مشاريع إسرائيلية تستهدف أوراش تكنولوجيا الأمن والطاقات البديلة بالمغرب
تستعدّ المملكة لتوقيع اتّفاقيات مشتركة مع إسرائيل غدا الثّلاثاء، في أوّل ظهور وتجسيد رسمي لعودة العلاقات بين تل أبيب والرّباط، بعد قطيعة دامت سنوات؛ وهو الموعد الذي انتظره طويلاً اليهود المغاربة الذين ظلّوا يطالبون بإخراج العلاقات بين البلدين إلى العلن وتجاوز “التّردد”.
وإذا كان المغرب سلكَ توجّها مغايراً في علاقاته مع إسرائيل، بخلاف باقي الدّول العربية، فإن ذلك راجعٌ إلى وجود أصوات داخل إسرائيل ظلّت تنادي بإخراج العلاقات بين البلدين من المنطقة “الرّمادية”، والإعلان رسمياً عن عودة الاتصالات الدّبلوماسية، لاسيما أنّ الرّباط تتمتع بعلاقات ثقافية ودينية عميقة مع الدّولة اليهودية.
وقال عبد الحليم مذكوري، من مؤسسة “فورم” للتّعدد الثقافي، إنّ “من أهم ركائز العلاقات الدولية وقت السلم هي: المصالح المشتركة القائمة أو المتوخاة، والتقارب الإثني أو الثقافي، ثمّ الروابط الديموغرافية والتحالفات الجيوستراتيجية لتفادي أخطار تمليها الصراعات الدولية أو الإقليمية والرغبة في تحقيق السلام”.
وقال المحلّل المقيم في هولندا، في تصريح له، إنّ هناك دائما استثمارا من الجهات المتعاقدة وراءه ربح، ماديا كان أو غير مادي، والمغرب من البلدان المصدرة للهجرة، بحيث تعيش في الكثير من بلدان جاليات كثيرة ذات جذور مغربية، وزاد: “نتجت عن وجود هذه الجاليات علاقات ديموغرافية واقتصادية جد مهمة بين المغرب ودول الاستقبال”.
واعتبر مذكوري أنّ “المغرب وقّع معاهدات مع معظم تلك الدول لتنظيم هذا المشترك الديموغرافي، إلا مع إسرائيل التي توجد فيها أكبر جالية مغربية خارج المغرب مازالت مرتبطة ببلدها الأصلي”، مورداً أنّ “سبب عدم إبرام اتفاقيات حول وضعية هذه الجالية الضّخمة يعود إلى عوامل مختلفة، كوضع إسرائيل في الوعي الجماعي للمغاربة، وموقفهم من مأساة الشعب الفلسطيني”.
كما قال المتحدث ذاته إنّه “لم يكن ممكنا عقد اتفاقيات جزئية بين البلدين، نظرا لغياب العلاقات الثنائية بينهما، أو لوجودهما رسميا في حالة حرب”، وزاد: “الرابح الأكبر في هذه العلاقة الجديدة هو تلك الجالية الضخمة التي سوف تتمكن من زيارة بلدها الأصلي، دون خوف من أي إجراءات زجرية من جانب بلدها إسرائيل الذي يمنع على مواطنيه زيارة البلدان العربية”.
وأشار الخبير في الحركات الاجتماعية إلى أنّ “اليهود المغاربة أينما كانوا لهم حقوق وواجبات على مؤسسة إمارة المؤمنين، التي لم يكن دائما من السهل عليها القيام بواجبها تجاه المغاربة اليهود في إسرائيل”.
وبعودة العلاقات الدّبلوماسية بين البلدين، يشدّد مذكوري، سيتغير الأمر، “وهذا ربح لإمارة المؤمنين واليهود المغاربة على السواء”، مردفا: “طبعا هناك أرباح لكلا الطرفين على المستوى الاقتصادي، وما القطاع السياحي إلا الجانب الأكثر وضوحا”.
على مستوى الطاقة المتجددة مثلا، يضيف المتحدث، “معروف أن المغرب ذو طموحات كبرى في هذا الميدان، كما راكم الخبرات والتجارب على مر العقود الماضية؛ وهذا في مقابل حيازة إسرائيل التكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال، وبالتالي سيقوّي عملهما المشترك من موقع المملكة التي تطمح إلى مركز القيادة في إفريقيا، كما سيقلل من منافستهما في السوق الإفريقية”.
ويتوقّف الخبير ذاته أيضا عند مجال التكنولوجيا الأمنية، الذي تتبوأ فيه إسرائيل مركزا قياديا على المستوى الدولي، موردا أن “المغرب في المقابل أبان في العقود الأخيرة عن قدرة جد محترمة دوليا على التعامل مع القضايا الأمنية الشائكة، كمحاربة الإرهاب ومساندة السلام في القارة الإفريقية”.
كما قال مذكوري: “وضع المغرب إفريقيا سيمكن إسرائيل كذلك من توسيع مجال تسويق منتجاتها في هذه القارة التي يتنبأ الخبراء بنهضة اقتصادية كبيرة فيها.. وللمملكة مواقع مهمة في القارة الأم، خصوصا على المستوى البنكي والمواصلات. وغير مستبعد أن تستغل إسرائيل علاقاتها مع المغرب، ولو معنويا، لتوطيد علاقاتها مع الدول التي تكن احتراما كبيرا للأخير”.
واعتبر المتحدث ذاته أنّ “المغرب بذل جهودًا كبيرة للالتحاق بمنظومة التعاون الاقتصادي لغرب إفريقيا، وفي الأخير تكللت مجهوداته بالنجاح؛ وهذا الموقع الذي استطاع كسبه هو الذي دفع بالرئيس الأمريكي، الذي جسد أكثر من أي كان ما يطلق عليها ”السياسة الواقعية” Ralpolitik، إلى إعلانه الأخير بخصوص السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية”.
واستطرد المحلّل: “كان على المغرب أن يقدم الحجة التي لا تقبل الشك بأن الطريق بين طنجة وعمق إفريقيا آمنة 100٪، وهذا ما يفسر التدخل المغربي الأخير لإنهاء الفوضى عند الكركرات، المعبر الذي أراد خصوم المملكة أن يجعلوا منه بعبعا أمنيًا لتثبيط أي حماس عند الدول التي ترى لنفسها دورا (اقتصاديا) في القارة العذراء”.
“لقد اتضح للجزائر بما لا يدع أدنى مجال للشك أن المغرب سدد لها ‘ضربة معلم’ لن تستطيع محو آثارها مهما صرخت ومهما حاولت شراء الهمم، فحتى أصدقاؤها كجنوب إفريقيا بدؤوا في مراجعة حساباتهم في ما يخص قضية الأقاليم الجنوبية للمملكة، ودور الأخيرة الإيجابي في القارة الأم”، يورد مذكوري، بينما ختم بالقول: “علاقة المغرب بإسرائيل تختلف عن كل الدول العربية للروابط الديموغرافية وبالتالي الثقافية بين البلدين. وكما يعرف القاصي والداني فإن الشعب المغربي بأغلبية ساحقة وفي للشعب الفلسطيني مهما كانت العلاقات مع إسرائيل. ولا أظن القيادة المغربية “عبيطة” لتتجاهل هذا الوفاء الشعبي لقضية الفلسطينيين”.