الجنوب ومرورا بدمشق وادلب في الوسط وانتهاء بحلب والحسكة في الشمال وعلى طول الحدود السورية العراقية في منطقة دير الزور.
وحسب تقارير المنظمة السرية الإيرانية "مجاهدي خلق" التي أصدرت تقارير أيضا عما يحدث داخل الصناعات النووية الإيرانية بصورة دقيقة جدا، فإن إيران لديها حوالي 70 ألف مقاتل في سوريا، عدد منهم منخرطون في وحدات نظامية في الحرس الثوري والجيش الايراني، وعدد آخر يتكون من مليشيات خاضعة لقيادة إيران، مثل حزب الله والمليشيات الشيعية التي وصلت من العراق ومتطوعون أفراد من أفغانستان وباكستان يعيشون في إيران لاجئين ومليشيات محلية سورية جُندت من قبل الحرس الثوري.
كل هذه القوات قادها الجنرال حسين همذاني الذي قتل في العام 2015، وعُين الجنرال جعفر اسدي مكانه، الذي كان قائدا للقاعدة اللوجستية الإيرانية في سوريا قرب مطار دمشق، وهي قاعدة مركزية لقيادة القوات الإيرانية. القيادة الإيرانية وفروعها حصلوا على قواعد كانت للجيش السوري أو منشآت مدنية مثل الجامعة التي توجد على بعد حوالي 60 كم بين دمشق والسويداء. والتي وضع حولها الإيرانيون مواقع إطلاق لصواريخ سام 1 المضادة للطائرات. قرب الحدود مع تركيا تملك إيران قاعدة للقوات المدرعة، وفي منطقة الشيباني قرب دمشق تعمل قوات مختارة من الحرس الثوري، التي هدفها حماية القصر الرئاسي في حالة مهاجمته.
هذه التقارير صحيحة حتى العام 2016، وبعد ذلك قرر الزعيم الأعلى لإيران علي خامنئي تعزيز القوات وإرسال قادة كبار آخرين من أجل تعزيز البنية العسكرية في سوريا. وقبل سنتين طلب محسن رضائي، قائد الحرس الثوري في فترة الحرب الإيرانية العراقية (1980 – 1988)، العودة إلى صفوف الحرس الثوري. رضائي الذي تنافس عدة مرات على الرئاسة وخسر، عُين مؤخرا مستشارا لقاسم سليماني (رئيس "قوة القدس" في حرس الثورة الإيراني) في الشؤون السورية.
هذا التعيين كان موجها لتعزيز مكانته السياسية في إيران أكثر من كونه إجراء عسكريا، لكنه يشير إلى أهمية سوريا في الإستراتيجية العسكرية لإيران.
وقال المحلل الإسرائيلي إن نشر القوات الكثيف هذا كلف إيران أيضا خسائر كثيرة، ولكن الحديث هنا لا يتركز على الخسائر في الأرواح وفقط، ففي عدد من الساحات اضطرت القوات إلى الانسحاب بضغط من روسيا، كما إن وزنها في جزء من المناطق الأمنية بمبادرة روسية وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، تقلص، وخصوصا في الجبهة الجنوبية التي تهم إسرائيل والأردن. ايران لن تشرف على المنطقة الآمنة في الجنوب. هذه المهمة تنفذها شرطة عسكرية روسية، وكذلك في المناطق الشمالية ستضطر إلى تقديم تنازلات لتركيا التي تريد المشاركة في الإشراف لقربها من المناطق الكردية. ولكن هذه التحركات التكتيكية لا تغير إستراتيجيا الوجود الإيراني نفسه في المنطقة.
ووفقا لتقديرات الكاتب، فإنه إذا أُديرت المعركة العسكرية والسياسية في سوريا بشكل يستمر في منح روسيا مكانة أساسية في توجيه الخطوات السياسية ووقف إطلاق نار محلي في عدة مناطق، وفي إقامة مناطق آمنة خاضعة لسيطرة روسيا (حتى لو كان بتنسيق أمريكي)، تستطيع إيران أن تضمن لنفسها بفضل وجودها في سوريا مكانة مؤثرة في الشرق العربي، حيث إنه ليست الحرب في سوريا هي التي ترفع مكانة إيران، وفقط، بل تعرف إيران أيضا كيف تستفيد من أزمات أخرى. مثلا، قررت قطر قبل يومين إعادة سفيرها إلى إيران، وبهذا استئناف العلاقة الدبلوماسية بصورة كاملة معها.
وكتب أن إعادة السفير القطري تعتبر خطوة تظاهرية، حيث إن العلاقة بين الدولتين لم تنقطع فعليا. والتعاون الاقتصادي والعسكري بين الدولتين بقي على حاله. إضافة إلى ذلك، في الأيام الثمانين من الحصار الذي فرضته السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر على قطر، كانت إيران هي التي زودت قطر بقطار جوي ونقلت إليها الغذاء ومنتجات أخرى. وبهذا أوضحت إيران للسعودية ودول الخليج بأنها إذا كانت تعتقد أن فرض العقوبات الاقتصادية على قطر سيؤدي إلى قطيعة مع إيران، فإن إيران (تركيا أيضا) أثبتت لهم العكس.
ما يجب أن يثير اهتمام خاص بهذا الموضوع، كما أورد المحلل في مقاله، هو عدم تدخل روسيا في الأزمات التي تعترف فيها بضعفها. روسيا لا يمكنها التأثير في السعودية في القضايا الداخلية – العربية، وقطر ليست تحت مظلة التأثير الروسية. من هنا، يمكن أيضا أن نخرج باستنتاجات حول قدرة التأثير في سلوك إيران في المنطقة، سواء تعلق الأمر بالحرب في اليمن أو الحرب في سوريا، ولا سيما أن لروسيا مصالح إستراتيجية واقتصادية في عدم مقاطعة إيران أو إدخال نفسها في مواجهة مع طهران على موضوع يهم إسرائيل والولايات المتحدة.
وما تستطيع روسيا طلبه من إيران هو الامتناع عن العمل بصورة من شأنها أن تعرض بشار الأسد ونظامه للخطر وإلحاق الضرر بالعملية السياسية التي تدعمها، وذلك بأن تفتح جبهة أخرى مع إسرائيل من الأراضي السورية.
ويبدو أن إسرائيل، وفقا لتقديرات الكاتب، ستضطر إلى التعايش مع واقع تكون فيه سوريا هي الجبهة المتقدمة لإيران، والاعتماد على وعود (لكن ليس تعهدات) روسية، وكل ذلك من دون دعم من الإدارة الأمريكية، التي تتخلى بصورة متسارعة عن الجبهة السورية".