وكالات الأسفار الجزائرية تدفع فاتورة إهمال قطاع السياحة
شبح الإفلاس يطارد العشرات من المكاتب السياحية بسبب ارتباك السلطات في إدارة الأزمة.
الخميس 2020/06/11
يحاصر شبح الإفلاس العشرات من وكالات السياحة الجزائرية نتيجة غياب الحلول الحكومية العاجلة والجذرية لانتشال القطاع من الغرق في متاهة الركود بعد أن انحسر نشاطها بشكل أكثر مما هو متوقع، في ظل تداعيات أزمة الوباء وأكبر حظر تاريخي على حركة السفر على مستوى العالم.
الجزائر - تواجه الوكالات السياحية مصيرا غامضا بسبب التداعيات التي خلفها وباء فايروس كورونا على القطاع السياحي في الجزائر، في ظل غياب إستراتجية حقيقية للحكومات المتعاقبة للنهوض بالقطاع.
ودخلت السياحة في حالة من الركود، وسط خيارات حكومية مرتبكة، تسببت في تقهقر القطاع، ودفعت بالآلاف من العاملين إلى البطالة الإجبارية.
وتضاءل هامش انتعاش حركة السياح المحليين إلى الخارج، بعد الغلق الشامل لأنشطة الإجازات السنوية والحج والعمرة، لتجد مكاتب الأسفار نفسها أمام حافة الإفلاس في انتظار التفاتة من طرف الحكومة من أجل إنقاذها.
وفضلت العديد من الوكالات السياحية بالعاصمة الجزائرية البقاء مغلقة، رغم رفع الحظر على نشاطها من السلطات في إطار فتح الاقتصاد تدريجيا.
ويبدو أن حالة الارتباك التي خلفها وباء كورونا على الحياة العامة في البلاد دفعت هؤلاء إلى التريث لغاية استجلاء مصير الوضع الاقتصادي والاجتماعي العام.
وبرر العرابي مدني مالك وكالة الأهقار للأسفار والرحلات بالعاصمة، الإبقاء على غلق المقر، بـ”حالة الجمود السائدة في البلاد”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “قرار رفع الحجر عن نشاط الوكالات السياحية لا يعني عودة حركة الشغل إلى سابق عهدها، خاصة في ظل استمرار الحجر الصحي والشلل الذي يهيمن على حركة الطيران والوجهات السياحية المفضلة للجزائريين، فضلا عن استمرار تجميد العمرة والحج”.
ورغم اعتماد نشاط الوكالات السياحية في الجزائر، على إيفاد السياح المحليين للخارج في غالب الأحيان، إلا أن الضريبة الجديدة التي أقرها قانون المالية التكميلي على أصحاب الفنادق والإقامات السياحية، شكلت ضربة جديدة للقطاع.
ويؤكد العاملون في هذا المجال أن ذلك الأمر سيعمق من ضعف السياحة الداخلية ومن عائدات الوكالات المذكورة ويزيد من نفور السائح الجزائري من المنتج المحلي.
ولفت المتحدث إلى أن نشاط الوكالات السياحية تكبد خسائر فادحة منذ بداية إجراءات الحجر الصحي وتجميد الطيران وحركة النقل، حيث اضطر الكثير منها إلى تسريح بعض الموظفين، ولم يتم الاحتفاظ إلا بالقوى العاملة الضرورية.
كما تحول الوفاء بالرواتب والالتزامات تجاه صناديق الضمان الاجتماعي والضرائب إلى عبء حقيقي أعاق الاستمرار في الحد الأدنى.
ويرى اقتصاديون جزائريون أن السياحة هي أكبر القطاعات التي دفعت وتدفع ثمن الخيارات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال عام 1962، كونها اعتمدت على عوائد النفط والغاز وتجاهلت مجالات أخرى.
ودقت النقابة الوطنية لوكالات السف، أجراس الإنذار للفت انتباه الحكومة إلى الوضع الذي تتخبط فيه، ومن ورائها القطاع السياحي برمته، خاصة في ظل غياب إستراتيجية حقيقية للحكومات المتعاقبة وتردد وزارة السياحة في تنفيذ تعهدات كانت أطلقتها لنقابتهم للتكفل بالانشغالات المطروحة عليها.
