هل ستلتزم أنقرة بتعهداتها: الروس يريدون دفع الأتراك للاصطدام مع "الهيئة" وأنقرة لا تريد خسارتها
خالد حسن
قررت روسيا، على الأقل الآن، إيقاف العملية العسكرية ضد إدلب الخاضعة لسيطرة الثوار، واختارت بدلاً من ذلك السماح للقوات التركية بإنشاء منطقة منزوعة السلاح على أطراف المحافظة ومطاردة المجموعات الجهادية.
الجانب الأكثر صعوبة وتعقيدا في الاتفاق، وربما هو جوهره، هو نزع السلاح الثقيل من "هيئة تحرير الشام" والمجموعات التابعة أو القريبة منها، وتملك الهيئة أكثر السلاح الثقيل، والعديد من مقاتليها يمانع ويرى أن تسليم السلاح مقدمة لسليم المنطقة إلى النظام مستقبلا. يبقى هل هذه العملية محصورة في المنطقة العازلة أم في كامل محافظة إدلب، هناك روايتان في هذا الشأن، ولعل قادم الأيام يرجح إحداهما، وإن كان الاتفاق نصَ على "سحب جميع الدبابات وقاذفات الصواريخ المتعددة والمدفعية ومدافع الهاون الخاصة بالأطراف المتقاتلة، من داخل المنطقة منزوعة التسليح، بحلول 10 أكتوبر 2018".
وفي السياق ذاته، تحدثت مصادر صحفية موالية لنظام الأسد أنه "لن تتضح التفاصيل التقنية الخاصة بتطبيق "اتفاق إدلب" الخاص بإنشاء منطقة "منزوعة السلاح" إلا بعد جولات جديدة من المشاورات بين رعاته". وتنقل المصادر ذاتها أن البنود الخاصة بإنشاء المنطقة "منزوعة السلاح" تشير إلى أن "حدودها والبلدات والمناطق التي تدخل في نطاقها، ستحدد لاحقاً بشكل تفصيلي بعد جولات من المشاورات، كما إنها توضح أن تلك المنطقة تمتد على عرض يتراوح بين 15 و20 كيلومترا داخل منطقة خفض التصعيد".
وأوضح أحد قادة الفصائل أن "العملية ستستغرق 6 أشهر أخرى لاستكمال عملية نزع السلاح، وستشمل كل محافظة إدلب "، ومن ثم "يمكن أن يكون هناك وقف إطلاق نار نهائي وكامل". وأشارت تقديرات إلى أن من يستعد من الهيئة للحلَ، فيمكن دمجه في العملية السياسية مع الفصائل، لكن ماذا عن الرافضين وهم كثر؟ إذا أخذنا بظاهر الاتفاق، فسوف ينتهي بهم المطاف إلى حوض معركة ضد الفصائل المرضيَ عنها والمرتبطة بتركيا، أو سيكون لديهم خيار خروج آمن إلى المنطقة الصحراوية في شرق حماة، وهذا رأي قال به متابعون ومراقبون.
لكن إذا نظرنا إلى الاتفاق من زاوية أخرى، ربما أعمق، فإنه ربما يبدو أن خسارة تركيا لـ"هيئة تحرير الشام" ليس في مصلحتها وهي تدرك ذلك، ولم تخسرها حتى الآن، وهي أقوى الأطراف في إدلب، وقد لا تندفع أنقرة بعيدا فيما تريد روسيا أن تورطها فيه. إذ ليس من السهل على تركيا خسارة الهيئة، ولا أظن أن الاتفاق فصَل في كثير من النقاط المبهمة العالقة، خاصة المسائل التنفيذية منه. إذ لا تزال الجوانب العملية في اتفاق سوتشي محل نظر وتفاوض، وكثير من النقاط لم تُناقش حتى الآن، وتركيا قد لا تمضي بعيدا في فرض الاتفاق على إدلب، وتركيزها أكثر على الأكراد. هذا ما تشير إليه تقديرات، ولا يمكن القطع بما سيحصل، إذ ليس ثمة طرف يمكنه حسم الموقف نهائيا، ولا هو قادر على ذلك.
روسيا تريد توريط تركيا في أوحال إدلب، تقاتل نيابة عنها عبر وكلائها وفصائلها المرتبطة بها، وتدفعها لأن تصطدم مع "الهيئة"، وأنقرة لا تريد أن تكرر تجربة قتالية أخرى كالتي خاضتها مع داعش في مدينة الباب. فما الذي ستفعله؟ هذا هو السؤال.
وهناك مسألة مهمة تدركها المخابرات التركية، ونبه إليها متابعون ومطلعون، وهي إن حُلَت "الهيئة"، فإن أغلب ناشطيها وقادتها سيلتحقون تنظيم "حراس الدين" أنصار القاعدة، تلك الجماعة التي لا تتعامل مع تركيا بل هي مستاءة منها واختلفت مع الهيئة في التوصل إلى تفاهمات مع تركيا والتعامل مع جيشها.
ويبدو الوضع معقدا إذا التزمت تركيا بتعهداتها أمام الروس، ستخسر "الهيئة" وستُشعل حربا داخلية في إدلب، وإن تماطلت وناورت ربحا للوقت، استفزها الروس وألحوا عليها بالحسم وهي بحاجة إليهم الآن، ليس في سوريا فقط، بل في قضايا أخرى ربما أكثر أهمية، فماذا هي فاعلة؟
والروس لا يقدرون على حسم معركة إدلب، ويريدون من تركيا أن تحسمها، وتركيا لم تر من الهيئة، الطرف الأقوى في إدلب، سوءا ولا تهديدا لمصالحها، بل ربما كان الأقدر، حتى الآن، على حماية حدودها، فماذا هي فاعلة؟
ولا يبدو أن تركيا، على الأقل حتى الآن، متحمسة للتدخل عسكريا في إدلب، ويناسبها وجود قوة مسيطرة تتفاهم معها، ولو اضطرارا، ولا تهدد مصالحها وتحمي لها حدودها، وأنقرة لا تثق بقدرة الفصائل وتدرك ضعفها وهشاشتها. وقرار المعركة بيد الروس، وهم يستعجلون الحسم للتفرغ للتسوية السياسية وإعادة الإعمار، وأعينهم على معارك الشرق والحرب على جيوب "تنظيم الدولة" شرقي ديرالزور وحمص، وأوروبا تضغط عليهم لمنع أي موجة نزوح أخرى كبيرة.
والروس يطاردهم، أيضا، الهاجس الأفغاني ويخشون تحول إدلب إلى مستنقع أفغاني آخر، لهذا هم يدفعون بتركيا لحسم وضع معقد. ثم، وهذا مهم، ما الذي يضمن أن الروس لا يغدرون بالاتفاق، وهم أهل غدر وخسة ونقض؟ وتركيا متوجسة من هذا، فقد جربتهم كثيرا في سوريا، وآخرها نقضهم لاتفاق مناطق "خفض التصعيد".
لكن الغلبة في الموقف والحسابات التركية، في الغالب، لمصلحة الأمن القومي، فهي التي تضبط الموقف النهائي وتحدد الوجهة، ولا يعلوها أي اعتبار آخر.