وذكر بيان صادر عن النقابة أن “بعض الوكالات السياحية اضطر أصحابها للأسف إلى الغلق بعد تعليق النشاط، ومنهم من سرح عماله، وأن أعضاء النقابة الوطنية لوكلاء السياحة والسفر أفرجوا عن مبادرة لإعادة إنعاش القطاع تثمينا للقرار المتخذ من طرف رئاسة الجمهورية”.
ولفتت النقابة إلى أن الوضع الراهن لا يسمح للوكالات السياحية بالعودة للنشاط العادي بسبب الخسائر التي تكبدتها منذ بداية الاضطرابات السياسية في البلاد ثم التدابير المتخذة لمواجهة وباء كورونا.
ودعت النقابة السلطات مجددا للالتزام بالتعهدات التي أطلقتها والمتضمنة مرافقة مالية وقروضا دون فوائد وإعفاءات جبائية وشبه جبائية.
وكان رئيس النقابة بشير جريبي قد أعلن عن إفلاس 40 وكالة سياحية من أصل 1200 وكالة تعاني من نفس المشكلة، بسبب النتائج المترتبة عن الاضطرابات السياسية وتدابير مواجهة وباء كورونا.
وتشير التقديرات إلى أن مبيعات وكالات الأسفار تهاوت منذ بداية أزمة الوباء بنحو 80 في المئة على صعيد حجوزات الفنادق ورحلات الطيران.
ومازالت بعض الأرقام متضاربة، إذ لا توجد بيانات رسمية حول عدد السياح الجزائريين الذين يقضون إجازاتهم السنوية في الخارج، كما يُجهل وضع السياحة الداخلية التي تعاني من نفور السائح المحلي بسبب تدني الخدمات، وهو ما جعل مساهمة القطاع في الاقتصاد المحلي أقل من سبعة في المئة.
وأكد جريبي أن خلية الاستماع على مستوى النقابة تتلقى العشرات من الاتصالات يوميا من قبل وكالات سياحية تصارع للبقاء.
وحتى تقوم بمتابعة مشاكلها، قامت النقابة بإنشاء خلية أزمة تتكفل بمتابعة الوضع وقبل إيجاد الحلول للخروج من هذه الورطة بأقل الأضرار، وقد تعهّدت النقابة بمواصلة جهودها في ظل الأزمة إلى غاية ضمان حلول ومشاكل الوكالات.
ودعا رئيس النقابة إلى اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للسياحة، الذي يجب أن تحضره كل الأطراف الفاعلة في القطاع، والتي من شأنها المشاركة في إثراء النقاش حول سبل إعادة بعث السياحة في الجزائر.
وقال في بيان “نحن على مستوى النقابة مستعدّون لتقديم التنازلات من أجل صالح الاقتصاد الوطني، الذي نعتبر أن الوكالات السياحية محرّكا فاعلا فيه، على اعتبار الدور الكبير الذي تلعبه في تحريك السياحة”.
وطالب بالإسراع لوضع خطة عاجلة تتضمن “تقديم التسهيلات اللازمة لإنعاش حركة السفر داخل وخارج البلاد بعد الأزمة، على غرار فتح مكاتب صرف نظامية ورفع قيمة المنحة السياحية، وتوفير عدد أكبر من العروض والخدمات الخاصة بالطيران لكسر الأسعار”.
ورغم المساحة الجغرافية الكبيرة للجزائر قياسا بالمغرب وتونس وما تملكه البلاد من مقومات سياحية تتمثل في الشواطئ والصحراء وأماكن أثرية أخرى، إلا أن السلطات لا تزال لم تعر أهمية بالقدر الكافي لهذا القطاع الحيوي.
شبح الإفلاس يطارد العشرات من المكاتب السياحية بسبب ارتباك السلطات في إدارة الأزمة.
alarab.co.uk